تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح مسلم الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 409 - عددالزوار : 58110 )           »          روائع قرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          السلطان نور الدين والقبر النبوي الشريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          وليمة جابر بن عبد الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          سمك العنبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الصحابي عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          أو حسبت أن نيل العلا بالتمني..؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          عبادة التفكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          نحن وأطفالنا أينا أحوج إلى الآخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-07-2025, 04:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (15)
سُورَةُ الزمر
من صــ 227 الى صــ 236
الحلقة (614)






ومن قال آلهة تعبد. وقيل : الملأ الأعلى ها هنا قريش ؛ يعني اختصامهم فيما بينهم سرا ، فأطلع الله نبيه على ذلك. { إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ } أي إن يوحى إلي إلا الإنذار. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع { إِلاَّ أَنَّمَا } بكسر الهمزة ؛ لأن الوحي قول ، كأنه قال : يقال لي إنما أنت نذير مبين ، ومن فتحها جعلها في موضع رفع ؛ لأنها اسم ما لم يسم فاعله. قال الفراء : كأنك قلت ما يوحى إلي إلا الإنذار ، النحاس : ويجوز أن تكون في موضع نصب بمعنى إلا لأنما. والله أعلم.
الآية : [71] { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ }
الآية : [72] { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ }
الآية : [73] { فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ }
الآية : [74] { إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ }
قوله تعالى : { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ } { إِذْ } من صلة { يَخْتَصِمُونَ } المعنى ؛ ما كان لي من علم بالملأ الأعلى حين يختصمون حين { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ } . وقيل : { إِذْ قَالَ } بدل من { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } و { يَخْتَصِمُونَ } يتعلق بمحذوف ؛ لأن المعنى ما كان لي من علم بكلام الملأ الأعلى وقت اختصامهم. { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } { إِذْا } ترد الماضي إلى المستقبل ؛ لأنها تشبه حروف الشرط وجوابها كجوابه ؛ أي خلقته. { سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي } أي من الروح الذي أملكه ولا يملكه غيري. فهذا معنى الإضافة ، وقد مضى هذا المعنى مجودا في {النساء} في قوله في عيسى { وَرُوحٌ مِنْهُ } . { فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } نصب على الحال. وهذا سجود تحية لا سجود عبادة. وقد مضى في {البقرة} . { فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } أي امتثلوا الأمر وسجدوا له خضوعا له وتعظيما لله بتعظيمه { إِلاَّ إِبْلِيسَ } أنف من السجود له جهلا بأن السجود له طاعة لله ؛ والأنفة من طاعة الله استكبارا كفر ، ولذلك كان من الكافرين باستكباره عن أمر الله تعالى. وقد مضى الكلام في ، هذا في {البقرة} مستوفى.
لآية : [75] { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ }
الآية : [76] { قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ }
الآية : [77] { قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ }
الآية : [78] { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ }
الآية : [79] { قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }
الآية : [80] { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ }
الآية : [81] { إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ }
الآية : [82] { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }
الآية : [83] { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }
قوله تعالى : { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ } أي صرفك وصدك { أَنْ تَسْجُدَ } أي عن أن تسجد { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } أضاف خلقه إلى نفسه تكريما له ، وإن كان خالق كل شيء وهذا كما أضاف إلى نفسه الروح والبيت والناقة والمساجد. فخاطب الناس بما يعرفونه في تعاملهم ، فإن الرئيس من المخلوقين لا يباشر شيئا بيده إلا على سبيل الإعظام والتكرم ، فذكر اليد هنا بمعنى هذا. قال مجاهد : اليد ها هنا بمعنى التأكد والصلة ؛ مجازه لما خلقت أنا كقوله : { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ } أي يبقى ربك. وقيل : التشبيه في اليد في خلق الله تعالى دليل على أنه ليس بمعنى النعمة والقوة والقدرة ؛ وإنما هما صفتان من صفات ذاته تعالى. وقيل : أراد باليد القدرة ؛ يقال : مالي بهذا الأمر يد. وما لي بالحمل الثقيل يدان. ويدل عليه أن الخلق لا يقع إلا بالقدرة بالإجماع. وقال الشاعر :
تحملت من عفراء ما ليس لي به ... ولا للجبال الراسيات يدان
وقيل : { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } لما خلقت بغير واسطة. { أَسْتَكْبَرْتَ } أي عن السجود { أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ } أي المتكبرين على ربك. وقرأ محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير وأهل مكة { بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ } موصولة الألف على الخبر وتكون أم منقطعة بمعنى بل مثل : أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ وشبهه. ومن استفهم فـ { أَمْ } معادلة لهمزة الاستفهام وهو تقرير وتوبيخ. أي استكبرت بنفسك حين أبيت السجود لآدم ، أم كنت من القوم الذين يتكبرون فتكبرت لهذا.
قوله تعالى : { قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } قال الفراء : من العرب من يقول أنا أخير منه وأشر منه ؛ وهذا هو الأصل إلا أنه حذف لكثرة الاستعمال. { خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } فضل النار على الطين وهذا جهل منه ؛ لأن الجواهر متجانسة فقاس فأخطأ القياس. وقد مضى في {الأعراف} بيانه. { قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا } يعني من الجنة { فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } أي مرجوم بالكواكب والشهب { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي } أي طردي وإبعادي من رحمتي { إِلَى يَوْمِ الدِّينِ } تعريف بإصراره على الكفر لأن اللعن منقطع حينئذ ، ثم بدخوله النار يظهر تحقيق اللعن { قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أراد الملعون ألا يموت فلم يجب إلى ذلك ، وأخر إلى وقت معلوم ، وهو يوم يموت الخلق فيه ، فأخر تهاونا به. { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } لما طرده بسبب آدم حلف بعزة الله أنه يضل بني آدم بتزيين الشهوات وإدخال الشبهة عليهم ، فمعنى : { لأُغْوِيَنَّهُمْ } لأستدعينهم إلى المعاصي وقد علم أنه لا يصل إلا إلى الوسوسة ، ولا يفسد إلا من كان لا يصلح لو لم يوسوسه ؛ ولهذا قال : { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } أي الذي أخلصتهم لعبادتك ، وعصمتهم مني. وقد مضى في {الحجر} بيانه.
الآية : [84] { قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ }
الآية : [85] { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ }
الآية : [86] { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ }
الآية : [87] { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ }
الآية : [88] { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ }
قوله تعالى : { قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ } هذه قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة والكسائي. وقرأ ابن عباس ومجاهد وعاصم والأعمش وحمزة برفع الأول. وأجاز الفراء فيه
الخفض. ولا اختلاف في الثاني في أنه منصوب بـ { أَقُولُ } ونصب الأول على الإغراء أي فاتبعوا الحق واستمعوا الحق ، والثاني بإيقاع القول عليه. وقيل : هو بمعنى أحق الحق أي أفعله. قال أبو علي : الحق الأول منصوب بفعل مضمر أي يحق الله الحق ، أو على القسم وحذف حرف الجر ؛ كما تقول : الله لأفعلن ؛ ومجازه : قال فبالحق وهو الله تعالى أقسم بنفسه. { وَالْحَقَّ أَقُولُ } جملة اعترضت بين القسم والمقسم عليه ، وهو توكيد القصة ، وإذا جعل الحق منصوبا بإضمار فعل كان { لأَمْلأَنَّ } على إرادة القسم. وقد أجاز الفراء وأبو عبيدة أن يكون الحق منصوبا بمعنى حقا { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } وذلك عند جماعة من النحويين خطأ ؛ لا يجوز زيدا لأضربن ؛ لأن ما بعد اللام مقطوع مما قبلها فلا يعمل فيه. والتقدير على قولهما لأملأن جهنم حقا. ومن رفع { الْحَقُّ } رفعه بالابتداء ؛ أي فأنا الحق أو الحق مني. رويا جميعا عن مجاهد. ويجوز أن يكون التقدير هذا الحق. وقول ثالث على مذهب سيبويه والفراء أن معنى فالحق لأملأن جهنم بمعنى فالحق أن أملأ جهنم. وفي الخفض قولان وهي قراءة ابن السميقع وطلحة بن مصرف : أحدهما أنه على حذف حرف القسم. هذا قول الفراء قال كما يقول : الله عز وجل لأفعلن. وقد أجاز مثل هذا سيبويه وغلطه فيه أبو العباس ولم يجز الخفض ؛ لأن حروف الخفض لا تضمر ، والقول الآخر أن تكون الفاء بدلا من واو القسم ؛ كما أنشدوا :
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
قوله تعالى : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ } أي من نفسك وذريتك { وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } من بني آدم { أَجْمَعِينَ } . قوله تعالى : {قل ما أسألكم عليه من أجر} أي من جعل على تبليغ الوحي وكنى به عن غير مذكور. وقيل هو راجع إلى قوله : { أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا } { وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } أي لا أتكلف ولا أتخرص ما لم أومر به. وروى مسروق عن عبدالله بن مسعود قال :
من سئل عما لم يعلم فليقل لا أعلم ولا يتكلف ؛ فإن قوله لا أعلم علم ، وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "للمتكلف ثلاث علامات ينازع من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول ما لا يعلم" . وروى الدارقطني من حديث نافع عن ابن عمر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، فسار ليلا فمروا على رجل جالس عند مقراة له ، فقال له عمر : يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "يا صاحب المقراة لا تخبره هذا متكلف لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور" . وفي الموطأ عن يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب : أن عمر بن الخطاب خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا ، فقال عمرو بن العاص : يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع ؟ فقال عمر : يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا. وقد مضى القول في المياه في سورة {الفرقان} . { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ } يعني القرآن { لِلْعَالَمِينَ } من الجن والإنس. { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ } أي نبأ الذكر وهو القرآن أنه حق { بَعْدَ حِينٍ } قال قتادة : بعد الموت. وقال الزجاج. وقال ابن عباس وعكرمة وابن زيد : يعني يوم القيامة. وقال الفراء : بعد الموت وقبله. أي لتظهر لكم حقيقة ما أقول : { بَعْدَ حِينٍ } أي في المستأنف أي إذا أخذتكم سيوف المسلمين. قال السدي : وذلك يوم بدر. وكان الحسن يقول : يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين. وسئل عكرمة عمن حلف ليصنعن كذا إلى حين. قال : إن من الحين ما لا تدركه كقوله تعالى : {ولتعلمن نبأه بعد حين} ومنه ما تدركه ؛ كقوله تعالى : { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } من صرام النخل إلى طلوعه ستة أشهر. وقد مضى القول في هذا في {البقرة} و {إبراهيم} والحمد لله.
تفسير سورة الزمر
سورة الزمر
مقدمة السورة

ويقال سورة الغرف. قال وهب بن منبه : من أحب أن يعرف قضاء الله عز وجل في خلقه فليقرأ سورة الغرف. وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد. وقال ابن عباس : إلا آيتين نزلتا بالمدينة إحداهما { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ } والأخرى { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ } الآية. وقال آخرون : إلا سبع آيات من قوله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ } إلى آخر سبع آيات نزلت في وحشي وأصحابه على ما يأتي. روى الترمذي عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل. وهي خمس وسبعون آية. وقيل : اثنتان وسبعون آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
الآية : [1] { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }
الآية : [2] { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ }
الآية : [3] { أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }
الآية : [4] { لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }
قوله تعالى : { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ } رفع بالابتداء وخبره { مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } . ويجوز أن يكون مرفوعا بمعنى هذا تنزيل ؛ قال الفراء. وأجاز الكسائي والفراء أيضا { تَنْزِيلُ } بالنصب على أنه مفعول به. قال الكسائي : أي اتبعوا واقرؤوا { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ } . وقال الفراء : هو على الإغراء مثل قوله : { كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي الزموا. والكتاب القرآن. سمي بذلك لأنه مكتوب.
قوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } أي هذا تنزيل الكتاب من الله وقد أنزلناه بالحق ؛ أي بالصدق وليس بباطل وهزل. { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً } في مسألتان :
الأولى- { مُخْلِصاً } نصب على الحال أي موحدا لا تشرك به شيئا { لَهُ الدِّينَ } أي الطاعة. وقيل : العبادة وهو مفعول به. { أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } أي الذي لا يشوبه شيء. وفي حديث الحسن عن أبي هريرة أن رجلا قال : يا رسول الله إني أتصدق بالشيء وأصنع الشيء أريد به وجه الله وثناء الناس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "والذي نفس محمد بيده لا يقبل الله شيئا شورك فيه" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } وقد مضى هذا المعنى في {البقرة} و {النساء} و {الكهف} مستوفى.
قال ابن العربي : هذه الآية دليل على وجوب النية في كل عمل ، وأعظمه الوضوء الذي هو شطر الإيمان ، خلافا لأبي حنيفة والوليد بن مسلم عن مالك اللذين يقولان أن الوضوء يكفي من غير نية ، وما كان ليكون من الإيمان شطرا ولا ليخرج الخطايا من بين الأظافر والشعر بغير نية.
الثانية- قوله تعالى : { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } يعني الأصنام والخبر محذوف. أي قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } قال قتادة : كانوا إذا قيل لهم من ربكم وخالقكم ؟ ومن خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء ؟ قالوا الله ، فيقال لهم ما معنى عبادتكم الأصنام ؟ قالوا ليقربونا إلى الله زلفى ، ويشفعوا لنا عنده. قال الكلبي : جواب هذا الكلام في الأحقاف { فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً } والزلفى القربة ؛ أي ليقربونا إليه تقريبا ، فوضع { زُلْفَى } في موضع المصدر. وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قالوا مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ
زُلْفَى وفي حرف أُبيّ : { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ } ذكره النحاس. قال : والحكاية في هذا بينة. { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أي بين أهل الأديان يوم القيامة فيجازي كلا بما يستحق. { إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } أي من سبق له القضاء بالكفر لم يهتد ؛ أي للدين الذي ارتضاه وهو دين الإسلام ؛ كما قال الله تعالى : { وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً } وفي هذا رد على القدرية وغيرهم على ما تقدم.
قوله تعالى : { لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } أي لو أراد أن يسمي أحدا من خلقه بهذا ما جعله عز وجل إليهم. { سُبْحَانَهُ } أي تنزيها له عن الولد { هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } .
الآية : [5] { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ }
الآية : [6] { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ }
قوله تعالى : { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ } أي هو القادر على الكمال المستغني عن الصاحبة والولد ، ومن كان هكذا فحقه أن يفرد بالعبادة لا أنه يشرك به. ونبه بهذا على أن يتعبد العباد بما شاء وقد فعل. { يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ } قال الضحاك : أي يلقي هذا على هذا وهذا على هذا. وهذا على معنى التكوير في اللغة وهو طرح الشيء بعضه على بعض ؛ يقال كور المتاع أي ألقى بعضه على بعض ؛
ومنه كور العمامة. وقد روي عن ابن عباس هذا في معنى الآية. قال : ما نقص من الليل دخل في النهار وما نقص من النهار دخل في الليل. وهو معنى قوله تعالى : { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ } وقيل : تكوير الليل على النهار تغشيته إياه حتى يذهب ضوءه ، ويغشى النهار على الليل فيذهب ظلمته ، وهذا قول قتادة. وهو معنى قوله تعالى : { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً } { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } أي بالطلوع والغروب لمنافع العباد. { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّىً } أي في فلكه إلى أن تنصرم الدنيا وهو يوم القيامة حين تنفطر السماء وتنتثر الكواكب. وقيل : الأجل المسمى هو الوقت الذي ينتهي فيه سير الشمس والقمر إلى المنازل المرتبة لغروبها وطلوعها. قال الكلبي : يسيران إلى أقصى منازلهما ، ثم يرجعان إلى أدنى منازلهما لا يجاوزانه. وقد تقدم بيان هذا في سورة {يس} . { أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ } { أَلا } تنبيه أي تنبهوا فإني أنا { الْعَزِيزُ } الغالب { الْغَفَّارُ } الساتر لذنوب خلقه برحمته.
قوله تعالى : { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } يعني آدم عليه السلام { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } يعني ليحصل التناسل وقد مضى هذا في {الأعراف} وغيرها. { وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } أخبر عن الأزواج بالنزول ، لأنها تكونت بالنبات والنبات بالماء المنزل. وهذا يسمى التدريج ؛ ومثله قوله تعالى : { قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } الآية. وقيل : أنزل أنشأ وجعل. وقال سعيد بن جبير : خلق. وقيل : إن الله تعالى خلق هذه الأنعام في الجنة ثم أنزلها إلى الأرض ؛ كما قيل في قوله تعالى : { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } فإن آدم لما هبط إلى الأرض أنزل معه الحديد. وقيل : { وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ } أي أعطاكم. وقيل : جعل الخلق إنزالا ؛ لأن الخلق إنما يكون بأمر ينزل من السماء. فالمعنى : خلق لكم كذا بأمره النازل. قال قتادة : من الإبل اثنين ومن البقر اثنين ومن الضأن اثنين ومن المعز اثنين كل واحد
زوج. وقد تقدم هذا. { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ } قال قتادة والسدي : نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم لحما. ابن زيد : { خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ } خلقا في بطون أمهاتكم من بعد خلقكم في ظهر آدم. وقيل : في ظهر الأب ثم خلقا في بطن الأم ثم خلقا بعد الوضع ذكره الماوردي. { فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ } ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة. قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة والضحاك. وقال ابن جبير : ظلمة المشيمة وظلمة الرحم وظلمة الليل. والقول الأول أصح. وقيل : ظلمة صلب الرجل وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم. وهذا مذهب أبي عبيدة. أي لا تمنعه الظلمة كما تمنع المخلوقين. { ذَلِكُمُ اللَّهُ } أي الذي خلق هذه الأشياء { رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ } . { فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } أي كيف تنقلبون وتنصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره. وقرأ حمزة : { أُمَّهَاتِكُمْ } بكسر الهمزة والميم. والكسائي بكسر الهمزة وفتح الميم. الباقون بضم الهمزة وفتح الميم.
الآية : [7] { إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }
قوله تعالى : { إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ } شرط وجوابه. { وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } أي أن يكفروا أي لا يحب ذلك منهم. وقال ابن عباس والسدي : معناه لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر ، وهم الذين قال الله فيهم : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } وكقوله : { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ } أي المؤمنون. وهذا على قول من لا يفرق بين الرضا والإرادة. وقيل : لا يرضى الكفر وإن أراده ؛ فالله تعالى يريد الكفر من الكافر وبإرادته كفر لا يرضاه ولا يحبه ، فهو يريد كون ما لا يرضاه ، وقد أراد الله عز وجل خلق إبليس وهو لا يرضاه ، فالإرادة غير الرضا. وهذا مذهب أهل السنة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 18 ( الأعضاء 0 والزوار 18)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 154.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 152.82 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (1.11%)]