|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية. سُورَةُ هُودٍ المجلد العاشر الحلقة( 370) من صــ 241 الى صـ 255 وأما كون رسالة الله حقا فهذا هو المشهود به من كل رسول وهما لا يختصان بذلك بل يؤمنان به كما يؤمن بذلك كل ملك وكل مؤمن وشهادتهما بأن النبي والمؤمنين على حق من هذا الوجه الثاني المشترك ولو قال: ويبلغه وينزل به رسول من الله لكان ما قالوه متوجها كما قال: {قل نزله روح القدس} {نزل به الروح الأمين} {فإنه نزله على قلبك بإذن الله} أما كونه شاهدا يقرؤه فهذا لا نظير له في القرآن. و " أيضا " فالشاهد الذي هو من الله هو الكلام فإن الكلام نزل منه كما يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ويقال في الرسول إنه منه كما قال رسول من الله ويقال في الشخص الشاهد فيقال فيه هو من شهداء الله وأما كونه يقال فيه شاهد من الله أنها برهان من الله وآيات من الله في الآيات التي يخلقها الله تصديقا لرسوله: فهذا يحتاج استعماله إلى شاهد. والقرآن نزل بلغة قريش الموجودة في القرآن فإنها تفسر بلغته المعروفة فيه إذا وجدت لا يعدل عن لغته المعروفة مع وجودها وإنما يحتاج إلى غير لغته في لفظ لم يوجد له نظير في القرآن كقوله: {ويكأن الله} {ولات حين مناص} {وكأسا دهاقا} {وفاكهة وأبا} و {قسمة ضيزى} ونحو ذلك من الألفاظ الغريبة في القرآن والذين قالوا هذه الأقوال: إنما أتوا من جهة قوله: {ويتلوه} فظنوا أن تلاوته هي قراءته ولم يتقدم للقرآن ذكر. ثم جعل هذا يقول جبريل تلاه وهذا يقول محمد وهذا يقول لسانه. والتلاوة قد وجدت في القرآن واللغة المشهورة بمعنى الاتباع. وكثير من المفسرين لا يذكر في هذه الآية القول الصحيح فيبقى الناظر الفطن حائرا ولم يذكر في الذي على بينة من ربه إلا أنه الرسول ويذكر في الشاهد عدة أقوال. ثم من العجب أنه يقول: {أولئك يؤمنون} أولئك أصحاب محمد. وقيل: المراد الذين أسلموا من أهل الكتاب وهو على ما فسره لم يتقدم لهم ذكر فكيف يشار إليهم بقوله: {يؤمنون به} وأبو الفرج ذكر قولا أنهم المسلمون ولم يذكر أن الآية تعم النبي والمؤمنين ولما ذكر قول من قال: إنهم المسلمون قال: وهذا يخرج على قول الضحاك في البينة أنها رسول الله. وقد ذكر في " البينة " أربعة أقوال: أنها الدين ذكره أبو صالح عن ابن عباس وأنها رسول الله قاله الضحاك وأنها القرآن قاله ابن زيد وأنها البيان. قاله مقاتل. ثم قال: فإن قلنا: المراد من كان على بينة من ربه المسلمون فالمعنى أنهم يتبعون الرسول وهو البينة ويتبع هذا النبي شاهد منه يصدقه والمسلمون إذا كانوا على بينة فهي الإيمان بالرسول ليست البينة ذات الرسول والرسول ليس هو مذكورا في كلامه فقوله: {ويتلوه} لا بد أن يعود إلى {منه} (1) لكن إعادته إلى البينة أولى. وفسر البينة بالرسول وجعل الشاهد يشهد له بصدقه. ثم الشاهد جبريل أو غيره فلو قال: الشاهد هو القرآن يشهد للمؤمنين فإنه يتبعهم كما يتبعونه كان قد ذكر الصواب. وهو قد ذكر أقوالا كثيرة لم يذكرها غيره وذكر في يتلوه قولين " أحدهما " يتبعه. و " الثاني " يقرؤه وهما قولان مشهوران. وذكر في " هـ " يتلوه قولين: أنها ترجع إلى النبي. و " الثاني " أنها ترجع إلى القرآن. والتحقيق: أنها ترجع إلى " من " أو ترجع إلى البينة والبينة يراد بها القرآن فيكون المعنى أن الشاهد من القرآن وإذا رجع الضمير إلى " من " فإن جعل مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم - وهو القول الذي تقدم بيان فساده - عاد الضمير إلى البينة - وإن كان " من " تتناول كل من كان على بينة من ربه من المؤمنين ورسول الله أولى المؤمنين تناول الجميع. ومما يوضح ذلك: أن رسول الله جاء بالرسالة من الله وهذا يختص به وتصديق هذه الرسالة والإيمان بها واجب على الثقلين والرسول هو أول من يجب عليه الإيمان بهذه الرسالة التي أرسله الله بها ولهذا قال في سورة يونس: {قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين}. وقال: {قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم} إلى غير ذلك من الآيات. فهو صلى الله عليه وسلم يتعلق به أمران عظيمان. " أحدهما " إثبات نبوته وصدقه فيما بلغه عن الله وهذا مختص به. و " الثاني " تصديقه فيما جاء به وأن ما جاء به من عند الله حق يجب اتباعه وهذا يجب عليه وعلى كل أحد فإنه قد يوجد فيمن يرسله المخلوق من يصدق في رسالته؛ لكنه لا يتبعها؛ إما لطعنه في المرسل وإما لكونه يعصيه وإن كان قد أرسل بحق فالملوك كثيرا ما يرسلون رسولا بكتب وغيرها يبلغ الرسل رسالتهم فيصدقون بها. ثم قد يكون الرسول أكثر مخالفة لمرسله من غيره من المرسل إليهم ولهذا ظن طائفة منهم القاضي أبو بكر أن مجرد كونه رسولا لله لا يستلزم المدح. ثم قال: إن هذا قد يقال فيمن قبل الرسالة وبلغها وفيمن لم يقبل لكن هذا غلط فإن الله لا يرسل رسولا إلا وقد اصطفاه فيبلغ رسالات ربه. ورسل الله هم أطوع الخلق لله وأعظم إيمانا بما بعثوا به بخلاف المخلوق فإنه يرسل من يكذب عليه ومن يعصيه ومن لا يعتقد وجوب طاعته والخالق منزه عن ذلك. لكن هؤلاء الذين قالوا هذا يجوزون على الرب أن يرسل كل أحد بكل شيء ليس في العقل عندهم ما يمنع ذلك وإنما ينزهون الرسل عما أجمع المسلمون على تنزيههم عنه عندهم مما ثبت بالسمع لا من جهة كونه رسولا كما قد بسط هذا في غير هذا الموضع وبين أن هذا الأصل خطأ. ولما كان هو صلى الله عليه وسلم يتعلق به الأمران. في " الأول " يقال: آمنت له كما قال تعالى: {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه} وقوله: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} {وما أنت بمؤمن لنا}. وفي " الثاني " يقال: آمنت بالله فعلينا أن نؤمن له ونؤمن بما جاء به والله تعالى ذكر هذين. فذكر " أولا " ما يثبت نبوته وصدقه بقوله: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} {فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو} كما تقدم التنبيه على ذلك. ولما كان الذي يمنع الإنسان من اتباع الرسول شيئان: إما الجهل وإما فساد القصد ذكر ما يزيل الجهل وهو الآيات الدالة على صدقه ثم ذكر أهل فساد القصد بقوله: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون} {أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} فهؤلاء أهل فساد القصد. فهذان الأمران هما المانعان للخلق من اتباع هذا الرسول كما أنه في البقرة ذكر ما يوجب العلم وحسن القصد فقال: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين}. ثم قال: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}. فلما أثبت هذين الأصلين: أخذ بعد هذا في بيان الإيمان به وحال من آمن ومن كفر فقال: {أفمن كان على بينة من ربه} الآية. ثم قال: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} وهذا يتناول كل كافر ممن كذب على الله بادعاء الرسالة كاذبا ويتناول كل من كذب رسولا صادقا فقال: إن الله لم يرسل هذا ولم يأمر بهذا فكذب على الله وهذا إنما يقع ممن فسد قصده بحب الدنيا وإرادتها وممن أحب الرئاسة وأراد العلو في الأرض من أهل الجهل. وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " {إن الله يدني المؤمن منه يوم القيامة حتى يلقي عليه كنفه ويقول فعلت يوم كذا كذا وكذا ويوم كذا كذا وكذا فيقول: نعم. فيقول: إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه} ". وأما الكفار والمنافقون: ف {ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} ثم ذكر تعالى الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم ذكر مثل الفريقين فمن تدبر القرآن وتدبر ما قبل الآية وما بعدها وعرف مقصود القرآن: تبين له المراد وعرف الهدى والرسالة وعرف السداد من الانحراف والاعوجاج. وأما تفسيره بمجرد ما يحتمله اللفظ المجرد عن سائر ما يبين معناه فهذا منشأ الغلط من الغالطين؛ لا سيما كثير ممن يتكلم فيه بالاحتمالات اللغوية. فإن هؤلاء أكثر غلطا من المفسرين المشهورين؛ فإنهم لا يقصدون معرفة معناه كما يقصد ذلك المفسرون. وأعظم غلطا من هؤلاء وهؤلاء من لا يكون قصده معرفة مراد الله؛ بل قصده تأويل الآية بما يدفع خصمه عن الاحتجاج بها وهؤلاء يقعون في أنواع من التحريف ولهذا جوز من جوز منهم أن تتأول الآية بخلاف تأويل السلف وقالوا: إذا اختلف الناس في تأويل الآية على قولين جاز لمن بعدهم إحداث قول ثالث؛ بخلاف ما إذا اختلفوا في الأحكام على قولين وهذا خطأ فإنهم إذا أجمعوا على أن المراد بالآية إما هذا وإما هذا كان القول بأن المراد غير هذين القولين خلافا لإجماعهم؛ ولكن هذه طريق من يقصد الدفع لا يقصد معرفة المراد وإلا فكيف يجوز أن تضل الأمة عن فهم القرآن ويفهمون منه كلهم غير المراد [ويأتي] (2) متأخرون يفهمون المراد فهذا هذا والله أعلم. فصل: وقوله: {أفمن كان على بينة من ربه} كما تقدم هو كقوله: {قل إني على بينة من ربي} وقوله: {أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم} وقوله: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} وقوله {أولئك على هدى من ربهم}. فإن هذا النوع يبين أن المؤمن على أمر من الله فاجتمع في هذا اللفظ حرف الاستعلاء وحرف (من) لابتداء الغاية وما يستعمل فيه حرف ابتداء الغاية فيقال: هو من الله على نوعين فإنه إما أن يكون من الصفات التي لا تقوم بنفسها ولا بمخلوق فهذا يكون صفة له وما كان عينا قائمة بنفسها أو بمخلوق فهي مخلوقة. " فالأول " كقوله: {ولكن حق القول مني} وقوله: {يعلمون أنه منزل من ربك بالحق} كما قال السلف: القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود. " والنوع الثاني " كقوله: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} وقوله: {وما بكم من نعمة فمن الله} و {ما أصابك من حسنة فمن الله} وكما يقال: إلهام الخير وإيحاؤه من الله وإلهام الشر وإيحاؤه من الشيطان والوسوسة من الشيطان. فهذا نوعان. تارة يضاف باعتبار السبب وتارة باعتبار العاقبة والغاية. فالحسنات هي النعم والسيئات هي المصائب كلها من عند الله لكن تلك الحسنات أنعم الله بها على العبد فهي منه إحسانا وتفضلا وهذه عقوبة ذنب من نفس العبد فهي من نفسه باعتبار أن عمله السيئ كان سببها وهي عقوبة له؛ لأن النفس أرادت تلك الذنوب ووسوست بها. وتارة يقال باعتبار حسنات العمل وسيئاته وما يلقى في القلب من التصورات والإرادات فيقال للحق: هو من الله ألهمه العبد ويقال للباطل: إنه من الشيطان وسوس به ومن النفس أيضا لأنها أرادته كما قال عمر وابن عمر وابن مسعود فيما قالوه باجتهادهم: إن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمنا ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه. وهذا لفظ ابن مسعود في حديث بروع بنت واشق قال: إن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان لأنه حكم بحكم فإن كان موافقا لحكم الله فهو من الله لأنه موافق لعلمه وحكمه فهو منه باعتبار أنه سبحانه ألهمه عبده لم يحصل بتوسط الشيطان والنفس وإن كان خطأ فالشيطان وسوس به والنفس أرادته ووسوست به وإن كان ذلك مخلوقا فيه والله خلقه فيه؛ لكن الله لم يحكم به وإن لم يكن ما وقع لي من إلهام الملك كما قال ابن مسعود: إن للملك بقلب ابن آدم لمة وللشيطان لمة؛ فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق " فالتصديق من باب الخبر والإيعاد بالخير والشر من باب الطلب والإرادة. قال تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم}. فهذه حسنات العمل من الله عز وجل بهذين الاعتبارين. " أحدهما " أنه يأمر بها ويحبها وإذا كانت خيرا فهو يصدقها ويخبر بها فهي من علمه وحكمه وهي أيضا من إلهامه لعبده وإنعامه عليه لم تكن بواسطة النفس والشيطان؛ فاختصت بإضافتها إلى الله من جهة أنها من علمه وحكمه وأن النازل بها إلى العبد ملك كما اختص القرآن بأنه منه كلام وقرآن مسيلمة بأنه من الشيطان فإن ما يلقيه الله في قلوب المؤمنين من الإلهامات الصادقة العادلة هي من وحي الله وكذلك ما يريهم إياه في المنام قال عبادة بن الصامت: رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده في منامه وقال عمر: اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون فإنهم يتجلى لهم أمور صادقة وقد قال تعالى: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي} {وأوحينا إلى أم موسى} {وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا} وقال: {فألهمها فجورها وتقواها} على قول الأكثرين وهو أن المراد أنه ألهم الفاجرة فجورها والتقية تقواها فالإلهام عنده هو البيان بالأدلة السمعية والعقلية. وأهل السنة يقولون: كلا النوعين من الله هذا الهدى المشترك وذاك الهدى المختص وإن كان قد سماه إلهاما كما سماه هدى كما في قوله: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} وكذلك قد قيل في قوله: {وهديناه النجدين} أي بينا له طريق الخير والشر وهو هدى البيان العام المشترك. وقيل: هدينا المؤمن لطريق الخير والكافر لطريق الشر؛ فعلى هذا يكون قد جعل الفجور هدى كما جعل أولئك البيان إلهاما. وكذلك قوله {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} قيل هو الهدى المشترك وهو أنه بين له الطريق التي يجب سلوكها والطريق التي لا يجب سلوكها. وقيل بل هدى كلا من الطائفتين إلى ما سلكه من السبيل {إما شاكرا وإما كفورا}. لكن تسمية هذا هدى قد يعتذر عنه بأنه هدى مقيد لا مطلق كما قال: {فبشرهم بعذاب أليم} وكما قال: {يؤمنون بالجبت والطاغوت} وأنه {يقول الحق} و {يأمر بالعدل} فهو موافق لقوله وأمره لعلمه وحكمه كما أن القرآن وسائر كلامه كذلك وباعتبار أنه أنعم على العبد بواسطة جنده بالملائكة. ويقال لضد هذا - وهو الخطأ - هذا من الشيطان والنفس؛ لأن الله لا يقوله ولا يأمر به؛ ولأنه إنما ينكته في قلب الإنسان الشيطان ونفسه تقبله من الشيطان؛ فإنه يزين لها الشيء فتطيعه فيه وليس كل ما كان من الشيطان يعاقب عليه العبد؛ ولكن يفوته به نوع من الحسنات كالنسيان فإنه من الشيطان والاحتلام من الشيطان والنعاس عند الذكر والصلاة من الشيطان والصعق عند الذكر من الشيطان ولا إثم على العبد فيما غلب عليه إذا لم يكن ذلك بقصد منه أو بذنب. فقوله: {إني على بينة من ربي} وشبهها مما تقدم ذكره: من هذا الباب وكذلك قوله: {ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم} فإن المؤمنين على تصديق ما أخبر الله به وفعل ما أمر الله ابتداء وتبليغا كالقرآن وقد قال: " إن الله أنزل الأمانة في جذر قلوب الرجال " فهي تنزل في قلوب المؤمنين من نوره وهداه وهذه حسنات دينية وعلوم دينية حق نافعة في الدنيا والآخرة وهو الإيمان الذي هو إفضال المنعم، وهو أفضل النعم. وأما قوله: {ما أصابك من حسنة فمن الله} فقد دخل في ذلك نعم الدنيا كلها كالعافية والرزق والنصر وتلك حسنات يبتلي الله العبد بها. كما يبتليه بالمصائب هل شكر أم لا؟ وهل يصبر أم لا؟ كما قال تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} وقال: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه} الآيات. وقد يقال في الشيء إنه من الله وإن كان مخلوقا إذا كان مختصا بالله كآيات الأنبياء كما قال لموسى: {فذانك برهانان من ربك} وقلب العصا حية وإخراج اليد بيضاء من غير سوء مخلوق لله لكنه منه لأنه دل به وأرشد إلى صدق نبيه موسى وهو تصديق منه وشهادة منه له بالرسالة والصدق فصار ذلك من الله بمنزلة البينة من الله والشهادة من الله وليست هذه الآيات مما تفعله الشياطين والكهان كما يقال: هذه علامة من فلان وهذا دليل من فلان وإن لم يكن ذلك كلاما منه. وقد سمى موسى ذلك بينة من الله فقال: {قد جئتكم ببينة من ربكم} فقوله: ببينة من ربكم كقوله: {فذانك برهانان من ربك}. وهذه البينة هنا حجة وآية ودلالة مخلوقة تجري مجرى شهادة الله وإخباره بكلامه كالعلامة التي يرسل بها الرجل إلى أهله وكيله قال سعيد بن جبير في الآية: هي كالخاتم تبعث به فيكون هذا بمنزلة قوله صدقوه فيما قال أو أعطوه ما طلب. فالقرآن والهدى منه وهو من كلامه وعلمه وحكمه الذي هو قائم به غير مخلوق وهذه الآيات دليل على ذلك كما يكتب كلامه في المصاحف؛ فيكون المراد المكتوب به الكلام يعرف به الكلام قال تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا}. ولهذا يكون لهذه الآيات المعجزات حرمة: كالناقة وكالماء النابع بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك. والله سبحانه أعلم. __________ Q (1) في المطبوعة " من " والتصويب من التفسير الكبير لابن تيمية، تحقيق د. عبد الرحمن عميرة 5 / 32 Q (2) بياض في الأصل، والزيادة مستفادة من محققي التفسير الكبير لابن تيمية، الدكتور محمد الجلنيد 3 / 249، والدكتور عبد الرحمن عميرة 5 / 37. قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 132) : لعل موضع البياض [ثم يأتي] ، فتكون العبارة (ويفهمون كلهم غير المراد [، ثم يأتي] متأخرون يفهمون المراد) ، أو نحو هذه العبارة، والله أعلم. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |