|
|||||||
| ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة الفيل المجلد السابع عشر صـ 6248 الى صـ 6260 الحلقة (633) بسم الله الرّحمن الرّحيم سورة العصر مكية، وقيل مدنية، وآيها ثلاث. القول في تأويل قوله تعالى: [سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3) وَالْعَصْرِ أي الدهر. أقسم تعالى به لانطوائه على تعاجيب الأمور القارّة والمارّة. ولذا قيل له (أبو العجب) . ولأنه يذكر بما فيه من النعم وأضدادها. فينبّه الإنسان على أنه مستعد للخسران والسعادة. وللتنويه به والتعظيم من شأنه، تعريضا ببراءته مما يضاف إليه من الخسران والذم. كما قيل: يعيبون الزمان وليس فيه ... معيب غير أهل للزمان وجوّز أن يراد بالعصر، الوقت المعروف الذي تجب فيه صلاة العصر. قال الإمام: كان من عادة العرب أن يجتمعوا وقت العصر ويتحادثوا ويتذاكروا في شؤونهم. وقد يكون في حديثهم ما لا يليق أو ما يؤذي به بعضهم بعضا. فيتوهم الناس أن الوقت مذموم. فأقسم الله به لينبهك إلى أن الزمان في نفسه ليس مما يذم ويسبّ، كما اعتاد الناس أن يقولوا (زمان مشؤوم) و (وقت نحس) و (دهر سوء) وما يشبه ذلك. بل هو عادّ للحسنات كما هو عادّ للسيئات. وهو ظرف لشئوون الله الجليلة من خلق ورزق وإعزاز وإذلال وخفض ورفع. فكيف يذم في ذاته، وإنما قد يذم ما يقع فيه من الأفاعيل الممقوتة. إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ أي خسران، لخسارته رأس ماله؟ الذي هو نور الفطرة والهداية الأصلية، بإيثار الحياة الدنيا واللذات الفانية والاحتجاب بها وبالدهر، وإضاعة الباقي في الفاني إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا أي بالله وبما أنزل من الحق، إيمانا ملك إرادتهم فلا يعملون إلا ما يوافق اعتقاداتهم. كما قال: وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قال القاشانيّ: أي من الفضائل والخيرات. أي اكتسبوها فربحوا زيادة النّور الكماليّ على النور الاستعدادي الذي هو رأس مالهم. وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ أي أوصى بعضهم بعضا بما أنزل الله في كتابه من أمره، واجتناب ما نهى عنه من معاصيه وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ أي على ما يبلو الله به عباده. أو على الحق، فإن الوصول إلى الحق سهل. وأما البقاء عليه والصبر معه بالاستقامة والجهاد لأجله، فذاك الذي يظهر به مصداق الإيمان وحقيقته. تنبيهات: الأول- قال الإمام ابن القيّم في (مفتاح دار السعادة) قال الشافعي رضي الله عنه: لو فكر الناس كلهم في هذه السورة، لكفتهم. وبيان ذلك أن المراتب أربعة وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله. إحداها معرفة الحق. الثانية عمله به. الثالثة تعليمه من لا يحسنه. الرابعة صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه. فذكر تعالى المراتب الأربعة في هذه السورة. وأقسم سبحانه في هذه السورة بالعصر أن كل أحد في خسر، إلا الذين آمنوا. وهم الذين عرفوا الحق وصدقوا به، فهذه مرتبة. وعملوا الصالحات وهم الذين عملوا بما علموه من الحق فهذه أخرى. وتواصوا بالحق، وصى به بعضهم بعضا تعليما وإرشادا، فهذه مرتبة ثالثة. وتواصوا بالصبر، صبروا على الحق ووصى بعضهم بعضا بالصبر عليه والثبات. فهذه مرتبة رابعة. وهذا نهاية الكمال. فإن الكمال أن يكون الشخص كاملا في نفسه، مكملا لغيره. وكماله بإصلاح قوتيه العلمية والعملية. فصلاح القوة العلمية بالإيمان. وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات. وتكميله غيره، بتعليمه إياه وصبره عليه وتوصيته بالصبر على العلم والعمل. فهذه السورة، على اختصارها، هي من أجمع سور القرآن للخير بحذافيره. والحمد لله الذي جعل كتابه كافيا عن كل ما سواه، شافيا من كل داء، هاديا إلى كل خير. انتهى. الثاني: قال الرازي: هذه السورة فيها وعيد شديد. وذلك لأنه تعالى حكم بالخسار على جميع الناس، إلا من كان آتيا بهذه الأشياء الأربعة. وهي: الإيمان. والعمل الصالح. التواصي بالحق. والتواصي بالصبر. فدل ذلك على أن النجاة معلقة بمجموع هذه الأمور. وأنه كما يلزم المكلف تحصيل ما يخص نفسه، فكذلك يلزمه في غيره أمور. منها الدعاء إلى الدين. والنصيحة. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأن يحب له ما يحب لنفسه ثم كرر التواصي ليتضمن الأول الدعاء إلى الله، والثاني الثبات عليه. والأول الأمر بالمعروف، والثاني النهي عن المنكر. ومنه قوله تعالى: وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ [لقمان: 17] ، وقال عمر: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي. الثالث: قال الرازي: دلت الآية على أن الحق ثقيل، وأن المحن تلازمه. فلذلك قرن التواصي بالصبر. الرابع: تخصص التواصي بالحق والصبر، مع اندراجهما في الأعمال الصالحة، لإبراز كمال الاعتناء بهما. قال الإمام: من تلك الأعمال الدعوة إلى الحق والوصية بالصبر. لكنه أراد تخصيص هذين الأمرين بالذكر، لأنهما حفاظ كل خير ورأس كل أمر. والحق هو ما تقرر من حقيقة ثابتة أو شريعة صحيحة. وهو ما أرشد إليه دليل قاطع أو عيان ومشاهدة. فشرط النجاة من الخسران، أن يعرف الناس الحق ويلزموه أنفسهم، ويمكّنوه من قلوبهم، ثم يحمل الناس بعضهم بعضا عليه، بأن يدعو كلّ صاحبه إلى الاعتقاد بالحقائق الثابتة، التي لا ينازع فيها العقل ولا يختلف فيها النقل. وأن يبعدوا بأنفسهم وبغيرهم عن الأوهام والخيالات، التي لا قرار للنفوس عليها، ولا دليل يهدي إليها. ولا يكون ذلك إلا بإعمال الفكر وإجادة النظر في الأكوان، حتى تستطيع النفس دفع ما يرد عليها من باطل الأوهام. وهذا إطلاق للعقل من كل قيد، مع اشتراط التدقيق في النظر. لا الذهاب مع الطيش والانخداع للعادة والوهم. ومن لم يأخذ نفسه بحمل الناس على الحق الصحيح بعد أن يعرفه فهو من الخاسرين. كما ترى في الآية بالنص الصريح الذي لا يقبل التأويل. والصبر قوة للنفس على احتمال المشقة في العمل الطيب، واحتمال المكروه من الحرمان من اللذة، إن كان في نيلها ما يخالف حقّا أو ما لا تأذن به الشريعة الصحيحة التي لا اختلاف فيها. واحتمال الآلام إذا عرضت المصائب بدون جزع ولا خروج في دفعها عن حدود الحق والشرع. فشرط النجاة من الخسران أن تصبر، وأن توصي غيرك بالصبر، وتحمله على تكميل قواه بهذه الفضيلة الشريفة، التي هي أم الفضائل بأسرها، ولا يمكنك حمله على ذلك، حتى تكون بنفسك متحلّيا بها. وإلا دخلت فيمن يقول، ولا يفعل كما يقول. فلم تكن ممن يعمل الصالحات. انتهى. الخامس- قال الإمام: إنما قال وَتَواصَوْا ولم يقل (وأوصوا) ليبين أن النجاة من الخسران إنما تناط بحرص كل من أفراد الأمة على الحق، ونزوع كل منهم إلى أن يوصي به قومه ومن يهمه أمر الحق، ليوصي صاحبه بطلبه، يهمه أن يرى الحق فيقبله. فكأن في هذه العبارة الجزلة، قد نص على تواصيهم بالحق وقبولهم الوصية به إذا وجهت إليهم. السادس- قال ابن كثير: ذكر الطبرانيّ من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن عبيد الله ابن حصن قال: كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها. ثم يسلم أحدهما على الآخر. قال الإمام: قد ظن الناس أن ذلك كان للتبرك. وهو خطأ. وإنما كان ليذكر كل واحد منهما صاحبه بما ورد فيها. خصوصا من التواصي بالحق والتواصي بالصبر. حتى يجتلب منه قبل التفرق، وصية خير لو كانت عنده. وقد فسر الإمام رحمه الله هذه السورة بتفسير على حدة لم يسبق إلى نظيره، فعلى من أراد التوسع في أسرارها، أن يرجع إليه. بسم الله الرّحمن الرّحيم سورة الهمزة مكية، وآيها تسع. القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 3] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ أي لكل من يطعن في أعراض الناس ويغتابهم أصله من الهمز بمعنى الكسر، ومن اللمز بمعنى الطعن، الحقيقيين. ثم استعيرا لذلك ثم صارا حقيقة عرفية فيه. قال زياد الأعجم: تدلى بودّ إذا لاقيتني كذبا ... وإن أغيّب فأنت الهامز اللّمزة وبناء (فعلة) يدل على أن ذلك عادة منه قد ضري بها، لأنه من صيغ المبالغة والآية عني بها من كان مع المشركين بمكة، همازا لمازا. كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ [المطففين: 29- 30] ، وقوله: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم: 11] الآيات، فالسبب، وإن يكن خاصّا، إلا أن الوعيد عام، يتناول كل من باشر ذلك القبيح. وسرّ وروده عامّا، ليكون جاريا مجرى التعريض بالوارد فيه، فإن ذلك أزجر له وأنكى فيه. الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ أي أحصى عدده ولم ينفقه في وجوه البر. قال الإمام: أي أن الذي يحمله على الحط من أقدار الناس، هو جمعه المال وتعديده. أي عده مرة بعد أخرى، شغفا به وتلذذا بإحصائه. لأنه لا يرى عزّا ولا شرفا ولا مجدا في سواه. فكلما نظر إلى كثرة ما عنده منه، انتفخ وظن أنه من رفعة المكانة، بحيث يكون كل ذي فضل ومزية دونه. فهو يهزأ به ويهمزه ويلمزه. ثم لا يخشى أن تصيبه عقوبة على الهمز واللمز وتمزيق العرض. لأن غروره بالمال أنساه الموت وصرف عنه ذكر المآل فهو يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ أي يظن أن ماله الذي جمعه وأحصاه، وبخل بإنفاقه، مخلده في الدنيا، فمزيل عنه الموت. القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الهمزة (104) : الآيات 4 الى 9] كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) كَلَّا أي فليرتدع عن هذا الحسبان، فإن الأمر ليس كما ظن. بل لا بد أن يفارق هذه الحياة إلى حياة أخرى يعاقب فيها على ما كسب من سيّئ الأعمال، كما قال: لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ أي ليلقين وليقذفن يوم القيامة في النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها. أي تكسره، وكلمة (النبذ) تفيد التحقير والتصغير وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ استفهام عنها لتهويل أمرها. كأنها ليست من الأمور التي تدركها العقول نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ أي هي النار التي لا تنسب إلا إليه سبحانه، لأنه هو منشئها في عالم لا يعلمه سواه. قال أبو السعود: وفي إضافتها إليه سبحانه، ووصفها بالإيقاد، من تهويل أمرها ما لا مزيد عليه الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ قال ابن جرير: أي التي يطلع ألمها ووهجها على القلوب والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى. حكي عن العرب سماعا (متى طلعت أرضنا) و (طلعت أرضي) بلغت. وقال الزمخشري: يعني أنها تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم وتطلع على أفئدتهم، وهي أوساط القلوب. ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد، ولا أشد تألما منه بأدنى أذى يمسه. فكيف إذا اطلعت عليه نار جهنم واستولت عليه!! ويجوز أن يخص الأفئدة لأنها مواطن الكفر والعقائد الفاسدة والنيات الخبيثة. أو تطالع، على سبيل المجاز معادن موجبها إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ أي مغلقة مطبقة لا مخلص لهم منها فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ صفة لمؤصدة، أو حال من الضمير المجرور. وإلى الوجهين أشار الزمخشري بقوله: والمعنى أنه يؤكد يأسهم من الخروج، وتيقنهم بحبس الأبد، فتؤصد عليهم الأبواب، وتمدد على العمد، استيثاقا في استيثاق. ويجوز أن يكون المعنى أنها عليهم مؤصدة، موثقين في عمد ممددة، مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص. و (المقاطر) جمع (مقطرة) بالفتح، وهي جذع كبير فيه خروق يوضع فيها أرجل المحبوسين من اللصوص ونحوهم (وتقطر) أي يجعل كلّ بجنب آخر و (عمد) قرئ بضم العين والميم وفتحهما. قال ابن جرير: وهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء. ولغتان صحيحتان. والعرب تجمع العمود عمدا وعمدا، بضم الحرفين وفتحهما، كما تفعل في جمع إهاب تجمعه أهبا وأهبا. تنبيه: قال القاشاني في بيان آفات رذيلتي الهمز واللمز اللتين نزلت في وعيدهما السورة، ما مثاله: الهمز أي الكسر من أعراض الناس واللمز أي الطعن فيهم، رذيلتان مركبتان من الجهل والغضب والكبر. لأنهما يتضمنان الإيذاء وطلب الترفع على الناس. وصاحبهما يريد أن يتفضل على الناس، ولا يجد في نفسه فضيلة يترفع بها. فينسب العيب والرذيلة إليهم، ليظهر فضله عليهم. ولا يشعر أن ذلك عين الرذيلة. فهو مخدوع من نفسه وشيطانه موصوف برذيلتي القوة النطقية والغضبية. ثم قال: وفي قوله تعالى: وَعَدَّدَهُ إشارة أيضا إلى الجهل. لأن الذي جعل المال عدة للنوائب، لا يعلم أن نفس ذلك المال يجر إليه النوائب. لاقتضاء حكمة الله تفريقه في النائبات، فكيف يدفعها؟ وكذا في قوله: يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ أي لا يشعر أن المقتنيات المخلدة لصاحبها هي العلوم والفضائل النفسانية الباقية، لا العروض والذخائر الجسمانية الفانية ولكنه مخدوع بطول الأمل، مغرور بشيطان الوهم عن بغتة الأجل. والحاصل أن الجهل الذي هو رذيلة القوة الملكية، أصل جميع الرذائل، ومستلزم لها. فلا جرم أنه يستحق صاحبه المغمور فيها، العذاب الأبديّ المستولي على القلب المبطل لجوهره. بسم الله الرّحمن الرّحيم سورة الفيل مكية، وآيها خمس. القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ يعني الذين قدموا من اليمن يريدون تخريب الكعبة من الحبشة، ورئيسهم أبرهة الحبشي الأشرم. كما سيأتي. قال أبو السعود: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والهمزة لتقرير رؤيته صلى الله عليه وسلم بإنكار عدمها. والرؤية علمية. أي ألم تعلم علما رصينا متاخما للمشاهدة والعيان، باستماع الأخبار المتواترة، ومعاينة الآثار الظاهرة. وتعليق الرؤية بكيفية فعله عزّ وجلّ لا بنفسه، بأن يقال ألم تر ما فعل ربك إلخ- لتهويل الحادثة والإيذان بوقوعها على كيفية هائلة وهيئة عجيبة دالة على عظم قدرة الله تعالى وكمال علمه وحكمته وعزة بيته وشرف رسوله صلى الله عليه وسلم. فإن ذلك من الإرهاصات. لما روي أن القصة وقعت في السنة التي ولد فيها النبيّ صلى الله عليه وسلم، كما سنأثره. وقوله تعالى: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ بيان إجمالي لما فعل بهم. أي ألم يجعل مكرهم وسعيهم لتخريب الكعبة في تضييع وإبطال لما حاولوا، وتدميرهم أشد تدمير. قال الرازي: اعلم أن الكيد هو إرادة مضرة بالغير على الخفية (إن قيل) لم سماه كيدا وأمره كان ظاهرا، فإنه كان يصرح أنه يهدم البيت؟ (قلنا) نعم لكن الذي كان في قلبه شر مما أظهر. لأنه كان يضمر الحسد للعرب، وكان يريد صرف الشرف الحاصل لهم بسبب الكعبة، منهم ومن بلدهم، إلى نفسه وإلى بلدته وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ أي طوائف متفرقة، يتبع بعضها بعضا من نواح شتى و (أبابيل) جمع لا واحد له، على ما حكاه أبو عبيدة والفراء. وزعم أبو جعفر الرؤاسي- وكان ثقة- أنه سمع واحدها إبّالة بكسر الهمزة وتشديد الموحدة. وهي حزمة الحطب. استعير لجماعة الطير. وحكى الكسائي عن بعض النحويين في مفردها (أبول) وعن آخرين (أبيل) سماعا كما أثره ابن جرير. والتنكير في (طيرا) إما للتحقير، فإنه مهما كان أحقر كان صنع الله أعجب وأكبر. أو للتفخيم، كأنه يقول وأي طير ترمي بحجارة صغيرة فلا تخطئ المقتل. أفاده الرازي. تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ أي من طين متحجر. وروى ابن وهب عن ابن زيد أن المعنيّ بالسجيل السماء الدنيا لأن اسمها سجيل. قال ابن جرير: وهذا القول الذي قاله ابن زيد لا نعرف لصحته وجها في خبر ولا عقل ولا لغة. وأسماء الأشياء لا تدرك إلا من لغة سائرة أو خبر من الله تعالى ذكره فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ قال ابن جرير: كزرع أكلته الدواب فراثته، فيبس وتفرقت أجزاؤه. شبه تقطع أوصالهم بالعقوبة التي نزلت بهم، وتفرق آراب أبدانهم بها، بتفرق أجزاء الروث، الذي حدث عن أكل الزرع. قال الشهاب: ولم يذكر الروث لهجتنه. فجاء على الآداب القرآنية. وفيه إظهار تشويه حالهم. وقال أبو مسلم: (العصف) التين، لقوله: ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ.. [الرحمن: 12] ، لأنه تعصف به الريح عند الذرّ، فتفرقه عن الحب وهو إذا كان مأكولا فقد بطل ولا رجعة له ولا منعة فيه. انتهى. ومن الوجوه في الآية أن يكون المعنى: كزرع قد أكل حبه وبقي تبنه، والتقدير كعصف مأكول الحب. كما يقال فلان حسن أي حسن الوجه. فأجرى (مأكول) على (العصف) من أجل أنه أكل حبه. لأن هذا المعنى معلوم. ومنها أيضا أن معنى (مأكول) مما يؤكل، يعني تأكله الدواب. يقال لكل ما يصلح للأكل (هو مأكول) والمعنى جعلهم كتبن تأكله الدواب في التفرق والتفتت والهلاك. أشار له الرازي.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |