تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         جمع السلف الصالح بين العبادة وطلب الرزق الحلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          التبكير بالنوم بعد العشاء سنة نبوية وصحة بدنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          عظات وعبر من الحر الشديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الحياة مع القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          هل مرض السرطان له إيجابيات؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          (فتنة الفَقر) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          اغتيال صوت غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          سُنّة: زيارة أهل الفضل والصلاح لأجل صلاحهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          لفي خسر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-07-2025, 05:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,628
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (19)
سُورَةُ المزمل
من صــ 41الى صــ50
الحلقة (730)






والحركات ؛ قال مجاهد وابن أبي مليكة وغيرهما. وقال ابن عباس بمعناه ، أي يواطئ السمع القلب ؛ قال الله تعالى : {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} أي ليوافقوا. وقيل : المعنى أشد مهادا للتصرف في التفكر والتدبر. والوطاء خلاف الغطاء. وقيل : "أشد وطئا" بسكون الطاء وفتح الواو أي أشد ثباتا من النهار ؛ فإن الليل يخلو فيه الإنسان بما يعمله ، فيكون ذلك أثبت للعمل وأتقى لما يلهي ويشغل القلب. والوطء الثبات ، تقول : وطئت الأرض بقدمي. وقال الأخفش : أشد قياما. الفراء : أثبت قراءة وقياما. وعنه : "أشد وطئا" أي أثبت للعمل وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة ، والليل وقت فراغ عن اشتغال المعاش ، فعبادته تدوم ولا تنقطع. وقال الكلبي : "أشد وطئا" أي أشد نشاطا للمصلي ؛ لأنه في ، زمان راحته. وقال عبادة : "أشد وطأ" أي نشاطا للمصلي وأخف ، وأثبت للقراءة.
الرابعة- قوله تعالى : {وَأَقْوَمُ قِيلاً} أي القراءة بالليل أقوم منها بالنهار ؛ أي أشد استقامة واستمرارا على الصواب ؛ لأن الأصوات هادئة ، والدنيا ساكنة ، فلا يضطرب على المصلي ما يقرؤه. قال قتادة ومجاهد : أي أصوب للقراءة وأثبت للقول ؛ لأنه زمان التفهم. وقال أبو علي : "أقوم قيلا" أي أشد استقامة لفراغ البال بالليل. وقيل : أي أعجل إجابة للدعاء. حكاه ابن شجرة. وقال عكرمة : عبادة الليل أتم نشاطا ، وأتم إخلاصا ، وأكثر بركة. وعن زيد بن أسلم : أجدر أن يتفقه في القرآن. وعن الأعمش قال : قرأ أنس بن مالك "إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا" فقيل له : {وَأَقْوَمُ قِيلاً} فقال : أقوم وأصوب وأهيأ : سواء. قال أبو بكر الأنباري : وقد ترامى ببعض هؤلاء الزائغين إلى أن قال : من قرأ بحرف يوافق معنى حرف من القرآن فهو. مصيب ، إذا لم يخالف معنى ولم يأت بغير ما أراد الله وقصد له ، واحتجوا بقول أنس هذا. وهو قول لا يعرج عليه ولا يلتفت إلى قائله ؛ لأنه لو قرأ بألفاظ تخالف ألفاظ القرآن إذا قاربت معانيها واشتملت على عامتها ، لجاز أن يقرأ في موضع {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الشكر للباري ملك المخلوقين ، ويتسع الأمر في هذا حتى يبطل لفظ جميع القرآن ، ويكون التالي له مفتريا على الله عز وجل ، كاذبا على رسوله صلى الله عليه وسلم ،
ولا حجة لهم في قول ابن مسعود : نزل القرآن على سبعة أحرف ، إنما هو كقول أحدكم : هلم وتعال وأقبل ؛ لأن هذا الحديث يوجب أن القراءات المأثورة المنقولة بالأسانيد الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلفت ألفاظها ، واتفقت معانيها ، كان ذلك فيها بمنزلة الخلاف في هلم ، وتعال ، وأقبل ، فأما ما لم يقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعوهم رضي الله عنهم ، فإنه من أورد حرفا منه في القرآن بهت ومال وخرج من مذهب الصواب. قال أبو بكر : والحديث الذي جعلوه قاعدتهم في هذه الضلالة حديث لا يصح عن أحد من أهل العلم ؛ لأنه مبني على رواية الأعمش عن أنس ، فهو مقطوع ليس بمتصل فيؤخذ به ، من قبل أن الأعمش رأى أنسا ولم يسمع منه.
الخامسة- قوله تعالى : {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً} قراءة العامة بالحاء غير معجمة ؛ أي تصرفا في حوائجك ، وإقبالا وإدبارا وذهابا ومجيئا. والسبح : الجري والدوران ، ومنه السابح في الماء ؛ لتقلبه بيديه ورجليه. وفرس سابح : شديد الجري ؛ قال امرؤ القيس :
مسح إذا ما السابحات على الونى ... أثرن الغبار بالكديد المركل
وقيل : السبح الفراغ ؛ أي إن لك فراغا للحاجات بالنهار. وقيل : {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً} أي نوما ، والتسبح التمدد ؛ ذكره الخليل. وعن ابن عباس وعطاء : "سبحا طويلا" يعني فراغا طويلا لنومك وراحتك ، فاجعل ناشئة الليل لعبادتك ، وقال الزجاج : إن فاتك في الليل ، شيء فلك في النهار فراغ الاستدراك.
وقرأ يحيى بن يعمر وأبو وائل "سبخا" بالخاء المعجمة. قال المهدوي : ومعناه النوم روى ذلك عن القارئين بهذه القراءة. وقيل : معناه الخفة والسعة والاستراحة ؛ ومنه قول
النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد دعت على سارق ردائها : "لا تسبخي" عنه "بدعائك عليه" . أي لا تخففي عنه إثمه ؛ قال الشاعر :
فسبخ عليك الهم واعلم بأنه ... إذا قدر الرحمن شيئا فكائن
الأصمعي : يقال سبخ الله عنك الحمى أي خففها. وسبخ الحر : فتر وخف. والتسبيخ النوم الشديد. والتسبيخ أيضا توسيع القطن والكتان والصوف وتنفيشها ؛ يقال للمرأة : سبخي قطنك. والسبيخ من القطن ما يسبخ بعد الندف ، أي يلف لتغزله المرأة ، والقطعة منه سبيخة ، وكذلك من الصوف والوبر. ويقال لقطع القطن سبائخ ؛ قال الأخطل يصف القناص والكلاب :
فأرسلوهن يذرين التراب كما ... يذري سبائخ قطن ندف أوتار
وقال ثعلب : السبخ بالخاء التردد والاضطراب ، والسبخ أيضا السكون ؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : "الحمى من فيح جهنم ، فسبخوها بالماء" أي سكنوها. وقال أبو عمرو : السبخ : : النوم والفراغ.
قلت : فعلى هذا يكون من الأضداد وتكون بمعنى السبح ، بالحاء غير المعجمة.
8-
{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً}

فيه ثلاث مسائل :
الأولى- قوله تعالى : {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} أي ادعه بأسمائه الحسنى ، ليحصل لك مع الصلاة محمود العاقبة. وقيل : أي اقصد بعملك وجه ربك ، وقال سهل : اقرأ باسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتك توصلك بركة قراءتها إلى ربك ، وتقطعك عما سواه. وقيل : اذكر اسم ربك في وعده ووعيده ، لتوفر على طاعته وتعدل عن معصيته. وقال الكلبي : صل لربك أي بالنهار.
قلت : وهذا حسن فإنه لما ذكر الليل ذكر النهار ؛ إذ هو قسيمه ؛ وقد قال الله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ} على ما تقدم.
الثانية- قوله تعالى : {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} التبتل : الانقطاع إلى عبادة الله عز وجل ؛ أي انقطع بعبادتك إليه ، ولا تشرك به غيره. يقال : بتلت الشيء أي قطعته ، ومنه قولهم : طلقها بتة بتلة ، وهذه صدقة بتة بتلة ؛ أي بائنة منقطعة عن صاحبها ، ؛ أي قطع ملكه عنها بالكلية ؛ ومنه مريم البتول لانقطاعها إلى الله تعالى ، ويقال للراهب متبتل ؛ لانقطاعه عن الناس ، وانفراده بالعبادة ، قال :
تضيء الظلام بالعشاء كأنها ... منارة ممسى راهب متبتل
وفي الحديث النهي عن التبتل ، وهو الانقطاع عن الناس والجماعات. وقيل : إن أصله عند العرب التفرد ؛ قال ابن عرفة. والأول أقوى لما ذكرنا. ويقال : كيف قال : تبتيلا ، ولم يقل تبتلا ؟ قيل له : لأن معنى تبتل بتل نفسه ، فجيء به على معناه مراعاة لحق الفواصل.
الثالثة- قد مضى في (المائدة) في تفسير قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} كراهة لمن تبتل وانقطع وسلك سبيل الرهبانية بما فيه كفاية. قال ابن العربي : وأما اليوم وقد مرجت عهود الناس ، وخفت أماناتهم ، واستولى الحرام على الحطام ، فالعزلة خير من الخلطة ، والعزبة أفضل من التأهل ، ولكن معنى الآية : انقطع عن الأوثان والأصنام وعن عبادة غير الله ، وكذلك قال مجاهد : معناه : أخلص له العبادة ، ولم يرد التبتل ، فصار التبتل مأمورا به في القرآن ، منهيا عنه في السنة ، ومتعلق الأمر غير متعلق النهي ؛ فلا يتناقضان ، وإنما بعث ليبين للناس ما نزل إليهم ؛ فالتبتل المأمور به : الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة ؛ كما قال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ والتبتل المنهي عنه : هو سلوك مسلك النصارى في ترك النكاح والترهيب في الصوامع ، لكن عند فساد الزمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن.
9-
{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} .

10-
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} .

11-
{وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً}

قوله تعالى : {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} قرأ أهل الحرمين وابن محيصن ومجاهد وأبو عمرو وابن أبي إسحاق وحفص "ربُ" بالرفع على الابتداء والخبر {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَْْ} . وقيل : على إضمار "هو" . الباقون "رب" بالخفض على نعت الرب تعالى في قوله تعالى : {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} {رَبُّ الْمَشْرِقِ} ومن علم أنه رب المشارق والمغارب انقطع بعمله وأمله إليه. {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} أي قائما بأمورك. وقيل : كفيلا بما وعدك.
قوله تعالى : {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} أي من الأذى والسب والاستهزاء ، ولا تجزع من قولهم ، ولا تمتنع من دعائهم. {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} أي لا تتعرض لهم ، ولا تشتغل بمكافأتهم ، فإن في ذلك ترك الدعاء إلى الله. وكان هذا قبل الأمر بالقتال ، ثم أمر بعد بقتالهم وقتلهم ، فنسخت آية القتال ما كان قبلها من الترك ؛ قاله قتادة وغيره. وقال أبو الدرداء : إنا لنكشر في وجوه (أقوام) ونضحك إليهم وإن قلوبنا لتقليهم أو لتلعنهم.
قوله تعالى : {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} أي أرض بي لعقابهم. نزلت في صناديد قريش ورؤساء مكة من المستهزئين. وقال مقاتل : نزلت في المطعمين يوم بدر وهم عشرة. وقد تقدم ذكرهم في "الأنفال" . وقال يحيى بن سلام : إنهم بنو المغيرة. وقال سعيد بن جبير أخبرت أنهم اثنا عشر رجلا. {أُولِي النَّعْمَةِ} أي أولي الغنى والترفه واللذة في الدنيا
{وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً} يعني إلى مدة آجالهم. قالت عائشة رضي الله عنها : لما نزلت هذه الآية لم يكن إلا يسيرا حتى وقعت وقعة بدر. وقيل : "وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً" يعني إلى مدة الدنيا.
12-
{إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً} .

13-
{وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً} .

14-
{يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً}

قوله تعالى : {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً} الأنكال : القيود. عن الحسن ومجاهد وغيرهما. واحدها نكل ، وهو ما منع الإنسان من الحركة. وقيل : سمى نكلا ، لأنه ينكل به. قال الشعبي : أترون أن الله تعالى جعل الأنكال في أرجل أهل النار خشية أن يهربوا ؟ لا والله! ولكنهم إذا أرادوا أن يرتفعوا استفلت بهم.
وقال الكلبي : الأنكال : الأغلال ، والأول أعرف في اللغة ؛ ومنه قول الخنساء :
دعاك فقطعت أنكاله ... وقد كن قبلك لا تقطع
وقيل : إنه أنواع العذاب الشديد ؛ قاله مقاتل. وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله يحب النكل على النكل" بالتحريك ، قال الجوهري. قيل : وما النكل ؟ قال : "الرجل القوي المجرب ، على الفرس القوي المجرب" ذكره الماوردي قال : ومن ذلك سمي القيد نكلا لقوته ، وكذلك ، الغل ، وكل عذاب قوي فاشتد ، والجحيم النار المؤججة. {وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ} أي غير سائغ ؛ يأخذ بالحلق ، لا هو نازل ولا هو خارج ، وهو الغسلين والزقوم والضريع ؛ قاله ابن عباس. وعنه أيضا : انه شوك يدخل الحلق ، فلا ينزل ولا يخرج. وقال الزجاج : أي طعامهم الضريع ؛ كما قال : {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} وهو شوك كالعوسج. وقال مجاهد : هو الزقوم ، كما قال : {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ} . والمعنى واحد. وقال حمران بن أعين : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً. وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ}
فصعق. وقال خليد بن حسان : أمسى الحسن عندنا صائما ، فأتيته بطعام فعرضت له هذه الآية {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً. وَطَعَاماً} فقال : أرفع طعامك. فلما كانت الثانية أتيته بطعام فعرضت له هذه الآية ، فقال : ارفعوه. ومثله في الثالثة ؛ فانطلق ابنه إلى ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء فحدثهم ، فجاؤوه فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق. والغصة : الشجا ، وهو ما ينشب في الحلق من عظم أو غيره. وجمعها غصص. والغصص بالفتح مصدر قولك : غصصت يا رجل تغص ، فأنت غاص بالطعام وغصان ، وأغصصته أنا ، والمنزل غاص بالقوم أي ممتلئ بهم.
قوله تعالى : {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ} أي تتحرك وتضطرب بمن عليها. وانتصب "يوم" على الظرف أي ينكل بهم ويعذبونر {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ} . وقيل : بنزع الخافض ؛ يعني هذه العقوبة في يوم ترجف الأرض والجبال. وقيل : العامل "ذرني" أي وذرني والمكذبين يوم ترجف الأرض والجبال. {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً} أي وتكون. والكثيب الرمل المجتمع - قال حسان :
عرفت ديار زينب بالكثيب ... كخط الوحي في الورق القشيب
والمهيل : الذي يمر تحت الأرجل. قال الضحاك والكلبي : المهيل : هو الذي إذا وطئته بالقدم زل من تحتها ، وإذا أخذت أسفله انهال. وقال ابن عباس : "مهيلا" أي رملا سائلا متناثرا وأصله مهيول وهو مفعول من قولك : هلت عليه التراب أهيله هيلا : إذا صببته. يقال : مهيل ومهيول ، ومكيل ومكيول ، ومدين ومديون ، ومعين ومعيون ؛ قال الشاعر :
قد كان قومك يحسبونك سيدا ... وإدخال أنك سيد معيون
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنهم شكوا إليه الجدوبة ؛ فقال : "أتكيلون أم تهيلون" قالوا : نهيل. قال : "كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه" . وأهلت الدقيق لغة في هلت فهو
مهال ومهيل. وإنما حذفت الواو ، لأن الياء تثقل فيها الضمة ، فحذفت فسكنت هي والواو فحذفت الواو لالتقاء الساكنين.
15-
{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} .

16-
{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} .

17-
{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} .

18-
{السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} .

19-
{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}

قوله تعالى : {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً} يريد النبي صلى الله عليه وسلم أرسله إلى قريش {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} وهو موسى {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} أي كذب به ولم يؤمن. قال مقاتل : ذكر موسى وفرعون ؛ لأن أهل مكة ازدروا محمدا صلى الله عليه وسلم واستخفوا به ؛ لأنه ولد فيهم ، كما أن فرعون أزدرى موسى ؛ لأنه رباه ونشأ فيما بينهم ، كما قال تعالى : {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً} .
قال المهدوي : ودخلت الألف واللام في الرسول لتقدم ذكره ؛ ولذلك اختير في أول الكتب سلام عليكم ، وفي آخرها السلام عليكم. {وَبِيلاً} أي ثقيلا شديدا. وضرب وبيل وعذاب وبيل : أي شديد ؛ قال ابن عباس ومجاهد. ومنه مطر وابل أي شديد ؛ قال الأخفش. وقال الزجاج : أي ثقيلا غليظا.
ومنه قيل للمطر وابل. وقيل : مهلكا (والمعنى عاقبناه عقوبة غليظة) قال :
أكلت بنيك أكل الضب حتى ... وجدت مرارة الكلأ الوبيل
واستوبل فلان كذا : أي لم يحمد عاقبته. وماء وبيل : أي وخيم غير مريء ، وكلأ مستوبل وطعام وبيل ومستوبل : إذا لم يمرئ ولم يستمرأ ، قال زهير :
فقضوا منايا بينهم ثم أصدروا ... إلى كلأ مستوبل متوخم
وقالت الخنساء :
لقد أكلت بجيلة يوم لاقت ... فوارس مالك أكلا وبيلا
والوبيل أيضا : العصا الضخمة ؛ قال :
لو أصبح في يمنى يدي زمامها ... وفي كفي الأخرى وبيل تحاذره
وكذلك الموبل بكسر الباء ، والموبلة أيضا : الحزمة من الحطب ، وكذلك الوبيل ، قال طرفة :
عقيلة شيخ كالوبيل يلندد
قوله تعالى : {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} هو توبيخ وتقريع ، أي كيف تتقون العذاب إن كفرتم. وفيه تقديم وتأخير ، أي كيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم. وكذا قراءة عبدالله وعطية.
قال الحسن : أي بأي صلاة تتقون العذاب ؟ بأي صوم تتقون العذاب ؟ وفيه إضمار ، أي كيف تتقون عذاب يوم. وقال قتادة : والله ما يتقى من كفر بالله ذلك اليوم بشيء. و "يوما" مفعول بـ "تتقون" على هذه القراءة وليس بظرف ، وإن قدر الكفر بمعنى الجحود كان اليوم مفعول "كفرتم" . وقال بعض المفسرين : وقف التمام على قوله : (كفرتم) والابتداء (يوما) يذهب إلى أن اليوم مفعول "يجعل" والفعل لله عز وجل ، وكأنه قال : يجعل الله الولدان شيبا في يوم. قال ابن الأنباري ؛ وهذا لا يصلح ؛ لأن اليوم هو الذي يفعل هذا من شدة هوله. المهدوي : والضمير في "يجعل" يجوز أن يكون لله عز وجل ، ويجوز أن يكون لليوم ، وإذا كان لليوم صلح أن يكون صفة له ، ولا يصلح ذلك إذا كان الضمير لله عز وجل إلا مع تقدير حذف ؛ كأنه قال : يوما يجعل الله الولدان فيه شيبا. ابن الأنباري : ومنهم من نصب اليوم
بـ "ـــكفرتم" وهذا قبيح ؛ لأن اليوم إذا علق بـ "كفرتم" احتاج إلى صفة ؛ أي كفرتم بيوم. فإن احتج محتج بأن الصفة قد تحذف وينصب ما بعدها ، احتججنا عليه بقراءة عبدالله "فكيف تتقون يوما" .
قلت : هذه القراءة ليست متواترة ، وإنما جاءت على وجه التفسير. وإذا كان الكفر بمعنى الجحود فـ "يوما" مفعول صريح من غير صفة ولا حذفها ؛ أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء. وقرأ أبو السمال قعنب "فكيف تتقون" بكسر النون على الإضافة. و "الولدان" الصبيان. وقال السدي : هم أولاد الزنا. وقيل : أولاد المشركين. والعموم أصح ؛ أي يشيب فيه الضمير من غير كبر. وذلك حين يقال : "يا آدم قم فابعث بعث النار" . على ما تقدم في أول سورة "الحج" . قال القشيري : ثم إن أهل الجنة يغير الله أحوالهم وأوصافهم على ما يريد.
وقيل : هذا ضرب مثل لشدة ذلك اليوم وهو مجاز ؛ لأن يوم القيامة لا يكون فيه ولدان ولكن معناه أن هيبة ذلك اليوم بحال لو كان فيه هناك صبي لشاب رأسه من الهيبة. ويقال : هذا وقت الفزع ، وقيل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق ، فالله أعلم. الزمخشري : وقد مر بي في بعض الكتب أن رجلا أمسى فاحم الشعر كحنك الغراب ، فأصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة ، فقال : أريت القيامة والجنة والنار في المنام ، ورأيت الناس يقادون في السلاسل إلى النار ، فمن هول ذلك أصبحت كما ترون. ويجوز أن يوصف اليوم بالطول ، وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب.
قوله تعالى : {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} أي متشققة لشدته. ومعنى "به" أي فيه ؛ أي في ذلك اليوم لهوله. هذا أحسن ما قيل فيه. ويقال : مثقلة به إثقالا يؤدي إلى انفطارها لعظمته عليها وخشيتها من وقوعه ، كقوله تعالى : {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . وقيل : "به" أي له ، أي لذلك اليوم ؛ يقال : فعلت كذا بحرمتك ولحرمتك ، والباء واللام



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 151.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 150.26 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (1.13%)]