|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#561
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ لقمــان من صــ 56 الى صــ 65 الحلقة (561) {وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً} قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم بالرفع عطفا على {مَنْ يَشْتَرِي} ويجوز أن يكون مستأنفا. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي : {وَيَتَّخِذَهَا} بالنصب عطفا على {لِيُضِلَّ} . ومن الوجهين جميعا لا يحسن الوقف على قوله : {بِغَيْرِ عِلْمٍ} والوقف على قوله : {هُزُواً} ، والهاء في {وَيَتَّخِذَهَا} كناية عن الآيات. ويجوز أن يكون كناية عن السبيل ؛ لأن السبيل يؤنث ويذكر. {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} أي شديد يهينهم قال الشاعر : ولقد جزعت إلى النصارى بعدما ... لقي الصليب من العذاب مهينا الآية : [7] {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} قوله تعالى : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا} يعني القرآن. {وَلَّى} أي أعرض. {مُسْتَكْبِراً} نصب على الحال. {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} ثقلا وصمما. وقد تقدم. {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} تقدم.أيضا الآية : [8] {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} الآية : [9] {خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} لما ذكر عذاب الكفار ذكر نعيم المؤمنين . {خَالِدِينَ فِيهَا} أي دائمين. {وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً} أي وعدهم الله هذا وعدا حقا لا خلف فيه. {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تقدم. الآية : [10] {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} الآية : [11] {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} قوله تعالى : {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} تكون {تَرَوْنَهَا} في موضع خفض على النعت لـ {عَمَدٍ} فيمكن أن يكون ثم عمد ولكن لا ترى. ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال من {السَّمَاوَاتِ} ولا عمد ثم البتة. النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول : الأولى أن يكون مستأنفا ، ولا عمد ثم ؛ قاله مكي. ويكون {غَيْرِ عَمَدٍ} التمام. وقد مضى في {الرعد} الكلام في هذه الآية. {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} أي جبالا ثوابت. {أَنْ تَمِيدَ} في موضع نصب ؛ أي كراهية أن تميد. والكوفيون يقدرونه بمعنى لئلا تميد. {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} عن ابن عباس : من كل لون حسن. وتأوله الشعبي على الناس ؛ لأنهم مخلوقون من الأرض ؛ قال : من كان منهم يصير إلى الجنة فهو الكريم ، ومن كان منهم يصير إلى النار فهو اللئيم. وقد تأول غيره أن النطفة مخلوقة من تراب ، وظاهر القرآن يدل على ذلك. قوله تعالى : {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} مبتدأ وخبر. والخلق بمعنى المخلوق ؛ أي هذا الذي ذكرته مما تعاينون {خَلْقُ اللَّهِ} أي مخلوق الله ، أي خلقها من غير شريك. {فَأَرُونِي} معاشر المشركين {مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} يعني الأصنام. {بَلِ الظَّالِمُونَ} أي المشركون {فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي خسران ظاهر. {وما} استفهام في موضع رفع بالابتداء وخبره {ذا} وذا بمعنى الذي. و {خلق} واقع على هاء محذوفة ؛ تقديره فأروني أي شيء خلق الذين من دونه ؛ والجملة في موضع نصب بـ {أروني} وتضمر الهاء مع {خلق} تعود على الذين ؛ أي فأروني الأشياء التي خلقها الذين من دونه. وعلى هذا القول تقول : ماذا تعلمت ، أنحو أم شعر. ويجوز أن تكون {ما} في موضع نصب بـ {أروني} و {ذا} زائد ؛ وعلى هذا القول يقول : ماذا تعلمت ، أنحوا أم شعرا. الآية : [12] {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} قوله تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} مفعولان. ولم ينصرف {لُقْمَانَ} لأن في آخره ألفا ونونا زائدتين ؛ فأشبه فعلان الذي أنثاه فعلى فلم ينصرف في المعرفة لأن ذلك ثقل ثان ، وانصرف في النكرة لأن أحد الثقلين قد زال ؛ قاله النحاس. وهو لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارح ، وهو آزر أبو إبراهيم ؛ كذا نسبه محمد بن إسحاق. وقيل : هو لقمان بن عنقاء بن سرون وكان نوبيا من أهل أيلة ؛ ذكره السهيلي. قال وهب : كان ابن أخت أيوب. وقال مقاتل : ذكر أنه كان ابن خالة أيوب. الزمخشري : وهو لقمان بن باعوراء ابن أخت أيوب أو ابن خالته ، وقيل كان من أولاد آزر ، عاش ألف سنة وأدركه داود عليه الصلاة والسلام وأخذ عنه العلم ، وكان يفتي قبل مبعث داود ، فلما بعث قطع الفتوى فقيل له ، فقال : ألا أكتفي إذ كفيت. وقال الواقدي : كان قاضيا في بني إسرائيل. وقال سعيد ابن المسيب : كان لقمان أسود من سودان مصر ذا مشافر ، أعطاه الله تعالى الحكمة ومنعه النبوة ؛ وعلى هذا جمهور أهل التأويل إنه كان وليا ولم يكن نبيا. وقال بنبوته عكرمة والشعبي ؛ وعلى هذا تكون الحكمة النبوة. والصواب أنه كان رجلا حكيما بحكمة الله تعالى - وهي الصواب في المعتقدات والفقه في الدين والعقل - قاضيا في بني إسرائيل ، أسود مشقق الرجلين ذا مشافر ، أي عظيم الشفتين ؛ قاله ابن عباس وغيره. وروي من حديث ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لم يكن لقمان نبيا ولكن كان عبدا كثير التفكر" حسن اليقين ، أحب الله تعالى فأحبه ، فمّن عليه بالحكمة ، وخيره في أن يجعله خليفة يحكم بالحق ؛ فقال : رب ، إن خيرتني قبلت العافية وتركت البلاء ، وإن عزمت علّي فسمعا وطاعة فإنك ستعصمني ؛ ذكره ابن عطية. وزاد الثعلبي : فقالت له الملائكة بصوت لا يراهم : لم يا لقمان ؟ قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها ، يغشاه المظلوم من كل مكان ، إن يعن فبالحرى أن ينجو ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة. ومن يكن في الدنيا ذليلا فذلك خير من أن يكون فيها شريفا. ومن يختر الدنيا على الآخرة نفته الدنيا ولا يصيب الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه ؛ فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه يتكلم بها. ثم نودي داود بعده فقبلها - يعني الخلافة - ولم يشترط ما اشترطه لقمان ، فهوى في الخطيئة غير مرة ، كل ذلك يعفو الله عنه. وكان لقمان يوازره بحكمته ؛ فقال له داود : طوبى لك يا لقمان! أعطيت الحكمة وصرف عنك البلاء ، وأعطى داود الخلافة وابتلي بالبلاء والفتنة. وقال قتادة : خير الله تعالى لقمان بين النبوة والحكمة ؛ فاختار الحكمة على النبوة ؛ فأتاه جبريل عليه السلام وهو نائم فذر عليه الحكمة فأصبح وهو ينطق بها ؛ فقيل كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خيرك ربك ؟ فقال : إنه لو أرسل إلي بالنبوة عزمة لرجوت فيها العون منه ، ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة ، فكانت الحكمة أحب إلي. واختلف في صنعته ؛ فقيل : كان خياطا ؛ قاله سعيد بن المسيب ، وقال لرجل أسود : لا تحزن من أنك أسود ، فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان : بلال ومهجع مولى عمر ولقمان. وقيل : كان يحتطب كل يوم لمولاه حزمة حطب. وقال لرجل ينظر إليه : إن كنت تراني غليظ الشفتين فإنه يخرج من بينهما كلام رقيق ، وإن كنت تراني أسود فقلبي أبيض. وقيل : كان راعيا ، فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال له : ألست عبد بني فلان ؟ قال بلى. قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : قدر الله ، وأدائي الأمانة ، وصدق الحديث ، وترك ما لا يعنيني ؛ قاله عبد الرحمن بن زيد بن جابر. وقال خالد الربعي : كان نجارا ؛ فقال له سيده : اذبح لي شاة وأتني بأطيبها مضغتين ؛ فأتاه باللسان والقلب ؛ فقال له : ما كان فيها شيء أطيب من هذين ؟ فسكت ، ثم أمره بذبح شاة أخرى ثم قال له : ألق أخبثها مضغتين ؛ فألقى اللسان والقلب ؛ فقال له : أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب ، وأمرتك أن تلقي أخبثها فألقيت اللسان والقلب ؟ ! فقال له : إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ، ولا أخبث منهما إذا خبثا. قلت : هذا معناه مرفوع في غير ما حديث ؛ من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" . وجاء في اللسان آثار كثيرة صحيحة وشهيرة ؛ منها قوله عليه السلام : "من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة : ما بين لحييه ورجليه..." الحديث. وحكم لقمان كثيرة مأثورة هذا منها. وقيل له : أي الناس شر ؟ قال : الذي لا يبالي أن رآه الناس مسيئا. قلت : وهذا أيضا مرفوع معنى ، قال صلى الله عليه وسلم : "كل أمتي معافى إلا المجاهرون وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه" . رواه أبو هريرة خرجه البخاري. وقال وهب بن منبه : قرأت من حكمة لقمان أرجح من عشرة آلاف باب. وروي أنه دخل على داود عليه السلام وهو يسرد الدروع ، وقد لين الله له الحديد كالطين فأراد أن يسأل ، فأدركته الحكمة فسكت ؛ فلما أتمها لبسها وقال : نعم لبوس الحرب أنت. فقال : الصمت حكمة ، وقليل فاعله. فقال له داود : بحق ما سميت حكيما. قوله تعالى : {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} فيه تقديران : أحدهما أن تكون {أن} بمعنى أي مفسرة ؛ أي قلنا له اشكر. والقول الآخر أنها في موضع نصب والفعل داخل في صلتها ؛ كما حكى سيبويه : كتبت إليه أن قم ؛ إلا أن هذا الوجه عنده بعيد. وقال الزجاج : المعنى ولقد آتينا لقمان الحكمة لأن يشكر الله تعالى. وقيل : أي بأن اشكر لله تعالى فشكر ؛ فكان حكيما بشكره لنا. والشكر لله : طاعته فيما أمر به. وقد مضى القول في حقيقته لغة ومعنى في {البقرة} وغيرها. {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي من يطع الله تعالى فإنما يعمل لنفسه ؛ لأن نفع الثواب عائد إليه. {وَمَنْ كَفَرَ} أي كفر النعم فلم يوحد الله {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ} عن عبادة خلقه {حَمِيدٌ} عند الخلق ؛ أي محمود. وقال يحيى بن سلام : {غَنِيٌّ} عن خلقه {حَمِيدٌ} في فعله. الآية : [13] {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} قال السهيلي : اسم ابنه ثاران ؛ في قول الطبري والقتبي. وقال الكلبي : مشكم. وقيل أنعم ؛ حكاه النقاش. وذكر القشيري أن ابنه وامرأته كانا كافرين فما زال يعظهما حتى أسلما. قلت : ودل على هذا قوله : {لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وفي صحيح مسلم وغيره عن عبد الله قال : لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لا يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه : يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" . واختلف في قوله : {إن الشرك لظلم عظيم "فقيل : إنه من كلام لقمان. وقيل : هو خبر من الله تعالى منقطعا من كلام لقمان متصلا به في تأكيد المعنى ؛ ويؤيد هذا الحديث المأثور أنه لما نزلت : الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} أشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لم يظلم ؛ فأنزل الله تعالى : {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} فسكن إشفاقهم ، وإنما يسكن إشفاقهم بأن يكون خبرا من الله تعالى ؛ وقد يسكن الإشفاق بأن يذكر الله ذلك عن عبد قد وصفه بالحكمة والسداد. و {إذ} في موضع نصب بمعنى اذكر. وقال الزجاج" في كتابه في القرآن : إن {إذ} في موضع نصب بـ {آتينا} والمعنى : ولقد آتينا لقمان الحكمة إذ قال. النحاس : وأحسبه غلطا ؛ لأن في الكلام واوا تمنع من ذلك. وقال : {يا بُنيِّ} بكسر الياء ؛ لأنها دالة على الياء المحذوفة ، ومن فتحها فلخفة الفتحة عنده ؛ وقد مضى في {هود} القول في هذا. وقوله : {يا بني} ليس هو على حقيقة التصغير وإن كان على لفظه ، وإنما هو على وجه الترقيق ؛ كما يقال للرجل : يا أخي ، وللصبي هو كويس. الآية : [14] {وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} الآية : [15] {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فيه ثماني مسائل : الأولى قوله تعالى : {وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} هاتان الآيتان اعتراض بين أثناء وصية لقمان. وقيل : إن هذا مما أوصى به لقمان ابنه ؛ أخبر الله به عنه ؛ أي قال لقمان لابنه : لا تشرك بالله ولا تطع في الشرك والديك ، فإن الله وصى بهما في طاعتهما مما لا يكون شركا ومعصية لله تعالى. وقيل : أي وإذ قال لقمان لابنه ؛ فقلنا للقمان فيما آتيناه من الحكمة ووصينا الإنسان بوالديه ؛ أي قلنا له اشكر لله ، وقلنا له ووصينا الإنسان. وقيل : وإذ قال لقمان لابنه ، لا تشرك ، ونحن وصينا الإنسان بوالديه حسنا ، وأمرنا الناس بهذا ، وأمر لقمان به ابنه ؛ ذكر هذه الأقوال القشيري. والصحيح أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص ؛ كما تقدم في {العنكبوت} وعليه جماعة المفسرين. وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة ولا في ترك فريضة على الأعيان ، وتلزم طاعتهما في المباحات ، ويستحسن في ترك الطاعات الندب ؛ ومنه أمر الجهاد الكفاية ، والإجابة للأم في الصلاة مع إمكان الإعادة ؛ على أن هذا أقوى من الندب ؛ لكن يعلل بخوف هلكة عليها ، ونحوه مما يبيح قطع الصلاة فلا يكون أقوى من الندب. وخالف الحسن في هذا التفصيل فقال : إن منعته أمه من شهود العشاء شفقة فلا يطعها. الثانية- قوله تعالي : لما خص تعالى الأم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلاث مراتب ، وللأب واحدة ؛ وأشبه ذلك قوله صلى الله عليه وسلم حين قال له رجل من أبّر ؟ قال : "أمك" قال ثم من ؟ قال : "أمك" قال ثم من ؟ قال : "أمك" قال ثم من ؟ قال : "أبوك" فجعل له الّربع من المبرة كما في هذه الآية ؛ وقد مضى هذا كله في {سبحان} . الثالثة قوله تعالى : {وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} أي حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفا على ضعف. وقيل : المرأة ضعيفة الخلقة ثم يضعفها الحمل. وقرأ عيسى الثقفّي : {وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} بفتح الهاء فيهما ؛ ورويت عن أبي عمرو ، وهما بمعنى واحد. قال قعنب بن أم صاحب : هل للعواذل من ناه فيزجرها ... إن العواذل فيها الأين والوهن يقال : وه ن يهن ، ووهن يوهن ووهن ، يهن ؛ مثل ورم يرم. وانتصب {وَهْناً} على المصدر ؛ ذكره القشيري. النحاس : على المفعول الثاني بإسقاط حرف الجر ؛ أي حملته بضعف على ضعف. وقرأ الجمهور : {وَفِصَالُهُ} وقرأ الحسن ويعقوب : {وَفِصَلُهُ} وهما لغتان ، أي وفصاله في انقضاء عامين ؛ والمقصود من الفصال الفطام ، فعبّر بغايته ونهايته. ويقال : انفصل عن كذا أي تميّز ؛ وبه سمي الفصيل. الرابعة- الناس مجمعون على العامين في مدة الرضاع في باب الأحكام والنفقات ، وأما في تحريم اللبن فحّددت فرقة بالعام لا زيادة ولا نقص. وقالت فرقة : العامان وما اتصل بهما من الشهر ونحوه إذا كان متصل الرضاع. وقالت فرقة : إن فطم الصبّي قبل العامين وترك اللبن فإن ما شرب بعد ذلك في الحولين لا يحّرم ؛ وقد مضى هذا في {البقرة} مستوفى. الخامسة- قوله تعالى : {أَنِ اشْكُرْ لِي} {أن} في موضع نصب في قول الزجاج ، وأن المعنى : ووصينا الإنسان بوالديه أن اشكر لي. النحاس : وأجود منه أن تكون {أن} مفسرة ، والمعنى : قلنا له أن اشكر لي ولوالديك. قيل : الشكر لله على نعمة الإيمان ، وللوالدين على نعمة التربية. وقال سفيان بن عيينة : من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى ، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما. قوله تعالى : {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} قد بينا أن هذه الآية والتي قبلها نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص لما أسلم ، وأن أمه وهي حمنة بنت أبي سفيان بن أمية حلفت ألا تأكل ؛ كما تقدم في الآية قبلها. السابعة- قوله تعالى : {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} نعت لمصدر محذوف ؛ أي مصاحبا معروفا ؛ يقال صاحبته مصاحبة ومصاحبا. و {مَعْرُوفاً} أي ما يحسن. والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقير ، وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق. وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبّي عليه الصلاة والسلام وقد قدمت عليه خالتها وقيل أمها من الرضاعة فقالت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت علّي وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : "نعم" . وراغبة قيل معناه : عن الإسلام. قال ابن عطية : والظاهر عندي أنها راغبة في الصلة ، وما كانت لتقدم على أسماء لولا حاجتها. ووالدة أسماء هي قتيلة بنت عبد العّزى بن عبد أسد. وأم عائشة وعبدالرحمن هي أم رومان قديمة الإسلام. الثامنة- قوله تعالى : {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} وصية لجميع العالم ؛ كأن المأمور الإنسان. و {أَنَابَ} معناه مال ورجع إلى الشيء ؛ وهذه سبيل الأنبياء والصالحين. وحكى النقاش أن المأمور سعد ، والذي أناب أبو بكر ؛ وقال : إن أبا بكر لما أسلم أتاه سعد وعبدالرحمن بن عوف وعثمان وطلحة وسعيد والزبير فقالوا : آمنت! قال نعم ؛ فنزلت فيه : {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} فلما سمعها الستة آمنوا ؛ فأنزل الله تعالى فيهم : {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى} إلى قوله {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} . قيل : الذي أناب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس : ولما أسلم سعد أسلم معه أخواه عامر وعويمر ؛ فلم يبق منهم مشرك إلا عتبة. ثم توعد عز وجل ببعث من في القبور والرجوع إليه للجزاء والتوقيف على صغير الأعمال وكبيرها. الآية : [16] {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} المعنى : وقال لقمان لابنه يا بنّي. وهذا القول من لقمان إنما قصد به إعلام ابنه بقدر قدرة الله تعالى. وهذه الغاية التي أمكنه أن يفهمه ، لأن الخردلة يقال : إن الحّس لا يدرك لها ثقلا ، إذ لا ترجح ميزانا. أي لو كان للإنسان رزق مثقال حّبة خردل في هذه المواضع جاء الله بها حتى يسوقها إلى من هي رزقه ؛ أي لا تهتم للرزق حتى تشتغل به عن أداء الفرائض ، وعن اتباع سبيل من أناب إلّي. قلت : ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن مسعود : "لا تكثر همك ما يقدر يكون وما ترزق يأتيك" . وقد نطقت هذه الآية بأن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما ، وأحصى كل شيء عددا ؛ سبحانه لا شريك له. وروي أن ابن لقمان سأل أباه ![]()
__________________
|
#562
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ لقمــان من صــ 66 الى صــ 75 الحلقة (562) عن الحبة التي تقع في سفل البحر أيعلمها الله ؟ فراجعه لقمان بهذه الآية. وقيل : المعنى أنه أراد الأعمال ، المعاصي والطاعات ؛ أي إن تك الحسنة أو الخطيئة مثقال حبة يأت بها الله ؛ أي لا تفوت الإنسان المقدر وقوعها منه. وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة ترجية وتخويف مضاف ذلك إلى تبيين قدرة الله تعالى. وفي القول الأول ليس فيه ترجية ولا تخويف. قوله تعالى : {مِثْقَالَ حَبَّةٍ} عبارة تصلح للجواهر ، أي قدر حبة ، وتصلح للأعمال ؛ أي ما يزنه على جهة المماثلة قدر حبة. ومما يؤيد قول من قال هي من الجواهر : قراءة عبدالكريم الجزري {فَتَكُنْ} بكسر الكاف وشد النون ، من الكّن الذي هو الشيء المغطى. وقرأ جمهور القّراء : {إِنْ تَكُ} بالتاء من فوق {مِثْقَالَ} بالنصب على خبر كان ، واسمها مضمر تقديره : مسألتك ، على ما روي ، أو المعصية والطاعة على القول الثاني ؛ ويدل على صحته قول ابن لقمان لأبيه : يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله ؟ فقال لقمان له : {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} الآية. فما زال ابنه يضطرب حتى مات ؛ قاله مقاتل. والضمير في {إِنَّهَا} ضمير القصة ؛ كقولك : إنها هند قائمة ؛ أي القصة إنها إن تك مثقال حبة. والبصريون يجيزون : إنها زيد ضربته ؛ بمعنى إن القصة. والكوفيون لا يجيزون هذا إلا في المؤنث كما ذكرنا. وقرأ نافع : {مِثْقَالَ} بالرفع ، وعلى هذا {تَكُ} يرجع إلى معنى خردلة ؛ أي إن تك حبة من خردل. وقيل : أسند إلى المثقال فعلا فيه علامة التأنيث من حيث انضاف إلى مؤنث هو منه ؛ لأن مثقال الحبة من الخردل إما سيئة أو حسنة ؛ كما قال : {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} فأنث وإن كان المثل مذكرا ؛ لأنه أراد الحسنات. ومن هذا قول الشاعر : مشين كما اهتزت رماح تسفهت ... أعاليها مر الرياح النواسم و {تَكُ} ها هنا بمعنى تقع فلا تقتضي خبرا. قوله تعالى : {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} قيل : معنى الكلام المبالغة والانتهاء في التفهيم ؛ أي أن قدرته تعالى تنال ما يكون في تضاعيف صخرة وما يكون في السماء والأرض. وقال ابن عباس : الصخرة تحت الأرضين السبع وعليها الأرض. وقيل : هي الصخرة على ظهر الحوت. وقال السّدي : هي صخرة ليست في السموات والأرض ، بل هي وراء سبع أرضين عليها ملك قائم ؛ لأنه قال : {أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ} وفيهما غنية عن قوله : {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} ؛ وهذا الذي قاله ممكن ، ويمكن أن يقال : قوله : {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} تأكيد ؛ كقوله : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} وقول : {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} [الإسراء : 1] . الآية : [17] {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} فيه ثلاث مسائل : الأولي- قوله تعالى : {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} وصّى ابنه بعظم الطاعات وهي الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا إنما يريد به بعد أن يمتثل ذلك هو في نفسه ويزدجر عن المنكر ، وهنا هي الطاعات والفضائل أجمع. ولقد أحسن من قال : وابدأ بنفسك فانهها عن غَيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم في أبيات تقدم في {البقرة} ذكرها. الثانية- قوله تعالي : {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} يقتضي حضا على تغيير المنكر وإن نالك ضرر ؛ فهو إشعار بأن المغير أحيانا ؛ وهذا القدر على جهة الندب والقوة في ذات الله ؛ وأما على اللزوم فلا ، وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في {آل عمران والمائدة} . وقيل : أمره بالصبر على شدائد الدنيا كالأمراض وغيرها ، وألا يخرج من الجزع إلى معصية الله عز وجل ؛ وهذا قول حسن لأنه يعّم. الثالثة- قوله تعالي : {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} قال ابن عباس : من حقيقة الإيمان الصبر على المكاره. وقيل : إن إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عزم الأمور ؛ أي مما عزمه الله وأمر به ؛ قاله ابن جريج. ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة. وقول ابن جريج صوب. الآية : [18] {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} فيه ثلاث مسائل : الأولي- قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن : {تصاعر} بالألف بعد الصاد. وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر والحسن ومجاهد : {تُصَعِّرْ} وقرأ الجحدري : {تُصْعر} بسكون الصاد ؛ والمعنى متقارب. والصعر : الميل ؛ ومنه قول الأعرابي : وقد أقام الدهر صعري ، بعد أن أقمت صعره. ومنه قول عمرو بن حنّي التغلبي : وكنا إذا الجبار صعر خده ... أقمنا له من ميله فتقومِ وأنشده الطبري : {فتقومَا} . قال ابن عطية : وهو خطأ ؛ لأن قافية الشعر مخفوضة. وفي بيت آخر : أقمنا له من خّده المتصعر قال الهروي : {لا تصاعر} أي لا تعرض عنهم تكبرا عليهم ؛ يقال : أصاب البعير صعر وصيد إذ أصابه داء يلوي منه عنقه. ثم يقال للمتكبر : فيه صعر وصيد ؛ فمعنى : {لا تصعر} أي لا تلزم خّدك الصعر. وفي الحديث : "يأتي على الناس زمان ليس فيهم إلا أصعر أو أبتر" والأصعر : المعرض بوجهه كبرا ؛ وأراد رذالة الناس الذين لا دين لهم. وفي الحديث : "كل صعار ملعون" أي كل ذي أبهة وكبر. الثانية- معنى الآية : ولا تمل خّدك للناس كبرا عليهم وإعجابا واحتقارا لهم. وهذا تأويل ابن عباس وجماعة. وقيل : هو أن تلوي شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره ؛ فالمعنى : أقبل عليهم متواضعا مؤنسا مستأنسا ، وإذا حدثك أصغرهم فاصغ إليه حتى يكمل حديثه. وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل. قلت : ومن هذا المعنى ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" . فالتدابر الإعراض وترك الكلام والسلام ونحوه. وإنما قيل للإعراض تدابر لأن من أبغضته أعرضت عنه ووليته دبرك ؛ وكذلك يصنع هو بك. ومن أحببته أقبلت عليه بوجهك وواجهته لتسره ويسرك ؛ فمعنى التدابر موجود فيمن صعر خده ، وبه فسر مجاهد الآية. وقال ابن خويز منداد : قوله : {وَلا تُصَاعِرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} كأنه نهى أن يذل الإنسان نفسه من غير حاجة ؛ ونحو ذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ليس للإنسان أن يذل نفسه" . الثالثة- قوله تعالى : {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً} أي متبخترا متكبرا ، مصدر في موضع الحال ، وقد مضى في {سبحان} . وهو النشاط والمشي فرحا في غير شغل وفي غير حاجة. وأهل هذا الخلق ملازمون للفخر والخيلاء ؛ فالمرح مختال في مشيته. روى يحيى بن جابر الطائي عن ابن عائذ الأزدي عن غضيف بن الحارث قال : أتيت بيت المقدس أنا وعبدالله بن عبيد بن عمير قال : فجلسنا إلى عبدالله بن عمرو بن العاصي فسمعته يقول : إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول : يا ابن آدم ما غرك بي! ألم تعلم أني بيت الوحدة! ألم تعلم أني بيت الظلمة! ألم تعلم أني بيت الحق! يا ابن آدم ما غّرك بي! لقد كنت تمشي حولي فّدادا. قال ابن عائذ قلت لغُضيف : ما الفدّاد يا أبا أسماء ؟ قال : كبعض مشيتك يا ابن أخي أحيانا. قال أبو عبيد : والمعنى ذا مال كثير وذا خيلاء. وقال صلى الله عليه وسلم : "من جّر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة" . والفخور : هو الذي يعدد ما أعطي ولا يشكر الله تعالى ؛ قاله مجاهد. وفي اللفظة الفخر بالنسب وغير ذلك. الآية : [19] {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} فيه ست مسائلك : الأولي- قوله تعالى : {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} لما نهاه عن الخلق الذميم رسم له الخلق الكريم الذي ينبغي أن يستعمله فقال : {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أي توسّط فيه. والقصد : ما بين الإسراع والبطء ؛ أي لا تدب دبيب المتماوتين ولا تثب وثب الشطار ؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن" . فأما ما روي عنه عليه السلام أنه كان إذا مشى أسرع ، وقول عائشة في عمر رضي الله عنهما : كان إذا مشى أسرع - فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت ؛ والله أعلم. وقد مدح الله سبحانه من هذه صفته حسبما تقّدم بيانه في {الفرقان} . الثانية- قوله تعالى : {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} أي انقص منه ؛ أي لا تتكلف رفع الصوت وخذ منه ما تحتاج إليه ؛ فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي. والمراد بذلك كله التواضع ؛ وقد قال عمر لمؤذن تكلف رفع الأذان بأكثر من طاقته : لقد خشيت أن ينشق مُرْيَطاؤك! والمؤذن هو أبو محذورة سمرة بن معير. والمريطاء : ما بين السرة إلى العانة. الثالثة- قوله تعالي : {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} أي أقبحها وأوحشها ؛ ومنه أتانا بوجه منكر. والحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة ، وكذلك نهاقه ؛ ومن استفحاشهم لذكره مجردا أنهم يكنون عنه ويرغبون عن التصريح فيقولون : الطويل الأذنين ؛ كما يكنى عن الأشياء المستقذرة. وقد عد في مساوئ الآداب أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم من أولي المروءة. ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافا وإن بلغت منه الرجلة. وكان عليه الصلاة والسلام يركبه تواضعا وتذللا لله تبارك وتعالى. الرابعة- في الآية دليل على تعريف قبح رفع الصوت في المخاطبة والملاحاة بقبح أصوات الحمير ؛ لأنها عالية. وفي الصحيح عن النبّي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا" . وقد روي : أنه ما صاح حمار ولا نبح كلب إلا أن يرى شيطانا. وقال سفيان الثوري : صياح كل شيء شيء تسبيح إلا نهيق الحمير. وقال عطاء : نهيق الحمير دعاء على الظلمة. الخامسة- وهذه الآية أدب من الله تعالى بترك الصياح في وجوه الناس تهاونا بهم ، أو بترك الصياح جملة ؛ وكانت العرب تفخر بجهارة الصوت الجهير وغير ذلك ، فمن كان منهم أشد صوتا كان أعز ، ومن كان أخفض كان أذل ، حتى قال شاعرهم : جهير الكلام جهير العطاس ... جهير الرواء جهير النعم ويعد على الأين عدوى الظليم ... ويعلو الرجال بخلق عمم فنهى الله سبحانه وتعالى عن هذه الخلق الجاهلية بقوله : {نَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} أي لو أن شيئا يهاب لصوته لكان الحمار ؛ فجعلهم في المثل سواء. قوله تعالى : {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} اللام للتأكيد ، ووحد الصوت وإن كان مضافا إلى الجماعة لأنه مصدر والمصدر يدل على الكثرة ، وهو مصدر صات يصوت صوتا فهو صائت. ويقال : صوت تصويتا فهو مصوت. ورجل صات أي شديد الصوت بمعنى صائت ؛ كقولهم : رجال مال ونال ؛ أي كثير المال والنوال. الآية : [20] {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ} الآية : [21] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} ذكر نعمه على بني آدم ، وأنه سخر لهم {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} من شمس وقمر ونجوم وملائكة تحوطهم وتجر إليهم منافعهم. {وَمَا فِي الأَرْضِ} عام في الجبال والأشجار والثمار وما لا يحصى. {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} أي أكملها وأتمها. وقرأ ابن عباس ويحيى بن عمارة : {وَأَصْبَغَ} بالصاد على بدلها من السين ؛ لأن حروف الاستعلاء تجتذب السين من سفلها إلى علوها فتردها صادا. والنعم : جمع نعمة كسدرة وسدر "بفتح الدال" وهي قراءة نافع وأبي عمرو وحفص. الباقون : {نِعَمَهُ} على الإفراد ؛ والإفراد يدل على الكثرة ؛ كقوله تعالى : {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} وهي قراءة ابن عباس من وجوه صحاح. وقيل : إن معناها الإسلام ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وقد سأله عن هذه الآية : "الظاهرة الإسلام وما حسن من خلقك ، والباطنة ما ستر عليك من سيئ عملك" . قال النحاس : وشرح هذا أن سعيد بن جبير قال في قول الله عز وجل : {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} قال : يدخلكم الجنة. وتمام نعمة الله عز وجل على العبد أن يدخله الجنة ، فكذا لما كان الإسلام يؤول أمره إلى الجنة سمي نعمة. وقيل : الظاهرة الصحة وكمال الخلق ، والباطنة المعرفة والعقل. وقال المحاسبي : الظاهرة نعم الدنيا ، والباطنة نعم العقبى. وقيل : الظاهرة ما يرى بالأبصار من المال والجاه والجمال في الناس وتوفيق الطاعات ، والباطنة ما يجده المرء في نفسه من العلم بالله وحسن اليقين وما يدفع الله تعالى عن العبد من الآفات. وقد سرد الماوردي في هذا أقوالا تسعة ، كلها ترجع إلى هذا. قوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} تقدم مهناها في الحج وغيرها نزلت في يهودي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، أخبرني عن ربك ، من أي شيء هو ؟ فجاءت صاعقة فأخذته ؛ قاله مجاهد. وقد مضى هذا في {الرعد} . وقيل : إنها نزلت في النضر بن الحارث ، كان يقول : إن الملائكة بنات الله ؛ قاله ابن عباس. {يُجَادِلُ} يخاصم {بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي بغير حجة {وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ} أي نير بين ؛ إلا الشيطان فيما يلقي إليهم. {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} وإلا تقليد الأسلاف كما في الآية بعد. "أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير" فيتبعونه. الآية : [22] {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} قوله تعالى : {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ} أي يخلص عبادته وقصده إلى الله تعالى. {وَهُوَ مُحْسِنٌ} لأن العبادة من غير إحسان ولا معرفة القلب لا تنفع ؛ نظيره : {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وفي حديث جبريل قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" . {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} قال ابن عباس : لا إله إلا الله ؛ وقد مضى في {البقرة} . وقد قرأ علّي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والسلمي وعبدالله بن مسلم بن يسار : {وَمَنْ يُسَلَّم} . النحاس : و {يسلَّم} في هذا أعرف ؛ كما قال عز وجل : {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ } ومعنى : {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} قصدت بعبادتي إلى الله عز وجل ؛ ويكون {يسلّم} على التكثير ؛ إلا أن المستعمل في سلمت أنه بمعنى دفعت ؛ يقال سلمت في الحنطة ، وقد يقال أسلمت. الزمخشري : قرأ علّي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : {وَمَنْ يُسَلّم} بالتشديد ؛ يقال : أسلم أمرك وسلم أمرك إلى الله تعالى ؛ فإن قلت : ماله عدي بإلى ، وقد عدي باللام في قول عز وجل : {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} ؟ قلت : معناه مع اللام أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالما لله ؛ أي خالصا له. ومعناه مع إلى راجع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه. والمراد التوكل عليه والتفويض إليه. {وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} أي مصيرها. الآية : [23] {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} الآية : [24] {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} قوله تعالى : {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} أي نجازيهم بما عملوا. {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} . {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً} أي نبقيهم في الدنيا مدة قليلة يتمتعون بها. {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} أي نلجئهم ونسوقهم. {إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} وهو عذاب جهنم. ولفظ {مَن} يصلح للواحد والجمع ، فلهذا قال : {كُفْرُهُ} ثم قال : {مَرْجِعُهُم} وما بعده على المعنى. الآية : [25] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} الآية : [26] {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} قوله تعالى : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} أي هم يعترفون بأن الله خالقهن فلم يعبدون غيره. {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} أي على ما هدانا له من دينه ، وليس الحمد لغيره. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي لا ينظرون ولا يتدبرون .لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أي ملكا وخلقا. {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي الغني عن خلقه وعن عبادتهم ، وإنما أمرهم لينفعهم. {الْحَمِيدُ} أي المحمود على صنعه. الآية : [27] {لَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} لما احتج على المشركين بما احتج بين أن معاني كلامه سبحانه لا تنفد ، وأنها لا نهاية لها. وقال القفال : لما ذكر أنه سخر لهم ما في السموات وما في الأرض وأنه أسبغ النعم نبه على أن الأشجار لو كانت أقلاما ، والبحار مدادا فكتب بها عجائب صنع الله الدالة على قدرته ووحدانيته لم تنفد تلك العجائب. قال القشيري : فرد معنى تلك الكلمات إلى المقدورات ، وحمل الآية على الكلام القديم أولى ؛ والمخلوق لا بد له من نهاية ، فإذا نفيت النهاية عن مقدوراته فهو نفي النهاية عما يقدر في المستقبل على إيجاده ، فأما ما حصره الوجود وعده فلا بد من تناهيه ، والقديم لا نهاية له على التحقيق. وقد مضى الكلام في معنى {كَلِمَاتُ اللَّهِ} في آخر {الكهف} . وقال أبو علّي : المراد بالكلمات والله أعلم ما في المقدور دون ما خرج منه إلى الوجود. وهذا نحو مما قاله القفال ، وإنما الغرض الإعلام بكثرة معاني كلمات الله وهي في نفسها غير متناهية ، وإنما قرب الأمر على أفهام البشر بما يتناهى لأنه غاية ما يعهده البشر من الكثرة ؛ لا أنها تنفد بأكثر من هذه الأقلام والبحور. ومعنى نزول الآية : يدل على أن المراد بالكلمات الكلام القديم. قال ابن عباس : إن سبب هذه الآية أن اليهود قالت : يا محمد ، كيف عنينا بهذا القول {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} ونحن قد أوتينا التوراة فيها كلام الله وأحكامه ، وعندك أنها تبيان كل شيء ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "التوراة قليل من كثير" ونزلت هذه الآية ، والآية مدنية. قال أبو جعفر النحاس : فقد تبين أن الكلمات ها هنا يراد بها العلم وحقائق الأشياء ؛ لأنه عز وجل علم قبل أن ![]()
__________________
|
#563
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ لقمــان من صــ 76 الى صــ 85 الحلقة (563) يخلق الخلق ما هو خالق في السموات والأرض من كل شيء ، وعلم ما فيه من مثاقيل الذّر ، وعلم الأجناس كلها وما فيها من شعرة وعضو ، وما في الشجرة من ورقة ، وما فيها من ضروب الخلق ، وما يتصرف فيه من ضروب الطعم واللون ؛ فلو سمى كل دابة وحدها ، وسمى أجزاءها على ما علم من قليلها وكثيرها وما تحولت عليه من الأحوال ، وما زاد فيها في كل زمان ، وبين كل شجرة وحدها وما تفرعت إليه ، وقدر ما ييبس من ذلك في كل زمان ، ثم كتب البيان على كل واحد منها ما أحاط الله جل ثناؤه به منها ، ثم كان البحر مدادا لذلك البيان الذي بين الله تبارك وتعالى عن تلك الأشياء يمده من بعده سبعة أبحر لكان البيان عن تلك الأشياء أكثر. قلت : هذا معنى قول القفال ، وهو قول حسن إن شاء الله تعالى. وقال قوم : إن قريشا قالت سيتم هذا الكلام لمحمد وينحسر ؛ فنزلت وقال السّدي : قالت قريش ما أكثر كلام محمد! فنزلت. قوله تعالى : {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ} قراءة الجمهور بالرفع على الابتداء ، وخبره في الجملة التي بعدها ، والجملة في موضع الحال ؛ كأنه قال : والبحر هذه حاله ؛ كذا قدرها سيبويه. وقال بعض النحويين : هو عطف على {أنّ} لأنها في موضع رفع بالابتداء. وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق : {وَالْبَحْرُ} بالنصب على العطف على {ما} وهي اسم {أنّ} . وقيل : أي ولو أن البحر يمده أي يزيد فيه. وقرأ ابن هرمز والحسن : {يَمُدُّهُ} ؛ من أمّد. قالت فرقة : هما بمعنى واحد. وقالت فرقة : مّد الشيء بعضه بعضا ؛ كما تقول : مّد النيل الخليج ؛ أي زاد فيه. وأمّد الشيء ما ليس منه. وقد مضى هذا في {البقرة. وآل عمران} . وقرأ جعفر بن محمد : {والبحر مداده} . {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} تقدم. {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} . وقال أبو عبيدة : البحر ها هنا الماء العذب الذي ينبت الأقلام ، وأما الماء الملح فلا ينبت الأقلام. الآية : [28] {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} قوله تعالى : {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} قال الضحاك : المعنى ما ابتداء خلقكم جميعا إلا كخلق نفس واحدة ، وما بعثكم يوم القيامة إلا كبعث نفس واحدة. قال النحاس : وهكذا قّدره النحويون بمعنى إلا كخلق نفس واحدة ؛ مثل : {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} وقال مجاهد : لأنه يقول للقليل والكثير كن فيكون. ونزلت الآية في أبي بن خلف وأبي الأسدين ومنبِّه ونبيه ابني الحجاج بن السباق ، قالوا للنبّي صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قد خلقنا أطوارا ، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ، ثم تقول إنا نبعث خلقا جديدا جميعا في ساعة واحدة! فأنزل الله تعالى : {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} ، لأن الله تعالى لا يصعب عليه ما يصعب على العباد ، وخلقه للعالم كخلقه لنفس واحدة. {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لما يقولون {بَصِيرٌ} بما يفعلون. الآية : [29] {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} الآية : [30] {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} تقدم. {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أي ذللهما بالطلوع والأفول تقديرا للآجال وإتماما للمنافع. {كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} قال الحسن : إلى يوم القيامة. قتادة : إلى وقته في طلوعه وأفوله لا يعدوه ولا يقصر عنه. {وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي من قدر على هذه الأشياء فلا بد من أن يكون عالما بها ، والعالم بها عالم بأعمالكم. وقراءة العامة {تَعْمَلُونَ} بالتاء على الخطاب. وقرأ السلمّي ونصر بن عاصم والدوري عن أبي عمرو بالياء على الخبر. {ذَلِكَ } أي فعل الله تعالى ذلك لتعلموا وتقروا {بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} أي الشيطان ؛ قاله مجاهد. وقيل : ما أشركوا به الله تعالى من الأصنام والأوثان. {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} العلّي في مكانته ، الكبير في سلطانه. الآية : [31] {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ} أي السفن {تَجْرِي} في موضع الخبر. {فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ} أي بلطفه بكم وبرحمته لكم في خلاصكم منه. وقرأ ابن هرمُز : {بِنِعْمَتِ اللَّهِ} جمع نعمة وهو جمع السلامة ، وكان الأصل تحريك العين فأسكنت. {لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ} {مِنْ} للتبعيض ، أي ليريكم جري السفن ؛ قال يحيى بن سلام. وقال ابن شجرة : {مِنْ آيَاتِهِ} ما تشاهدون من قدرة الله تعالى فيه. النقاش : ما يرزقهم الله منه. وقال الحسن : مفتاح البحار السفن ، ومفتاح الأرض الطرق ، ومفتاح السماء الدعاء. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أي صبار لقضائه شكور على نعمائه. وقال أهل المعاني : أراد لكل مؤمن بهذه الصفة ؛ لأن الصبر والشكر من أفضل خصال الإيمان. والآية : العلامة ، والعلامة لا تستبين في صدر كل مؤمن إنما تستبين لمن صبر على البلاء وشكر على الرخاء. قال الشعبّي : الصبر نصف الإيمان ، والشكر نصف الإيمان ، واليقين الإيمان كله ؛ ألم تر إلى قوله تعالى : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} وقوله : {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} وقال عليه السلام : "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر" الآية : [32] {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} قوله تعالى : {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} قال مقاتل : كالجبال. وقال الكلبي : كالسحاب ؛ وقاله قتادة : جمع ظلة ؛ شبه الموج بها لكبرها وارتفاعها. قال النابغة في وصف بحر : يماشيهن أخضر ذو ظلال ... على حافاته فلق الدنان وإنما شبه الموج وهو واحد بالظل وهو جمع ؛ لأن الموج يأتي شيئا بعد شيء ويركب بعضه بعضا كالظلل. وقيل : هو بمعنى الجمع ، وإنما لم يجمع لأنه مصدر. وأصله من الحركة والازدحام ؛ ومنه : ماج البحر ، والناس يموجون. قال كعب : فجئنا إلى موج من البحر وسطه ... أحابيش منهم حاسر ومقنع وقرأ محمد ابن الحنفية : {مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} جمع ظل. {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} موحدين له لا يدعون لخلاصهم سواه ؛ وقد تقدم. {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} يعني من البحر. {إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} قال ابن عباس : موف بما عاهد عليه الله في البحر. النقاش : يعني عدل في العهد ، وفي في البر بما عاهد عليه الله في البحر. وقال الحسن : {مُقْتَصِدٌ} مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة. وقال مجاهد : {مُقْتَصِدٌ} في القول مضمر للكفر. وقيل : في الكلام حذف ؛ والمعنى : فمنهم مقتصد ومنهم كافر. ودل على المحذوف قوله تعالى : {وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} الختار : الغدار. والختر : أسوأ الغدر. قال عمرو بن معد يكرب : فإنك لو رأيت أبا عمير ... ملأت يديك من غدر وختر وقال الأعشى : بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير ختار قال الجوهري : الختر الغدر ؛ يقال : ختره فهو ختار. الماوردي : وهو قول الجمهور. وقال عطية : إنه الجاحد. ويقال : ختر يختِر ويختُر "بالضم والكسر" خترا ؛ ذكره القشيري ، وجحد الآيات إنكار أعيانها. والجحد بالآيات إنكار دلائلها. الآية : [33] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} يعني الكافر والمؤمن ؛ أي خافوه ووحدوه. {وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} تقدم معنى {يَجْزِي} في البقرة وغيرها. فإن قيل : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحله القسم" . وقال : "من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهّن كّن له حجابا من النار" . قيل له : المعنّي بهذه الآية أنه لا يحمل والد ذنب ولده ، ولا مولود ذنب والده ، ولا يؤاخذ أحدهما عن الآخر. والمعنّي بالأخبار أن ثواب الصبر على الموت والإحسان إلى البنات يحجب العبد عن النار ، ويكون الولد سابقا له إلى الجنة. {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي البعث {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ} أي تخدعنكم {الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} بزينتها وما تدعوا إليه فتتكلوا عليها وتركنوا إليها وتتركوا العمل للآخرة {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} قراءة العامة هنا وفي سورة الملائكة والحديد بفتح الغين ، وهو الشيطان في قول مجاهد وغيره ، وهو الذي يغّر الخلق ويمنيهم الدنيا ويلهيهم عن الآخرة ؛ وفي سورة {النساء} : {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ } وقرأ سماك بن حرب وأبو حيوة وابن السميقع بضم الغين ؛ أي لا تغتروا. كأنه مصدر غّر يغر غرورا. قال سعيد بن جبير : هو أن يعمل بالمعصية ويتمنى المغفرة. الآية : [34] {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} زعم الفراء أن هذا معنى النفي ؛ أي ما يعلمه أحد إلا الله تعالى. قال أبو جعفر النحاس : وإنما صار فيه معنى النفي والإيجاب بتوقيف الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال في قوله الله عز وجل : {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} : "إنها هذه" : قلت : قد ذكرنا في سورة {الأنعام} حديث ابن عمر في هذا ، خرجه البخاري. وفي حديث جبريل عليه السلام قال : "أخبرني عن الساعة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، هن خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ما تكسب غدا "قال :" صدقت ". لفظ أبي داود الطيالسّي. وقال عبدالله بن مسعود : كل شيء أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم غير خمس : {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} ، الآية إلى آخرها. وقال ابن عباس : هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى ، ولا يعلمها ملك مقرب ولا نبّي مرسل ؛ فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه فقد كفر بالقرآن ؛ لأنه خالفه. ثم إن الأنبياء يعلمون كثيرا من الغيب بتعريف الله تعالى إياهم. والمراد إبطال كون الكهنة والمنجمين ومن يستسقي بالأنواء وقد يعرف بطول التجارب أشياء من ذكورة الحمل وأنوثته إلى غير ذلك ؛ حسبما تقدم ذكره في الأنعام. وقد تختلف التجربة وتنكسر العادة ويبقى العلم لله تعالى وحده. وروي أن يهوديا كان يحسب حساب النجوم ، فقال لابن عباس : إن شئت نبأتك نجم ابنك ، وأنه يموت بعد عشرة أيام ،" وأنت لا تموت حتى تعمى ، وأنا لا يحول علّي الحول حتى أموت. قال : فأين موتك يا يهودّي ؟ فقال : لا أدري. فقال ابن عباس : صدق الله. {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} فرجع ابن عباس فوجد ابنه محموما ، ومات بعد عشرة أيام. ومات اليهودّي قبل الحول ، ومات ابن عباس أعمى. قال علّي بن الحسين راوي هذا الحديث : هذا أعجب الأحاديث. وقال مقاتل : إن هذه الآية نزلت في رجل من أهل البادية اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة ، أتى النبّي صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد ، وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث ، وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت ، وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني ماذا أعمل غدا ، وأخبرني متى تقوم الساعة ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ؛ ذكره القشيري والماوردّي. وروى أبو المليح عن أبي عّزة الهذلي قال قال رسول صلى الله عليه وسلم : "إذا أراد الله تعالى قبض روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة فلم ينته حتى يقدمها - ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم - {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ - إلى قوله - بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} " ذكره الماوردّي ، وخرجه ابن ماجة من حديث ابن مسعود بمعناه. وقد ذكرناه في كتاب "التذكرة" مستوفى. وقراءة العامة : {وَيُنَزِّلُ} مشددا. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزه والكسائي مخففا. وقرأ أبي بن كعب : {بِأَيِّةِ أَرْضٍ} الباقون {بِأَيِّ أَرْضٍ} . قال الفراء : اكتفى بتأنيث الأرض من تأنيث أي. وقيل : أراد بالأرض المكان فذكر. قال الشاعر : فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها وقال الأخفش : يجوز مررت بجارية أي جارية ، وأية جارية. وشبه سيبويه تأنيث {أَيِّ} بتأنيث كل في قولهم : كلتهن. {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} {خَبِيرٌ} نعت لـ {عَلِيمٌ} أو خبر بعد خبر. والله تعالى أعلم. تفسير سورة السجدة وهي مكية ، غير ثلاث آيات نزلت بالمدينة ؛ وهي قوله تعالى : {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً} تمام ثلاث آيات ؛ قاله الكلبّي ومقاتل. وقال غيرهما : إلا خمس آيات ، من قوله تعالى : {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} إلى قوله {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} وهي ثلاثون آية. وقيل تسع وعشرون. وفي الصحيح عن ابن عباس أن النبّي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الم. تَنْزِيلُ} السجدة ، و {هَلْ أَتَى عَلَى الأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} الحديث. وخرج الدارمي أبو محمد في مسنده عن جابر بن عبدالله قال : كان النبّي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ : {الم. تَنْزِيلُ} السجدة. و {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ} قال الدارمي : وأخبرنا أبو المغيرة قال حدثنا عبدة عن خالد بن معدان قال : اقرؤوا المنجية ، وهي {الم. تَنْزِيلُ} فإنه بلغني أن رجلا كان يقرؤها ، ما يقرأ شيئا غيرها ، وكان كثير الخطايا فنشرت جناحها عليه وقالت : رب اغفر له فإنه كان يكثر من قراءتي ؛ فشّفعها الرب فيه وقال "اكتبوا له بكل خطيئة حسنة وارفعوا له درجة" . سورة السجدة مقدمة السورة بسم الله الرحمن الرحيم الآية : [1] {الم} الآية : [2] {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قوله تعالى : {الم. تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} الإجماع على رفع {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} ولو كان منصوبا على المصدر لجاز ؛ كما قرأ الكوفيون : {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} و {تَنْزِيلُ} رفع بالابتداء والخبر {لا رَيْبَ فِيهِ} . أو خبر على إضمار مبتدأ ؛ أي هذا تنزيل ، أو المتلو تنزيل ، أو هذه الحروف تنزيل. ودلت : {الم} على ذكر الحروف. ويجوز أن يكون {لا رَيْبَ فِيهِ} في موضع الحال من {الْكِتَابِ} . و {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الخبر. قال مكّي : وهو أحسنها. {لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لا شك فيه أنه من عند الله ؛ فليس بسحر ولا شعر ولا كهانة ولا أساطير الأولين. الآية : [3] {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} قوله تعالى : {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} هذه {أَمْ} المنقطعة التي تقّدر ببل وألف الاستفهام ؛ أي بل أيقولون. وهي تدل على خروج من حديث إلى حديث ؛ فإنه عز وجل أثبت أنه تنزيل من رب العالمين ، وأن ذلك مما لا ريب فيه ، ثم أضرب عن ذلك إلى قوله : {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي افتعله واختلقه. {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} كذبهم في دعوى الافتراء {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} قال قتادة : يعني قريشا ، كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير من قبل محمد صلى الله عليه وسلم. و {لِتُنْذِرَ} متعلق بما قبلها فلا يوقف على {مِنْ رَبِّكَ} . ويجوز أن يتعلق بمحذوف ؛ التقدير : أنزله لتنذر قوما ، فيجوز الوقف على {مِنْ رَبِّكَ} . و {مَا} {مَا أَتَاهُمْ} نفي. {مِنْ نَذِيرٍ} صلة. و {نَذِيرٍ} في محل الرفع ، وهو المعلم المخوف. وقيل : المراد بالقوم أهل الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ؛ قاله ابن عباس ومقاتل. وقيل : كانت الحجة ثابتة لله جل وعز عليهم بإنذار من تقدم من الرسل وإن لم يروا رسولا ؛ وقد تقّدم هذا المعنى. الآية : [4] {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} قوله تعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} عرفهم كمال قدرته ليسمعوا القرآن ويتأملوه. ومعنى : {خَلَقَ} أبدع وأوجد بعد العدم وبعد أن لم تكن شيئا. {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من يوم الأحد إلى آخر يوم الجمعة. قال الحسن : من أيام الدنيا. وقال ابن عباس : إن اليوم من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض مقداره ألف سنة من سني الدنيا. وقال الضحاك : في ستة آلاف سنة ؛ أي في مدة ستة أيام من أيام الآخرة. {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} تقدم. وذكرنا أقوال العلماء في ذلك مستوفى في "الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" . وليست {ثُمَّ} للترتيب وإنما هي بمعنى الواو. {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ} أي ما للكافرين من ولي يمنع من عذابهم ولا شفيع. ويجوز الرفع على الموضع. {أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} في قدرته ومخلوقاته. الآية : [5] {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} قوله تعالى : {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ} قال ابن عباس : ينزل القضاء والقدر. وقيل : ينزل الوحي مع جبريل. وروى عمرو بن مرة عن عبدالرحمن بن سابط قال : يدبر أمر الدنيا أربعة : جبريل ، وميكائيل ، وملك الموت ، وإسرافيل ؛ صلوات الله عليهم أجمعين. فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود. وأما ميكائيل فموكل بالقطر والماء. وأما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح. وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم. وقد قيل : إن العرش موضع التدبير ؛ كما أن ما دون العرش موضع التفصيل ؛ قال الله تعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ} وما دون السموات موضع التصريف ؛ قال الله تعالى : {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} ![]()
__________________
|
#564
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ السجدة من صــ 86 الى صــ 95 الحلقة (564) قوله تعالى : {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} قال يحيى بن سلام : هو جبريل يصعد إلى السماء بعد نزوله بالوحي. وقال النقاش : هو الملك الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض. وقيل : إنها أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع حملتها من الملائكة ؛ قاله ابن شجرة. وقيل : {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} أي يرجع ذلك الأمر والتدبير إليه بعد انقضاء الدنيا {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} وهو يوم القيامة. وعلى الأقوال المتقدمة فالكناية في {يَعْرُجُ} كناية عن الملك ، ولم يجر له ذكر لأنه مفهوم من المعنى ، وقد جاء صريحا في {سَأَلَ سَائِلٌ} قوله : {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} والضمير في {إِلَيْهِ} يعود على السماء على لغة من يذكرها ، أو على مكان الملك الذي يرجع إليه ، أو على اسم الله تعالى ؛ والمراد إلى الموضع الذي أقره فيه ، وإذا رجعت إلى الله فقد رجعت إلى السماء ، أي إلى سدرة المنتهى ؛ فإنه إليها يرتفع ما يصعد به من الأرض ومنها ينزل ما يهبط به إليها ؛ ثبت معنى ذلك في صحيح مسلم. والهاء في {مِقْدَارُهُ} راجعة إلى التدبير ؛ والمعنى : كان مقدار ذلك التدبير ألف سنة من سني الدنيا ؛ أي يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد ، ثم يلقيه إلى ملائكته ، فإذا مضت قضى لألف سنة أخرى ، ثم كذلك أبدا ؛ قاله مجاهد. وقيل : الهاء للعروج. وقيل : المعنى أنه يدبر أمر الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، ثم يعرج إليه ذلك الأمر فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة. وقيل : المعنى يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها ورجوعها إلى موضعها من الطلوع ، في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة. وقال ابن عباس : المعنى كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة ؛ لأن النزول خمسمائة والصعود خمسمائة. وروي ذلك عن جماعة من المفسرين ، وهو اختيار الطبري ؛ ذكره المهدوّي. وهو معنى القول الأول. أي أن جبريل لسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم ؛ ذكره الزمخشري. وذكر الماوردّي على ابن عباس والضحاك أن الملك يصعد في يوم مسيرة ألف سنة. وعن قتادة أن الملك ينزل ويصعد في يوم مقداره ألف سنة ؛ فيكون مقدار نزوله خمسمائة سنة ، ومقدار صعوده خمسمائة على قول قتادة والسّدي. وعلى قول ابن عباس والضحاك : النزول ألف سنة ، والصعود ألف سنة. {مِمَّا تَعُدُّونَ} أي مما تحسبون من أيام الدنيا. وهذا اليوم عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة من سني العالم ، وليس بيوم يستوعب نهارا بين ليلتين ؛ لأن ذلك ليس عند الله. والعرب قد تعّبر عن مدة العصر باليوم ؛ كما قال الشاعر : يومان يوم مقامات وأندية ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب وليس يريد يومين مخصوصين ، وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين ، فعّبر عن كل واحد من الشطرين بيوم. وقرأ ابن أبي عبلة : {يَعْرُجُ} على البناء للمفعول. وقرئ : {يَعُدُّونَ} بالياء. فأما قوله تعالى : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} فمشكل مع هذه الآية. وقد سأل عبدالله بن فيروز الديلمّي عبدالله بن عباس عن هذه الآية وعن قوله : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} فقال : أيام سمّاها سبحانه ، وما أدري ما هي ؟ فأكره أن أقول فيها ما لا أعلم. ثم سئل عنها سعيد بن المسّيب فقال : لا أدري. فأخبرته بقول ابن عباس فقال ابن المسيب للسائل : هذا ابن عباس اتقى أن يقول فيها وهو أعلم مني. ثم تكلم العلماء في ذلك فقيل : إن آية {سَأَلَ سَائِلٌ} هو إشارة إلى يوم القيامة ، بخلاف هذه الآية. والمعنى : أن الله تعالى جعله في صعوبته على الكفار كخمسين ألف سنة ؛ قاله ابن عباس. والعرب تصف أيام المكروه بالطول وأيام السرور بالقصر. قال : ويوم كظل الرمح قصر طوله ... دم الزق عنا واصطفاق المزاهر وقيل : إن يوم القيامة فيه أيام ؛ فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة. وقيل : أوقات القيامة مختلفة ، فيعّذب الكافر بجنس من العذاب ألف سنة ، ثم ينتقل إلى جنس آخر مّدته خمسون ألف سنة. وقيل : مواقف القيامة خمسون موقفا ؛ كل موقف ألف سنة. فمعنى : {يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} أي مقدار وقت ، أو موقف من يوم القيامة. وقال النحاس : اليوم في اللغة بمعنى الوقت ؛ فالمعنى : تعرج الملائكة والروح إليه في وقت كان مقداره ألف سنة ، وفي وقت آخر كان مقداره خمسين ألف سنة. وعن وهب بن منّبه : {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} قال : ما بين أسفل الأرض إلى العرش. وذكر الثعلبّي عن مجاهد وقتادة والضحاك في قوله تعالى : {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} أراد من الأرض إلى سدرة المنتهى التي فيها جبريل. يقول تعالى : يسير جبريل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا. وقوله : {إِلَيْهِ} يعني إلى المكان الذي أمرهم الله تعالى أن يعرجوا إليه. وهذا كقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام : {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} أراد أرض الشام. وقال تعالى : {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ} أي إلى المدينة. وقال أبو هريرة قال النبّي صلى الله عليه وسلم : "أتاني من ربي عز وجل برسالة ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء والأخرى على الأرض لم يرفعها بعد" . الآية : [6] {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} قوله تعالى : {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أي علم ما غاب عن الخلق وما حضرهم. و {ذَلِكَ} بمعنى أنا. حسبما تقدم بيانه في أول البقرة. وفي الكلام معنى التهديد والوعيد ؛ أي أخلصوا أفعالكم وأقوالكم فإني أجازي عليها. الآية : [7] {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ} الآية : [8] {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} الآية : [9] {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} قوله تعالى : {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : {خَلَقَهُ} بإسكان اللام. وفتحها الباقون. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم طلبا لسهولتها. وهو فعل ماض في موضع خفض نعت لـ {شَيْءٍ} . والمعنى على ما روي عن ابن عباس : أحكم كل شيء حلقه ، أي جاء به على ما أراد ، لم يتغير عن إرادته. وقول آخر - أن كل شيء خلقه حسن ؛ لأنه لا يقدر أحد أن يأتي بمثله ؛ وهو دال على خالقه. ومن أسكن اللام فهو مصدر عند سيبويه ؛ لأن قوله : {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} يدل على : خلق كل شيء خلقا ؛ فهو مثل : {صُنْعَ اللَّهِ} و {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} . وعند غيره منصوب على البدل من {كُلَّ} أي الذي أحسن خلق كل شيء. وهو مفعول ثان عند بعض النحويين ، على أن يكون معنى : {أَحْسَنَ} أفهم وأعلم ؛ فيتعّدى إلى مفعولين ، أي أفهم كل شيء خلقه. وقيل : هو منصوب على التفسير ؛ والمعنى : أحسن كل شيء خلقا. وقيل : هو منصوب بإسقاط حرف الجر ، والمعنى : أحسن كل شيء في خلقه. وروي معناه عن ابن عباس و {أَحْسَنَ} أي أتقن وأحكم ؛ فهو أحسن من جهة ما هو لمقاصده التي أريد لها. ومن هذا المعنى قال ابن عباس وعكرمة : ليست است القرد بحسنة ، ولكنها متقنة محكمة. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} قال : أتقنه. وهو مثل قوله تبارك وتعالى : {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} أي لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة ، ولا خلق البهيمة على خلق الإنسان. ويجوز : {خَلَقَهُ} بالرفع ؛ على تقدير ذلك خلقه. وقيل : هو عموم في اللفظ خصوص في المعنى ؛ والمعنى : حسن خلق كل شيء حسن. وقيل : هو عموم في اللفظ والمعنى ، أي جعل كل شيء خلقه حسنا ، حتى جعل الكلب في خلقه حسنا ؛ قاله ابن عباس. وقال قتادة : في است القرد حسنة. قوله تعالى : {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ} يعني آدم. {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} تقّدم في {المؤمنون} وغيرها. وقال الزجاج : {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} ضعيف. وقال غيره : {مَهِينٍ} لا خطر له عند الناس. {ثُمَّ سَوَّاهُ} رجع إلى آدم ، أي سوى خلقه. {وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} ثم رجع إلى ذريته فقال : {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ} وقيل : ثم جعل ذلك الماء المهين خلقا معتدلا ، وركب فيه الروح وأضافه إلى نفسه تشريفا. وأيضا فإنه من فعله وخلقه كما أضاف العبد إليه بقوله : {عَبْدي} . وعبر عنه بالنفخ لأن الروح في جنس الريح. وقد مضى هذا مبينا في {النساء} وغيرها. {قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} أي ثم أنتم لا تشكرون بل تكفرون. الآية : [10] {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} قوله تعالى : {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ} هذا قول منكري البعث ؛ أي هلكنا وبطلنا وصرنا ترابا. وأصله من قول العرب : ضل الماء في اللبن إذا ذهب. والعرب تقول للشيء غلب عليه حتى فيه أثره : قد ضّل. قال الأخطل : كنت القذى في موج أكدر مزبد ... قذف الأتيّ به فضلَّ ضلالا وقال قطرب : معنى ضللنا غبنا في الأرض. وأنشد قول النابغة الذبياني : فآب مضلوه بعين جلية ... وغودر بالجولان حزم ونائل وقرأ ابن محيصن ويحيى بن يعمر : {ضَلَلْنَا} بكسر اللام ، وهي لغة. قال الجوهري : وقد ضللت أضل قال الله تعالى : {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} فهذه لغة نجد وهي الفصيحة. وأهل العالية يقولون : {ضَلَلْتُ} - بكسر اللام - أضل. وهو ضال تال ، وهي الضلالة والتلالة. وأضّله أي أضاعه وأهلكه. يقال : أضل الميّت إذا دفن. قال : فآب مضلوه البيت ابن السكيت. أضللت بعيري إذا ذهب منك. وضللت المسجد والدار : إذا لم تعرف موضعهما. وكذلك كل شيء مقيم لا يهتدى له. وفي الحديث "لعلي أضل الله" يريد أضل عنه ، أي أخفى عليه ، من قوله تعالى : {إِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ} أي خفينا. وأضله الله فضل ؛ تقول : إنك تهدي الضال ولا تهدي المتضال. وقرأ الأعمش والحسن : {صَلَلْنَا} بالصاد ؛ أي أنتنا. وهي قراءة علّي بن أبي طالب رضي الله عنه. النحاس : ولا يعرف في اللغة صللنا ولكن يقال : صل اللحم وأصل ، وخّم وأخّم إذا أنتن. الجوهري : صّل اللحم يصل - بالكسر - صلولا ، أي أنتن ، مطبوخا كان أو نيئا. قال الحطيئة : ذاك فتى يبذل ذا قدره ... لا يفسد اللحم لديه الصلول قوله تعالى : {أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} وأصل مثله. {أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي نخلق بعد ذلك خلقا جديدا ؟ ويقرأ : {أئنا} . النحاس : وفي هذا سؤال صعب من العربية ؛ يقال : ما العامل في {إذا} ؟ و {إن} لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. والسؤال في الاستفهام أشّد ؛ لأن ما بعد الاستفهام أجدر ؛ ألا يعمل فيما قبله من {إن} كيف وقد اجتمعا. فالجواب على قراءة من قرأ : {إنا} أن العامل {ضللنا} ، وعلى قراءة من قرأ : {أإنا} أن العامل مضمر ، والتقدير أنبعث إذا متنا. وفيه أيضا سؤال آخر ، يقال : أين جواب {إذا} على القراءة الأولى لأن فيها معنى الشرط ؟ فالقول في ذلك أن بعدها فعلا ماضيا ؛ فلذلك جاز هذا. {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} أي ليس لهم جحود قدرة الله تعالى عن الإعادة ؛ لأنهم يعترفون بقدرته ولكنهم اعتقدوا أن لا حساب عليهم ، وأنهم لا يلقون الله تعالى. الآية : [11] {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} فيه مسألتان : الأولي- قوله تعالى : {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} لما ذكر استبعادهم للبعث ذكر توفيهم وأنه يعيدهم. {يَتَوَفَّاكُمْ} من توفى العدد والشيء إذا استوفاه وقبضه جميعا. يقال : توفاه الله أي استوفى روحه ثم قبضه. وتوفيت مالي من فلان أي استوفيته. {مَلَكُ الْمَوْتِ} واسمه عزرائيل ومعناه عبدالله ؛ كما تقدم في "البقرة" . وتصرفه كله بأمر الله تعالى وبخلقه واختراعه. وروي في الحديث أن "البهائم كلها يتوفى الله أرواحها دون ملك الموت" كأنه يعدم حياتها ؛ ذكره ابن عطية. قلت : وقد روي خلافه ، وأن ملك الموت يتوفى أرواح جميع الخلائق حتى البرغوث والبعوضة. روى جعفر بن محمد عن أبيه قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "ارفق بصاحبي فإنه مؤمن" فقال ملك الموت عليه السلام : "يا محمد ، طب نفسا وقر عينا فإني بكل مؤمن رفيق. واعلم أن ما من أهل بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى لأنا أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم. والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها" . قال جعفر بن علّي : بلغني أنه يتصفحهم عند مواقيت الصلوات ؛ ذكره الماوردي. وذكر الخطيب أبو بكر أحمد بن علّي بن ثابت البغدادي قال : حدثني أبو محمد الحسن بن محمد الخلال قال : حدثنا أبو محمد عبدالله بن عثمان الصفار قال حّدثنا أبو بكر حامد المصري قال حّدثنا يحيى ابن أيوب العلاف قال حدثنا سليمان بن مهير الكلابّي قال : حضرت مالك بن أنس رضي الله عنه فأتاه رجل فسأله : أبا عبدالله ، البراغيث أملك الموت يقبض أرواحها ؟ قال : فأطرق مالك طويلا ثم قال : ألها أنفس ؟ قال نعم. قال : ملك الموت يقبض أرواحها ؛ {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} قال ابن عطية بعد ذكره الحديث وكذلك الأمر في بني آدم ، إلا أنه نوع شرف بتصرف ملك وملائكة معه في قبض أرواحهم. فخلق الله تعالى ملك "صفحة رقم 94" الموت وخلق على يديه قبض الأرواح واستلالها من الأجسام وإخراجها منها وخلق الله تعالى جندا يكونون معه يعملون عمله بأمره فقال تعالى : ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة وقال تعالى : توفته رسلنا وقد مضى هذا المعنى في الأنعام والبارئ خالق الكل الفاعل حقيقة لكل فعل قال الله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها الذي خلق الموت ولحياة يحيي ويميت فملك الموت يقبض والأعوان يعالجون والله تعالى يزهق الروح وهذا هو الجمع بين الآي والأحاديث لكنه لما كان ملك الموت متولي ذلك بالوساطة والمباشرة أضيف التوفي إليه كما أضيف الخلق للملك كما تقدم في الحج وروي عن مجاهد أن الدنيا بين يدي ملك الموت كالطست بين يدي الإنسان يأخذ من حيث شاء وقد روى هذا المعنى مرفوعا وقد ذكرناه في ) كتاب التذكرة ( وروي أن ملك الموت لما وكله الله تعالى بقبض الأرواح قال : رب جعلتني أذكر بسوء ويشتمني بنو آدم فقال الله تعالى له : ) إني أجعل للموت عللا وأسبابا من الأمراض والأسقام ينسبون الموت إليها فلا يذكرك أحد إلا بخير ) وقد ذكرناه في التذكرة مستوفي وقد ذكرنا أنه يدعو الأرواح فتجيئه ويقبضها ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة أو العذاب بما فيه شفاء لمن أراد الوقوف على ذلك الثانية استدل بهذه الآية بعض العلماء على جواز الوكالة من قوله : ) وكل بكم ( أي بقبض الأرواح قال بن العربي : وهذا أخذ من لفظه لا من معناه ولو اطرد ذلك لقلنا في قوله تعالى : قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا إنها نيابة عن الله تبارك وتعالى ووكالة في تبليغ رسالته ولقلنا أيضا في قوله تبارك وتعالى : وآتوا الزكاة إنه وكالة فإن الله تعالى ضمن الرزق لكل دابة وخص الأغنياء بالأغذية وأوعز إليهم بأن رزق الفقراء عندهم وأمر بتسليمه إليهم مقدارا معلوما في وقت معلوم دبره بعلمه وأنفذه "صفحة رقم 95" من حكمه وقدره بحكمته والأحكام لا تتعلق بالألفاظ إلا أن ترد على موضوعاتها الأصلية في مقاصدها المطلوبة فإن ظهرت في غير مقصدها لم تعلق عليها ألا ترى أن البيع والشراء معلوم اللفظ والمعنى وقد قال تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ولا يقال : هذه الآية دليل على جواز مبايعة السيد لعبده لأن المقصدين مختلفان أما إنه إذا لم يكن بد من المعاني فيقال : إن هذه الآية دليل على أن للقاضي أن يستنيب من يأخذ الحق ممن هو عليه قسرا دون أن يكون له في ذلك فعل أو يرتبط به رضا إذا وجد ذلك السجدة : ) 12 ( ولو ترى إذ . . . . . ) السجدة 12 ( قوله تعالى : ) ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ( ابتداء وخبر قال الزجاج : والمخاطبة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) مخاطبة لأمته والمعنى : ولو ترى يامحمد منكري البعث يوم القيامة لرأيت العجب ومذهب أبي العباس غير هذا وأن يكون المعنى : يامحمد قل للمجرم ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم لندمت على ما كان منك ناكسو رؤوسهم أي من الندم والخزي والحزن والذل والغم عند ربهم أي عند محاسبة ربهم وجزاء أعمالهم ربنا أي يقولون ربنا أبصرنا أي أبصرنا ما كنا نكذب وسمعنا ما كنا ننكر وقيل : أبصرنا صدق وعيدك وسمعنا تصديق رسلك أبصروا حين لا ينفعهم البصر وسمعوا حين لا ينفعهم السمع فارجعنا أي إلى الدنيا نعمل صالحا إنا موقنون أي مصدقون بالبعث قاله النقاش وقيل : مصدقون بالذي جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنه حق قاله يحيى بن سلام قال سفيان الثوري : فأكذبهم الله تعالى فقال : ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ( وقيل : معنى إنا موقنون أي قد زالت عنا الشكوك الآن وكانوا يسمعون ويبصرون في الدنيا ولكن لم يكونوا "صفحة رقم 96" يتدبرون وكانوا كمن لا يبصر ولا يسمع فلما تنبهوا في الآخرة صاروا حينئذ كأنهم سمعوا وأبصروا وقيل : أي ربنا لك الحجة فقد أبصرنا رسلك وعجائب خلقك في الدنيا وسمعنا كلامهم فلا حجة لنا فهذا اعتراف منهم ثم طلبوا أن يردوا إلى الدنيا ليؤمنوا السجدة : ) 13 ( ولو شئنا لآتينا . . . . . ) السجدة 13 ( قال محمد بن كعب القرظي : لما قالوا : ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون رد عليهم بقوله : ) ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ( يقول : لو شئت لهديت الناس جميعا فلم يختلف منهم أحد ) ولكن حق القول مني ( الآية ذكره بن المبارك في رقائقه في حديث طويل وقد ذكرناه في التذكرة النحاس : ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها في معناه قولان : أحدهما أنه في الدنيا والآخر أن سياق الكلام يدل على أنه في الآخرة أي لو شئنا لرددناهم إلى الدنيا والمحنة كما سألوا ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين أي حق القول مني لأعذبن من عصاني بنار جهنم وعلم الله تبارك وتعالى أنه لو ردهم لعادوا كما قال تعالى : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وهذه الهداية معناها خلق المعرفة في القلب وتأويل المعتزلة : ولو شئنا لأكرهناهم على الهداية بإظهار الآيات الهائلة لكن لا يحسن منه فعله لأنه ينقض الغرض المجري بالتكليف إليه وهو الثواب الذي لا يستحق إلا بما يفعله المكلف باختياره وقالت الإمامية في تأويلها : إنه يجوز أن يريد هداها إلى طريق الجنة في الآخرة ولم يعاقب أحدا لكن حق القول منه أنه يملأ جهنم فلا يجب على الله تعالى عندنا هداية الكل إليها قالوا : بل الواجب هداية المعصومين فأما من له ذنب فجائز هدايته إلى النار جزاء على أفعاله وفي جواز ذلك منع لقطعهم على أن المراد هداها إلى الإيمان وقد تكلم ![]()
__________________
|
#565
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ السجدة من صــ 96 الى صــ 105 الحلقة (565) "صفحة رقم 97" العلماء عليهم في هذين التأويلين بما فيه كفاية في أصول الدين وأقرب مالهم في الجواب أن يقال : فقد بطل عندنا وعندكم أن يهديهم الله سبحانه على طريق الإلجاء والإجبار والإكراه فصار يؤدي ذلك إلى مذهب الجبرية وهو مذهب رذل عندنا وعندكم فلم يبق إلا أن المهتدين من المؤمنين إنما هداهم الله تعالى إلى الإيمان والطاعة على طريق الاختيار حتى يصح التكليف فمن شاء آمن وأطاع اختيارا لا جبرا قال الله تعالى : لمن شاء منكم أن يستقيم وقال : فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ثم عقب هاتين الآيتين بقوله تعالى : وما تشاءون إلا أن يشاء الله فوقع إيمان المؤمنين بمشيئتهم ونفى أن يشاءوا إلا أن يشاء الله ولهذا فرطت المجبرة لما رأوا أن هدايتهم إلى الإيمان معذوق بمشيئة الله تعالى فقالوا : الخلق مجبورون في طاعتهم كلها التفاتا إلى قوله : وما تشاءون إلا أن يشاء الله وفرطت القدرية لما رأوا أن هدايتهم إلى الإيمان معذوق بمشيئة العباد فقالوا : الخلق خالقون لأفعالهم التفاتا منهم إلى قوله تعالى : لمن شاء منكم أن يستقيم ومذهبنا هو الاقتصاد في الإعتقاد وهو مذهب بين مذهبي المجبرة والقدرية وخير الأمور أوساطها وذلك أن أهل الحق قالوا : نحن نفرق بين ما اضطررنا إليه وبين ما اخترناه وهو أنا ندرك تفرقة بين حركة الارتعاش الواقعة في يد الإنسان بغير محاولته وإرادته ولا مقرونة بقدرته وبين حركة الاختيار إذا حرك يده حركة مماثلة لحركة الارتعاش ومن لا يفرق بين الحركتين : حركة الارتعاش وحركة الاختيار وهما موجودتان في ذاته ومحسوستان في يده بمشاهدته وإدراك حاسته فهو معتوه في عقله ومختل في حسه وخارج من حزب العقلاء وهذا هو الحق المبين وهو طريق بين طريقي الإفراط والتفريط و : كلا طرفي قصد الأمور ذميم "صفحة رقم 98" وبهذا الاعتبار اختار أهل النظر من العلماء أن سموا هذه المنزلة بين المنزلتين كسبا وأخذوا هذه التسمية من كتاب الله العزيز وهو قوله سبحانه : لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت السجدة : ) 14 ( فذوقوا بما نسيتم . . . . . ) السجدة 14 ( قوله تعالى : ) فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ( فيه قولان : أحدهما أنه من النسيان الذي لاذكر معه أي لم يعملوا لهذا اليوم فكانوا بمنزلة الناسين والآخر أن نسيتم بما تركتم وكذا إنا نسيناكم واحتج محمد بن يزيد بقوله تعالى : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي قال : والدليل على أنه بمعنى ترك أن الله عز وجل أخبر عن إبليس أنه قال : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين فلو كان آدم ناسيا لكان قد ذكره وأنشد : كأنه خارجا من جنب صفحته سفود شرب نسوه عند مفتأد أي تركوه ولو كان من النسيان لكان قد عملوا به مرة قال الضحاك : نسيتم أي تركتم أمري يحيى بن سلام : أي تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم ) نسيناكم ( تركناكم من الخير قاله السدي مجاهد : تركناكم في العذاب وفي استئناف قوله : إنا نسيناكم وبناء الفعل على إن واسمها تشديد في الانتقام منهم والمعنى : فذوقوا هذا أي ما أنتم فيه من نكس الرءوس والخزي والغم بسبب نسيان الله أو ذوقوا العذاب المخلد وهو الدائم الذي لا انقطاع له في جهنم ) بما كنتم تعملون ( يعني في الدنيا من المعاصي وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوما لإحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم قال عمر بن أبي ربيعة : فذق هجرها إن كنت تزعم أنها فساد ألا يا ربما كذب الزعم "صفحة رقم 99" الجوهري : وذقت ما عند فلان أي خبرته وذقت القوس إذا جذبت وترها لتنظر ما شدتها وأذاقه الله وبال أمره قال طفيل : فذوقوا كما ذقنا غداة محجر من الغيظ في أكبادنا والتحوب وتذوقته أي ذقته شيئا بعد شيء وأمر مستذاق أي مجرب معلوم قال الشاعر : وعهد الغانيات كعهد قين ونت عنه الجعائل مستذاق والذواق : الملول السجدة : ) 15 ( إنما يؤمن بآياتنا . . . . . ) السجدة 15 ( هذه تسلية للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي أنهم لإلفهم الكفر لايؤمنون بك إنما يؤمن بك وبالقرآن المتدبرون له والمتعظون به وهم الذين إذا قرئ عليهم القرآن ) خروا سجدا ( قال بن عباس : ركعا قال المهدوي : وهذا على مذهب من يرى الركوع عند قراءة السجدة واستدل بقوله تبارك وتعالى : وخر راكعا وأناب وقيل : المراد به السجود وعليه أكثر العلماء أي خروا سجدا لله تعالى على وجوههم تعظيما لآياته وخوفا من سطوته وعذابه ) وسبحوا بحمد ربهم ( أي خلطوا التسبيح بالحمد أي نزهوه وحمدوه فقالوا في سجودهم : سبحان الله وبحمده سبحان ربي الأعلى وبحمده أي تنزيها لله تعالى عن قول المشركين وقال سفيان : وسبحوا بحمد ربهم أي صلوا حمدا لربهم ) وهم لايشكرون ( عن عبادته قاله يحيى بن سلام النقاش : لا يستكبرون كما استكبر أهل مكة عن السجود السجدة : ) 16 ( تتجافى جنوبهم عن . . . . . ) السجدة 16 ( قوله تعالى : ) تتجافى جنوبهم عن المضاجع ( أي ترتفع وتنبو عن مواضع الاضطجاع وهو في موضع نصب على الحال أي متجافية جنوبهم والمضاجع جمع مضجع وهي "صفحة رقم 100" مواضع النوم ويحتمل عن وقت الاضطجاع ولكنه مجاز والحقيقة أولى ومنه قول عبد الله بن رواحة : وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الصبح ساطع يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع قال الزجاج والرماني : التجافي التنحي إلى جهة فوق وكذلك هو في الصفح عن المخطئ في سب ونحوه والجنوب جمع جنب وفيما تتجافى جنوبهم عن المضاجع لأجله قولان : أحدهما لذكر الله تعالى إما في صلاة وإما في غير صلاة قاله بن عباس والضحاك الثاني للصلاة وفي الصلاة التي تتجافى جنوبهم لأجلها أربعة أقوال : أحدها التنفل بالليل قاله الجمهور من المفسرين وعليه أكثر الناس وهو الذي فيه المدح وهو قول مجاهد والأوزاعي ومالك بن أنس والحسن بن أبي الحسن وأبي العالية وغيرهم ويدل عليه قوله تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين لأنهم جوزوا على ما أخفوا بما خفى والله أعلم وسيأتي بيانه وفي قيام الليل أحاديث كثيرة منها حديث معاذ بن جبل أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له : ) ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل من جوف الليل قال ثم تلا تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ يعملون ) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده والقاضي إسماعيل بن إسحاق وأبو عيسى الترمذي وقال فيه : حديث حسن صحيح الثاني صلاة العشاء التي يقال لها العتمة قاله الحسن وعطاء وفي الترمذي عن أنس بن مالك أن هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة قال : هذا حديث حسن غريب الثالث التنفل مابين المغرب والعشاء قاله قتادة وعكرمة وروي أبو داود عن أنس بن مالك أن هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون قال : كانوا يتنفلون مابين المغرب والعشاء الرابع قال الضحاك : تجافي الجنب هو أن يصلي الرجل العشاء والصبح في جماعة وقاله أبو الدرداء وعبادة "صفحة رقم 101" قلت : وهذا قول حسن وهو يجمع الأقوال بالمعنى وذلك أن منتظر العشاء إلى أن يصليها في صلاة وذكر لله جل وعز كما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لا يزال الرجل في صلاة ما انتظر الصلاة ) وقال أنس : المراد بالآية انتظار صلاة العشاء الآخرة لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يؤخرها إلى نحو ثلث الليل قال بن عطية : وكانت الجاهلية ينامون من أول الغروب ومن أي وقت شاء الإنسان فجاء انتظار وقت العشاء غريبا شاقا ومصلى الصبح في جماعة لا سيما في أول الوقت كما كان عليه السلام يصليها والعادة أن من حافظ على هذه الصلاة في أول الوقت يقوم سحرا يتوضأ ويصلي ويذكر الله عز وجل إلى أن يطلع الفجر فقد حصل التجافي أول الليل وآخره يزيد هذا ما رواه مسلم من حديث عثمان بن عفان قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ) من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله ) ولفظ الترمذي وأبي داود في هذا الحديث : ) من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة ) وقد مضى في سورة النور عن كعب فيمن صلى بعد العشاء الآخرة أربع ركعات كن له بمنزلة ليلة القدر وجاءت آثار حسان في فضل الصلاة بين المغرب والعشاء وقيام الليل ذكر بن المبارك قال : أخبرنا يحيى بن أيوب قال حدثني محمد بن الحجاج أو بن أبي الحجاج أنه سمع عبد الكريم يحدث أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) من ركع عشر ركعات بين المغرب والعشاء بني له قصر في الجنة ) فقال له عمر بن الخطاب : إذا تكثر قصورنا وبيوتنا يا رسول الله فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) الله أكبر وأفضل أو قال أطيب ) وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : صلاة الأوابين الخلوة التي بين المغرب والعشاء حتى تثوب الناس إلى الصلاة وكان عبد الله بن مسعود يصلي في تلك الساعة ويقول : صلاة الغفلة بين المغرب والعشاء ذكره بن المبارك ورواه الثعلبي مرفوعا عن بن عمر قال قال "صفحة رقم 102" النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) من جفت جنباه عن المضاجع ما بين المغرب والعشاء بني له قصران في الجنة مسيره عام وفيهما من الشجر ما لو نزلها أهل المشرق والمغرب لأوسعتهم فاكهة ) وهي صلاة الأوابين وغفلة الغافلين وإن من الدعاء المستجاب الذي لا يرد الدعاء بين المغرب والعشاء فصل في فضل التجافي ذكر بن المبارك عن بن عباس قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ليقم الحامدون لله على كل حال فيقومون فيسرحون إلى الجنة ثم ينادي ثانية : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ليقم الذين كانت جنوبهم تتجافى عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون قال : فيقومون فيسرحون إلى الجنة قال : ثم ينادي ثالثة : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ليقم الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار فيقومون فيسرحون إلى الجنة ذكره الثعلبي مرفوعا عن أسماء بنت يزيد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت تسمعه الخلائق كلهم : سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ثم ينادي الثانية ستعلمون اليوم من أولى بالكرم ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله فيقومون ثم ينادي الثالثة ستعلمون اليوم من أولى بالكرم ليقم الحامدون لله على كل حال في السراء والضراء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعا إلى الجنة ثم يحاسب سائر الناس ) وذكر بن المبارك قال أخبرنا معمر عن رجل عن أبي العلاء بن الشخير عن أبي ذر قال : ثلاثة يضحك الله إليهم ويستبشر الله بهم : رجل قام من الليل وترك فراشه ودفئه ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم قام إلى الصلاة فيقول الله لملائكته : ) ما حمل عبدي على ما صنع ) فيقولون : ربنا أنت أعلم به منا فيقول : ) أنا أعلم به ولكن أخبروني ) فيقولون : رجيته شيئا فرجاه وخوفته فخافه فيقول : ) أشهدكم أني قد أمنته مما خاف وأوجبت له ما رجاه ) قال : ورجل كان "صفحة رقم 103" في سرية فلقي العدو فانهزم أصحابه وثبت هو حتى يقتل أو يفتح الله عليهم فيقول الله لملائكته مثل هذه القصة ورجل سرى في ليلة حتى إذا كان في آخر الليل نزل هو وأصحابه فنام أصحابه وقام هو يصلي فيقول الله لملائكته ) وذكر القصة قوله تعالى : ) يدعون ربهم ( في موضع نصب على الحال أي داعين ويحتمل أن تكون صفة مستأنفة أي تتجافى جنوبهم وهم أيضا في كل حال يدعون ربهم ليلهم ونهارهم و ) خوفا ( مفعول من أجله ويجوز أن يكون مصدرا ) وطمعا ( مثله أي خوفا من العذاب وطمعا في الثواب ) ومما رزقناهم ينفقون ( تكون ما بمعنى الذي وتكون مصدرا وفي كلا الوجهين يجب أن تكون منفصلة من من وينفقون قيل : معناه الزكاة المفروضة وقيل : النوافل وهذا القول أمدح السجدة : ) 17 ( فلا تعلم نفس . . . . . ) السجدة 17 ( قرأ حمزة : ) ما أخفي لهم ( بإسكان الياء وفتحها الباقون وفي قراءة عبد الله ما نخفي بالنون مضمومة وروى المفضل عن الأعمش ما يخفي لهم بالياء المضمومة وفتح الفاء وقرأ بن مسعود وأبو هريرة : من قرات أعين فمن أسكن الياء من قوله : ما أخفي فهو مستقبل وألفه ألف المتكلم وما في موضع نصب ب أخفي وهي استفهام والجملة في موضع نصب لوقوعها موقع المفعولين والضمير العائد على ما محذوف ومن فتح الياء فهو فعل ماض مبني للمفعول وما في موضع رفع بالابتداء والخبر أخفى وما بعده والضمير في أخفى عائد على ما قال الزجاج : ويقرأ ما أخفى لهم بمعنى ما أخفى الله لهم وهي قراءة محمد بن كعب وما في موضع نصب المهدوي : ومن قرأ : قرات أعين فهو جمع قرة وحسن الجمع فيه لإضافته إلى جمع والإفراد لأنه "صفحة رقم 104" مصدر وهو اسم للجنس وقال أبو بكر الأنباري : وهذا غير مخالف للمصحف لأن تاء قرة تكتب تاء على لغة من يجري الوصل على الوقف كما كتبوا ) رحمت الله ( بالتاء ولا يستنكر سقوط الألف من قرأت في الخط وهو موجود في اللفظ كما لم يستنكر سقوط الألف من السماوات وهي ثابتة في اللسان والنطق والمعنى المراد : أنه أخبر تعالى بما لهم من النعيم الذي لم تعلمه نفس ولا بشر ولا ملك وفي معنى هذه الآية : قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) قال الله عز وجل أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع إلى قوله بما كانوا يعملون ) خرجه الصحيح من حديث سهل بن سعد الساعدي وقال بن مسعود : في التوراة مكتوب : على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقال بن عباس : الأمر في هذا أجل وأعظم من أن يعرف تفسيره قلت : وهذه الكرامة إنما هي لأعلى أهل الجنة منزلا كما جاء مبينا في صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة يرفعه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) سأل موسى عليه السلام ربه فقال يا رب ما أدنى أهل الجنة منزلة قال هو رجل يأتي بعد ما يدخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله معه ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب فيقال هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت رب قال رب فأعلاهم منزلة قال أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر قال ومصداقه من كتاب الله قوله تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم "صفحة رقم 105" من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وقد روي عن المغيرة موقوفا قوله وخرج مسلم أيضا عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعكم عليه ثم قرأ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين وقال بن سيرين : المراد به النظر إلى الله تعالى وقال الحسن : أخفى القوم أعمالا فأخفى الله تعالى لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت السجدة : ) 18 ( أفمن كان مؤمنا . . . . . ) السجدة 18 ( فيه ثلاث مسائل : الأولى قوله تعالى : ) أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لايستوون ( أي ليس المؤمن كالفاسق فلهذا آتينا هؤلاء المؤمنين الثواب العظيم قال بن عباس وعطاء بن يسار : نزلت الآية في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط وذلك أنهما تلاحيا فقال له الوليد : أنا أبسط منك لسانا وأحد سنانا وأرد للكتيبة وروي وأملآ في الكتيبة جسدا فقال له علي : اسكت فإنك فاسق فنزلت الآية وذكر الزجاج والنحاس أنها نزلت في علي وعقبة بن أبي معيط قال بن عطية : وعلى هذا يلزم أن تكون الآية مكية لأن عقبة لم يكن بالمدينة وإنما قتل في طريق مكة منصرف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من بدر ويعترض القول الآخر بإطلاق اسم الفسق على الوليد وذلك يحتمل أن يكون في صدر إسلام الوليد لشيء كان في نفسه أو لما روي من نقله عن بني المصطلق ما لم يكن حتى نزلت فيه : إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا على ما يأتي في الحجرات بيانه ويحتمل أن تطلق الشريعة ذلك عليه لأنه كان على طرف مما يبغي وهو الذي شرب الخمر في زمن "صفحة رقم 106" عثمان رضي الله عنه وصلى الصبح بالناس ثم التفت وقال : أتريدون أن أزيدكم ونحو هذا مما يطول ذكره الثانية لما قسم الله تعالى المؤمنين والفاسقين الذين فسقهم بالكفر لأن التكذيب في آخر الآية يقتضي ذلك اقتضى ذلك نفي المساواة بين المؤمن والكافر ولهذا منع القصاص بينهما إذ من شرط وجوب القصاص المساواة بين القاتل والمقتول وبذلك احتج علماؤنا على أبي حنيفة في قتله المسلم بالذمي وقال : أراد نفي المساواة ها هنا في الآخرة في الثواب وفي الدنيا في العدالة ونحن حملناه على عمومه وهو أصح إذ لا دليل يخصه قاله بن العربي الثالثة قوله تعالى : ) لا يستوون ( قال الزجاج وغيره : من يصلح للواحد والجمع النحاس : لفظ من يؤدى عن الجماعة فلهذا قال : لايستوون هذا قول كثير من النحويين وقال بعضهم : لايستوون لاثنين لأن الاثنين جمع لأنه واحد جمع مع آخر وقاله الزجاج أيضا والحديث يدل على هذا القول لأنه عن بن عباس وغيره قال : نزلت أفمن كان مؤمنا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه كمن كان فاسقا في الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقال الشاعر : أليس الموت بينهما سواء إذا ماتوا وصاروا في القبور السجدة : ) 19 ( أما الذين آمنوا . . . . . ) السجدة 19 : 20 ( قوله تعالى : ) أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى ( أخبر عن مقر الفريقين غدا فللمؤمنين جنات المأوى أي يأوون إلى الجنات فأضاف الجنات إلى المأوى لأن ذلك ![]()
__________________
|
#566
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 106 الى صــ 115 الحلقة (566) "صفحة رقم 107" الموضع يتضمن جنات ) نزلا ( أي ضيافة والنزل : ما يهيأ للنازل والضيف وقد مضى في آخر آل عمران وهو نصب على الحال من الجنات أي لهم الجنات معدة ويجوز أن يكون مفعولا له ) وأما الذين فسقوا ( أي خرجوا عن الإيمان إلى الكفر ) فمأواهم النار ( أي مقامهم فيها ) كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ( أي إذا دفعهم لهب النار إلى أعلاها ردوا إلى موضعهم فيها لأنهم يطمعون في الخروج منها وقد مضى هذا في الحج ) وقيل لهم ( أي يقول لهم خزنة جهنم أو يقول الله لهم : ) ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ( والذوق يستعمل محسوسا ومعنى وقد مضى في هذه السورة بيانه السجدة : ) 21 ( ولنذيقنهم من العذاب . . . . . ) السجدة 21 ( قوله تعالى : ) ولنذيقهم من العذاب الأدنى ( قال الحسن وأبو العالية والضحاك وأبي بن كعب وإبراهيم النخعي : العذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها مما يبتلى به العبيد حتى يتوبوا وقاله أبن عباس وعنه أيضا أنه الحدود وقال بن مسعود والحسين بن علي وعبد الله بن الحارث : هو القتل بالسيف يوم بدر وقال مقاتل : الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف وقاله مجاهد وعنه أيضا : العذاب الأدنى عذاب القبر وقاله البراء بن عازب قالوا : والأكبر عذاب يوم القيامة قال القشيري : وقيل عذاب القبر وفيه نظر لقوله : لعلهم يرجعون قال : ومن حمل العذاب على القتل قال : لعلهم يرجعون أي يرجع من بقي منهم ولا خلاف أن العذاب الأكبر عذاب جهنم إلا ما روي عن جعفر بن محمد أنه خروج المهدي بالسيف والأدنى غلاء السعر وقد قيل : إن معنى قوله : لعلهم يرجعون على قول مجاهد والبراء : أي لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه "صفحة رقم 108" كقوله : فارجعنا نعمل صالحا وسميت إرادة الرجوع رجوعا كما سميت إرادة القيام قياما في قوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة ويدل عليه قراءة من قرأ : يرجعون على البناء للمفعول ذكره الزمخشري السجدة : ) 22 ( ومن أظلم ممن . . . . . ) السجدة 22 ( قوله تعالى : ) ومن أظلم ( أي لا أحد أظلم لنفسه ) ممن ذكر بآيات ربه ( أي بحججه وعلاماته ) ثم أعرض عنها ( بترك القبول ) إنا من المجرمين منتقمون ( لتكذيبهم وإعراضهم السجدة : ) 23 ( ولقد آتينا موسى . . . . . ) السجدة 23 : 25 ( قوله تعالى : ) ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه ( أي فلا تكن يا محمد في شك من لقاء موسى قاله بن عباس وقد لقيه ليلة الإسراء قتادة : المعنى فلا تكن في شك من أنك لقيته ليلة الإسراء والمعنى واحد وقيل : فلا تكن في شك من لقاء موسى في القيامة وستلقاه فيها وقيل : فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب بالقبول قاله مجاهد والزجاج وعن الحسن أنه قال في معناه : ولقد آتينا موسى الكتاب فأوذي وكذب فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى فالهاء عائدة على محذوف والمعنى من لقاء ما لاقى النحاس : وهذا قول غريب إلا أنه من رواية عمرو "صفحة رقم 109" بن عبيد وقيل في الكلام تقديم وتأخير والمعنى : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم فلا تكن في مرية من لقائه فجاء معترضا بين ولقد آتينا موسى الكتاب وبين وجعلناه هدى لبني إسرائيل والضمير في جعلناه فيه وجهان : أحدهما جعلنا موسى قاله قتادة الثاني جعلنا الكتاب قاله الحسن ) ( أي قادة وقدوة يقتدى بهم في دينهم والكوفيون يقرؤون أئمة النحاس : وهو لحن عند جميع النحويين لأنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة وهو من دقيق النحو وشرحه : أن الأصل أأممة ثم ألقيت حركة الميم على الهمزة وأدغمت الميم وخففت الهمزة الثانية لئلا يجتمع همزتان والجمع بين همزتين في حرفين بعيد فأما في حرف واحد فلا يجوز إلا تخفيف الثانية نحو قولك : آدم وآخر ويقال : هذا أوم من هذا وأيم بالواو والياء وقد مضى هذا في براءة والله تعالى أعلم ) يهدون بأمرنا ( أي يدعون الخلق إلى طاعتنا ) بأمرنا ( أي أمرناهم بذلك وقيل : بأمرنا أي لأمرنا أي يهدون الناس لديننا ثم قيل : المراد الأنبياء عليهم السلام قاله قتادة وقيل : المراد الفقهاء والعلماء ) لما صبروا ( قراءة العامة لما بفتح اللام وتشديد الميم وفتحها أي حين صبروا وقرأ يحيى وحمزة والكسائي وخلف ورويس عن يعقوب : لما صبروا أي لصبرهم جعلناهم أئمة واختاره أبو عبيد اعتبارا بقراءة بن مسعود بما صبروا بالباء وهذا الصبر صبر على الدين وعلى البلاء وقيل : صبروا عن الدنيا ) إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة ( أي يقضي ويحكم بين المؤمنين والكفار فيجازي كلا بما يستحق وقيل : يقضي بين الأنبياء وبين قومهم حكاه النقاش السجدة : ) 26 ( أولم يهد لهم . . . . . ) السجدة 26 ( "صفحة رقم 110" قوله تعالى : ) أو لم يهد لهم ( وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وقتادة وأبو زيد عن يعقوب نهد لهم بالنون فهذه قراءة بينة النحاس : وبالياء فيها إشكال لأنه يقال : الفعل لا يخلو من فاعل فأين الفاعل ل يهد فتكلم النحويون في هذا فقال الفراء : كم في موضع رفع ب يهد وهذا نقض لأصول النحويين في قولهم : إن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ولا في كم بوجه أعني ما قبلها ومذهب أبي العباس أن يهد يدل على الهدى والمعنى أو لم يهد لهم الهدى وقيل : المعنى أولم يهد الله لهم فيكون معنى الياء والنون واحدا أي أو لم نبين لهم إهلاكنا القرون الكافرة من قبلهم وقال الزجاج : كم في موضع نصب ب أهلكنا ) يمشون في مساكنهم ( يحتمل الضمير في يمشون أن يعود على الماشين في مساكن المهلكين أي وهؤلاء يمشون ولا يعتبرون ويحتمل أن يعود على المهلكين فيكون حالا والمعنى : أهلكناهم ماشين في مساكنهم ) إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ( آيات الله وعظاته فيتعظون السجدة : ) 27 ( أولم يروا أنا . . . . . ) السجدة 27 ( قوله تعالى : ) أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ( أي أولم يعلموا كمال قدرتنا بسوقنا الماء إلى الأرض اليابسة التي لا نبات فيها لنحييها الزمخشري : الجرز الأرض التي جرز نباتها أي قطع إما لعدم الماء وإما لأنه رعي وأزيل ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ جرز ويدل عليه قوله تعالى : ) فنخرج به زرعا ( قال بن عباس : هي أرض باليمن وقال مجاهد : هي أبين وقال عكرمة : هي الأرض الظمآى وقال الضحاك : هي الأرض الميتة العطشى وقال الفراء : هي الأرض التي لا نبات فيها وقال الأصمعي : هي الأرض التي لا تنبت شيئا وقال محمد بن يزيد : يبعد أن تكون لأرض بعينها لدخول الألف واللام إلا أنه يجوز على قول من قال : العباس والضحاك والإسناد "صفحة رقم 111" عن بن عباس صحيح لا مطعن فيه وهذا إنما هو نعت والنعت للمعرفة يكون بالألف واللام وهو مشتق من قولهم : رجل جروز إذا كان لا يبقي شيئا إلا أكله قال الراجز : خب جروز وإذا جاع بكى ويأكل التمر ولا يلقي النوى وكذلك ناقة جروز : إذا كانت تأكل كل شيء تجده وسيف جراز : أي قاطع ماض وجرزت الجراد الزرع : إذا استأصلته بالأكل وحكى الفراء وغيره أنه يقال : أرض جرز وجرز وجرز وجرز وكذلك بخل ورغب ورهب في الأربعة أربع لغات وقد روي أن هذه الأرض لا أنهار فيها وهي بعيدة من البحر وإنما يأتيها في كل عام ودان فيزرعون ثلاث مرات في كل عام وعن مجاهد أيضا : أنها أرض النيل ) فنخرج به ( أي بالماء ) زرعا تأكل منه أنعامهم ( من الكلأ والحشيش ) وأنفسهم ( من الحب والخضر والفواكه ) أفلا يبصرون ( هذا فيعلمون أنا نقدر على إعادتهم وفنخرج يكون معطوفا على نسوق أو منقطعا مما قبله تأكل منه أنعامهم في موضع نصب على النعت السجدة : ) 28 ( ويقولون متى هذا . . . . . ) السجدة 28 : 29 ( قوله تعالى : ) ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ( متى في موضع رفع ويجوز أن يكون في موضع نصب على الظرف قال قتادة : الفتح القضاء وقال الفراء والقتبي : يعني فتح مكة وأولى من هذا ما قاله مجاهد قال : يعني يوم القيامة ويروى أن المؤمنين قالوا : سيحكم الله عز وجل بيننا يوم القيامة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء فقال الكفار على التهزيء : متى يوم الفتح أي هذا الحكم ويقال للحاكم : فاتح وفتاح لأن الأشياء تنفتح على يديه وتنفصل وفي القرآن : ربنا افتح بيننا وبين "صفحة رقم 112" قومنا بالحق وقد مضى في هذا في البقرة وغيرها ) قل يوم الفتح ( على الظرف وأجاز الفراء الرفع ) لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ( أي يؤخرون ويمهلون للتوبة إن كان يوم الفتح يوم بدر أو فتح مكة ففي بدر قتلوا ويوم الفتح هربوا فلحقهم خالد بن الوليد فقتلهم السجدة : ) 30 ( فأعرض عنهم وانتظر . . . . . ) السجدة 30 ( قوله تعالى : ) فأعرض عنهم ( قيل : معناه فأعرض عن سفههم ولا تجبهم إلا بما أمرت به ) وانتظر إنهم منتظرون ( أي انتظر يوم الفتح يوم يحكم الله لك عليهم بن عباس : فأعرض عنهم أي عن مشركي قريش مكة وأن هذا منسوخ بالسيف في براءة في قوله : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وانتظر أي موعدي لك قيل : يعني يوم بدر ) إنهم منتظرون ( أي ينتظرون بكم حوادث الزمان وقيل : الآية غير منسوخة إذ قد يقع الإعراض مع الأمر بالقتال كالهدنة وغيرها وقيل : أعرض عنهم بعد ما بلغت الحجة وانتظر إنهم منتظرون إن قيل : كيف ينتظرون القيامة وهم لا يؤمنون ففي هذا جوابان : أحدهما أن يكون المعنى إنهم منتظرون الموت وهو من أسباب القيامة فيكون هذا مجازا والآخر أن فيهم من يشك وفيهم من يؤمن بالقيامة فيكون هذا جوابا لهذين الصنفين والله أعلم وقرأ بن السميقع : إنهم منتظرون بفتح الظاء ورويت عن مجاهد وبن محيصن قال الفراء : لا يصح هذا إلا بإضمار مجازه : إنهم منتظرون بهم قال أبو حاتم : الصحيح الكسر أي انتظر عذابهم إنهم منتظرون هلاكك وقد قيل : إن قراءة بن السميقع ) بفتح الظاء ( معناها : وانتظر هلاكهم فإنهم أحقاء بأن ينتظر هلاكهم يعني أنهم هالكون لا محالة وانتظر ذلك فإن الملائكة في السماء ينتظرونه ذكره الزمخشري وهو معنى قول الفراء والله أعلم تفسير سورة الأحزاب مدنية في قول جميعهم نزلت في المنافقين وإيذائهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وطعنهم فيه وفي مناكحته وغيرها وهي ثلاث وسبعون آية وكانت هذه السورة تعدل سورة البقرة وكانت فيها آية الرجم : ) الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ( ذكره أبو بكر الأنباري عن أبي بن كعب وهذا يحمله أهل العلم على أن الله تعالى رفع من الأحزاب إليه ما يزيد على ما في أيدينا وأن آية الرجم رفع لفظها وقد حدثنا أحمد بن الهيثم بن خالد قال حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال حدثنا بن أبي مريم عن بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مائتي آية فلما كتب المصحف لم يقدر منها إلا على ما هي الآن قال أبو بكر : فمعنى هذا من قول أم المؤمنين عائشة : أن الله تعالى رفع إليه من سورة الأحزاب ما يزيد على ما عندنا قلت : هذا وجه من وجوه النسخ وقد تقدم في البقرة القول فيه مستوفي والحمد لله وروي زر قال قال لي أبي بن كعب : كم تعدون سورة الأحزاب قلت : ثلاثا وسبعين آية قال : فوالذي يحلف به أبي بن كعب أن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول ولقد قرأنا منها آية الرجم : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم أراد أبي أن ذلك من جملة ما نسخ من القرآن وأما ما يحكى من أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة فأكلتها الداجن فمن تأليف الملاحدة والروافض بسم الله الرحمن الرحيم الأحزاب : ) 1 ( يا أيها النبي . . . . . ) الاحزاب 1 ( "صفحة رقم 114" قوله تعالى : ) يأيها النبي اتق الله ( ضمت أي لأنه نداء مفرد والتنبيه لازم لها والنبي نعت لأي عند النحويين إلا الأخفش فإنه يقول : إنه صلة لأي مكي : ولا يعرف في كلام العرب اسم مفرد صلة لشيء النحاس : وهو خطأ عند أكثر النحويين لأن الصلة لا تكون إلا جملة والاحتيال له فيما قال أنه لما كان نعتا لازما سمي صلة وهكذا الكوفيون يسمون نعت النكرة صلة لها ولا يجوز نصبه على الموضع عند أكثر النحويين وأجازه المازني جعله كقولك : يا زيد الظريف بنصب الظريف على موضع زيد مكي : وهذا نعت يستغني عنه ونعت أي لا يستغنى عنه فلا يحسن نصبه على الموضع وأيضا فإن نعت أي هو المنادى في المعنى فلا يحسن نصبه وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما هاجر إلى المدينة وكان يحب إسلام اليهود : قريظة والنضير وبني قينقاع وقد تابعه ناس منهم على النفاق فكان يلين لهم جانبه ويكرم صغيرهم وكبيرهم وإذا أتى منهم قبيح تجاوز عنه وكان يسمع منهم فنزلت وقيل إنها نزلت فيما ذكر الواحدي والقشيري والثعلبي والماوردي وغيرهم في أبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور عمرو بن سفيان نزلوا المدينة على عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين بعد أحد وقد أعطاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الأمان على أن يكلموه فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده عمر بن الخطاب : ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة وقل إن لها شفاعة ومنعة لمن عبدها وندعك وربك فشق على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما قالوا فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي في قتلهم فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إني قد أعطيتهم الأمان ) فقال عمر : اخرجوا في لعنة الله وغضبه فأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يخرجوا من المدينة فنزلت الآية ) يأيها النبي اتق الله ( أي خف الله ) ولا تطع الكافرين ( من أهل مكة يعني أبا سفيان وأبا الأعور وعكرمة ) والمنافقين ( من أهل المدينة يعني عبد الله بن أبي وطعمة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فيما نهيت عنه "صفحة رقم 115" ولا تمل إليهم ) إن الله كان عليما ( بكفرهم ) حكيما ( فيما يفعل بهم الزمخشري : وروي أن أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الموادعة التي كانت بينه وبينهم وقام معهم عبد الله بن أبي ومعتب بن قشير والجد بن قيس فقالوا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ارفض ذكر آلهتنا وذكر الخبر بمعنى ما تقدم وأن الآية نزلت في نقض العهد ونبذ الموادعة ولا تطع الكافرين من أهل مكة والمنافقين من أهل المدينة فيما طلبوا إليك وروي أن أهل مكة دعوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أن يرجع عن دينه ويعطوه شطر أموالهم ويزوجه شيبة بن ربيعة بنته وخوفه منافقو المدينة أنهم يقتلونه إن لم يرجع فنزلت النحاس : ودل بقوله إن الله كان عليما حكيما على أنه كان يميل إليهم استدعاء لهم إلى الإسلام أي لو علم الله عز وجل أن ميلك إليهم فيه منفعة لما نهاك عنه لأنه حكيم ثم قيل : الخطاب له ولأمته الأحزاب : ) 2 ( واتبع ما يوحى . . . . . ) الاحزاب 2 : 3 ( قوله تعالى : ) واتبع ما يوحى إليك من ربك ( يعني القرآن وفيه زجر عن اتباع مراسم الجاهلية وأمر بجهادهم ومنابذتهم وفيه دليل على ترك اتباع الآراء مع وجود النص والخطاب له ولأمته ) إن الله كان بما تعملون خبيرا ( قراءة العامة بتاء على الخطاب وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم وقرأ السلمي وأبو عمرو وبن أبي إسحاق : يعملون بالياء على الخبر وكذلك في قوله : بما تعملون بصيرا ) وتوكل على الله ( أي اعتمد عليه في كل أحوالك فهو الذي يمنعك ولا يضرك من خذلك ) وكفى بالله وكيلا ( حافظا وقال شيخ من أهل الشام : قدم على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفد من ثقيف فطلبوا منه أن يمتعهم باللات سنة وهي الطاغية التي كانت ثقيف تعبدها وقالوا : لتعلم قريش منزلتنا عندك فهم "صفحة رقم 116" النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فنزلت وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا أي كافيا لك ما تخافه منهم وبالله في موضع رفع لأنه الفاعل ووكيلا نصب على البيان أو الحال الأحزاب : ) 4 ( ما جعل الله . . . . . ) الاحزاب 4 ( فيه خمس مسائل : الأولى قال مجاهد : نزلت في رجل من قريش كان يدعى ذا القلبين من دهائه وكان يقول : إن لي في جوفي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد قال : وكان من فهر الواحدي والقشيري وغيرهما : نزلت في جميل بن معمر الفهري وكان رجلا حافظا لما يسمع فقالت قريش : ما يحفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان وكان يقول : لي قلبان أعقل بهما أفضل من عقل محمد فلما هزم المشركون يوم بدر ومعهم جميل بن معمر رآه أبو سفيان في العير وهو معلق إحدى نعليه في يده والأخرى في رجله فقال أبو سفيان : ما حال الناس قال انهزموا قال : فما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك قال : ما شعرت إلا أنهما في رجلي فعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسى نعله في يده وقال السهيلي : كان جميل بن معمر الجمحي وهو بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح واسم جمح : تيم وكان يدعى ذا القلبين فنزلت فيه الآية وفيه يقول الشاعر : وكيف ثوائي بالمدينة بعد ما قضى وطرا منها جميل بن معمر قلت : كذا قالوا جميل بن معمر وقال الزمخشري : جميل بن أسد الفهري وقال بن عباس : سببها أن بعض المنافقين قال : إن محمدا له قلبان لأنه ربما كان في شيء فنزع ![]()
__________________
|
#567
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 116 الى صــ 125 الحلقة (567) "صفحة رقم 117" في غيره نزعة ثم عاد إلى شأنه الأول فقالوا ذلك عنه فأكذبهم الله عز وجل وقيل : نزلت في عبد الله بن خطل وقال الزهري وبن حبان : نزل ذلك تمثيلا في زيد بن حارثة لما تبناه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فالمعنى : كما لا يكون لرجل قلبان كذلك لا يكون ولد واحد لرجلين قال النحاس : وهذا قول ضعيف لا يصح في اللغة وهو من منقطعات الزهري رواه معمر عنه وقيل : هو مثل ضرب للمظاهر أي كما لا يكون للرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى تكون له أمان وقيل : كان الواحد من المنافقين يقول : لي قلب يأمرني بكذا وقلب يأمرني بكذا فالمنافق ذو قلبين فالمقصود رد النفاق وقيل : لا يجتمع الكفر والإيمان بالله تعالى في قلب كما لا يجتمع قلبان في جوف فالمعنى : لا يجتمع اعتقادان متغايران في قلب ويظهر من الآية بجملتها نفي أشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك الوقت وإعلام بحقيقة الأمر والله أعلم الثانية القلب بضعة صغيرة على هيئة الصنوبرة خلقها الله تعالى في الآدمي وجعلها محلا للعلم فيحصي به العبد من العلوم ما لا يسع في أسفار يكتبه الله تعالى فيه بالخط الإلهي ويضبطه فيه بالحفظ الرباني حتى يحصيه ولا ينسى منه شيئا وهو بين لمتين : لمة من الملك ولمة من الشيطان كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) خرجه الترمذي وقد مضى في البقرة وهو محل الخطرات والوساوس ومكان الكفر والإيمان وموضع الإصرار والإنابة ومجرى الانزعاج والطمأنينة والمعنى في الآية : أنه لا يجتمع في القلب الكفر والإيمان والهدى والضلال والإنابة والإصرار وهذا نفي لكل ما توهمه أحد في ذلك من حقيقة أو مجاز والله أعلم الثالثة أعلم الله عز وجل في هذه الآية أنه لا أحد بقلبين ويكون في هذا طعن على المنافقين الذين تقدم ذكرهم أي إنما هو قلب واحد فإما فيه إيمان وإما فيه كفر لأن "صفحة رقم 118" درجة النفاق كأنها متوسطة فنفاها الله تعالى وبين أنه قلب واحد وعلى هذا النحو يستشهد الإنسان بهذه الآية متى نسى شيئا أو وهم يقول على جهة الإعتذار : ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه الرابعة قوله تعالى : ) وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ( يعني قول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي وذلك مذكور في سورة المجادلة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى ( أجمع أهل التفسير على أن هذا نزل في زيد بن حارثة وروى الأئمة أن بن عمر قال : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت : ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله وكان زيد فيما روي عن أنس بن مالك وغيره مسبيا من الشام سبته خيل من تهامة فابتاعه حكيم بن حزام بن خويلد فوهبه لعمته خديجة فوهبته خديجة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأعتقه وتبناه فأقام عنده مدة ثم جاء عمه وأبوه يرغبان في فدائه فقال لهما النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك قبل البعث : ) خيراه فإن اختاركما فهو لكما دون فداء ) فاختار الرق مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على حريته وقومه فقال محمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عند ذلك : ) يامعشر قريش اشهدوا أنه ابني يرثني وأرثه ) وكان يطوف على حلق قريش يشهدهم على ذلك فرضي ذلك عمه وأبوه وانصرفا وكان أبوه لما سبى يدور الشام ويقول : بكيت على زيد ولم أدر ما أفعل أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل فوالله لا أدري وإني لسائل أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل فياليت شعري هل لك الدهر أوبة فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل تذكرنيه الشمس عند طلوعها وتعرض ذكراه إذا غربها أفل وإن هبت الأرياح هيجن ذكره فياطول ما حزني عليه وما وجل سأعمل نص العيس في الأرض جاهدا ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل حياتي أو تأتي علي منيتي فكل امرئ فان وإن غره الأمل "صفحة رقم 119" فأخبر أنه بمكة فجاء إليه فهلك عنده وروي أنه جاء إليه فخيره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما ذكرنا وانصرف وسيأتي من ذكره وفضله وشرفه شفاء عند قوله : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها إن شاء الله تعالى وقتل زيد بمؤتة من أرض الشام سنة ثمان من الهجرة وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمره في تلك الغزاة وقال : ) إن قتل زيد فجعفر فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة ) فقتل الثلاثة في تلك الغزاة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ولما أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نعى زيد وجعفر بكى وقال : ) أخواي ومؤنساي ومحدثاي الأحزاب : ) 5 ( ادعوهم لآبائهم هو . . . . . ) الاحزاب 5 ( بن أبي ربيعة فسمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ببعثهما فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيه ست مسائل : الأولى قوله تعالى : ) ادعوهم لآبائهم ( نزلت في زيد بن حارثة على ما تقدم بيانه وفي قول بن عمر : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد دليل على أن التبني كان معمولا به في الجاهلية والإسلام يتوارث به ويتناصر إلى أن نسخ الله ذلك بقوله : ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله أي أعدل فرفع الله حكم التبني ومنع من إطلاق لفظه وأرشد بقوله إلى أن الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبا فيقال : كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه من الرجل جلده وظرفه ضمه إلى نفسه وجعل له نصيب الذكر من أولاده من ميراثه وكان ينسب إليه فيقال فلان بن فلان وقال النحاس : هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني وهو من نسخ السنة بالقرآن فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولائه فإن لم يكن له ولاء معروف قال له يا أخي يعني في الدين قال الله تعالى : إنما المؤمنون إخوة "صفحة رقم 120" الثانية لو نسبه إنسان إلى أبيه من التبني فإن كان على جهة الخطأ وهو أن يسبق لسانه إلى ذلك من غير قصد فلا إثم ولا مؤاخذة لقوله تعالى : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكذلك لو دعوت رجلا إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه فليس عليك بأس قاله قتادة ولا يجري هذا المجرى ما غلب عليه اسم التبني كالحال في المقداد بن عمرو فإنه كان غلب عليه نسب التبني فلا يكاد يعرف إلا بالمقداد بن الأسود فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية وعرف به فلما نزلت الآية قال المقداد : أنا بن عمرو ومع ذلك فبقى الإطلاق عليه ولم يسمع فيمن مضى من عصى مطلق ذلك عليه وإن كان متعمدا وكذلك سالم مولى أبي حذيفة كان يدعى لأبي حذيفة وغير هؤلاء ممن تبنى وانتسب لغير أبيه وشهر بذلك وغلب عليه وذلك بخلاف الحال في زيد بن حارثة فإنه لا يجوز أن يقال فيه زيد بن محمد فإن قاله أحد متعمدا عصى لقوله تعالى : ولكن ما تعمدت قلوبكم أي فعليكم الجناح والله أعلم ولذلك قال بعده : ) وكان الله غفورا رحيما ( أي غفورا للعمد ورحيما برفع إثم الخطأ الثالثة وقد قيل : إن قول الله تبارك وتعالى : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم مجمل أي وليس عليكم جناح في شيء أخطأتم وكانت فتيا عطاء وكثير من العلماء على هذا إذا حلف رجل ألا يفارق غريمه حتى يستوفي منه حقه فأخذ منه ما يرى أنه جيد من دنانير فوجدها زيوفا أنه لا شيء عليه وكذلك عنده إذا حلف ألا يسلم على فلان فسلم عليه وهو لا يعرفه أنه لا يحنث لأنه لم يتعمد ذلك وما في موضع خفض ردا على ما التي مع أخطأتم ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ والتقدير : ولكن الذي تؤاخذون به ما تعمدت قلوبكم قال قتادة وغيره : من نسب رجلا إلى غير أبيه وهو يرى أنه أبوه خطأ فذلك من الذي رفع الله فيه الجناح وقيل هو أن يقول له في المخاطبة : يا بني على غير تبن الرابعة قوله تعالى : ) ذلكم قولكم بأفواهكم ( بأفواهكم تأكيد لبطلان القول أي أنه قول لا حقيقة له في الوجود إنما هو قول لساني فقط وهذا كما تقول : أنا أمشي "صفحة رقم 121" إليك على قدم فإنما تريد بذلك المبرة وهذا كثير وقد تقدم هذا المعنى في غير موضع ) والله يقول الحق ( الحق نعت لمصدر محذوف أي يقول القول الحق و ) يهدي ( معناه يبين فهو يتعدى بغير حرف جر الخامسة الأدعياء جمع الدعى وهو الذي يدعي أبنا لغير أبيه أو يدعي غير أبيه والمصدر الدعوة بالكسر فأمر تعالى بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصلب فمن جهل ذلك فيه ولم تشتهر أنسابهم كان مولى وأخا في الدين وذكر الطبري أن أبا بكرة قرأ هذه الآية وقال : أنا ممن لا يعرف أبوه فأنا أخوكم في الدين ومولاكم قال الراوي عنه : ولو علم والله أن أباه حمار لانتمى إليه ورجال الحديث يقولون في أبي بكرة : نفيع بن الحارث السادسة روى الصحيح عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة كلاهما قال : سمعته أذناي ووعاه قلبي محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ) من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) وفي حديث أبي ذر أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ) ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ) الأحزاب : ) 6 ( النبي أولى بالمؤمنين . . . . . ) الاحزاب 6 ( فيه تسع مسائل : الأولى قوله تعالى : ) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ( هذه الآية أزال الله تعالى بها أحكاما كانت في صدر الإسلام منها : أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان لا يصلي على ميت "صفحة رقم 122" عليه دين فلما فتح الله عليه الفتوح قال : ) أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته ) أخرجه الصحيحان وفيهما أيضا ) فأيكم ترك دينا أو ضياعا فأنا مولاه ) قال بن العربي : فانقلبت الآن الحال بالذنوب فإن تركوا مالا ضويق العصبة فيه وإن تركوا ضياعا أسلموا إليه فهذا تفسير الولاية المذكورة في هذه الآية بتفسير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتنبيهه ) ولا عطر بعد عروس ( قال بن عطية : وقال بعض العلماء العارفين هو أولى بهم من أنفسهم لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة قال بن عطية : ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام : ) أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش ) قلت : هذا قول حسن في معنى الآية وتفسيرها والحديث الذي ذكر أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه وأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحمون فيه ) وعن جابر مثله وقال : ) وأنتم تفلتون من يدي ) قال العلماء : الحجزة للسراويل والمعقد للإزار فإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه وهذا مثل لاجتهاد نبينا عليه الصلاة والسلام في نجاتنا وحرصه على تخلصنا من الهلكات التي بين أيدينا فهو أولى بنا من أنفسنا ولجهلنا بقدر ذلك وغلبة شهواتنا علينا وظفر عدونا اللعين بناصرنا أحقر من الفراش وأذل من الفراش ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقيل : أولى بهم أي أنه إذا أمر بشيء ودعت النفس إلى غيره كان أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أولى وقيل : أولى بهم أي هو أولى بأن يحكم على المؤمنين فينفذ حكمه في أنفسهم أي فيما يحكمون به لأنفسهم مما يخالف حكمه الثانية قال بعض أهل العلم : يجب على الإمام أن يقضي من بيت المال دين الفقراء اقتداء بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه قد صرح بوجوب ذلك عليه حيث قال : ) فعلي قضاؤه ) والضياع ) بفتح الضاد ( مصدر ضاع ثم جعل اسما لكل ما هو بصدد أن يضيع "صفحة رقم 123" من عيال وبنين لا كافل لهم ومال لا قيم له وسميت الأرض ضيعة لأنها معرضة للضياع وتجمع ضياعا بكسر الضاد الثالثة قوله تعالى : ) وأزواجه أمهاتهم ( شرف الله تعالى أزواج نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال وحجبهن رضي الله تعالى عنهن بخلاف الأمهات وقيل : لما كانت شفقتهن عليهم كشفقة الأمهات أنزلن منزلة الأمهات ثم هذه الأمومة لا توجب ميراثا كأمومة التبني وجاز تزويج بناتهن ولا يجعلن أخوات للناس وسيأتي عدد أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في آية التخيير إن شاء الله تعالى واختلف الناس هل هن أمهات الرجال والنساء أم أمهات الرجال خاصة على قولين : فروى الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لها : يا أمة فقالت لها : لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم قال بن العربي : وهو الصحيح قلت : لا فائدة في اختصاص الحصر في الإباحة للرجال دون النساء والذي يظهر لي أنهن أمهات الرجال والنساء تعظيما لحقهن على الرجال والنساء يدل عليه صدر الآية : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة ويدل على ذلك حديث أبي هريرة وجابر فيكون قوله : وأزواجه أمهاتهم عائدا إلى الجميع ثم إن في مصحف أبي بن كعب وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم وقرأ بن عباس : من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم وهذا كله يوهن مارواه مسروق إن صح من جهة الترجيح وإن لم يصح فيسقط الإستدلال به في التخصيص وبقينا على الأصل الذي هو العموم الذي يسبق إلى الفهوم والله أعلم الرابعة قوله تعالى : ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ( قيل : إنه أراد بالمؤمنين الأنصار وبالمهاجرين قريشا وفيه قولان "صفحة رقم 124" أحدهما أنه ناسخ للتوارث بالهجرة حكى سعيد عن قتادة قال : كان نزل في سورة الأنفال والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا فتوارث المسلمون بالهجرة فكان لا يرث الأعرابي المسلم من قريبه المسلم المهاجر شيئا حتى يهاجر ثم نسخ ذلك في هذه السورة بقوله : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض الثاني أن ذلك ناسخ للتوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين روى هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فآخيناهم فأورثونا وأورثناهم فآخى أبو بكر خارجة بن زيد وآخيت أنا كعب بن مالك فجئت فوجدت السلاح قد أثقله فوالله لقد مات عن الدنيا ما ورثه غيري حتى أنزل الله تعالى هذه الآية فرجعنا إلى موارثنا وثبت عن عروة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) آخى بين الزبير وبين كعب بن مالك فارتث كعب يوم أحد فجاء الزبير يقوده بزمام راحلته فلو مات يومئذ كعب عن الضح والريح لورثه الزبير فأنزل الله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فبين الله تعالى أن القرابة أولى من الحلف فتركت الوراثة بالحلف وورثوا بالقرابة وقد مضى في الأنفال الكلام في توريث ذوي الأرحام وقوله : في كتاب الله يحتمل أن يريد القرآن ويحتمل أن يريد اللوح المحفوظ الذي قضى فيه أحوال خلقه ومن المؤمنين متعلق ب أولى لا بقوله : وأولو الأرحام بالإجماع لأن ذلك كان يوجب تخصيصا ببعض المؤمنين ولا خلاف في عمومها وهذا حل إشكالها قاله بن العربي النحاس : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين يجوز أن يتعلق من المؤمنين ب أولو فيكون التقدير : وأولو الأرحام من المؤمنين والمهاجرين ويجوز أن يكون المعنى أولى من المؤمنين وقال المهدوي : وقيل إن معناه : وأولو الأرحام بعضهم أولى "صفحة رقم 125" ببعض في كتاب الله إلا مايجوز لأزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يدعين أمهات المؤمنين والله تعالى أعلم الخامسة واختلف في كونهن كالأمهات في المحرم وإباحة النظر على وجهين : أحدهما هن محرم لايحرم النظر إليهن الثاني أن النظر إليهم محرم لأن التحريم نكاحهن إنما كان حفظا لحق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيهن وكان من حفظ حقه تحيم النظر إليهن ولأن عائشة رضي الله عنها كانت إذا أرادت دخول رجل عليها أمرت أختها أسماء أن ترضعه ليصير ابنا لأختها من الرضاعة فيصير محرما يستبيح النظر وأما اللاتي طلقهن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في حياته فقد اختلف في ثبوت هذه الحرمة لهن على ثلاثة أوجه : أحدها ثبتت لهن الحرمة تغليبا لحرمة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الثاني لايثبت لهن ذلك بل هن كسائر النساء لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد أثبت عصمتهن وقال : ) أزواجي في الدنيا هن أزواجي في الآخرة ) الثالث من دخل بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منهن ثبتت حرمتها وحرم نكاحها وإن طلقها حفظا لحرمته وحراسة لخلوته ومن لم يدخل بها لم تثبت لها هذه الحرمة وقد هم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه برجم امرأة فارقها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتزوجت فقالت : لم هذا وما ضرب علي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حجابا ولا سميت أم المؤمنين فكف عنها عمر رضي الله عنه السادسة قال قوم : لا يجوز أن يسمى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أبا لقوله تعالى : ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم ولكن يقال : مثل الأب للمؤمنين كما قال : ) إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ) الحديث خرجه أبو داود والصحيح أنه يجوز أن يقال : إنه أب للمؤمنين أي في الحرمة وقوله تعالى : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم أي في النسب وسيأتي وقرأ بن عباس : من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه وسمع عمر هذه القراءة فأنكرها وقال : حكمها يا غلام فقال : إنها في مصحف أبي فذهب إليه "صفحة رقم 126" فسأله فقال له أبي : إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق وأغلظ لعمر وقد قيل في قول لوط عليه السلام هؤلاء بناتي : إنما أراد المؤمنات أي تزوجوهن وقد تقدم السابعة قال قوم : لايقال بناته أخوات المؤمنين ولا أخوالهن أخوال المؤمنين وخالاتهم قال الشافعي رضي الله عنه : تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر الصديق وهي أخت عائشة ولم يقل هي خالة المؤمنين وأطلق قوم هذا وقالوا : معاوية خال المؤمنين يعني في الحرمة لا في النسب الثامنة قوله تعالى : ) إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ( يريد الإحسان في الحياة والوصية عند الموت أي إن ذلك جائز قاله قتادة والحسن وعطاء وقال محمد بن الحنفية نزلت في إجازة الوصية لليهودي والنصراني أي يفعل هذا مع الولي والقريب وإن كان كافرا فالمشرك ولي في النسب لا في الدين فيوصى له بوصية واختلف العلماء هل يجعل الكافر وصيا فجوز بعض ومنع بعض ورد النظر إلى السلطان في ذلك بعض منهم مالك رحمه الله تعالى وذهب مجاهد وبن زيد والرماني إلى أن المعنى : إلى أوليائكم من المؤمنين ولفظ الآية يعضد هذا المذهب وتعميم الولي أيضا حسن وولاية النسب لا تدفع الكافر وإنما تدفع أن يلقى إليه بالمودة كولي الإسلام التاسعة قوله تعالى : ) كان ذلك في الكتاب مسطورا ( الكتاب يحتمل الوجهين المذكورين المتقدمين في كتاب الله ومسطورا من قولك سطرت الكتاب إذا أثبته أسطارا وقال قتادة : أي مكتوبا عند الله عز وجل ألا يرث كافر مسلما قال قتادة : وفي بعض القراءة كان ذلك عند الله مكتوبا وقال القرظي : كان ذلك في التوراة الأحزاب : ) 7 ( وإذ أخذنا من . . . . . ) الاحزاب 7 ( ![]()
__________________
|
#568
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 126 الى صــ 135 الحلقة (568) "صفحة رقم 127" قوله تعالى : ) وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ( أي عهدهم على الوفاء بما حملوا وأن يبشر بعضهم ببعض ويصدق بعضهم بعضا أي كان مسطورا حين كتب الله ما هو كائن وحين أخذ الله تعالى المواثيق من الأنبياء ) ومنك ( يامحمد ) ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم ( وإنما خص هؤلاء الخمسة وأن دخلوا في زمرة النبيين تفضيلا لهم وقيل : لأنهم أصحاب الشرائع والكتب وأولو العزم من الرسل وأئمة الأمم ويحتمل أن يكون هذا تعظيما في قطع الولاية بين المسلمين والكافرين أي هذا مما لم تختلف فيه الشرائع أي شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أي كان في ابتداء الإسلام توارث بالهجرة والهجرة سبب متأكد في الديانة ثم توارثوا بالقرابة مع الإيمان وهو سبب وكيد فأما التوارث بين مؤمن وكافر فلم يكن في دين أحد من الأنبياء الذين أخذ عليهم المواثيق فلا تداهنوا في الدين ولا تمالئوا الكفار ونظيره : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا إلى قوله ولا تتفرقوا فيه ومن ترك التفرق في الدين ترك موالاة الكفار وقيل : أي النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كان ذلك في الكتاب مسطورا ومأخوذا به المواثيق من الأنبياء ) وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ( أي عهدا وثيقا عظيما على الوفاء بما التزموا من تبليغ الرسالة وأن يصدق بعضهم بعضا والميثاق هو اليمين بالله تعالى فالميثاق الثاني تأكيد للميثاق الأول باليمين وقيل : الأول هو الإقرار بالله تعالى والثاني في أمر النبوة ونظير هذا قوله تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري الآية أي أخذ عليهم أن يعلنوا أن محمدا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويعلن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن لا نبي بعده وقدم محمدا في الذكر لما روي قتادة عن الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن قوله تعالى وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح قال : ) كنت أولهم في الخلق وآخرهم في البعث ) وقال مجاهد : هذا في ظهر آدم عليه الصلاة والسلام "صفحة رقم 128" الأحزاب : ) 8 ( ليسأل الصادقين عن . . . . . ) الأحزاب 8 ( قوله تعالى : ) ليسأل الصادقين عن صدقهم ( فيه أربعة أوجه : أحدها ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم حكاه النقاش وفي هذا تنبيه أي إذا كان الأنبياء يسألون فكيف من سواهم الثاني ليسأل الأنبياء عما أجابهم به قومهم حكاه علي بن عيسى الثالث ليسأل الأنبياء عليهم السلام عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم حكاه بن شجرة الرابع ليسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة وفي التنزيل : فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين وقد تقدم وقيل : فائدة سؤالهم توبيخ الكفار كما قال تعالى : أأنت قلت للناس ) وأعد للكافرين عذابا أليما وهو عذاب جهنم الأحزاب : ) 9 ( يا أيها الذين . . . . . ) الأحزاب 9 ( يعني غزوة الخندق والأحزاب وبني قريظة وكانت حالا شديدة معقبة بنعمة ورخاء وغبطة وتضمنت أحكاما كثيرة وآيات باهرات عزيزة ونحن نذكر من ذلك بعون الله تعالى ما يكفي في عشر مسائل : الأولى اختلف في أي سنة كانت فقال بن إسحاق : كانت في شوال من السنة الخامسة وقال بن وهب وبن القاسم عن مالك رحمه الله : كانت وقعة الخندق سنة أربع "صفحة رقم 129" وهي وبنو قريظة في يوم واحد وبين قرظة والنظير أربع سنين قال بن وهب وسمعت مالكا يقول : أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالقتال من المدينة وذلك قوله تعالى : إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر قال : ذلك يوم الخندق جاءت قريش من ها هنا واليهود من ها هنا والنجدية من ها هنا يريد مالك : إن الذين جاؤوا من فوقهم بنو قريظة ومن أسفل منهم قريش وغطفان وكان سببها : أن نفرا من اليهود منهم كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وحي بن أخطب النضريون وهوذة بن قيس وأبو عمار من بني وائل وهم كلهم يهود هم الذين حزبوا الأحزاب وألبوا وجمعوا خرجوا في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل فأتوا مكة فدعوا إلى حرب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وواعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إلى ذلك فأجابهم أهل مكة إلى ذلك ثم خرج اليهود المذكورون إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ذلك فأجابوهم فخرجت قريش يقودهم أبو سفيان بن حرب وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري على فزارة والحارث بن عوف المري على بني مرة ومسعود بن رخيلة على أشجع فلما سمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) باجتماعهم وخروجهم شاور أصحابه فأشار عليه سلمان بحفر الخندق فرضى رأيه وقال المهاجرون يومئذ : سلمان منا وقال الأنصار : سلمان منا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) سلمان منا أهل البيت ) وكان الخندق أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يومئذ حر فقال : يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا فعمل المسلمون في الخندق مجتهدين ونكص المنافقون وجعلوا يتسللون لواذا فنزلت فيهم آيات من القرآن ذكرها بن إسحاق وغيره وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره حتى كمل الخندق وكانت فيه آيات بينات وعلامات للنبوات قلت : ففي هذا الذي ذكرناه من هذا الخبر من الفقه وهي "صفحة رقم 130" الثانية مشاورة السلطان أصحابه وخاصته في أمر القتال وقد مضى ذلك في آل عمران والنمل وفيه التحصن من العدو بما أمكن من الأسباب واستعمالها وقد مضى ذلك في غير موضع وفيه أن حفر الخندق يكون مقسوما على الناس فمن فرغ منهم عاون من لم يفرغ فالمسلمون يد على من سواهم وفي البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال : لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه وكان كثير الشعر فسمعته يرتجز بكلمات بن رواحة ويقول : اللهم لولا أنت مااهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا وأما ما كان فيه من الآيات وهي : الثالثة فروي النسائي عن أبي سكينة رجل من المحررين عن رجل من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : لما أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر فقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخذ المعول ووضع رداءه ناحية الخندق وقال : وتمت كلمة ربك صدقا الآية فندر ثلث الحجر وسلمان الفارسي قائم ينظر فبرق مع ضربة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) برقة ثم ضرب الثانية وقال : وتمت الآية فندر الثلث الآخر فبرقت برقة فرآها سلمان ثم ضرب الثالثة وقال : وتمت كلمة ربك صدقا الآية فندر الثلث الباقي وخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخذ رداءه وجلس قال سلمان : يا رسول الله رأيتك حين ضربت ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة قال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) رأيت ذلك يا سلمان ) فقال : أي والذي بعثك بالحق يا رسول الله قال : ) فإني حين ضربت الضربة الأولى رفعت لي مدائن كسرى وما حولها ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعيني قال له من حضره من أصحابه : يا رسول الله "صفحة رقم 131" ادع الله أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلادهم فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم ضربت الضربة الثانية فرفعت لي مدائن قيصر وما حولها حتى رأيتها بعيني قالوا : يا رسول الله ادع الله تعالى أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلادهم فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم ضربت الضربة الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عند ذلك : دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم ) وخرجه أيضا عن البراء قال : لما أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن نحفر الخندق عرض لنا صخرة لا تأخذ فيها المعاول فاشتكينا ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فألقى ثوبه وأخذ المعول وقال : ) باسم الله ) فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة ثم قال : ) الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر إلى قصورها الحمراء الآن من مكاني هذا ) قال : ثم ضرب أخرى وقال : ) باسم الله ) فكسر ثلثا آخر ثم قال : ) الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض ) ثم ضرب الثالثة وقال : ) باسم الله ) فقطع الحجر وقال : ) الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر باب صنعاء ) صححه أبو محمد عبد الحق الرابعة فلما فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من حفر الخندق أقبلت قريش في نحو عشرة آلاف بمن معهم من كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد وخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمسلمون حتى نزلوا بظهر سلع في ثلاثة آلاف وضربوا عسكرهم والخندق بينهم وبين المشركين واستعمل على المدينة بن أم مكتوم في قول بن شهاب وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي وكان صاحب عقد بني قريظة ورئيسهم وكان قد وادع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعاقده وعاهده فلما سمع كعب بن أسد حيي بن أخطب "صفحة رقم 132" أغلق دونه باب حصنه وأبى أن يفتح له فقال له : افتح لي يا أخي فقال له : لا أفتح لك فإنك رجل مشئوم تدعوني إلى خلاف محمد وأنا قد عاقدته وعاهدته ولم أر منه إلا وفاء وصدقا فلست بناقض ما بيني وبينه فقال حيي : افتح لي حتى أكلمك وأنصرف عنك فقال : لا أفعل فقال : إنما تخاف أن آكل معك جشيشتك فغضب كعب وفتح له فقال : ياكعب إنما جئتك بعز الدهر جئتك بقريش وسادتها وغطفان وقادتها قد تعاقدوا على أن يستأصلوا محمدا ومن معه فقال له كعب : جئتني والله بذل الدهر وبجهام لا غيث فيه ويحك ياحيي دعني فلست بفاعل ما تدعوني إليه فلم يزل حيي بكعب يعده ويغره حتى رجع إليه وعاقده على خذلان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه وأن يسير معهم وقال له حيي بن أخطب : إن انصرفت قريش وغطفان دخلت عندك بمن معي من اليهود فلما انتهى خبر كعب وحيي إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعث سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وسيد الأوس سعد بن معاذ وبعث معهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير وقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) انطلقوا إلى بني قريظة فإن كان ما قيل لنا حقا فالحنوا لنا لحنا ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كان كذبا فاجهروا به للناس ) فانطلقوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ماقيل لهم عنهم ونالوا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقالوا : لا عهد له عندنا فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه وكانت فيه حدة فقال له سعد بن عبادة : دع عنك مشاتمتهم فالذي بيننا وبينهم أكثر من ذلك ثم أقبل سعد وسعد حتى أتيا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في جماعة المسلمين فقالا : عضل والقارة يعرضان بغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع خبيب وأصحابه فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) أبشروا يامعشر المسلمين ) وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتى المسلمين عدوهم من فوقهم يعني من فوق الوادي من قبل المشرق ومن أسفل منهم من بطن الوادي من قبل المغرب حتى ظنوا بالله الظنونا وأظهر المنافقون كثيرا مما كانوا يسرون فمنهم من قال : إن بيوتنا عورة فلننصرف إليها "صفحة رقم 133" فإنا نخاف عليها وممن قال ذلك : أوس بن قيظي ومنهم من قال : يعدنا محمد أن يفتح كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه يذهب إلى الغائط وممن قال ذلك : معتب بن قشير أحد بني عمرو بن عوف فأقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأقام المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى فلما رأى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه اشتد على المسلمين البلاء بعث إلى عيينة بن حصن الفزاري وإلى الحارث بن عوف المري وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة لينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذلا قريشا ويرجعا بقومهما عنهم وكانت هذه المقالة مراوضة ولم تكن عقدا فلما رأى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منهما أنهما قد أنابا ورضيا أتى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر ذلك لهما واستشارهما فقالا : يا رسول الله هذا أمر تحبه فنصنعه لك أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع أو أمر تصنعه لنا قال : ) بل أمر أصنعه لكم والله ما أصنعه إلا أني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ) فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله والله لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة إلا شراء أو قرى فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فسر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك وقال : ) أنتم وذاك ) وقال لعيينة والحارث : ) انصرفا فليس لكما عندنا إلا السيف ) وتناول سعد الصحيفة وليس فيها شهادة فمحاها الخامسة فأقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمسلمون على حالهم والمشركون يحاصرونهم ولا قتال بينهم إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود العامري من بني عامر بن لؤي وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب وضرار بن الخطاب الفهري وكانوا فرسان قريش وشجعانهم أقبلوا حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا : إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق فضربوا خيلهم فاقتحمت بهم وجاوزوا الخندق وصاروا بين الخندق وبين سلع وخرج علي بن أبي طالب "صفحة رقم 134" في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها وأقبلت الفرسان نحوهم وكان عمرو بن عبد ود قد أثبتته الجراح يوم بدر فلم يشهد أحدا وأراد يوم الخندق أن يرى مكانه فلما وقف هو وخيله نادى : من يبارز فبرز له علي بن أبي طالب وقال له : ياعمرو إنك عاهدت الله فيما بلغنا أنك لا تدعى إلى إحدى خلتين إلا أخذت إحداهما قال نعم قال : فإني أدعوك إلى الله والإسلام قال : لا حاجة لي بذلك قال : فأدعوك إلى البراز قال : يا بن أخي والله ما أحب أن أقتلك لما كان بيني وبين أبيك فقال له علي : أنا والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو بن عبد ود ونزل عن فرسه فعقره وصار نحو علي فتنازلا وتجاولا وثار النقع بينهما حتى حال دونهما فما انجلى النقع حتى رئي علي على صدر عمرو يقطع رأسه فلما رأى أصحابه أنه قد قتله علي اقتحموا بخيلهم الثغرة منهزمين هاربين وقال علي رضي الله عنه في ذلك : نصر الحجارة من سفاهة رأيه ونصرت دين محمد بضراب نازلته فتركته متجدلا كالجذع بين دكادك وروابي وعففت عن أثوابه ولو انني كنت المقطر بزنى أثوابي لا تحسبن الله خاذل دينه ونبيه يا معشر الأحزاب قال بن هشام : أكثر أهل العلم بالسير يشك فيها لعلي قال بن هشام : وألقى عكرمة بن أبي جهل رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو فقال حسان بن ثابت في ذلك : فر وألقى لنا رمحه لعلك عكرم لم تفعل ووليت تعدو كعدو الظل يم إن تجور عن المعدل ولم تلق ظهرك مستأنسا كأن قفاك قفا فرعل "صفحة رقم 135" قال بن هشام : فرعل صغير الضباع وكانت عائشة رضي الله عنها في حصن بني حارثة وأم سعد بن معاذ معها وعلى سعد درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه وفي يده حربته وهو يقول : لبث قليلا يلحق الهيجا جمل لا بأس بالموت إذا كان الأجل ورمى يومئذ سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل واختلف فيمن رماه فقيل : رماه حبان بن قيس بن العرقة أحد بني عامر بن لؤي فلما أصابه قال له : خذها وأنا بن العرقة فقال له سعد : عرق الله وجهك في النار وقيل : إن الذي رماه خفاجة بن عاصم بن حبان وقيل : بل الذي رماه أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم ولحسان مع صفية بنت عبد المطلب خبر طريف يومئذ ذكره بن إسحاق وغيره قالت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها : كنا يوم الأحزاب في حصن حسان بن ثابت وحسان معنا في النساء والصبيان والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه في نحر العدو لا يستطيعون الانصراف إلينا فإذا يهودي يدور فقلت لحسان : انزل إليه فاقتله فقال : ما أنا بصاحب هذا يابنة عبد المطلب فأخذت عمودا ونزلت من الحصن فقتلته فقلت : يا حسان انزل فاسلبه فلم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل فقال : مالي بسلبه حاجة يا بنة عبد المطلب قال : فنزلت فسلبته قال أبو عمر بن عبد البر : وقد أنكر 2 هذا عن حسان جماعة من أهل السير وقالوا : لو كان في حسان من الجبن ما وصفتم لهجاه بذلك الذين كان يهاجيهم في الجاهلية والإسلام ولهجي بذلك ابنه عبد الرحمن فإنه كان كثيرا ما يهاجي الناس من شعراء العرب مثل النجاشي وغيره السادسة وأتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت ولم يعلم قومي بإسلامي فمرني بما شئت فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) "صفحة رقم 136" : ) إنما أنت رجل واحد من غطفان فلو خرجت فخذلت عنا إن استطعت كان أحب إلينا من بقائك معنا فاخرج فإن الحرب خدعة ) فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان ينادمهم في الجاهلية فقال : يابني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا : قل فلست عندنا بمتهم فقال لهم : إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم وإن قريشا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه فإن رأوا نهزة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ولا طاقة لكم به فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لهم : قد عرفتم ودي لكم معشر قريش وفراقي محمدا وقد بلغني أمر أرى من الحق أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا علي قالوا نفعل قال : تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما كان من خذلانهم محمدا وقد أرسلوا إليه : إنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على ما بقي منهم حتى نستأصلهم ثم أتى غطفان فقال مثل ذلك فلما كان ليلة السبت وكان ذلك من صنع الله عز وجل لرسوله والمؤمنين أرسل أبو سفيان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان يقول لهم : إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا صبيحة غد للقتال حتى نناجز محمدا فأرسلوا إليهم : إن اليوم يوم السبت وقد علمتم ما نال منا من تعدي في السبت ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فلما رجع الرسول بذلك قالوا : صدقنا والله نعيم بن مسعود فردوا ![]()
__________________
|
#569
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 136 الى صــ 145 الحلقة (569) "صفحة رقم 137" إليهم الرسل وقالوا : والله لا نعطيكم رهنا أبدا فاخرجوا معنا إن شئتم وإلا فلا عهد بيننا وبينكم فقال بنو قريظة : صدق والله نعيم بن مسعود وخذل الله بينهم واختلفت كلمتهم وبعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال شديدة البرد فجعلت الريح تقلب آنيتهم وتكفأ قدورهم السابعة فلما اتصل برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اختلاف أمرهم بعث حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم فأتاهم واستتر في غمارهم وسمع أبا سفيان يقول : يا معشر قريش ليتعرف كل امرئ جليسه قال حذيفة : فأخذت بيد جليسي وقلت : ومن أنت فقال : أنا فلان ثم قال أبو سفيان : ويلكم يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ولقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة ولقينا من هذه الريح ما ترون ما يستمسك لنا بناء ولا تثبت لنا قدر ولا تقوم لنا نار فارتحلوا فإني مرتحل ووثب على جمله فما حل عقال يده إلا وهو قائم قال حذيفة : ولولا عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لي إذ بعثني قال لي : ) مر إلي القوم فاعلم ما هم عليه ولا تحدث شيئا ) لقتلته بسهم ثم أتيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عند رحيلهم فوجدته قائما يصلي في مرط لبعض نسائه مراجل قال بن هشام : المراجل ضرب من وشى اليمن فأخبرته فحمد الله قلت : وخبر حذيفة هذا مذكور في صحيح مسلم وفيه آيات عظيمة رواه جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : كنا عند حذيفة فقال رجل لو أدركت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قاتلت معه وأبليت فقال حذيفة : أنت كنت تفعل ذلك لقد رأيتنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ) فسكتنا فلم يجبه منا أحد ثم قال : ) ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ) فسكتنا فلم يجبه أحد فقال : ) قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم ) فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم قال : ) اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي ) قال : فلما وليت من عنده جعلت كأنما "صفحة رقم 138" أمشي في حمام حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) ولا تذعرهم علي ) ولو رميته لأصبته : فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت قررت فألبسني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال : ) قم يا نومان ) ولما أصبح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد ذهب الأحزاب رجع إلى المدينة ووضع المسلمون سلاحهم فأتاه جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) في صورة دحية بن خليفة الكلبي على بغلة عليها قطيفة ديباج فقال له : يا محمد إن كنتم قد وضعتم سلاحكم فما وضعت الملائكة سلاحها إن الله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة وإني متقدم إليهم فمزلزل بهم حصونهم فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهي : الثامنة مناديا فنادى : لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة وقال آخرون : لا نصلي العصر إلا حيث أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإن فاتنا الوقت قال : فما عنف واحدا من الفريقين وفي هذا من الفقه تصويب المجتهدين وقد مضى بيانه في الأنبياء وكان سعد بن معاذ إذ أصابه السهم دعا ربه فقال : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش فأبقني لها فإنه لا قوم أحب أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة وروي بن وهب عن مالك قال : بلغني أن سعد بن معاذ مر بعائشة رضي الله عنها ونساء معها في الأطم ) فارع ( وعليه درع مقلصة مشمر الكمين وبه أثر صفرة وهو يرتجز : لبث قليلا يدرك الهيجا جمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل "صفحة رقم 139" فقالت عائشة رضي الله عنها : لست أخاف أن يصاب سعد اليوم إلا في أطرافه فأصيب في أكحله وروى بن وهب وبن القاسم عن مالك قالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت رجلا أجمل من سعد بن معاذ حاشا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأصيب في أكحله ثم قال : اللهم إن كان حرب قريظة لم يبق منه شيء فأقبضني إليك وإن كان قد بقيت منه بقية فأبقني حتى أجاهد مع رسولك أعداءه فلما حكم في بني قريظة توفى ففرح الناس وقالوا : نرجو أن يكون قد استجيبت دعوته التاسعة ولما خرج المسلمون إلى بني قريظة أعطى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الراية علي بن أبي طالب واستخلف على المدينة بن أم مكتوم ونهض علي وطائفة معه حتى أتوا بني قريظة ونازلوهم فسمعوا سب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فانصرف علي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له : يا رسول الله لا تبلغ إليهم وعرض له فقال له : ) أظنك سمعت منهم شتمي لو رأوني لكفوا عن ذلك ) ونهض إليهم فلما رأوه أمسكوا فقال لهم : ) نقضتم العهد يا إخوة القرود أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ) فقالوا : ما كنت جاهلا يامحمد فلا تجهل علينا ونزل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة وعرض عليهم سيدهم كعب ثلاث خصال ليختاروا أيها شاؤوا : إما أن يسلموا ويتبعوا محمدا على ما جاء به فيسلموا قال : وتحرزوا أموالكم ونساءكم وأبناءكم فوالله إنكم لتعلمون أنه الذي تجدونه مكتوبا في كتابكم وإما أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم ثم يتقدموا فيقاتلون حتى يموتوا من آخرهم وإما أن يبيتوا المسلمين ليلة السبت في حين طمأنينتهم فيقتلوهم قتلا فقالوا له : أما الإسلام فلا نسلم ولا نخالف حكم التوراة وأما قتل أبنائنا ونسائنا فما جزاؤهم المساكين منا أن نقتلهم ونحن لا نتعدى في السبت ثم بعثوا إلى أبي لبابة وكانوا حلفاء بني عمرو بن عوف وسائر الأوس فأتاهم فجمعوا إليه أبناءهم ونساءهم ورجالهم وقالوا له : يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد فقال نعم وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح إن فعلتم ثم ندم أبو لبابة في الحين وعلم أنه خان الله ورسوله وأنه أمر لا يستره الله عليه عن نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) "صفحة رقم 140" فانطلق إلى المدينة ولم يرجع إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فربط نفسه في سارية وأقسم ألا يبرح من مكانه حتى يتوب الله عليه فكانت امرأته تحله لوقت كل صلاة قال بن عيينة وغيره : فيه نزلت : يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم الآية وأقسم ألا يدخل أرض بني قريظة أبدا مكانا أصاب فيه الذنب فلما بلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من فعل أبي لبابة قال : ) أما إنه لو أتاني لاستغفرت له وأما إذ فعل ما فعل فلا أطلقه حتى يطلقه الله تعالى ) فأنزل الله تعالى في أمر أبي لبابة : وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية فلما نزل فيه القرآن أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بإطلاقه فلما أصبح بنو قريظة نزلوا على حكم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتواثب الأوس إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقالوا : يا رسول الله وقد علمت أنهم حلفاؤنا وقد أسعفت عبد الله بن أبي بن سلول في بني النضير حلفاء الخزرج فلا يكن حظنا أوكس وأنقص عندك من حظ غيرنا فهم موالينا فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) يا معشر الأوس ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال : فذلك إلى سعد بن معاذ ) وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد ضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب في مرضه من جرحه الذي أصابه في الخندق فحكم فيهم بأن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية والنساء وتقسم أموالهم فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبع أرقعة ) وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخرجوا إلى موضع بسوق المدينة اليوم زمن بن إسحاق فخندق بها خنادق ثم أمر عليه السلام فضربت أعناقهم في تلك الخنادق وقتل يومئذ حيي بن أخطب وكعب بن أسد وكانا رأس القوم وكانوا من الستمائة إلى السبعمائة وكان على حيي حلة فقاحيه قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة أنملة أنملة لئلا يسلبها فلما نظر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) "صفحة رقم 141" حين أتى به ويداه مجموعتان إلى عنقه بحبل قال : أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم قال : يا أيها الناس لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم جلس فضربت عنقه وقتل من نسائهم امرأة وهي بنانة امرأة الحكم القرظي التي طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقتل كل من أنبت منهم وترك من لم ينبت وكان عطية القرظي ممن لم ينبت فاستحياه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو مذكور في الصحابة ووهب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لثابت بن قيس بن شماس ولد الزبير بن باطا فاستحياهم منهم عبد الرحمن بن الزبير أسلم وله صحبة ووهب أيضا عليه السلام رفاعة بن سموءل القرظي لأم المنذر سلمى بنت قيس أخت سليط بن قيس من بني النجار وكانت قد صلت إلى القبلتين فأسلم رفاعة وله صحبة ورواية وروى بن وهب وبن القاسم عن مالك قال : أتى ثابت بن قيس بن شماس إلى بن باطا وكانت له عنده يد وقال : قد استوهبتك من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليدك التي لك عندي قال : ذلك يفعل الكريم بالكريم ثم قال : وكيف يعيش رجل لا ولد له ولا أهل قال : فأتى ثابت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر ذلك له فأعطاه أهله وولده فأتى فأعلمه فقال : كيف يعيش رجل لا مال له فأتى ثابت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فطلبه فأعطاه ماله فرجع إليه فأخبره قال : ما فعل بن أبي الحقيق الذي كأن وجهه مرآة صينية قال : قتل قال : فما فعل المجلسان يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قال : قتلوا قال : فما فعلت الفئتان قال : قتلتا قال : برئت ذمتك ولن أصب فيها دلوا أبدا يعني النخل فألحقني بهم فأبى أن يقتله فقتله غيره واليد التي كانت لابن باطا عند ثابت أنه أسره يوم بعاث فجز ناصيته وأطلقه "صفحة رقم 142" العاشرة وقسم ( صلى الله عليه وسلم ) أموال بني قريظة فأسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما وقد قيل : للفارس سهمان وللراجل سهم وكانت الخيل للمسلمين يومئذ ستة وثلاثين فرسا ووقع للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) من سبيهم ريحانة بنت عمرو بن جنافة أحد بني عمرو بن قريظة فلم تزل عنده إلى أن مات ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل : إن غنيمة قريظة هي أول غنيمة قسم فيها للفارس والراجل وأول غنيمة جعل فيها الخمس وقد تقدم أن أول ذلك كان في بعث عبد الله بن جحش فالله أعلم قال : أبو عمر : وتهذيب ذلك أن تكون غنيمة قريظة أول غنيمة جرى فيها الخمس بعد نزول قوله : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول الآية وكان عبد الله بن جحش قد خمس قبل ذلك في بعثه ثم نزل القرآن بمثل ما فعله وكان ذلك من فضائله رحمة الله عليه وكان فتح قريظة في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة من الهجرة فلما تم أمر بني قريظة أجيبت دعوة الرجل الفاضل الصالح سعد بن معاذ فانفجر جرحه وانفتح عرقه فجرى دمه ومات رضي الله عنه وهو الذي أتى الحديث فيه : ) اهتز لموته عرش الرحمن ) يعني سكان العرش من الملائكة فرحوا بقدوم روحه واهتزوا له وقال بن القاسم عن مالك : حدثني يحيى بن سعيد قال : لقد نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملك ما نزلوا إلى الأرض قبلها قال مالك : ولم يستشهد يوم الخندق من المسلمين إلا أربعة أو خمسة قلت : الذي استشهد يوم الخندق من المسلمين ستة نفر فيما ذكر أهل العلم بالسير : سعد بن معاذ أبو عمرو من بني عبد الأشهل وأنس بن أوس بن عتيك وعبد الله بن سهل وكلاهما أيضا من بني عبد الأشهل والطفيل بن النعمان وثعلبة بن غنمة وكلاهما من بني سلمة وكعب بن زيد من بني دينار بن النجار أصابه سهم غرب فقتله رضي الله عنهم "صفحة رقم 143" وقتل من الكفار ثلاثة : منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم مات منه بمكة وقد قيل : إنما هو عثمان بن أمية بن منبه بن عبيد بن السباق ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي اقتحم الخندق فتورط فيه فقتل وغلب المسلمون على جسده فروي عن الزهري أنهم أعطوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في جسده عشرة ألاف درهم فقال : ) لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه ) فخلى بينهم وبينه وعمرو بن عبد ود الذي قتله على مبارزة وقد تقدم واستشهد يوم قريظة من المسلمين خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج طرحت عليه امرأة من بني قريظة رحى فقتلته ومات في الحصار أبو سنان بن محصن بن حرثان الأسدي أخو عكاشة بن محصن فدفنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مقبرة بني قريظة التي يتدافن فيها المسلمون السكان بها اليوم ولم يصب غير هذين ولم يغز كفار قريش المؤمنين بعد الخندق وأسند الدارمي أبو محمد في مسنده : أخبرنا يزيد بن هارون عن بن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال : حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوى من الليل حتى كفينا وذلك قول الله عز وجل : وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا فأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بلالا فأقام فصلى الظهر فأحسن كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام العصر فصلاها ثم أمره فأقام المغرب فصلاها ثم أمره فأقام العشاء فصلاها وذلك قبل أن ينزل : فإن خفتم فرجالا أو ركبانا خرجه النسائي أيضا وقد مضت هذه المسألة في طه وقد ذكرنا في هذه الغزاة أحكاما كثيرة لمن تأملها في مسائل عشر ثم نرجع إلى أول الآي وهي تسع عشرة آية تضمنت ما ذكرناه قوله تعالى : ) إذ جاءتكم جنود ( يعني الأحزاب ) فأرسلنا عليهم ريحا ( قال مجاهد : هي الصبا أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى ألقت قدورهم ونزعت فساطيطهم قال : والجنود الملائكة ولم تقاتل يومئذ وقال عكرمة : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب "صفحة رقم 144" انطلقي لنصرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت الشمال : إن محوة لا تسري بليل فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا وروى سعيد بن جبير عن بن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ) وكانت هذه الريح معجزة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمسلمين كانوا قريبا منها لم يكن بينهم وبينها إلا عرض الخندق وكانوا في عافية منها ولا خبر عندهم بها ) وجنودا لم تروها ( وقرئ بالياء أي لم يرها المشركون قال المفسرون : بعث الله تعالى عليهم الملائكة فقلعت الأوتاد وقطعت أطناب الفساطيط وأطفأت النيران وأكفأت القدور وجالت الخيل بعضها في بعض وأرسل الله عليهم الرعب وكثر تكبير الملائكة في جوانب العسكر حتى كان سيد كل خباء يقول : يابني فلان هلم إلي فإذا اجتمعوا قال لهم : النجاء النجاء لما بعث الله تعالى عليهم من الرعب ) وكان الله بما تعملون بصيرا ( وقرئ : يعملون بالياء على الخبر وهي قراءة أبي عمرو الباقون بالتاء يعني من حفر الخندق والتحرز من العدو الأحزاب : ) 10 ( إذ جاؤوكم من . . . . . ) الاحزاب 10 ( قوله تعالى : ) إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ( إذ في موضع نصب بمعنى واذكر وكذا وإذ قالت طائفة منهم من فوقكم يعني من فوق الوادي وهو أعلاه من قبل المشرق جاء منه عوف بن مالك في بني نصر وعيينة بن حصن في أهل نجد وطليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد ومن أسفل منكم يعني من بطن الوادي من قبل المغرب جاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة ويزيد بن جحش على قريش وجاء أبو الأعور السلمي ومعه حيي بن أخطب اليهودي في يهود بني قريظة مع عامر بن الطفيل من وجه الخندق ) وإذا زاغت الأبصار ( أي شخصت وقيل : مالت فلم تلتفت إلا إلى "صفحة رقم 145" عدوها دهشا من فرط الهول ) وبلغت القلوب الحناجر ( أي زالت عن أماكنها من الصدور حتى بلغت الحناجر وهي الحلاقيم واحدها حنجرة فلولا أن الحلوق ضاقت عنها لخرجت قاله قتادة وقيل : هو على معنى المبالغة على مذهب العرب على إضمار كاد قال : إذا ما غضبنا غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما أي كادت تقطر ويقال : إن الرئة تنفتح عند الخوف فيرتفع القلب حتى يكاد يبلغ الحنجرة مثلا ولهذا يقال للجبان : انتفخ سحره وقيل : إنه مثل مضروب في شدة الخوف ببلوغ القلوب الحناجر وإن لم تزل عن أماكنها مع بقاء الحياة قال معناه عكرمة روى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال : بلغ فزعها والأظهر أنه أراد اضطراب القلب وضربانه أي كأنه لشدة اضطرابه بلغ الحنجرة والحنجرة والحنجور ) بزيادة النون ( حرف الحلق ) وتظنون بالله الظنونا ( قال الحسن : ظن المنافقون أن المسلمين يستأصلون وظن المؤمنون أنهم ينصرون وقيل : هو خطاب للمنافقين أي قلتم هلك محمد وأصحابه واختلف القراء في قوله تعالى : الظنونا والرسولا والسبيلا آخر السورة فأثبت ألفاتها في الوقف والوصل نافع وبن عامر وروي عن أبي عمرو والكسائي تمسكا بخط المصحف مصحف عثمان وجميع المصاحف في جميع البلدان واختاره أبو عبيد إلا أنه قال : لا ينبغي للقارئ أن يدرج القراءة بعدهن لكن يقف عليهن قالوا : ولأن العرب تفعل ذلك في قوافي أشعارهم ومصاريعها قال : نحن جلبنا القرح القوافلا تستنفر الأواخر الأوائلا وقرأ أبو عمرو والجحدري ويعقوب وحمزة بحذفها في الوصل والوقف معا قالوا : هي زائدة في الخط كما زيدت الألف في قوله تعالى : ولأوضعوا خلالكم فكتبوها كذلك وغير هذا وأما الشعر فموضع ضرورة بخلاف القرآن فإنه أفصح اللغات ولا ضرورة فيه قال بن الأنباري : ولم يخالف المصحف من قرأ الظنون والسبيل والرسول بغير ألف "صفحة رقم 146" في الحروف الثلاثة وخطهن في المصحف بألف لأن الألف التي في أطعنا والداخلة في أول الرسول والظنون والسبيل كفى من الألف المتطرفة المتأخرة كما كفت ألف أبي جاد من ألف هواز وفيه حجة أخرى : أن الألف أنزلت منزلة الفتحة وما يلحق دعامة للحركة التي تسبق والنية فيه السقوط فلما عمل على هذا كانت الألف مع الفتحة كالشيء الواحد يوجب الوقف سقوطهما ويعمل على أن صورة الألف في الخط لا توجب موضعا في اللفظ وأنها كالألف في سحران وفي فطر السماوات والأرض وفي وعدنا موسى وما يشبههن مما يحذف من الخط وهو موجود في اللفظ وهو مسقط من الخط وفيه حجة ثالثة هي أنه كتب على لغة من يقول لقيت الرجلا وقرئ على لغة من يقول : لقيت الرجل بغير ألف أخبرنا أحمد بن يحيى عن جماعة من أهل اللغة أنهم رووا عن العرب قام الرجلو بواو ومررت بالرجلي بياء في الوصل والوقف ولقيت الرجلا بألف في الحالتين كلتيهما قال الشاعر : أسائلة عميرة عن أبيها خلال الجيش تعترف الركابا فأثبت الألف في الركاب بناء على هذه اللغة وقال الآخر : إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا وعلى هذه اللغة بنى نافع وغيره وقرأ بن كثير وبن محيصن والكسائي بإثباتها في الوقف وحذفها في الوصل قال بن الأنباري : ومن وصل بغير ألف ووقف بألف فجائز أن يحتج بأن الألف احتاج إليها عند السكت حرصا على بقاء الفتحة وأن الألف تدعمها وتقويها الأحزاب : ) 11 ( هنالك ابتلي المؤمنون . . . . . ) الاحزاب 11 ( هنا للقريب من المكان وهنالك للبعيد وهناك للوسط ويشار به إلى الوقت أي عند ذلك اختبر المؤمنون ليتبين المخلص من المنافق وكان هذا الابتلاء بالخوف والقتال والجوع والحصر والنزال ) وزلزلوا زلزالا شديدا ( أي حركوا تحريكا ![]()
__________________
|
#570
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (14) سُورَةُ الاحزاب من صــ 146 الى صــ 155 الحلقة (570) "صفحة رقم 147" قال الزجاج : كل مصدر من المضاعف على فعلال يجوز فيه الكسر والفتح نحو قلقلته قلقالا وقلقالا وزلزلوا زلزالا وزلزالا والكسر أجود لأن غير المضاعف على الكسر نحو دحرجته دحراجا وقراءة العامة بكسر الزاي وقرأ عاصم والجحدري زلزالا بفتح الزاي قال بن سلام : أي حركوا بالخوف تحريكا شديدا وقال الضحاك : هو إزاحتهم عن أماكنهم حتى لم يكن لهم إلا موضع الخندق وقيل : إنه اضطرابهم عما كانوا عليه فمنهم من اضطرب في نفسه ومنهم من اضطرب في دينه وهنالك يجوز أن يكون العامل فيه ابتلى فلا يوقف على هنالك ويجوز أن يكون وتظنون بالله الظنونا فيوقف على هنالك الأحزاب : ) 12 ( وإذ يقول المنافقون . . . . . ) الاحزاب 12 ( قوله تعالى : ) وإذا يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ( أي شك ونفاق ) ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ( أي باطلا من القول وذلك أن طعمة بن أبيرق ومعتب بن قشير وجماعة نحو من سبعين رجلا قالوا يوم الخندق : كيف يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا يستطيع أحدنا أن يتبرز وإنما قالوا ذلك لما فشا في أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قوله عند ضرب الصخرة على ما تقدم في حديث النسائي فأنزل الله تعالى هذه الآية الأحزاب : ) 13 ( وإذ قالت طائفة . . . . . ) الاحزاب 13 ( قوله تعالى : ) وإذ قالت طائفة منهم يأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ( الطائفة تقع على الواحد فما فوقه وعنى به هنا أوس بن قيظي والد عرابة بن أوس الذي يقول فيه الشماخ : إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين "صفحة رقم 148" و يثرب هي المدينة وسماها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) طيبة وطابة وقال أبو عبيدة : يثرب اسم أرض والمدينة ناحية منها السهيلي : وسميت يثرب لأن الذي نزلها من العماليق اسمه يثرب بن عميل بن مهلائيل بن عوض بن عملاق بن لاوذ بن إرم وفي بعض هذه الأسماء اختلاف وبنو عميل هم الذين سكنوا الجحفة فأجحفت بهم السيول فيها وبها سميت الجحفة ) لا مقام لكم ( بفتح الميم قراءة العامة وقرأ حفص والسلمي والجحدري وأبو حيوة : بضم الميم يكون مصدرا من أقام يقيم أي لا إقامة أو موضعا يقيمون فيه ومن فتح فهو اسم مكان أي لا موضع لكم تقيمون فيه ) فارجعوا ( أي إلى منازلكم أمروهم بالهروب من عسكر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال بن عباس : قالت اليهود لعبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه من المنافقين : ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان وأصحابه فارجعوا إلى المدينة فإنا مع القوم فأنتم آمنون قوله تعالى : ) ويستأذن فريق منهم النبي ( في الرجوع إلى منازلهم بالمدينة وهم بنو حارثة بن الحارث في قول بن عباس وقال يزيد بن رومان : قال ذلك أوس بن قيظي عن ملإ من قومه ) يقولون إن بيوتنا عورة ( أي سائبة ضائعة ليست بحصينة وهي مما يلي العدو وقيل : ممكنة للسراق لخلوها من الرجال يقال : دار معورة وذات عورة إذا كان يسهل دخولها يقال : عور المكان عورا فهو عور وبيوت عورة وأعور فهو معور وقيل : عورة ذات عورة وكل مكان ليس بممنوع ولا مستور فهو عورة قاله الهروي وقرأ بن عباس وعكرمة ومجاهد وأبو رجاء العطاردي : عورة بكسر الواو يعني قصيرة الجدران فيها خلل تقول العرب : دار فلان عورة إذا لم تكن حصينة وقد أعور الفارس إذا بدا فيه خلل للضرب والطعن قال الشاعر : متى تلقهم لم تلق في البيت معورا ولا الضيف مفجوعا ولا الجار مرملا "صفحة رقم 149" الجوهري : والعورة كل خلل يتخوف منه في ثغر أو حرب النحاس : يقال أعور المكان إذا تبينت فيه عورة وأعور الفارس إذا تبين فيه موضع الخلل المهدوي : ومن كسر الواو في عورة فهو شاذ ومثله قولهم : رجل عور أي لا شيء له وكان القياس أن يعل فيقال : عار كيوم راح ورجل مال أصلهما روح ومول ثم قال تعالى : ) وماهي بعورة ( تكذيبا لهم وردا عليهم فيما ذكروه ) إن يريدون إلا فرارا ( أي مايريدون إلا الهرب قيل : من القتل وقيل : من الدين وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في قبيلتين من الأنصار : بني حارثة وبني سلمة وهموا أن يتركوا مراكزهم يوم الخندق وفيهم أنزل الله تعالى : إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا الآية فلما نزلت هذه الآية قالوا : والله ما ساءنا ما كنا هممنا به إذ الله ولينا وقال السدي : الذي استأذنه منهم رجلان من الأنصار من بني حارثة أحدهما أبو عرابة بن أوس والآخر أوس بن قيظي قال الضحاك : ورجع ثمانون رجلا بغير إذنه الأحزاب : ) 14 ( ولو دخلت عليهم . . . . . ) الاحزاب 14 ( قوله تعالى : ) ولو دخلت عليهم من أقطارها ( وهي البيوت أو المدينة أي من نواحيها وجوانبها الواحد قطر وهو الجانب والناحية وكذلك القتر لغة في القطر ) ثم سئلوا الفتنة لأتوها ( أي لجاءوها هذا على قراءة نافع وبن كثير بالقصر وقرأ الباقون بالمد أي لأعطوها من أنفسهم وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم وقد جاء في الحديث : أن أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كانوا يعذبون في الله ويسألون الشرك فكل أعطى ما سألوه إلا بلالا وفيه دليل على قراءة المد من الإعطاء ويدل على قراءة القصر قوله : ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل "صفحة رقم 150" لايولون الأدبار فهذا يدل على لأتوها مقصورا وفي الفتنة هنا وجهان : أحدهما سئلوا القتال في العصبية لأسرعوا إليه قاله الضحاك الثاني ثم سئلوا الشرك لأجابوا إليه مسرعين قاله الحسن ) وما تلبثوا بها ( أي بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا قاله السدي والقتيبي والحسن والفراء وقال أكثر المفسرين : أي وما احتبسوا عن فتنة الشرك إلا قليلا ولأجابوا بالشرك مسرعين وذلك لضعف نياتهم ولفرط نفاقهم فلو اختلطت بهم الأحزاب لأظهروا الكفر الأحزاب : ) 15 ( ولقد كانوا عاهدوا . . . . . ) الاحزاب 15 ( قوله تعالى : ) ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل ( أي من قبل غزوة الخندق وبعد بدر قال قتادة : وذلك أنهم غابوا عن بدر ورأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والنصر فقالوا لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن وقال يزيد بن رومان : هم بنو حارثة هموا يوم أحد أن يفشلوا مع بني سلمة فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله ألا يعودوا لمثلها فذكر الله لهم الذي أعطوه من أنفسهم ) وكان عهد الله مسئولا ( أي مسئولا عنه قال مقاتل والكلبي : هم سبعون رجلا بايعوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة العقبة وقالوا : اشترط لنفسك ولربك ماشئت فقال : ) أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأموالكم وأولادكم ) فقالوا : فما لنا إذا فعلنا ذلك يانبي الله قال : ) لكم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة ) فذلك قوله تعالى : وكان عهد الله مسئولا أي أن الله ليسألهم عنه يوم القيامة الأحزاب : ) 16 ( قل لن ينفعكم . . . . . ) الاحزاب 16 ( "صفحة رقم 151" قوله تعالى : ) قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ( أي من حضر أجله مات أو قتل فلا ينفع الفرار ) وإذا لا تمتعون إلا قليلا ( أي في الدنيا بعد الفرار إلى أن تنقضي آجالكم وكل ما هو آت فقريب وروى الساجي عن يعقوب الحضرمي وإذا لا يمتعون بياء وفي بعض الروايات وإذا لا تمتعوا نصب ب إذا والرفع بمعنى ولا تمتعون وإذا ملغاة ويجوز إعمالها فهذا حكمها إذا كان قبلها الواو والفاء فإذا كانت مبتدأة نصبت بها فقلت : إذا أكرمك الأحزاب : ) 17 ( قل من ذا . . . . . ) الاحزاب 17 ( قوله تعالى : ) قل من ذا الذي يعصمكم من الله ( أي يمنعكم منه ) إن أراد بكم سوءا ( أي هلاكا ) أو أراد بكم رحمة ( أي خيرا ونصرا وعافية ) ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ( أي لا قريبا ينفعهم ولا ناصرا ينصرهم الأحزاب : ) 18 ( قد يعلم الله . . . . . ) الاحزاب 18 ( قوله تعالى : ) قد يعلم الله الموقين منكم ( أي المعترضين منكم لأن يصدوا الناس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو مشتق من عاقني عن كذا أي صرفني عنه وعوق على التكثير ) والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ( على لغة أهل الحجاز وغيرهم يقولون : هلموا للجماعة وهلمي للمرأة لأن الأصل : ها التي للتنبيه ضمت إليها لم ثم حذفت الألف استخفافا وبنيت على الفتح ولم يجز فيها الكسر ولا الضم لأنها لا تنصرف ومعنى هلم أقبل وهؤلاء طائفتان أي منكم من يثبط ويعوق والعوق المنع والصرف يقال : عاقه يعوقه عوقا وعوقه واعتاقه بمعنى واحد قال مقاتل : هم عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقون "صفحة رقم 152" والقائلين لأخوانهم هلم فيهم ثلاثة أقوال : أحدها أنهم المنافقون قالوا للمسلمين : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس وهو هالك ومن معه فهلم إلينا الثاني أنهم اليهود من بني قريظة قالوا لإخوانهم من المنافقين : هلم إلينا أي تعالوا إلينا وفارقوا محمدا فإنه هالك وإن أبا سفيان إن ظفر لم يبق منكم أحدا والثالث ما حكاه بن زيد : أن رجلا من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بين الرماح والسيوف فقال أخوه وكان من أمه وأبيه : هلم إلي قد تبع بك وبصاحبك أي قد أحيط بك وبصاحبك فقال له : كذبت والله لأخبرنه بأمرك وذهب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليخبره فوجده قد نزل عليه جبريل عليه السلام بقوله تعالى : قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ذكره الماوردي والثعلبي أيضا ولفظه : قال بن زيد هذا يوم الأحزاب انطلق رجل من عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فوجد أخاه بين يديه رغيف وشواء ونبيذ فقال له : أنت في هذا ونحن بين الرماح والسيوف فقال : هلم إلى هذا فقد تبع لك ولأصحابك والذي تحلف به لا يستقل بها محمد أبدا فقال : كذبت فذهب إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يخبره فوجده قد نزل عليه جبريل بهذه الآية ) ولا يأتون البأس إلا قليلا ( خوفا من الموت وقيل : لا يحضرون القتال إلا رياء وسمعة الأحزاب : ) 19 ( أشحة عليكم فإذا . . . . . ) الاحزاب 19 ( قوله تعالى : ) أشحة عليكم ( أي بخلاء عليكم أي بالحفر في الخندق والنفقة في سبيل الله قاله مجاهد وقتادة وقيل : بالقتال معكم وقيل : بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم "صفحة رقم 153" وقيل : أشحة بالغنائم إذا أصابوها قاله السدي وانتصب على الحال قال الزجاج ونصبه عند الفراء من أربع جهات : إحداها أن يكون على الذم ويجوز أن يكون عنده نصبا بمعنى يعوقون أشحة ويجوز أن يكون التقدير : والقائلين أشحة ويجوز عنده ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة أي أنهم يأتونه أشحة على الفقراء بالغنيمة النحاس : ولا يجوز أن يكون العامل فيه المعوقين ولا القائلين لئلا يفرق بين الصلة والموصول بن الأنباري : إلا قليلا غير تام لأن أشحة متعلق بالأول فهو ينتصب من أربعة أوجه : أحدها أن تنصبه على القطع من المعوقين كأنه قال : قد يعلم الله الذين يعوقون عن القتال ويشحون عن الإنفاق على فقراء المسلمين ويجوز أن يكون منصوبا على القطع من القائلين أي وهم أشحة ويجوز أن تنصبه على القطع مما في يأتون كأنه قال : ولا يأتون البأس إلا جبناء بخلاء ويجوز أن تنصب أشحة على الذم فمن هذا الوجه الرابع يحسن أن تقف على قوله : إلا قليلا أشحة عليكم وقف حسن ومثله أشحة على الخير حال من المضمر في سلقوكم وهو العامل فيه ) فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت ( وصفهم بالجبن وكذا سبيل الجبان ينظر يمينا وشمالا محددا بصره وربما غشى عليه وفي الخوف وجهان أحدهما من قتال العدو إذا أقبل قاله السدي الثاني الخوف من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا غلب قاله بن شجرة رأيتهم ينظرون إليك خوفا من القتال على القول الأول ومن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على الثاني تدور أعينهم لذهاب عقولهم حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة وقيل : لشدة خوفهم حذرا أن يأتيهم القتل من كل جهة ) فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد ( وحكى الفراء صلقوكم بالصاد وخطيب مسلاق ومصلاق إذا كان بليغا وأصل الصلق الصوت ومنه قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لعن الله الصالقة والحالقة والشاقة ) قال الأعشى "صفحة رقم 154" فيهم المجد والسماحة والنجدة فيهم والخاطب السلاق قال قتادة : ومعناه بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة يقولون : أعطنا أعطنا فإنا قد شهدنا معكم فعند الغنيمة أشح قوم وأبسطهم لسانا ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم قال النحاس : هذا قول حسن لأن بعده أشحة على الخير وقيل : المعنى بالغوا في مخاصمتكم والإحتجاج عليكم وقال القتبي : المعنى آذوكم بالكلام الشديد السلق : الأذى ومنه قول الشاعر : ولقد سلقنا هوازنا بنواهل حتى انحنينا أشحة على الخير أي على الغنيمة قاله يحيى بن سلام وقيل : على المال أن ينفقوه في سبيل الله قاله السدي أولئك لم يؤمنوا يعني بقلوبهم وإن كان ظاهرهم الإيمان والمنافق كافر على الحقيقة لوصف الله عز وجل لهم بالكفر ) فأهبط الله أعمالهم ( أي لم يثبتهم عليها إذا لم يقصدوا وجه الله تعالى بها ) وكان ذلك على الله يسيرا ( يحتمل وجهين : أحدهما وكان نفاقهم على الله هينا الثاني وكان إحباط عملهم على الله هينا الأحزاب : ) 20 ( يحسبون الأحزاب لم . . . . . ) الاحزاب 20 ( قوله تعالى : ) يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ( أي لجبنهم يظنون الأحزاب لم ينصرفوا وكانوا انصرفوا ولكنهم لم يتباعدوا في السير ) وإن يأت الأحزاب ( أي وإن يرجع الأحزاب إليهم للقتال ) يودوا لو أنهم بادون في الأعراب ( تمنوا أن يكونوا مع الأعراب حذرا من القتل وتربصا للدوائر وقرأ طلحة بن مصرف لو أنهم بدى في الأعراب يقال : باد وبدى مثل غاز وغزى ويمد مثل صائم وصوام بدا فلان يبدو إذا خرج "صفحة رقم 155" إلى البادية وهي البداوة والبداوة بالكسر والفتح وأصل الكلمة من البدو وهو الظهور ) يسألون ( وقرأ يعقوب في رواية رويس يتساءلون عن أنبائكم أي عن أخبار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتحدثون : أما هلك محمد وأصحابه أما غلب أبو سفيان وأحزابه أي يودوا لو أنهم بادون سائلون عن أنبائكم من غير مشاهدة القتال لفرط جبنهم وقيل : أي هم أبدا لجبنهم يسألون عن أخبار المؤمنين وهل أصيبوا وقيل : كان منهم في أطراف المدينة من لم يحضر الخندق جعلوا يسألون عن أخباركم ويتمنون هزيمة المسلمين ) ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ( أي رميا بالنبل والحجارة على طريق الرياء والسمعة ولو كان ذلك لله لكان قليله كثيرا الأحزاب : ) 21 ( لقد كان لكم . . . . . ) الاحزاب 21 ( فيه مسألتان الأولى قوله تعالى : ) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( هذا عتاب للمتخلفين عن القتال أي كان لكم قدوة في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حيث بذل نفسه لنصرة دين الله في خروجه إلى الخندق والأسوة القدوة وقرأ عاصم أسوة بضم الهمزة الباقون بالكسر وهما لغتان والجمع فيهما واحد عند الفراء والعلة عنده في الضم على لغة من كسر في الواحدة : الفرق بين ذوات الواو وذوات الياء فيقولون كسوة وكسا ولحية ولحى الجوهري : والأسوة والإسوة بالضم والكسر لغتان والجمع أسى وإسي وروي عقبة بن حسان الهجري عن مالك بن أنس عن نافع عن بن عمر لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة قال : في جوع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذكره الخطيب أبو بكر أحمد وقال : تفرد به عقبة بن حسان عن مالك ولم أكتبه إلا بهذا الإسناد الثانية قوله تعالى : ) أسوة ( الأسوة القدوة والأسوة مايتأسى به أي يتعزى به فيقتدى به في جميع أفعاله ويتعزى به في جميع أحواله فلقد شج وجهه وكسرت رباعيته "صفحة رقم 156" وقتل عمه حمزة وجاع بطنه ولم يلف إلا صابرا محتسبا وشاكرا راضيا وعن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال : شكونا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن حجرين خرجه أبو عيسى الترمذي وقال فيه : حديث غريب وقال ( صلى الله عليه وسلم ) لما شج : ) اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) وقد تقدم ) لمن كان يرجو الله واليوم الآخر قال سعيد بن جبير : المعنى لمن كان يرجو لقاء الله بإيمانه ويصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأفعال وقيل : أي لمن كان يرجو ثواب الله في اليوم الآخر ولا يجوز عند الحذاق من النحويين أن يكتب يرجو إلا بغير ألف إذا كان لواحد لأن العلة التي في الجمع ليست في الواحد ) وذكر الله كثيرا ( خوفا من عقابه ورجاء لثوابه وقيل : إن لمن بدل من قوله : لكم ولا يجيزه البصريون لأن الغائب لايبدل من المخاطب وإنما اللام من لمن متعلقة ب حسنة وأسوة أسم كان ولكم الخبر واختلف فيمن أريد بهذا الخطاب على قولين : أحدهما المنافقون عطفا على ماتقدم من خطابهم الثاني المؤمنون لقوله : لمن كان يرجو الله واليوم الآخر واختلف في هذه الأسوة بالرسول عليه السلام هل هي على الإيجاب أو على الإستحباب على قولين : ( أحدهما على الإيجاب حتى يقوم دليل على الإستحباب الثاني على الاستحباب حتى يقوم دليل على الإيجاب ويحتمل أن يحمل على الإيجاب في أمور الدين وعلى الاستحباب في أمور الدنيا الأحزاب : ) 22 ( ولما رأى المؤمنون . . . . . ) الاحزاب 22 ( قوله تعالى : ) ولما رأى المؤمنون الأحزاب ( ومن العرب من يقول : راء على القلب ) قالوا هذا ما وعدنا الله ( يريد قوله تعالى في سورة البقرة : أم حسبتم أن ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 10 ( الأعضاء 0 والزوار 10) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |