تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5094 - عددالزوار : 2339744 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4679 - عددالزوار : 1636977 )           »          تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 199 - عددالزوار : 4110 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 75 - عددالزوار : 67173 )           »          برّ الوالدين بعد الوفاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          حُكم التائب من التهاون في الصلاة والصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          كيفية التغلب على الغضب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          لا يلزم مِن الزهد ترك البيع والشراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          النهي عن الفُحش في القول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          زكاة أموال القُصّر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-07-2025, 05:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,805
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (671)
صــ 441 إلى صــ 450





(سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) ، قال: فتستقبلهم الوِلدان، فيحفّون بهم كما تحفّ الولدان بالحميم إذا جاء من غيبته. (1) ثم يأتون فيبشرون أزواجهم، فيسمونهم بأسمائهم وأسماء آبائهم. فيقلن: أنت رأيته! قال: فيستخفهنَّ الفرَح، قال: فيجئن حتى يقفن على أُسْكُفَّة الباب. (2) قال: فيجيئون فيدخلون، فإذا أسُّ بيوتهم بِجَندل اللؤلؤ، وإذا صُرُوح صفر وخضر وحمر ومن كل لون، وسُرُر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرِابيُّ مبثوثة. فلولا أن الله قدَّرها، لالْتُمِعَتْ أبصارهم مما يرون فيها. (3) فيعانقون الأزواج، ويقعدون على السرر، ويقولون: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا إذ هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق) ، الآية. (4)
* * *
(1)
(( الحميم )) ، ذو القرابة القريب الذي تحبه وتهتم لأمره.

(2)
(( أسكفة الباب )) (بضم الهمزة، وسكون السين، وضم الكاف، بعدها فاء مشددة مفتوحة) : عتبة الباب التي يوطأ عليها.

(3)
(( التمع الشيء )) اختلسه وذهب به. و (( التمع بصره )) باليناء بالمجهول، اختلس واختطف فلا يكاد يبصره. ويقال مثله (( التمع لونه )) ، ذهب وتغير.

(4)
الأثر: 14666 - (( عاصم بن ضمرة السلولي )) ، وثقه ابن سعد وابن المديني، والعجلي، وقال النسائي: (( ليس به بأس )) . ولكن الجوزجاني وابن عدي ضعفاه، وقال ابن أبي حاتم: (( كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، على أنه أحسن حالا - يعني الأعور )) . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 345، وميزان الاعتدال 2: 3.

وهذا الخبر، ذكره ابن القيم في حادي الأرواح (إعلام الموقعين) 1: 233 مطولا، فقال: (( وقال عدي بن الجعد في الجعديات: أنبأنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي قال )) وليس فيه ذكر (( عمر )) .
ثم وجدت أبا جعفر قد رواه في تفسيره (24: 24، بولاق) ، من طريق مجاهد بن موسى، عن يزيد، عن شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، بنحوه.
ثم رواه بعد من طريق أبي إسحاق، عن الحارث الأعور، عن علي، بنحوه.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 5: 342، ونسبه إلى ابن المبارك في الزهد، وعبد الرازق، وابن أبي شيبة، وابن راهويه، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، والبيهقي في البعث، والضياء في المختارة، ولم ينسبه لابن جرير. وساقه مطولا.
وساقه ابن كثير في تفسيره 7: 273، من تفسير ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب، بنحوه.
وليس في هذه جميعًا ذكر (( عمر )) ، فقوله: (( قال ذكر عمر، لشيء لا أحفظه )) غريب جدًا لم أعرف تأويله، ولا ما فيه من تحريف، إلا أن يكون: (( قال غندر، لشيء لا أحفظه )) و (( غندر )) هو (( محمد بن جعفر )) الراوي عن شعبة، فيكون قوله (( قال غندر )) من قول (( محمد بن المثنى )) ، والله أعلم.
القول في تأويل قوله: {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة، ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم بها، وهو أنّ أعداء الله في النار: والله لقد جاءتنا في الدنيا، وهؤلاء الذين في النار، رسل ربنا بالحق من الأخبار عن وعد الله أهلَ طاعته والإيمان به وبرسله، ووعيده أهلَ معاصيه والكفر به.
* * *
وأما قوله: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) ، فإن معناه: ونادى منادٍ هؤلاء الذين وصف الله صفتهم، وأخبر عما أعدّ لهم من كرامته: أنْ يا هؤلاء، هذه تلكم الجنة التي كانت رسلي في الدنيا تخبركم عنها، أورَثكموها الله عن الذين كذبوا رسله، لتصديقكم إياهم وطاعتكم ربكم. وذلك هو معنى قوله: (بما كنتم تعملون) .
* * *
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14667- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) ، قال: ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل، فإذا دخل أهل الجنة الجنةَ، وأهل النار النارَ، ودخلوا منازلهم، رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل لهم: "هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله" ، ثم يقال: "يا أهل الجنة، رِثُوهم بما كنتم تعملون" ، فتُقْسم بين أهل الجنة منازلهم.
14668- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن سعد أبو داود الحفري، [عن سعيد بن بكير] ، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأغرّ: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) ، قال: نودوا أنْ صِحُّوا فلا تسقموا، واخلُدوا فلا تموتوا، وانعموا فلا تَبْأسوا. (1)
14669- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأغر، عن أبي سعيد: (ونودوا أن تلكم الجنة) ، الآية، قال: ينادي منادٍ: أن لكم أنْ تصحُّوا فلا تسقموا أبدًا. (2)
* * *
واختلف أهل العربية في "أنْ" التي مع "تلكم" .
(1)
الأثر: 14668 - (( عمر بن سعد )) ، (( أبو داود الحفري )) ، ثقة. مضى رقم: 863، وهو يروي عن (( سفيان الثوري )) ، ولكن جاء هنا (( سعيد بن بكير )) .

وأما (( سعيد بن بكير )) ، فهو في المطبوعة (( سعد بن بكر )) ، وأثبت ما في المخطوطة. ولست أدري من يكون؟ أو عن أي شيء هو محرف.
و (( الأغر )) هو (( الأغر )) ، أبو مسلم المدني، روى عن أبي هريرة وأبي سعيد، وكانا اشتركا في عتقه. روى عنه أبو إسحاق السبيعي، تابعي ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 1 /2 / 44، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 308.
وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه 17: 174، من طريق عبد الرازق، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأغر، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مطولا، بنحوه. وسيأتي مختصرًا في الذي يليه.
(2)
الأثر: 14669 - هذا مختصر حديث مسلم (17: 174) الذي خرجته في التعليق السالف.

فقال بعض نحويي البصرة: هي "أنّ" الثقيلة، خففت وأضمر فيها، ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة، لأن بعدها اسمًا، والخفيفة لا تليها الأسماء، وقد قال الشاعر: (1)
فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْد، قَدْ عَلِمُوا ... أنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ (2)
وقال آخر: (3)
أُكَاشِرُهُ وَأَعْلَمُ أَنْ كِلانَا ... عَلَى مَا سَاءَ صَاحِبَهُ حَرِيصُ (4)
قال: فمعناه: أنه كِلانا. قال: ويكون كقوله: (أَنْ قَدْ وَجَدْنَا) ، في موضع "أي" ؛ وقوله: (أَنْ أَقِيمُوا) ، [سورة الشورى: 13] ، ولا تكون "أن" التي تعمل
(1)
هو الأعشى.

(2)
ديوانه: 45، سيبويه 1: 282، 440، 480 /2: 123، أمالي ابن الشجري 2: 2، الإنصاف: 89، والخزانة 3: 547 / 4: 356، وشرح شواهد العيني (بهامش الخزانة) 2: 287، وغيرها.

وهذا البيت أنشده سيبويه، وتبعه النحاة في كتبهم، وهو بيت ملفق من بيتين، يقول الأعشى في قصيدته المشهورة: إمَّا تَرَيْنَا حُفَاةً لا نِعَالَ لَنَا ... إِنَّا كَذَلِكَ مَا تَحْفَى ونَنْتَعِلُ
فَقَدْ أُخَالِسُ رَبَّ البَيْتِ غَفْلَتُهُ ... وَقَدْ يُحَاذِرُ مِنِّي ثُمَّ مَا يَئِلُ
وَقَدْ أَقُودُ الصِّبَا يَوْمًا فَيَتْبَعُنِي ... وَقَدْ يُصَاحِبْنِي ذُو الشِّرَّةِ الغَزِلُ
وَقَدْ غَدَوْتُ إلَى الحَانُوتِ يَتْبَعُنِي ... شَاوٍ مِشَلٌ شَلُولٌ شُلْشُلٌ شَوِلُ
فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْد، قَدْ عَلِمُوا ... أَنْ لَيْسَ يَدْفَعُ عَنْ ذِي الحِيلَة الحيَلُ
نازَعْتُهُمْ قُضُبَ الرَّيْحَانِ مُتَّكِئًا ... وَقَهْوَةً مُزَّةً رَواوُوقُها خَضِلُ
لا يَسْتَفِيقُونَ مِنْهَا وَهْيَ رَاهِنَةٌ ... إِلا بِهَاتِ، وَإنْ عَلُّوا وإنْ نَهِلُوا
(3)
لم أعرف قائله.

(4)
سيبويه 1: 440، الإنصاف لابن الأنباري: 89، 183، وأمالي ابن الشجري 1: 188، وغيرها وقوله: (( أكاشره )) : أضاحكه.

في الأفعال، لأنك تقول: "غاظني أن قام" ، و "أن ذهب" ، فتقع على الأفعال، وإن كانت لا تعمل فيها. وفي كتاب الله: (وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [سورة ص: 6] ، أي: امشوا.
* * *
وأنكر ذلك من قوله هذا بعض أهل الكوفة، فقال: غير جائز أن يكون مع "أن" في هذا الموضع "هاء" مضمرة، لأن "أن" دخلت في الكلام لتَقِيَ ما بعدها. قال: "وأن" هذه التي مع "تلكم" هي الدائرة التي يقع فيها ما ضارع الحكاية، وليس بلفظ الحكاية، نحو: "ناديت أنك قائم،" و "أنْ زيد قائم" و "أنْ قمت" ، فتلي كلَّ الكلام، وجعلت "أن" وقاية، لأن النداء يقع على ما بعده، وسلم ما بعد "أن" كما سلم ما بعد "القول" . ألا ترى أنك تقول: "قلت: زيد قائم" ، و "قلت: قام" ، فتليها ما شئت من الكلام؟ فلما كان النداء بمعنى "الظن" وما أشبهه من "القول" سلم ما بعد "أن" ، ودخلت "أن" وقاية. قال: وأما "أي" ، فإنها لا تكون على "أن" لا يكون "أي" جواب الكلام، و "أن" تكفي من الاسم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونادى أهلُ الجنة أهلَ النار بعد دخولهموها: يا أهل النار، قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا في الدنيا على ألسن رسله، من الثواب على الإيمان به وبهم، وعلى طاعته، فهل وجدتم ما وعدنا ربكم على ألسنتهم على
الكفر به وعلى معاصيه من العقاب؟ (1) فأجابهم أهل النار: بأنْ نعم، قد وجدنا ما وعد ربنا حقًّا، كالذي:-
14670- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا قالوا نعم) ، قال: وجد أهل الجنة ما وُعدوا من ثواب، وأهل النار ما وُعدوا من عقاب.
14671- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا) ، وذلك أن الله وعد أهل الجنة النعيم والكرامة وكلَّ خير علمه الناس أو لم يعلموه، ووعدَ أهل النار كلَّ خزي وعذاب علمه الناس أو لم يعلموه، فذلك قوله: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ) ، [سورة ص: 58] . قال: فنادى أصحاب الجنة أصحابَ النار أنْ قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟ قالوا: نعم. يقول: من الخزي والهوان والعذاب. قال أهل الجنة: فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا من النعيم والكرامة = (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (قالوا نعم) .
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة والبصرة: (قَالُوا نَعَمْ) ، بفتح العين من "نعم" .
* * *
ورُوِي عن بعض الكوفيين أنه قرأ: "قَالُوا نَعِمْ" بكسر "العين" ، وقد أنشد بيتا لبني كلب:
(1)
انظر تفسير (( أصحاب الجنة )) و (( أصحاب النار )) فيما سلف من فهارس اللغة (صحب) .

نَعِمْ، إِذَا قالَهَا، مِنْهُ مُحَقَّقَةٌ ... وَلاتَخِيبُ "عَسَى" مِنْهُ وَلا قَمنُ (1)
بكسر "نعم" .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندنا (نَعَمْ) بفتح "العين" ، لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار، واللغة المشهورة في العرب.
* * *
وأما قوله: (فأذن مؤذن بينهم) ، يقول: فنادى مناد، وأعلم مُعْلِمٌ بينهم = (أن لعنة الله على الظالمين) ، يقول: غضب الله وسخطه وعقوبته على مَنْ كفر به. (2)
* * *
وقد بينا القول في "أنّ" إذا صحبت من الكلام ما ضارع الحكاية، وليس بصريح الحكاية، بأنها تشددها العرب أحيانًا، وتوقع الفعل عليها فتفتحها وتخففها أحيانًا، وتعمل الفعل فيها فتنصبها به، وتبطل عملها عن الاسم الذي يليها، فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (3)
* * *
وإذ كان ذلك كذلك، فسواء شُدِّدت "أن" أو خُفِّفت في القراءة، إذ كان معنى الكلام بأيّ ذلك قرأ القارئ واحدًا، وكانتا قراءتين مشهورتين في قرأة الأمصار.
* * *
(1)
لم أجد البيت، ولم أعرف قائله. (( قمن )) ، جدير. يقول: لو قال لك: (( عسى أن يكون ما تسأل )) أو: (( أنت قمن أن تنال ما تطلب )) ، فذلك منه إنفاذ منه لما تسأل، وتحقيق لما تطلب.

وكان في المطبوعة: (( ولا تجيء عسى )) ، غير ما في المخطوطة، وهو الصواب. لأنه قال إن العدة بنعم محققة، وبما أقل منها في الوعد محقق أيضًا لا يخيب معها سائله.
(2)
انظر تفسير (( اللعنة )) فيما سلف ص: 416، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر ما سلف قريبًا ص 443 - 445.

القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: إن المؤذن بين أهل الجنة والنار يقول: "أن لعنة الله على الظالمين" ، الذين كفروا بالله وصدّوا عن سبيله (1) = (ويبغونها عوجًا) ، يقول: حاولوا سبيل الله = وهو دينه (2) = "أن يغيروه ويبدِّلوه عما جعله الله له من استقامته (3) = (وهم بالآخرة كافرون) ، يقول: وهم لقيام الساعة والبعث في الآخرة والثواب والعقاب فيها جاحدون."
* * *
والعرب تقول للميل في الدِّين والطريق: "عِوَج" بكسر "العين" ، وفي ميل الرجل على الشيء والعطف عليه: "عاجَ إليه يَعُوج عِيَاجًا وعَوَجًا وعِوَجًا" ، بالكسر من "العين" والفتح، (4) كما قال الشاعر: (5)
قِفَا نَسْأَلْ مَنَازِلَ آلِ لَيْلى ... عَلَى عِوَجٍ إلَيْهَا وَانْثِنَاءِ (6)
ذكر الفراء أن أبا الجرّاح أنشده إياه بكسر العين من "عوج" ، فأما ما كان خلقة في الإنسان، فإنه يقال فيه: "عَوَج ساقه" ، بفتح العين.
* * *
(1)
انظر تفسير (( الصد )) فيما سلف 10: 565، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( سبيل الله )) فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .

(3)
انظر تفسير (( بغى )) فيما سلف ص: 286، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير (( العوج )) فيما سلف 7: 53، 54، ومجاز القرآن أبي عبيدة 1: 98.

(5)
لم أعرف قائله.

(6)
اللسان (عوج) ، وروايته: * مَتَى عِوَجٌ إلَيْهَا وَانْثنَاءُ *

وفي المطبوعة: (( قفا نبكي )) ، وهو من سوء قراءة الناشر للمخطوطة، وصوابه ما أثبت كما في رواية اللسان أيضًا.
القول في تأويل قوله: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وبينهما حجاب) ، وبين الجنة والنار حجاب، يقول: حاجز، وهو: السور الذي ذكره الله تعالى فقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) ، [سورة الحديد: 13] . وهو "الأعراف" التي يقول الله فيها: (وعلى الأعراف رجال) ، كذلك.
14671- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد قال: "الأعراف" ، حجاب بين الجنة والنار.
14672- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وبينهما حجاب) ، وهو "السور" ، وهو "الأعراف" .
* * *
وأما قوله: (وعلى الأعراف رجال) ، فإن "الأعراف" جمع، واحدها "عُرْف" ، وكل مرتفع من الأرض عند العرب فهو "عُرْف" ، وإنما قيل لعُرف الديك "عرف" ، لارتفاعه على ما سواه من جسده، ومنه قول الشماخ بن ضرار:
وَظَلًّتْ بِأَعْرَافٍ تَغَالَى، كَأَنَّهَا ... رِمَاحٌ نَحَاهَا وِجْهَةَ الرِّيحِ رَاكِزُ (1)
(1)
ديوانه: 53، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 215، ورواية ديوانه وغيره (( وظلت تغالي باليفاع كأنها )) . وهذا البيت من آخر القصيدة في صفة حمر الوحش، بعد أن عادت من رحلتها الطويلة العجيبة في طلب الماء، يقودها العير، فوصفه ووصفهن، فقال: مُحَامٍ على عَوْراتِهَا لا يَرُوعُها ... خَيَالٌ، وَلا رَامِي الوُحُوشِ المنَاهِزُ

وأصْبَحَ فَوْقَ النَّشْزِ، نَشْزِ حَمَامةٍ، ... لَهُ مَرْكَضٌ فِي مُسْتَوَى الأَرْضِ بَارِزُ
وَظلَّتْ تغَالَي بِاليَفَاع ...
و (( تغالي الحمر )) احتكاك بعضها ببعض.يصف ضمور حمر الوحش، كأنها رماح مائلة تستقبل مهب الرياح. وكان في المطبوعة: (( تعالى )) ، وهو خطأ. وفي المخطوطة هكذا: (( وطلت بأعراف تعالى كأنها رماح وجهه راكز )) ، صوابه ما أثبت.
يعني بقوله: "بأعراف" ، بنشوز من الأرض، ومنه قول الآخر: (1)
كُلُّ كِنَازٍ لَحْمُهُ نِيَافِ ... كَالْعَلَمِ الْمُوفِي عَلَى الأعْرَافِ (2)
* * *
وكان السدي يقول: إنما سمي "الأعراف" أعرافًا، لأن أصحابه يعرفون الناس.
14672- حدثني بذلك محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14673- حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، سمع ابن عباس يقول: "الأعراف" ، هو الشيء المشرف. (3)
14674- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عباس يقول، مثله. (4)
14675- حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "الأعراف" ، سور كعرف الديك.
14676- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.
(1)
لم أعرف قائله.

(2)
مجاز القرآن أبي عبيدة 1: 215، اللسان (نوف) ، (( الكناز )) المجتمع اللحم القوية. و (( النياف )) ، الطويل، يصف جملا. و (( العلم )) الجبل.

(3)
الأثر: 14673 - (( عبيد الله بن أبي يزيد المكي )) ، روى عن ابن عباس، مضى برقم: 3778. وكان في المطبوعة (( عبيد الله بن يزيد )) ، والصواب من المخطوطة.

(4)
الأثر: 14674 - (( عبيد الله بن أبي يزيد )) ، المذكور آنفًا، في المطبوعة والمخطوطة هنا (( عبيد الله بن يزيد )) .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-07-2025, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,805
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (676)
صــ 491 إلى صــ 500




فروى ذلك بعضهم عنه: (بُشْرًا) ، بالباء وضمها، وسكون الشين.
وبعضهم، بالباء وضمها وضم الشين.
وكان يتأوّل في قراءته ذلك كذلك قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) [سورة الروم: 46] ، تبشر بالمطر، وأنه جمع "بشير" يبشر بالمطر، جُمِع "بُشُرًا" ، كما يجمع "النذير" "نُذُرًا" . (1)
* * *
وأما قرأة المدينة وعامة المكيين والبصريين، فإنهم قرؤوا ذلك: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاحَ نُشُرَا) ، بضم "النون" ، و "الشين" بمعنى جمع "نَشور" جمع "نشرًا" ، كما يجمع "الصبور" "صُبُرًا" ، و "الشكور" "شُكُرًا" .
* * *
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: معناها إذا قرئت كذلك: أنها الريح التي تهبّ من كل ناحية، وتجيء من كل وجه. (2)
* * *
وكان بعضهم يقول: إذا قرئت بضم النون، فينبغي أن تسكن شينها، لأن ذلك لغة بمعنى "النَّشْر" بالفتح. وقال: العرب تضم النون من "النُّشْر" أحيانًا، وتفتح أحيانًا بمعنى واحد. قال: فاختلاف القرأة في ذلك على قدر اختلافها في لغتها فيه. وكان يقول: هو نظير "الخَسْف" ، "والخُسْف" ، بفتح الخاء وضمها.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قراءة من قرأ ذلك: (نَشْرًا) و (نُشُرًا) ، بفتح "النون" وسكون "الشين" ، وبضم "النون" و "الشين" قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار.
(1)
في المطبوعة: "وأنه جمع بشير بشرًا، كما يجمع النذير نذرًا" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 217.

.
. ... .... ... ... ... ... (1) .

فلا أحب القراءة بها، وإن كان لها معنى صحيح ووجه مفهوم في المعنى والإعراب، لما ذكرنا من العلة.
* * *
وأما قوله: "بين يدي رحمته" ، فإنه يقول: قدام رحمته وأمامها.
* * *
والعرب كذلك تقول لكل شيء حدث قدام شيء وأمامه: "جاء بين يديه" ، لأن ذلك من كلامهم جرى في أخبارهم عن بني آدم، وكثر استعماله فيهم، حتى قالوا ذلك في غير ابن آدم وما لا يَدَ له. (2)
* * *
و "الرحمة" التي ذكرها جل ثناؤه في هذا الموضع، المطر.
* * *
فمعنى الكلام إذًا: والله الذي يرسل الرياح ليّنًا هبوبها، طيبًا نسيمها، أمام غيْثه الذي يسوقه بها إلى خلقه، فينشئ بها سحابًا ثقالا حتى إذا أقلتها = و "الإقلال" بها، حملها، كما يقال: "استقلّ البعير بحمله" ، و "أقله" ، إذا حمله فقام به = ساقه الله لإحياء بلد ميت، قد تعفَّت مزارعه، ودَرَست مشاربه، وأجدب أهلُه، (3) فأنزل به المطر، وأخرج به من كل الثمرات.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14782 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
(1)
في موضع هذه النقط سقط لا شك فيه، ذكر فيه العلة التي سيشير إليها بعد. ولم أستطع أن أجد نقلا عن أبي جعفر يهدي إلى ما يسد هذا الخرم.

(2)
انظر تفسير: "بين يديه" فيما سلف 6: 160، 438.

(3)
انظر تفسير "ميت" و "موت الأرض" فيما سلف 3: 274/ 5: 446.

حدثنا أسباط، عن السدي: "وهو الذي يرسل الرياح نشرًا بين يدي رحمته" إلى قوله: "لعلكم تذكرون" ، قال: إن الله يرسل الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين، طرف السماء والأرض من حيث يلتقيان، فيخرجه من ثَمَّ، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء، فيسيل الماء على السحاب، ثم يمطر السحاب بعد ذلك. وأما "رحمته" ، فهو المطر.
* * *
وأما قوله: "كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون" ، فإنه يقول تعالى ذكره: كما نحيي هذا البلد الميت بما ننزل به من الماء الذي ننزله من السحاب، فنخرج به من الثمرات بعد موته وجدوبته وقُحُوط أهله، كذلك نخرج الموتى من قبورهم أحياءً بعد فنائهم ودروس آثارهم = "لعلكم تذكرون" ، يقول تعالى ذكرُه للمشركين به من عبدة الأصنام، المكذبين بالبعث بعد الممات، المنكرين للثواب والعقاب: ضربتُ لكم، أيها القوم، هذا المثل الذي ذكرت لكم: من إحياء البلد الميت بقَطْر المطر الذي يأتي به السحاب الذي تنشره الرياح التي وصفت صفتها، لتعتبروا فتذكروا وتعلموا أن مَنْ كان ذلك من قدرته، فيسيرٌ في قدرته إحياء الموتى بعد فنائها، وإعادتها خلقًا سويًّا بعد دُرُوسها. (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14783 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون" ، وكذلك تخرجون، وكذلك النشور، كما نخرج الزرع بالماء.
* * *
14784 - وقال أبو هريرة: إن الناس إذا ماتوا في النفخة الأولى، أمطر
(1)
انظر تفسير "التذكر" فيما سلف ص: 299، تعليق: 1، والمراجع هناك.

عليهم من ماء تحت العرش يُدعى "ماء الحيوان" أربعين سنة، فينبتون كما ينبت الزرع من الماء. حتى إذا استكملت أجسادهم، نفخ فيهم الروح، ثم تُلْقى عليهم نَوْمة، فينامون في قبورهم. فإذا نفخ في الصور الثانية عاشوا، وهم يجدون طعم النوم في رؤوسهم وأعينهم، كما يجد النائم حين يستيقظ من نومه، فعند ذلك يقولون: (يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) ، فناداهم المنادي: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [سورة يس: 52] . (1)
* * *
14785 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "كذلك نخرج الموتى" ، قال: إذا أراد الله أن يخرج الموتى، أمطر السماء حتى تتشقق عنهم الأرض، ثم يرسل الأرواح، فتعود كل روح إلى جسدها، فكذلك يحيي الله الموتى بالمطر كإحيائه الأرض.
* * *
(1)
الأثر: 14784 - هذا الخبر عن أبي هريرة، رواه بغير إسناد، وكنت أظنه من رواية السدي في الأثر السالف، ولكني شككت في ذلك، فآثرت أن أضع له رقمًا مستقلا. وأيا ما كان، فإني لم أجد نص هذا الخبر في شيء من مراجعي. وحديث أبي هريرة في البعث، رواه مسلم في صحيحه 18: 91، قال:

"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين النفختين أربعون. قالوا: يا أبا هريرة: أربعون يومًا؟ قال: أَبَيْتُ. قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: أبيتُ. قالوا: أربعون سنة؟ قال أبيتُ، ثم ينزل الله من السماء ماءً فيَنْبُتُون كما يَنْبُتُ البَقْل. وَليس من الإنسانِ شيء إلا يَبْلَى، إلا عظمًا واحدًا، وهو عَجْبُ الذنب، ومنه يُرَكَّبُ الخلقُ يوم القيامة" .
القول في تأويل قوله: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والبلدُ الطيبة تربته، العذبةُ مشاربه، يخرج نباته إذا أنزل الله الغيث وأرسل عليه الحيا، بإذنه، طيبًا ثمرُه في حينه ووقته. والذي خَبُث فردؤت تربته، وملحت مشاربه، لا يخرج نباته إلا نكدًا =
= يقول: إلا عَسِرًا في شدة، كما قال الشاعر: (1)
لا تُنْجِزُ الوعْدَ، إِنْ وَعَدْتَ، وإن ... أَعْطَيْتَ أَعْطَيْتَ تَافِهًا نَكِدَا (2)
يعني بـ "التافه" ، القليل، وبـ "النكد" العسر. يقال منه: "نكِد يَنْكَد نكَدًا، ونَكْدًا = فهو نَكَدٌ ونَكِدٌ" ، والنُّكْد، المصدر. ومن أمثالهم: "نَكْدًا وجحدًا" ، "ونُكدًا وجُحْدا" . و "الجحد" ، الشدة والضيق. ويقال: "إذا شُفِه وسئل: (3) قد نَكَدوه ينكَدُونه نَكْدًا" ، كما قال الشاعر: (4)
وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَهُ طَيِّبًا ... لا خَيْرَ فِي المَنْكُودِ والنَّاكِدِ (5)
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعض أهل المدينة: (إلا نَكَدًا) ، بفتح الكاف.
* * *
(1)
م أعرف قائله.

(2)
مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 217 ولسان العرب (تفه) .

(3)
"شفه الرجل" (بالبناء للمجهول) ، إذا كثر سؤال الناس إياه فأعطى حتى نفد ما عنده فأفنى ماله. "فهو مشفوه" ومثله "منكود، ومثمود، ومعروك، ومعجوز، ومصفوف، ومكثور عليه" . ويقال: "ماء مشفوه" ، كثير الشاربة، وكذلك الماء والطعام.

(4)
م أعرف قائله.

(5)
اللسان (نكد) ، وقد ذكرت البيت آنفًا 1: 442، تعليق: 1

وقرأه بعض الكوفيين بسكون الكاف: (نَكْدًا) .
* * *
وخالفهما بعد سائر القرأة في الأمصار، فقرؤوه: (إلا نَكِدًا) ، بكسر الكاف.
* * *
كأن من قرأه: "نكَدًا" بنصب الكاف أراد المصدر.
وكأنّ من قرأه بسكون الكاف أراد كسرها، فسكنها على لغة من قال: "هذه فِخْذ وكِبْد" ، وكان الذي يجب عليه إذا أراد ذلك أن يكسر "النون" من "نكد" حتى يكون قد أصاب القياس.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءةُ من قرأهُ: (نَكِدًا) ، بفتح "النون" وكسر "الكاف" ، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار عليه.
* * *
وقوله: "كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون" ، يقول: كذلك: نُبين آية بعد آية، وندلي بحجة بعد حجة، ونضرب مثلا بعد مثل، (1) لقوم يشكرون الله على إنعامه عليهم بالهداية، وتبصيره إياهم سبيل أهل الضلالة، باتباعهم ما أمرَهم باتباعه، وتجنُّبهم ما أمرهم بتجنبه من سبل الضلالة. وهذا مثل ضرَبه الله للمؤمن والكافر، فالبلد الطيب الذي يخرج نباته بإذن ربه، مثل للمؤمن = والذي خَبُث فلا يخرج نباته إلا نكدًا، مثلٌ للكافر.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14786 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله: "والبلد الطيب يخرج نباته"
(1)
انظر تفسير "التصريف" فيما سلف 3: 275، 276/ 11: 356، 433/ 12: 25

= وتفسير "الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .
بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا "، فهذا مثل ضربه الله للمؤمن. يقول: هو طيب، وعمله طيب، كما البلد الطيب ثمره طيب. ثم ضرب مثلَ الكافر كالبلدة السَّبِخة المالحة التي يخرج منها النز (1) فالكافر هو الخبيث، وعمله خبيث."
14787 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "والبلد الطيب" ، و "الذي خبث" قال: كل ذلك من الأرض السِّباخ وغيرها، مثل آدم وذريته، فيهم طيب وخبيث.
14788 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
14789 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا" ، قال: هذا مثل ضربه الله في الكافر والمؤمن.
14790 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد = يعني ابن المفضل = قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث" ، هي السبخة لا يخرج نباتها إلا نكدًا = و "النكد" ، الشيء القليل الذي لا ينفع. فكذلك القلوب لما نزل القرآن، فالقلب المؤمن لما دخله القرآن آمن به وثبت الإيمان فيه، والقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق منه بشيء ينفعه، ولم يثبت فيه من الإيمان شيء إلا ما لا ينفع، كما لم يُخْرِج هذا البلد إلا ما لا ينفع من النبات.
(1)
في المطبوعة: "التي تخرج منها البركة" ، زاد "لا" ، وليست في المخطوطة اتباعًا لما في الدر 3: 93. وفي المخطوطة مثلها أنه كتب "النزله" غير المنقوطة. وهو غير مفهوم إذا قرئ: "تخرج منها البركة" . وصفة الأرض "السبخة" أنها أرض ذات ملح ونز، وهو الماء تتحلب عنه الأرض، فيصير مناقع. ومن أجل ذلك صار راجحًا عندي أن ما أثبته هو الصواب، وأن ما في المخطوطة من فعل الناسخ.

14791 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا" ، قال: الطيب ينفعه المطر فينبت، "والذي خبث" السباخُ، لا ينفعه المطر، لا يخرج نباته إلا نكدًا. قال: هذا مثل ضربه الله لآدم وذريته كلهم، إنما خلقوا من نفس واحدة، فمنهم من آمن بالله وكتابه، فطابَ. ومنهم من كفر بالله وكتابه، فخَبُث.
* * *
القول في تأويل قوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) }
قال أبو جعفر: أقسم ربنا جل ثناؤه للمخاطبين بهذه الآية: أنه أرسل نوحًا إلى قومه، منذرَهم بأسَه، ومخوِّفَهم سَخَطه، على عبادتهم غيره، فقال لمن كفر منهم: يا قوم، اعبدوا الله الذي له العبادة، وذِلُّوا له بالطاعة، واخضعوا له بالاستكانة، ودعوا عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة، فإنه ليس لكم معبودٌ يستوجب عليكم العبادةَ غيرُه، فإني أخاف عليكم إن لم تفعلوا ذلك "عذابَ يوم عظيم" ، يعني: عذابَ يوم يعظم فيه بلاؤكم بمجيئه إياكم بسخط ربِّكم.
* * *
وقد اختلفت القَرَأة في قراءة قوله: "غيره" .
فقرأ ذلك بعض أهل المدينة والكوفة: (مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِهِ) ، بخفض "غير" على النعت لـ "إله" .
* * *
وقرأه جماعة من أهل المدينة والبصرة والكوفة: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه) ،
برفع "غير" ، ردًّا لها على موضع "من" ، لأن موضعها رفع، لو نزعت من الكلام لكان الكلام رفعًا، وقيل: "ما لكم إله غيرُ الله" . (1) فالعرب [لما وصفت من أن المعلوم بالكلام] (2) أدخلت "من" فيه أو أخرجت، وأنها تدخلها أحيانًا في مثل هذا من الكلام، وتخرجها منه أحيانًا، تردّ ما نعتت به الاسم الذي عملت فيه على لفظه، فإذا خفضت، فعلى كلام واحد، لأنها نعت لـ "الإله" . وأما إذا رفعت، فعلى كلامين: "ما لكم غيره من إله" ، وهذا قول يستضعفه أهل العربية.
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه، عن جواب مشركي قوم نوح لنوح، وهم "الملأ" = و "الملأ" ، الجماعة من الرجال، لا امرأة فيهم (3) = أنهم قالوا له حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له: "إنا لنراك" ، يا نوح = "في ضلال مبين" ، (4) يعنون في أمر زائل عن الحق، مبين زوالهُ عن قصد الحقّ لمن تأمله. (5)
* * *
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 382، 383.

(2)
هكذا جاءت العبارة في المطبوعة والمخطوطة، وفي الكلام سقط لا شك فيه، لم أستطع أن أرده إلى أصله، ولذلك وضعت هذه العبارة بين القوسين. والظاهر أن السقط طويل، لأن أبا جعفر خالف هنا في هذا السياق ما درج عليه من ذكر أولي القراءتين بالصواب عنده.

(3)
انظر تفسير "الملأ" فيما سلف 5: 291، وقد فسره هناك بما فسرته كتب اللغة، أنهم وجوه القوم ورؤساؤهم وأشرافهم. وأما التفسير الذي هنا، فلم يرد فيها، وهو شيء ينبغي أن يقيد. وهذا نص الفراء في معاني القرآن 1: 383.

(4)
انظر تفسير "الضلال" و "مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) و (بين) .

(5)
في المطبوعة: "عن قصد الحد" ، وهو لا معنى له، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة، وهذا صواب قراءتها. وانظر تفسير الآية التالية.

القول في تأويل قوله: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال نوح لقومه مجيبًا لهم: يا قوم، لم آمركم بما أمرتكم به من إخلاص التوحيد لله، وإفراده بالطاعة دون الأنداد والآلهة، زوالا مني عن محجة الحقّ، وضلالا لسبيل الصواب، وما بي ما تظنون من الضلال، ولكنّي رسول إليكم من رب العالمين بما أمرتكم به: من إفراده بالطاعة، والإقرار له بالوحدانية، والبراءة من الأنداد والآلهة.
* * *
القول في تأويل قوله: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (62) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن نبيه نوح عليه السلام أنه قال لقومه الذين كفروا بالله وكذبوه: "ولكني رسول من رب العالمين" ، أرسلني إليكم، فأنا أبلغكم رسالات ربي، وأنصح لكم في تحذيري إياكم عقابَ الله على كفركم به، وتكذيبكم إياي، وردّكم نصيحتي = "وأعلم من الله ما لا تعلمون" ، من أن عقابه لا يردُّ عن القوم المجرمين.
* * *





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 260.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 258.45 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (0.83%)]