علامات الإثم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أهمية العمل وضرورته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5011 - عددالزوار : 2137013 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4592 - عددالزوار : 1415945 )           »          الامتحانات الدنيوية وأثرها في امتحان الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 8372 )           »          قراءة في كتاب:القصة الكاملة لخوارج عصرنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          الاختـلاط فـي الجامعـات وصـراع الهويـة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 44 - عددالزوار : 14622 )           »          حقــوق السجـنـاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          سلوكيات غير صحيحة سائدة في حياتنا الأسرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 4865 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-07-2024, 02:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,811
الدولة : Egypt
افتراضي علامات الإثم

علامات الإثم

د. محمود بن أحمد الدوسري
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: الْإِثْمُ: كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِجَمِيعِ أَفْعَالِ الشَّرِّ وَالْقَبَائِحِ؛ كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا. وَالنَّفْسُ السَّوِيَّةُ – بِطَبِيعَتِهَا - تَكْرَهُ الْإِثْمَ، وَتَنْفِرُ مِنْهُ، وَمِنْ عَظِيمِ رَحْمَةِ اللَّهِ بِالنَّاسِ أَنْ جَعَلَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا يُنَبِّهُهُمْ بِالْإِثْمِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْهُ، وَمِنْ أَبْرَزِ عَلَامَاتِ الْإِثْمِ: مَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: «الْإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَلَمَّا سَأَلَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ؟قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبِرُّ: مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ. وَالْإِثْمُ: مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلَمَّا سَأَلَ وَابِصَةُ بْنُ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا وَابِصَةُ! ‌اسْتَفْتِ ‌قَلْبَكَ. الْبِرُّ: مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلِيْهِ الْقَلْبُ. وَالْإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ» حَسَنٌ لِغَيْرِهِ – رَوَاهُ أَحْمَدُ.

فَالْإِثْمُ لَهُ عَلَامَتَانِ: عَلَامَةٌ بَاطِنَةٌ، وَأُخْرَى ظَاهِرَةٌ؛ فَالْعَلَامَةُ الْبَاطِنَةُ: أَنْ يَحِيكَ فِي النَّفْسِ، فَتَضْطَرِبَ بِهِ، وَ‌تَتَلَجْلَجَ، وَتَتَرَدَّدَ فِيهِ، وَلَا يَنْشَرِحَ لَهُ الصَّدْرُ. وَالْعَلَامَةُ الظَّاهِرَةُ: أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لِلنَّاسِ لَكَرِهُوهُ، وَاسْتَنْكَرُوهُ، وَعَابُوهُ، وَذَمُّوهُ؛ وَمِصْدَاقُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ». قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (إِنَّ الْإِثْمَ ‌حَوَازُّ ‌الْقُلُوبِ، فَمَا حَزَّ فِي قَلْبِ أَحَدِكُمْ شَيْءٌ، فَلْيَدَعْهُ). وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (هِيَ الْأُمُورُ الَّتِي تَحُزُّ فِيهَا، أَيْ: تُؤَثِّرُ كَمَا ‌يُؤَثِّرُ ‌الْحَزُّ فِي الشَّيْءِ، وَهُوَ مَا يَخْطُرُ فِيهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَعَاصِيَ؛ لِفَقْدِ الطُّمَأْنِينَةِ إِلَيْهَا).

فَالْإِثْمُ يَحِزُّ فِي الْقَلْبِ فَلَا يَطْمَئِنُّ، وَيَحِيكُ فِي الصَّدْرِ فَيَضْطَرِبُ، وَلَا تَسْكُنُ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا دَوَاعِي التَّرْكِ، فَمَتَى وَجَدْتَ قَلْبَكَ – عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ – يَكْرَهُ هَذَا الْأَمْرَ، وَيَحِزُّ فِيهِ، وَيُسَبِّبُ ضِيقًا، وَحَرَجًا فِي نَفْسِكَ؛ فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنْ عَلَامَاتِ الْإِثْمِ.

وَمِنْ أَوْضَحِ عَلَامَاتِ الْإِثْمِ: اسْتِنْكَارُ النَّاسِ لِفِعْلِ الْإِثْمِ؛ سَوَاءٌ صَدَرَ مِنْ فَاعِلٍ أَوْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا؛ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا؛ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ) حَسَنٌ مَوْقُوفٌ – رَوَاهُ أَحْمَدُ.

عِبَادَ اللَّهِ.. مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ؛ يُقَالُ وَيُقَرَّرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْرِفَةِ الْعَامَّةِ لِلْإِثْمِ، أَمَّا عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ؛ كَمَعْرِفَةِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَكَيْفِيَّةِ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ، وَالسُّؤَالِ، وَالْبَحْثِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا - مَا يُذْكَرُ هُنَا: هُوَ الْإِحْسَاسُ، الَّذِي يُسَاعِدُ الْإِنْسَانَ عَلَى التَّغَلُّبِ عَلَى هَوَاهُ، وَمَا يَجْلِبُهُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَيَحْشِدُهُ لِإِضْلَالِهِ، وَإِبْعَادِهِ عَنْ صِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهَذَا الشُّعُورُ الْعَامُّ يَصْدُقُ مَعَ الْعَبْدِ بِحَسَبِ إِيمَانِهِ، وَتَقْوَاهُ؛ فَكُلَّمَا كَانَ مُؤْمِنًا تَقِيًّا، كَانَ هَذَا الْإِحْسَاسُ عِنْدَهُ قَوِيًّا، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ؛ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ؛ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَمِنْ فَوَائِدِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِثْمُ: مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ»: أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْتَفْتِي قَلْبَهُ؛ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُفْتِيَ الثِّقَةَ؛ الَّذِي يُفْتِيهِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا عَدِمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَمَامَهُ إِلَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْتُونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَفْتِي قَلْبَهُ، وَيَأْخُذُ بِمَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ.

وَكَذَلِكَ إِذَا اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْفَتَاوَى؛ فَاحْتَارَ وَاضْطَرَبَ بَيْنَ أَقْوَالِ الْمُفْتِينَ، فَلَمْ يَعْرِفْ أَيَّ أَقْوَالِهِمْ أَرْجَحُ، فَهُنَا يَتَحَرَّى الصَّوَابَ مَا أَمْكَنَهُ، وَيَتَّقِي الشُّبُهَاتِ، وَيَدَعُ مَا يُرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يُرِيبُهُ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ تَعْرِفُهُ الْفِطَرُ السَّلِيمَةُ، وَالْمُنْكَرُ تُنْكِرُهُ الْفِطَرُ السَّلِيمَةُ.

وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَتْرُكَ الْمُسْلِمُ الْعُلَمَاءَ الثِّقَاتِ، وَيَسْتَفْتِيَ نَفْسَهُ، وَيَأْخُذَ بِمَا يَقَعُ لَهُ فِي نَفْسِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنَ الضَّلَالِ الْمُبِينِ، فَعِنْدَ وُجُودِ الْمُفْتِي الثِّقَةِ، وَالْعَالِمِ الْحُجَّةِ؛ فَإِنَّهُ يَسْأَلُهُ، وَيَأْخُذُ بِمَا يُفْتِيهِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُخَالِفُ الَّذِي فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 43].

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ... عِبَادَ اللَّهِ.. الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الرُّجُوعُ إِلَى الْعُلَمَاءِ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُفْتُونَ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَنْشَرِحْ صَدْرُهُ لِلْفَتْوَى؛ كَرُخَصِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَالْمَرَضِ، وَقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا لَا يَنْشَرِحُ بِهِ صُدُورُ كَثِيرٍ مِنَ الْجُهَّالِ، فَهَذَا لَا عِبْرَةَ بِهِ.

وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَفْقَهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ؛ إِذْ يَتَّخِذُونَهَا مَطِيَّةً فِي الْحُكْمِ بِالتَّحْلِيلِ أَوِ التَّحْرِيمِ، عَلَى وَفْقِ مَا تُمْلِيهِ عَلَيْهِمْ أَهْوَاؤُهُمْ وَرَغَبَاتُهُمْ، فَيَرْتَكِبُونَ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ؛ بِحُجَّةِ: "‌اسْتَفْتِ ‌قَلْبَكَ"! فَلَا يَجُوزُ لِلْجَاهِلِ، وَمَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ بَصِيرَةٌ فِي الدِّينِ؛ أَنْ يَسْتَفْتِيَ قَلْبَهُ، وَيَعْمَلَ بِمَا يُلْقَى فِي نَفْسِهِ؛ بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ: أَنْ يَسْأَلَ الْعُلَمَاءَ الثِّقَاتِ، وَيَأْخُذَ بِفَتْوَاهُمْ، وَلَا يَنْشَغِلَ بِمَا يَرِدُ عَلَى قَلْبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَمَنِ ابْتُلِيَ بِالْوَسْوَاسِ؛ فَصَارَ يُشَكِّكُ فِي عَمَلِهِ، وَيَحِيكُ فِي صَدْرِهِ؛ لَا يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ لَهُ: "‌اسْتَفْتِ ‌قَلْبَكَ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ"؛ بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ: أَنْ يَنْتَهِيَ، وَيَنْكَفَّ، وَلَا يَنْشَغِلَ بِمَا يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِهِ؛ فَإِنَّ عِلَاجَ الْوَسْوَاسِ بِالتَّلَهِّي عَنْهُ، وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ.

وَلَا يَسْتَقِيمُ حَالُ النَّاسِ إِلَّا بِالْإِذْعَانِ وَالِاسْتِسْلَامِ لِأَمْرِ اللَّهِ بِنَفْسٍ رَاضِيَةٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النِّسَاءِ: 65]؛ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [النِّسَاءِ: 59].

وَقَدِ اسْتَدَلَّ الصُّوفِيَّةُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ "الذَّوْقَ" دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ يُرْجَعُ إِلَيْهِ!وَاحْتَجُّوا بِمِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ: "‌اسْتَفْتِ ‌قَلْبَكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ" وَزَعَمُوا: أَنَّ مَا وَافَقَ عَلَيْهِ الْقَلْبُ فَهُوَ بِرٌّ وَخَيْرٌ، بِالرَّغْمِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِلشَّرْعِ! فَالْمَدَارُ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِفَهْمِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَلَى مَا تَرَدَّدَ فِي النَّفْسِ، أَوْ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ، أَوْ مَا اشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ، فَهَذَا كُلُّهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ الْبَتَّةَ.

وَالْإِثْمُ لَا يَحِيكُ فِي صَدْرِ الْفَاسِقِ، وَالْمُجَاهِرِ بِالْمَعَاصِي؛ لِعَدَمِ اكْتِرَاثِهِ بِاطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَى فِسْقِهِ وَفُجُورِهِ، فَهَذِهِ هِيَ طَبِيعَتُهُ وَسَجِيَّتُهُ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَقَدْ أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى نُورًا فِي قَلْبِهِ، وَبَصِيرَةً فِي دِينِهِ؛ إِذَا هَمَّ بِالْإِثْمِ حَاكَ فِي صَدْرِهِ، وَتَرَدَّدَ فِيهِ، وَكَرِهَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ الْأَسْوِيَاءُ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ السَّوِيَّةَ بِطَبْعِهَا تُحِبُّ اطِّلَاعَ النَّاسِ عَلَى خَيْرِهَا وَبِرِّهَا، وَتَكْرَهُ ضِدَّ ذَلِكَ؛ مَخَافَةَ الْمَلَامَةِ، وَالتَّعْيِيرِ، وَالْفَضِيحَةِ.

وَإِذَا بَقِيَ الْإِثْمُ خَاطِرًا، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ صَاحِبُهُ، أَوْ يَتَكَلَّمُ بِهِ؛ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا؛ مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا، أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ ‌كُلِّ ‌شَيْءٍ ‌حَدَّثَتْ ‌بِهِ ‌أَنْفُسَهَا؛ مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ، أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» صَحِيحٌ - رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَمِنَ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ:
1- أَنَّ لِلنَّفْسِ شُعُورًا مِنْ أَصْلِ الْفِطْرَةِ بِمَا تُحْمَدُ وَتُذَمُّ عَلَيْهِ، فَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَى تَمْيِيزِ الْإِثْمِ مِنَ الْبِرِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، وَالسُّكُونِ إِلَيْهِ، وَقَبُولِهِ، وَرُكِّزَ فِي الطِّبَاعِ مَحَبَّةُ ذَلِكَ، وَالنُّفُورُ عَنْ ضِدِّهِ.

2- الْأَمْرُ بِتَرْكِ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ لِلنُّفُوسِ؛ خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ حَرَامًا.

3- الْمُؤْمِنُ يَكْرَهُ أَنْ يَطَّلِعَ النَّاسُ عَلَى عُيُوبِهِ، وَآثَامِهِ، وَزَلَّاتِهِ، وَذُنُوبِهِ.

4- الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لَا عَلَى مَا اشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ مَا اشْتَهَتْهُ الْأَنْفُسُ.

5- الْمُسْلِمُ يَسْتَفْتِي قَلْبَهُ؛ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُفْتِيَ الثِّقَةَ.

6- الْإِثْمُ لَا يَحِيكُ فِي صَدْرِ الْفَاسِقِ، وَالْمُجَاهِرِ بِالْمَعَاصِي.

7- لَا يُعْمَلُ بِمُقْتَضَى الْوَسْوَاسِ الَّذِي يَحِيكُ فِي الصَّدْرِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.

8- لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ الرُّكُونُ إِلَى اسْتِفْتَاءِ النَّفْسِ، وَتَرْكُ الْعُلَمَاءِ الثِّقَاتِ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.16 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]