|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (101) دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (5) كتبه/ ياسر برهامي قال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ . فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّين َ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ . وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ . وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام: 74-83). فيه فوائد: الأولى: اهتمام الأنبياء -صلى الله عليهم وسلم- بدعوة أسرهم وأقاربهم؛ فإبراهيم بدأ بدعوة أبيه، وهكذا فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما وَقَف على الصفا، ونادى قريش فعم وخص، وقال: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا) (رواه مسلم). فعلى الداعي إلى الله أن يهتم بدعوة أهله وأسرته، وألا ينشغل عنهم بدعوة الآخرين قبل دعوتهم، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6)، قال علي بن أبي طالب: "علِّموهم وأدبوهم". فإهمال البيت حتى يحصل فيه مِن ترك الالتزام بالدِّين مِن بعض أفراده، خطر عظيم على مستقبل الدعوة وقبولها بين الناس، وإن كنا بلا شك نوقن بأن الهداية من الله، وإن وجود أبناء الأبناء وآباء الأنبياء على غير التوحيد والإيمان أمرًا قد ذكره الله لنا في القرآن مواساة وتصبيرًا لمَن كان بعض أهله على غير الحق، لكن هذا بعد بَذْل الوسع واستفراغ الجهد في دعوة الأسرة، والحرص على طاعتهم لله -عز وجل-، لكن مع التقصير يكون الداعي مسئولًا عن ذلك، وتكون دعوته مطعونًا فيها عند الناس؛ فلا بد من الاهتمام بذلك. الفائدة الثانية: إنكار إبراهيم صلى الله عليه وسلم على قومه عبادة الأصنام قبل أن ينظر في النجم والقمر والشمس، يدل دلالة واضحة على أنه كان يناظرهم، وليس ناظرًا باحثًا عن ربِّه سبحانه وصحة ربوبيته؛ لأنه كيف يستنكر عبادة الأصنام التي ترمز عندهم إلى النجوم التي اتخذوها آلهة، ويرى ذلك ضلالًا مبينًا، ثم يذهب يبعد النجم والقمر والشمس؛ فهذا ضلال مبين مماثل لعبادة الأصنام الرمزية، ولقد دَلَّ الكتاب والسنة على أن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-، كان مناظرًا لقومة وليس ناظرًا؛ فأما الكتاب: قول الله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ) (الأنبياء:51)، فآتاه الله عز وجل رشده: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) (الأنبياء: 52)، فقد كان على رشده، وليس لا يزال باحثًا. وأما السنة فهي أصرح؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث الشفاعة الطويل الذي رواه مسلم وغيره في مجيء الناس لإبراهيم، قال إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-: "لستُ لها، لستُ لها، إني كذبتُ ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله"، وذكر منها قوله عن الكوكب: "هذا ربي"، وهذا صريح في أنه كذبها في ذات الله؛ لإقامة الحجة على قومه في بطلان عبادة آلهتهم، وليس أنه كان يقولها معتقدًا لذلك؛ وإلا لما كانت في ذات الله -سبحانه وتعالى-، فكونها في ذات الله، أي: لأجله -سبحانه وتعالى-، وكان ذلك تعريضًا في حقيقة الأمر -كما سيأتي بيانه إن شاء الله-. فالصواب الذي لا شك فيه: أن إبراهيم كان مناظرًا لقومه ولا يعتد بقول مَن قال: إنه كان ناظرًا باحثًا عن الله. الفائدة الثالثة: بيان القرآن أن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- قد دعا أباه في هذا الموضع، وفي غيره من مواضع القرآن، كقوله -تعالى-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا) (مريم: 41-42). فمحال أن يكون الله قد أخبرنا في جميع المواضع التي ذُكِرت في القرآن، وكذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- في السنة، مثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي؟! فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ؛ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ؟! فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ فَيَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ) (رواه البخاري). وكلها صريحة في أنه يخاطب أباه، وليس أنه يخاطب عمه تأدبًا، فالخبر ليس فيه تأدب، وإنما فيه الخبر عن الحقيقة؛ فلا يصح أن يكون بعد ذلك رجلًا آخر غير أبيه؛ أنه عمه كما زعم مَن ينقل عن أهل الكتاب، بل نقول: صدق الله، وكذب النسابون وأهل الكتاب، وهذه المسألة يجادل فيها كثيرٌ مِن الناس لا لمجردها، بل لاستبعادهم كفر آباء الأنبياء أو أولادهم، وكذلك فعلوا في قصة نوح مع ابنه، فزعموا أنه ليس ابنًا له؛ ولذا قال ابن عباس ردًّا على ذلك: "ما بغت أو ما زنت امرأة نبي قط". وفي حقيقة الأمر: لو تأملوا هذه المسألة؛ لعلموا أن البشرية جميعًا هي من ذرية آدم ونوح، وهما من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهما-، وبالقطع فيهم مشركون وكفار لا يحصيهم إلا الله، وهذه المسألة عند الصوفية إنما يمهِّدون بها لنفي أحاديث كفر والدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي في الصحيح ولا وجه لردها، مثل الحديث الذي في صحيح مسلم عن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: (فِي النَّارِ)، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: (إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّار). ومثل حديث زيارة النبي -صلى الله عليه وسلم- لقبر أمه، وإذن الله -عز وجل- له في الزيارة، ثم استئذانه أن يستغفر لها، فلم يأذن الله له، وهي في صحيح مسلم. وكل هذه المحاولات لمخالفة ظاهر الكتاب والسنة هي تمهيد للغلو في آل البيت، وفي ذريتهم كذلك؛ لكي لا ينسب إلى مَن ادَّعى أنه مِن أهل البيت منكرٌ ولا باطل، ولا شرك؛ فكل ما يفعله مَن كانوا مِن أهل البيت -وجميع مَن نسبوهم إلى الولاية يدعون أنهم مِن أهل البيت-، يقولون بأنواع الشرك، والقول بوحدة الوجود، وغير ذلك مِن الضلالات، مِن: ترك الصلاة، وترك الجمع والجماعات، والاطلاع على ما في قلوب الخلق، والقدرات الهائلة، مع كونهم إنما استنكروا عليهم ترك الصلاة، وغير ذلك؛ فإذا قيل: هؤلاء من أهل البيت، وهؤلاء من ذرية النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويستحيل أن يقعوا في شرك أو ضلال؛ فلا بد إذًا أن تقبلوا ما يقولون! وكل هذا من مظاهر الغلو في آل البيت، بل وصل الأمر ببعضهم أن دافع عن أبي لهب -لعنه الله-، وجوَّز أن يكون مصيره إلى الجنة، وهذا تكذيب للقرآن! واحتجوا بأنه يجوز عند الأشاعرة أن يعذِّب اللهُ الأنبياءَ، وأن ينعِّمَ الكفار والمشركين، بل وإبليس، وفرعون، وأن يجعلهم في أعلى الدرجات، وأن العقل لا يحيل ذلك، لكن الخبر وَرَد بغير ذلك؛ فأهملوا الجزء الأخير، وقالوا بالأُولى، وقالوا: يفعل الله ما يشاء! وكأن الله عز وجل لم يخبرنا بما شاءه لإبليس، وفرعون، وأبي لهب، وغيرهم ممَّن نص الكتاب والسنة على مصيرهم في الآخرة؛ فلا يجوز ان يخلف الله عز وجل وعده ولا وعيده، كما يزعمون بأنهم يقولون: إن إخلاف الوعيد ليس مذمومًا، وغفلوا عن أن هذا فيه كذب في الخبر، ولا يمكن أن يُحمَل عليه كلام الله، بل مَن يقول ذلك يكون كافرًا. وبعضهم كره قراءة "سورة المسد" في الصلاة! وهذا من الضلال المبين، وبعضهم يجادل بالباطل في إيمان أبي طالب، ويزعم أنه مؤمن في الباطن، وناجٍ يوم القيامة استنادًا منهم إلى أن الإيمان هو المعرفة، مع صحة الحديث المتفق عليه في موت أبي طالب على الشرك، كما رواه البخاري ومسلم وأحمد عن ابن المسيب عن أبيه قال: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ، آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَمَا وَاللهِ، لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ)، فَأَنْزَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة: 113)، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين) (القصص: 56) (متفق عليه). وذلك كله للمجادلة في أن ملة عبد المطلب التي مات عليها أبو طالب هي الشرك، وكل هذا من مظاهر تقديم آراء الشيوخ والعاطفة الجاهلة على نصوص الكتاب والسنة! والمسألتان اللتان ضلَّ فيهما مَن انتسب إلى مذهب الأشعري في مسألة أن الإيمان هو المعرفة، والمبالغة في نفي التحسين والتقبيح العقليين حتى جوَّزوا أن يعذِّب الله الأنبياء والملائكة، وينعِّم الكفارَ، وأن ذلك جائز عقلًا، لولا الخبر؛ كلا المسألتين مِن أبطل ما نُقِل عن الأشعري -غفر الله له ورحمه-، وقد نُقِل عنه خاصة في مسألة الإيمان غيرُ ذلك؛ لأنه قال في "الإبانة" بأن الإيمان قول وعمل، وليس هو المعرفة فقط؛ فإنهم زَعَموا أن أبا طالب عَالِم بقلبه، ولكنه لم ينطق الشهادتين فهو عندنا ليس بمسلم، ولكنه عند الله مؤمن، والنجاة للمؤمنين، وهذا كله من الضلال البيِّن الذي لا بد مِن ردِّه، والله أعلى وأعلم. وللحديث بقية إن شاء الله.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (106) دعوة إبراهيم --صلى الله عليه وسلم-- لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (10) كتبه/ ياسر برهامي فقال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ . فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّين َ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ . وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ . وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام: 74-83). قوله -تعالى-: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) فيه فوائد: الفائدة الأولى: تقدَّم كلام الإمام ابن كثير -رحمه الله-، أن قوم إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- كانوا يعبدون الكواكب، فأراد إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- أن يبيِّن لهم بطلان عبادتها وعدم صلاحيتها للإلهية، وبيَّن ذلك بأمورٍ متتابعة؛ مَن تأملها جزم بأن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- كان مُنَاظِرًا لقومه يريد أن يقيم عليهم الحجة، فبيَّن لهم الأمر الأول في الكوكب -وهو الزهرة كما قالوا، أو غيرها-، وهو: الأفول والغياب. الفائدة الثانية: قوله: (هَذَا رَبِّي) معناه -على القول الصحيح-: أنه كان مناظرًا، وأنه نوع من التعريض؛ أي: أهذا ربي؟! أي: أهذا يصلح للعبادة؟! بحذف أداة الاستفهام، ويكون الغرض عنده هو الاستنكار، والغرض الذي يفهمونه هو التفكر في صلاحية الكوكب للعبادة، فإذا تبيَّن أنه لا يصلح بطلت عبادته وعبادة غيره من الكواكب، وهذا حقيقة التعريض، وهو: أن يقول الإنسان كلامًا يقصد به معنى صحيحًا في نفسه ويفهم السامع منه غير ذلك، وهو نوع كذب، لكنه إذا اقترن به غرض شرعي صحيح لم يكن كذبًا محرمًا. وهذا معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- في حديث الشفاعة الطويل: "لستُ لها، لستُ لها، إني كذبتُ ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله"، وذكر منها قوله عن الكوكب: "هذا ربي"؛ فقد قصد معنى صحيحًا، وهو: الاستنكار، وفهموا هم غير ذلك؛ لأجل أن تقوم عليهم الحجة ببطلان هذه الآلهة. الفائدة الثالثة: حاجة العابد إلى محبة إلهه ومعبوده على الدوام، لا يستطيع أن يتركها وقتًا من الأوقات، وأصلا العبادة: الحب والخضوع؛ فكيف يستغني عن محبته وعبادته فترة أفوله وغيابه دون أثر لوجوده؟! قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: "الفوائد": "اعلمْ أنّ قوام السماوات والأرض والخليقة بأن تأله الإله الحق، فلو كان فيهما إله آخر غير الله لم يكن إلهًا حقًّا؛ إذ الإله الحق لا شريك له، ولا سمي له، ولا مثل له، فلو تألهت غيره لفسدت كل الفساد بانتفاء ما به صلاحها؛ إذ صلاحها بتأله الإله الحق كما أنها لا توجد إلا باستنادها إلى الرب الواحد القهار، ويستحيل أن تستند في وجودها إلى ربين متكافئين، فكذلك يستحيل أن تستند في بقائها وصلاحها إلى إلهين متساويين. إذا عُرِف هذا؛ فاعلم أن حاجةَ العبد إلى أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا في محبته، ولا في خوفه ولا في رجائه، ولا في التوكل عليه ولا في العمل له، ولا في الحلف به، ولا في النذر له، ولا في الخضوع له، ولا في التذلل له، والتعظيم والسجود والتقرُّب، أعظم مِن حاجة الجسد إلى روحه، والعين إلى نورها، بل ليس لهذه الحاجة نظير تُقَاس به؛ فإن حقيقةَ العبد روحُه وقلبُه، ولا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو، فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره، وهي كادحة إليه كدحًا فملاقيته، ولا بد لها مِن لقائه، ولا صلاح لها إلا بمحبتها وعبوديتها له ورضاه، وإكرامه لها، ولو حصل للعبد من اللذات والسرور بغير الله ما حصل، لم يدم له ذلك، بل ينتقل مِن نوعٍ إلى نوعٍ، ومِن شخصٍ إلى شخصٍ، ويتنعم بهذا في وقتٍ ثم يتعذَّب به ولا بد في وقتٍ آخر (قلتُ: قال الله -عز وجل-: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ? إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة: 55). وكثيرًا ما يكون ذلك الذي يتنعم به ويلتذ به غير منعم له ولا ملذ، بل قد يؤذيه اتصاله به ووجوده عنده ويضره ذلك، وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجرب من لذة الأظفار التي تحكه، فهي تدمي الجلد وتخرقه، وتزيد في ضرره، وهو يؤثر ذلك لما له في حكها من اللذة، وهكذا ما يتعذَّب به القلب من محبة غير الله، وهو عذاب عليه ومضرة وألم في الحقيقة لا تزيد لذته على لذة حك الجرب، والعاقل يوازن بين الأمرين، ويؤثر أرجحهما وأنفعهما، والله الموفق المعين، وله الحُجَّة البالغة، كما له النعمة السابغة. والمقصود: أن إلهَ العبد الذي لا بد له منه في كلِّ حالة، وكل دقيقة، وكل طرفة عين؛ فهو الإله الحق الذي كلُّ ما سواه باطل، والذي أينما كان فهو معه، وضرورته إليه وحاجته إليه لا تشبهها ضرورة ولا حاجة، بل هي فوق كل ضرورة وأعظم من كل حاجة؛ ولهذا قال إمام الحنفاء: (لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ). والله أعلم) (انتهى من كتاب الفوائد). وهذا الذي ذكره ابن القيم في فقر العبد إلى الله إلهًا معبودًا محبوبًا، لا يستطيع أن يغيب في صلاح حالة عن محبة إلهه ومعبوده طرفة عين؛ حتى وهو نائم، فهو ينام على حبِّه ويستيقظ على ذكره، ولا نجاة لقلبه وحياة هذا القلب إلا بالله -عز وجل-؛ ولذلك بيَّن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- أن تعلق إبراهيم بإله غير الله: كذلك النجم، ومثله غيره من الكواكب والنجوم، والشمس والقمر، لكنه يعدد في كلِّ مَثَل شيئًا تبطل به عبادة هذا وعبادة أمثاله؛ ذلك أنها لا تصلح لتعلق القلب بها كل لحظة وكل طرفة عين، ولا تصلح أن ينامَ العبدُ على حبِّ هذه الأشياء، ولا أن يستيقظ بذكرها؛ فإن ذلك يضره أعظم الضرر؛ خاصة أنه إذا استيقظ فوجدها غائبة؛ فكيف يحبها؟! (لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ)، لا أحب الغائبين. وقد يتصور عبدٌ أن المؤمن إيمانه بالله على الغيب قد يكون كذلك، فهو لا يرى ربه -سبحانه-؛ ولذا قلنا في أول كلامنا: أنه يغيب دون أثرٍ لوجوده، أما الله -عز وجل- فهو غيب، لكن أدلة وجوده في كل لحظة، بل نوم العبد واستيقاظه، وحياته وموته مِن أدلة وجوده، كما قال إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) (البقرة: 258)، وتدبير الكون في وجود البشر وغيابهم من أدلة وجوده، وربوبيته وقيوميته لهذا العَالَم وإيجاده له من العَدَم من أعظم أدلة وجوده، (أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ . أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) (الطور: 36-37). ولذلك يظل العبد المؤمن مفتقرًا إلى الله إلهًا محبوبًا، كما افتقر إليه في أصل وجوده واستمرار بقائه، واستمرار حياة بدنه؛ فكذلك لا بد له مِن تألهه وعبادته، ومحبته، والخضوع له؛ حتى يستمر قلبه حيًّا يقظًا، ذاكرًا غير غافل، لينًا غير قاسٍ؛ فلذلك يحتاج إلى عبادته كلَّ لحظة، وإنما الصلوات الخمس مشروعة؛ لتكون ذكرى للذاكرين، قال الله -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (طه: 14)، وقال عز وجل: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود: 114). فهي تذكِّره بحاجته المستمرة إلى الله إلهًا معبودًا، كما يتذكر فيها حاجته إلى الله ربًّا خالقًا، رازقًا مدبرًا، وكلا النوعين من الفقر داخل في قوله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر: 15).
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (111) دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (15) كتبه/ ياسر برهامي فقال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ . فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ . فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ . وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ . وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام: 74-83). قوله -تعالى-: (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ): الفائدة الرابعة: الآية الكريمة تبيِّن بجلاء حقيقة دين إبراهيم -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهو: البراءة من الشرك وأهله، وتوجيه الوجه والقصد والإرادة لله رب العالمين لا شريك له، فالحنيفية التي صَرَّح بها إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- تقتضي الميل إلى الله والإعراض عمَّن سواه مما يُعبَد من دونه، وهذه البراءة وهذا الإعراض عما يعبد من دون الله يهدم فكرة مساواة الملل؛ سواء كانت الملل المنسوبة إلى الأنبياء، أو تلك الأرضية التي اخترعها الناس دون انتساب إلى الرسول. ومن ذلك: الدعوة إلى الدين الإبراهيمي الجديد، وما يحوم حولها، مثل: فكرة الأخوة الإنسانية التي تقوم عليها الماسونية وما شابهها من الدعوات، ونظرية الدِّين الموحد united religion التي يروج لها "بابا الفاتيكان الحالي"، ويحاولون جر المسلمين إليها. ولا يشك مسلم في بطلان هذه الدعاوى، بل في مناقضتها لأصل دين الإسلام، بحيث يكون مَن قَبِلها هادمًا لشهادة: "أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله"؛ مما يقدح في دينه ويصرِّح بردته عن دين الإسلام. قال ابن حزم -رحمه الله-: "واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارًا" (مراتب الإجماع). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "اليهود والنصارى كفار كفرًا معلومًا بالاضطرار من دين الإسلام". وقال أيضًا -رحمه الله-: "وقد ثبت في الكتاب والسنة والإجماع: أن مَن بلغته رسالته فلم يؤمن به فهو كافر؛ لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد؛ لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة". وقال الحجاوي -رحمه الله- في الإقناع ضمن ما يوجب الردة: "أو لم يكفِّر مَن دان بغير الإسلام: كالنصارى، أو شك في كفرهم، أو صَحَّح مذهبهم، أو قال قولًا يُتوصَّل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة؛ فهو كافر. وقال الشيخ -يعني ابن تيمية رحمه الله-: مَن اعتقد أن الكنائس بيوت الله وأن الله يعبد فيها، وأن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه يحب ذلك أو يرضاه أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة؛ فهو كافر. وقال في موضع آخر: مَن اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسهم قربة إلى الله؛ فهو مرتد، وإن جهل أن ذلك محرم وعرف ذلك؛ فإن أصر صار مرتدًا" (انتهى). ففكرة الدين الإبراهيمي لا بد من مقاومتها والحذر منها، وتحذير المسلمين من قبولها، خصوصًا مع ما تتضمنه من هدم القومية والوطنية -والتي قد نختلف معها في ترتيب أولويات الولاء؛ إلا أن عامتها قد استقر الأمر فيها على الالتزام بالشريعة الإسلامية كأصل وإن تأخر التطبيق-، ولا شك أن هدمها لإقامة ما يسمونه: "بالولايات المتحدة الإبراهيمية" هو هدم وتضييع للهوية العربية والإسلامية لهذه الدول وشعوبها؛ فلا يجوز إلا محاربة هذه الفكرة وتوابعها، مثلما سموه: "بيت العائلة الإبراهيمي"؛ الذي أرادوا حسب ما أعلنوا قبول عبادات الآخرين، واعتبار المسجد والكنيس والكنيسة كلها بيوت الله، وقد نقلنا -قبل هذه الفقرة- كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فيمَن اعتقد عن دور عبادتهم أنها بيوت الله. المسألة الخامسة: البراءة مِن الشرك تستلزم البراءة من المشركين، وليس كما يحاول بعض الناس في زماننا أن يزعم حبه للكفار، ولكنه يبغض كفرهم، محاولين التودد لأشخاصهم في ذلك! وقد بيَّن -سبحانه وتعالى- وجوب بغضهم والبراءة منهم لأشخاصهم طالما ظلوا على كفرهم، قال -عز وجل-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى? تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة: 4). وقال -سبحانه وتعالى-: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة: 22). وقد اختلط على هؤلاء -أو تعاموا عنه عمدًا- الفرق بين النصح وحب الخير للناس، وحب هدايتهم، وبين حبهم مع بقائهم على كفرهم؛ فهذا الفرق لا بد منه، فإن النصح الواجب للناس وحب هدايتهم لا يعني حبهم على كفرهم! فنحن نحب الخير للناس؛ لأن الله يحب فعل الخير من جميع الناس، وإن كنا نعلم أنه قَدَّر خلاف ذلك، من وجود الكفر والكافرين؛ قدَّر ذلك لمصالح عظيمة لا تتحقق إلا بوجود الكفر والكافرين؛ فلا بد من الالتزام بالحقيقة الشرعية، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: الْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني). وأما الحقيقة الكونية فنرضى عن الله -عز وجل- ربًّا مدبِّرًا، ولا نرضى عما لا يرضاه -عز وجل- من الملل والأفراد والمجتمعات الكافرة التي يبغضها -سبحانه-؛ فهو الذي خلقهم، ولكنه يبغضهم، لِمَا قام بهم من وصف الكفر. وأما إذا تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة؛ فإخواننا في الدين، وأما قبل ذلك فهم ليسوا إخوانًا لنا ولا أصدقاء ولا أولياء، وهذه المسألة العظيمة التي لا بد من تحقيقها في واقع الحياة حتى تظل عقيدة التوحيد واضحة ناصعة، ولا يلتبس الأمر على الناس، خصوصًا من صحح ملتهم؛ فكيف يدعوهم إلى الإسلام ويقول لهم: إن الإسلام هو الحق فادخلوا في الإسلام، وهو يقول بقاؤكم على ملتكم ينفعكم عند الله يوم القيامة، وفي الدنيا أنتم إخوان لنا على تلك الحال؟! وأما الأخوة الإنسانية فهي أخوة في النسب، لا تقتضي حبًّا ولا موالاة ولا صداقة حتى يؤمنوا بالله وحده، ولا بد من توضيح هذه المسألة للمسلمين في وسط جو فظيع من التلبيس وإفساد العقائد الذي يمهد للناس قبول هذه الفكرة الخبيثة، مساواة الملل والدين الإبراهيمي الجديد. نسأل الله أن يعيذ المسلمين من شر ذلك كله.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (116) دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (20) كتبه/ ياسر برهامي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ . فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ . فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ . وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ . وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام: 74-83). قوله -تعالى-: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) فيه فوائد: الفائدة الثالثة: قوله -عليه الصلاة والسلام-: (وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا)، فيه دليل على حرمة الخوف من غير الله، فإن كان ما يُخَوَّف به العبدُ من الطواغيت والآلهة التي يعبدها المشركون، وهي في ظاهر حسِّ الإنسان وعقلِه مع أدلة الشرع لا تملك شيئًا، ولا تصنع شيئًا، فمَن يخافها يخافها بخوف سري وطاعة باطنة، ويتقرَّب بالخوف منها إليها؛ فهو خوف شركي ينافي أصل الإيمان. قال -تعالى-: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 175)، فدل على من خاف هذه الآلهة لم يكن مؤمناً وقال -تعالى-: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر: 36)، فلا أضل مِن خوف عبدٍ مِن طواغيت وآلهة وأصنام، لا تملك له شيئًا؛ قد أضله الله -عز وجل- فاعتقد خوفهم! وهذا يدخل فيه: الخوف من القبر وصاحبه؛ أن يصيبه بأذى أو ضر، إذا لم يذهب لزيارته وتعظيمه، والطواف حوله، والذل بين يديه، ودعائه، وطلب قضاء الحاجة منه! وللأسف: هذا ينتشر بين كثيرٍ مِن عُبَّاد القبور المنتسِبين للإسلام؛ بجهلهم، واتباعهم لأحبارهم ورهبانهم وعلماء السوء الذين صوَّروا لهم أن هؤلاء المقبورين هم الذين يدبِّرون الكون، ويملكون الضر والنفع، والشفاء والمرض، والفقر والغنى، والهزيمة والنصر، والإهلاك والحفظ، وكل ذلك مِن شرك الربوبية الذي أدَّى إلى شرك الألوهية بحصول الخوف من دون الله، دون أسبابٍ ظاهرهٍ، وعادة غالبة، وهم يخوِّفون مَن يخالفهم بأن أصحاب القبور سوف يؤذونهم؛ لأنهم ينهون عن سؤالهم وعبادتهم، وكذلك مَن يخوِّفون الناس من الجن، ويدفعونهم إلى طاعتهم المزعومة بالتقرُّب إليهم بالذبح والنذر، والتذلل والتضرع، وتسميتهم أسيادًا، ودعائهم، وطلب دفع الضر ورفعه عنهم، ومقاتلة أعدائهم من الجن أو غيرهم! وقد يستجيبون لهم في مطالب كفرية، يطلبها أولياء الشيطان وعُبَّاد الطواغيت من السحرة والكهنة، كأن يكتبوا القرآن بالنجاسة: كالبول والمني؛ مما يسمونه: السحر السفلي، وكالسجود للجن، وكرفع الصليب على رأسه وصدره؛ ليحققوا له ما يريد مِن الأمن وقضاء الحاجات! ووالله، إن هذا الذي يفعله السحرة والكهنة والدجالون، وما يفعله الناس عندهم؛ لهو من جنس ما يفعله عباد الأوثان الذين حكى الله لنا حالهم بقوله: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) (الجن: 6)، وقد كان أحدهم إذا نزل منزلًا يقول: "أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه"؛ فإن لم يفعل أخذوا متاعه، وربما ألقوه هو شخصيًّا بعيدًا، فزادهم ذلك التعظيم من الإنس إرعابًا للإنس وتلاعبًا بهم، وإرهاقًا لهم، بل والله إن ما يحدث عند السحرة والدجالين في زماننا؛ لهو شر من ذلك؛ فإنهم يطلبون منهم ما هو عبادة صريحة، ويطلبون منهم ما هو كفر صريح -والعياذ بالله-، وقد أبدلنا الله -عز وجل- الذِّكر الحسن العظيم من هذه التُّرهات، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا، ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ) (رواه مسلم). وهذا لأن اللجوء والاستعاذة إنما تكون إلى الله -عز وجل- وبالله، وبأسمائه وصفاته، وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وكثيرٌ من الناس -للأسف- يعلِّم أولاده الخوف من العفاريت وأنواع الجان، فينشأ الأولاد على هذا الخوف الوهمي الخطير الذي إذا اقترن بالطاعة الباطنة والتعظيم الباطن والتقرُّب إليهم، كان شركًا أكبر -والعياذ بالله- إذا فعلوه بعد البلوغ. وأما الخوف بسبب الأمور الظاهرة: كحرب عُبَّاد الأوثان والطواغيت، ومكرهم وكيدهم؛ فإن هذا الخوف إذا انعقدت أسبابه وظهرت، كان خوفًا طبيعيًّا لا عباديًّا، ككلِّ خوفٍ مِن الأعداء، وما يؤذي من الحيوانات المفترسة، والدواب والهوام السامة، وغيرها، وهذا لا يكون شركًا، بل وقد لا يكون محرمًا، بل قد وَقَع من الأنبياء شيء منه، لكنه لا يستقر في القلب بقوة التوكل على الله، واللجوء إليه -سبحانه-، قال -تعالى- عن موسى وهارون: (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى . قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه: 45-46)، فعلَّمهما الله -عز وجل- إذهاب ذلك الخوف باستحضار معية الله -عز وجل-، وأنه -سبحانه- الذي يسمع كلامهما وكلام أعدائهما، ويرى أعمالهما وأعمال أعدائهما، ويعلم أنهما إنما قاما لنصرة دينه، وأن أعداءه يحاربون دينه، وكما قال -سبحانه وتعالى-: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى . قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى . وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) (طه: 67-69)، وقال -سبحانه وتعالى- عن موسى -عليه الصلاة والسلام-: (فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء: 21). وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خاف قومًا قال: (اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني). فدلَّ على أنه قد يقع في القلب ابتداءً مع كمال الإيمان، وقد أرشد الشرع إلى التوكل على الله؛ لدفع ضرر مَن يُخْشَى ضرره، وحَذَّر مِن استقراره في القلب ونهى عنه؛ حتى لا يترك الإنسانُ اتباعَ رضوانِ الله، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ . إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران: 173-175). فإذا نقص توكل العبد حتى استقر الخوف في قلبه من أعدائه؛ كان جبنًا مذمومًا، ثم لو أدَّى إلى ترك واجبٍ: كترك الجهاد بالفرار من الزحف، أو فعل محرم دون إكراهٍ معتبر شرعًا؛ كان خوفًا محرمًا، فإن كانت هذه المعصية كفرًا ولم يكن هناك إكراه معتبر؛ كان خوفًا كفريًّا، وفعله الكفر كفرًا، كمَن يتصور أن أعداءه من الظالمين يريدون منه تركَ الإسلام وسبَّ الدِّين ليتركوه دون أذى، فيعلن كفره ويسب الدِّين، ويقرِّب الذباب لأوثانهم ولو لم يعرضوه على إكراه! لحقارة النفس، وانهيار الإيمان في القلب، وانعدام التوكل على الله -والعياذ بالله من ذلك-. اللهم إننا نجعلك في نحور الظالمين، ونعوذ بك من شرورهم. والله المستعان. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (121) دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (25) كتبه/ ياسر برهامي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ . فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ . فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ . وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ . وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام: 74-83). قوله -تعالى-: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيم)، فيه فوائد: الأولى: قوله -تعالى-: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا): استعمال اسم الإشارة للبعيد لعلوِّ شأن الحجة الربانية التي يؤتيها الله -عز وجل- أنبياءه ورسله، وأولياءه مِن أهل العِلْم لنصرة التوحيد وإثبات الرسالة، وبطلان عبادة غير الله والبراءة من الشرك وأهله ومعرفة عاقبة التوحيد وعاقبة الشرك، وهي أعلى الحجج شأنًا، وهي الحجة المبنية على الوحي الذي يرشد العقل الإنساني إلى أحسن الطرق للفهم والإدراك، والمعرفة الحقيقية للحق والباطل، لا الحجج السخيفة الفلسفية والكلامية التي سَمَّاها أصحابها حججًا عقلية، وهي تؤدي دائمًا إلى أشدِّ النتائج تناقضًا، ولا يعرف بها حقٌّ مِن باطل في حقيقة الأمر، وهي مجرد كلام لا طائل منه، ولا يرشد القلب إلى صلاحه في الدنيا والآخرة، ولا يحييه بنور الإيمان. ومَن أراد أن يعرفَ الفَرْق بين حجج الله المنيرة، وبين الطرق الفلسفية والكلامية؛ فليأخذ قضية واحدة أيما ما كانت، ولتكن مثلًا: قضية القضاء والقَدَر، والعلاقة بين إرادة الله وإرادة الإنسان وقدرته وفعله، وليقارن بين الطريقتين، وسيعلم قطعًا أن الحجج القرآنية والنبوية المتمثِّلة في الأحاديث الصحيحة هي التي تتضمَّن تَوَافق العقل والنقل، والفطرة الصحيحة، وتتضمَّن العدل الوسط بين فِرَق الجبرية والقدرية، والتي يجزم العقل السليم ببطلان هذه المذاهب كلها، وسيجزم أن ما جاء به الوحي هو الذي يتطابق تمامًا مع العقل ولا يخالفه، فاللهم لك الحمد على نعمة الوحي. وإن أردتَ المزيدَ مِن مراجعة هذه القضية؛ فارجع إلى كتاب: "كيف نؤمن بالقدر؟"، وكتاب: "شرح شفاء العليل للإمام ابن القيم"، وستجد -إن شاء الله- ما يريح القلب في هذه القضية التي حَيَّرت البشرية التائهة بعيدًا عن نور الوحي. وتأمل أثر الطرق الفلسفية والكلامية في عقيدة النصارى -بعيدًا عن الكتب المُنَزَّلة فإنها حتى بعد التحريف والتبديل ما زالت تتضمَّن مِن أدلة التوحيد، وانفراد الله بالإلهية والربوبية-؛ إذ يجزم كلُّ عاقلٍ أن ما تضمَّنه قانون الإيمان المسيحي المأخوذ من الفلسفة اليونانية يتناقض تمامًا مع ما جاءت به الرُّسُل؛ فضلًا عن أن تقارن هذا مع القرآن العظيم وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذه القضية الخطيرة؛ قضية عبودية المسيح لله -عز وجل-، وعدم مشاركته لله -عز وجل- في شيء مِن الربوبية والألوهية. وستجد أيضًا: الفَرْق الهائل في الأثر في القلب بين نصوص الوحي، وبين علم الكلام والفلسفة الذي يوصل إلى النتائج المتناقضة التي لا يقبلها عقل سليم. ولتتأمل أيضًا: في قضية انفراد الرب -سبحانه- بالضر والنفع، والإحياء والإماتة، والملك وتدبير الكون، كما دَلَّت عليه نصوص الكتاب والسنة، وبين خرافات الطرق الصوفية، وزبالة أفكار المبتدعين الذين وصلوا ببدعتهم إلى القول بالحلول والاتحاد، وأن لا فرق بين العبد والرب! فـالـرب عـبـد والــعـبـد رب فيا ليت شعري مَن المُكَـلَّـف إن قــلـت عــبـد فــذاك رب وإن قــلـت رب أنَّى يُكــَلَّـف! قارن بين هذه النصوص وبين خرافات أهل الضلال، كقصة ذاك الشيخ الذي يبيع المخدرات على باب الجامع الأزهر ويترك الصلاة، فوقع في نَفْس الإمام ابن حجر أمير المؤمنين في الحديث، شارح البخاري: كيف يكون مدعيًا للولاية، وفي نفس الوقت يبيع المخدرات؟! فاطلع الشيخ على ما في قلبه، فنزع منه الفاتحة، فوقف ليصلي فما استطاع أن يصلي! فأتاه، فقال: رُدَّ عليَّ ما أخذت مني. فقال: هل علمتَ ما فعلت؟ قال: نعم. قال: هل تريد أن ترجع إليك الفاتحة؟ قال: نعم. قال: فاجلس بجواري لكي تقطِّع الحشيش وتبيعه معي! اللهم إنا نبرأ إليك مِن الضلالة. وأفظع من ذلك: ذلك الشيخ الذي عَلَّم أحد المريدين الأوراد والطريقة التي يلتزمون بها ثم بعثه إلى أحد القرى ليرشد، فغاظ ذلك أحد مشايخ الطرق الأخرى فقبض روحه، فجاء المريدون إلى الشيخ وقالوا: أدركنا يا شيخ، لقد قبض الشيخ الميرغني روح صاحبنا، فقال: فغضبتُ غضبًا شديدًا وطرتُ أنا وأحد مساعدي، فوجدت الرجل قد كُفِّن ويستعدون للدفن، ووجدت الشيخ الميرغني ممسكًا بروحه وقد قبضها، فقلت له: كيف تقبض روح المرشد؟ فقال: أنا أفعل ما أشاء، الملك ملكي! قال: فقلت له: وأنا شريك لك في الملك. قال: أفعل ما أريد. قال: لا تفعل ما تريد، قال: فلجأت إلى الشيخ إبراهيم الدسوقي، ورفعت يدي لأضربه، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد حَضَر فارتجفنا جميعًا، فرد روح المرشد إليه، فقام يمشي يمينًا وشمالًا، ولكن كان الشيخ الميرغني قد شطب رزقه، فسار الرجل فقيرًا لا رزق له، فهو يعيش على أرزاق الناس. فقلت له: اصبر، فإنك لا رزق لك؛ لأن الشيخ الميرغني قد شطب رزقك! اللهم إنا نبرأ إليك من الضلالة. قارن بين هذا وبين نصوص الوحي: لتعلم مَدَى خطر الخرافة، التي جعلت مشايخ الضلالة أربابًا يملكون الموت والحياة، ويملكون الأرزاق، وهم في ذلك يزعمون اتباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والإيمان بالقرآن، فاللهم لك الحمد. هذا اليقين بأن الحجة القرآنية والنبوية هي أعلى الحجج، أمر يدركه كلُّ مَن عَلِم الحجة المبنية على الوحي، وحجج المقلِّدين الخرافيين، والفلاسفة المتكلِّمين. فاللهم لك الحمد.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (126) استغفار إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لأبيه حال حياته وتبرؤه منه بعد أن مات على الكفر (1) كتبه/ ياسر برهامي فقال الله -تعالى-: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة: 113-114). إن قضيةَ الاستغفار والتَّرَحُّم على الكفار بعد موتهم؛ خاصة إذا كانوا أقارب، أو ممَّن قدَّم شيئًا لخدمة الإسلام أو الأوطان، أو حتى لمجرد المجاملة؛ مِن أهم قضايا الولاء والبراء التي شغلتِ الصحابة قديمًا، ولا تزال تشغل المجتمعات، والجماعات الإسلامية، ومراكز الفتوى حديثًا؛ خصوصًا مع اختلاط المفاهيم، وتداخل مسائل المعاملة بالبرِّ والقسط مع مسائل الولاء والبراء والاعتقاد، بل قد صارتْ مسألة مساواة الأديان، بل وحدتها مما يعتقده كثيرٌ مِن الناس، وكثير منهم ينتسِب إلى الإسلام اسمًا، وكثر الجهل وعظمت البدع الكفرية؛ فضلًا عما دونها في هذا الباب حتى اختلط الأمر على كثيرٍ مِن الناس، فلم يدروا ما الحق مِن الباطل في هذه القضية! والقرآن دائمًا فيه الحياة للقلوب من موتها بالجهل والكفر، وشفاؤها من أمراضها، ونورها من ظلمات الكفر والظلم والجهل. وفيه: بيان الأسوة الحسنة للمؤمنين في أنبياء الله -سبحانه وصلواته عليه وسلامه أجمعين-، وخاصة إبراهيم -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ أبو الأنبياء مِن بعده، وأكثرهم بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بيانًا لقضية البراءة من الشرك، فبيَّن الله في هذه الآية الكريمة الحكم الشرعي الواجب على النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين مِن حرمة الاستغفار للمشركين ولو كانوا أولي قربًا، ثم بيان شبهة البعض لاستغفار إبراهيم -صلى الله عليه وآله وسلم- لأبيه. قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: "روى الإمام أحمد: عن ابن المسيب، عن أبيه قال: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ: (أَيْ عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ بِهَا لَكَ عِنْدَ اللهِ)، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟! قَالَ: فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ) فَنَزَلَتْ: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة: 113)، قَالَ: وَنَزَلَتْ فِيهِ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (القصص: 56). أخرجاه -أي: البخاري ومسلم في الصحيحين-. وروى الإمام أحمد بسنده عن علي -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ، فَقُلْتُ: أَيَسْتَغْفِرُ الرَّجُلُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ؟ فَقَالَ: أَوَلَمْ يَسْتَغْفِرْ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ؟ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَتْ: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) إِلَى قَوْلِهِ: (تَبَرَّأَ مِنْهُ) (التوبة: 113 - 114)، قَالَ: (لَمَّا مَاتَ). فلا أدري قاله سفيان أو قاله إسرائيل، أو هو في الحديث: (لَمَّا مَاتَ). قلتُ: هذا ثابت عن مجاهد أنه قال: لمَّا مَات. وقال الإمام أحمد بسنده عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطاب وفداه بالأب والأم، وقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَكَ؟ قَالَ: (إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي -عز وجل- فِي الِاسْتِغْفَارِ لِأُمِّي، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَدَمِعَتْ عَيْنَايَ رَحْمَةً لَهَا مِنَ النَّارِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ ثَلَاثٍ: نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا؛ لِتُذَكِّرَكُمْ زيارتُها خَيْرًا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَكُلُوا وَأَمْسِكُوا مَا شِئْتُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَشْرِبَةِ فِي الْأَوْعِيَةِ، فَاشْرَبُوا فِي أَيِّ وِعَاءٍ، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا). وروى ابن جرير، من حديث علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما قَدِم مكة أتى رسم قبر، فجلس إليه، فجعل يخاطب، ثم قام مستعبرًا. فقلنا: يا رسول الله، إنا رابنا ما صنعت. قال: إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي، فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي، فما رئي باكيًا أكثر من يومئذٍ (قلتُ: الظاهر أنه يقصد لما كان في طريق قدومه لمكة؛ لأن آمنة بنت وهب ماتت بين مكة والمدينة). وروى ابن أبي حاتم بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا إلى المقابر، فاتبعناه، فجاء حتى جلس إلى قبرٍ منها، فناجاه طويلًا ثم بكى فبكينا لبكائه ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب، فدعاه ثم دعانا، فقال: ما أبكاكم؟ فقلنا: بكينا لبكائك. قال: إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي. ثم أورده من وجه آخر، ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريبًا منه، وفيه: "وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي، وأنزل عليَّ: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى)، فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكر الآخرة". حديث آخر في معناه: رواه الطبراني بسنده، عن ابن عباس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر، فلما هبط من ثَنِيَّةِ عُسْفان أمر أصحابه: أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم، فذهب فنزل على قبر أمه، فناجى ربه طويلًا، ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه، وبكى هؤلاء لبكائه، وقالوا: ما بكى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا المكان إلا وقد أحدث في أمته شيء لا تطيقه. فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم، فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: يا نبي الله، بكينا لبكائك، فقلنا: لعله أحدث في أمتك شيء لا تطيقه. قال: لا وقد كان بعضه، ولكن نزلت على قبر أمي فدعوت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة، فأبى الله أن يأذن لي، فرحمتها وهي أمي، فبكيت، ثم جاءني جبريل فقال: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) فتبرأ أنت من أمك كما تبرأ إبراهيم من أبيه، فرحمتها وهي أمي، ودعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعًا؛ فرفع عنهم اثنتين، وأَبَى أن يرفع عنهم اثنتين: دعوت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء، والغرق من الأرض، وألا يلبسهم شيعًا، وألا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع الله عنهم الرجم من السماء، والغرق من الأرض، وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج. وإنما عدل إلى قبر أمه؛ لأنها كانت مدفونة تحت كَدَاء وكانت عُسْفان لهم. قال: وهذا حديث غريب وسياق عجيب (قلتُ: حديث ضعيف منكر، لا يصح). وأغرب منه وأشد نكارة: ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب: "السابق واللاحق" بسند مجهول، عن عائشة في حديث فيه قصة: أن الله أحيا أمه فآمنت ثم عادت. وكذلك ما رواه السهيلي في "الروض" بسندٍ فيه جماعة مجهولون: أن الله أحيا له أباه وأمه؛ فآمنا به! وقد قال الحافظ ابن دحية: "هذا الحديث موضوع يرده القرآن والإجماع؛ قال الله -تعالى-: (وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) (النساء: 18)". وقال أبو عبد الله القرطبي: إن مقتضى هذا الحديث... ورد على ابن دحية في هذا الاستدلال بما حاصله: أن هذه حياة جديدة، كما رجعت الشمس بعد غيبوبتها فصلى عليٌّ العصر، قال الطحاوي: وهو حديث ثابت، يعني: حديث الشمس. قال القرطبي: فليس إحياؤهما يمتنع عقلًا ولا شرعًا، قال: وقد سمعتُ أن الله أحيا عمه أبا طالب، فآمن به. قلتُ: وهذا كله متوقف على صحة الحديث، فإذا صح؛ فلا مانع منه. والله أعلم" (انتهى من تفسير ابن كثير). ولا شك في بطلان الأحاديث الواردة في إحياء والدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبطل منها عمه؛ فهذا لا يصح ولا يثبت، بل ثبت النهي عن الاستغفار ولم يثبت خلافه، وثبت قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي سأله: أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: (فِي النَّارِ)، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: (إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ) (رواه مسلم). ووجه ذلك: أنهم قد بلغتهم رسالة من رسالات الأنبياء، ودعوة التوحيد والحنيفية؛ فقد بلغتهم دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-، ودعوة موسى، ودعوة عيسى على التوحيد؛ فلم يكونوا معذورين. والله أعلى وأعلم. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (131) استغفار إبراهيم --صلى الله عليه وسلم-- لأبيه حال حياته وتبرؤه منه بعد أن مات على الكفر (6) كتبه/ ياسر برهامي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقال الله --تعالى--: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة: 113-114). الفائدة الثالثة: قوله -تعالى-: (وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى) يشمل والدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعمه أبا طالب، وجده عبد المطلب؛ أما عمه فسبب نزول الآية كما في الصحيحين فنهي عن الاستغفار له، وفي الصحيح أيضًا قوله -صلى الله عليه وسلم- للعباس، بعد أن سأله: هل نفعت عمك أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويدفع عنك، قال: (نَعَمْ، وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنَ النَّارِ فَأَخْرَجْتُهُ إِلَى ضَحْضَاحٍ)، وفي رواية: (هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (متفق عليه). وقال: (أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ) (رواه مسلم). وكذا أمه -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم، وقد سبق الحديث أنه لم يؤذن له في الاستغفار لها، وأما أبوه فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي سأله: أين أبي؟ فقال: في النار، ثم لما وَلَّى دعاه، وقال: (إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ). وأما جده عبد المطلب، فقد قال أبو طالب عن نفسه عند الوفاة: إنه على ملة عبد المطلب -متفق عليه-، فعُلِم أن عبد المطلب كان عابدًا للأوثان. ومع صحة هذه الأدلة ووضوحها؛ فقد وقع اجتهاد مخالف لها مِن المتقدمين لها والمتأخرين، وقد قال المناوي: إنهما من أهل الامتحان؛ لأنهما من أهل الفترة. وكذا قال الشنقيطي -رحمه الله-؛ إذ قال عند تفسير قوله -تعالى-: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) (الإسراء: 15): "الظاهر أن التحقيق في هذه المسألة التي هي: هل يعذر المشركون بالفترة أو لا؟ هو أنهم معذورون بالفترة في الدنيا، وأن الله يوم القيامة يمتحنهم بنارٍ يأمرهم باقتحامها، فمَن اقتحمها دخل الجنة، وهو الذي كان يصدِّق الرسل لو جاءته في الدنيا. ومَن امتنع دخل النار وعُذِّب فيها، وهو الذي كان يكذب الرسل لو جاءته في الدنيا؛ لأن الله يعلم ما كانوا عاملين لو جاءتهم الرسل. وإنما قلنا: إن هذا هو التحقيق في هذه المسألة لأمرين: الأول: أن هذا ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وثبوته عنه نص في محل النزاع، فلا وجه للنزاع البتة مع ذلك. (قلتُ: يعني بذلك حديث الأسود بن سريع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أربعة يحتجون عند الله يوم القيامة، وذكر منهم: ورجل مات في الفترة). قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية التي نحن بصددها، بعد أن ساق الأحاديث الكثيرة الدالة على عُذرهم بالفترة وامتحانهم يوم القيامة، رادًّا على ابن عبد البر تضعيف أحاديث عذرهم وامتحانهم، بأن الآخرة دار جزاء لا عمل، وأن التكليف بدخول النار تكليف بما لا يطاق وهو لا يمكن - ما نصه: والجواب عما قال: أن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح كما قد نص على ذلك كثيرٌ من أئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يتقوَّى بالصحيح والحسن. وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متصلة متعاضدة على هذا النمط؛ أفادت الحجة عند الناظر فيها. وأما قوله: إن الدار الآخرة دار جزاء؛ فلا شك أنها دار جزاء، ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار، كما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة من امتحان الأطفال (قلتُ: لم يثبت حديث صحيح في امتحان الأطفال، وأهل السنة مختلفون في ذلك، والصحيح أنهم في الجنة مع إبراهيم -صلى الله عليه وآله وسلم- كما رواه البخاري). وقد قال -تعالى-: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ?لسُّجُودِ) (القلم: 42)، وقد ثبت في الصحاح وغيرها: أن المؤمنين يسجدون لله يوم القيامة، وأن المنافق لا يستطيع ذلك، ويعود ظهره كالصفيحة الواحدة طبقًا واحدًا، كلما أراد السجود خَرَّ لقفاه. وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجًا منها، أن الله -تعالى- يأخذ عهوده ومواثيقه ألا يسأل غير ما هو فيه، ويتكرَّر ذلك منه، ويقول الله -تعالى-: يا ابن آدم، ما أعذرك! ثم يأذن له في دخول الجنة. وأما قوله: فكيف يكلِّفهم الله دخول النار، وليس ذلك في وسعهم؟ فليس هذا بمانع من صحة الحديث؛ فإن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط، وهو جسر على متن جهنم أحدُّ مِن السيف وأدق من الشعر، ويمر المؤمنون عليه بحسب أعمالهم، كالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل والركاب. ومنهم الساعي، ومنهم الماشي، ومنهم من يحبو حبوًا، ومنهم المكدوس على وجهه في النار، وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا، بل هذا أطم وأعظم! وأيضًا: فقد ثبتت السنة بأن الدجال يكون معه جنة ونار، وقد أمر الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه نار، فإنه يكون عليه بردًا وسلامًا؛ فهذا نظير ذلك. وأيضًا: فإن الله -تعالى- أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، فقتل بعضهم بعضًا حتى قتلوا فيما قيل في غداةٍ واحدةٍ سبعين ألفًا؛ يقتل الرجل أباه وأخاه، وهو في عماية غمامة أرسلها الله عليهم، وذلك عقوبة لهم على عبادة العجل. وهذا أيضًا شاق على النفوس جدًّا لا يتقاصر عما ورد في الحديث المذكور. والله أعلم. انتهى كلام ابن كثير بلفظه. وقال ابن كثير رحمه الله -تعالى- أيضًا قبل هذا الكلام بقليل ما نصه: ومنهم مَن ذهب إلى أنهم يمتحنون يوم القيامة في عرصات المحشر، فمن أطاع دخل الجنة، وانكشف علم الله فيه بسابق السعادة. ومَن عصى دخل النار داخرًا، وانكشف علم الله فيه بسابق الشقاوة. وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها، وقد صرَّحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة، الشاهد بعضها لبعض. وهذا القول هو الذي حكاه الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عن أهل السنة والجماعة، وهو الذي نصره الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب الاعتقاد، وكذلك غيره من محققي العلماء والحفاظ والنقاد. انتهى محل الغرض من كلام ابن كثير رحمه الله -تعالى-، وهو واضح جدًّا فيما ذكرنا. الأمر الثاني: أن الجمع بين الأدلة واجب متى أمكن بلا خلاف؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما. ولا وجه للجمع بين الأدلة إلا هذا القول بالعذر والامتحان، فمن دخل النار فهو الذي لم يمتثل ما أمر به عند ذلك الامتحان، ويتفق بذلك جميع الأدلة، والعلم عند الله -تعالى-". وقد استدل -رحمه الله- في مواطن أخرى على مذهبه في والدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهما مِن أهل الفترة، فقال: " قلتُ ما قلتُ اعتمادًا على نصٍّ من كتاب الله قطعيِّ المتن وقطعيِّ الدلالة، وما كنت لأرد نصًّا قطعي المتن قطعي الدلالة بنص ظني النص وظني الدلالة عند الترجيح بينهما، فهذا الحديث خبر آحاد، ومثله حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم: "استأذنت ربي أنْ أزور أمي فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي"، ولكن أخبار الآحاد ظنية المتن، فلا يردُّ بها نصٌّ قرآنيُّ قطعيُّ المتن، وهو قوله -تعالى-: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) أي: ولا مُثيبين. (قلتُ: وهذا بلا شك منهج غير سديد، فالجمع بين الأدلة واجب وهي أدلة صحيحة متلقاة بالقبول، ولا يصح قوله: إن الآية قطعية الدلالة في أبوي النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهما مِن المشركين؛ وذلك لأن القول بأنه قد بلغتهم دعوة الرسل قول ثبت بالأدلة كما كان فيهم ورقة بن نوفل على النصرانية على التوحيد، وكان فيهم زيد بن عمرو بن نفيل؛ وَصَل إلى الحنيفية ومات عليها، ورآه النبي -صلى الله عليه وسلم- في هيئة حسنة. وقد عَلِم المشركون من قريش قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- في عهد أبيه وأمه وجده بدعوة موسى وعيسى -صلى الله عليهما وسلم-؛ فقد وصلتهم دعوة التوحيد، والآية عامة، فتخصيص أناسٍ بأعيانهم أنهم لم تبلغهم دعوة الرسل ليس دليلًا قطعيًّا كما زعم). قال: وهذا النصُّ قطعيُّ الدلالة لا يحتمل غير ما يدلُّ عليه لفظهُ بالمطابقة، بخلاف حديث: "إنَّ أبي وأباك في النَّار"؛ فإنه ظنيُّ الدلالة؛ يحتمل أنَّه يعني بقوله: "إنَّ أبي" عمَّهُ أبا طالب؛ لأنَّ العرب تسمي العمَّ: أبًا، وجاء بذلك الاستعمالِ كتابُ اللهِ العزيز في موضعين: أحدهما: قطعيُّ المتن قطعيُّ قطعيُّ الدلالة، وهو قوله -تعالى- في البقرة: (قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ)، وإسماعيل عمُّهُ قطعًا؛ فهو يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم. والموضع الثَّاني: قطعيُّ المتن، لكنَّه ظنيّ الدلالة، وهو قوله -تعالى-: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ) إلى أن قال: (وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا) فهو نصٌّ قرآني على أن إبراهيم يطلق عليه أنَّه أبٌ لِلُوط، وهو عمُّه على ما وردت به الأخبار؛ إلا أنَّ هذا النص ظني الدلالة؛ لأنه يحتمل أن يكون الضمير من قوله -تعالى-: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) يرجع إلى نوح، لأنه قال في الآية من قبل ذلك: (وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ)، ولكنه احتمال مرجوح؛ لأن الكلام عن إبراهيم. (قلتُ: وهذا تأويل على خلاف ظاهر السنة لا دليل عليه؛ لأن الأب إذا أُطْلِق ولا قرينة على أنه أراد العم؛ فلا بد أن يحمل على الأب الوالد، وليس العم). وإذًا فإنَّه يحتمل أنَّه -صلى الله عليه وسلم- لما سأله الأعرابي بقوله: أين أبي؟ وقال له: إنَّ أباكَ في النَّار، وولَّى والحزن بادٍ عليه، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "ردُّوه"، فلما رجع قال له: "إن أبي وأباك في النَّار"؛ يحتمل أنَّه يعني بأبيه: أبا طالب؛ لأنَّ العرب تسمِّي العَمَّ أبًا لا سيما إذا انضمَّ إلى العُمومةِ التربيةُ، والعطفُ، والدفاعُ عنه. ثم قال: والتَّحقيق في أبوي رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- أنهما من أهل الفترة؛ لأن تعريف أهل الفترة أنهم القوم الذين لم يُدركوا النذارة قبلهم، ولم تدركهم الرّسالة التي من بعدهم، فإذا كان ذلك كذلك، فإنَّ والد النبي -صلى الله عليه وسلم- التحقيقُ أنَّه مات والنبي -بأبي وأمي هو- حَملٌ في بطن أمه، وأمُّه -صلى الله عليه وسلم- ماتت وهو ابن ستة أعوام بلا خلاف، وإذًا فإنهما مِن أهل الفترة. (قلتُ: وهذا النفي في أنهما لم تبلغهما النذارة قبلهم نفي بلا دليل، بل قد دَلَّت الأدلة التي ذكرنا على علم المشركين بالحنيفية؛ فلذلك لا يصح هذا الادِّعاء، فالصحيح ما ذكرنا من أنهما في النار، مع أن المسألة فيها اجتهاد لنوع تأويلٍ في الأدلة التي ظاهرها التعارض، وغفر الله للجميع).
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (136) بشرى الملائكة لإبراهيم بإسحاق -صلى الله عليهما وسلم- وبهلاك قوم لوط وجداله فيه (3) كتبه/ ياسر برهامي فقال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ . وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ . قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ . قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ . إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ . يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (هود: 69-76). قال القرطبي -رحمه الله- في قوله -سبحانه-: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ): "قال النحاس فيه أقوال: أحسنها: أنهم لما لم يأكلوا أنكرهم وخافهم؛ فلما قالوا: لا تخف، وأخبروه أنهم رسل الله، فَرِح بذلك، فضحكت امرأته سرورًا بفرحه. وقيل: إنها كانت قالت له: أحسبُ أن هؤلاء القوم سينزِل بهم عذاب فضم لوطًا إليك، فلما جاءت الرسل بما قالته سُرِّت به فضحكت؛ قال النحاس: وهذا إن صح إسناده؛ فهو حسن. والضحك انكشاف الأسنان. ويجوز أن يكون الضحك إشراق الوجه؛ تقول: رأيتُ فلانًا ضاحكًا؛ أي: مشرقاً. وأتيت على روضة تضحك؛ أي: مشرقة. وفي الحديث: إن الله -سبحانه- يبعث السحاب فيضحك أحسن الضحك. جعل انجلاءه عن البرق ضحكاً؛ وهذا كلام مستعار. قال: المسألة العاشرة: روى مسلم عن سهل بن سعد قال: دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عرسه، فكانت امرأته يومئذٍ خادمهم وهي العروس. قال سهل: أتدرون ما سقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور (إناء) فلما أكل سقته إياه. وأخرجه البخاري وترجم له: "باب: قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس". قال علماؤنا: فيه جواز خدمة العروس زوجها وأصحابه في عرسها. وفيه: أنه لا بأس أن يعرض الرجل أهله على صالح إخوانه، ويستخدمهن لهم. ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب. والله أعلم. (قلتُ: معنى أن يعرض الرجل أهله على صالح إخوانه؛ أي: أن تكون موجودة في وجودهم، لا أنه يعرضها عليهم بفعل محرم، وإنما الكلام على أن تكون قائمة بينهم تخدمهم، وأنه لا يلزم حجاب الجدران في حق النساء غير نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-، والاحتمال الذي ذكره أن هذا قبل نزول الحجاب ظاهر، لكنه لا ينسخ جواز قيام المرأة على الرجال بالخدمة، ولكن تكون في حجابها، فالإشارة إلى النسخ ليس ظاهرًا، ولهذا رأيتَ البخاري بوَّب: باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس، ولم يعتد بالنسخ، وكذا علماء المالكية الذين ذكرهم في جواز خدمة العروس زوجها وأصحابه في عرسها؛ وذلك لأنه إذا كان قبل الحجاب فنزول الحجاب لم يغير إلا وجوب الستر، لا المنع من خدمة الضيوف والقيام عليهم بذلك. والله أعلى وأعلم). المسألة الثالثة عشرة: قوله -تعالى-: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ): لما وُلِد لإبراهيم إسماعيل من هاجر تمنَّت سارة أن يكون لها ابن، وأيست لكبر سنها، فبُشِّرت بولد يكون نبيًّا ويلد نبيًّا، فكان هذا بشارة لها بأن ترى وَلَد ولدها. المسألة الرابعة عشرة: قوله -تعالى-: (وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) قرأ حمزة وعبد الله بن عامر "يعقوبَ" بالنصب. ورفع الباقون (وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ) على معنى: ويحدث لها من وراء إسحاق يعقوب. ويجوز أن يرتفع بالفعل الذي يعمل في "من"، كأن المعنى: وثبت لها من وراء إسحاق يعقوب. قوله -تعالى-: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) فيه مسألتان: الأولى: (يَا وَيْلَتَا) قال الزجاج: أصلها: "يا ويلتي"؛ فأبدل من الياء ألف؛ لأنها أخف من الياء والكسرة، ولم ترد الدعاء على نفسها بالويل، ولكنها كلمة تخرج على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يَعْجَبِن منه، وعجبت من ولادتها ومن كون بعلها شيخًا لخروجه عن العادة، وما خرج عن العادة مستغرب ومستنكر. و(أَأَلِدُ) استفهام معناه التعجب. (وَأَنَا عَجُوزٌ) أي: شيخة. ولقد عجزت تعجز عجزًا، وعجزت تعجيزًا؛ أي: طعنت في السن. وقد يقال: عجوزة أيضًا. وعجزت المرأة؛ عظمت عجيزتها، عُجْزًا وعَجزًا بضم العين وفتحها. قال مجاهد: كانت بنت تسع وتسعين سنة. وقال ابن إسحاق: كانت بنت تسعين سنة. وقيل غير ذلك. الثانية: قوله -تعالى-: (وَهَذَا بَعْلِي) أي: زوجي. (شَيْخًا) نصب على الحال، قيل: كان إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة. وقيل: ابن مائة، فكان يزيد عليها في قول مجاهد سنة. وقيل: إنها عَرَّضت بقولها: (وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا) أي: عن ترك غشيانه لها. (قلتُ: هذا قول لا دليل عليه، ولا يجوز قوله بالمرة). وسارة هذه امرأة إبراهيم بنت هاران بن ناحور بن شاروع بن أرغو بن فالغ، وهي بنت عم إبراهيم. (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) أي: الذي بشرتموني به لشيء عجيب. قوله -تعالى-: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) فيه أربع مسائل: الأولى: قوله -تعالى-: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) لما قالت: (وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ)، أنكرت الملائكة عليها تعجبها من أمر الله، أي: مِن قضائه وقدره، أي: لا عجب من أن يرزقكما الله الولد، وهو إسحاق. وبهذه الآية استدل كثيرٌ من العلماء على أن الذبيح إسماعيل، وأنه أسن من إسحاق؛ لأنها بُشِّرت بأن إسحاق يعيش حتى يولد له يعقوب. (قلتُ: وهذا استدلال صحيح كما ذكره ابن كثير -كما مضى-). الثانية: قوله -تعالى-: (رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) مبتدأ، والخبر (عَلَيْكُمْ)، وهل هو خبر أو دعاء؟ وكونه إخبارًا أشرف؛ لأن ذلك يقتضي حصول الرحمة والبركة لهم، والمعنى: أوصل الله لكم رحمته وبركاته أهل البيت. وكونه دعاءً إنما يقتضي أنه أمر يترجى ولم يتحصل بعد. الثالثة: هذه الآية تعطي أن زوجة الرجل من أهل البيت؛ فدل هذا على أن أزواج الأنبياء من أهل البيت؛ فعائشة -رضي الله عنها- وغيرها من جملة أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ممَّن قال الله فيهم: (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب: 33). الرابعة: ودلت الآية أيضًا على أن منتهى السلام: وبركاته (قلتُ: المقصود في التحية أنه لا يزاد على بركاته، كنحو مَن زاد: ومغفرته)، كما أخبر الله عن صالحي عباده: (رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) والبركة: النمو والزيادة، ومن تلك البركات: أن جميع الأنبياء والمرسلين كانوا في ولد إبراهيم وسارة. وروى مالك عن وهب بن كيسان أبي نعيم عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: كنتُ جالسًا عند عبد الله بن عباس، فدخل عليه رجل من أهل اليمن، فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته؛ ثم زاد شيئًا مع ذلك؛ فقال: ابن عباس -وهو يومئذٍ قد ذهب بصره- مَن هذا؟ فقالوا: اليماني الذي يغشاك، فعرفوه إياه، فقال: إن السلام انتهى إلى البركة. وروي عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: دخلت المسجد فإذا أنا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في عصبة من أصحابه، فقلت: السلام عليكم؛ فقال: وعليك السلام ورحمة الله عشرون لي وعشرة لك. قال: ودخلت الثانية فقلت: السلام عليكم ورحمة الله، فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثلاثون لي وعشرون لك. فدخلت الثالثة فقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثلاثون لي وثلاثون لك، أنا وأنت في السلام سواء" (انتهى من القرطبي بتصرف). وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (141) بشرى الملائكة لإبراهيم بإسحاق -صلى الله عليهما وسلم- وبهلاك قوم لوط وجداله فيه (8) كتبه/ ياسر برهامي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ . وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ . قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ . قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ . إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ . يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (هود: 69-76). الفائدة الحادية عشرة: قوله -تعالى-: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) فيه: رد جميع الأمور إلى أمر الله، ومع وجود أمره -سبحانه- لا يكون هناك عجب؛ لأن أمره نافذ وقدرته شاملة، وهو على كل شيء قدير، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس: 82). الفائدة الثانية عشرة: تضمنت الآية ذكر خمس صفات لله -سبحانه وتعالى-؛ استحضار معانيها ومشاهدة آثارها مِن أعظم ما يسعد القلب، ويفرحه به -سبحانه وتعالى-، وهي: وهي 1- أمر الله. 2- رحمته. 3- بركاته. 4- حمده. 5- مجده. وكل منها من أدلة وحدانية الله -سبحانه- وآثارها ظاهرة في الكون، فأمره النافذ بخلق ما يشاء ممَّن يشاء بعد أن انقطعت الأسباب، كما في ولادة إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب بعد الكبر وعقم الزوجة وكبرها، تفيد للمؤمن عبودية التفويض والتوكل، وعدم الاعتماد على الأسباب، واليقين في إجابة وعد الله -سبحانه- ولو طال المدى، وإجابة الدعاء واستعمال الدعاء؛ لأن الأمر أمره -سبحانه وتعالى-، وأما رحمته -سبحانه- بعبده المؤمن التي هي مقتضى اسمه الرحمن برزقه للمؤمن ما يحب من الولد، والأهل والمال، والأمن، والرزق، والعافية، والسرور في الدنيا بأنواع العطايا المختلفة. وأيضًا التي هي مقتضى اسمه الرحيم؛ بأن يجعل ذلك الولد صالحًا، ومِن ورائه ابنه نافلة أيضًا من الصالحين، وكلاهما من الأنبياء؛ هذه الرحمة الخاصة بالمؤمنين بالتوفيق لحسن عبادته -سبحانه- التي تقرِّب العبد من ربه، وهذا القرب هو أعظم نعيم الدنيا الذي يؤدي به إلى نعيم الآخرة بالله -عز وجل- بالنظر إلى وجهه، وسماع سلامه: (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (يس: 58)، وسماع كلامه وسماع أمانه -سبحانه-: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (الزخرف: 68). وهذا النعيم هو أعظم نعيم أهل الجنة، مع الفوز برضوانه -سبحانه وتعالى- والقرب منه، وأعظم القرب هي درجة الوسيلة؛ التي هي للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، يرجو أن تكون له، وهي له -إن شاء الله-. وأما البركات فهي: عطاؤه -سبحانه- الخير الكثير لعبده المؤمن، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ) (رواه البخاري)، وأنواع الخيرات على أهل بيت النبوة هي أعظم أنواع الخير الدنيوي والأخروي والديني، التي بها يكون العطاء الأخروي، والبركة في عطاء الله الديني والدنيوي أعظم من عمل العبد، وأعظم من رزقه وما عنده، ويكفي أنها من عند الله كما قالت مريم -عليها السلام- في الرزق الذي سألها عنه زكريا -عليه السلام-: (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران: 37). وقالت آسية -رضي الله عنها-: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) (التحريم: 11)، فبدأت بالجار قبل الدار، وكل ما كان من عند الله فهو مبارك عظيم؛ لأن الله -عز وجل- تبارك، كما قال -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (الفرقان: 1)، وقال: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون: 14). وأما الحمد الذي دَلَّ عليه اسمه الحميد، فهو: الثناء على الله -عز وجل- بالحُسْن والإحسان؛ بالحُسْن بجمال وجلال الأسماء والصفات التي لا يشبهه فيها أحدٌ، وكلها تدل على الكمال المطلق. وأما الإحسان فهو: العطاء للعباد بالنعم كلها، كما قال -تعالى-: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (النحل: 53)، وقال -عز وجل-: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) (النحل: 18). وأما المجيد فهو: العظمة التي لا تُنَال، وهي صفة تجمع صفات الكمال، مثل اسمه: الصمد، واسمه: القدوس، واسمه: السلام، وان كان اسمُه السلام، واسمه القدوس، هي في نفي صفات النقص. وأما المجيد والصمد، ففي إثبات كل صفات الكمال والعظمة. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (146) اجتباء الله لإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف صلى الله عليهم وسلم (2) كتبه/ ياسر برهامي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ قوله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (يوسف: 6). الفائدة الثانية: التأمل في ذكر اسم الرب مضافًا إلى ضمير المخاطب المفرد في قوله: (يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) نجد فيه التوجيه ولفت نظر القلب إلى هذه الخصوص في العلاقة؛ ربك أنت الذي يفعل بك كل جميل، ويمَنُّ عليك بكل نعمة، ويختصك أنت ويريدك أنت؛ فلتشهد أفعاله الجميلة بك، ولتحرص على أن تكون له وحده، وتشهد فضله وحده، لا تحقق هذا الشعور غير هذه الكلمة: (رَبُّكَ) في مثل هذا الموضع، وتأمل قول يوسف -صلى الله عليه وسلم- في نهاية القصة: (قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) (يوسف: 100)، وقوله: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ) (يوسف: 100)، وقوله: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) (يوسف: 101). تجد هذا التعلق الخاص بالربوبية الذي يشهد به العبد الصالح المِنَّة الخاصة، والنعمة الخاصة، مثل ما تجده في قول صالح -صلى الله عليه وسلم-: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (هود: 61)، وقول شعيب -عليه السلام-: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (هود: 90). فحين أمرهم بالاستغفار ذكر اسم الربوبية مضافًا إلى ضمير المخاطبين، وهم هنا لم يُخصوا بعد بالفضل والتقريب، وحين ذكر تعلقه هو، بما وَجَد أثره من صفات ربه الرحيم الودود؛ ذَكَر اسم الربوبية مضافًا إلى ضمير المتكلِّم المفرد: (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)؛ ولأنه وجد من رحمته الخاصة، وأثر حبه ووده -عز وجل- ما لم يجدوه هم. وتأمل قول السحرة: (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) (الأعراف: 122)؛ لتعرف قَدْر هذه الخصوصية بهذا الفضل؛ هذا الذي يأخذ القلب إلى الله -عز وجل-، ويكاد يذوب شوقًا وحبًّا لله، وتأمل قول داود وسليمان: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (النمل: 15)؛ هذا الذي يجب أن يُرَبَّى عليه الانسان، ويُنشَّأ عليه مِن شهود نعمته -سبحانه-، واختصاصه عبده بفضله ورحمته، فيحب ربَّه أعظم الحب، ويكون تعلقه به وحرصه على مرضاته مقدَّمًا على كلِّ ما سواه؛ اللهم ارزقنا حبك ومرضاتك، وحب مَن أحبك، والعمل الذي يبلغنا حبك. وقد أكَّد يعقوب -عليه الصلاة والسلام- على شهود أثر الربوبية بذكر جميع الأمور منسوبة إلى فعله -عز وجل-؛ فلم يقل: ستكون يا يوسف عالمًا بتأويل الرؤى، وستنال المنازل العالية التي نالها آباؤك، وإنما كانت كل الأمور منسوبة إلى الله -عز وجل-، ومن أفعاله: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ)، (وَيُعَلِّمُكَ)، (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ). وقد أثَّرت هذه الكلمات في يوسف -عليه الصلاة والسلام- أعظم الأثر، فظل مشاهدًا لفضل ربِّه -سبحانه- وفعله الجميل به في كلِّ مراحل حياته، فقال لصاحبيه في السجن: (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) (يوسف: 37)، ويقول لهما: (ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ) (يوسف: 38)، ويقول لأبيه في خاتمة القصة: (يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) (يوسف: 100)؛ لم يقل: قد تحققت، وكذلك يقول: (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) فنسب الإحسان إلى ربِّه، ولم يقل: خرجتُ من السجن، بل الله أخرجه. وقال: (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) (يوسف: 100)، ولم يقل: جئتم. وقال: (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فنسب الشر إلى الشيطان وفعله؛ فهذا هو الأدب، فالخير كله في يدي الرب -سبحانه-، والشر ليس إليه، وقال: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ) فذكر لطفه ومشيئته؛ كل هذا أثر التربية الإيمانية في الصغر، فالله الذي يفعل ويتفضَّل، ويمَنُّ ويحسن، ويلطف ويشاء، له الحمد -عز وجل-. وقال: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) (يوسف: 101)؛ كل هذا فضل الله ومنته. وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ)، نجد أن شهود النعمة منه -سبحانه- يأخذ قلب العبد؛ فكيف بإتمامها؟! إن ابتداء النعمة فضل عظيم، وأعظم منه إتمامها: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3)، وقال -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا . لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (الفتح: 1-2). وإذا شهد مع ذلك أنه إتمام النعمة على آله كلهم، وأنه سبق إتمامها على أبويه من قبل: إبراهيم وإسحاق، فهو إذًا مغمور بنعم الله التامة عليه وعلى آبائه؛ فكان هذا أعظم في شهود الرحمة والفضل، واستدعاء المحبة والشكر. فاللهم أتمم نعمتك علينا، واجعلنا شاكرين لها مثنين بها عليك.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |