|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ سبأ من صــ 276 الى صــ 285 الحلقة (583) { وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ } قال سعيد بن جبير : هي قدور النحاس تكون بفارس. وقال الضحاك : هي قدور تعمل من الجبال. غيره : قد نحتت من الجبال الصم مما عملت له الشياطين ، أثافيها منها منحوتة هكذا من الجبال. ومعنى { رَاسِيَاتٍ } ثوابت ، لا تحمل ولا تحرك لعظمها. قال ابن العربي : وكذلك كانت قدور عبدالله بن الله بن جدعان ، يصعد إليها في الجاهلية بسلم. وعنها عبر طرفة بن العبد بقول : كالجوابي لا تني مترعة ... لقرى الأضياف أو للمحتضر قال ابن العربي : ورأيت برباط أبي سعيد قدور الصوفية على نحو ذلك ، فإنهم يطبخون جميعا ويأكلون جميعا من غير استئثار واحد منهم على أحد. قوله تعالى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } قد مضى معنى الشكر في {البقرة} وغيرها. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فتلا هذه الآية ثم قال : "ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود" قال فقلنا : ما هن. فقال : "العدل في الرضا والغضب. والقصد في الفقر والغنى. وخشية الله في السر والعلانية" . خرجه الترمذي الحكيم أبو عبدالله عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة. وروي أن داود عليه السلام قال : "يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك. وإلهامي وقدرتي على شكرك نعمة لك" فقال : "يا داود الآن عرفتني" . وقد مضى هذا المعنى في سورة {إبراهيم} . وأن الشكر حقيقته الاعتراف بالنعمة للمنعم واستعمالها في طاعته ، والكفران استعمالها في المعصية. وقليل من يفعل ذلك ؛ لأن الخير أقل من الشر ، والطاعة أقل من المعصية ، بحسب سابق التقدير. وقال مجاهد : لما قال الله تعالى : {أعملوا آل داود شكرا} قال داود لسليمان : أن الله عز وجل قد ذكر الشكر فاكفني صلاة النهار أكفك صلاة الليل ، قال : لا أقدر ، قال : فاكفني - قال الفاريابي ، أراه قال إلى صلاة الظهر - قال نعم ، فكفاه. وقال الزهري : أعملوا آل داود شكرا أي قولوا الحمد لله. و {شكرا} نصب على جهة المفعول ؛ أي اعملوا عملا هو الشكر. وكأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي في نفسها الشكر إذ سدت مسدة ، ويبين هذا قوله تعالى : { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ } وهو المراد بقوله { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } . وقد قال سفيان بن عينة في تأويل قوله تعالى : { أَنِ اشْكُرْ لِي } أن المراد بالشكر الصلوات الخمس. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تفطر قدماه ؛ فقالت له عائشة رضي الله عنها : أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : "أفلا أكون عبدا شكورا" . انفرد بإخراجه مسلم. فظاهر القرآن والسنة أن الشكر بعمل الأبدان دون الاقتصار على عمل اللسان ؛ فالشكر بالأفعال عمل الأركان ، والشكر بالأقوال عمل اللسان. والله أعلم. قوله تعالى : { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } يحتمل أن يكون ، مخاطبة لآل داود ، ويحتمل أن يكون مخاطبة لمحمد صلى الله الله عليه وسلم قال ابن عطية : وعلى كل وجه ففيه تنبيه وتحريض. وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا يقول : اللهم اجعلني من القليل ؛ فقال عمر : ما هذا الدعاء ؟ فقال الرجل : أردت قوله تعالى : { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } . فقال عمر رضي الله عنه : كل الناس أعلم منك يا عمر! وروي أن سليمان عليه السلام كان يأكل الشعير ويطعم أهله الخشكار ويطعم المساكين الدرمك. وقد قيل : إنه كان يأكل الرماد ويتوسده ، والأول أصح ، إذ الرماد ليس بقوت. وروي أنه ما شبع قط ، فقيل له في ذلك فقال : أخاف إن شبعت أن أنسى الجياع. وهذا من الشكر ومن القليل ، فتأمله ، والله أعلم. الآية : [14] { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } قوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ } أي فلما حكمنا على سليمان بالموت حتى صار كالأمر المفروغ منه ووقع به الموت { مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ } وذلك أنه كان متكئا على المنسأة "وهي العصا بلسان الحبشة ، في قول السدي. وقيل : هي بلغة اليمن ، ذكره القشيري" فمات كذلك وبقي خافي الحال إلى أن سقط ميتا لانكسار العصا لأكل الأرض إياها ، فعلم موته بذلك ، فكانت الأرضة دالة على موته ، أي سببا لظهور موته ، وكان سأل الله تعالى ألا يعلموا بموته حتى تمضى عليه سنة. واختلفوا في سبب سؤاله لذلك على قولين : أحدهما ما قاله قتادة وغيره ، قال : كانت الجن تدعي علم الغيب ، فلما مات سليمان عليه السلام وخفي موته عليهم { تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ } ابن مسعود : أقام حولا والجن تعمل بين يديه حتى أكلت الأرضة منسأته فسقط. ويروى أنه لما سقط لم يعلم منذ مات ؛ فوضعت الأرضة على العصا فأكلت منها يوما وليلة ثم حسبوا على ذلك فوجدوه قد مات منذ سنة. وقيل : كان رؤساء الجن سبعة ، وكانوا منقادين لسليمان عليه السلام ، وكان داود عليه السلام أسس بيت المقدس فلما مات أوصى إلى سليمان في إتمام مسجد بيت المقدس ، فأمر سليمان الجن به ؛ فلما دنا وفاته قال لأهله : لا تخبروهم بموتي حتى يتموا بناء المسجد ، وكان بقي لإتمامه سنة. وفي الخبر أن ملك الموت كان صديقه فسأل عن آية موته فقال : أن تخرج من موضع سجودك شجرة يقال لها الخرنوبة ، فلم يكن يوم يصبح فيه إلا تنبت في بيت المقدس شجرة فيسألها : ما اسمك ؟ فتقول الشجرة : اسمي كذا وكذا ؛ فيقول : ولأي شيء أنت ؟ فتقول : لكذا ولكذا ؛ فيأمر بها فتقطع ، ويغرسها في بستان له ، ويأمر بكتب منافعها ومضارها واسمها وما تصلح له في الطب ؛ فبينما هو يصلي ذات يوم إذا رأى شجرة نبتت بين يديه فقال لها : ما اسمك ؟ قالت : الخرنوبة ؛ قال : ولأي شيء أنت ؟ قال : لخراب هذا المسجد ، فقال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي ، أنت التي على وجهك هلاكي وهلاك بيت المقدس فنزعها وغرسها في حائطه ثم قال. اللهم عم عن الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب. وكانت الجن تخبر أنهم يعلمون من الغيب أشياء ، وأنهم يعلمون ما في غد ؛ ثم لبس كفنه وتحنط ودخل المحراب وقام يصلي واتكأ على عصاه على كرسيه ، فمات ولم تعلم الجن إلى أن مضت سنة وتم بناء المسجد. قال أبو جعفر النحاس : وهذا أحسن ما قيل في الآية ، ويدل على صحته الحديث المرفوع ، روى إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "كان نبي الله سليمان بن دواد عليهما السلام إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيسألها ما اسمك ؟ فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت ؛ فبينما هو يصلي ذات يوم إذا شجرة نابتة بين يديه قال ما اسمك ؟ قالت : الخرنوبة ؛ فقال : لأي شيء أنت ؟ فقالت : لخراب هذا البيت ؛ فقال : اللهم عم الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب ؛ فنحتها عصا فتوكأ عليها حولا لا يعلمون فسقطت ، فعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب فنظروا مقدار ذلك فوجدوه سنة." وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس { تَبَيَّنَتِ الإنس أَنْ لَوْ الْجِنُّ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ } . وقرأ يعقوب في رواية رويس { بَُتُُيَّنَتِ الْجِنُّ } غير مسمى الفاعل. ونافع وأبو عمرو { تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ } بألف بين السين والتاء من غير همز. والباقون بهمزة مفتوحة موضع الألف ، لغتان ، إلا أن ابن ذكوان أسكن الهمزة تخفيفا ، قال الشاعر في ترك الهمزة : إذا دببت على المنساة من كبر ... فقدتباعد عنك اللهو والغزل وقال آخر فهمز وفتح : ضربنا بمنسأة وجهه ... فصار بذاك مهينا ذليلا وقال آخر : أمن أجل حبل لا أباك ضربته ... بمنسأة قد جر حبلك أحبلا وقال آخر فسكن همزها : وقائم قد قام من تكأته ... كقومة الشيخ إلى منسأته وأصلها من : نسأت الغنم أي زجرتها وسقتها ، فسميت العصا بذلك لأنه يزجر بها الشيء وساق. وقال طرفة : أمون كألواح الإران نسئتها ... على لاحب كأنه ظهر برجد فسكن همزها. قال النحاس : واشتقاقها يدل على أنها مهموزة ؛ لأنها مشتقة من نسأته أي أخرته ودفعته فقيل لها منسأة لأنها يدفع بها الشيء ويؤخر. وقال مجاهد وعكرمة : هي العصا ، ثم قرأ { مِنْسَأَتَهُ } أبدل من الهمزة ألفا ، فإن قيل : البدل من الهمزة قبيح جدا وإنما يجوز في الشعر على بعد وشذوذ ، وأبو عمرو بن العلاء لا يغيب عنه مثل هذا لا سيما وأهل المدينة على هذه القراءة. فالجواب على هذا أن العرب استعملت في هذه الكلمة البدل ونطقوا بها هكذا كما يقع البدل في غير هذا ولا يقاس عليه حتى قال أبو عمور : ولست أدري ممن هو إلا أنها غير مهموزة لأنها لأن ما كان مهموزا فقد يترك همزه وما لم يكن مهموزا لم يجز همزه بوجه. المهدوي : ومن قرأ بهمزة ساكنة فهو شاذ بعيد ؛ لأن هاء التأنيث لا يكون ما قبلها إلا متحركا أو ألفا ، لكنه يجوز أن يكون ما سكن من المفتوح استخفافا ، ويجوز أن يكون لما أبدل الهمزة ألفا على غير قياس قلب الألف همزة كما قلبوها في قولهم العألم والخأتم ، وروي عن صعيد بن جبير {مِن} مفصولة {سأته} مهموزة مكسورة التاء ؛ فقيل : إنه من سئة القوس في لغة من همزها ، وقد روي همز سية القوس عن رؤية. قال الجوهري : سية القوس ما عطف من طرفيها ، والجمع سيات ، والهاء عوض عن الواو ، والنسبة إليها سيوي. قال أبو عبيدة : كان رؤبة يهمز "سية القوس" وسائر العرب لا يهمزونها. وفي دابة الأرض قولان : أحدهما : أنها أرضة ؛ قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما. وقد قرئ {دابة الأَرضَ} بفتح الراء ، وهو جمع الأرضة ؛ ذكره الماوردي. الثاني : أنها دابة تأكل العيدان. قال الجوهري : والأرضة "بالتحريك" : دويبة تأكل الخشب ؛ يقال : أرضت الخشبة تؤرض أرضا "بالتسكين" فهي مأروضة إذا أكلتها. قوله تعالى : { فَلَمَّا خَرَّ } أي سقط { تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ } قال الزجاج : أي تبينت الجن موته. وقال غيره : المعنى تبين أمر الجن ؛ مثل : { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ } . وفي التفسير - بالأسانيد الصحاح عن ابن عباس قال : أقام سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام حولا لا يعلم بموته وهو متكئ على عصاه ، والجن منصرفة فيما كان أمرها به ، ثم سقط بعد حول ؛ فلما خر تبينت ، الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين. وهذه القراءة من ابن عباس على جهة التفسير. وفي الخبر : أن الجن شكرت ذلك للأرضة فأينما كانت ، يأتونها بالماء. قال السدي : والطين ، ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب فإنه مما يأتيها به الشياطين شكرا ؛ وقالت : لو كنت تأكلين الطعام والشراب لأتيناك بهما. و {أن} في موضع رفع على البدل من الجن ، والتقدير : تبين أمر الجن ، فحذف المضاف ، أي تبين وظهر للإنس وانكشف لهم أمر الجن أنهم لا يعلمون الغيب. وهذا بدل الاشتمال. ويجوز أن تكون في موضع نصب على ، تقدير حذف اللام. { مَا لَبِثُوا } أقاموا. { فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } السخرة والحمل والبنيان وغير ذلك. وعمر سليمان ثلاثا وخمسين سنة ، ومدة ملكه أربعون سنة ؛ فملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وابتدأ في بنيان بيت المقدس وهو ابن سبع عشره سنة. وقال السدي وغيره : كان عمر سليمان سبعا وستين ستة ، وملك وهو ابن سبع عشرة سنة. وابتدأ في بنيان بيت المقدس وهو ابن عشرين سنة ، وكان ملكه خمسين سنة. وحكي أن سليمان عليه السلام ابتدأ بنيان بيت المقدس في السنة الرابعة من ملكه ، وقرب بعد فراغه منه اثني عشر ألف ثور ومائة وعشرين ألف شاة ، واتخذ اليوم الذي فرغ فيه من بنائه عيدا ، وقام على الصخرة رافعا يديه إلى الله تعالى بالدعاء فقال : اللهم أنت وهبت لي هذا السلطان وقويتني ، على بناء هذا المسجد ، اللهم فأوزعني شكرك على ما أنعمت علي وتوفني على ملتك ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، اللهم إني أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال : لا يدخله مذنب دخل ، للتوبة إلا غفرت له وتبت عليه. ولا خائف إلا أمنته. ولا سقيم إلا شفيته. ولا فقير إلا أغنيته. والخامسة : ألا تصرف نظرك عمن دخله حتى يخرج منه ؛ إلا من أراد إلحادا أو ظلما ، يا رب العالمين ؛ ذكره الماوردي. قلت : وهذا أصح مما تقدم أنه لم يفرغ بناؤه إلا بعد موته بسنة ، والدليل على صحة هذا ما خرج النسائي وغيره بإسناد صحيح من حديث عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالا ثلاثة : حكما يصادف حكمه فأوتيه ، وسأل الله تعالى ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه ، وسأل الله تعالى حين فرغ من بنائه المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه" وقد ذكرنا هذا الحديث في {آل عمران} وذكرنا بناءه في {سبحان} . الآية : [15] { لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } قوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ } قرأ نافع وغيره بالصرف والتنوين على أنه اسم حي ، وهو في الأصل اسم رجل ؛ جاء بذلك التوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم روى الترمذي قال : حدثنا أبو كريب وعبد بن حميد قالا حدثنا أبو أسامة عن الحسن بن الحكم النخعي قال حدثنا أبو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك المرادي قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم ؛ فأذن لي في قتالهم وأمر ؛ فلما خرجت من عنده سأل عني : "ما فعل الغطيفي" ؟ فأخبر أني قد سرت ، قال : فأرسل في أثري فردني فأتيته وهو في نفر من أصحابه فقال : "ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك ؛ قال : وأنزل في سبأ ما أنزل ؛ فقال رجل : يا رسول الله ، وما سبأ ؟ أرض أو امرأة ؟ قال : ليس بأرض ولا بامرأة" ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة. فأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وغسان وعاملة. وأما الذين تيامنوا فالأزد والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار. فقال رجل : يا رسول الله وما أنمار ؟ قال : "الذين منهم خثعم وبجيلة" . وروي هذا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {لسبأَ} بغير صرف ، جعله اسما للقبيلة ، وهو اختيار أبي عبيد ، واستدل على أنه اسم قبيلة بأن بعده { فِي مَسَاكِنِهِمْ } . النحاس : ولو كان كما قال لكان في مساكنها. وقد مضى في {النمل} زيادة بيان لهذا المعنى. وقال الشاعر في الصرف : الواردون وتم في ذرى سبأ ... قد عض أعناقهم جلد الجواميس وقال آخر في غير الصرف : من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيلها العرما وقرأ قنبل وأبو حيوة والجحدري {لسبأْ} بإسكان الهمزة. {في مساكنهم} قراءة العامة على الجمع ، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ؛ لأن لهم مساكن كثيرة وليس بمسكن واحد. وقرأ إبراهيم وحمزة وحفص {مسكنِهم} موحدا ، إلا أنهم فتحوا الكاف. وقرأ يحيى والأعمش والكسائي موحدا كذلك ، إلا أنهم كسروا الكاف. قال النحاس : والساكن في هذا أبين ؛ لأنه يجمع اللفظ والمعنى ، فإذا قلت "مسكنهم" كان فيه تقديران : أحدهما : أن يكون واحدا يؤدي عن الجمع. والأخر : أن يكون مصدرا لا يثني ولا يجمع ؛ كما قال الله تعالى : { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ } فجاء بالسمع موحدا. وكذا { مَقْعَدِ صِدْقٍ } و {مَسْكِن} مثل مسجد ، خارج عن القياس ، ولا يوجد مثله إلا سماعا. {آية} اسم كان ، أي علامة دالة على قدرة الله تعالى على أن لهم خالقا خلقهم ، وأن كل الخلائق لو اجتمعوا على أن يخرجوا من الخشبة ثمرة لم يمكنهم ذلك ، ولم يهتدوا إلى اختلاف أجناس الثمار وألوانها وطعومها وروائحها وأزهارها ، وفي ذلك ما يدل على أنها لا تكون إلا من عالم قادر. { جَنَّتَانِ } يجوز أن يكون بدلا من { آيَةٌ } ، ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ، فوقف على هذا الوجه على { آيَةٌ } وليس بتمام. قال الزجاج : أي الآية جنتان ، فجنتان رفع لأنه خبر ابتداء محذوف. وقال الفراء : رفع تفسيرا للآية ، ويجوز أن تنصب "آية" على أنها خبر كان ، ويجوز أن تنصب الجنتين على الخبر أيضا في غير القرآن. وقال عبدالرحمن بن زيد : إن الآية التي كانت لأهل سبأ في مساكنهم أنهم لم يروا فيها بعوضة قط ولا ذبابا ولا برغوثا ولا قملة ولا عقربا ولا حية ولا غيرها من الهوام ، وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل والدواب فإذا نظروا إلى بيوتهم ماتت الدواب. وقيل : إن الآية هي الجنتان ، كانت المرأة تمشي فيهما وعلى رأسها مكتل فيمتلئ من أنواع الفواكه من غير أن تمسها بيدها ؛ قال قتادة. وروى أن الجنتين كانتا بين جبلين باليمن. قال سفيان : وجد فيهما قصران مكتوب على أحدهما : نحن بنينا سلحين في سبعين خريفا دائبين ، وعلى الآخر مكتوب : نحن بنينا صروح ، مقيل ومراح ؛ فكانت إحدى الجنتين عن يمين الوادي والأخرى عن شماله قال القشيري : ولم يرد جنتين اثنين بل أراد من الجنتين يمنة ويسرة ؛ أي كانت بلادهم ذات بساتين وأشجار وثمار ؛ تستتر الناس بظلالها . { كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ } أي قيل لهم كلوا ، ولم يكن ثم أمر ، ولكنهم تمكنوا من تلك النعم. وقيل : أي قالت الرسل لهم قد أباح الله تعالى لهم ذلك ؛ أي أباح لكم هذه النعم فاشكروه بالطاعة. { مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ } أي من ثمار الجنتين. { وَاشْكُرُوا لَهُ } يعني على ما رزقكم. { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ } هذا كلام مستأنف ؛ أي هذه بلدة طيبة أي كثيرة الثمار. وقيل : غير سبخة. وقيل : طيبة ليس فيها هوام لطيب هوائها. قال مجاهد : هي صنعاء. { وَرَبٌّ غَفُورٌ } أي والمنعم بها عليكم رب غفور يستر ذنوبكم ، فجمع لهم بين مغفرة ذنوبهم وطيب بلدهم ولم يجمع ذلك لجميع خلقه. وقيل : إنما ذكر المغفرة مشيرا إلى أن الرزق قد. يكون فيه حرام. وقد. مضى القول في هذا في أول {البقرة} . وقيل : إنما امتن عليهم بعفوه عن عذاب الاستئصال بتكذيب من كذبوه من سالف الأنبياء إلى أن استداموا الإصرار فاستؤصلوا. الآية : [16] { فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ } قوله تعالى : { فَأَعْرَضُوا } يعني عن أمره واتباع رسله بعد أن كانوا مسلمين قال السدي ووهب : بعث إلى أهل سبأ ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم. قال القشيري : وكان لهم رئيس يلقب بالحمار ، وكانوا في زمن الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وقيل : كان له ولد فمات فرفع رأسه إلى ، السماء فبزق وكفر ؛ ولهذا يقال : أكفر من حمار. وقال الجوهري : وقولهم "أكفر من حمار" هو رجل ، من عاد مات له أولاد فكفر كفرا عظيما ، فلا يمر بأرضه أحد إلا دعاه إلى الكفر ، فإن أجابه وإلا قتله. ثم لما سال السيل بجنتيهم تفرقوا في البلاد ؛ على ما يأتي بيانه. ولهذا قيل في المثل : "تفرقوا أيادي سبا" . وقيل : الأوس والخزرج منهم. { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ } والعرم فيما روي عن ابن عباس : السد فالتقدير : سيل السد العرم. وقال عطاء : العرم اسم الوادي. قتادة : العرم وادي سبأ ؛ كانت تجتمع إليه مسايل من الأودية ، قيل من البحر وأودية اليمن ؛ فردموا ردما بين جبلين وجعلوا في ذلك الردم ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض ، فكانوا يسقون من الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث على قدر حاجاتهم ؛ فأخصبوا وكثرت أموالهم ، فلما كذبوا الرسل سلط الله عليهم الفأر فنقب الردم. قال وهب : كانوا يزعمون أنهم يجدون في علمهم وكهانتهم أنه يخرب سدهم فأرة فلم يتركوا فرجة بين صخرتين إلا ربطوا إلى جانبها هرة ؛ فلما جاء ما أراد الله تعالى بهم أقبلت فأرة حمراء إلى بعض تلك الهرر فساورتها حتى استأخرت عن الصخرة ودخلت في الفرجة التي كانت عندها ونقبت السد حتى أوهنته للسيل وهم لا يدرون ؛ فلما جاء السيل دخل تلك الخلل حتى بلغ السد وفاض الماء على أموالهم فغرقها ودفن بيوتهم. وقال الزجاج : العرم اسم الجرذ الذي نقب السكر عليهم ، وهو الذي يقال له الخلد - وقال قتادة أيضا - فنسب السيل إليه لأنه بسببه. وقد قال ابن الأعرابي ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 0 والزوار 13) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |