|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
ليلة مباركة.. ليلة القدر
ليلة مباركة.. ليلة القدر محمد أكرم الندوي كان النبي صلى الله عليه وسلم مفطورا على الفطرة الصحيحة لم يدنسها ضلال قومه، ومجبولا على العقل السليم لم تكدره سفاهات المجتمع الجاهلي، فلما بلغ أشده وبلغ أربعين سنة اشتد تبرما بشرك قريش وكفرها، فأوى إلى غار حراء يجاهد نفسه ويطهرها ويزكيها ويعبد ربه ويتحنث منيبا إليه ومجتنبا أوضار الشرك، فازداد قلبه صفاء ونقاء حتى جاءه الحق، وكان ذلك في وضع لم يعهده من قبل ولم يسمع به، فخاف على نفسه، وتفصيل ذلك في حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه الذي اتفق على إخراجه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله. ولما زال ذلك الخوف وعادت إليه الطمأنينة والسكينة تذكر تلك الأنوار التي أحاطت بالغار حين نزول الوحي الأول، وتلك البركات والخيرات التي أثلجت صدره الشريف، وآلمه فقدان تلك اللذة الطيبة وذلك الابتهاج والسرور الفريد، ووجد سلوته في الصلاة، وتتابع نزول الوحي، ودعوة الناس إلى ربه. لقي النبي صلى الله عليه وسلم من قومه عداء شديدا، وبدأوا يسألونه الآيات، منها أنهم لن يؤمنوا حتى يشهدوا بعيونهم نزول القرآن من السماء، "بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة" (سورة المدثر الآية 52)، و"رسول من الله يتلو صحفا مطهرة" (سورة البينة الآية 2) أي ملك ينزل من السماء بكتاب لم يكتبه الإنسان، وقد جاءت مطالباتهم في آيات كثيرة، ولخصها في سورة الإسراء: "ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه" (سورة الإسراء الآية 93)، ويشبهه ما جاء عن أهل الكتاب: "يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة" (سورة النساء الآية 153)، وعرف من حال أهل الكتاب أن شهودهم ألواح التوراة لم يكفهم بل تفرقوا شيعا. وأوحى الله إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه لا حاجة إلى أن يشهدوا نزول القرآن من السماء أو يلمسوه بأيديهم في صحف منزلة، "إنا أنزلناه في ليلة القدر" إلى آخر السورة، وفيه دليل لذوي العقول على أنه ليس كتابا سفليا من عالم سفلي، بل هو كتاب سماوي نازل من عالم القدس، وفي ذلك العالم ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم، "إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم" (سورة الدخان الآيتان 3-4)، وهذه الليلة ليست من عالمكم، إنها من عالم آخر غير تابع لدورتكم الفلكية، وفيها تكتب الأقدار وتنزل الأمور الحكيمة، وأفضل تلك الأمور نزول القرآن، وفي ذلك غنى عما يسألونه من أن ينزل الكتاب جهرا من السماء. فهم النبي صلى الله عليه وسلم من سورة القدر وآيتي الدخان أن العالم العلوي فيه ليلة مباركة، وأن تلك الليلة تقدر فيها الأمور وتنزل منها إلى العوالم المختلفة، وأن مبدأ نزول القرآن حصل في تلك الليلة المباركة، وأن تلك الليلة خير من ألف شهر، والعرب تستعمل "الألف" في معنيين مختلفين، الأول: العدد الخاص، وهو مائة وتسع مائة، ومنه قوله تعالى: "فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما" (سورة العنكبوت الآية 14)، و"ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون" (سورة السجدة الآية 5)، والثاني أقصى العدد، ومنه قوله تعالى: "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر" (سورة البقرة الآية 96)، ويفهم من أسلوب القرآن أن هذا الأخير هو المراد في سورة القدر، أي تلك الليلة العلية خير من آلاف الشهور من العالم السفلي. ولم تكن في سورة القدر وآيتي الدخان أي إشارة إلى أن ليلة القدر في شهر رمضان، أو أنها مرة في الحول. فلم يهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالتماس ليلة القدر في مكة المكرمة، ولم يبث إلى أصحابه أنوار تلك الليلة وبركاتها، حتى فرض عليه صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ونزل عليه: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" (سورة البقرة الآية 185)، فربط النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية بسورتي القدر والدخان وعلم أن تلك الليلة المباركة من العالم العلوي لها علاقة بشهر رمضان، وأنه لما بدئ الوحي كانت تلك الليلة في رمضان، وشهر رمضان من أمور هذه الدنيا. وحينئذ غلب على النبي صلى الله عليه وسلم حنينه إلى تلك الأنوار والبركات التي شهدها في أول الوحي، وتوجهت همته إلى عودة تلك الليلة في رمضان، واشتدت رغبته فيها وازداد تطلعه إليها، وعرف أنه إنما شهدها لما انعزل عن الخلق وعالم المادة إلى ذلك الغار، ولا شيء يعدله فيما أوتيه من الأحكام إلا الاعتكاف في مسجد من المساجد، حيث يقضي الأيام والليالي في الإخبات التام والإنابة ويحصل له صفاء القلب المشروط لتلك الأنوار والبركات، ولهمة النبي وتوجهه تأثير في الملأ الأعلى. اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأول فلم يشهد تلك الليلة، واعتكف في العشر الثاني ولم يشهدها، واعتكف في الثالث، وأثرت همته في الملأ الأعلى، ووافقت بعض ليالي العشر الأخير نزول بركات تلك الليلة من العالم العلوي وأنوارها إلى القلوب الصافية المعتكفة في مسجده صلى الله عليه وسلم، فسر بذلك، وعلم أن الله أجاب حاجته، وأن تلك الليلة المباركة قد توافق بعض الليالي من العشر الأخير، وأنه من اعتكف فيه أو قام فيه أو اشتغل بعمل صالح وجد من بركاته وأنواره على قدر صفاء قلبه، وأن الليلة الواحدة خير من آلاف الليالي من هذا العالم السفلي، وأن صفاء القلب يقرب الإنسان إلى العالم العلوي. اعتكف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعده واعتكف الصالحون والصالحات من أمته على مدى القرون، فأوتوا نصيبا من تلك الليلة المباركة، "ومن يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". والساعي إلى الخير سعيه مشكور مأجور أضعافا مضاعفة، ولا سيما في شهر رمضان المبارك، "ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا" (سورة الإسراء الآية 19)، والأصل في هذا الدين هو السعي، فليتبادر المؤمنون إلى الأعمال الصالحة وتزكية نفوسهم وتطهير قلوبهم.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |