|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#571
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 156 الى صــ 165 الحلقة (571) "صفحة رقم 157" تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم الآية فلما رأوا الأحزاب يوم الخندق قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله قاله قتادة وقول ثان رواه كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال : خطب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عام ذكرت الأحزاب فقال : ) أخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها يعني على قصور الحيرة ومدائن كسرى فأبشروا بالنصر ) فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله موعد صادق إذ وعدنا بالنصر بعد الحصر فطلعت الأحزاب فقال المؤمنون : هذا ما وعدنا الله ورسوله ذكره الماوردي وما وعدنا إن جعلت ما بمعنى الذي فالهاء محذوفة وإن جعلتها مصدرا لم تحتج إلى عائد ) وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ( قال الفراء : وما زادهم النظر إلى الأحزاب وقال علي بن سليمان : رأى يدل على الرؤية وتأنيث الرؤية غير حقيقي والمعنى : ما زادهم الرؤية إلا إيمانا بالرب وتسليما للقضاء قاله الحسن ولو قال : ما زادوهم لجاز ولما اشتد الأمر على المسلمين وطال المقام في الخندق قام عليه السلام على التل الذي عليه مسجد الفتح في بعض الليالي وتوقع ما وعده الله من النصر وقال : ) من يذهب ليأتينا بخبرهم وله الجنة ) فلم يجبه أحد وقال ثانيا وثالثا فلم يجبه أحد فنظر إلى جانبه وقال : ) من هذا ) فقال حذيفة فقال : ) ألم تسمع كلامي منذ الليلة ) قال حذيفة : فقلت يا رسول الله منعني أن أجيبك الضر والقر قال : ) انطلق حتى تدخل في القوم فتسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده إلي انطلق ولا تحدث شيئا حتى تأتيني ) فانطلق حذيفة بسلاحه ورفع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يده يقول : ) يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي ) فنزل جبريل وقال : ) إن الله قد سمع دعوتك وكفاك هول عدوك ) فخر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ركبتيه وبسط يديه وأرخى عينيه وهو يقول : ) شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي ) وأخبره جبريل أن الله تعالى مرسل عليهم ريحا فبشر أصحابه بذلك "صفحة رقم 158" قال حذيفة : فانتهيت إليهم وإذا نيرانهم تتقد فأقبلت ريح شديدة فيها حصباء فما تركت لهم نارا إلا أطفأتها ولا بناء إلا طرحته وجعلوا يتترسون من الحصباء وقام أبو سفيان إلى راحلته وصاح في قريش : النجاء النجاء وفعل كذلك عيينة بن حصن والحارث بن عوف والأقرع بن حابس وتفرقت الأحزاب وأصبح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فعاد إلى المدينة وبه من الشعث ما شاء الله فجاءته فاطمة بغسول فكانت تغسل رأسه فأتاه جبريل فقال : ) وضعت السلاح ولم تضعه أهل السماء مازلت أتبعهم حتى جاوزت بهم الروحاء ثم قال انهض إلى بني قريظة ) وقال أبو سفيان : مازلت أسمع قعقعة السلاح حتى جاوزت الروحاء الأحزاب : ) 23 ( من المؤمنين رجال . . . . . ) الاحزاب 23 : 24 ( قوله تعالى : ) من المؤمنين رجال ( رفع بالإبتداء وصلح الإبتداء بالنكرة لأن صدقوا في موضع النعت ) فمنهم من قضى نحبه ( من في موضع رفع بالإبتداء وكذا ومنهم من ينتظر والخبر في المجرور والنحب : النذر والعهد تقول منه : نحبت أنحب بالضم قال الشاعر : وإذا نحبت كلب على الناس إنهم أحق بتاج الماجد المتكرم وقال آخر : قد نحب المجد علينا نحبا وقال آخر : أنحب فيقضى أم ضلال وباطل "صفحة رقم 159" وروى البخاري ومسلم والترمذي عن أنس قال : قال عمي أنس بن النضر سميت به ولم يشهد بدرا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكبر عليه فقال : أول مشهد شهده رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) غبت عنه أما والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما بعد ليرين الله ما أصنع قال : فهاب أن يقول غيرها فشهد مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد من العام القابل فاستقبله سعد بن مالك فقال : يا أبا عمرو أين قال : واها لريح الجنة أجدها دون أحد فقاتل حتى قتل فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية فقالت عمتي الربيع بنت النضر : فما عرفت أخي إلا ببنانه ونزلت هذه الآية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا لفظ الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه الآية : منهم طلحة بن عبيد الله ثبت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أصيبت يده فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) أوجب طلحة الجنة ) وفي الترمذي عنه : أن أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قالوا لأعرابي جاهل : سله عمن قضى نحبه من هو وكانوا لا يجترئون على مسألته يوقرونه ويهابونه فسأله الأعرابي فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر فلما رآني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) أين السائل عمن قضى نحبه ) قال الأعرابي : أنا يا رسول الله قال : ) هذا ممن قضى نحبه ) قال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس بن بكير وروى البيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه فوقف عليه ودعا له ثم تلا هذه الآية : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه إلى تبديلا ثم قال رسول الله صلى الله عليه "صفحة رقم 160" وسلم : ) أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأتوهم وزوروهم والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه ) وقيل : النحب الموت أي مات على ما عاهد عليه عن بن عباس والنحب أيضا الوقت والمدة يقال : قضى فلان نحبه إذا مات وقال ذو الرمة عشية فر الحارثيون بعد ما قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر والنحب أيضا الحاجة والهمة يقول قائلهم : مالي عندهم نحب وليس المراد بالآية والمعنى في هذا الموضع بالنحب النذر كما قدمنا أولا أي منهم من بذل جهده على الوفاء بعهده حتى قتل مثل حمزة وسعد بن معاذ وأنس بن النضر وغيرهم ومنهم من ينتظر الشهادة وما بدلوا عهدهم ونذرهم وقد روي عن بن عباس أنه قرأ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومنهم من بدل تبديلا قال أبو بكر الأنباري : وهذا الحديث عند أهل العلم مردود لخلافه الإجماع ولأن فيه طعنا على المؤمنين والرجال الذين مدحهم الله وشرفهم بالصدق والوفاء فما يعرف فيهم مغير وما وجد من جماعتهم مبدل وضي الله عنهم ) ليجزي الله الصادقين بصدقهم ( أي أمر الله بالجهاد ليجزي الصادقين في الآخرة بصدقهم ) ويعذب المنافقين ( في الآخرة ) إن شاء ( أي إن شاء أن يعذبهم لم يوفقهم للتوبة وإن لم يشأ أن يعذبهم تاب عليهم قبل الموت ) إن الله كان غفورا رحيما ( الأحزاب : ) 25 ( ورد الله الذين . . . . . ) الاحزاب 25 ( قوله تعالى : ) ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ( قال محمد بن عمرو يرفعه إلى عائشة : قالت الذين كفروا ها هنا أبو سفيان وعيينة بن بدر رجع أبو سفيان إلى تهامة ورجع عيينة إلى نجد ) وكفى الله المؤمنين القتال ( بأن أرسل عليهم ريحا وجنودا حتى رجعوا ورجعت بنو قريظة إلى صياصيهم فكفى أمر قريظة بالرعب ) وكان الله قويا ( أمره ) عزيزا ( لايغلب "صفحة رقم 161" الأحزاب : ) 26 ( وأنزل الذين ظاهروهم . . . . . ) الاحزاب 26 : 27 ( قوله تعالى : ) وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم ( يعني الذين عاونوا الأحزاب : قريشا وغطفان وهم بنو قريظة وقد مضى خبرهم ) من صياصيهم ( أي حصونهم واحدها صيصة قال الشاعر : فأصبحت الثيران صرعى وأصبحت نساء تميم يبتدرن الصياصيا ومنه قيل لشوكة الحائك التي بها يسوي السداة واللحمة : صيصة قال دريد بن الصمة : فجئت إليه والرماح تنوشه كوقع الصياصي في النسيج الممدد ومنه : صيصة الديك التي في رجله وصياصي البقر قرونها لأنها تمتنع بها وربما كانت تركب في الرماح مكان الأسنة ويقال : جذ الله صئصئه أي أصله ) وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون ( وهم الرجال ) وتأسرون فريقا ( وهم النساء والذرية على ماتقدم ) وأورئكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها ( بعد قال يزيد بن رومان وبن زيد ومقاتل : يعني حنين ولم يكونوا نالوها فوعدهم الله إياها وقال قتادة : كنا نتحدث أنها مكة وقال الحسن : هي فارس والروم وقال عكرمة : كل أرض تفتح إلى يوم القيامة ) وكان الله على كل شيء قديرا ( فيه وجهان : أحدهما على ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير قاله محمد بن إسحاق الثاني على ما أراد أن يفتحه "صفحة رقم 162" من الحصون والقرى قدير قاله النقاش وقيل : وكان الله على كل شيء مما وعدكموه قديرا لاترد قدرته ولا يجوز عليه العجز تعالى ويقال : تأسرون وتأسرون ) بكسر السين وضمها ( حكاه الفراء الأحزاب : ) 28 ( يا أيها النبي . . . . . ) الاحزاب 28 : 29 ( فيه ثمان مسائل : الأولى قوله تعالى : ) يا أيها النبي قل لأزواجك ( قال علماؤنا : هذه الآية متصلة بمعنى ما تقدم من المنع من إيذاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكان قد تأذى ببعض الزوجات قيل : سألنه شيئا من عرض الدنيا وقيل : زيادة في النفقة وقيل : اذينه بغيرة بعضهن على بعض وقيل : أمر ( صلى الله عليه وسلم ) بتلاوة هذه الآية عليهن وتخييرهن بين الدنيا والآخرة وقال الشافعي رحمه الله تعالى : إن من ملك زوجة فليس عليه تخييرها أمر ( صلى الله عليه وسلم ) أن يخير نساءه فاخترنه وجملة ذلك أن الله سبحانه خير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بين أن يكون نبيا ملكا وعرض عليه مفاتيح خزائن الدنيا وبين أن يكون نبيا مسكينا فشاور جبريل فأشار عليه بالمسكنة فاختارها فلما اختارها وهي أعلى المنزلتين أمره الله عز وجل أن يخير زوجاته فربما كان فيهن من يكره المقام معه على الشدة تنزيها له وقيل : إن السبب الذي أوجب التخيير لأجله أن امرأة من أزواجه سألته أن يصوغ لها حلقة من ذهب فصاغ لها حلقة من فضة وطلاها بالذهب وقيل بالزعفران فأبت إلا أن تكون من ذهب فنزلت آية التخيير فخيرهن فقلن اخترنا الله ورسوله وقيل : إن واحدة منهن اختارت الفراق فالله أعلم روى البخاري ومسلم واللفظ لمسلم عن جابر بن عبد الله قال : دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) "صفحة رقم 163" فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم قال : فأذن لأبي بكر فدخل ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له فوجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا قال : فقال والله لأقولن شيئا أضحك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجات عنقها فضحك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال : ) هن حولي كما ترى يسألنني النفقة ) فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول : تسألن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما ليس عنده فقلن : والله لا نسال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شيئا أبدا ليس عنده ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين ثم نزلت عليه هذه الآية : يا أيها النبي قل لأزواجك حتى بلغ للمحسنات منكن أجرا عظيما قال : فبدأ بعائشة فقال : ) يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب ألا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك ) قالت : وما هو يا رسول الله فتلا عليها الآية قالت : أفيك يا رسول الله أستشير أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة وأسألك ألا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت قال : ) لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا ) وروى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت : أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بتخيير أزواجه بدأ بي فقال : ) يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تستعجلي حتى تستأمري أبويك ) قالت : وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت ثم قال : ) إن الله يقول : يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا حتى بلغ للمحسنات منكن أجرا عظيما ) فقلت : أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة وفعل أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مثل ما فعلت قال : هذا حديث حسن صحيح قال العلماء : وأما أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عائشة أن تشاور أبويها لأنه كان يحبها وكان يخاف أن يحملها فرط الشباب على أن تختار فراقه ويعلم من أبويها أنهما لا يشيران عليها بفراقه "صفحة رقم 164" الثانية قوله تعالى : ) قل لأزواجك ( كان للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أزواج منهن من دخل بها ومنهن من عقد عليها ولم يدخل بها ومنهن من خطبها فلم يتم نكاحه معها فأولهن : خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب وكانت قبله عند أبي هالة واسمه زرارة بن النباش الأسدي وكانت قبله عند عتيق بن عائذ ولدت منه غلاما اسمه عبد مناف وولدت من أبي هالة هند بن أبي هالة وعاش إلى زمن الطاعون فمات فيه ويقال : إن الذي عاش إلى زمن الطاعون هند بن هند وسمعت نادبته تقول حين مات : واهند بن هنداه واربيب رسول الله ولم يتزوج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على خديجة غيرها حتى ماتت وكانت يوم تزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بنت أربعين سنة وتوفيت بعد أن مضى من النبوة سبع سنين وقيل : عشر وكان لها حين توفيت خمس وستون سنة وهي أول امرأة آمنت به وجميع أولاده منها غير إبراهيم قال حكيم بن حزام : توفيت خديجة فخرجنا بها من منزلها حتى دفناها بالحجون ونزل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في حفرتها ولم تكن يومئذ سنة الجنازة الصلاة عليها ومنهن : سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس العامرية أسلمت قديما وبايعت وكانت عند بن عم لها يقال له السكران بن عمرو وأسلم أيضا وهاجرا جميعا إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية فلما قدما مكة مات زوجها وقيل : مات بالحبشة فلما حلت خطبها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتزوجها ودخل بها بمكة وهاجر بها إلى المدينة فلما كبرت أراد طلاقها فسألته ألا يفعل وأن يدعها في نسائه وجعلت ليلتها لعائشة حسبما هو مذكور في الصحيح فأمسكها وتوفيت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين ومنهن : عائشة بنت أبي بكر الصديق وكانت مسماة لجبير بن مطعم فخطبها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أبو بكر : يا رسول الله دعني أسلها من جبير سلا رفيقا فتزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمكة قبل الهجرة بسنتين وقيل بثلاث سنين وبنى بها بالمدينة "صفحة رقم 165" وهي بنت تسع وبقيت عنده تسع سنين ومات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهي بنت ثمان عشرة ولم يتزوج بكرا غيرها وماتت سنة تسع وخمسين وقيل ثمان وخمسين ومنهن : حفصة بنت عمر بن الخطاب القرشية العدوية تزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم طلقها فأتاه جبريل فقال : ) إن الله يأمرك أن تراجع حفصة فإنها صوامة قوامة ) فراجعها قال الواقدي : وتوفيت في شعبان سنة خمس وأربعين في خلافة معاوية وهي ابنة ستين سنة وقيل : ماتت في خلافة عثمان بالمدينة ومنهن : أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية المخزومية واسم أبي أمية سهيل تزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في ليال بقين من شوال سنة أربع زوجها منه ابنها سلمة على الصحيح وكان عمر ابنها صغيرا وتوفيت في سنة تسع وخمسين وقيل : سنة ثنتين وستين والأول أصح وصلى عليها سعيد بن زيد وقيل أبو هريرة وقبرت بالبقيع وهي ابنة أربع وثمانين سنة ومنهن أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عمرو بن أمية الضميري إلى النجاشي ليخطب عليه أم حبيبة فزوجه إياها وذلك سنة سبع من الهجرة وأصدق النجاشي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أربعمائة دينار وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة وتوفيت سنة أربع وأربعين وقال الدارقطني : كانت أم حبيبة تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة على النصرانية فزوجها النجاشي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأمهرها عنه أربعة آلاف وبعث بها إليه مع شرحبيل بن حسنة ومنهن : زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية وكان اسمها برة فسماها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زينب وكان اسم أبيها برة فقالت : يا رسول الله بدل اسم أبي فإن البرة حقيرة فقال لها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لو كان أبوك مؤمنا سميناه باسم رجل منا أهل البيت ولكني قد سميته جحشا والجحش من البرة ) ذكر هذا الحديث الدارقطني تزوجها "صفحة رقم 166" رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالمدينة في سنة خمس من الهجرة وتوفيت سنة عشرين وهي بنت ثلاث وخمسين ومنهن : زينب بنت خذيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية كانت تسمى في الجاهلية أم المساكين لإطعامها إياهم تزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في رمضان على رأس واحد وثلاثين شهرا من الهجرة فمكثت عنده ثمانية أشهر وتوفيت في حياته في آخر ربيع الأول على رأس تسعة وثلاثين شهرا ودفنت بالبقيع ومنهن : جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية المصطلقية أصابها في غزوة بني المصطلق فوقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس فكاتبها فقضى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كتابتها وتزوجها وذلك في شعبان سنة ست وكان اسمها برة فسماها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جويرية وتوفيت في ربيع الأول سنة ست وخمسين وقيل : سنة خمسين وهي ابنة خمس وستين ومنهن : صفية بنت حيي بن أخطب الهارونية سباها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم خيبر واصطفاها لنفسه وأسلمت وأعتقها وجعل عتقها صداقها وفي الصحيح : أنها وقعت في سهم دحية الكلبي فاشتراها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بسبعة أرؤس وماتت في سنة خمسين وقيل : سنة اثنتين وخمسين ودفنت بالبقيع ومنهن : ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة من بني النضير سباها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأعتقها وتزوجها في سنة ست وماتت مرجعه من حجة الوداع فدفنها بالبقيع وقال الواقدي : ماتت سنة ست عشرة وصلى عليها عمر قال أبو الفرج الجوزي : وقد سمعت من يقول : إنه كان يطؤها بملك اليمين ولم يعتقها قلت : ولهذا والله أعلم لم يذكرها أبو القاسم عبد 6 الرحمن السهيلي في عداد أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ![]()
__________________
|
#572
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 166 الى صــ 175 الحلقة (572) "صفحة رقم 167" ومنهن : ميمونة بنت الحارث الهلالية تزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بسرف على عشرة أميال من مكة وذلك في سنة سبع من الهجرة في عمرة القضية وهي آخر امرأة تزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقدر الله تعالى أنها ماتت في المكان الذي بنى فيه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بها ودفنت هنالك وذلك في سنة إحدى وستين وقيل : ثلاث وستين وقيل ثمان وستين فهؤلاء المشهورات من أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهن اللاتي دخل بهن رضي الله عنهن فأما من تزجهن ولم يدخل بهن فمنهن : الكلابية واختلفوا في اسمها فقيل فاطمة وقيل عمرة وقيل العالية قال الزهري : تزوج فاطمة بنت الضحاك الكلابية فاستعاذت منه فطلقها وكانت تقول : أنا الشقية تزوجها في ذي القعدة سنة ثمان من الهجرة وتوفيت سنة ستين ومنهن : أسماء بنت النعمان بن الجون بن الحارث الكندية وهي الجونية قال قتادة لما دخل عليها دعاها فقالت : تعال أنت فطلقها وقال غيره : هي التي استعاذت منه وفي البخاري قال : تزوج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أميمة بنت شراحيل فلما أدخلت عليه بسط يده إليها فكأنها كرهت ذلك فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين وفي لفظ آخر قال أبو أسيد : أتي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالجونية فلما دخل عليها قال : ) هبي لي نفسك ) فقالت : وهل تهب الملكة نفسها للسوقة فأهوى بيده ليضعها عليها لتسكن فقالت : أعوذ بالله منك فقال : ) قد عذت بمعاذ ) ثم خرج علينا فقال : ) يا أبا أسيد أكسها رازقيين وألحقها بأهلها ) ومنهن : قتيلة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس زوجها إياه الأشعث ثم انصرف إلى حضرموت فحملها إليه فبلغه وفاة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فردها إلى بلاده فارتد "صفحة رقم 168" وارتدت معه ثم تزوجها عكرمة بن أبي جهل فوجد من ذلك أبو بكر وجدا شديدا فقال له عمر : إنها والله ماهي من أزواجه ماخيرها ولاحجبها ولقد برأها الله منه بالإرتداد وكان عروة ينكر أن يكون تزوجها ومنهن : أم شريك الأزدية واسمها غزية بنت جابر بن حكيم وكانت قبله عند أبي بكر بن أبي سلمى فطلقها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يدخل بها وهي التي وهبت نفسها وقيل : إن التي وهبت نفسها للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) خولة بنت حكيم ومنهن : خولة بنت الهذيل بن هبيرة تزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فهلكت قبل أن تصل إليه ومنهن : شراف بنت خليفة أخت دحية تزوجها ولم يدخل بها ومنهن : ليلى بنت الخطيم أخت قيس تزوجها وكانت غيورا فاستقالته فأقالها ومنهن : عمرة بنت معاوية الكندية تزوجها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الشعبي : تزوج امرأة من كندة فجيء بها بعد ما مات ومنهن : ابنة جندب بن ضمرة الجندعية قال بعضهم : تزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنكر بعضهم وجود ذلك ومنهن : الغفارية قال بعضهم : تزوج امرأة من غفار فأمرها فنزعت ثيابها فرأى بياضا فقال : ) الحقي بأهلك ) ويقال : إنما رأى البياض بالكلابية فهؤلاء اللاتي عقد عليهن ولم يدخل بهن ( صلى الله عليه وسلم ) فأما من خطبهن فلم يتم نكاحه معهن ومن وهبت له نفسها : فمنهن : أم هانئ بنت أبي طالب واسمها فاختة خطبها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت : إني امرأة مصبية واعتذرت إليه فعذرها "صفحة رقم 169" ومنهن : ضباعة بنت عامر ومنهن : صفية بنت بشامة بن نضلة خطبها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكان أصابها سباء فخيرها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : ) إن شئت أنا وإن شئت زوجك ) قالت : زوجي فأرسلها فلعنتها بنو تميم قاله بن عباس ومنهن : أم شريك وقد تقدم ذكرها ومنهن : ليلى بنت الخطيم وقد تقدم ذكرها ومنهن : خولة بنت حكيم بن أمية وهبت نفسها للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأرجأها فتزوجها عثمان بن مظعون ومنهن : جمرة بنت الحارث بن عوف المري خطبها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أبوها : إن بها سوءا ولم يكن بها فرجع إليها أبوها وقد برصت وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر ومنهن : سودة القرشية خطبها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكانت مصبية فقالت : أخاف أن يضغو صبيتي عند رأسك فحمدها ودعا لها ومنهن : امرأة لم يذكر اسمها قال مجاهد : خطب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) امرأة فقالت : أستأمر أبي فلقيت أباها فأذن لها فلقيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : ) قد التحفنا لحافا غيرك ) فهؤلاء جميع أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكان له من السراري سريتان : مارية القبطية وريحانة في قول قتادة وقال غيره : كان له أربع : مارية وريحانة وأخرى جميلة أصابها في السبي وجارية وهبتها له زينب بنت جحش "صفحة رقم 170" الثالثة قوله تعالى : ) إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ( إن شرط وجوابه فتعالين فعلق التخيير على شرط وهذا يدل على أن التخيير والطلاق المعلقين على شرط صحيحان فينفذان ويمضيان خلافا للجهال المبتدعة الذين يزعمون أن الرجل إذا قال لزوجته : أنت طالق إن دخلت الدار أنه لا يقع الطلاق إن دخلت الدار لأن الطلاق الشرعي هو المنجز في الحال لا غير الرابعة قوله تعالى : ) فتعالين ( هو جواب الشرط وهو فعل جماعة النساء من قولك تعالى وهو دعاء إلى الإقبال إليه يقال : تعال بمعنى أقبل وضع لمن له جلالة ورفعة ثم صار في الإستعمال لكل داع إلى الإقبال وأما في هذا الموضع فهو على أصله فإن الداعي هو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) أمتعكن ( قد تقدم الكلام في المتعة في البقرة وقريء أمتعكن بضم العين وكذا وأسرحكن بضم الحاء على الإستئناف والسراح الجميل : هو أن يكون طلاقا للسنة من غير ضرار ولا منع واجب لها الخامسة اختلف العلماء في كيفية تخيير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أزواجه على قولين : الأول أنه خيرهن بإذن الله تعالى في البقاء على الزوجية أو الطلاق فاخترن البقاء قالته عائشة ومجاهد وعكرمة والشعبي وبن شهاب وربيعة ومنهم من قال : إنما خيرهن بين الدنيا فيفارقهن وبين الآخرة فيمسكهن لتكون لهن المنزلة العليا كما كانت لزوجهن ولم يخيرهن في الطلاق ذكره الحسن وقتادة ومن الصحابة علي فيما رواه عنه أحمد بن حنبل أنه قال : لم يخير رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نساءه إلا بين الدنيا والآخرة قلت : القول الأول أصح لقول عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن الرجل يخير امرأته فقالت : قد خيرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أفكان طلاقا في رواية : فاخترناه فلم يعده طلاقا ولم يثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا التخيير المأمور بين البقاء والطلاق لذلك قال : ) يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تعجلي فيه حتى تستأمري "صفحة رقم 171" أبويك ) الحديث ومعلوم أنه لم يرد الإستئمار في اختيار الدنيا وزينتها على الآخرة فثبت أن الإستئمار إنما وقع في الفرقة أو النكاح والله أعلم السادسة اختلف العلماء في المخيرة إذا اختارت زوجها فقال جمهور العلماء من السلف وغيرهم وأئمة الفتوى : إنه لا يلزمه طلاق لا واحدة ولا أكثر هذا قول عمر بن الخطاب وعلي وبن مسعود وزيد بن ثابت وبن عباس وعائشة ومن التابعين عطاء ومسروق وسليمان بن يسار وربيعة وبن شهاب وروي عن علي وزيد أيضا : إن اختارت زوجها فواحدة بائنة وهو قول الحسن البصري والليث وحكاه الخطابي والنقاش عن مالك وتعلقوا بأن قوله : اختاري كناية عن إيقاع الطلاق فإذا أضافه إليها وقعت طلقة كقوله : أنت بائن والصحيح الأول لقول عائشة : خيرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاخترناه فلم يعده علينا طلاقا أخرجه الصحيحان قال بن المنذر وحديث عائشة دل على أن المخيرة إذا اختارت زوجها لم يكن ذلك طلاقا ويدل على أن اختيارها نفسها يوجب الطلاق ويدل على معنى ثالث وهو أن المخيرة إذا اختارت نفسها أنها تطليقة يملك زوجها رجعتها إذ غير جائز أن يطلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بخلاف ما أمره الله وروي هذا عن عمر وبن مسعود وبن عباس وبه قال بن أبي ليلى والثوري والشافعي وروي عن علي أنها إذا اختارت نفسها أنها واحدة بائنة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ورواه بن خويز منداد عن مالك وروي عن زيد بن ثابت أنها إذا اختارت نفسها أنها ثلاث وهو قول الحسن البصري وبه قال مالك والليث لأن الملك إنما يكون بذلك وروي عن علي رضي الله عنه أنها إذا اختارت نفسها فليس بشيء وروي عنه أنها إذا اختارت زوجها فواحدة رجعية ذهب جماعة من المدنيين وغيرهم إلى أن التمليك والتخيير سواء والقضاء ما قضت فيهما جميعا وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة قال بن شعبان وقد اختاره كثير من أصحابنا وهو قول جماعة من أهل المدينة قال أبو عمر وعلى هذا القول أكثر الفقهاء والمشهور من مذهب مالك الفرق بينهما وذلك أن التمليك عند مالك وهو قول الرجل لامرأته قد ملكتك أي قد ملكتك ما جعل الله لي من الطلاق واحدة أو اأثنتين أو ثلاثا فلما جاز أن يملكها بعض ذلك دون بعض وادعى ذلك كان القول قوله مع يمينه إذا ناكرها وقالت طائفة من أهل المدينة له المناكرة في التمليك وفي التخيير سواء في المدخول بها والأول قول مالك في المشهور وروى بن خويز منداد عن مالك أن للزوج أن يناكر المخيرة في الثلاث وتكون طلقة بائنة كما قال أبو حنيفة وبه قال أبو الجهم قال سحنون وعليه أكثر أصحابنا وتحصيل مذهب مالك أن المخيرة إذا اختارت نفسها وهي مدخول بها فهو الطلاق كله وإن أنكر زوجها فلا نكرة له وإن اختارت واحدة فليس بشيء وإنما الخيار البتات إما أخذته وإما تركته لأن معنى التخيير التسريح قال الله تعالى في آية التخيير فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا فمعنى التسريح البتات قال الله تعالى الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان البقرة والتسريح بإحسان هو الطلقة الثالثة روي ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما تقدم ومن جهة المعنى أن قول اختاريني أو اختاري نفسك يقتضي ألا يكون له عليها سبيل إذا اختارت نفسها ولا يملك منها شيئا إذ قد جعل إليها أن تخرج ما يملكه منها أو تقيم معه إذا اختارته فإذا اختارت البعض من الطلاق لم تعمل بمقتضى اللفظ وكانت بمنزل من خير بين شيئين فاختار غيرهما وأما التي لم يدخل بها فله مناكرتها في التخيير والتمليك إذا زادت على واحدة لأنها تبين في الحال واختلفت الرواية عن مالك متى يكون لها الخيار فقال مرة لها الخيار ما دامت في المجلس قبل القيام أو الاشتغال بما يدل على الإعراض فإن لم تختر ولم تقض شيئا حتى افترقا من مجلسهما بطل ما كان من ذلك إليها وعلى هذا أكثر الفقهاء وقال مرة لها الخيار أبدا ما لم يعلم أنها تركت وذلك يعلم بأن تمكنه من نفسها بوطء أو مباشرة فعلى هذا إن منعت نفسها ولم تختر شيئا كان له رفعها على الحاكم لتوقع أو تسقط فإن أبت أسقط الحاكم تمليكها وعلى القول الأول إذا أخذت في غير ذلك من حديث أو عمل أو مشي أو ما ليس في التخيير بشيء كما ذكرنا سقط تخييرها واحتج بعض أصحابنا لهذا القول بقوله تعالى فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره النساء وأيضا فإن الزوج أطلق لها القول ليعرف الخيار منها فصار كالعقد بينهما فإن قبلته وإلا سقط كالذي يقول قد وهبت لك أو بايعتك فإن قبل وإلا كان الملك باقيا بحاله هذا قول الثوري والكوفيين والأوزاعي والليث والشافعي وأبي ثور وهو اختيار بن القاسم ووجه الرواية الثانية أن ذلك قد صار في يدها ملكته على زوجها بتمليكه إياها فلما ملكت ذلك وجب أن يبقى في يدها كبقائه في يد زوجها قلت وهذا هو الصحيح لقوله عليه السلام لعائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تستعجلي حتى تستأمري أبويك رواه الصحيح وخرجه البخاري وصححه الترمذي وقد تقدم في أول الباب وهو حجة لمن قال إنه إذا خير الرجل امرأته أو ملكها أن لها أن تقضي في ذلك وإن افترقا من مجلسهما روي هذا عن الحسن والزهري وقال مالك في إحدى روايتيه قال أبو عبيد والذي عندنا في هذا الباب اتباع السنة في عائشة في هذا الحديث حين جعل لها التخيير إلى أن تستأمر أبويها ولم يجعل قيامها من مجلسها خروجا من الأم قال المروزي هذا أصح الأقاويل عندي وقاله بن المنذر والطحاوي اختلف العلماء في كيفية تخيير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أزواجه على قولين الأول أنه خيرهن بإذن الله تعالى في البقاء على الزوجية أو الطلاق فاخترن البقاء قالته عائشة ومجاهد وعكرمة والشعبي وبن شهاب وربيعة ومنهن من قال إنما خيرهن بين الدنيا فيفارقهن وبين الآخرة فيمسكهن لتكون لهن المنزلة العليا كما كانت لزوجهن ولم يخيرهن في الطلاق ذكره الحسن وقتادة ومن الصحابة علي فيما رواه عنه أحمد بن حنبل أنه قال لم يخير رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نساءه إلا بين الدنيا والآخرة قلت القول الأول أصح لقول عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن الرجل يخير امرأته فقالت قد خيرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أفكان طلاقا في رواية فاخترناه فلم يعده طلاقا ولم يثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا التخيير المأمور بين البقاء والطلاق لذلك قال يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك الحديث ومعلوم أنه لم يرد الاستئمار في اختيار الدنيا وزينتها على الآخرة فثبت أن الاستئمار إنما وقع في الفرقة أو النكاح والله أعلم اختلف العلماء في المخيرة إذا اختارت زوجها فقال جمهور العلماء من السلف وغيرهم وأئمة الفتوى إنه لا يلزمه طلاق لا واحدة ولا أكثر هذا قول عمر بن الخطاب وعلي وبن مسعود وزيد بن ثابت وبن عباس وعائشة ومن التابعين عطاء ومسروق وسليمان بن يسار وربيعة وبن شهاب وروي عن علي وزيد أيضا إن اختارت زوجها فواحدة بائنة وهو قول الحسن البصري والليث وحكاه الخطابي والنقاش عن مالك وتعلقوا بأن قوله اختاري كناية عن إيقاع الطلاق فإذا أضافه إليها وقعت طلقة كقوله أنت بائن والصحيح الأول لقول عائشة خيرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاخترناه فلم يعده علينا طلاقا أخرجه الصحيحان قال بن المنذر : وحديث عائشة يدل على أن المخيرة إذا اختارت زوجها لم يكن ذلك طلاقا ويدل على أن اختيارها نفسها يوجب الطلاق ويدل على معنى ثالث وهو أن المخيرة إذا اختارت نفسها أنها تطليقة يملك زوجها رجعتها إذ غير جائز أن يطلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بخلاف ما أمره الله وروي هذا عن عمر وبن مسعود وبن عباس وبه قال بن أبي ليلى والثوري والشافعي وروي عن علي أنها إذا اختارت نفسها أنها واحدة بائنة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ورواه بن خويز منداد عن مالك وروي عن زيد بن ثابت أنها إذا اختارت نفسها أنها ثلاث وهو قول الحسن البصري وبه قال مالك والليث لأن الملك إنما يكون بذلك وروي عن علي رضي الله عنه أنها إذا اختارت نفسها فليس بشيء وروي عنه أنها إذا اختارت زوجها فواحدة رجعية السابعة ذهب جماعة من المدنيين وغيرهم إلى أن التمليك والتخيير سواء والقضاء ماقضت فيهما جميعا وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة قال بن شعبان : وقد اختاره كثير من أصحابنا وهو قول جماعة من أهل المدينة قال أبو عمر : وعلى هذا القول أكثر "صفحة رقم 172" الفقهاء والمشهور من مذهب مالك الفرق بينهما وذلك أن التمليك عند مالك هو قول الرجل لإمرأته : قد ملكتك أي قد ملكتك ما جعل الله لي من الطلاق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فلما جاز أن يملكها بعض ذلك دون بعض وادعى ذلك كان القول قوله مع يمينه إذا ناكرها وقالت طائفة من أهل المدينة : له المناكرة في التمليك وفي التخيير سواء في المدخول بها والأول قول مالك في المشهور وروى بن خويز منداد عن مالك أن للزوج أن يناكر المخيرة في الثلاث وتكون طلقة 4 بائنة كما قال أبو حنيفة وبه قال أبو الجهم قال سحنون : وعليه أكثر أصحابنا وتحصيل مذهب مالك : أن المخيرة إذا اختارت نفسها وهي مدخول بها فهو الطلاق كله وإن أنكر زوجها فلا نكرة له وإن اختارت واحدة فليس بشيء وإنما الخيار البتات إما أخذته وإما تركته لأن معنى التخيير التسريح قال الله تعالى في آية التخيير : ) فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ( فمعنى التسريح البتات قال الله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان والتسريح بإحسان هو الطلقة الثالثة روي ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما تقدم ومن جهة المعنى أن قوله : اختاريني أو اختاري نفسك يقتضي ألا يكون له عليها سبيل إذا اختارت نفسها ولا يملك منها شيئا إذ قد جعل إليها أن تخرج ما يملكه منها أو تقيم معه إذا اختارته فإذا اختارت البعض من الطلاق لم تعمل بمقتضى اللفظ وكانت بمنزل من خير بين شيئين فاختار غيرهما وأما التي لم يدخل بها فله مناكرتها في التخيير والتمليك إذا زادت على واحدة لأنها تبين في الحال الثامنة اختلفت الرواية عن مالك متى يكون لها الخيار فقال مرة : لها الخيار ما دامت في المجلس قبل القيام أو الإشتغال بما يدل على الإعراض فإن لم تختر ولم تقض شيئا حتى افترقا من مجلسهما بطل ما كان من ذلك إليها وعلى هذا أكثر الفقهاء وقال مرة : لها الخيار أبدا ما لم يعلم أنها تركت وذلك يعلم بأن تمكنه من نفسها بوطء أو مباشرة فعلى هذا إن منعت نفسها ولم تختر شيئا كان له رفعها إلى الحاكم لتوقع أو تسقط فإن أبت أسقط "صفحة رقم 173" الحاكم تمليكها وعلى القول الأول إذا أخذت في غير ذلك من حديث أو عمل أو مشي أو ما ليس في التخيير بشيء كما ذكرنا سقط تخييرها واحتج بعض أصحابنا لهذا القول بقوله تعالى : فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره وأيضا فإن الزوج أطلق لها القول ليعرف الخيار منها فصار كالعقد بينهما فإن قبلته وإلا سقط كالذي يقول : قد وهبت لك أو بايعتك فإن قبل وإلا كان الملك باقيا بحاله هذا قول الثوري والكوفيين والأوزاعي والليث والشافعي وأبي ثور وهو اختيار بن القاسم ووجه الرواية الثانية أن ذلك قد صار في يدها وملكته على زوجها بتمليكه إياها فلما ملكت ذلك وجب أن يبقى في يدها كبقائه في يد زوجها قلت : وهذا هو الصحيح لقوله عليه السلام لعائشة : ) إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تستعجلي حتى تستأمري أبويك ) رواه الصحيح وخرجه البخاري وصححه الترمذي وقد تقدم في أول الباب وهو حجة لمن قال : إنه إذا خير الرجل امرأته أو ملكها أن لها أن تقضي في ذلك وأن افترقا من مجلسهما روي هذا عن الحسن والزهري وقاله مالك في إحدى روايتيه قال أبو عبيد : والذي عندنا في هذا الباب اتباع السنة في عائشة في هذا الحديث حين جعل لها التخيير إلى أن تستأمر أبويها ولم يجعل قيامها من مجلسها خروجا من الأمر قال المروزي : هذا أصح الأقاويل عندي وقاله بن المنذر والطحاوي الأحزاب : ) 30 ( يا نساء النبي . . . . . ) الاحزاب 30 : 31 ( "صفحة رقم 174" قوله تعالى : ) يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة ( فيه ثلاث مسائل : الأولى قال العلماء : لما اختار نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شكرهن الله على ذلك فقال تكرمة لهن : لايحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج الآية وبين حكمهن عن غيرهن فقال : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا وجعل ثواب طاعتهن وعقاب معصيتهن أكثر مما لغيرهن فقال : يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة منبينة يضاعف لها العذاب ضعفين فأخبر تعالى أن من جاء من نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بفاحشة والله عاصم رسوله عليه السلام من ذلك كما مر في حديث الإفك يضاعف لها العذاب ضعفين لشرف منزلتهن وفضل درجتهن وتقدمهن على سائر النساء أجمع وكذلك بينت الشريعة في غير ما موضع حسبما تقدم بيانه غير مرة أنه كلما تضاعفت الحرمات فهتكت تضاعفت العقوبات ولذلك ضوعف حد الحر على العبد والثيب على البكر وقيل : لما كان أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في مهبط الوحي وفي منزل أوامر الله ونواهيه قوي الأمر عليهن ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم غيرهن فضوعف لهن الأجر والعذاب وقيل إنما ذلك لعظم الضرر في جرائمهن بإيذاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكانت العقوبة على قدر عظم الجريمة في إيذاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال تعالى : إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واختار هذا القول الكيا الطبري الثانية قال قوم : لو قدر الزنى من واحدة منهن وقد أعاذهن الله من ذلك لكانت تحد حدين لعظم قدرها كما يزاد حد الحرة على الأمة والعذاب بمعنى الحد قال الله تعالى : وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين وعلى هذا فمعنى الضعفين معنى المثلين أو المرتين وقال أبو عبيدة : ضعف الشيء شيئان حتى يكون ثلاثة وقاله أبو عمرو فيما "صفحة رقم 175" حكى الطبري عنه فيضاف إليه عذابان مثله فيكون ثلاثة أعذبة وضعفه الطبري وكذلك هو غير صحيح وإن كان له باللفظ تعلق الإحتمال وكون الأجر مرتين مما يفسد هذا القول لأن العذاب في الفاحشة بإزاء الأجر في الطاعة قاله بن عطية وقال النحاس : فرق أبو عمرو بين يضاعف ويضعف قال : يضاعف للمرار الكثيرة ويضعف مرتين وقرأ يضعف لهذا وقال أبو عبيدة : يضاعف لها العذاب يجعل ثلاثة أعذبة قال النحاس : التفريق الذي جاء به أبو عمرو وأبو عبيدة لا يعرفه أحد من أهل اللغة علمته والمعنى في يضاعف ويضعف واحد أي يجعل ضعفين كما تقول : إن دفعت إلى درهما دفعت إليك ضعفيه أي مثليه يعني درهمين ويدل على هذا نؤتها أجرها مرتين ولا يكون العذاب أكثر من الأجر وقال في موضع آخر آتهم ضعفين من العذاب أي مثلين وروى معمر عن قتادة يضاعف لها العذاب ضعفين قال : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة قال القشيري أبو نصر : الظاهر أنه أراد بالضعفين المثلين لأنه قال : نؤتها أجرها مرتين فأما في الوصايا لو أوصى لإنسان بضعفي نصيب ولده فهو وصية بأن يعطي مثل نصيبه ثلاث مرات فإن الوصايا تجري على العرف فيما بين الناس وكلام الله يرد تفسره إلى كلام العرب والضعف في كلام العرب المثل إلى ما زاد وليس بمقصور على مثلين يقال : هذا ضعف هذا أي مثله وهذا ضعفاه أي مثلاه فالضعف في الأصل زيادة غير محصورة قال الله تعالى : فأولئك لهم جزاء الضعف ولم يرد مثلا ولا مثلين كل هذا قول الأزهري وقد تقدم في النور الإختلاف في حد من قذف واحدة منهن والحمد لله الثالثة قال أبو رافع : كان عمر رضي الله عنه كثيرا ما يقرأ سورة يوسف وسورة الأحزاب في الصبح وكان إذا بلغ يانساء النبي رفع بها صوته فقيل له في ذلك فقال : ) أذكرهن العهد ) قرأ الجمهور : من يأت بالياء وكذلك من يقنت حملا على لفظ "صفحة رقم 176" من والقنوت الطاعة وقد تقدم وقرأ يعقوب : من تأت وتقنت بالتاء من فوق حملا على المعنى وقال قوم : الفاحشة إذا وردت معرفة فهي الزنى واللواط وإذا وردت منكرة فهي سائر المعاصي وإذا وردت منعوتة فهي عقوق الزوج وفساد عشرته وقالت فرقة : بل قوله فاحشة مبينة تعم جميع المعاصي وكذلك الفاحشة كيف وردت وقرأ بن كثير مبينة بفتح الياء وقرأ نافع وأبو عمرو بكسرها وقرأت فرقة : يضاعف بكسر العين على إسناد الفعل إلى الله تعالى وقرأ أبو عمرو فيما روى خارجة نضاعف بالنون المضمومة ونصب العذاب وهذه قراءة بن محيصن وهذه مفاعلة من واحد كطارقت النعل وعاقبت اللص وقرأ نافع وحمزة والكسائي يضاعف بالياء وفتح العين العذاب رفعا وهي قراءة الحسن وبن كثير وعيسى وقرأ بن كثير وبن عامر نضعف بالنون وكسر العين المشددة العذاب نصبا قال مقاتل : هذا التضعيف في العذاب إنما هو في الآخرة لأن إيتاء الأجر مرتين أيضا في الآخرة وهذا حسن لأن نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا يأتين بفاحشة توجب حدا وقد قال بن عباس : ما بغت امرأة نبي قط وإنما خانت في الإيمان والطاعة وقال بعض المفسرين : العذاب الذي توعدن به ضعفين هو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فكذلك الأجر قال بن عطية : وهذا ضعيف اللهم إلا أن يكون أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا ترفع عنهن حدود الدنيا عذاب الآخرة على ما هي حال الناس عليه بحكم حديث عبادة بن الصامت وهذا أمر لم يرو في أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا حفظ تقرره وأهل التفسير على أن الرزق الكريم الجنة ذكره النحاس ![]()
__________________
|
#573
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 176 الى صــ 185 الحلقة (573) "صفحة رقم 177" الأحزاب : ) 32 ( يا نساء النبي . . . . . ) الاحزاب 32 ( قوله تعالى : ) يانساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن ( يعني في الفضل والشرف وقال : كأحد ولم يقل كواحدة لأن أحدا نفي من المذكر والمؤنث والواحد والجماعة وقد يقال على ما ليس بآدمي يقال : ليس فيها أحد لا شاة ولا بعير وإنما خصص النساء بالذكر لأن فيمن تقدم آسية ومريم وقد أشار إلى هذا قتادة وقد تقدم في آل عمران الإختلاف في التفضيل بينهن فتأمله هناك ثم قال : إن اتقيتن أي خفتن الله فبين أن الفضيلة إنما تتم لهن بشرط التقوى لما منحهن الله من صحبة الرسول وعظيم المحل منه ونزول القرآن في حقهن قوله تعالى : ) فلا تخضعن بالقول ( في موضع جزم بالنهي إلا أنه مبني كما بني الماضي هذا مذهب سيبويه أي لا تلن القول أمرهن الله أن يكون قولهن جزلا وكلامهن فصلا ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه مثل كلام المريبات والمومسات فنهاهن عن مثل هذا قوله تعالى : ) فيطمع ( بالنصب على جواب النهي ) الذي في قلبه مرض ( أي شك ونفاق عن قتادة والسدي وقيل : تشوف لفجور وهو الفسق والغزل قاله عكرمة وهذا أصوب وليس للنفاق مدخل في هذه الآية وحكى أبو حاتم أن الأعرج قرأ فيطمع بفتح الياء وكسر الميم النحاس : أحسب هذا غلطا وأن يكون قرأ فيطمع بفتح الميم وكسر العين بعطفه على تخضعن فهذا وجه جيد حسن ويجوز فيطمع بمعنى فيطمع الخضوع أو القول "صفحة رقم 178" قوله تعالى : ) وقلن قولا معروفا ( قال بن عباس : أمرهن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمرأة تندب إذا خاطبت الأجانب وكذا المحرمات عليها بالمصاهرة إلى الغلظة في القول من غير رفع صوت فإن المرأة مأمورة بخفض الكلام وعلى الجملة فالقول المعروف : هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس الأحزاب : ) 33 ( وقرن في بيوتكن . . . . . ) الاحزاب 33 ( قوله تعالى : ) وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ( فيه أربع مسائل : الأولى قوله تعالى : ) وقرن ( قرأ الجمهور وقرن بكسر القاف وقرأ عاصم ونافع بفتحها فأما القراءة الأولى فتحتمل وجهين : أحدهما أن يكون من الوقار تقول : وقر يقر وقارا أي سكن والأمر قر وللنساء قرن مثل عدن وزن والوجه الثاني وهو قول المبرد أن يكون من القرار تقول : قررت بالمكان ) بفتح الراء ( أقرأ والأصل أقررن بكسر الراء فحذفت الراء الأولى تخفيفا كما قالوا في ظللت : ظلت ومسست : مست ونقلوا حركتها إلى القاف واستغنى عن ألف الوصل لتحرك القاف قال أبو علي : بل على أن أبدلت الراء ياء كراهة التضعيف كما أبدلت في قيراط ودينار ويصير للياء حركة الحرف المبدل منه فالتقدير : إقيرن ثم تلقى حركة الياء على القاف كراهة تحرك الياء بالكسر فتسقط الياء لاجتماع الساكنين وتسقط همزة الوصل لتحرك ما بعدها فيصير قرن وأما قراءة أهل المدينة وعاصم فعلى لغة العرب : قررت في المكان إذا أقمت فيه ) بكسر الراء ( أقر ) بفتح القاف ( من باب حمد يحمد وهي لغة أهل الحجاز ذكرها أبو عبيد في الغريب المصنف عن الكسائي وهو من أجل مشايخه وذكرها الزجاج وغيره والأصل إقررن "صفحة رقم 179" حذفت الراء الأولى لثقل التضعيف وألقيت حركتها على القاف فتقول : قرن قال الفراء : هو كما تقول : أحست صاحبك أي هل أحسست وقال أبو عثمان المازني : قررت به عينا ) بالكسر لا غير ( من قرة العين ولا يجوز قررت في المكان ) بالكسر ( وإنما هو قررت ) بفتح الراء ( وما أنكره من هذا لا يقدح في القراءة إذا ثبتت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيستدل بما ثبت عنه من القراءة على صحة اللغة وذهب أبو حاتم أيضا أن قرن لا مذهب له في كلام العرب قال النحاس : وأما قول أبي حاتم : لا مذهب له فقد خولف فيه وفيه مذهبان : أحدهما ما حكاه الكسائي والآخر ما سمعت علي بن سليمان يقول قال : وهو من قررت به عينا أقر والمعنى : واقررن به عينا في بيوتكن وهو وجه حسن إلا أن الحديث يدل على أنه من الأول كما روي أن عمارا قال لعائشة رضي الله عنها : إن الله قد أمرك أن تقري في منزلك فقالت : يا أبا اليقظان ما زلت قوالا بالحق فقال : الحمد لله الذي جعلني كذلك على لسانك وقرأ بن أبي عبلة واقررن بألف وصل وراءين الأولى مكسورة الثانية معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت وإن كان الخطاب لنساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والإنكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة على ما تقدم في غير موضع فأمر الله تعالى نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بملازمة بيوتهن وخاطبهن بذلك تشريفا لهن ونهاهن عن التبرج وأعلم أنه فعل الجاهلية الأولى فقال : ) ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ( وقد تقدم معنى التبرج في النور وحقيقته إظهار ما ستره أحسن وهو مأخوذ من السعة يقال : في أسنانه برج إذا كانت متفرقة قاله المبرد واختلف الناس في الجاهلية الأولى فقيل : هي الزمن الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال وقال الحكم بن عيينة : ما بين آدم ونوح "صفحة رقم 180" وهي ثمانمائة سنة وحكيت لهم سير ذميمة وقال بن عباس : ما بين نوح وإدريس الكلبي : ما بين نوج وإبراهيم قيل : إن المرأة كانت تلبس الدرع من اللؤلؤ غير مخيط الجانبين وتلبس الثياب الرقاق ولا تواري بدنها وقالت فرقة : ما بين موسى وعيسى الشعبي : ما بين عيسى ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أبو العالية : هي زمان داود وسليمان كان فيه للمرأة قميص من الدر غير مخيط الجانبين وقال أبو العباس المبرد : والجاهلية الأولى كما تقول الجاهلية الجهلاء قال : وكان النساء في الجاهلية الجهلاء يظهرن ما يقبح إظهاره حتى كانت المرأة تجلس مع زوجها وخلها فينفرد خلها بما فوق الإزار إلى الأعلى وينفرد زوجها بما دون الإزار إلى الأسفل وربما سأل أحدهما صاحبه البدل وقال مجاهد : كان النساء يتمشين بين الرجال فذلك التبرج قال بن عطية : والذي يظهر عندي أنه أشار للجاهلية التي لحقنها فأمرن بالنقلة عن سيرتهن فيها وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفرة لأنهم كانوا لا غيرة عندهم وكان أمر النساء دون حجاب وجعلها أولى بالنسبة إلى ما كن عليه وليس المعنى أن ثم جاهلية أخرى وقد أوقع اسم الجاهلية على تلك المدة التي قبل الإسلام فقالوا : جاهلي في الشعراء وقال بن عباس في البخاري : سمعت أبي في الجاهلية يقول إلى غير هذا قلت : وهذا قول حسن ويعترض بأن العرب كانت أهل قشف وضنك في الغالب وأن التنعم وإظهار الزينة إنما جرى في ألأزمان السابقة وهي المراد بالجاهلية الأولى وأن المقصود من الآية مخالفة من قبلهن من المشية على تغنيج وتكسير وإظهار المحاسن للرجال إلى غير ذلك مما لا يجوز شرعا وذلك يشمل الأقوال كلها ويعمها فيلزمن البيوت فإن مست الحاجة إلى الخروج فليكن على تبذل وتستر تام والله الموفق الثالثة ذكر الثعلبي وغيره : أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها وذكر أن سودة قيل لها : لم لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل "صفحة رقم 181" أخواتك فقالت : قد حججت واعتمرت وأمرني الله أن أقر في بيتي قال الراوي : فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها رضوان الله عليها قال بن العربي : لقد دخلت نيفا على ألف قرية فما رأيت نساء أصون عيالا ولا أعف نساء من نساء نابلس التي رمي بها الخليل ( صلى الله عليه وسلم ) بالنار فإني أقمت فيها فما رأيت امرأة في طريق نهارا إلا يوم الجمعة فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلى الجمعة الأخرى وقد رأيت بالمسجد الأقصى عفائف ما خرجن من معتكفهن حتى استشهدن فيه الرابعة قال بن عطية : بكاء عائشة رضي الله عنها إنما كان بسبب سفرها أيام الجمل وحينئذ قال لها عمار : إن الله قد أمرك أن تقري في بيتك قال بن العربي : تعلق الرافضة لعنهم الله بهذه الآية على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذ قالوا : إنها خالفت أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين خرجت تقود الجيوش وتباشر الحروب وتقتحم مأزق الطعن والضرب فيما لم يفرض عليها ولا يجوز لها قالوا : ولقد حصر عثمان فلما رأت ذلك أمرت برواحلها فقربت لتخرج إلى مكة فقال لها مروان : أقيمي هنا يا أم المؤمنين وردي هؤلاء الرعاع فإن الإصلاح بين الناس خير من حجك قال بن العربي قال علماؤنا رحمة الله عليهم : إن عائشة رضي الله عنها نذرت الحج قبل الفتنة فلم تر التخلف عن نذرها ولو خرجت في تلك الثائرة لكان ذلك صوابا لها وأما خروجها إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب ولكن تعلق الناس بها وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس ورجوا بركتها وطمعوا في الإستحياء منها إذا وقفت إلى الخلق وظنت هي ذلك فخرجت مقتدية بالله في قوله : لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس وقوله : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما والأمر بالإصلاح مخاطب به جميع الناس من ذكر وأنثى حر "صفحة رقم 182" أو عبد فلم يرد الله تعالى بسابق قضائه ونافذ حكمه أن يقع إصلاح ولكن جرت مطاعنات وجراحات حتى كاد يفنى الفريقان فعمد بعضهم إلى الجمل فعرقبه فلما سقط الجمل لجنبه أدرك محمد بن أبي بكر عائشة رضي الله تعالى عنها فاحتملها إلى البصرة وخرجت في ثلاثين امرأة قرنهن علي بها حتى أوصلوها إلى المدينة برة تقية مجتهدة مصيبة مثابة فيما تأولت مأجورة فيما فعلت إذ كل مجتهد في الأحكام مصيب وقد تقدم في النحل اسم هذا الجمل وبه يعرف ذلك اليوم قوله تعالى : وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ( أي فيما أمر ونهى ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ( قال الزجاج : قيل يراد به نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل : يراد به نساؤه وأهله الذين هم أهل بيته على ما يأتي بيانه بعد وأهل البيت نصب على المدح قال : وإن شئت على البدل قال : ويجوز الرفع والخفض قال النحاس : إن خفض على أنه بدل من الكاف والميم لم يجز عند أبي العباس محمد بن يزيد قال لا يبدل من المخاطبة ولا من المخاطب لأنهما لا يحتاجان إلى تبيين ) ويطهركم تطهيرا ( مصدر فيه معنى التوكيد الأحزاب : ) 34 ( واذكرن ما يتلى . . . . . ) الاحزاب 34 ( فيه ثلاث مسائل : الأولى قوله تعالى : ) واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ( هذه الألفاظ تعطي أن أهل البيت نساؤه وقد أختلف أهل العلم في أهل البيت من هم فقال عطاء وعكرمة وبن عباس : هم زوجاته خاصة لا رجل معهن وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لقوله تعالى : واذكرن ما يتلى في بيوتكن وقالت فرقة منهم الكلبي : هم علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة وفي هذا أحاديث عن النبي عليه السلام واحتجوا بقوله تعالى : ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم "صفحة رقم 183" بالميم ولو كان للنساء خاصة لكان عنكن ويطهركن إلا أنه يحتمل أن يكون خرج على لفظ الأهل كما يقول الرجل لصاحبه : كيف أهلك أي امرأتك ونساؤك فيقول : هم بخير قال الله تعالى : أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم وإنما قال : ويطهركم لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعليا وحسنا وحسينا كان فيهم وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت لأن الآية فيهن والمخاطبة لهن يدل عليه سياق الكلام والله أعلم أما أن أم سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فدخل معهم تحت كساء خيبري وقال : ) هؤلاء أهل بيتي ) وقرأ الآية وقال : ) اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) فقالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله قال : ) أنت على مكانك وأنت على خير ) أخرجه الترمذي وغيره وقال : هذا حديث غريب وقال القشيري : وقالت أم سلمة أدخلت رأسي في الكساء وقلت : أنا منهم يا رسول الله قال : ) نعم ) وقال الثعلبي : هم بنو هاشم فهذا يدل على أن البيت يراد به بيت النسب فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم وروي نحوه عن زيد بن أرقم رضي الله عنهم أجمعين وعلى قول الكلبي يكون قوله : واذكرن ابتداء مخاطبة الله تعالى أي مخاطبة أمر الله عز وجل أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على جهة الموعظة وتعديد النعمة بذكر ما يتلى في بيوتهن من آيات الله تعالى والحكمة قال أهل العلم بالتأويل : آيات الله القرآن والحكمة السنة والصحيح أن قوله : واذكرن منسوق على ما قبله وقال عنكم لقوله أهل فالأهل مذكر فسماهن وإن كن إناثا باسم التذكير فلذلك صار عنكم ولا اعتبار بقول الكلبي وأشباهه فإنه توجد له أشياء في هذا التفسير ما لو كان في زمن السلف الصالح لمنعوه من ذلك وحجروا عليه فالآيات كلها من قوله : يا أيها النبي قل لأزواجك إلى قوله إن الله كان لطيفا خبيرا منسوق بعضها على بعض "صفحة رقم 184" فكيف صار في الوسط كلاما منفصلا لغيرهن وإنما هذا شيء جرى في الأخبار أن النبي عليه السلام لما نزلت عليه هذه الآية دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين فعمد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى كساء فلفها عليهم ثم ألوى بيده إلى السماء فقال : ) اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) فهذه دعوة من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لهم بعد نزول الآية أحب أن يدخلهم في الآية التي خوطب بها الأزواج فذهب الكلبي ومن وافقه فصيرها لهم خاصة وهي دعوة لهم خارجة من التنزيل الثانية لفظ الذكر يحتمل ثلاثة معان : أحدها أي اذكرن موضع النعمة إذ صيركن الله في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة الثاني اذكرن آيات الله واقدرن قدرها وفكرن فيها حتى تكون منكن على بال لتتعظن بمواعظ الله تعالى ومن كان هذا حاله ينبغي أن تحسن أفعاله الثالث اذكرن بمعنى احفظن واقرأن والزمنه الألسنة فكأنه يقول : احفظن أوامر الله تعالى ونواهيه وذلك هو الذي يتلى في بيوتكن من آيات الله فأمر الله سبحانه وتعالى أن يخبرن بما ينزل من القرآن في بيوتهن وما يرين من أفعال النبي عليه الصلاة والسلام ويسمعن من أقواله حتى يبلغن ذلك إلى الناس فيعملوا ويقتدوا وهذا يدل على جواز قبول خبر الواحد من الرجال والنساء في الدين الثالثة قال بن العربي في : هذه الآية مسألة بديعة وهي أن الله تعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بتبليغ ما أنزل عليه من القرآن وتعليم ما علمه من الدين فكان إذا قرأ على واحد أو ما اتفق سقط عنه الفرض وكان على من سمعه أن يبلغه إلى غيره ولا يلزمه أن يذكره لجميع الصحابة ولا كان عليه إذا علم ذلك أزواجه أن يخرج إلى الناس فيقول لهم نزل كذا ولا كان كذا ولهذا قلنا : يجوز العمل بخبر بسرة في إيجاب الوضوء من مس الذكر لأنها روت ما سمعت وبلغت ما وعت ولا يلزم أن يبلغ ذلك الرجال كما قال أبو حنيفة على أنه قد نقل عن سعد بن أبي وقاص وبن عمر "صفحة رقم 185" الأحزاب : ) 35 ( إن المسلمين والمسلمات . . . . . ) الاحزاب 35 ( فيه مسألتان : الأولى روى الترمذي عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت : ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت هذه الآية : إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الآية هذا حديث حسن غريب والمسلمين اسم إن والمسلمات عطف عليه ويجوز رفعهن عند البصريين فأما الفراء فلا يجوز عنده إلا فيما لا يتبين فيه الإعراب الثانية بدأ تعالى في هذه الآية بذكر الإسلام الذي يعم الإيمان وعمل الجوارح ثم ذكر الإيمان تخصيصا له وتنبيها على أنه عظم الإسلام ودعامته والقانت : العابد المطيع والصادق : معناه فيما عوهد عليه أن يفي به والصابر عن الشهوات وعلى الطاعات في المكره والمنشط والخاشع : الخائف لله والمتصدق بالفرض والنفل وقيل : بالفرض خاصة والأول أمدح والصائم كذلك ) والحافظين فروجهم والحافظات ( أي عما لا يحل من الزنى وغيره وفي قوله : والحافظات حذف يدل عليه المتقدم تقديره : والحافظاتها فاكتفى بما تقدم وفي الذاكرات أيضا مثله ونظيره قول الشاعر "صفحة رقم 186" وكمتا مدماة كأن متونها جرى فوقها واستشعرت لون مذهب وروى سيبويه : لون مذهب بالنصب وإنما يجوز الرفع على حذف الهاء كأنه قال : واستشعرته فيمن رفع لونا والذاكر قيل في أدبار الصلوات وغدوا وعشيا وفي المضاجع وعند الإنتباه من النوم وقد تقدم هذا كله مفصلا في مواضعه وما يترتب عليه من الفوائد والأحكام فأغنى عن الإعادة والحمد لله رب العالمين قال مجاهد : لايكون ذاكر الله تعالى كثيرا حتى يذكره قائما وجالسا ومضطجعا وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : من أيقظ أهله بالليل وصليا أربع ركعات كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات الأحزاب : ) 36 ( وما كان لمؤمن . . . . . ) الاحزاب 36 ( فيه أربع مسائل : الأولى روى قتادة وبن عباس ومجاهد في سبب نزول هذه الآية : أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خطب زينب بنت جحش وكانت بنت عمته فظنت أن الخطبة لنفسه فلما تبين أنه يريدها لزيد كرهت وأبت وامتنعت فنزلت الآية فأذعنت زينب حينئذ وتزوجته في رواية : فامتنعت وامتنع أخوها عبد الله لنسبها من قريش وأن زيدا كان بالأمس عبدا إلى أن نزلت هذه الآية فقال له أخوها : مرني بما شئت فزوجها من زيد وقيل : إنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت وهبت نفسها للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فزوجها من زيد بن حارثة فكرهت ذلك هي وأخوها وقالا : إنما أردنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ![]()
__________________
|
#574
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 186 الى صــ 195 الحلقة (574) "صفحة رقم 187" فزوجنا غيره فنزلت الآية بسبب ذلك فأجابا إلى تزويج زيد قاله بن زيد وقال الحسن : ليس لمؤمن ولا مؤمنة إذا أمر الله عز وجل ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأمر أن يعصياه الثانية لفظه ما كان وما ينبغي ونحوهما معناها الحظر والمنع فتجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون كما في هذه الآية وربما كان امتناع ذلك الشيء عقلا كقوله تعالى : ما كان لكم أن تنبتوا شجرها وربما كان العلم بامتناعه شرعا كقوله تعالى : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة وقوله تعالى : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب وربما كان في المندوبات كما تقول : ما كان لك يا فلان أن تترك النوافل ونحو هذا الثالثة في هذه الآية دليل بل نص في أن الكفاءة لا تعتبر في الأحساب وإنما تعتبر في الأديان خلافا لمالك والشافعي والمغيرة وسحنون وذلك أن الموالي تزوجت في قريش تزوج زيد زينب بنت جحش وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير وزوج أبو حذيفة سالما من فاطمة بنت الوليد بن عتبة وتزوج بلال أخت عبد الرحمن بن عوف وقد تقدم هذا المعنى في غير موضع الرابعة قوله تعالى : ) أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ( قرأ الكوفيون : أن يكون بالياء وهو اختيار أبي عبيد لأنه قد فرق بين المؤنث وبين فعله الباقون بالتاء لأن اللفظ مؤنث فتأنيث فعله حسن والتذكير على أن الخيرة بمعنى التخيير فالخيرة مصدر بمعنى الإختيار وقرأ بن السميقع الخيرة بإسكان الياء وهذه الآية في ضمن قوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم توعد تعالى وأخبر أن من يعص الله ورسوله فقد ضل "صفحة رقم 188" وهذا أدل دليل على ما ذهب إليه الجمهور من فقهائنا وفقهاء أصحاب الإمام الشافعي وبعض الأصوليين من أن صيغة أفعل للوجوب في أصل وضعها لأن الله تبارك وتعالى نفى خيرة المكلف عند سماع أمره وأمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أطلق على من بقيت له خيرة عند صدور الأمر اسم المعصية ثم علق على المعصية بذلك الضلال فلزم حمل الأمر على الوجوب والله أعلم الأحزاب : ) 37 ( وإذ تقول للذي . . . . . ) الاحزاب 37 ( فيه تسع مسائل : الأولى روى الترمذي قال : حدثنا علي بن حجر قال حدثنا داود بن الزبرقان عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لو كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية : ) وإذ تقول للذي أنعم الله عليه ( يعني بالإسلام ) وأنعمت عليه ( بالعتق فأعتقته ) أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه إلى قوله وكان أمر الله مفعولا ( وأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما تزوجها قالوا : تزوج حليلة ابنه فأنزل الله تعالى : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تبناه وهو صغير فلبث حتى صار رجلا يقال له زيد بن محمد فأنزل الله تبارك وتعالى ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم "صفحة رقم 189" فلان مولى فلان وفلان أخو فلان هو أقسط عند الله يعني أعدل قال أبو عيسى : هذا حديث غريب قد روي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : لو كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه هذا الحرف لم يرو بطوله قلت : هذا القدر هو الذي أخرجه مسلم في صحيحه وهو الذي صححه الترمذي في جامعه وفي البخاري عن أنس بن مالك أن هذه الآية وتخفي في نفسك ما الله مبديه نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة وقال عمر وبن مسعود وعائشة والحسن : ما أنزل الله على رسوله آية أشد عليه من هذه الآية وقال الحسن وعائشة : لو كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية لشدتها عليه وروي في الخبر أنه : أمسى زيد فأوى إلى فراشه قالت زينب : ولم يستطعني زيد وما أمتنع منه غير ما منعه الله مني فلا يقدر علي هذه رواية أبي عصمة نوح بن أبي مريم رفع الحديث إلى زينب أنها قالت ذلك وفي بعض الروايات : أن زيدا تورم ذلك منه حين أراد أن يقربها فهذا قريب من ذلك وجاء زيد إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : إن زينب تؤذيني بلسانها وتفعل وإني أريد أن أطلقها فقال له : ) أمسك عليك زوجك واتق الله ) الآية فطلقها زيد فنزلت : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه الآية واختلف الناس في تأويل هذه الآية فذهب قتادة وبن زيد وجماعة من المفسرين منهم الطبري وغيره إلى أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقع منه استحسان لزينب بنت جحش وهي في عصمة زيد وكان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد فراقها ويشكو منها غلظة قول وعصيان أمر وأذى باللسان وتعظما بالشرف قال له : ) اتق الله أي فيما تقول عنها وأمسك عليك زوجك ) وهو يخفي الحرص على طلاق زيد إياها وهذا الذي كان يخفي في نفسه ولكنه لزم مايجب من الأمر بالمعروف "صفحة رقم 190" وقال مقاتل : زوج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) زينب بنت جحش من زيد فمكثت عنده حينا ثم إنه عليه السلام أتى زيدا يوما يطلبه فأبصر زينب قائمة كانت بيضاء جميلة جسيمة من أتم نساء قريش فهويها وقال : ) سبحان الله مقلب القلوب ) فسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن زيد فقال : يا رسول الله ائذن لي في طلاقها فإن فيها كبرا تعظم علي وتؤذيني بلسانها فقال عليه السلام : ) أمسك عليك زوجك واتق الله ) وقيل : إن الله بعث ريحا فرفعت الستر وزينب متفضلة في منزلها فرأى زينب فوقعت في نفسه ووقع في نفس زينب أنها وقعت في نفس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك لما جاء يطلب زيدا فجاء زيد فأخبرته بذلك فوقع في نفس زيد أن يطلقها وقال بن عباس : ) وتخفي في نفسك ( الحب لها ) وتخشى الناس ( أي تستحييهم وقيل : تخاف وتكره لائمة المسلمين لو قلت طلقها ويقولون أمر رجلا بطلاق امرأته ثم نكحها حين طلقها ) والله أحق أن تخشاه ( في كل الأحوال وقيل : والله أحق أن تستحي منه ولا تأمر زيدا بإمساك زوجته بعد أن أعلمك الله أنها ستكون زوجتك فعاتبه الله على جميع هذا وروي عن علي بن الحسين : أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدا يطلق زينب وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها فلما تشكى زيد للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) خلق زينب وأنها لا تطيعه وأعلمه أنه يريد طلاقها قال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على جهة الأدب والوصية : ) اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك ) وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها وهذا هو الذي أخفى في نفسه ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم أنه سيتزوجها وخشي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو مولاه وقد أمره بطلاقها فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له بأن قال : أمسك مع علمه بأنه يطلق وأعلمه أن الله أحق بالخشية أي في كل حال قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وهذا القول أحسن ماقيل في تأويل هذه الآية وهو الذي "صفحة رقم 191" عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم والمراد بقوله تعالى : وتخشى الناس إنما هو إرجاف المنافقين بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج بزوجة ابنه فأما ما روي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هوي زينب امرأة زيد وربما أطلق بعض المجان لفظ عشق فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن مثل هذا أو مستخف بحرمته قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وأسند إلى علي بن الحسين قوله : فعلي بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم جوهرا من الجواهر ودرا من الدرر أنه إنما عتب الله عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من أزواجك فكيف قال بعد ذلك لزيد : ) أمسك عليك زوجك ) وأخذتك خشية الناس أن يقولوا : تزوج امرأة ابنه والله أحق أن تخشاه وقال النحاس : قال بعض العلماء : ليس هذا من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خطيئة ألا ترى أنه لم يؤمر بالتوبة ولا بالإستغفار منه وقد يكون الشيء ليس بخطيئة إلا أن غيره أحسن منه وأخفى ذلك في نفسه خشية أن يفتتن الناس الثانية قال بن العربي : فإن قيل لأي معنى قال له : ) أمسك عليك زوجك ) وقد أخبره الله أنها زوجه قلنا : أراد أن يختبر منه مالم يعلمه الله من رغبته فيها أو رغبته عنها فأبدى له زيد من النفرة عنها والكراهة فيها مالم يكن علمه منه في أمرها فإن قيل : كيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لا بد منه وهذا تناقض قلنا : بل هو صحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة ألا ترى أن الله تعالى يأمر العبد بالإيمان وقد علم أنه لا يؤمن فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلا وحكما وهذا من نفيس العلم فتيقنوه وتقبلوه وقوله : واتق الله أي في طلاقها فلا تطلقها وأراد نهي تنزيه لا نهي تحريم لأن الأولى ألا يطلق وقيل : اتق الله فلا تذمها بالنسبة "صفحة رقم 192" إلى الكبر وأذى الزوج وتخفي في نفسك قيل تعلق قلبه وقيل : مفارقة زيد إياها وقيل : علمه بأن زيدا سيطلقها لأن الله قد أعلمه بذلك الثالثة روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال لزيد : ) ما أجد في نفسي أوثق منك فاخطب زينب علي ) قال : فذهبت ووليتها ظهري توقيرا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وخطبتها ففرحت وقالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن فتزوجها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ودخل بها قلت : معنى هذا الحديث ثابت في الصحيح وترجم له النسائي ) صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها ( روى الأئمة واللفظ لمسلم عن أنس قال : لما انقضت عدة زينب 4 قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لزيد : ) فاذكرها علي ) قال : فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال : فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت : يا زينب أرسل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يذكرك قالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فدخل عليها بغير إذن قال : فقال ولقد رأيتنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أطعمنا الخبز واللحم حين امتد النهار الحديث في رواية ) حتى تركوه ) وفي رواية عن أنس أيضا قال : ما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أولم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب فإنه ذبح شاة قال علماؤنا : فقوله عليه السلام لزيد : ) فاذكرها علي ) أي أخطبها كما بينه الحديث الأول وهذا امتحان لزيد واختبار له حتى يظهر صبره وانقياده وطوعه قلت : وقد يستنبط من هذا أن يقول الإنسان لصاحبه : اخطب على فلانة لزوجه المطلقة منه ولا حرج في ذلك والله أعلم "صفحة رقم 193" الرابعة لما وكلت أمرها إلى الله وصح تفويضها إليه تولى الله إنكاحها ولذلك قال : ) فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ( وروى الإمام جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وطرا زوجتكها ولما أعلمه الله بذلك دخل عليها بغير إذن ولا تجديد عقد ولا تقرير صداق ولا شيء مما يكون شرطا في حقوقنا ومشروعا لنا وهذا من خصوصياته ( صلى الله عليه وسلم ) التي لا يشاركه فيها أحد بإجماع من المسلمين ولهذا كانت زينب تفاخر نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتقول : زوجكن آباؤكن وزوجني الله تعالى أخرجه النسائي عن أنس بن مالك قال : كانت زينب تفخر على نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تقول : إن الله عز وجل أنكحني من السماء وفيها نزلت آية الحجاب وسيأتي الخامسة المنعم عليه في هذه الآية هو زيد بن حارثة كما بيناه وقد تقدم خبره في أول السورة وروي أن عمه لقيه يوما وكان قد ورد مكة في شغل له فقال : ما اسمك يا غلام قال : زيد قال : بن من قال : بن حارثة قال بن من قال : بن شراحيل الكلبي قال : فما اسم أمك قال : سعدى وكنت في أخوالي طي فضمه إلى صدره وأرسل إلى أخيه وقومه فحضروا وأرادوا منه أن يقيم معهم فقالوا : لمن أنت قال : لمحمد بن عبد الله فأتوه وقالوا : هذا ابننا فرده علينا فقال : ) أعرض عليه فإن اختاركم فخذوا بيده ) فبعث إلى زيد وقال : ) هل تعرف هؤلاء ) قال نعم هذا أبي وهذا أخي وهذا عمي فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) فأي صاحب كنت لك ) فبكى وقال : لم سألتني عن ذلك قال : ) أخيرك فإن أحببت أن تلحق بهم فالحق وإن أردت أن تقيم فأنا من قد عرفت ) فقال : ما أختار عليك أحدا فجذبه عمه وقال : يا زيد اخترت العبودية على أبيك وعمك فقال : أي والله العبودية عند محمد أحب إلي من أن أكون عندكم فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) أشهدوا أني وارث وموروث ) فلم يزل يقال : زيد بن محمد إلى أن نزل قوله تعالى : ادعوهم لآبائهم ونزل ما كان محمد أبا أحد من رجالكم "صفحة رقم 194" السادسة قال الإمام أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي رضي الله عنه : كان يقال زيد بن محمد حتى نزل ادعوهم لآبائهم فقال : أنا زيد بن حارثة وحرم عليه أن يقول : أنا زيد بن محمد فلما نزع عنه هذا الشرف وهذا الفخر وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بخصيصة لم يكن يخص بها أحدا من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهي أنه سماه في القرآن فقال تعالى : فلما قضى زيد منها وطرا يعني من زينب ومن ذكره الله تعالى بإسمه في الذكر الحكيم حتى صار اسمه قرآنا يتلى في المحاريب نوه به غاية التنويه فكان في هذا تأنيس له وعوض من الفخر بأبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) له ألا ترى إلى قول أبي بن كعب حين قال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة كذا ) فبكى وقال : أوذكرت هنالك وكان بكاؤه من الفرح حين أخبر أن الله تعالى ذكره فكيف بمن صار اسمه قرآنا يتلى مخلدا لا يبيد يتلوه أهل الدنيا إذا قرؤوا القرآن وأهل الجنة كذلك أبدا لا يزال على ألسنة المؤمنين كما لم يزل مذكورا على الخصوص عند رب العالمين إذ القرآن كلام الله القديم وهو باق لا يبيد فاسم زيد هذا في الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة تذكرة في التلاوة السفرة الكرام البررة وليس ذلك لإسم من أسماء المؤمنين إلا لنبي من الأنبياء ولزيد بن حارثة تعويضا من الله تعالى له مما نزع عنه وزاد في الآية أن قال : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه أي بالإيمان فدل على أنه من أهل الجنة علم ذلك قبل أن يموت وهذه فضيلة أخرى السابعة قوله تعالى : ) وطرا ( الوطر كل حاجة للمرء له فيها همة والجمع الأوطار قال بن عباس : أي بلغ ما أراد من حاجته يعني الجماع وفيه إضمار أي لما قضى وطره منها وطلقها زوجناكها وقراءة أهل البيت زوجتكها وقيل : الوطر عبارة عن الطلاق قاله قتادة الثامنة ذهب بعض الناس من هذه الآية ومن قول شعيب : إني أريد أن أنكحك القصص إلى أن ترتيب هذا المعنى في المهور ينبغي أن يكون : أنكحه إياها فتقدم "صفحة رقم 195" ضمير الزوج كما في الآيتين وكذلك قوله عليه السلام لصاحب الرداء ) اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن ) قال بن عطية : وهذا غير لازم لأن الزوج في الآية مخاطب فحسن تقديمه وفي المهور الزوجان سواء فقدم من شئت ولم يبق ترجيح إلا بدرجة الرجال وأنهم القوامون التاسعة قوله تعالى : ) زوجناكها ( دليل على ثبوت الولي في النكاح وقد تقدم الخلاف في ذلك روي أن عائشة وزينب تفاخرتا فقالت عائشة : أنا التي جاء بي الملك إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في سرقة من حرير فيقول : ) هذه امرأتك ) خرجه الصحيح وقالت زينب : أنا التي زوجني الله من فوق سبع سماوات وقال الشعبي : كانت زينب تقول لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن : إن جدي وجدك واحد وإن الله أنكحك إياي من السماء وإن السفير في ذلك جبريل وروي عن زينب أنها قالت : لما وقعت في قلب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم يستطعني زيد وما أمتنع منه غير ما يمنعه الله تعالى مني فلا يقدر علي الأحزاب : ) 38 ( ما كان على . . . . . ) الاحزاب 38 : 39 ( قوله تعالى : ) سنة الله في الذين خلوا من قبل ( هذه مخاطبة من الله تعالى لجميع الأمة أعلمهم أن هذا ونحوه هو السنن الأقدم في الأنبياء أن ينالوا ما أحله لهم أي سن لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) التوسعة عليه في النكاح سنة الأنبياء الماضية كداود وسليمان فكان لداود مائة امرأة وثلاثمائة سرية ولسليمان ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية وذكر الثعلبي عن مقاتل وبن الكلبي أن الإشارة إلى داود عليه السلام حيث جمع الله بينه وبين من فتن بها "صفحة رقم 196" و سنة نصب على المصدر أي سن الله له سنة واسعة والذين خلوا هم الأنبياء بدليل وصفهم بعد بقوله : الذين يبلغون رسالات الله الأحزاب : ) 40 ( ما كان محمد . . . . . ) الاحزاب 40 ( فيه ثلاث مسائل : الأولى لما تزوج زينب قال الناس : تزوج امرأة ابنه فنزلت الآية أي ليس هو بابنه حتى تحرم عليه حليلته ولكنه أبو أمته في التبجيل والتعظيم وأن نساءه عليهم حرام فأذهب الله بهذه الآية ما وقع في نفوس المنافقين وغيرهم وأعلم أن محمدا لم يكن أبا أحد من الرجال المعاصرين له في الحقيقة ولم يقصد بهذه الآية أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم يكن له ولد فقد ولد له ذكور : إبراهيم والقاسم والطيب والمطهر ولكن لم يعش له بن حتى يصير رجلا وأما الحسن والحسين فكانا طفلين ولم يكونا رجلين معاصرين له الثانية قوله تعالى : ) ولكن رسول الله ( قال الأخفش والفراء : أي ولكن كان رسول الله وأجازا ولكن رسول الله وخاتم بالرفع وكذلك قرأ بن أبي عبلة وبعض الناس ولكن رسول الله بالرفع على معنى هو رسول الله وخاتم النبيين وقرأت فرقة ولكن بتشديد النون ونصب رسول الله على أنه اسم لكن والخبر محذوف وخاتم قرأ عاصم وحده بفتح التاء بمعنى أنهم به ختموا فهو كالخاتم والطابع لهم وقرأ الجمهور بكسر التاء بمعنى أنه ختمهم أي جاء آخرهم وقيل : الخاتم والخاتم لغتان مثل طابع وطابع ودانق ودانق وطابق من اللحم وطابق الثالثة قال بن عطية : هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفا وسلفا متلقاة على العموم التام مقتضية نصا أنه لا نبي بعده ( صلى الله عليه وسلم ) وما ذكره القاضي أبو الطيب في كتابه المسمى بالهداية : من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف وما ذكره الغزالي ![]()
__________________
|
#575
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 196 الى صــ 205 الحلقة (575) "صفحة رقم 197" في هذه الآية وهذا المعنى في كتابه الذي سماه بالإقتصاد إلحاد عندي وتطرق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) النبوة فالحذر الحذر منه والله الهادي برحمته قلت : وقد روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ) لا نبوة بعدي إلا ما شاء الله ) قال أبو عمر : يعني الرؤيا والله أعلم التي هي جزء منها كما قال عليه السلام : ) ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة ) وقرأ بن مسعود من رجالكم ولكن نبيا ختم النبيين قال الرماني : ختم به عليه الصلاة والسلام الاستصلاح فمن لم يصلح به فميئوس من صلاحه قلت : ومن هذا المعنى قوله عليه السلام : ) بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وفي صحيح مسلم عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون لولا موضع اللبنة قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء ) ونحوه عن أبي هريرة غير أنه قال : ) فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ) الأحزاب : ) 41 ( يا أيها الذين . . . . . ) الاحزاب 41 ( أمر الله تعالى عباده بأن يذكروه ويشكروه ويكثروا من ذلك على ما أنعم به عليهم وجعل تعالى ذلك دون حد لسهولته على العبد ولعظم الأجر فيه قال بن عباس : لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله وروى أبو سعيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون ) وقيل : الذكر الكثير ما جرى على الإخلاص من القلب والقليل ما يقع على حكم النفاق كالذكر باللسان الأحزاب : ) 42 ( وسبحوه بكرة وأصيلا ) الاحزاب 42 ( أي اشغلوا ألسنتكم في معظم أحوالكم بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير قال مجاهد : وهذه كلمات يقولهن الطاهر والمحدث والجنب وقيل : ادعوه قال جرير "صفحة رقم 198" فلا تنس تسبيح الضحى إن يوسفا دعا ربه فاختاره حين سبحا وقيل : المراد صلوا لله بكرة وأصيلا والصلاة تسمى تسبيحا وخص الفجر والمغرب والعشاء بالذكر لأنها أحق بالتحريض عليها لإتصالها بأطراف الليل وقال قتادة والطبري : الإشارة إلى صلاة الغداة وصلاة العصر والأصيل : العشي وجمعه أصائل والأصل بمعنى الأصيل وجمعه آصال قاله المبرد وقال غيره : أصل جمع أصيل كرغيف ورغف وقد تقدم مسألة هذه الآية مدنية فلا تعلق بها لمن زعم أن الصلاة إنما فرضت أولا صلاتين في طرفي النهار والرواية بذلك ضعيفة فلا التفات إليها ولا معول عليها وقد مضى الكلام في كيفية فرض الصلاة وما للعلماء في ذلك في سبحان والحمد لله الأحزاب : ) 43 ( هو الذي يصلي . . . . . ) الاحزاب 43 ( قوله تعالى : ) هو الذي يصلي عليكم ( قال بن عباس : لما نزل إن الله وملائكته يصلون على النبي قال المهاجرون والأنصار : هذا لك يا رسول الله خاصة وليس لنا فيه شيء فأنزل الله تعالى هذه الآية قلت : وهذه نعمة من الله تعالى على هذه الأمة من أكبر النعم ودليل على فضلها على سائر الأمم وقد قال : كنتم خير أمة أخرجت للناس والصلاة من الله على العبد هي رحمته له وبركته لديه وصلاة الملائكة : دعاؤهم للمؤمنين واستغفارهم لهم كما قال : ويستغفرون للذين آمنوا وسيأتي وفي الحديث : أن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام : أيصلي ربك جل وعز فأعظم ذلك فأوحى الله جل وعز : إن صلاتي بأن رحمتي سبقت غضبي ذكره النحاس وقال بن عطية : وروت فرقة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) "صفحة رقم 199" قيل له : يا رسول الله كيف صلاة الله على عباده قال : ) سبوح قدوس رحمتي سبقت غضبي ) واختلف في تأويل هذا القول فقيل : إنه كلمة من كلام الله تعالى وهي صلاته على عباده وقيل سبوح قدوس من كلام محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقدمه بين يدي نطقه باللفظ الذي هو صلاة الله وهو ) رحمتى سبقت غضبي ) من حيث فهم من السائل أنه توهم في صلاة الله على عباده وجها لا يليق بالله عز وجل فقدم التنزيه والتعظيم بين يدي إخباره قوله تعالى : ) ليخرجكم من الظلمات إلى النور ( أي من الضلالة إلى الهدى ومعنى هذا التثبيت على الهداية لأنهم كانوا في وقت الخطاب على الهداية ثم أخبر تعالى برحمته بالمؤمنين تأنيسا لهم فقال : ) وكان بالمؤمنين رحيما ( الأحزاب : ) 44 ( تحيتهم يوم يلقونه . . . . . ) الاحزاب 44 ( اختلف في الضمير الذي في يلقونه على من يعود فقيل على الله تعالى أي كان بالمؤمنين رحيما فهو يؤمنهم من عذاب الله يوم القيامة وفي ذلك اليوم يلقونه ) وتحيتهم ( أي تحية بعضهم لبعض ) سلام ( أي سلامة لنا ولكم من عذاب الله وقيل : هذه التحية من الله تعالى المعنى : فيسلمهم من الآفات أو يبشرهم بالأمن من المخافات ) يوم يلقونه ( أي يوم القيامة بعد دخول الجنة قال معناه الزجاج واستشهد بقوله جل وعز : وتحيتهم فيها سلام وقيل : يوم يلقونه أي يوم يلقون ملك الموت وقد ورد أنه لا يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه روي عن البراء بن عازب قال : تحيتهم يوم يلقونه سلام فيسلم ملك الموت على المؤمن عند قبض روحه لا يقبض روحه حتى يسلم عليه الأحزاب : ) 45 ( يا أيها النبي . . . . . ) الاحزاب 45 : 46 ( "صفحة رقم 200" هذه الآية فيها تأنيس للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين وتكريم لجميعهم وهذه الآية تضمنت من أسمائه ( صلى الله عليه وسلم ) ستة أسماء ولنبينا ( صلى الله عليه وسلم ) أسماء كثيرة وسمات جليلة ورد ذكرها في الكتاب والسنة والكتب المتقدمة وقد سماه الله في كتابه محمدا وأحمد وقال ( صلى الله عليه وسلم ) فيما روي عنه الثقات العدول : ) لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب ) وفي صحيح مسلم من حديث جبير بن مطعم : وقد سماه الله رءوفا رحيما وفيه أيضا عن أبي موسى الأشعري قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يسمي لنا نفسه أسماء فيقول : ) أنا محمد وأحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة ) وقد تتبع القاضي أبو الفضل عياض في كتابه المسمى ) بالشفا ( ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ومما نقل في الكتب المتقدمة وإطلاق الأمة أسماء كثيرة وصفات عديدة قد صدقت عليه ( صلى الله عليه وسلم ) مسمياتها ووجدت فيه معانيها وقد ذكر القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه في هذه الآية من أسماء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سبعة وستين اسما وذكر صاحب ) وسيلة المتعبدين إلى متابعة سيد المرسلين ( عن بن عباس أن لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) مائة وثمانين إسما من أرادها وجدها هناك وقال بن عباس : لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليا ومعاذا فبعثهما إلى اليمن وقال : ) اذهبا فبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا فإنه قد أنزل علي ) وقرأ هذه الآية قوله تعالى : ) شاهدا ( قال سعيد عن قتادة : شاهدا على أمته بالتبليغ إليهم وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم ونحو ذلك ) ومبشرا ( معناه للمؤمنين برحمة الله وبالجنة ) ونذيرا ( معناه للعصاة والمكذبين من النار وعذاب الخلد ) وداعيا إلى الله ( الدعاء إلى الله هو تبليغ التوحيد والأخذ به ومكافحة الكفرة و ) بإذنه ( هنا معناه : بأمره إياك وتقديره ذلك في وقته وأوانه ) وسراجا منيرا ( هنا استعارة للنور الذي يتضمنه شرعه "صفحة رقم 201" وقيل : وسراجا أي هاديا من ظلم الضلالة وأنت كالمصباح المضيء ووصفه بالإنارة لأن من السرج ما لا يضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته وفي كلام بعضهم : ثلاثة تضني : رسول بطيء وسراج لا يضيء ومائدة ينتظر لها من يجيء وسئل بعضهم عن الموحشين فقال : ظلام ساتر وسراج فاتر وأسند النحاس قال : حدثنا محمد بن إبراهيم الرازي قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن شيبان النحوي قال حدثنا قتادة عن عكرمة عن بن عباس قال : لما نزلت يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليا ومعاذا فقال : ) انطلقا فبشرا ولا تعسرا فإنه قد نزل علي الليلة آية يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا من النار وداعيا إلى الله قال شهادة أن لا إله إلا الله بإذنه بأمره وسراجا منيرا قال بالقرآن ) وقال الزجاج : وسراجا أي وذا سراج منير أي كتاب نير وأجاز أيضا أن يكون بمعنى : وتاليا كتاب الله الأحزاب : ) 47 ( وبشر المؤمنين بأن . . . . . ) الاحزاب 47 : 48 ( قوله تعالى : ) وبشر المؤمنين ( الواو عاطفة جملة على جملة والمعنى منقطع من الذي قبله أمره تعالى أن يبشر المؤمنين بالفضل الكبير من الله تعالى وعلى قول الزجاج : ذا سراج منير أو وتاليا سراجا منيرا يكون معطوفا على الكاف لا في أرسلناك قال بن عطية : قال لنا أبي رضي الله عنه : هذه من أرجى آية عندي في كتاب الله تعالى لأن الله عز وجل قد أمر نبيه أن يبشر المؤمنين بأن لهم عنده فضلا كبيرا وقد بين تعالى الفضل الكبير في قوله تعالى : والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون "صفحة رقم 202" عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير فالآية التي في هذه السورة خبر والتي في حم عسق تفسير لها ) ولا تطع الكافرين والمنافقين ( أي لا تطعهم فيما يشيرون عليك من المداهنة في الدين ولا تمالئهم الكافرين : أبي سفيان وعكرمة وأبي الأعور السلمي قالوا : يا محمد لا تذكر آلهتنا بسوء نتبعك والمنافقين : عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعد وطعمة بن أبيرق حثوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على إجابتهم بتعلة المصلحة ) ودع أذاهم ( أي دع أن تؤذيهم مجازاة على إذايتهم إياك فأمره تبارك وتعالى بترك معاقبتهم والصفح عن زللهم فالمصدر على هذا مضاف إلى المفعول ونسخ من الآية على هذا التأويل ما يخص الكافرين وناسخه آية السيف وفيه معنى ثان : أي أعرض عن أقوالهم وما يؤذونك ولا تشتغل به فالمصدر على هذا التأويل مضاف إلى الفاعل وهذا تأويل مجاهد والآية منسوخة بآية السيف ) وتوكل على الله ( أمره بالتوكل عليه وآنسه بقوله : ) وكفى بالله وكيلا ( وفي قوة الكلام وعد بنصر والوكيل : الحافظ القائم على الأمر الأحزاب : ) 49 ( يا أيها الذين . . . . . ) الاحزاب 49 ( فيه سبع مسائل : الأولى قوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ( لما جرت قصة زيد وتطليقه زينب وكانت مدخولا بها وخطبها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد انقضاء عدتها كما بيناه خاطب الله المؤمنين بحكم الزوجة تطلق قبل البناء وبين ذلك الحكم للأمة فالمطلقة إذا لم تكن ممسوسة لا عدة عليها بنص الكتاب وإجماع الأمة على ذلك فإن دخل بها فعليها العدة إجماعا "صفحة رقم 203" الثانية النكاح حقيقة في الوطء وتسمية العقد نكاحا لملابسته له من حيث أنه طريق إليه ونظيره تسميتهم الخمر إثما لأنه سبب في اقتراف الإثم ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلا في معنى العقد لأنه في معنى الوطء وهو من آداب القرآن الكناية عنه بلفظ : الملامسة والمماسة والقربان والتغشي والإتيان الثالثة استدل بعض العلماء بقوله تعالى : ثم طلقتموهن وبمهلة ثم على أن الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح وأن من طلق المرأة قبل نكاحها وإن عينها فإن ذلك لا يلزمه وقال هذا نيف على ثلاثين من صاحب وتابع وإمام سمى البخاري منهم اثنين وعشرين وقد روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) لا طلاق قبل نكاح ) ومعناه : أن الطلاق لا يقع حتى يحصل النكاح قال حبيب بن أبي ثابت : سئل علي بن الحسين رضي الله عنهما عن رجل قال لامرأة : إن تزوجتك فأنت طالق فقال : ليس بشيء ذكر الله عز وجل النكاح قبل الطلاق وقالت طائفة من أهل العلم : إن طلاق المعينة الشخص أو القبيلة أو البلد لازم قبل النكاح منهم مالك وجميع أصحابه وجمع عظيم من علماء الأمة وقد مضى في براءة الكلام فيها ودليل الفريقين والحمد لله فإذا قال : كل امرأة أتزوجها طالق وكل عبد أشتريه حر لم يلزمه شيء وإن قال : كل امرأة أتزوجها إلى عشرين سنة أو إن تزوجت من بلد فلان أو من بني فلان فهي طالق لزمه الطلاق ما لم يخف العنت على نفسه في طول السنين أو يكون عمره في الغالب لا يبلغ ذلك فله أن يتزوج وإنما لم يلزمه الطلاق إذا عمم لأنه ضيق على نفسه المناكح فلو منعناه ألا يتزوج لحرج وخيف عليه العنت وقد قال بعض أصحابنا : إنه أن وجد ما يتسرر به لم ينكح وليس بشيء وذلك أن الضرورات والأعذار ترفع الأحكام فيصير هذا من حيث الضرورة كمن لم يحلف قاله بن خويز منداد "صفحة رقم 204" الرابعة استدل داود ومن قال بقوله أن المطلقة الرجعية إذا راجعها زوجها قبل أن تنقضي عدتها ثم فارقها قبل أن يمسها أنه ليس عليها أن تتم عدتها ولا عدة مستقبلة لأنها مطلقة قبل الدخول بها وقال عطاء بن أبي رباح وفرقة : تمضي في عدتها من طلاقها الأول وهو أحد قولي الشافعي لأن طلاقه لها إذا لم يمسها في حكم من طلقها في عدتها قبل أن يراجعها ومن طلق امرأته في كل طهر مرة بنت ولم تستأنف وقال مالك : إذا فارقها قبل أن يمسها إنها لا تبني على ما مضى من عدتها وإنها تنشئ من يوم طلقها عدة مستقبلة وقد ظلم زوجها نفسه وأخطأ إن كان ارتجعها ولا حاجة له بها وعلى هذا أكثر أهل العلم لأنها في حكم الزوجات المدخول بهن في النفقة والسكنى وغير ذلك ولذلك تستأنف العدة من يوم طلقت وهو قول جمهور فقهاء البصرة والكوفة ومكة والمدينة والشام وقال الثوري : أجمع الفقهاء عندنا على ذلك الخامسة فلو كانت بائنة غير مبتوتة فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول فقد اختلفوا في ذلك أيضا فقال مالك والشافعي وزفر وعثمان البتي : لها نصف الصداق وتتم بقية العدة الأولى وهو قول الحسن وعطاء وعكرمة وبن شهاب وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والثوري والأوزاعي : لها مهر كامل للنكاح الثاني وعدة مستقبلة جعلوها في حكم المدخول بها لاعتدادها من مائه وقال داود : لها نصف الصداق وليس عليها بقية العدة الأولى ولا عدة مستقبلة والأولى ما قاله مالك والشافعي والله أعلم السادسة هذه الآية مخصصة لقوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولقوله : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن أرتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر وقد مضى في البقرة ومضى فيها الكلام في المتعة فأغنى عن الإعادة هنا ) وسرحوهن سراحا جميلا ( فيه وجهان : أحدهما أنه دفع المتعة بحسب الميسرة والعسرة قاله "صفحة رقم 205" بن عباس الثاني أنه طلاقها طاهرا من غير جماع قاله قتادة وقيل : فسرحوهن بعد الطلاق إلى أهلهن فلا يجتمع الرجل والمطلقة في موضع واحد السابعة قوله تعالى : ) فمتعوهن ( قال سعيد : هي منسوخة بالآية التي في البقرة وهي قوله : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف مافرضتم أي فلم يذكر المتعة وقد مضى الكلام في هذا في البقرة مستوفي وقوله : وسرحوهن طلقوهن والتسريح كناية عن الطلاق عند أبي حنيفة لأنه يستعمل في غيره فيحتاج إلى النية وعند الشافعي صريح وقد مضى في البقرة القول فيه فلا معنى للإعادة ) جميلا ( سنة غير بدعة الأحزاب : ) 50 ( يا أيها النبي . . . . . ) الاحزاب 50 ( فيه تسع عشرة مسألة : الأولى روى السدي عن أبي صالح عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت : خطبني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاعتذرت إليه فعذرني ثم أنزل الله تعالى : ) إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات "صفحة رقم 206" عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك ( قالت : فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر كنت من الطلقاء خرجه أبو عيسى وقال : هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال بن العربي : وهو ضعيف جدا ولم يأت هذا الحديث من طريق صحيح يحتج بها الثانية لما خير رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نساءه فاخترنه حرم عليه التزوج بغيرهن والإستبدال بهن مكافأة لهن على فعلهن والدليل على ذلك قوله تعالى : ) لا يحل لك النساء من بعد ( الآية وهل كان يحل له أن يطلق واحدة منهن بعد ذلك فقيل : لا يحل له ذلك جزاء لهن على اختيارهن له وقيل : كان يحل له ذلك كغيره من الناس ولكن لا يتزوج بدلها ثم نسخ هذا التحريم فأباح له أن يتزوج بمن شاء عليهن من النساء والدليل عليه قوله تعالى : ) إنا أحللنا لك أزواجك ( والإحلال يقتضي تقدم حظر وزوجاته اللاتي في حياته لم يكن محرمات عليه وإنما كان حرم عليه التزويج بالأجنبيات فانصرف الإحلال إليهن ولأنه قال في سياق الآية ) وبنات عمك وبنات عماتك ( الآية ومعلوم أنه لم يكن تحته أحد من بنات عمه ولا من بنات عماته ولا من بنات خاله ولا من بنات خالاته فثبت أن أحل له التزويج بهذا ابتداء وهذه الآية وإن كانت مقدمة في التلاوة فهي متأخرة النزول على الآية المنسوخة بها كآيتي الوفاة في البقرة وقد اختلف الناس في تأويل قوله تعالى : ) إنا أحللنا لك أزواجك ( فقيل : المراد بها أن الله تعالى أحل له أن يتزوج كل امرأة يؤتيها مهرها قاله بن زيد والضحاك فعلى هذا تكون الآية مبيحة جميع النساء حاشا ذوات المحارم وقيل : المراد أحللنا لك أزواجك أي الكائنات عندك لأنهن قد أخترنك على الدنيا والآخرة قاله الجمهور من العلماء وهو الظاهر لأن قوله : آتيت أجورهن ماض ولا يكون الفعل الماضي بمعنى الإستقبال إلا بشروط ويجيء الأمر على هذا التأويل ضيقا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويؤيد هذا التأويل ما قاله ![]()
__________________
|
#576
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 206 الى صــ 215 الحلقة (576) "صفحة رقم 207" بن عباس : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتزوج في أي الناس شاء وكان يشق ذلك على نسائه فلما نزلت هذه الآية وحرم عليه بها النساء إلا من سمي سر نساؤه بذلك قلت : والقول الأول أصح لما ذكرناه ويدل أيضا على صحته ما خرجه الترمذي عن عطاء قال : قالت عائشة رضي الله عنها : ما مات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أحل الله تعالى له النساء قال : هذا حديث حسن صحيح الثالثة قوله تعالى : ) وما ملكت يمينك ( أحل الله تعالى السراري لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ولأمته مطلقا وأحل الأزواج لنبيه عليه الصلاة والسلام مطلقا وأحله للخلق بعدد وقوله : ) مما أفاء الله عليك ( أي رده عليك من الكفار والغنيمة قد تسمى فيئا أي مما أفاء الله عليك من النساء بالمأخوذ على وجه القهر والغلبة الرابعة قوله تعالى : ) وبنات عمك وبنات عماتك ( أي أحللنا لك ذلك زائدا من الأزواج اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك على قول الجمهور لأنه لو أراد أحللنا لك كل امرأة تزوجت وآتيت أجرها لما قال بعد ذلك : وبنات عمك وبنات عماتك لأن ذلك داخل فيما تقدم قلت : وهذا لا يلزم وإنما خص هؤلاء بالذكر تشريفا كما قال تعالى : غيهما فاكهة ونخل ورمان والله أعلم الخامسة قوله تعالى : ) اللاتي هاجرن معك ( فيه قولان : الأول لا يحل لك من قرابتك كبنات عمك العباس وغيره من أولاد عبد المطلب وبنات أولاد بنات عبد المطلب وبنات الخال من ولد بنات عبد مناف بن زهرة إلا من أسلم لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله تعالى عنه ) الثاني لا يحل لك منهن إلا من هاجر إلى المدينة لقوله تعالى : ) والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم "صفحة رقم 208" من شيء حتى يهاجروا ( ومن لم يهاجر لم يكمل ومن لم يكمل لم يصلح للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) الذي كمل وشرف وعظم ( صلى الله عليه وسلم ) السادسة قوله تعالى : ) معك ( المعية هنا الأشتراك في الهجرة لا في الصحبة فيها فمن هاجر حل له كان في صحبته إذ هاجر أو لم يكن يقال : دخل فلان معي وخرج معي أي كان عمله كعملي وأن لم يقترن فيه عملكما ولو قلت : خرجنا معا لاقتضى ذلك المعنيين جميعا : الإشتراك في الفعل والاقتران فيه السابعة ذكر الله تبارك وتعالى العم فردا والعمات جمعا وكذلك قال : خالك وخالاتك والحكمة في ذلك : أن العم والخال في الإطلاق اسم جنس كالشاعر والراجز وليس كذلك العمة والخالة وهذا عرف لغوي فجاء الكلام عليه بغاية البيان لرفع الإشكال وهذا دقيق فتأملوه قاله بن العربي الثامنة قوله تعالى : ) وامرأة مؤمنة ( عطف على أحللنا المعنى وأحللنا لك امرأة تهب نفسها من غير صداق وقد اختلف في هذا المعنى فروي عن بن عباس أنه قال : لم تكن عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين فأما الهبة فلم يكن عنده منهن أحد وقال قوم : كانت عنده موهوبة قلت : والذي في الصحيحين يقوي هذا القول ويعضده روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأقول : أما تستحي امرأة تهب نفسها لرجل حتى أنزل الله تعالى ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء فقلت : والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك وروى البخاري عن عائشة أنها قالت : كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فدل هذا على أنهن كن غير واحدة والله تعالى أعلم الزمخشري : وقيل الموهبات أربع : ميمونة بنت الحارث وزينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية وأم شريك بنت جابر وخولة بنت حكيم "صفحة رقم 209" قلت : وفي بعض هذا اختلاف قال قتادة : هي ميمونة بنت الحارث وقال الشعبي : هي زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل : هي أم شريك بنت جابر الأسدية وقال عروة بن الزبير : أم حكيم بنت الأوقص السلمية التاسعة وقد اختلف في اسم الواهبة نفسها فقيل هي أم شريك الأنصارية اسمها غزية وقيل غزيلة وقيل ليلى بنت حكيم وقيل : هي ميمونة بنت الحارث حين خطبها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فجاءها الخاطب وهي على بعيرها فقالت البعير وما عليه لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل : هي أم شريك العامرية وكانت عند أبي العكر الأزدي وقيل عند الطفيل بن الحارث فولدت له شريكا وقيل : إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تزوجها ولم يثبت ذلك والله تعالى أعلم ذكره أبو عمر بن عبد البر وقال الشعبي وعروة : هي زينب بنت خزيمة أم المساكين والله تعالى أعلم العاشرة قرأ جمهور الناس إن وهبت بكسر الألف وهذا يقتضي استئناف الأمر أي إن وقع فهو حلال له وقد روي عن بن عباس ومجاهد أنهما قالا : لم يكن عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) امرأة موهوبة وقد دللنا على خلافه وروى الأئمة من طريق سهل وغيره في الصحاح : أن امرأة قالت لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : جئت أهب لك نفسي فسكت حتى قام رجل فقال : زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فلو كانت هذه الهبة غير جائزة لما سكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه لا يقر على الباطل إذا سمعه غير أنه يحتمل أن يكون سكوته منتظرا بيانا فنزلت الآية بالتحليل والتخيير فاختار تركها وزوجها من غيره ويحتمل أن يكون سكت ناظرا في ذلك حتى قام الرجل لها طالبا وقرأ الحسن البصري وأبي بن كعب والشعبي أن بفتح الألف وقرأ الأعمش وامرأة مؤمنة وهبت قال النحاس : وكسر إن أجمع للمعاني لأنه قيل أنهن نساء وإذا فتح كان المعنى على واحدة بعينها لأن الفتح على البدل من امرأة أو بمعنى لأن "صفحة رقم 210" الحادية عشرة قوله تعالى : ) مؤمنة ( يدل على أن الكافرة لا تحل له قال إمام الحرمين : وقد اختلف في تحريم الحرة الكافرة عليه قال بن العربي : والصحيح عندي تحريمها عليه وبهذا يتميز علينا فإنه ما كان من جانب الفضائل والكرامة فحظه فيه أكثر وما كان من جانب النقائص فجانبه عنها أطهر فجوز لنا نكاح الحرائر الكتابيات وقصر هو ( صلى الله عليه وسلم ) لجلالته على المؤمنات وإذا كان لا يحل له 3 من لم تهاجر لنقصان فضل الهجرة فأحرى ألا تحل له الكافرة الكتابية لنقصان الكفر الثانية عشرة قوله تعالى : ) إن وهبت نفسها ( دليل على أن النكاح عقد معاوضة على صفات مخصوصة قد تقدمت في النساء وغيرها وقال الزجاج : معنى إن وهبت نفسها للنبي حلت وقرأ الحسن : أن وهبت بفتح الهمزة وأن في موضع نصب قال الزجاج : أي لأن وقال غيره : أن وهبت بدل اشتمال من امرأة الثالثة عشرة قوله تعالى : ) إن أراد النبي أن يستنكحها ( أي إذا وهبت المرأة نفسها وقبلها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حلت له وإن لم يقبلها لم يلزم ذلك كما إذا وهبت لرجل شيئا فلا يجب عليه القبول بيد أن من مكارم أخلاق نبينا أن يقبل من الواهب هبته ويرى الأكارم أن ردها هجنة في العادة ووصمة على الواهب وأذية لقلبه فبين الله ذلك في حق رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وجعله قرآنا يتلى ليرفع عنه الحرج ويبطل بطل الناس في عادتهم وقولهم الرابعة عشرة قوله تعالى : ) خالصة لك ( أي هبة النساء أنفسهن خالصة ومزية لا تجوز فلا يجوز أن تهب المرأة نفسها لرجل ووجه الخاصية أنها لو طلبت فرض المهر قبل الدخول لم يكن لها ذلك فأما فيما بيننا فللمفوضة طلب المهر قبل الدخول ومهر المثل بعد الدخول "صفحة رقم 211" الخامسة عشرة أجمع العلماء على أن هبة المرأة نفسها غير جائز وأن هذا اللفظ من الهبة لا يتم عليه نكاح إلا ما روي عن أبي حنيفة وصاحبيه فإنهم قالوا : إذا وهبت فأشهد هو على نفسه بمهر فذلك جائز قال بن عطية : فليس في قولهم إلا تجويز العبارة ولفظة الهبة وإلا فالأفعال التي اشترطوها هي أفعال النكاح بعينه وقد تقدمت هذه المسألة في القصص مستوفاة والحمد لله السادسة عشرة خص الله تعالى رسوله في أحكام الشريعة بمعان لم يشاركه فيها أحد في باب الفرض والتحريم والتحليل مزية على الأمة وهبت له ومرتبة خص بها ففرضت عليه أشياء ما فرضت على غيره وحرمت عليه أفعال لم تحرم عليهم وحللت له أشياء لم تحلل لهم منها متفق عليه ومختلف فيه فأما ما فرض عليه فتسعة : الأول التهجد بالليل يقال : إن قيام الليل كان واجبا عليه إلى أن مات لقوله تعالى : يا أيها المزمل قم الليل الآية والمنصوص أنه كان واجبا عليه ثم نسخ بقوله تعالى : ومن الليل فتهجد به نافلة لك وسيأتي الثاني الضحا الثالث الأضحى الرابع الوتر وهو يدخل في قسم التهجد الخامس السواك السادس قضاء دين من مات معسرا السابع مشاورة ذوي الأحلام في غير الشرائع الثامن تخيير النساء التاسع إذا عمل عملا أثبته زاد غيره : وكان يجب عليه إذا رأى منكرا أنكره وأظهره لأن إقراره لغيره على ذلك يدل على جوازه ذكره صاحب البيان وأما ما حرم عليه فجملته عشرة : الأول تحريم الزكاة عليه وعلى آله الثاني صدقة التطوع عليه وفي آله تفصيل باختلاف الثالث خائنة الأعين وهو أن يظهر خلاف ما يضمر أو ينخدع عما يجب وقد ذم بعض الكفار عند إذنه ثم ألان له القول "صفحة رقم 212" عند دخوله الرابع حرم الله عليه إذا لبس لأمته أن يخلعها عنه أو يحكم الله بينه وبين محاربه الخامس الأكل متكئا السادس أكل الأطعمة الكريهة الرائحة السابع التبدل بأزواجه وسيأتي الثامن نكاح امرأة تكره صحبته التاسع نكاح الحرة الكتابية العاشر نكاح الأمة وحرم الله عليه أشياء لم يحرمها على غيره تنزيها له وتطهيرا فحرم الله عليه الكتابة وقول الشعر وتعليمه تأكيدا لحجته وبيانا لمعجزته قال الله تعالى : وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك وذكر النقاش أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما مات حتى كتب والأول هو المشهور وحرم عليه أن يمد عينيه إلى ما متع به الناس قال الله تعالى : لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم الآية وأما ما أحل له ( صلى الله عليه وسلم ) فجملته ستة عشر : الأول صفي المغنم الثاني الإستبداد بخمس الخمس أو الخمس الثالث الوصال الرابع الزيادة على أربع نسوة الخامس النكاح بلفظ الهبة السادس النكاح بغير ولي السابع النكاح بغير صداق الثامن نكاحه في حالة الإحرام التاسع سقوط القسم بين الأزواج عنه وسيأتي العاشر إذا وقع بصره على امرأة وجب على زوجها طلاقها وحل له نكاحها قال بن العربي : هكذا قال إمام الحرمين وقد مضى ما للعلماء في قصة زيد من هذا المعنى الحادي عشر أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها الثاني عشر دخوله مكة بغير إحرام وفي حقنا فيه اختلاف الثالث عشر القتال بمكة الرابع عشر أنه لا يورث وإنما ذكر هذا في قسم التحليل لأن الرجل إذا قارب الموت بالمرض زال عنه أكثر ملكه ولم يبق له إلا الثلث خالصا وبقي ملك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ما تقرر بيانه في آية المواريث وسورة مريم بيانه أيضا الخامس عشر بقاء زوجيته من بعد "صفحة رقم 213" الموت السادس عشر إذا طلق امرأة تبقى حرمته عليها فلا تنكح وهذه الأقسام الثلاثة تقدم معظمها مفصلا في مواضعها وسيأتي إن شاء الله تعالى وأبيح له عليه الصلاة والسلام أخذ الطعام والشراب من الجائع والعطشان وإن كان من هو معه يخاف على نفسه الهلاك لقوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وعلى كل أحد من المسلمين أن يقي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بنفسه وأبيح له أن يحمي لنفسه وأكرمه الله بتحليل الغنائم وجعلت الأرض له ولأمته مسجدا وطهورا وكان من الأنبياء من لا تصح صلاتهم إلا في المساجد ونصر بالرعب فكان يخافه العدو من مسيرة شهر وبعث إلى كافة الخلق وقد كان من قبله من الأنبياء يبعث الواحد إلى بعض الناس دون بعض وجعلت معجزاته كمعجزات الأنبياء قبله وزيادة وكانت معجزة موسى عليه السلام العصا وانفجار الماء من الصخرة وقد انشق القمر للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وخرج الماء من بين أصابعه ( صلى الله عليه وسلم ) وكانت معجزة عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وقد سبح الحصى في يد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحن الجذع إليه وهذا أبلغ وفضله الله عليهم بأن جعل القرآن معجزة له وجعل معجزته فيه باقية إلى يوم القيامة ولهذا جعلت نبوته مؤبدة لا تنسخ إلى يوم القيامة السابعة عشر قوله تعالى : ) أن يستنكحها ( أي ينكحها يقال : نكح واستنكح مثل عجب واستعجب وعجل واستعجل ويجوز أن يرد الإستنكاح بمعنى طلب النكاح أو طلب الوطء وخالصة نصب على الحال قاله الزجاج وقيل : حال من ضمير متصل بفعل مضمر دل عليه المضمر تقديره : أحللنا لك أزواجك وأحللنا لك امرأة مؤمنة خالصة بلفظ الهبة وبغير صداق وبغير ولي الثامنة عشرة قوله تعالى : ) من دون المؤمنين ( فائدته أن الكفار وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة عندنا فليس لهم في ذلك دخول لأن تصريف الأحكام إنما يكون فيهم على تقدير الإسلام "صفحة رقم 214" قوله تعالى : ) قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم ( أي أوجبنا على المؤمنين وهو ألا يتزوجوا إلا أربع نسوة بمهر وبينة وولي قال معناه أبي بن كعب وقتادة وغيرهما التاسعة عشرة قوله تعالى : ) لكيلا يكون عليك حرج ( أي ضيق في أمر أنت فيه محتاج إلى السعة أي بينا هذا البيان وشرحنا هذا الشرح لكيلا يكون عليك حرج ف لكيلا متعلق بقوله : إنا أحللنا لك أزواجك أي لايضيق قلبك حتى يظهر منك أنك قد أثمت عند ربك في شيء ثم أنس تعالى جميع المؤمنين بغفرانه ورحمته فقال تعالى : ) وكان الله غفورا رحيما ( الأحزاب : ) 51 ( ترجي من تشاء . . . . . ) الاحزاب 51 ( فيه إحدى عشرة مسألة : الأولى قوله تعالى : ) ترجي من تشاء ( قرئ مهموزا وغير مهموز وهما لغتان يقال : أرجيت الأمر وأرجأته إذا أخرته ) وتؤوي ( تضم يقال : آوى إليه ) ممدودة الألف ( ضم إليه وأوى ) مقصورة الألف ( انضم إليه الثانية واختلف العلماء في تأويل هذه الآية وأصح ما قيل فيها التوسعة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في ترك القسم فكان لا يجب عليه القسم بين زوجاته وهذا القول هو الذي يناسب ما مضى وهو الذي ثبت معناه في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأقول : أو تهب المرأة نفسها لرجل فلما أنزل الله عز وجل ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت قالت : قلت والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك قال "صفحة رقم 215" بن العربي : هذا الذي ثبت في الصحيح هو الذي ينبغي أن يعول عليه والمعنى المراد : هو أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان مخيرا في أزواجه إن شاء أن يقسم قسم وإن شاء أن يترك القسم ترك فخص النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأن جعل الأمر إليه فيه لكنه كان يقسم من قبل نفسه دون أن فرض ذلك عليه تطييبا لنفوسهن وصونا لهن عن أقوال الغيرة التي تؤدي إلى ما لا ينبغي وقيل : كان القسم واجبا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم نسخ الوجوب عنه بهذه الآية قال أبو رزين : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد هم بطلاق بعض نسائه فقلن له : اقسم لنا ماشئت فكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب فكان قسمتهن من نفسه وماله سواء بينهن وكان ممن أرجى سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية فكان يقسم لهن ما شاء وقيل : المراد الواهبات روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله : ترجي من تشاء منهن قالت : هذا في الواهبات أنفسهن قال الشعبي : هن الواهبات أنفسهن تزوج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منهن وترك منهن وقال الزهري : ما علمنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أرجأ أحدا من أزواجه بل آواهن كلهن وقال بن عباس وغيره : المعنى في طلاق من شاء ممن حصل في عصمته وإمساك من شاء وقيل غير هذا وعلى كل معنى فالآية معناها التوسعة على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والإباحة وما اخترناه أصح والله أعلم الثالثة ذهب هبة الله في الناسخ والمنسوخ إلى أن قوله : ترجي من تشاء الآية ناسخ لقوله : لا يحل لك النساء من بعد الآية وقال : ليس في كتاب الله ناسخ تقدم المنسوخ سوى هذا وكلامه يضعف من جهات وفي البقرة عدة المتوفي عنها أربعة أشهر وعشر وهو ناسخ للحول وقد تقدم عليه الرابعة قوله تعالى : ) ومن ابتغيت ممن عزلت ( ابتغيت طلبت والإبتغاء الطلب وعزلت أزلت والعزلة الإزالة أي إن أردت أن تؤوي إليك امرأة ممن "صفحة رقم 216" عزلتهن من القسمة وتضمها إليك فلا بأس عليك في ذلك وكذلك حكم الإرجاء فدل أحد الطرفين على الثاني الخامسة قوله تعالى : ) فلا جناح عليك ( أي لا ميل يقال : جنحت السفينة أي مالت إلى الأرض أي لا ميل عليك باللوم والتوبيخ السادسة قوله تعالى : ) ذلك أدنى أن تقر أعينهن ( قال قتادة وغيره : أي ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أدنى إلى رضاهن إذ كان من عندنا لأنهن إذا علمن أن الفعل من الله قرت أعينهن بذلك ورضين لأن المرء إذا علم أنه لا حق له في شيء كان راضيا بما أوتي منه وإن قل وإن علم أن له حقا لم يقنعه ما أوتي منه واشتدت غيرته عليه وعظم حرصه فيه فكان ما فعل الله لرسوله من تفويض الأمر إليه في أحوال أزواجه أقرب إلى رضاهن معه وإلى استقرار أعينهن بما يسمح به لهن دون أن تتعلق قلوبهن بأكثر منه وقرئ : تقر أعينهن بضم التاء ونصب الأعين وتقر أعينهن على البناء للمفعول وكان عليه السلام مع هذا يشدد على نفسه في رعاية التسوية بينهن تطييبا لقلوبهن كما قدمناه ويقول : ) اللهم هذه قدرتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) يعني قلبه لإيثاره عائشة رضي الله عنها دون أن يكون يظهر ذلك في شيء من فعله وكان في مرضه الذي توفي فيه يطاف به محمولا على بيوت أزواجه إلى أن استأذنهن أن يقيم في بيت عائشة قالت عائشة : أول ما اشتكى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في بيت ميمونة فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها يعني في بيت عائشة فأذن له الحديث خرجه الصحيح وفي الصحيح أيضا عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليتفقد ![]()
__________________
|
#577
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 216 الى صــ 225 الحلقة (577) "صفحة رقم 217" يقول : ) أين أنا اليوم أين أنا غدا ) استبطاء ليوم عائشة رضي الله عنها قالت : فلما كان يومي قبضه الله تعالى بين سحري ونحري ( صلى الله عليه وسلم ) السابعة على الرجل أن يعدل بين نسائه لكل واحدة منهن يوما وليلة هذا قول عامة العلماء وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الليل دون النهار ولا يسقط حق الزوجة مرضها ولا حيضها ويلزمه المقام عندها في يومها وليلتها وعليه أن يعدل بينهن في مرضه كما يفعل في صحته إلا أن يعجز عن الحركة فيقيم حيث غلب عليه المرض فإذا صح استأنف القسم والإماء والحرائر والكتابيات والمسلمات في ذلك سواء قال عبد الملك : للحرة ليلتان وللأمة ليلة وأما السراري فلا قسم بينهن وبين الحرائر ولا حظ لهن فيه الثامنة ولا يجمع بينهن في منزل واحد إلا برضاهن ولا يدخل لإحداهن في يوم الأخرى وليلتها لغير حاجة واختلف في دخوله لحاجة وضرورة فالأكثرون على جوازه مالك وغيره وفي كتاب بن حبيب منعه وروى بن بكير عن مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان فإذا كان يوم هذه لم يشرب من بيت الأخرى الماء قال بن بكير : وحدثنا مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان ماتتا في الطاعون فأسهم بينهما أيهما تدلى أول التاسعة قال مالك : ويعدل بينهن في النفقة والكسوة إذا كن معتدلات الحال ولا يلزم ذلك في المختلفات المناصب وأجاز مالك أن يفضل إحداهما في الكسوة على غير وجه الميل فأما الحب والبغض فخارجان عن الكسب فلا يتأتى العدل فيهما وهو المعنى بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) في قسمه ) اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) أخرجه النسائي وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها وفي كتاب أبي داود يعني القلب وإليه الإشارة بقوله تعالى : ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم وقوله تعالى : والله يعلم ما في قلوبكم وهذا هو وجه تخصيصه بالذكر هنا تنبيها منه لنا على أنه يعلم "صفحة رقم 218" ما في قلوبنا من ميل بعضنا إلى بعض من عندنا من النساء دون بعض وهو العالم بكل شيء لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء يعلم السر وأخفى لكنه سمح في ذلك إذ لا يستطيع العبد أن يصرف قلبه عن ذلك الميل وإلى ذلك يعود قوله : وكان الله غفورا رحيما وقد قيل في قوله : ذلك أدنى أن تقر أعينهن وهي : العاشرة أي ذلك أقرب ألا يحزن إذا لم يجمع إحداهن مع الأخرى ويعاين الأثرة والميل وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) ويرضين بما آتيتهن كلهن ( توكيد للضمير أي ويرضين كلهن وأجاز أبو حاتم والزجاج ويرضين بما آتيتهن كلهن على التوكيد للمضمر الذي في آتيتهن والفراء لا يجيزه لأن المعنى ليس عليه إذ كان المعنى وترضى كل واحدة منهن وليس المعنى بما أعطيتهن كلهن النحاس : والذي قاله حسن الحادية عشرة قوله تعالى : ) والله يعلم مافي قلوبكم ( خبر عام والإشارة إلى ما في قلب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من محبة شخص دون شخص وكذلك يدخل في المعنى أيضا المؤمنون وفي البخاري عن عمرو بن العاص أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك فقال : ) عائشة ) فقلت : من الرجال قال : ) أبوها ) قلت : ثم من قال : ) عمر بن الخطاب ) فعد رجالا وقد تقدم القول في القلب بما فيه كفاية في أول البقرة وفي أول هذه السورة يروى أن لقمان الحكيم كان عبدا نجارا قال له سيده : اذبح شاة وائتني بأطيبها بضعتين فأتاه باللسان والقلب ثم أمره بذبح شاة أخرى فقال له : ألق أخبثها بضعتين فألقى اللسان والقلب فقال : أمرتك أن تأتيني بأطيبها بضعتين فأتيتني باللسان والقلب وأمرتك أن تلقي بأخبثها بضعتين فألقيت اللسان والقلب فقال : ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا "صفحة رقم 219" الأحزاب : ) 52 ( لا يحل لك . . . . . ) الاحزاب 52 ( فيه سبع مسائل : الأولى اختلف العلماء في تأويل قوله : لا يحل لك النساء من بعد على أقوال سبعة : الأولى أنها منسوخة بالسنة والناسخ لها حديث عائشة قالت : ما مات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أحل له النساء وقد تقدم الثاني أنها منسوخة بآية أخرى روى الطحاوي عن أم سلمة قالت : لم يمت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء من شاء إلا ذات محرم وذلك قوله عز وجل : ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء قال النحاس : وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية وهو وقول عائشة واحد في النسخ وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن وهو مع هذا قول علي بن أبي طالب وبن عباس وعلي بن الحسين والضحاك وقد عارض بعض فقهاء الكوفيين فقال : محال أن تنسخ هذه الآية يعني ترجي من تشاء منهن لا يحل لك النساء من بعد وهي قبلها في المصحف الذي أجمع عليه المسلمون ورجح قول من قال نسخت بالسنة قال النحاس : وهذه المعارضة لاتلزم وقائلها غالط لأن القرآن بمنزلة سورة واحدة كما صح عن بن عباس : أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان ويبين لك أن اعتراض هذا المعترض لا يلزم أن قوله عز وجل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج منسوخة على قول أهل التأويل لا نعلم بينهم "صفحة رقم 220" خلافا بالآية التي قبلها والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا : الثالث أنه ( صلى الله عليه وسلم ) حظر عليه أن يتزوج على نسائه لأنهن أخترن الله ورسوله والدار الآخرة هذا قول الحسن وبن سيرين وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال النحاس : وهذا القول يجوز أن يكون هكذا ثم نسخ الرابع أنه لما حرم عليهن أن يتزوجن بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن قاله أبو أمامة بن سهل بن حنيف الخامس لا يحل لك النساء من بعد أي من بعد الأصناف التي سميت قاله أبي بن كعب وعكرمة وأبو رزين وهو اختيار محمد بن جرير ومن قال أن الإباحة كانت له مطلقة قال هنا : لا يحل لك النساء معناه لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات وهذا تأويل فيه بعد وروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة أيضا وهو القول السادس قال مجاهد : لئلا تكون كافرة أما للمؤمنين وهذا القول يبعد لأنه يقدره : من بعد المسلمات ولم يجر للمسلمات ذكر وكذلك قدر ولا أن تبدل بهن أي ولا أن تطلق مسلمة لتستبدل بها كتابية السابع أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان له حلال أن يتزوج من شاء ثم نسخ ذلك قال : وكذلك كانت الأنبياء قبله صلى الله عليه وعليهم وسلم قاله محمد بن كعب القرظي الثانية قوله تعالى : ) ولا أن تبدل بهن من أزواج ( قال بن زيد : هذا شيء كانت العرب تفعله يقول أحدهم : خذ زوجتي وأعطني زوجتك روى الدارقطني عن أبي هريرة قال : كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل : انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك فأنزل الله عز وجل ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن قال : فدخل عيينة بن حصن الفزاري على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده "صفحة رقم 221" عائشة فدخل بغير إذن فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) يا عيينة فأين الإستئذان ) فقال : يا رسول الله ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت : قال : من هذه الحميراء إلى جنبك قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) هذه عائشة أم المؤمنين ) قال : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق فقال : ) يا عيينة إن الله قد حرم ذلك ) قال فلما خرج قالت عائشة : يا رسول الله من هذا قال : ) أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه ) وقد أنكر الطبري والنحاس وغيرهما ما حكاه بن زيد عن العرب من أنها كانت تبادل بأزواجها قال الطبري : وما فعلت العرب قط هذا وما روي من حديث عيينة بن حصن من أنه دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده عائشة الحديث فليس بتبديل ولا أراد ذلك وإنما احتقر عائشة لأنها كانت صبية فقال هذا القول قلت : وما ذكرناه من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة من أن البدل كان في الجاهلية يدل على خلاف ما أنكر من ذلك والله أعلم قال المبرد : وقرئ لا يحل بالياء والتاء فمن قرأ بالتاء فعلى معنى جماعة النساء وبالياء من تحت على معنى جميع النساء وزعم الفراء قال : اجتمعت القراء على أن القراءة بالياء وهذا غلط وكيف يقال : اجتمعت القراء وقد قرأ أبو عمرو بالتاء بلا اختلاف عنه الثالثة قوله تعالى : ) ولو أعجبك حسنهن ( قال بن عباس : نزل ذلك بسبب أسماء بنت عميس أعجب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين مات عنها جعفر بن أبي طالب حسنها فأراد أن يتزوجها فنزلت الآية وهذا حديث ضعيف قاله بن العربي الرابعة في هذه الآية دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها وقد أراد المغيرة بن شعبة زواج امرأة فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما ) وقال عليه السلام لآخر : ) أنظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا ) أخرجه الصحيح قال الحميدي وأبو الفرج الجوزي يعني صفراء أو زرقاء وقيل رمصاء "صفحة رقم 222" الخامسة الأمر بالنظر إلى المخطوبة إنما هو على جهة الإرشاد إلى المصلحة فإنه إذا نظر إليها فلعله يرى منها ما يرغبه في نكاحها ومما يدل على أن الأمر على جهة الإرشاد ما ذكره أبو داود من حديث جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ) إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) فقوله : ) فإن استطاع فليفعل ) لا يقال مثله في الواجب وبهذا قال جمهور الفقهاء مالك والشافعي والكوفيون وغيرهم وأهل الظاهر وقد كره ذلك قوم لا مبالاة بقولهم للأحاديث الصحيحة وقوله تعالى : ولو أعجبك حسنهن وقال سهل بن أبي حثمة : رأيت محمد بن مسلمة يطارد ثبيتة بنت الضحاك على إجار من أجاجير المدينة فقلت له : أتفعل هذا فقال نعم قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إذا ألقى الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها ) الإجار : السطح بلغة أهل الشام والحجاز قال أبو عبيد : وجمع الإجار أجاجير وأجاجرة السادسة اختلف فيما يجوز أن ينظر منها فقال مالك : ينظر إلى وجهها وكفيها ولا ينظر إلا بإذنها وقال الشافعي وأحمد : بإذنها وبغير إذنها إذا كانت مستترة وقال الأوزاعي : ينظر إليها ويجتهد وينظر مواضع اللحم منها قال داود : ينظر إلى سائر جسدها تمسكا بظاهر اللفظ وأصول الشريعة ترد عليه في تحريم الإطلاع على العورة والله أعلم السابعة قوله تعالى : ) إلا ما ملكت يمينك ( اختلف العلماء في إحلال الأمة الكافرة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) على قولين : تحل لعموم قوله : إلا ما ملكت يمينك قاله مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم قالوا : قوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد أي لا تحل لك النساء من غير المسلمات فأما اليهوديات والنصرانيات والمشركات فحرام عليك أي لا يحل لك أن تتزوج كافرة فتكون أما للمؤمنين ولو أعجبك حسنها إلا ما ملكت يمينك فإن له أن يتسرى بها القول الثاني لا تحل تنزيها لقدره عن مباشرة الكافرة وقد قال الله تعالى : ولا تمسكوا بعصم الكوافر فكيف به ( صلى الله عليه وسلم ) "صفحة رقم 223" و ما في قوله : إلا ما ملكت يمينك في موضع رفع بدل من النساء ويجوز أن يكون في موضع نصب على استثناء وفيه ضعف ويجوز أن تكون مصدرية والتقدير : إلا ملك يمينك وملك بمعنى مملوك وهو في موضع نصب لأنه استثناء من غير الجنس الأول الأحزاب : ) 53 ( يا أيها الذين . . . . . ) الاحزاب 53 ( فيه ست عشرة مسألة : الأولى قوله تعالى : ) لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ( أن في موضع نصب على معنى : إلا بأن يؤذن لكم ويكون الإستثناء ليس من الأول ) إلى طعام غير ناظرين إناه ( نصب على الحال أي لا تدخلوا في هذه الحال ولا يجوز في غير الخفض على النعت للطعام لأنه لو كان نعتا لم يكن بد من إظهار الفاعلين وكان يقول : غير ناظرين إناه أنتم ونظير هذا من النحو : هذا رجل مع رجل ملازم له وإن شئت قلت : هذا رجل مع رجل ملازم له هو وهذه الآية تضمنت قصتين : إحداهما الأدب في أمر الطعام والجلوس والثانية أمر الحجاب وقال حماد بن زيد : هذه الآية نزلت في الثقلاء فأما القصة الأولى فالجمهور "صفحة رقم 224" من المفسرين على أن : سببها أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما تزوج زينب بنت جحش امرأة زيد أولم عليها فدعا الناس فلما طعموا جلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وزوجته مولية وجهها إلى الحائط فثقلوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال أنس : فما أدري أأنا أخبرت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن القوم قد خرجوا أو أخبرني قال : فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب قال : ووعظ القوم بما وعظوا به وأنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلى قوله إن ذلكم كان عند الله عظيما أخرجه الصحيح وقال قتادة ومقاتل في كتاب الثعلبي : إن هذا السبب جرى في بيت أم سلمة والأول الصحيح كما رواه الصحيح وقال بن عباس : نزلت في ناس من المؤمنين كانوا يتحينون طعام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيدخلون قبل أن يدرك الطعام فيقعدون إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون وقال إسماعيل بن أبي حكيم : وهذا أدب أدب الله به الثقلاء وقال بن أبي عائشة في كتاب الثعلبي : حسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم وأما قصة الحجاب فقال أنس بن مالك وجماعة : سببها أمر القعود في بيت زينب القصة المذكورة آنفا وقالت عائشة رضي الله عنها وجماعة : سببها أن عمر قال قلت : يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت الآية وروى الصحيح عن بن عمر قال : قال عمر وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر هذا أصح ما قيل في أمر الحجاب وما عدا هذين القولين من الأقوال والروايات فواهية لا يقوم شيء منها على ساق وأضعفها ما روي عن بن مسعود : أن عمر أمر نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالحجاب فقالت زينب بنت جحش : يابن الخطاب إنك تغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا فأنزل الله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب وهذا باطل لأن الحجاب نزل يوم البناء بزينب كما بيناه أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم وقيل : إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يطعم ومعه بعض "صفحة رقم 225" أصحابه فأصاب يد رجل منهم يد عائشة فكره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت آية الحجاب قال بن عطية : وكانت سيرة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكر من شاء إلى الدعوة ينتظرون طبخ الطعام ونضجه وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك فنهى الله المؤمنين عن امثال ذلك في بيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ودخل في النهي سائر المؤمنين والتزم الناس أدب الله تعالى لهم في ذلك فمنعهم من الدخول إلا بإذن عند الأكل لا قبله لانتظار نضج الطعام الثانية قوله تعالى : ) بيوت النبي ( دليل على أن البيت للرجل ويحكم له به فإن الله تعالى أضافه إليه فإن قيل : فقد قال الله تعالى : واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا قلنا : إضافة البيوت إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إضافة ملك وإضافة البيوت إلى الأزواج إضافة محل بدليل أنه جعل فيها الإذن للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والإذن إنما يكون للمالك الثالثة واختلف العلماء في بيوت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذ كان يسكن فيها أهله بعد موته هل هي ملك لهن أم لا على قولين : فقالت طائفة : كانت ملكا لهن بدليل أنهن سكن فيها بعد موت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى وفاتهن وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهب ذلك لهن في حياته الثاني أن ذلك كان إسكانا كما يسكن الرجل أهله ولم يكن هبة وتمادى سكناهن بها إلى الموت وهذا هو الصحيح وهو الذي ارتضاه أبو عمر بن عبد البر وبن العربي وغيرهم فإن ذلك من مئونتهن التي كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استثناها لهن كما استثنى لهن نفقاتهن حين قال : ) لا تقتسم ورثتي دينارا ولا درهما ما تركت بعد نفقة أهلي ومئونة عاملي فهو صدقة ) هكذا قال أهل العلم قالوا : ويدل على ذلك أن مساكنهن لم يرثها عنهن ورثتهن قالوا : ولو كان ذلك ملكا لهن كان لا شك قد ورثه عنهن ورثتهن قالوا : وفي ترك ورثتهن ذلك دليل على أنها لم تكن لهن ملكا وإنما كان لهن "صفحة رقم 226" سكنى حياتهن فلما توفين جعل ذلك زيادة في المسجد الذي يعم المسلمين نفعه كما جعل ذلك الذي كان لهن من النفقات في تركة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما مضين لسبيلهن فزيد إلى أصل المال فصرف في منافع المسلمين مما يعم جميعهم نفعه والله الموفق قوله تعالى : ) غير ناظرين إناه ( أي غير منتظرين وقت نضجه وإناه مقصور وفيه لغات : إني بكسر الهمزة قال الشيباني : وكسرى إذ تقسمه بنوه بأسياف كما اقتسم اللحام تمخضت المنون له بيوم أني ولكل حاملة تمام وقرأ بن أبي عبلة : غير ناظرين إناه مجرورا صفة ل طعام الزمخشري : وليس بالوجه لأنه جرى على غير ما هو له فمن حق ضمير ما هو له أن يبرز إلى اللفظ فيقال : غير ناظرين إناه أنتم كقولك : هند زيد ضاربته هي وأنى ) بفتحها ( وأناء ) بفتح الهمزة والمد ( قال الحطيئة : وأخرت العشاء إلى سهيل أو الشعرى فطال بي الأناء يعني إلى طلوع سهيل وإناه مصدر أنى الشيء يأنى إذا فرغ وحان وأدرك الرابعة قوله تعالى : ) ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ( فأكد المنع وخص وقت الدخول بأن يكون عند الإذن على جهة الأدب وحفظ الحضرة الكريمة من المباسطة المكروهة قال بن العربي : وتقدير الكلام : ولكن إذا دعيتم وأذن لكم في الدخول فادخلوا وإلا فنفس الدعوة لا تكون إذنا كافيا في الدخول والفاء في جواب إذا لازمة لما فيها من معنى المجازاة الخامسة قوله تعالى : ) فإذا طعمتم فانتشروا ( أمر تعالى بعد الإطعام بأن يتفرق جميعهم وينتشروا والمراد إلزام الخروج من المنزل عند انقضاء المقصود من الأكل والدليل على ذلك أن الدخول حرام وإنما جاز لأجل الأكل فإذا انقضى الأكل زال السبب المبيح وعاد التحريم إلى أصله ![]()
__________________
|
#578
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 226 الى صــ 235 الحلقة (578) "صفحة رقم 227" السادسة في هذه الآية دليل على أن الضيف يأكل على ملك المضيف لا على ملك نفسه لأنه قال : فإذا طعمتم فانتشروا فلم يجعل له أكثر من الأكل ولا أضاف إليه سواه وبقي الملك على أصله السابعة قوله تعالى : ) ولا مستأنسين لحديث ( عطف على قوله : غير ناظرين وغير منصوبة على الحال من الكاف والميم في لكم أي غير ناظرين ولا مستأنسين والمعنى المقصود : لا تمكثوا مستأنسين بالحديث كما فعل أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في وليمة زينب ) إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق ( أي لا يمتنع من بيانه وإظهاره ولما كان ذلك يقع من البشر لعلة الاستحياء نفى عن الله تعالى العلة الموجبة لذلك في البشر وفي الصحيح عن أم سلمة قالت : جاءت أم سليم إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت : يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إذا رأت الماء ) الثامنة قوله تعالى : ) وإذا سألتموهن متاعا ( الآية روى أبو داود الطيالسي عن أنس بن مالك قال قال عمر : وافقت ربي في أربع الحديث وفيه : قلت يا رسول الله لو ضربت على نسائك الحجاب فإنه يدخل عليهن البر والفاجر فأنزل الله عز وجل وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب واختلف في المتاع فقيل : ما يتمتع به من العواري وقيل فتوى وقيل صحف القرآن والصواب أنه عام في جميع ما يمكن أن يطلب من المواعين وسائر المرافق للدين والدنيا التاسعة في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض أو مسألة يستفتين فيها ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة بدنها وصوتها كما تقدم فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها أو داء يكون ببدنها أو سؤالها عما يعرض وتعين عندها "صفحة رقم 228" العاشرة استدل بعض العلماء بأخذ الناس عن أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من وراء حجاب على جواز شهادة الأعمى وبأن الأعمى يطأ زوجته بمعرفته بكلامها وعلى إجازة شهادته أكثر العلماء ولم يجزها أبو حنيفة والشافعي وغيرهما قال أبو حنيفة : تجوز في الأنساب وقال الشافعي : لا تجوز إلا فيما رآه قبل ذهاب بصره الحادية عشرة قوله تعالى : ) ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ( يريد من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء وللنساء في أمر الرجال أي ذلك أنفى للريبة وأبعد للتهمة وأقوى في الحماية وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له فإن مجانبة ذلك أحسن لحاله وأحصن لنفسه وأتم لعصمته الثانية عشرة قوله تعالى : ) وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ( الآية هذا تكرار للعلة وتأكيد لحكمها وتأكيد العلل أقوى في الأحكام الثالثة عشرة قوله تعالى : ) ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ( روى إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة أن رجلا قال : لو قبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تزوجت عائشة فأنزل الله تعالى : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله الآية ونزلت : وأزواجه أمهاتهم وقال القشيري أبو نصر عبد الرحمن : قال بن عباس قال رجل من سادات قريش من العشرة الذين كانوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على حراء في نفسه لو توفي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لتزوجت عائشة وهي بنت عمي قال مقاتل : هو طلحة بن عبيد الله قال بن عباس : وندم هذا الرجل على ما حدث به في نفسه فمشى إلى مكة على رجليه وحمل على عشرة أفراس في سبيل الله وأعتق رقيقا فكفر الله عنه وقال بن عطية : روي أنها نزلت بسبب أن بعض الصحابة قال : لو مات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لتزوجت عائشة فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتأذى به هكذا كنى عنه بن عباس ببعض الصحابة وحكى مكي عن معمر أنه قال : هو طلحة بن عبيد الله "صفحة رقم 229" قلت : وكذا حكى النحاس عن معمر أنه طلحة ولا يصح قال بن عطية : لله در بن عباس وهذا عندي لا يصح على طلحة بن عبيد الله قال شيخنا الإمام أبو العباس : وقد حكى هذا القول عن بعض فضلاء الصحابة وحاشاهم عن مثله والكذب في نقله وإنما يليق مثل هذا القول بالمنافقين الجهال يروى أن رجلا من المنافقين قال حين تزوج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أم سلمة بعد أبي سلمة وحفصة بعد خنيس بن حذافة : ما بال محمد يتزوج نساءنا والله لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه فنزلت الآية في هذا فحرم الله نكاح أزواجه من بعده وجعل لهن حكم الأمهات وهذا من خصائصه تمييزا لشرفه وتنبيها على مرتبته ( صلى الله عليه وسلم ) قال الشافعي رحمه الله : وأزواجه ( صلى الله عليه وسلم ) اللاتي مات عنهن لا يحل لأحد نكاحهن ومن استحل ذلك كان كافرا لقوله تعالى : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا وقد قيل : إنما منع من التزوج بزوجاته لأنهن أزواجه في الجنة وأن المرأة في الجنة لآخر أزواجها قال حذيفة لإمرأته : إن سرك أن تكوني زوجتي في الجنة إن جمعنا الله فيها فلا تزوجي من بعدي فإن المرأة لآخر أزواجها وقد ذكرنا ما للعلماء في هذا في ) كتاب التذكرة ( من أبواب الجنة الرابعة عشرة اختلف العلماء في أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد موته هل بقين أزواجا أم زال النكاح بالموت وإذا زال النكاح بالموت فهل عليهن عدة أم لا فقيل : عليهن العدة لأنه توفي عنهن والعدة عبادة وقيل : لا عدة عليهن لأنها مدة تربص لا ينتظر بها الإباحة وهو الصحيح لقوله عليه السلام : ) ما تركت بعد نفقة عيالي ) وروي ) أهلي ) وهذا اسم خاص بالزوجية فأبقى عليهن النفقة والسكنى مدة حياتهن لكونهن نساءه وحرمن على غيره وهذا هو معنى بقاء النكاح وإنما جعل الموت في حقه عليه السلام لهن بمنزلة المغيب في حق غيره لكونهن أزواجا له في الآخرة قطعا بخلاف سائر "صفحة رقم 230" الناس لأن الرجل لا يعلم كونه مع أهله في دار واحدة فربما كان أحدهما في الجنة والآخر في النار فبهذا انقطع السبب في حق الخلق وبقي في حق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد قال عليه السلام : ) زوجاتي في الدنيا هن زوجاتي في الآخرة ) وقال عليه السلام : ) كل سبب ونسب ينقطع إلا سببي ونسبي فإنه باق إلى يوم القيامة ) فرع فأما زوجاته عليه السلام اللاتي فارقهن في حياته مثل الكلبية وغيرها فهل كان يحل لغيره نكاحهن فيه خلاف والصحيح جواز ذلك لما روي أن الكلبية التي فارقها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تزوجها عكرمة بن أبي جهل على ما تقدم وقيل : إن الذي تزوجها الأشعث بن قيس الكندي قال القاضي أبو الطيب : الذي تزوجها مهاجر بن أبي أمية ولم ينكر ذلك أحد فدل على أنه إجماع الخامسة عشرة قوله تعالى : ) إن ذلكم كان عند الله عظيما ( يعني أذية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو نكاح أزواجه فجعل ذلك من جملة الكبائر ولا ذنب أعظم منه السادسة عشرة قد بينا سبب نزول الحجاب في حديث أنس وقول عمر وكان يقول لسودة إذا خرجت وكانت امرأة طويلة : قد رأيناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب فأنزل الله آية الحجاب ولا بعد في نزول الآية عند هذه الأسباب كلها والله أعلم بيد أنه لما ماتت زينب بنت جحش قال : لا يشهد جنازتها إلا ذو محرم منها مراعاة للحجاب الذي نزل بسببها فدلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش في القبة وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة فصنعه عمر وروي أن ذلك صنع في جنازة فاطمة بنت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الأحزاب : ) 54 ( إن تبدوا شيئا . . . . . ) الاحزاب 54 ( الباريء سبحانه وتعالى عالم بما بدا وما خفى وما كان وما لم يكن لايخفى عليه ماض تقضى ولا مستقبل يأتي وهذا على العموم تمدح به وهو أهل المدح والحمد والمراد به ها هنا التوبيخ والوعيد لمن تقدم التعريض به في الآية قبلها ممن أشير إليه بقوله : ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ومن أشير إليه في قوله : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن "صفحة رقم 231" تنكحوا أزواجه من بعده أبدا فقيل لهم في هذه الآية : إن الله تعالى يعلم ما تخفونه من هذه المعتقدات والخواطر المكروهة ويجازيكم عليها فصارت هذه الآية منعطفة على ما قبلها مبينة لها والله أعلم الأحزاب : ) 55 ( لا جناح عليهن . . . . . ) الاحزاب 55 ( فيه ثلاث مسائل : الأولى لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب فنزلت هذه الآية الثانية ذكر الله تعالى في هذه الآية من يحل للمرأة البروز له ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين وقد يسمى العم أبا قال الله تعالى : نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسماعيل كان العم قال الزجاج : العم والخال ربما يصفان المرأة لولديهما فان المرأة تحل لإبن العم وبن الخال فكره لهما الرؤية وقد كره الشعبي وعكرمة أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها وقد ذكر في هذه الآية بعض المحارم وذكر الجميع في سورة النور فهذه الآية بعض تلك وقد مضى الكلام هناك مستوفي والحمد لله الثالثة قوله تعالى : ) واتقين الله ( لما ذكر الله تعالى الرخصة في هذه الأصناف وانجزمت الإباحة عطف بأمرهن بالتقوى عطف جملة وهذا في غاية البلاغة والإيجاز كأنه قال : إقتصرن على هذا واتقين الله فيه أن تتعدينه إلى غيره وخص النساء بالذكر وعينهن في هذا الأمر لقلة تحفظهن وكثرة استرسالهن والله أعلم توعدهم تعالى بقوله : ) إن الله كان على كل شيء شهيدا "صفحة رقم 232" الأحزاب : ) 56 ( إن الله وملائكته . . . . . ) الاحزاب 56 ( هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام حياته وموته وذكر منزلته منه وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء أو في أمر زوجاته ونحو ذلك والصلاة من الله رحمته ورضوانه ومن الملائكة الدعاء والإستغفار ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره مسألة واختلف العلماء في الضمير في قوله : يصلون فقالت فرقة : الضمير فيه لله والملائكة وهذا قول من الله تعالى شرف به ملائكته فلا يصحبه الإعتراض الذي جاء في قول الخطيب : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله ) أخرجه الصحيح قالوا : لأنه ليس لأحد أن يجمع ذكر الله تعالى مع غيره في ضمير ولله أن يفعل في ذلك ما يشاء وقالت فرقة : في الكلام حذف تقديره إن الله يصلي وملائكته يصلون وليس في الآية اجتماع في ضمير وذلك جائز للبشر فعله ولم يقل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) بئس الخطيب أنت ) لهذا المعنى وإنما قاله لأن الخطيب وقف على ومن يعصهما وسكت سكتة واستدلوا بما رواه أبو داود عن عدي بن حاتم أن خطيبا خطب عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : من يطع الله ورسوله ومن يعصهما فقال : ) قم أو اذهب بئس الخطيب أنت ) إلا أنه يحتمل أن يكون لما خطأه في وقفه وقال له : ) بئس الخطيب ) أصلح له بعد ذلك جميع كلامه فقال : ) قل ومن يعص الله ورسوله ) كما في كتاب مسلم وهو يؤيد القول الأول بأنه لم يقف على ومن يعصهما وقرأ بن عباس : وملائكته بالرفع على موضع اسم الله قبل دخول إن والجمهور بالنصب عطفا على المكتوبة قوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ( فيه خمس مسائل : الأولى قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما أمر الله تعالى عباده بالصلاة على نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) دون أنبيائه تشريفا له ولا خلاف في أن "صفحة رقم 233" الصلاة عليه فرض في العمر مرة وفي كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه الزمخشري : فإن قلت الصلاة على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واجبة أم مندوب إليها قلت : بل واجبة وقد اختلفوا في حال وجوبها فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره وفي الحديث : ) من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله ) ويروى أنه قيل له : يا رسول الله أرأيت قول الله عز وجل : إن الله وملائكته يصلون على النبي فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : هذا من العلم المكنون ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به إن الله تعالى وكل بي ملكين فلا أذكر عند مسلم فيصلي علي إلا قال ذلك الملكان غفر الله لك وقال الله تعالى وملائكته جوابا لذينك الملكين آمين ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلي علي إلا قال ذلك الملكان لا غفر الله لك وقال الله تعالى وملائكته لذينك الملكين آمين ) ومنهم من قال : تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره كما قال في آية السجدة وتشميت العاطس وكذلك في كل دعاء في أوله وآخره ومنهم من أوجبها في العمر وكذلك قال في إظهار الشهادتين والذي يقتضيه الإحتياط : الصلاة عند كل ذكر لما ورد من الأخبار في ذلك الثانية واختلفت الآثار في صفة الصلاة عليه ( صلى الله عليه وسلم ) فروى مالك عن أبي مسعود الأنصاري قال : أتانا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك قال : فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم ) ورواه النسائي عن طلحة مثله بإسقاط قوله : ) في العالمين ) وقوله : ) والسلام كما قد علمتم ) وفي الباب عن كعب بن عجرة وأبي حميد الساعدي وأبي سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وبريدة الخزاعي وزيد بن خارجة "صفحة رقم 234" ويقال بن حارثة أخرجها أئمة أهل الحديث في كتبهم وصحح الترمذي حديث كعب بن عجرة خرجه مسلم في صحيحه مع حديث أبي حميد الساعدي قال أبو عمر : روى شعبة والثوري عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال : لما نزل قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة فقال : ) قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) وهذا لفظ حديث الثوري لا حديث شعبة وهو يدخل في التفسير المسند إليه لقول الله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فبين كيف الصلاة عليه وعلمهم في التحيات كيف السلام عليه وهو قوله : ) السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) وروى المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود عن عبد الله أنه قال : إذا صليتم على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قالوا فعلمنا قال : ) قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ونبيك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل حمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) وروينا بالإسناد المتصل في كتاب ) الشفا ( للقاضي عياض عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : عدهن في يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال : ) عدهن في يدي جبريل وقال هكذا أنزلت من عند رب العزة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم وتحنن على محمد "صفحة رقم 235" وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) قال بن العربي : من هذه الروايات صحيح ومنها سقيم وأصحها ما رواه مالك فاعتمدوه ورواية غير مالك من زيادة الرحمة مع الصلاة وغيرها لا يقوى وإنما على الناس أن ينظروا في أديانهم نظرهم في أموالهم وهم لا يأخذون في البيع دينارا معيبا وإنما يختارون السالم الطيب كذلك لا يؤخذ من الروايات عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلا ما صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سنده لئلا يدخل في حيز الكذب على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فبينما هو يطلب الفضل إذا به قد أصاب النقص بل ربما أصاب الخسران المبين الثالثة في فضل الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ) من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ) وقال سهل بن عبد الله : الصلاة على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أفضل العبادات لأن الله تعالى تولاها هو وملائكته ثم أمر بها المؤمنين وسائر العبادات ليس كذلك قال أبو سليمان الداراني : من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم يسأل الله حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : الدعاء يحجب دون السماء حتى يصلى على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا جاءت الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رفع الدعاء وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة يصلون عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب ) الرابعة واختلف العلماء في الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الصلاة فالذي عليه الجم الغفير والجمهور الكثير : أن ذلك من سنن الصلاة ومستحباتها قال بن المنذر : يستحب ألا يصلي أحد صلاة إلا صلى فيها على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن ترك ذلك تارك فصلاته مجزية في مذهب مالك وأهل المدينة وسفيان الثوري وأهل الكوفة من أصحاب الرأي وغيرهم وهو قول جل أهل العلم وحكى عن مالك وسفيان أنها في التشهد الأخير "صفحة رقم 236" مستحبة وأن تاركها في التشهد مسيء وشذ الشافعي فأوجب على تاركها في الصلاة الإعادة وأوجب إسحاق الإعادة مع تعمد تركها دون النسيان وقال أبو عمر : قال الشافعي إذا لم يصل على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في التشهد الأخير بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة قال : وإن صلى عليه قبل ذلك لم تجزه وهذا قول حكاه عنه حرملة بن يحيى لا يكاد يوجد هكذا عن الشافعي إلا من رواية حرملة عنه وهو من كبار أصحابه الذين كتبوا كتبه وقد تقلده أصحاب الشافعي ومالوا إليه وناظروا عليه وهو عندهم تحصيل مذهبه وزعم الطحاوي أنه لم يقل به أحد من أهل العلم غيره وقال الخطابي وهو من أصحاب الشافعي : وليست بواجبة في الصلاة وهو قول جماعة الفقهاء إلا الشافعي ولا أعلم له فيها قدوة والدليل على أنها ليست من فروض الصلاة عمل السلف الصالح قبل الشافعي وإجماعهم عليه وقد شنع عليه في هذه المسألة جدا وهذا تشهد بن مسعود الذي اختاره الشافعي وهو الذي علمه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليس فيه الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكذلك كل من روى التشهد عنه ( صلى الله عليه وسلم ) وقال بن عمر : كان أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتاب وعلمه أيضا على المنبر عمر وليس فيه ذكر الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قلت : قد قال بوجوب الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الصلاة محمد بن المواز من أصحابنا فيما ذكر بن القصار وعبد الوهاب واختاره بن العربي للحديث الصحيح : إن الله أمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك فعلم الصلاة ووقتها فتعينت كيفية ووقتا وذكر الدارقطني عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أنه قال : لو صليت صلاة لم أصل فيها على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا على أهل بيته لرأيت أنها لا تتم وروي مرفوعا عنه عن بن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والصواب أنه قول أبي جعفر قاله الدارقطني الخامسة قوله تعالى : ) وسلموا تسليما ( قال القاضي أبو بكر بن بكير : نزلت هذه الآية على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأمر الله أصحابه أن يسلموا عليه وكذلك من بعدهم أمروا ![]()
__________________
|
#579
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 236 الى صــ 245 الحلقة (579) "صفحة رقم 237" أن يسلموا عليه عند حضورهم قبره وعند ذكره وروى النسائي عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جاء ذات يوم والبشر يرى في وجهه فقلت : إنا لنرى البشرى في وجهك فقال : ) إنه أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك إنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا ) وعن محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) ما منكم من أحد يسلم علي إذا مت إلا جاءني سلامه مع جبريل يقول يا محمد هذا فلان بن فلان يقرأ عليك السلام فأقول وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ) وروى النسائي عن عبد الله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام ) قال القشيري : والتسليم قولك : سلام عليك الأحزاب : ) 57 ( إن الذين يؤذون . . . . . ) الاحزاب 57 ( فيه خمس مسائل : الأولى اختلف العلماء في أذية الله بماذا تكون فقال الجمهور من العلماء : معناه بالكفر ونسبة الصاحبة والولد والشريك إليه ووصفه بما لا يليق به كقول اليهود لعنهم الله : وقالت اليهود يد الله مغلولة والنصارى : المسيح بن الله والمشركون : الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه وفي صحيح البخاري قال الله تعالى : ) كذبني بن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك ) الحديث وقد تقدم في سورة مريم وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال الله تبارك وتعالى : ) يؤذيني بن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فأذا شئت قبضتهما ) هكذا جاء هذا الحديث موقوفا على أبي هريرة في هذه الرواية وقد جاء مرفوعا عنه ) يؤذيني بن آدم "صفحة رقم 238" يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار ) أخرجه أيضا مسلم وقال عكرمة : معناه بالتصوير والتعرض لفعل ما لا يفعله إلا الله بنحت الصور وغيرها وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لعن الله المصورين ) قلت : وهذا مما يقوي قول مجاهد في المنع من تصوير الشجر وغيرها إذ كل ذلك صفة اختراع وتشبه بفعل الله الذي انفرد به سبحانه وتعالى وقد تقدم هذا في سورة النمل والحمد لله وقالت فرقة : ذلك على حذف مضاف تقديره يؤذون أولياء الله وأما أذية رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فهي كل ما يؤذيه من الأقوال في غير معنى واحد ومن الأفعال أيضا أما قولهم : فساحر شاعر كاهن مجنون وأما فعلهم : فكسر رباعيته وشج وجهه يوم أحد وبمكة إلقاء السلي على ظهره وهو ساجد إلى غير ذلك وقال بن عباس : نزلت في الذين طعنوا عليه حين اتخذ صفية بنت حيي وأطلق إيذاء الله ورسوله وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات لأن إيذاء الله ورسوله لا يكون إلا بغير حق أبدا وأما إيذاء المؤمنين والمؤمنات فمنه ومنه الثانية قال علماؤنا : والطعن في تأمير أسامة بن زيد أذية له عليه السلام روى الصحيح عن بن عمر قال : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن الناس في إمرته فقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : ) إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده ) وهذا البعث والله أعلم هو الذي جهزه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مع أسامة وأمره عليهم وأمره أن يغزو أبني وهي القرية التي عند مؤتة الموضع الذي قتل فيه زيد أبوه مع جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة فأمره أن يأخذ بثأر أبيه فطعن من في قلبه ريب في إمرته من حيث إنه كان من الموالي ومن حيث أنه كان صغير السن لأنه كان إذ ذاك بن ثمان عشرة سنة فمات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد برز هذا البعث عن المدينة ولم ينفصل بعد عنها فنفذه أبو بكر بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) "صفحة رقم 239" الثالثة وفي هذا الحديث أوضح دليل على جواز إمامة المولى والمفضول على غيرهما ما عدا الإمامة الكبرى وقدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سالما مولى أبي حذيفة على الصلاة بقباء فكان يؤمهم وفيهم أبو بكر وعمر وغيرهم من كبراء قريش وروى الصحيح عن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال : من استعملت على هذا الوادي قال : بن أبزي قال : ومن أين أبزي قال : مولى من موالينا قال : فاستخلفت عليهم مولى قال : إنه لقارئ لكتاب الله وإنه لعالم بالفرائض قال أما إن نبيكم قد قال : ) إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ) الرابعة كان أسامة رضي الله عنه الحب بن الحب وبذلك كان يدعى وكان أسود شديد السواد وكان زيد أبوه أبيض من القطن هكذا ذكره أبو داود عن أحمد بن صالح وقال غير أحمد : كان زيد أزهر اللون وكان أسامة شديد الأدمة ويروى أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يحسن أسامة وهو صغير ويمسح مخاطه وينقي أنفه ويقول : ) لو كان أسامة جارية لزيناه وجهزناه وحببناه إلى الأزواج ) وقد ذكر أن سبب ارتداد العرب بعد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه لما كان عليه السلام في حجة الوداع بجبل عرفة عشية عرفة عند النفر احتبس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قليلا بسبب أسامة إلى أن أتاه فقالوا : ما احتبس إلا لأجل هذا تحقيرا له فكان قولهم هذا سبب ارتدادهم ذكره البخاري في التاريخ بمعناه والله أعلم الخامسة كان عمر رضي الله عنه يفرض لأسامة في العطاء خمسة آلاف ولإبنه عبد الله ألفين فقال له عبد الله : فضلت علي أسامة وقد شهدت ما لم يشهد فقال : إن أسامة كان أحب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منك وأباه كان أحب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أبيك ففضل رضي الله عنه محبوب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على محبوبه وهكذا يجب أن يحب ما أحب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويبغض من أبغض وقد قابل مروان هذا الحب بنقيضه وذلك أنه مر بأسامة بن زيد وهو يصلي عند باب بيت "صفحة رقم 240" النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له مروان : إنما أردت أن نرى مكانك فقد رأينا مكانك فعل الله بك وقال قولا قبيحا فقال له أسامة : إنك آذيتني وإنك فاحش متفحش وقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ) إن الله تعالى يبغض الفاحش المتفحش ) فانظر ما بين الفعلين وقس ما بين الرجلين فقد آذى بنو أمية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في أحبابه وناقضوه في محابه قوله تعالى : ) لعنهم الله ( معناه أبعدوا من كل خير واللعن في اللغة : الإبعاد ومنه اللعان ) وأعد لهم عذابا مهينا ( تقدم معناه في غير موضع والحمد لله رب العالمين الأحزاب : ) 58 ( والذين يؤذون المؤمنين . . . . . ) الاحزاب 58 ( أذية المؤمنين والمؤمنات هي أيضا بالأفعال والأقوال القبيحة كالبهتان والتكذيب الفاحش المختلق وهذه الآية نظير الآية التي في النساء : ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد إحتمل بهتانا وإثما مبينا كما قال هنا وقد قيل : إن من الأذية تعييره بحسب مذموم أو حرفة مذمومة أو شيء يثقل عليه إذا سمعه لأن أذاه في الجملة حرام وقد ميز الله تعالى بين أذاه وأذى الرسول وأذى المؤمنين فجعل الأول كفرا والثاني كبيرة فقال في أذى المؤمنين : ) فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ( وقد بيناه وروي أن عمر بن الخطاب قال لأبي بن كعب : قرأت البارحة هذه الآية ففزعت منها والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما أكتسبوا الآية والله إني لأضربهم وأنهرهم فقال له أبي : يا أمير المؤمنين لست منهم إنما أنت معلم ومقوم وقد قيل : إن سبب نزول هذه الآية أن عمر رأى جارية من الأنصار فضربها وكره ما رأى من زينتها فخرج أهلها فآذوا عمر باللسان فأنزل الله هذه الآية وقيل : نزلت في علي فإن المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه رضي الله عنه "صفحة رقم 241" الأحزاب : ) 59 ( يا أيها النبي . . . . . ) الاحزاب 59 ( فيه ست مسائل : الأولى قوله تعالى : ) قل لأزواجك وبناتك ( قد مضى الكلام في تفضيل أزواجه واحدة واحدة قال قتادة : مات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن تسع خمس من قريش : عائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة وثلاث من سائر العرب : ميمونة وزينب بنت جحش وجويرية وواحدة من بني هارون : صفية وأما أولاده فكان للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أولاد ذكور وإناث فالذكور من أولاده : القاسم أمه خديجة وبه كان يكنى ( صلى الله عليه وسلم ) وهو أول من مات من أولاده وعاش سنتين وقال عروة : ولدت خديجة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) القاسم والطاهر وعبد الله والطيب وقال أبو بكر البرقي : ويقال أن الطاهر هو الطيب وهو عبد الله وإبراهيم أمه مارية القبطية ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وتوفي بن ستة عشر شهرا وقيل ثمانية عشر ذكره الدارقطني ودفن بالبقيع وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إن له مرضعا تتم رضاعه في الجنة ) وجميع أولاد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من خديجة سوى إبراهيم وكل أولاده ماتوا في حياته غير فاطمة وأما الإناث من أولاده فمنهن : فاطمة الزهراء بنت خديجة ولدتها وقريش تبني البيت قبل النبوة بخمس سنين وهي أصغر بناته وتزوجها علي رضي الله عنهما في السنة الثانية من الهجرة في رمضان وبنى بها في ذي الحجة وقيل : تزوجها في رجب وتوفيت بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بيسير وهي أول من لحقه من أهل بيته رضي الله عنها "صفحة رقم 242" ومنهن : زينب أمها خديجة تزوجها بن خالتها أبو العاصي بن الربيع وكانت أم العاصي هالة بنت خويلد أخت خديجة واسم أبي العاصي لقيط وقيل هاشم وقيل هشيم وقيل مقسم وكانت أكبر بنات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتوفيت سنة ثمان من الهجرة ونزل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قبرها ومنهن رقية أمها خديجة تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النبوة فلما بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنزل عليه : تبت يدا أبي لهب قال أبو لهب لابنه : رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته ففارقها ولم يكن بنى بها وأسلمت حين أسلمت أمها خديجة وبايعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هي وأخواتها حين بايعه النساء وتزوجها عثمان بن عفان وكانت نساء قريش يقلن حين تزوجها عثمان : أحسن شخصين رأى إنسان رقية وبعلها عثمان وهاجرت معه إلى أرض الحبشة الهجرتين وكانت قد أسقطت من عثمان سقطا ثم ولدت بعد ذلك عبد الله وكان عثمان يكنى به في الإسلام وبلغ ست سنين فنقره ديك في وجهه فمات ولم تلد له شيئا بعد ذلك وهاجرت إلى المدينة ومرضت ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتجهز إلى بدر فخلف عثمان عليها فتوفيت ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ببدر على رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة وقدم زيد بن حارثة بشيرا من بدر فدخل المدينة حين سوى التراب على رقية ولم يشهد دفنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومنهن : أم كلثوم أمها خديجة تزوجها عتيبة بن أبي لهب أخو عتبة قبل النبوة وأمره أبوه أن يفارقها للسبب المذكور في أمر رقية ولم يكن دخل بها فلم تزل بمكة مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأسلمت حين أسلمت أمها وبايعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مع أخواتها حين بايعه النساء وهاجرت إلى المدينة حين هاجر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلما توفيت رقية تزوجها عثمان وبذلك سمي ذا النورين وتوفيت "صفحة رقم 243" في حياة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في شعبان سنة تسع من الهجرة وجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على قبرها ونزل في حفرتها علي والفضل وأسامة وذكر الزبير بن بكار أن أكبر ولد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : القاسم ثم زينب ثم عبد الله وكان يقال له الطيب والطاهر وولد بعد النبوة ومات صغيرا ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية فمات القاسم بمكة ثم مات عبد الله الثانية لما كانت عادة العربيات التبذل وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن وتشعب الفكرة فيهن أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف فيقع الفرق بينهن وبين الإماء فتعرف الحرائر بسترهن فيكف عن معارضتهن من كان غذبا أو شابا وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها أمة فتصيح به فيذهب فشكوا ذلك إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ونزلت الآية بسبب ذلك قال معناه الحسن وغيره الثالثة قوله تعالى : ) من جلابيبهن ( الجلابيب جمع جلباب وهو ثوب أكبر من الخمار وروي عن بن عباس وبن مسعود أنه الرداء وقد قيل : إنه القناع والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن وفي صحيح مسلم عن أم عطية قلت : يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال : ) لتلبسها أختها من جلبابها ) الرابعة واختلف الناس في صورة إرخائه فقال بن عباس وعبيدة السلماني : ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها وقال بن عباس أيضا وقتادة : ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه وقال الحسن : تغطي نصف وجهها الخامسة أمر الله سبحانه جميع النساء بالستر وأن ذلك لا يكون إلا بما لا يصف جلدها إلا إذا كانت مع زوجها فلها أن تلبس ما شاءت لأن له أن يستمتع بها كيف شاء "صفحة رقم 244" ثبت أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) استيقظ ليلة فقال : ) سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا فتح من الخزائن من يوقظ صواحب الحجر رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة ) وروي أن دحية الكلبي لما رجع من عند هرقل فأعطاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قبطية فقال : ) اجعل صديعا لك قميصا وأعط صاحبتك صديعا تختمر به ) والصديع النصف ثم قال له : ) مرها تجعل تحتها شيئا لئلا يصف ) وذكر أبو هريرة رقة الثياب للنساء فقال : الكاسيات العاريات الناعمات الشقيات ودخل نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها عليهن ثياب رقاق فقالت عائشة : إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات وإن كنتن غير مؤمنات فتمتعينه وأدخلت امرأة عروس على عائشة رضي الله عنها وعليها خمار قبطي معصفر فلما رأتها قالت : لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا وثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ) نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ) وقال عمر رضي الله عنه : ما يمنع المرأة المسلمة إذا كانت لها حاجة أن تخرج في أطمارها أو أطمار جارتها مستخفية لا يعلم بها أحد حتى ترجع إلى بيتها السادسة قوله تعالى : ) ذلك أدنى أن يعرفن ( أي الحرائر حتى لا يختلطن بالإماء فإذا عرفن لم يقابلن بأدنى من المعارضة مراقبة لرتبة الحرية فتنقطع الأطماع عنهن وليس المعنى أن تعرف المرأة حتى تعلم من هي وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة قد تقنعت ضربها بالدرة محافظة على زي الحرائر وقد قيل : إنه يجب الستر والتقنع الآن في حق الجميع من الحرائر والإماء وهذا كما أن أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منعوا النساء المساجد بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مع قوله : ) لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) حتى قالت عائشة رضي الله عنها : لو عاش رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى وقتنا هذا لمنعهن من الخروج إلى المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل ) وكان الله غفورا رحيما ( تأنيس للنساء في ترك الجلابيب قبل الأمر المشروع "صفحة رقم 245" الأحزاب : ) 60 ( لئن لم ينته . . . . . ) الاحزاب 60 : 62 ( فيه خمس مسائل : الأولى قوله تعالى : ) لئن لم ينته المنافقون ( الآية أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشيء واحد كما روى سفيان بن سعيد عن منصور عن أبي رزين قال : المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة قال : هم شيء واحد يعني أنهم قد جمعوا هذه الأشياء والواو مقحمة كما قال : إلى الملك القرم وبن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم أراد إلى الملك القرم بن الهمام ليث الكتيبة وقد مضى في البقرة وقيل : كان منهم قوم يرجفون وقوم يتبعون النساء للريبة وقوم يشككون المسلمين قال عكرمة وشهر بن حوشب : الذين في قلوبهم مرض يعني الذين في قلوبهم الزنى وقال طاوس : نزلت هذه الآية في أمر النساء وقال سلمة بن كهيل : نزلت في أصحاب الفواحش والمعنى متقارب وقيل : المنافقون والذين في قلوبهم مرض شيء واحد عبر عنهم بلفظين دليله آية المنافقين في أول سورة البقرة والمرجفون في المدينة قوم كانوا يخبرون المؤمنين بما يسوءهم من عدوهم فيقولون إذا خرجت سرايا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : إنهم قد قتلوا أو هزموا وإن العدو قد أتاكم قاله قتادة وغيره وقيل كانوا يقولون : أصحاب الصفة قوم عزاب فهم الذين يتعرضون للنساء وقيل : هم قوم من المسلمين ينطقون بالأخبار الكاذبة حبا للفتنة وقد كان في أصحاب الإفك قوم مسلمون ولكنهم خاضوا حبا "صفحة رقم 246" للفتنة وقال بن عباس : الإرجاف التماس الفتنة والإرجاف : إشاعة الكذب والباطل للاغتمام به وقيل : تحريك القلوب يقال : رجفت الأرض أي تحركت وتزلزلت ترجف رجفا والرجفان : الاضطراب الشديد والرجاف : البحر سمي به لاضطرابه قال الشاعر : المطعمون اللحم كل عشية حتى تغيب الشمس في الرجاف والإرجاف : واحد أراجيف الأخبار وقد أرجفوا في الشيء أي خاضوا فيه قال الشاعر : فإنا وإن عيرتمونا بقتله وأرجف بالإسلام باغ وحاسد وقال آخر : أبالأراجيف يابن اللؤم توعدني وفي الأراجيف خلت اللؤم والخور فالإرجاف حرام لأن فيه إذاية فدلت الآية على تحريم الإيذاء بالإرجاف الثانية قوله تعالى : ) لنغرينك بهم ( أي لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل وقال بن عباس : لم ينتهوا عن إيذاء النساء وأن الله عز وجل قد أغراه بهم ثم إنه قال عز وجل : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره وإنه أمره بلعنهم وهذا هو الإغراء وقال محمد بن يزيد : قد أغراه بهم في الآية التي تلي هذه مع اتصال الكلام بها وهو قوله عز وجل : أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا فهذا فيه معنى الأمر ![]()
__________________
|
#580
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 246 الى صــ 255 الحلقة (580) "صفحة رقم 247" بقتلهم وأخذهم أي هذا حكمهم إذا كانوا مقيمين على النفاق والإرجاف وفي الحديث عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : خمس يقتلن في الحل والحرم فهذا فيه معنى الأمر كالآية سواء النحاس : وهذا من أحسن ما قيل في الآية وقيل : إنهم قد انتهوا عن الإرجاف فلم يغربهم ولام لنغرينك لام القسم واليمين واقعة عليها وأدخلت اللام في إن توطئة لها الثالثة قوله تعالى : ) ثم لايجاورونك فيها ( أي في المدينة ) إلا قليلا ( نصب على الحال من الضمير في يجاورونك فكان الأمر كما قال تبارك وتعالى لأنهم لم يكونوا إلا أقلاء فهذا أحد جوابي الفراء وهو الأولى عنده أي لا يجاورونك إلا في حال قلتهم والجواب الآخر أن يكون المعنى إلا وقتا قليلا أي لا يبقون معك إلا مدة يسيرة أي لا يجاورونك فيها إلا جوارا قليلا حتى يهلكوا فيكون نعتا لمصدر أو ظرف محذوف ودل على أن من كان معك ساكنا بالمدينة فهو جار وقد مضى في النساء الرابعة قوله تعالى : ) ملعونين ( هذا تمام الكلام عند محمد بن يزيد وهو منصوب على الحال وقال بن الأنباري : قليلا ملعونين وقف حسن النحاس : ويجوز أن يكون التمام إلا قليلا وتنصب ملعونين على الشتم كما قرأ عيسى بن عمر : وامرأته حمالة الحطب وقد حكى عن بعض النحويين أنه قال : يكون المعنى أينما ثقفوا أخذوا ملعونين وهذا خطأ لا يعمل ما كان مع المجازاة فيما قبله وقيل : معنى الآية إن أصروا على النفاق لم يكن لهم مقام بالمدينة إلا وهم مطرودون ملعونون وقد فعل بهم هذا فإنه لما نزلت سورة براءة جمعوا فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) يا فلان قم فاخرج فإنك منافق ويا فلان قم ) فقام إخوانهم من المسلمين وتولوا إخراجهم من المسجد الخامسة قوله تعالى : ) سنة الله ( نصب على المصدر أي سن الله جل وعز فيمن أرجف بالأنبياء وأظهر نفاقه أن يؤخذ ويقتل ) ولن تجد لسنة الله تبديلا ( أي تحويلا وتغييرا حكاه النقاش وقال السدي : يعني أن من قتل بحق فلا دية على قاتله "صفحة رقم 248" المهدوي : وفي الآية دليل على جواز ترك إنفاذ الوعيد والدليل على ذلك بقاء المنافقين معه حتى مات والمعروف من أهل الفضل إتمام وعدهم وتأخير وعيدهم وقد مضى هذا في آل عمران وغيرها الأحزاب : ) 63 ( يسألك الناس عن . . . . . ) الاحزاب 63 ( قوله تعالى : ) يسألك الناس عن الساعة ( هؤلاء المؤذون لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما توعدوا بالعذاب سألوا عن الساعة استبعادا وتكذيبا موهمين أنها لاتكون ) قل إنما علمها عند الله ( أي أجبهم عن سؤالهم وقل علمها عند الله وليس في إخفاء الله وقتها عني ما يبطل نبوتي وليس من شرط النبي أن يعلم الغيب بغير تعليم من الله جل وعز ) وما يدريك ( أي ما يعلمك ) لعل الساعة تكون قريبا ( أي في زمان قريب وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : ) بعثت أنا والساعة كهاتين ) وأشار إلى السبابة والوسطى خرجه أهل الصحيح وقيل : أي ليست الساعة تكون قريبا فحذف هاء التأنيث ذهابا بالساعة إلى اليوم كقوله : إن رحمة الله قريب من المحسنين ولم يقل قريبة ذهابا بالرحمة إلى العفو إذ ليس تأنيثها أصليا وقد مضى هذا مستوفي وقيل : إنما أخفي وقت الساعة ليكون العبد مستعدا لها في كل وقت الأحزاب : ) 64 ( إن الله لعن . . . . . ) الاحزاب 64 : 65 ( قوله تعالى : ) إن الله لعن الكافرين ( أي طردهم وأبعدهم واللعن : الطرد والإبعاد عن الرحمة وقد مضى في البقرة بيانه ) وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا ( فأنث السعير لأنها بمعنى النار ) لا يجدون وليا ولا نصيرا ( ينجيهم من عذاب الله والخلود فيه "صفحة رقم 249" الأحزاب : ) 66 ( يوم تقلب وجوههم . . . . . ) الاحزاب 66 : 67 ( قوله تعالى : ) يوم تقلب وجوههم في النار ( قراءة العامة بضم التاء وفتح اللام على الفعل المجهول وقرأ عيسى الهمداني وبن إسحاق : نقلب بنون وكسر اللام وجوههم نصبا وقرأ عيسى أيضا : تقلب بضم التاء وكسر اللام على معنى تقلب السعير وجوههم وهذا التقليب تغيير ألوانهم بلفح النار فتسود مرة وتخضر أخرى وإذا بدلت جلودهم بجلود أخر فحينئذ يتمنون أنهم ما كفروا ) يقولون يا ليتنا ( ويجوز أن يكون المعنى : يقولون يوم تقلب وجوههم في النار يا ليتنا ) أطعنا الله وأطعنا الرسولا ( أي لم نكفر فننجو من هذا العذاب كما نجا المؤمنون وهذه الألف تقع في الفواصل فيوقف عليها ولا يوصل بها وكذا السبيلا وقد مضى في أول السورة وقرأ الحسن : إنا أطعنا ساداتنا بكسر التاء جمع سادة وكان في هذا زجر عن التقليد والسادة جمع السيد وهو فعلة مثل كتبة وفجرة وساداتنا جمع الجمع والسادة والكبراء بمعنى وقال قتادة : هم المطعمون في غزوة بدر والأظهر العموم في القادة والرؤساء في الشرك والضلالة أي أطعناهم في معصيتك وما دعونا إليه ) فأضلونا السبيلا ( أي عن السبيل وهو التوحيد فلما حذف الجار وصل الفعل فنصب والإضلال لا يتعدى إلى مفعولين من غير توسط حرف الجر كقوله : لقد أضلني عن الذكر الأحزاب : ) 68 ( ربنا آتهم ضعفين . . . . . ) الاحزاب 68 ( "صفحة رقم 250" قوله تعالى : ) ربنا آتهم ضعفين من العذاب ( قال قتادة : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة وقيل : عذاب الكفر وعذاب الإضلال أي عذبهم مثلي ما تعذبنا فإنهم ضلوا وأضلوا ) والعنهم لعنا كبيرا ( قرأ بن مسعود وأصحابه ويحيى وعاصم بالباء الباقون بالثاء واختاره أبو حاتم وأبو عبيد والنحاس لقوله تعالى : أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وهذا المعنى كثير وقال محمد بن أبي السرى : رأيت في المنام كأني في مسجد عسقلان وكأن رجلا يناظرني فيمن يبغض أصحاب محمد فقال : والعنهم لعنا كثيرا ثم كررها حتى غاب عني لا يقولها إلا بالثاء وقراءة الباء ترجع في المعنى إلى الثاء لأن ما كبر كان كثيرا عظيم المقدار الأحزاب : ) 69 ( يا أيها الذين . . . . . ) الاحزاب 69 ( لما ذكر الله تعالى المنافقين والكفار الذين آذوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين حذر المؤمنين من التعرض للإيذاء ونهاهم عن التشبه ببني إسرائيل في أذيتهم نبيهم موسى واختلف الناس فيما أوذي به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وموسى فحكى النقاش أن اذيتهم محمدا عليه السلام قولهم : زيد بن محمد وقال أبو وائل : أذيته أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قسم قسما فقال رجل من الأنصار : إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله فذكر ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فغضب وقال : ) رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ) وأما أذية موسى ( صلى الله عليه وسلم ) فقال بن عباس وجماعة : هي ما تضمنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك أنه قال : ) كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة وكان موسى عليه السلام يتستر كثيرا ويخفي بدنه فقال قوم هو آدر وأبرص أو به آفة فانطلق ذات يوم يغتسل في عين بأرض الشام وجعل ثيابه على صخرة ففر الحجر بثيابه واتبعه موسى عريانا يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فنظروا إليه وهو من "صفحة رقم 251" أحسنهم خلقا وأعد لهم صورة وليس به الذي قالوا فهو قوله تبارك وتعالى : فبرأه الله مما قالوا ) أخرجه البخاري ومسلم بمعناه ولفظ مسلم : قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوءة بعض وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر قال فذهب يوما يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال فجمح موسى عليه السلام بإثره يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوءة موسى وقالوا والله ما بموسى من بأس فقام الحجر حتى نظر إليه قال فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا ) قال أبو هريرة : والله إنه بالحجر ندب ستة أو سبعة ضرب موسى بالحجر فهذا قول وروي عن بن عباس عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال : آذوا موسى بأن قالوا : قتل هارون وذلك أن موسى وهارون خرجا من فحص التيه إلى جبل فمات هارون فيه فجاء موسى فقالت بنو إسرائيل لموسى : أنت قتلته وكان ألين لنا منك وأشد حبا فآذوه بذلك فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى طافوا به في بني إسرائيل ورأوا آية عظيمة دلتهم على صدق موسى ولم يكن فيه أثر القتل وقد قيل : إن الملائكة تكلمت بموته ولم يعرف موضع قبره إلا الرخم وأنه تعالى جعله أصم أبكم ومات هارون قبل موسى في التيه ومات موسى قبل إنقضاء مدة التيه بشهرين وحكى القشيري عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : أن الله تعالى أحيا هارون فأخبرهم أنه لم يقتله ثم مات وقد قيل : إن أذية موسى عليه السلام رميهم إياه بالسحر والجنون والصحيح الأول ويحتمل أن فعلوا كل ذلك فبرأه الله من جميع ذلك مسألة في وضع موسى عليه السلام ثوبه على الحجر ودخوله في الماء عريانا دليل على جواز ذلك وهو مذهب الجمهور ومنعه بن أبي ليلى واحتج بحديث لم يصح وهو "صفحة رقم 252" قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لا تدخلوا الماء إلا بمئزر فإن للماء عامرا ) قال القاضي عياض : وهو ضعيف عند أهل العلم قلت : أما أنه يستحب التستر لما رواه إسرائيل عن عبد الأعلى أن الحسن بن علي دخل غديرا وعليه برد له متوشحا به فلما خرج قيل له قال : إنما تسترت ممن يراني ولا أراه يعني من ربي والملائكة فإن قيل : كيف نادى موسى عليه السلام الحجر نداء من يعقل قيل : لأنه صدر عن الحجر فعل من يعقل وحجر منادى مفرد محذوف حرف النداء كما قال تعالى : يوسف أعرض عن هذا وثوبي منصوب بفعل مضمر التقدير : أعطني ثوبي أو اترك ثوبي فحذف الفعل لدلالة الحال عليه قوله تعالى : ) وكان عند الله وجيها ( أي عظيما والوجيه عند العرب : العظيم القدر الرفيع المنزلة ويروى أنه كان إذا سأل الله شيئا أعطاه إياه وقرأ بن مسعود : وكان عبدا لله وقيل : معنى وجيها أي كلمه تكليما قال أبو بكر الأنباري في ) كتاب الرد ( : زعم من طعن في القرآن أن المسلمين صحفوا وكان عند الله وجيها وأن الصواب عنده وكان عبدا لله وجيها وذلك يدل على ضعف مقصده ونقصان فهمه وقلة علمه وذلك أن الآية لو حملت على قوله وقرئت : وكان عبدا نقص الثناء على موسى عليه السلام وذلك أن وجيها يكون عند أهل الدنيا وعند أهل زمانه وعند أهل الآخرة فلا يوقف على مكان المدح لأنه إن كان وجيها عند بني الدنيا كان ذلك إنعاما من الله عليه لا يبين عليه معه ثناء من الله فلما أوضح الله تعالى موضع المدح بقوله : وكان عند الله وجيها استحق الشرف وأعظم الرفعة بأن الوجاهة عند الله فمن غير اللفظة صرف عن نبي الله أفخر الثناء وأعظم المدح الأحزاب : ) 70 ( يا أيها الذين . . . . . ) الاحزاب 70 : 71 ( "صفحة رقم 253" قوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ( أي قصدا وحقا وقال بن عباس : أي صوابا وقال قتادة ومقاتل : يعني قولوا قولا سديدا في شأن زينب وزيد ولا تنسبوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى ما لا يحل وقال عكرمة وبن عباس أيضا : القول السداد لا إله إلا الله وقيل : هو الذي يوافق ظاهره باطنه وقيل : هو ما أريد به وجه الله دون غيره وقيل : هو الإصلاح بين المتشاجرين وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض والقول السداد يعم الخيرات فهو عام في جميع ما ذكر وغير ذلك وظاهر الآية يعطي أنه إنما أشار إلى ما يكون خلافا للأذى الذي قيل في جهة الرسول وجهة المؤمنين ثم وعد جل وعز بأنه يجازي على القول السداد بإصلاح الأعمال وغفران الذنوب وحسبك بذلك درجة ورفعة منزلة ) ومن يطع الله ورسوله ( أي فيما أمر به ونهى عنه ) فقد فاز فوزا عظيما ( الأحزاب : ) 72 ( إنا عرضنا الأمانة . . . . . ) الاحزاب 72 : 73 ( لما بين تعالى في هذه السورة من الأحكام ما بين أمر بالتزام أوامره والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال وهو قول الجمهور روى الترمذي الحكيم أبو عبد الله : حدثنا إسماعيل بن نصر عن صالح بن عبد الله عن محمد بن يزيد بن جوهر عن الضحاك عن بن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) قال الله تعالى لآدم يا آدم إني عرضت الأمانة على السماوات والأرض فلم تطقها فهل أنت حاملها بما فيها فقال "صفحة رقم 254" وما فيها يا رب قال إن حملتها أجرت وإن ضيعتها عذبت فاحتملها بما فيها فلم يلبث في الجنة إلا قدر ما بين صلاة الأولى إلى العصر حتى أخرجه الشيطان منها ) فالأمانة هي الفرائض التي اؤتمن الله عليها العباد وقد اختلف في تفاصيل بعضها على أقوال فقال بن مسعود : هي في أمانات الأموال كالودائع وغيرها وروي عنه أنها في كل الفرائض وأشدها أمانة المال وقال أبي بن كعب : من الأمانة أن إئتمنت المرأة على فرجها وقال أبو الدرداء : غسل الجنابة أمانة وأن الله تعالى لم يأمن بن آدم على شيء من دينه غيرها وفي حديث مرفوع ) الأمانة الصلاة ) إن شئت قلت قد صليت وإن شئت قلت لم أصل وكذلك الصيام وغسل الجنابة وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : أول ما خلق الله تعالى من الإنسان فرجه وقال هذه أمانة استودعتكها فلا تلبسها إلا بحق فإن حفظتها حفظتك فالفرج أمانة والأذن أمانة والعين أمانة واللسان أمانة والبطن أمانة واليد أمانة والرجل أمانة ولا إيمان لمن لا أمانة له وقال السدي : هي ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده وأهله وخيانته إياه في قتل أخيه وذلك أن الله تعالى قال له : ) يا آدم هل تعلم أن لي بيتا في الأرض ) قال : ) اللهم لا ) قال : ) فإن لي بيتا بمكة فأته فقال للسماء : احفظي ولدي بالأمانة فأبت وقال للأرض : احفظي ولدي بالأمانة فأبت وقال للجبال كذلك فأبت فقال لقابيل : احفظ ولدي بالأمانة فقال نعم تذهب وترجع فتجد ولدك كما يسرك فرجع فوجده قد قتل أخاه فذلك قوله تبارك وتعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها الآية وروى معمر عن الحسن أن الأمانة عرضت على السماوات والأرض والجبال قالت : وما فيها قيل لها : إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت فقالت لا قال مجاهد : فلما خلق الله تعالى آدم عرضها عليه قال : وما هي قال : إن أحسنت أجرتك وإن "صفحة رقم 255" أسأت عذبتك قال : فقد تحملتها يارب قال مجاهد : فما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر وروى علي بن طلحة عن بن عباس في قوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال قال : الأمانة الفرائض عرضها الله عز وجل على السماوات والأرض والجبال إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية ولكن تعظيما لدين الله عز وجل ألا يقوموا به ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها قال النحاس : وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير وقيل : لما حضرت آدم ( صلى الله عليه وسلم ) الوفاة أمر أن يعرض الأمانة على الخلق فعرضها فلم يقبلها إلا بنوه وقيل : هذه الأمانة هي ما أودعه الله تعالى في السماوات والأرض والجبال والخلق من الدلائل على ربوبيته أن يظهروها فأظهروها إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها قاله بعض المتكلمين ومعنى عرضنا أظهرنا كما تقول : عرضت الجارية على البيع والمعنى إنا عرضنا الأمانة وتضييعها على أهل السماوات وأهل الأرض من الملائكة والإنس والجن ) فأبين أن يحملنها ( أي أن يحملن وزرها كما قال جل وعز : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ) وحملها الإنسان ( قال الحسن : المراد الكافر والمنافق ) إنه كان ظلوما ( لنفسه ) جهولا ( بربه فيكون على هذا الجواب مجازا مثل : واسأل القرية وفيه جواب آخر على أن يكون حقيقة أنه عرض على السماوات والأرض والجبال الأمانة وتضييعها وهي الثواب والعقاب أي أظهر لهن ذلك فلم يحملن وزرها وأشفقت وقالت : لا أبتغي ثوابا ولا عقابا وكل يقول : هذا أمر لا نطيقه ونحن لك سامعون ومطيعون فيما أمرن به وسخرن له قاله الحسن وغيره قال العلماء : معلوم أن الجماد لا يفهم ولا يجيب فلا بد من تقدير الحياة على القول الأخير وهذا العرض عرض تخيير لا إلزام والعرض على الإنسان إلزام وقال القفال وغيره : العرض في هذه الآية ضرب مثل أي أن السماوات والأرض على كبر أجرامها لو كانت بحيث يجوز تكليفها لثقل عليها "صفحة رقم 256" تقلد الشرائع لما فيها من الثواب والعقاب أي أن التكليف أمر حقه أن تعجز عنه السماوات والأرض والجبال وقد كلفه الإنسان وهو ظلوم جهول لو عقل وهذا كقوله : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ثم قال : وتلك الأمثال نضربها للناس قال القفال : فإذا تقرر في أنه تعالى يضرب الأمثال وورد علينا من الخبر ما لا يخرج إلا على ضرب المثل وجب حمله عليه وقال قوم : إن الآية من المجاز أي إنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السماوات والأرض والجبال رأينا أنها لا تطيقها وأنها لو تكلمت لآبت وأشفقت فعبر عن هذا المعنى بقوله إنا عرضنا الأمانة الآية وهذا كما تقول : عرضت الحمل على البعير فأباه وأنت تريد قايست قوته بثقل الحمل فرأيت أنها تقصر عنه وقيل : عرضنا بمعنى عارضنا الأمانة بالسموات والأرض والجبال فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة ورجحت الأمانة بثقلها عليها : وقيل : إن عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال إنما كان من آدم عليه السلام وذلك أن الله تعالى لما استخلفه على ذريته وسلطه على جميع ما في الأرض من الأنعام والطير والوحش وعهد إليه عهدا أمره فيه ونهاه وحرم وأحل فقبله ولم يزل عاملا به فلما أن حضرته الوفاة سأل الله أن يعلمه من يستخلف بعده ويقلده من الأمانة ما تقلده فأمره أن يعرض ذلك على السماوات بالشرط الذي أخذ عليه من الثواب إن أطاع ومن العقاب إن عصى فأبين أن يقبلنه شفقا من عذاب الله ثم أمره أن يعرض ذلك على الأرض والجبال كلها فأبياه ثم أمره أن يعرض ذلك على ولده فعرضه عليه فقبله بالشرط ولم يهب منه ما تهيبت السماوات والأرض والجبال إنه كان ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة ما تقلد لربه قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي : عجبت من هذا القائل من أين أتى بهذه القصة فإن نظرنا إلى الآثار وجدناها بخلاف ما قال وإن نظرنا إلى ظاهره وجدناه بخلاف ما قال وإن نظرنا إلى باطنه وجدناه بعيدا مما قال وذلك أنه ردد ذكر الأمانة ولم يذكر ما الأمانة إلا أنه يومئ في مقالته إلى أنه سلطه على ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 0 والزوار 7) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |