|
ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
تأديب الزوجة بين التعدي والمشروع
تأديب الزوجة بين التعدي والمشروع الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فقد كثر الكلام هذه الأيام عن مشروعية تأديب الزوج زوجته، وانقسم المتحدثون في ذلك على اختلاف مشاربهم بين مؤيد ومنكر، ونظرا لكون هذه المسألة من المسائل الشرعية التي لابد من بيان الحكم الشرعي فيها وفق ما تقتضيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وبعيدا عن الأهواء، أحببت الكتابة في ذلك، مبينا ما أراه حقا في هذه المسألة، فأقول مستعينا بالله تعالى. قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا} (النساء: 34). وهذه الآية آية محكمة غير منسوخة، ولكن كثيرا من الناس لم يفهم المراد منها، فعمل بفهمه الخاطئ من تعد واضح على المرأة، وظن أن هذا من الدين، وإذا رجعنا للمنهج الإسلامي في تعامل الزوجين تبين لنا جليا أنه لا يحث على العنف والتعسف في التأديب، بل يحث على الألفة والمحبة والعشرة بالمعروف، وذلك في آيات وأحاديث نبوية كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر:- أولا: قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} (النساء: 19). قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: «وجماع المعروف بين الزوجين كف المكروه، وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه، لا بإظهار الكراهية في تأديته، فأيهما مطل بتأخيره فمطل الغني ظلم» ا.هـ. وقال الطبري رحمه الله تعالى: «يعني جل ثناؤه بقوله: {وعاشروهن بالمعروف} (النساء: 19) وخالقوا أيها الرجال نساءكم وصاحبوهن (بالمعروف)، يعني بما أمرتم به من المصاحبة، وذلك إمساكهن بأداء حقوقهن التي فرض الله جل ثناؤه لهن عليكم إليهن، أو تسريح منكم لهن بإحسان». اهـ وقال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: «وقال بعض أهل العلم: التماثل ههنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف، ولا يمطله به ولا يظهر الكراهة، بل ببشر وطلاقة، ولا يتبعه أذى ولا منة، لقول الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف}، وهذا من المعروف، ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق مع صاحبه والرفق به واحتمال أذاه لقول الله تعالى: {وبالوالدين إحسانا وذي القربى} (البقرة: 83) وقوله: {والصاحب بالجنب} (النساء: 36) قيل: هو كل واحد من الزوجين. ا.هـ وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: «وقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} (البقرة: 228). قال رسول الله [: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» وكان من أخلاقه [ أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم ويوسعهم نفقة ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، يتودد إليها بذلك، قالت: «سابقني رسول الله [ فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني فقال: هذه بتلك» ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله [، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك [، وقد قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (الأحزاب: 21)ا.هـ. وقال الذهبي -رحمه الله تعالى-: «وإذا كانت المرأة مأمورة بطاعة زوجها وبطلب رضاه، فالزوج أيضا مأمور بالإحسان إليها واللطف بها والصبر على ما يبدو منها من سوء خلق وغيره وإيصالها حقها من النفقة والكسوة والعشرة الجميلة، لقول الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف}»ا.هـ. - ثانيا: قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الروم: 21) قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: «فلا ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين»ا.هـ. - ثالثا: قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} (البقرة: 228) قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني لأحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تزين لي؛ لأن الله عز وجل يقول: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} وما أحب أن أستوفي جميع حق لي عليها؛ لأن الله عز وجل يقول: {وللرجال عليهن درجة}. - رابعا: عن أبي هريرة ] عن النبي [ قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا». قال النووي -رحمه الله تعالى-: «فيه الحث على الرفق بالنساء والإحسان إليهن، والصبر على عوج أخلاقهن، واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب، وإنه لا مطمع في استقامتهن» ا.هـ. - خامسا: عن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر». قال الحافظ النووي رحمه الله تعالى: «أي ينبغي ألا يبغضها، لأنه إن وجد فيها خلقا يكره وجد فيها خلقا مرضيا، بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة أو جميلة أو عفيفة أو رفيقة به أو نحو ذلك»ا.هـ. - سادسا: قال النبي [ في حجة الوداع: «اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» رواه مسلم. وعن عمرو بن الأحوص -رضي الله عنه- أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله [، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ، فذكر الحديث وفيه: «ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن». - سابعا: عن عبدالله بن زمعة ] عن النبي [ قال: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم»، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: «وفي سياقه استبعاد وقوع الأمرين من العاقل، أن يبالغ في ضرب امرأته ثم يجامعها من بقية يومه أو ليلته، والمجامعة أو المضاجعة إنما تستحسن مع ميل النفس والرغبة في العشرة، والمجلود غالبا ينفر ممن جلده، فوقعت الإشارة إلى ذم ذلك، وأنه إن كان ولابد فليكن التأديب بالضرب اليسير، بحيث لا يحصل منه النفور التام، فلا يفرط في الضرب ولا يفرط في التأديب.. ولأن ضرب المرأة إنما أبيح من أجل عصيانها زوجها فيما يجب من حقه عليها» ا.هـ - ثامناً: عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «ما ضرب رسول الله [ شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل»، قال النووي رحمه الله تعالى: «فيه أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحا للأدب فتركه أفضل».ا.هـ وقال القاري -رحمه الله تعالى-: «خصا بالذكر اهتماما بشأنهما، ولكثرة وقوع ضرب هذين والاحتياج إليه، وضربهما وإن جاز بشرطه فالأولى تركه، قالوا: بخلاف الولد، فإن الأولى تأديبه، ويوجه بأن ضربه لمصلحة تعود إليه فلم يندب العفو بخلاف ضرب هذين، فإنه لحظ النفس غالبا، فندب العفو عنهما مخالفة لهواها وكظما لغيظه»ا.هـ. - تاسعاً : عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله [: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، قال المناوي -رحمه الله تعالى-: «ولهذا كان على الغاية القصوى من حسن الخلق معهن، وكان يداعبهن ويباسطهن.. «وأنا خيركم لأهلي» أي برا ونفعا لهم دينا ودنيا، أي فتابعوني، ما آمركم بشيء إلا وأنا أفعله»ا.هـ. - عاشرا: عن جابر ] قال: «نهى رسول الله [ عن الضرب في الوجه». قال النووي -رحمه الله-: «وأما الضرب في الوجه فمنهي عنه في كل الحيوان المحترم من الآدمي والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيرها، لكنه في الآدمي أشد، لأنه مجمع المحاسن مع أنه لطيف، لأنه يظهر فيه أثر الضرب، وربما شانه، وربما آذى بعض الحواس». ا.هـ وعن معاوية بن الحكم السلمي ] قال: «كانت لي جارية، ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله [، فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: ايتني بها فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة». - الحادي عشر: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله [ في بيتي، وكان بيده سواك، فدعا وصيفة له أو لها، حتى استبان الغضب في وجهه، وخرجت أم سلمة إلى الحجرات فوجدت الوصيفة وهي تلعب ببهيمة، فقالت: ألا أراك تلعبين بهذه البهيمة، ورسول الله [ يدعوك؟ فقالت: لا والذي بعثك بالحق ما سمعتك، فقال رسول الله [: لولا خشية القود لأوجعتك بهذا السواك». وعن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: «من ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة». وبعد هذه الجولة في تلك الآيات والأحاديث المباركة التي هي غيض من فيض يتبين معنى الآية، ويظهر لنا ما يلي: - أولا: وجوب معاشرة كل واحد من الزوجين الآخر بالمعروف. - ثانيا: أن القوامة بيد الرجل، ومما يدخل في القوامة تقويم سلوك الزوجة متى أساءت أو نشزت بترفعها عليه أو غلظتها معه أو معصيته بما يجب عليها له، فيقومها بالنصح أولا، وذلك بتذكيرها بحرمة النشوز ووجوب طاعتها له في غير معصية، مع ذكر الأدلة على ذلك كحديث أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح»، فإن لم يجد ذلك هجر فراشها أو الحديث معها في البيت، ولا يتعدى ذلك خارج البيت، لحديث حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه ] قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت»، ومدة الهجر لا تزيد على 3 أيام لحديث أنس ] أن رسول الله [ قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام». فإن لم ينفع ذلك معها جاز له ضربها ضربا غير مبرح بسواك أو بمنديل ملفوف، لا بسوط ولا بعصا أو نحوه، والسواك كما لا يخفى دقيق قصير، طوله غالبا طول القلم، عن عطاء قال: «قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: السواك وشبهه بضربها به»، ويحرم عليه ضرب الوجه والمقاتل، لحديث حكيم بن معاوية السابق، قال تعالى: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا} (النساء: 34)، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «وقوله تعالى: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} أي إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها، وقوله: {إن الله كان عليا كبيرا} تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن، وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن» ا.هـ، فإن تلف من الزوجة شيء بسبب الضرب ضمن ما وقع منه لتبين أنه إتلاف لا إصلاح. - ثالثا: أنه يحرم على الزوج ضرب زوجته ظلما بلا سبب ولو كان الضرب يسيرا، فالظلم ظلمات يوم القيامة، قال ابن جرير رحمه الله: «إنه غير جائز لأحد ضرب أحد من الناس ولا أذاه إلا بالحق، لقول الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} (الأحزاب: 58) سواء كان المضروب امرأة وضاربها زوجها، أم كان مملوكا أو مملكوة وضاربه مولاه، أم كان صغيرا وضارب والده أو وصي والده وصاه عليه» ا.هـ. وقال تعالى: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه} (البقرة: 231) فقد نهى الرجل عن الإضرار بمطلقته، فكيف بزوجته. وهذه غيض من فيض، والموضوع بحاجة إلى تحرير وإيضاح وتفصيل ومناقشة الشبه التي يطرحها بعض المغرضين، ولعل ما ذكرته يكون نواة لذلك. - وأخيرا: يجب على المسلم التأدب مع كلام الله تعالى، فلا يليق بمسلم أن يعترض على حكم من الأحكام التي أذن الله تعالى بها وهو الحكيم العليم بشُبه باردة وبمثل ذاك الكلام الذي يتكلم به كثير ممن لا خلاق لهم، بل الواجب على كل مسلم ومسلمة التسليم المطلق بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله [، قال تعالى: {وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} (الأحزاب: 36)، وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} (النساء: 65)، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. اعداد: د. نايف بن أحمد الحمد
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |