الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4987 - عددالزوار : 2106746 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4566 - عددالزوار : 1384153 )           »          إيران عدو تاريخي للعرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 204 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 1030 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 11640 )           »          إيقاظ الأفئدة بذكر النار الموقدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 223 )           »          علة حديث: (يخرج عُنُقٌ من النار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 210 )           »          علة حديث: (من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 218 )           »          الأنفصال العاطفي بين الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 233 )           »          مقاومة السمنة في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 225 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-02-2025, 10:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (151) توريث الدين من أعظم مهمات الأنبياء والصالحين (3)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال الله -تعالى- عن يوسف -صلى الله عليه وسلم-: (‌وَاتَّبَعْتُ ‌مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) (يوسف: 38).
الفائدة الثانية:
لا بد أن نهتم في دعوتنا بأسس الإيمان، وهي الإيمان بالله واليوم الآخر، فهما أعظم القضايا التي رُكِز في فطرة البشر البحث عنها، وقبول الحق فيها، وفيها الإجابة عن الأسئلة التي تواجه كل إنسان مِن نفسه: مَن خلقنا؟ ولماذا خلقنا؟ وإلى أين المصير؟
الإيمان بالله يجيب على السؤالين الأولين، فالله الخالق وهو المعبود، وهو خلقنا لنعبده، (‌وَمَا ‌خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، والإيمان باليوم الآخر يجيب عن السؤال الثالث؛ المصير إلى الله والموت آتٍ لا محالة، وبعده البعث والنشور، والجزاء والثواب والعقاب، فالدنيا بأسرها يوم والآخرة اليوم الآخر، وهذه المسائل يشترك في البحث عنها الملوك والمماليك، والأغنياء والفقراء، والكبراء والفقراء؛ فلا بد أن تبدأ الدعوة بها.
والإيمان بالله -سبحانه وتعالى- يستلزم الإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، والقدر خيره وشره، وكذا الإيمان باليوم الآخر يستلزم الإيمان بالكتب والرسل؛ لأن الجزاء في اليوم الآخر يكون على الشرع التي أتت به الرسل، وتضمنته الكتب المنزلة عليهم، والإيمان بالقدر؛ لأنه في الحقيقة إيمان بقدرة الله وعلمه وكتابته -سبحانه وتعالى- المقادير، وخلقه لأفعال العباد ومشيئته النافذة في ذلك، وفي غيره من أمور الكون؛ فلذلك أصول الإيمان متضمنة في الإيمان باليوم الآخر؛ ولذلك كثر في كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليفعل كذا... أو يترك كذا...
ثم لا بد أن تتضمن الدعوة من البداية، التحذير من كل ملة ليس فيها الإيمان بالله واليوم الآخر، أو فيها اعتقاد فاسد بالله أو باليوم الآخر، كمَن يعتقدون الشرك وعبادة غير الله، أو ربوبية غيره -سبحانه وتعالى- خلقًا، أو رزقًا، أو تدبيرًا، أو ضرًّا أو نفعًا، أو مِلْكًا أو مُلْكًا، أو تشريعًا، وكذا من يعتقدون في اليوم الآخر بعدم بعث الأجساد أو بأن الجنة ليس فيها طعام ولا شراب، كما قال سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- في قول الله -عز وجل-: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ ‌بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) (الكهف: 103-105)، قال: "هم اليهود والنصارى؛ أما اليهود فكفروا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وأما النصارى فكفروا بالجنة، فقالوا: ليس فيها طعام ولا شراب!".
وتأمل في قوله: (‌مِلَّةَ ‌قَوْمٍ) (يوسف: 37)، منكَّرَة، ولم يقل: ملة قومكم في أول الأمر، من جنس قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما بال أقوام"، مع وضوح المقصد، ولكنها مراعاة للنفوس الجاهلة التي تعاند دفاعًا عن قومها، وتقليدًا لأشياخها مثل ما دلَّ عليه قول الله -عز وجل- عن بلقيس في أول شأنها من عدم الإيمان، أنها أول ما رأت ملك سليمان وقد بلغتها دعوة الحق، كانت كما قال -تعالى-: (‌وَصَدَّهَا ‌مَا ‌كَانَتْ ‌تَعْبُدُ ‌مِنْ ‌دُونِ ‌اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ) (النمل: 43).
الفائدة الثالثة:
ثم بعد بيان الإيمان بالله واليوم الآخر شرع يوسف صلى الله عليه وسلم في بيان النبوة ومتابعته لملة الأنبياء من آبائه، فهو ترك الباطل وتبع الحق؛ هزم الجاهلية وسلك سبيل المرسلين، فقال: (‌وَاتَّبَعْتُ ‌مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) كما سبق نقل كلام ابن كثير -رحمه الله-، يقول: "هجرت طريق الكفر والشرك، وسلكت طريق هؤلاء المرسلين -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى واتبع طريق المرسلين، وأعرض عن طريق الضالين، فإن الله يهدي قلبه ويعلمه ما لم يكن يعلم، ويجعله إمامًا يقتدَى به في الخير، وداعيًا إلى سبيل الرشاد" (تفسير ابن كثير).
وفي هذا بيان أنه لا تتحقق ملة الحق إلا بترك ملة الباطل، ففيه معنى النفي والإثبات الذي تضمنته لا إله إلا الله وقضية ترك ملة الباطل والتبرؤ منها، والتصريح ببطلانها وعدم إيمان أصحابها ضرورة لتحقيق الإيمان بالله، كما قال -تعالى-: (‌فَمَنْ ‌يَكْفُرْ ‌بِالطَّاغُوتِ ‌وَيُؤْمِنْ ‌بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 256)، فالذين يريدون في زماننا ترك قضية البراء من الشرك وأهله، وأن يتمسك الإنسان بما هو عليه دون أن يتعرض لملل الباطل لا يبين بطلانها ولا دخل له بها، فهم من أعظم الناس هدمًا لحقيقة لا إله إلا الله، فإنهم يرومون تصويب الملل كلها، وعلى الأقل تصويب اليهودية والنصرانية كما ادِّعاه المخترعون المبطلون للدين الإبراهيمي الجديد الذي يزعمون فيه مساواة الملل، وهم إنما يريدون هدم الإسلام؛ فليحذر كل مسلم من ذلك، فإن اتباع الحق لا يثبت إلا بترك ملل الباطل كلها، والإيمان بالله لا يحصل إلا بالكفر بالطاغوت.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-02-2025, 09:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (156) دعوة غيَّرت وجه الأرض (3)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
قال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ . رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ . رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ . الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ . رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ . رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (إبراهيم: 35-41).
فيه فوائد:
الأولى: الدعاء من أعظم أسباب تغيير الحياة على وجه الأرض، فالله -تعالى- قدَّر مقادير وقدَّر لها أسبابًا، ومما قدره الله -عز وجل-: تعمير مكة المكرمة، وتعمير بيته الحرام؛ للقيام في الصلاة والركوع والسجود، والطواف والاعتكاف، وسائر أنواع العبادات؛ قال الله -عز وجل-: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (الحج: 26).
وجعل الله -عز وجل- البيت الحرام قيامًا للناس، به يقوم أمر الناس: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ) (المائدة: 97)، وإذا أوشكت الدنيا على الانتهاء أَذِن الله قَدَرًا في هدمه، ولا بقاء للناس من غير الكعبة المشرفة، فمن أشراط الساعة: هدم الكعبة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُخَرِّبُ ‌الْكَعْبَةَ ‌ذُو ‌السُّوَيْقَتَيْنِ ‌مِنَ ‌الْحَبَشَةِ) (متفق عليه)، وأما قبل ذلك؛ فلا قوام للناس إلا ببيت الله الحرام، وبتوجه المؤمنين إلى هذه القبلة المشرفة.
كيف عمرت هذه البقعة؟
وكيف اتجهت إليها قلوب الملايين، وتتجه وجوههم إليها في الصلاة؟ (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (البقرة: 144)، وتريد قلوبهم أن تذهب إلى هذا المكان، فيذهب الملايين من كل عام إلى هذه البقعة المشرفة وما حولها من البقاع المقدسة لأداء فرض الحج الذي أمر الله بأدائه وافترضه على الناس، (‌وَلِلَّهِ ‌عَلَى ‌النَّاسِ ‌حِجُّ ‌الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ‌وَمَنْ ‌كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران: 97)، وبيَّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه ركن من أركان الإسلام، فقال: (بُنِيَ ‌الْإِسْلَامُ ‌عَلَى ‌خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (متفق عليه).
وعمرت هذه البقعة بدعوة مباركة من إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-، وقد كرَّم الله -عز وجل- سارة بأن كانت من المؤمنين دون قومها، وهاجرت مع إبراهيم ولوط -عليهما السلام-، ثم سافرا إلى مصر ورد الله عنها كيد الملك الكافر عندما ذهب إبراهيم بها إلى أرض مصر، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام إِلَّا ‌ثَلَاثَ ‌كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللهِ -عز وجل-؛ قَوْلُهُ: (إِنِّي سَقِيمٌ) وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) وَقَالَ: (بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ قَالَ: أُخْتِي فَأَتَى سَارَةَ قَالَ: يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَُكِ وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي فَلَا تُكَذِّبِينِي فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ فَقَالَ ادْعِي اللهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتِ اللهَ فَأُطْلِقَ. ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ فَقَالَ: ادْعِي اللهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: مَهْيَا قَالَتْ: رَدَّ اللهُ كَيْدَ الْكَافِرِ أَوِ الْفَاجِرِ فِي نَحْرِهِ وَأَخْدَمَ هَاجَرَ) (متفق عليه).
وضربت سارة -رضي الله عنها- مثلاً في التضحية والحب الصادق الحقيقي لزوجها؛ إذ وهبت هاجر وهي خادمتها التي وُهِبت لها وملك يمينها؛ وهبتها لإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- عسى الله -عز وجل- أن يرزقه منها الولد؛ إذ كانت هي عقيمًا لا تلد إلى ذلك التاريخ، فضربت مثلاً في التضحية والحب الحقيقي والطاعة لله -عز وجل-، فاتخذ إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- هاجر سُريَّة وولدت له إسماعيل -عليه الصلاة والسلام-، ولكن وقع في قلب سارة ما وقع من الغيرة الفطرية؛ رغم أنها هي التي أرادت ذلك.
وكان الله قد قدَّر تعمير بيته الحرام بإسماعيل -عليه الصلاة والسلام- وذريته، فأمر الله -عز وجل- إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- أن يأخذ هاجر وأن يهاجر بها إلى موضع مكة المكرمة؛ في هذا المكان الجدب الذي لا أحد فيه ولا أنيس، ولا جليس، ولا شيء؛ ترك إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- هاجر وابنها الرضيع إسماعيل -عليه الصلاة والسلام-، ومعها جراب تمر، وشملة، وقربة ماء، تركهم عند دوحة قريبة من موضع زمزم، ولم يكن بني البيت بعد، وإنما كان مثل الأكمة المرتفعة -أي: مثل التل المرتفع-، وتركهما وحدهما في هذا المكان الذي ليس فيه أحد.
فترى هذه البقعة التي لا نبت فيها ولا زرع، ولا ماء، ولا شيء على الإطلاق من مقومات الحياة؛ اختارها الله يوم خلق السماوات والأرض لتكون بقعة عبادته وتوحيده إلى آخر الزمان، إلى أن لا يوجد على وجه الأرض مَن يقول: "الله الله"، ولله الحمد والمنة أن الله حرَّم مكة يوم خلق السماوات والأرض ولم يحرمها الناس من عند أنفسهم فيكون ذلك قابلًا للتغيير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (‌إِنَّ ‌اللهَ ‌حَرَّمَ ‌مَكَّةَ ‌يَوْمَ ‌خَلَقَ ‌السَّمَاوَاتِ ‌وَالْأَرْضَ، فَهِيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تَحْلِلْ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ، لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا -أي: لا يجتث حشيشها-، وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ -أي: معرِّف لها أبدًا-) (متفق عليه).
اجتبى الله هذه البقعة وجرَّدها من مقومات الحياة الطبيعية، وقدَّر أن تكون أكثر بقعة في الأرض ازدحامًا على وجه الأرض ممَّن يعبد الله؛ آية عظيمة من آيات الله، وبيان لأهمية الدعاء إذ كانت هذه الدعوة من إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ) (إبراهيم: 35)، وفي الآية الأخرى: (رَبِّ اجْعَلْ ‌هَذَا ‌بَلَدًا آمِنًا) (البقرة: 126).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 86.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 84.64 كيلو بايت... تم توفير 2.21 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]