|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم
شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: فضْل الصَّيام الشيخ: د. محمد الحمود النجدي الصَّوم في الشرع هو التعبُّدُ لله سبحانَه وتعالى بالإمْسَاكِ عن الأكلِ والشُّربِ وسائِرِ المُفَطِّراتِ مِن طُلوعِ الفَجرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ مع النية الصيام مدرسة لتعليم الأفراد وتدريبهم على عددٍ منَ القِيم التربوية كما هو الشأن في بقية شعائر الدّين الصيام عبادةٌ عظيمة، وتشريع ربّاني، شرعه الله -عَزَّ وَجَلَّ- للأمم السّابقة مِنْ أهلِ الكتاب وغيرهم، كما دلَّ عليه قولُه -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183)، ثم جاءَ الإسْلام ليَستقرَّ فيه تشريعُ الصّيام على الوجْه الأكمل، فهو أحدُ أرْكان الإسْلام الخَمسة، وقد اقتضتْ حِكمة الله -تعالى- أنْ يتدرّج هذا التّشريع في مراحل، كما هو الحال في كثيرٍ من التشريعات في الإسلام؛ رحمةً مِنَ الله بعباده، وتلطُّفاً بهم، وتيسيراً عليهم. والصَّوم لغةً: هو الإمْساكُ، ومنه قوله -تعالى-: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} (مريم: 26). أي: نذرت إمْساكاً عن الكلام، فلنْ أكلم اليوم إنْسَياً.ومنه قول النّابغة: خَيلٌ صِيامٌ وَخَيلٌ غَيرُ صائِمَةٍ تَحتَ العَجاجِ وخيلٌ تَعلُكُ اللُّجُما خيل صيام، أي: واقفة ساكنة مُمْسكة عن الجَري.الصَّوم في الشرع والصَّوم في الشرع: هو التعبُّدُ لله -سبحانَه وتعالى-، بالإمْسَاكِ عن الأكلِ والشُّربِ، وسائِرِ المُفَطِّراتِ، مِن طُلوعِ الفَجرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ، مع النية، ولَمَّا كانت مصالِحُ الصَّومِ مشهودةً بالعُقُولِ السَّليمةِ، والفِطَرِ المُسْتقيمةِ، شَرَعَه اللهُ -سبحانه وتعالى- لعبادِه؛ رحمةً بهم، وإحْسانا إليهم، وحِمْيَةً لهم وجُنَّةً ممّا يضرهم.أقسام الصوم أولاً- الصَّومُ الواجب وهو على نوعينِ- النوع الأول: واجبٌ بأصلِ الشَّرعِ، أي: بغيرِ سَبَبٍ مِنَ المكلَّفِ، وهو صومُ شَهرِ رَمضانَ. - النوع الثاني: واجبٌ بِسَبَبٍ مِنَ المكلَّف: وهو صومُ النَّذرِ، والكفَّارات، والقَضاء. ثانيا- الصَّومُ المُستحَبُّ (صوم التطوُّع) - القسم الأول: صومُ التطَوُّعِ المُطلَق: وهو ما جاء في النُّصوصِ غير مُقَيَّدٍ بزمَنٍ مُعَيَّنٍ. - القسم الثاني: صومُ التطَوُّعِ المقيَّد: وهو ما جاء في النُّصوصِ مقيَّداً بزمنٍ مُعَينٍ، كصومِ السِّتِّ مِن شوَّالٍ، ويومَيِ الاثنينِ والخميس، وأيام البيض، ويومِ عَرَفةَ، ويومَيْ تاسوعاءَ وعاشوراءَ. الصَّومُ المنهيُّ عنه شرعاً (1) صَومٌ مُحَرَّمٌ: مثلُ صَومِ يَومَيِ العيدينِ. (2) صومٌ مكروهٌ: مثلُ صَومِ يومِ عَرَفةَ للحاجِّ. باب: فضْل الصَّيام قوله: «قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: كلّ عمل ابن آدم له إلا الصّيام؛ فإنّه لي» فيه خُصوصيّة الصّيام عن سائر العبادات، وسبب إضافة الصوم إلى الله -تعالى-: أنّه لمْ يُعبد أحدٌ غيرُ الله -تعالى- به، فلم يُعظم الكفّار في عصرٍ من الأعْصار، معبوداً لهم بالصيام، وإنْ كانوا يُعظّمونه بطريقة الصلاة والسّجود والذكر، والصدقة والذّبح، وغير ذلك، وأيضاً: لأنّ الصّوم بعيدٌ من الرّياء لخفائه، بخلاف الصّلاة والحج والغزو والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة. قوله: «وأنا أجزي به» وقوله: «والصّيام جُنّة» الجُنّة: الوقاية والحِماية، والمعنى: أنّ الصّيام سُترةٌ ووقاية مِنَ الآثام، أو مِن النار، أو منْهما، قال ابن العربي: «إنَّما كان الصّوم جُنّة مِنَ النار؛ لأنّه إمْسَاكٌ عن الشّهوات، والنار مَحْفوفة بالشّهوات». وقوله: «فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ، ولَا يَسْخَبْ» نهي عن الرّفث، وهو: الكلام الفاحش، وعن السخب أو الصّخب، يقال بالسّين والصاد، وهو: الصّياح، وهو من أفعال أهل الجهل والسفه، ونحو ذلك. قوله: «فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» فإنْ شَتَمَهُ أحَدٌ أو قاتَلَهُ، فلْيَقُلْ له بلِسانِه: «إنِّي امْرُؤٌ صائِمٌ»؛ لِيَكُفَّ خَصْمُه عنه، أو يَستشْعِرْ ذلِك بقَلْبِه؛ ليَكُفَّ هو عن خَصْمِهِ، والمرادُ بالنَّهيِ عن ذلك: تَأكيدُه حالةَ الصَّومِ، وإلَّا فغَيرُ الصَّائمِ مَنهيٌّ عنه أيضا. قوله: «والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ» قوله: «َللصّائم فرْحَتَانِ» من فوائد الحديث - فيه: إثباتُ صِفةِ الكلامِ للهِ -تعالَى-، وأنَّه يَتكلَّمُ حيثُ يَشاءُ، ويُكلِّمُ مَن يَشاءُ بما يَشاءُ، وأنَّ كَلامَه ليس خاصًّا بالقرآنِ الكريمِ. - وفيه: أنَّ العِباداتِ تَتفاوَتُ مِن حيثُ الثَّوابُ والفضل. - وفيه: مَشروعيَّةُ القسَمِ لتَأكيدِ الكلامِ، وإنْ كان السامعُ غيرَ مُنكِرٍ. - وفيه: أنَّ مَن عَبَدَ اللهَ -تعالَى- وطَلَبَ رِضاهُ في الدُّنيا، فنَشَأَ مِن عَمَلِه آثارٌ مَكروهةٌ له في الدُّنيا؛ فإنَّها مَحبوبةٌ لله -تعالَى-، وطَيِّبةٌ عندَه؛ لكَونِها نَشَأَت عن طاعتِه، واتِّباعِ مَرْضاتِه. - قول الله -عَزَّ وَجَلَّ- «الصّومُ لي وأنا أجْزي به» قد اخْتلف العلماء في المراد به، مع أنّ الأعمال كلّها لله -تعالى-، وهو الذي يَجزي بها، على أقوال: - أحدها: أنَّ الصّوم لا يقع فيه الرّياء، كما يقع في غيره. - الثاني: أنّ الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس، وإنّها تضعَّف من عَشْرة إلى سبعمائة، إلى ما شاء الله، إلا الصّيام، فإنّ الله يُثيب عليه بغير تقدير. - الثالث: أنّه أحبّ العبادات إلى الله -تعالى. - الرابع: أنّ الإضافة إضافة تشريف وتعظيم، كما يقال: بيت الله، وإنّ كانت البُيوت كلّها لله. - الخامس: أنّ الاسْتغناء عن الطعام وغيره مِنَ الشّهوات منْ صفات الرّب -جلّ جلاله-، فلمّا تقرَّب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه، قال القرطبي: «معناه: أنَّ أعمال العباد مناسبة لأحْوالهم إلا الصّيام، فإنه مناسبٌ لصفةٍ مِنْ صِفات الحقّ، كأنّه يقول: إنّ الصّائم يتقرّب إليَّ بأمرٍ هو متعلق بصفةٍ منْ صفاتي». - السادس: أنّ المعنى كذلك، لكن بالنّسبة إلى الملائكة؛ لأنّ ذلك مِنْ صفاتهم. - السابع: أنّه خالصٌ لله -تعالى-، وليس للعبدِ فيه حظٌّ بخلاف غيره، فإنّ له فيه حظاً؛ لثناء الناس عليه بعبادته. - الثامن: أنّ الصّيام لم يُعبد به غير الله، بخلاف الصّلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك. - التاسع: أن جميع العبادات توفّى منها مظالم العباد إلا الصوم. - العاشر: أنّ الصوم لا يظهر فتكتبه الحفظة، كما تكتب سائر الأعمال. قال الحافظ ابن حجر: «فهذا ما وقفتُ عليه من الأجْوبة، وأقربها إلى الصّواب الأول والثاني, وأقربُ منهما الثامن والتاسع». فوائد الصيام - أنَّ الصَّومَ وسيلةٌ لتحقيقِ تقوى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، كما في الآية السّابقة. - وفيه تذكير للمسلم بنِعم الله -تعالى- عليه. - وفيه تربيةُ للنَّفسِ على مِلْك الإرادةِ، وقوَّةِ التحَمُّلِ. - وفي الصَّوم قهرٌ للشَّيطانِ. - والصَّومُ موجِبٌ للرَّحمةِ والعَطفِ على المساكينِ، وتذكر جوعهم. - والصَّومُ يُطَهِّرُ البَدَنَ من الأخلاطِ الرَّديئةِ، ويُكسِبُه صحةً وقوةً.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم
شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: لا تَقَدَّمُو الشيخ: د. محمد الحمود النجدي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ؛ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ؛ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْماً؛ فَلْيَصُمْهُ»، الحديث رواه مسلم في الصيام (2/762) وبوب عليه النووي بمثل تبويب المنذري، ورواه البخاري في الصوم (1914) باب: لا يتقدّمُ رمضان بصوم يومٍ ولا يومين. قولُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقدَّموا رَمَضان»، أي: لا تَسبِقوا شَهرَ رمضانَ، «بصوم يومٍ، ولا يومينِ»، أي: لا تَصُوموا آخِرَ يومٍ أو آخِرَ يَومينِ من شَعبانَ، لا على جِهةِ التعظيمِ للشهرِ، ولا على جِهةِ الاحتِياطِ خوفًا أن يكونَ مِن رمضانَ، وقوله: «إلَّا أنْ يُوافِقَ ذلك صَومًا كان يصومُه أحدُكم» أي: أنَّه ليس نَهياً عامّاً، بل يُسْتُثْنى منه مَنْ كان له عادةٌ في الصيام، كأنْ يُوافِقَ الاثنينِ أو الخميسَ الَّذي يكونُ من عادته صِيامُه.صيام يوم الشك فقَوْله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْم وَلا يَوْمَيْنِ» فِيهِ التَّصْرِيح بِالنَّهْيِ عَنْ اِسْتِقْبَال رَمَضَان بِصَوْمِ يَوْم ويَوْمَيْنِ، لِمَنْ لَمْ تكن له عَادَة فيَصِلهُ بِمَا قَبْله، فَإِنْ لَمْ يكن صَادَفَ له عَادَة فَهُوَ حَرَام، وقد حمل بعض العلماء اليومَ واليومين المَنْهيَّ عن صيامهما في الحديث، على صيام يوم الشك، أي: يوم الثلاثين من شعبان، حيثُ يُشك فيه: هل هو المتمّم لشعبان، أو الأول من رمضان؟وقد قال عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رضي الله عنه - قَال: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -». رواه الترمذي (686) والنسائي (2188)، قال الحافظ في فتح الباري: «اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيم صَوْم يَوْمِ الشَّكِّ، لأَنَّ الصَّحَابِيَّ لا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ». اهـ، ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، إذا لم يُرَ الهلال بسبب الغيم أو نحوه، وسُمِّي يوم شك؛ لأنّه يحتمل أنْ يكون يوم الثلاثين منْ شعبان، ويحتمل أنْ يكون اليوم الأول منْ رمضان، فيَحْرم صيامه، إلا لمَن وافق عادةَ صيامه. حُكم صيام يوم الشك وقال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لحديث: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْم وَلا يَوْمَيْنِ..»: «واختلف العلماء رحمهم الله في هذا النهي هل هو نهي تحريم أو نهي كراهة؟ والصحيح أنّه نهيُ تحريم، ولاسيما اليوم الذي يُشكّ فيه» اهـ. «شرح رياض الصالحين» (3/394). وللحديث مَحملٌ آخر وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي: «وَإِنَّمَا ذَكَرَ اليَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الشَّكُّ فِي يَوْمَيْنِ، بِحُصُولِ الغَيْمِ أَوِ الظُّلْمَةِ فِي شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَلِذَا عَقَّبَ ذِكْرَ الْيَوْمِ بِالْيَوْمَيْنِ...اهــ، وعلى هذا؛ فإنّ المقصود بالحديث ابتداء هو النّهي عن صَوم يوم الشك، وهو الثلاثون من شعبان، وليس يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين، وإذا اتسعت دائرة الشك شمل النهي يوم التاسع والعشرين. باب: الصُّومُ لرُؤْية الهِلال قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا رَأيتموه فصُومُوا، وإذا رأيتمُوه فأفْطروا» فيه بيانُ متى يجبُ صَوم رمضان؟ ومتى يجبُ فِطْره؟ فيجبُ صيام رمضان إذا ثبتت رؤية هلاله شَرعاً، ويجبُ الفِطر برؤية هلال العيد. قوله: «فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ، فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ» أغْميَ، وفي رواية: «فإنْ غمّ عليكم» فمعناه: حال بينكم وبينه غيم، يقال: غمّ وأغْمِي، وغَمِي وغُمّي بتشديد الميم وتخفيفها والغين مضمومة فيهما، ويقال: غَبِي بفتح الغين وكسر الباء، وكلّها صحيحة، وقد غامت السماءُ وغيمت، وأغامت وتغيمت وأغمت. ثبوت دخول رمضان - الأول: رؤيةُ هلاله. - والثاني: إكمَال عدّة شَعبان ثلاثين يوماً. وأيضاً: يدلّ على وجُوب إكمال شعبان ثلاثين، إذا حالَ غيمٌ أو قَتَر أو ما إلى ذلك، فإنه يُصار إلى إكمال العدّة ثلاثين، وكذا حديث ابن عمر - رضي الله عنه - في الصحيحين: «صُومُوا لرُؤيته، وأفْطرُوا لرُؤيته، فإنْ غُمَّ عليكم؛ فأكمَلُوا العدة»، وفي بعض الروايات: «فعدُّوا ثلاثين»، وهذا يدلّ على أنّ الواجب أنْ يصوم الناسُ لرؤية الهلال، وأنْ يفطروا لرؤية الهلال. ويدلُّ أيضاً: أنه ليس لهم الصّوم بالحِسَاب، ولا بالاحتياط، بل لا بدّ مِنَ الرؤية، أو إكمال العدّة، فإذا غُمَّ هلال شعبان؛ فإنّه يكملُ ثلاثين، وإذا غُمَّ هلال رمضان، فإنه يكمَّل رمضان ثلاثين، فالشهر إمّا تسعةٌ وعشرون، وإمّا ثلاثون، فإذا رؤي الهلال في ثلاثين منْ شعبان، صام الناس، وإذا رُؤي في الثلاثين من رمضان أفطر الناس، فإنْ لم يُر أكمَلُوا شعبان ثلاثين وصاموا، وكملوا رمضان ثلاثين وأفطروا. الأهِلَّة لحِسابِ الشُّهورِ والسِّنينَ لا يجوز صوم يوم الشكّ من فوائد الحديث - الأمْرُ بالتَّأكُّدِ من رُؤيةِ الهلالِ عندَ بَدْءِ رمضانَ، أو الانتهاءِ منه.- وفيه: بَيانُ حُكْمِ صِيامِ يومِ الشَّكِّ، ومثله الحديث الذي بعده. - وفيه: أنّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أوْضَحَ لأمته كلّ أحكامَ الصِّيامِ، وضوابِطَه، ووقْتَه، كما في هذا الحديثِ وغيره. من فوائد الحديث - إنْ تَعذَّرتْ رُؤيةُ الهِلالِ بسبَبِ الغَيْمِ، أو لأيِّ سَببٍ مِن الأسباب، فإنَّه يُكمَّلُ الشَّهرُ، فيكونُ ثَلاثينَ يوماً؛ لأنَّ الشَّهرَ لا يَزيدُ على ذلك، فيَتحقَّقُ اليَقينُ بدُخولِه أو بخُروجِه. - وفيه: عدمُ الاعتِمادِ على غيرِ رُؤيةِ الهِلالِ، كالحِسابِ الفَلَكيِّ.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم
شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: الشَّهر تِسْع الشيخ: د. محمد الحمود النجدي عن أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْراً، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْماً، غَدَا عَلَيْهِمْ أَوْ رَاحَ، فَقِيلَ لَهُ: حَلَفْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؛ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْراً، قَالَ: «إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا»، وعن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وهَكَذَا وهَكَذَا، وعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ، والشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ». الحديثان أخرجهما مسلم في الباب السابق (2/760-761)، واتفق الشيخان على هذه القصة من حديث أم سلمة -رضي الله عنها-، وأخرجها البخاري أيضا من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: آلى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من نسائه، وكانت انفكت رجله، فأقام في مَشْربة تسعاً وعشرين ليلة، ثم نزل فقالوا: يا رسول الله، آليت شهراً؟ فقال: «إنّ الشّهرَ يكون تسعاً وعشرين»، ورويت القصة أيضاً من حديث عمر في الصّحيحين، وجابر في صحيح مسلم وغيره.حَلَفَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْراً قوله: «أَنَّ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْراً» وفي الرواية الأخرى: «آلى منْ نسائه» أي: حلف ألا يدخل عليهن، وصرّح في هذا الحديث بأنّ حلفه - صلى الله عليه وسلم - كان على الامتناع من الدخول على أزواجه شهراً، فتبين أنّ قوله في حديث أم سلمة وأنس وغيرهما: «آلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من نسائه» أريدَ به ذلك، ولم يرد به الحلف على الامتناع من الوطء، والروايات يفسّر بعضها بعضاً، فإنَّ الإيلاء في اللغة: مطلق الحلف، لكنّه مستعمل في عرف الفقهاء في حلفٍ مخصوص، وهو الحلف على الامتناع منْ وَطء زوجته مُطلقاً، أو مدةً تزيد على أربعة أشهر، فلا يُستعمل الإيلاء عندهم فيما عدا ذلك.الإيلاء على الوجه المذكور حرام قوله: «فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْماً، غَدَا عَلَيْهِمْ أَوْ رَاحَ» اسْتشكل قولها فلمّا مضت تسع وعشرون ليلة دخل عليهم، لأنّ مقتضاه أنه دخل في اليوم التاسع والعشرين، فلم يكن شهراً على الكمال ولا على النقصان، وجوابه: أنّ المراد فلما مضت تسع وعشرون ليلة بأيامها، فإن العرب تؤرّخ بالليالي وتكون الأيام تابعة لها، ويدل لذلك قوله في حديث أم سلمة عند البخاري وغيره: «فلما مضى تسعة وعشرون يوما». وكذا قال القاضي عياض بعد ذكره اختلاف الروايات في ذلك: معناه كلّه بعد تمام تسعة وعشرين يوماً، يدل عليه رواية فلما مضَى تسع وعشرون يوما. جواز هجران المسلم فوق ثلاثة أيام إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ ولم يأتِ لحثّ الأمة الإسْلامية للبقاء على الجهل، وترك تعلّم الحساب العادي، وسائر العلوم الدنيويّة النافعة، ولذلك فلا ينافي هذا الحديث ما يتعلمه المسلمون اليوم من العلوم المختلفة التي تفيدهم في دينهم ودنياهم، والإسلام دين العلم، وهو يدعو إليه ويوجب على كلّ مسلم أنْ يتعلّم ما افترضه الله عليه من الإيمان والتوحيد، ويتعلم أحكام ما يحتاج إليه من العبادات والمعاملات، وأمّا العلوم الدنيوية كالطبّ والهندسة والزراعة، وغيرها فيجب على المسلمين -عموماً- أن يتعلّموا منها ما تحتاج إليه الأمّة، ولو احتاج المسلمون لصنع إبرة لوجب عليهم أنْ يكون فيهم مَنْ يتعلّم صنعة تلك الإبرة. شرح وافٍ لابن تيمية لهذا الحديث الأميَّة منْها ما هو محرَّم ومكروه وما هو نقص فهذه الأميَّة منها: ما هو تَرك واجبٍ يُعاقب الرجل عليه إذا قدر على التعلم فتركه. الأمية المذمومة الأفضل والأكمل من فوائد الحديث - جعَلَ اللهُ الأهِلَّةَ لحِسابِ الشُّهورِ والسِّنينَ، فبِرُؤْيةِ الهِلالِ يَبدَأُ شَهْرٌ ويَنْتَهي آخَرُ، وعلى تلك الرُّؤْيةِ تَتَحدَّدُ فَرائضُ كَثيرةٌ، كالصِّيامِ، والحَجِّ، ومواقيت العدد وغيرها. - وفي الحديثِ: عدمُ الاعتِمادِ على غيرِ رُؤيةِ الهلالِ، كالحِساب الفَلَكي. - فيه منقبةٌ لعائشة -رضي الله عنها-، لبدائه - صلى الله عليه وسلم - بالدخول عليها قبل بقية زوجاته، كما في الرواية.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم
شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: إِنَّ اللَّهَ الشيخ: د. محمد الحمود النجدي عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَال: خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ، قَال: تَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ، قَال: فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْنَا إِنَّا رَأَيْنَا الْهِلَالَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ، وَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ، فَقَال: أَيَّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ؟ قَال: فَقُلْنَا لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا، فَقَال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ فَهُوَ لِلَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ»، الحديث رواه مسلم في الصيام (2/715) باب بيان أنّه لا اعتبار بكبَر الهلال وصغره، وأنّ الله أمدّه للرُّؤية، فإنْ غمّ فليُكْمل ثلاثون. وهو من أفراد مسلم، وأبو البختري هو سعيد بن فيروز بن أبي عمران الطائي مولاهم، النبهاني مولاهم، الكوفي، تابعي ثقة، قال الذهبي: قال حبيب بن أبي ثابت: كان أعْلمنا وأفقهنا، وقال ابن حجر: ثقةٌ ثبت، فيه تشيعٌ قليل، كثير الإرسال. قوله: «خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ» بطن نخلة أو وادي نخلة، هو أحد أوْدية مكة المكرمة، ويفصل بين مكة والطائف من جهة السّيل الكبير، وقوله: «تراءينا الهِلال» أي: تكلّفنا النظر إلى جهته لنَراه. وقيل: معناه أرى بعضُنا بعضاً.قوله: «مدّه للرُّؤية» قوله: «مدّه للرُّؤية» جميع النسخ متفقةٌ على «مدّه» منْ غير ألف فيها. وفي الرواية الثانية: «أمدّه». قال القاضي: قال بعضُهم: الوجه أنْ يكون أمدّه، بالتّشديد بمعنى الإمْدَاد، ومدّه من الامتداد، قال القاضي: والصّواب عندي بقاء الرؤية على وجهها، ومعناه: أطال مدته إلى الرؤية، يقال منه: مد وأمد، قال الله -تعالى-: {وإخْوانُهم يَمدُونهم في الغي} (الأعراف:٢٠٢). قُرئ بالوجهين: أي يُطيلون لهم. قال: وقد يكون أمدّه مِنَ المُدّة التي جُعلت له. قال صاحب الأفعال: أمْدَدتك مدّة، أي: أعْطيتكها.قوله: «أيّ ليلةٍ رأيتموه؟» فقال: إنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنّ الله أمدّه للرؤية فهو لليلة رأيتموه» معناه: أنّه أطَال مدّة هذا الهلال حتّى رأيتموه، كما قال الله -تعالى-: {وإخْوانُهم يَمدُونهم في الغي} (الأعراف:٢٠٢). قُرئ من وجهين، أي: يُطيلون لهم، ومعنى الحديث: إنّ الله -سبحانه وتعالى- أطالَ هذا الهِلال حتى رآه الناس، فتكون الرؤية مع مَنْ رآه، حتى وإنْ زاد الشهر وإنْ نقص. أي: أنّه إذا رُؤي الهلال كبيرًا، فإنّ الله -سبحانه وتعالى- «مدَّه» أي: مدّ الهِلال وكبّره للرّؤية، أي: ليُرى بسُرعةٍ بلا تعب، لإظْهار فضل رمضان، فهو-أي: فالهلال لليلة رأيتموه- فيها أي: ابن تلك الليلة، لا ابن الليلة التي قبلها، كما زعمه من قال منكم: ابن ليلتين، ولا ابن الليلة التي قبل هذه الثانية، كما زعمه مَنْ قال منكم: ابن ثلاث. قال القرطبي: وقع في هذه الرواية «مدّه» ثلاثيًّا، وفي الرواية الآتية «أمدّه» رباعيًّا، قال القاضي عياض: بمعنى واحد، أي أطال له مدة الرؤية، ومنه قوله -تعالى- في: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} (الأعراف: 202)، قرئ بالوجهين، أي: يُطيلون لهم المُدّة في الغي، وقال غيره: مدّ منَ الامتداد، وأمدّ منَ الإمْداد، وهو الزيادة، ومنه: أمددتُ الجيش بمَددٍ، ويجوز أنْ يكون أمدّه منَ المُدّة، قال صاحب الأفعال: أمددتك مدةً أعطيتكها اهـ. وفي مرقاة ملا عليّ قال: ولا عِبرة بكبره، بل ورد أنّ انتفاخ الأهلة من علامات الساعة اهـ. وقد صحّ ذلك في الحديث: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مِن اقترابِ السّاعةِ انتفاخُ الأَهِلَّةِ، وأن يُرَى الهلالُ لليلةٍ، فيقال: هو ابنُ ليلتيْنِ». أخرجه الطبراني في «المعجم الصغير» (877)، وصحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (2292) بمجموع طرقه، وفائدَةُ هذا الإخْبارِ منه - صلى الله عليه وسلم -: أنَّه لا اعْتِبارَ بِجِرْمِ الهِلالِ كَبُرَ أو صَغُرَ، وأنَّ الرُّؤْيةَ هي المُعْتَبَرةُ، لا جِرْمَ الهِلالِ، وهذا الحديثُ مِن أعْلامِ النُّبُوَّةِ. باب: لكلّ بلدٍ رُؤيتهم يُخبِرُ التَّابِعيُّ كُرَيْبُ وهو ابنُ أبي مُسلمٍ، أنَّ أُمَّ الفَضْلِ لُبابةَ بنتَ الحَارِثِ وهي زَوجةُ العَبَّاسِ بنِ عبدالمُطَّلِبِ، وأُمُّ عبداللهِ بنِ العَبَّاسِ -رَضيَ اللهُ عنهم-، أرْسلَتْه إلى مُعاوِيةَ بنِ أبي سُفْيانَ -رَضيَ اللهُ عنهما-، وكان حينَئذٍ خَليفةً للمُسلِمينَ، فذهَبَ كُرَيبٌ إلى الشَّامِ، وقَضى حاجَتَها، وظهَرَ هِلالُ شَهرِ رَمَضانَ وهو بالشَّامِ، وكانت رُؤيةُ الهِلالِ موافِقةً ليْلةَ الجُمُعةِ، والشَّامُ بينَها وبينَ المدينةِ أكثرُ مِن (1100) كيلومترًا، وكانت قَلبَ الخِلافةِ في عَهدِ مُعَاوِيةَ بنِ أبي سُفْيانَ -رضي الله عنهما-، ومنها تُدارُ الدَّوْلةُ، وتَتبَعُها كلُّ الأقاليمِ الإسْلاميَّةِ. ثُمَّ أخبَرَ كُرَيْبٌ أنَّه رجَعَ إلى المدينةِ النَّبويَّةِ مرَّةً أُخْرى في آخِرِ شَهرِ رَمَضانَ، فسأَلَه عبداللهِ بنُ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- أي: عنِ الرِّحْلةِ وقَضاءِ حاجةِ أُمِّه، ثُمَّ ذكَرَ ابنُ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- الهِلالَ، وسأَلَه: متَى رأيْتُمُ الهِلالَ في الشَّامِ؟ فأخْبَرَه كُرَيبٌ أنَّهم رأَوْه ليلةَ الجُمُعةِ، فقال ابنُ عبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما-: «أنتَ رأيْتَه بعَينِكَ؟ فقال كُرَيبٌ: نعمْ، ورَآه النَّاسُ أيضًا، وصاموا، وصامَ مُعَاوِيةُ -]-، فقال ابنُ عَبَّاسٍ: «لَكِنَّا رأَيْناه ليلةَ السَّبْتِ»، أي: بعدَ رُؤيتِه في الشَّامِ بلَيلةٍ، ولذلك لا نَزالُ نَصومُ حتَّى نُكمِلَ عدَّةَ الشَّهرِ ثَلاثينَ يومًا، أو نَرى الهلالَ قبلَ ذلك لتِسعةٍ وعِشرينَ. الرؤية لا تَعم الناس أقوال العلماء في الرؤية - أحدها: لأهلِ كلّ بلدٍ رؤيتهم، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس ما يَشْهد له، وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق، وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولمْ يحكِ سِواه، وحكى الماوردي وجهاً للشافعية. - ثانيها مقابله: إذا رؤي ببلدة لزم أهل البلاد كلها وهو المشهور عند المالكية، لكن حكى ابن عبدالبر الإجماع على خلافه، وقال: أجْمعوا على أنّه لا تُراعى الرؤية فيما بَعُد من البلاد كخراسان والأندلس. قال القرطبي: قد قال شيوخنا: إذا كانت رُؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع؛ ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين؛ لزمهم الصوم. وقال ابن الماجشون: لا يلزمهم بالشهادة إلا لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة؛ إلا أنْ يثبت عند الإمام الأعظم؛ فيلزم الناس كلهم؛ لأنّ البلاد في حقّه كالبلد الواحد؛ إذْ حكمه نافذٌ في الجميع. قول الشافعية - أحدها: اختلاف المطالع، قطع به العراقيون والصيدلاني، وصحّحه النووي في الروضة وشرح المهذب. - ثانيها: مسافة القصر، قطع به الإمام البغوي، وصححه الرافعي في الصغير، والنووي في شرح مسلم. - ثالثها: اختلاف الأقاليم. - رابعها: حكاه السّرخسي فقال: يلزم كل بلدٍ لا يتصوّر خَفاؤه عنْهم بلا عارض دون غيرهم. - خامسها: قول ابن ماجشون المتقدّم، انتهى كلام الحافظ. - والصحيح في المسألة: أنّ رؤية العدل الثقة؛ تلزم جميع المسلمين، متى وَصلَ لهم خبر رؤية الهلال بطريق عدل ثقة، لأنّ الشهرَ واحد. حديثُ كريب واعلم أنّ الحُجّة إنّما هي في المرفوع منْ رواية ابن عباس، لا في اجْتهاده الذي فهمَ عنه الناس، والمُشار إليه بقوله: هكذا أمرنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، هو قوله: «فلا نَزالُ نصوم حتّى نكمل ثلاثين»، والأمر الكائن منْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ: «لا تَصُومُوا حتى تَرَوا الهلال، ولا تُفْطروا حتى تَرَوه، فإنْ غُمّ عليكم فأكملِوا العدّة ثلاثين». وهذا لا يختصّ بأهلِ ناحيةٍ على جهة الانْفراد، بل هو خطابٌ لكلّ مَنْ يَصلح له من المُسلمين، فالاسْتدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد، أظهر مِنَ الاستدلال به على عدم اللزوم؛ لأنه إذا رآه أهل بلدٍ، فقد رآه المسلمون، فيلزم غيرهم ما لزمهم. ثم قال: والذي ينبغي اعْتماده هو ما ذهبَ إليه المالكية، وحكاه القرطبي عن شيوخه، أنّه: إذا رآه أهلُ بلدٍ، لزِمَ أهل البلاد كلها، ولا يُلتفت إلى ما قاله ابن عبدالبر من أن هذا القول خلاف الإجماع، قال: لأنهم قد أجْمعوا على أنّه لا تُراعى الرّؤية فيما بَعُد منَ البلدان كخراسان والأندلس، وذلك لأنّ الإجْماع لا يتمّ والمخالف مثل هؤلاء الجماعة. انتهى كلام الشوكاني، فتأمّل. من فوائد الحديث - لا عبرة بكبر الهلال أو صغره، بل العبرة برؤيته. - سؤالُ أهلِ العِلمِ عمَّا يشْكل، فقد سألوا عبداللهِ بنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- عن هِلالِ رَمَضانَ وما يَخُصُّه مِن أحْكامٍ. من فوائد الحديث - واستدل به على أنّ صيامُ أهلِ كلِّ مكانٍ بِحَسَبِ رُؤْيَتِهِم للهِلالِ، وهذا إذا لم يصل لهم خبر رؤية الهِلال.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم
شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم الشيخ: د. محمد الحمود النجدي – باب: شَهْرَا عِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ؛ رَمَضَانُ وذُو الْحِجَّةِ»، الحديث رواه مسلم في الصيام (2/766) باب: بيان معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «شَهْرا عيدٍ لا يَنقصان»، ورواه البخاري في كتاب الصوم (1912) باب: شَهرا عيدٍ لا يَنقصان. أبو بكرة الصحابي، - رضي الله عنه - واسمه نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي، وإنّما كُني أبا بكرة؛ لأنه تدلّى من حصن الطائف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ببَكرة، وكان أسلم وعجز عن الخروج من الطائف إلا هكذا، قال الحسن البصري: لم يكن بالبصرة من الصحابة أفضل من عمران بن الحصين، وأبي بكرة، واعتزل أبو بكرة يوم الجمل، فلم يقاتل مع أحد من الفريقين. توفي بالبصرة سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة ثنتين وخمسين. قوله: «شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وذُو الْحِجَّةِ» قال الحافظ ابن حجر في (الفتح): وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث: فمنهم مَنْ حَمَله على ظاهره، فقال: لا يكون رمضان ولا ذو الحجّة أبداً إلا ثلاثين وهذا قولٌ مردودٌ معاند للموجود المشاهد، ويكفي في ردّه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «صُوموا لرُؤيته وأفْطروا لرؤيته، فإنْ غُمّ عليكم فأكملوا العِدّة» فإنّه لو كان رمضان أبداً ثلاثين، لمْ يحتج إلى هذا، ومنهم من تأوّل له معنى لائقاُ، قال أبو الحسن: كان إسحاق بن راهويه يقول: لا يَنْقصانِ في الفَضيلة، إنْ كانا تسعةً وعشرين، أو ثلاثين انتهى.وقيل: لا ينقصان معاً، إنْ جاءَ أحدهما تِسْعاً وعشرين، جاء الآخر ثلاثين، ولا بُدّ. وقيل: لا يَنْقصان في ثوابِ العمل فيهما. وهذان القولان مشهوران عن السّلف. وقد نقله البخاري عقب الترجمة قبل سياق الحديث: قال إسْحاق: وإنْ كان ناقصاً فهو تَمام. وقال محمد: لا يجتمعان كلاهما ناقص. وإسحاق هو ابن راهويه، ومحمد هو البخاري المصنف. ووقع عند الترمذي نقل القولين عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل، وكأن البخاري اختار مقالة أحمد فجزم بها، أو تواردا عليها. قال الترمذي قال أحمد: معناه: لا يَنْقصان معاً في سنةٍ واحدة انتهى. وروى الحاكم في تاريخه بإسناد صحيح: أن إسحاق بن إبراهيم سُئل عن ذلك فقال: إنّكم تَرون العَدد ثلاثين، فإذا كان تسعاً وعشرين ترونه نُقْصاناً، وليس ذلك بنُقصان. معاني الحديث وذكر القرطبي أنّ فيه خمسة أقوال، فذكر نحو ما تقدم، وزاد أنّ معناه: لا ينقصان في عامٍ بعينه، وهو العام الذي قال فيه - صلى الله عليه وسلم - تلك المقالة. وقيل: معناه لا ينقصان معاً في سنةٍ واحدة على طريق الأكثَر الأغْلب، وإنْ نَدَر وقوع ذلك، وهذا أعدل ممّا تقدم؛ لأنه ربما وجد وقوعهما ووقوع كلٍّ منهما تسعة وعشرين. قال الطّحاوي: الأخذ بظاهره أو حمله على نقصِ أحدهما يدفعه العَيان؛ لأنّا قد وجدناهما ينقصان معاً في أعوام. وقال الزين بن المنير: لا يَخلو شيءٌ من هذه الأقوال عن الاعتراض، وأقربها: أنّ المراد أنّ النقص الحسي باعتبار العدد؛ يَنْجبر بأن كلاً منهما شهرُ عيدٍ عظيم، فلا ينبغي وصفهما بالنقصان، بخلاف غيرهما من الشهور، وحاصله يرجع إلى تأييد قول إسحاق. وقال البيهقي في «المعرفة»: إنّما خَصّهما بالذِّكر لتعلّق حُكم الصّوم والحج بهما، وبه جزم النووي وقال: إنّه الصّواب المعتمد. والمعنى: أنّ كلّ ما ورد عنهما من الفضائل والأحْكام حاصل، سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعاً وعشرين، سواء صادف الوقوف اليوم التاسع أو غيره. ولا يخفى أنّ محل ذلك ما إذا لمْ يحصل تقصير في ابتغاء الهلال، وفائدة الحديث: رفع ما يقع في القلوب منْ شكٍّ لمن صامَ تسعاً وعشرين، أو وقفَ في غيرِ يوم عرفة. ظاهر سياق الحديث وفي الحديث حُجّة لمن قال: إنّ الثوابَ ليس مُرتّباً على وجُود المَشقة دائماً، بل لله أنْ يتفضّل بإلحاقِ الناقص بالتام في الثواب. واستدلّ به بعضهم لمالك في اكتفائه لرمضان بنيةٍ واحدة، قال: لأنّه جَعل الشّهر بجُملته عبادة واحدة، فاكتفى له بالنيّة، وهذا الحديث يقتضي أنّ التسوية في الثواب بين الشهر الذي يكون تسعاً وعشرين، وبين الشهر الذي يكون ثلاثين؛ إنّما هو بالنظر إلى جعل الثواب متعلقاً بالشهر منْ حيثُ الجملة، لا من حيث تفضيل الأيام. قوله: «رَمَضان وذُو الحجّة» أطلق على رمضان أنّه شهرُ عيد؛ لقُرْبه من العيد، أو لكون هلال العيد ربّما رؤي في اليوم الأخير من رمضان، قاله الأثرم، والأول أولى. ونظيره قوله - صلى الله عليه وسلم -: «المغربُ وِتْرُ النّهار». أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر، وصلاة المغرب ليلية جهرية، وأطلق كونها وتر النّهار لقُربها منه. وفيه: إشارة إلى أنّ وقتها يقع أول ما تغرب الشمس. وقوله: «المَغرِبُ وِترُ النَّهارِ»؛ لأنَّها ثَلاثُ رَكَعاتٍ، وتكونُ آخِرَ صَلاةٍ في النَّهارِ، مع أنَّها ليستْ في النَّهارِ، وإنَّما هي في أوَّلِ اللَّيلِ، ولكونِها قريبةً مِن النَّهارِ أُضيفتْ إلى النَّهارِ. من فوائد الحديث 1- أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنّ شهرا رَمَضانَ وذي الحِجَّةِ لا ينقصان، ولو كاناً تسعاً وعشرين، وسمّاهما شهرا عيد، لمجيء العيد عقب الأوّل منهما مباشرة، واشْتمال الثاني على يوم العيد.2- وفيه: إمكان وقوع الخَطأ في دخول هذين الشهرين، ورفع الحَرج عمّا قد يقع مِنْ خطأ في الحُكم بإثباتِ الشهرين. 3- ورفع ما يقع في القلوب مِنْ شكٍّ لمَن صام تسعًا وعشرين، أو وقف في غير يوم عرفة. 4- وفي الحديثِ: بَيانُ فضْلِ شَهرِ رَمَضانَ وذي الحِجَّةِ، لتَعلُّقِ حكْمِ الصَّومِ والحجِّ بهما. 5- وفيه: أنّه إذا أدَّى الإنسانُ ما أُمِرَ به، واجتَهَدَ في مُوافَقةِ مُرادِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- ومَرْضاتِه قدْرَ استِطاعتِه وجَهْدِه؛ فإنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- لنْ يَحرِمَه الأجْرَ كاملًا وزِيادةً، فضْلًا مِن اللهِ وكَرَماً.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم
شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم الشيخ: د. محمد الحمود النجدي – باب: فِي السُّحُور عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً»، الحديث رواه مسلم (2/770) باب: فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر، ورواه البخاري في الصوم (1923) باب: بركة السّحور منْ غير إيجاب؛ لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واصلوا ولم يذكر السحور. قوله: «تَسَحَّرُوا» دليلٌ على أن الصائم مأمور بالسحور؛ لأنّ فيه خيراً كثيراً، وبركة عظيمة، دينية ودنيوية، وذكره - صلى الله عليه وسلم - للبركة من باب الحضّ على السحور، والترغيب فيه، والسَّحور بفتح السين: هو ما يُؤكل مِن طعام في وقت السّحر، وهو آخر الليل، وبضم السين «السُحور» هو أكل السَُّحور. وورد الأمر أيضاً عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ فَلْيَتَسَحَّرْ بِشَيْءٍ». رواه أحمد (14533)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2309).أمرُ استحباب وهذا الأمر في الحديث أمرُ استحباب؛ لا أمرَ إيجاب؛ بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واصَل وواصل أصْحابه معه، كما بوّب البخاري بذلك، والوِصال: أنْ يصوم يومين فأكثر فلا يُفطر، بل يصوم النهار مع الليل.فضل السحور وقد ورد في فضل السحور أحاديث أخرى، وأنّ فيه بركة عظيمة تشمل منافع الدنيا والآخرة، فمن بركة السحور ما يلي:1- التّقوّي على العِبادة، والاسْتعانة على طاعة الله -تعالى- أثناء النّهار، منْ صلاةٍ وقراءة وذكر، فإنّ الجائع يكسل عن العبادة، كما يكسل عن عمله اليومي، وهذا محسوس. 2- ومن بركة السحور: مُدافعة سُوء الخُلُق الذي يُثيره الجوع والعطش، فالمتسحّر طيّب النفس، حسن المعاملة. 3- ومن بركة السحور أنه تحصل بسببه الرغبة في الازْدياد منْ عبادة الصيام، لخفّة المشقة فيه على المتسحّر، فيرغب في الصيام ولا يتضايق منه. 4- ومن بركة السحور: اتّباع السُّنّة، فإنّ المتسحر إذا نوى بسحوره امتثال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء بفعله، كان سحوره عبادة، يحصل له به أجر من هذه الجهة، وكذا إذا نوى الصائم بأكله وشربه تقوية بدنه على الصيام والقيام، كان مثاباً على ذلك. 5- ومن بركة السحور: أنّ الإنسان يقوم آخر الليل، ويُوفّق للذكر والدعاء والصلاة، في هذا الوقت الفاضل، وذلك مظنة الإجابة. 6- أنّه وقت صلاة الله والملائكة على المتسحرين لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «السُّحُورُ أَكْلَةٌ بَرَكَةٌ، فَلا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ». رواه أحمد (11003)، وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» (3683).ً 7- ومن بركة السحور: أنّ فيه مخالفةً لأهل الكتاب، والمسلم مطلوب منه البعد عن التشبه بهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فَصْلُ ما بيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ». رواه مسلم. 8- ومنْ بركة السحور: صلاة الفجر مع الجماعة، وفي أوّل وقتها الفاضل، ولذا تجد أنّ المُصلّين في صلاة الفجر في رمضان، أكثر منهم في غيره من الشهور؛ لأنهم قاموا من أجل السحور. الحرص على السحور فينبغي للصائم أنْ يحرص على السُّحور، ولا يتركه لغلبة النوم أو غيره، وعليه أن يكون طيب النفس، مسروراً بامتثال أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريصاً على الخير والبركة؛ ذلك لأنّ نبينا - صلى الله عليه وسلم - أكد على السحور، وأمر به، ونهى عن تركه.ويحصل السحور بأقلَّ ما يتناوله الإنسان منْ مأكولٍ أو مشروب، فلا يَختصّ بطعامٍ معين، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نِعْمَ سُحور المُؤمن التّمر». رواه أبو داود (2345)، وصححه الألباني.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم
شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم الشيخ: د. محمد الحمود النجدي – باب: تأخير السحور عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَال: خَمْسِينَ آيَةً. رواه مسلم في الباب السابق، ورواه البخاري في الصوم (1921).قوله: «تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ» فيه دليلٌ على أنه يستحب تأخير السحور إلى قُبيل الفجر، فقد كان بينَ فراغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه زيد - رضي اللهع نه - مِنْ سُحورهما، ودخولهما في الصلاة، قدر ما يقرأ الرجلُ خمسين آيةً مِنَ القُرآن، قراءةً متوسطة لا سريعة ولا بطيئة، وهذا يدل على أنّ وقت الصّلاة قريبٌ من وقتِ الإمساك. وفي لفظ البخاري (1921) عن زيد - رضي الله عنه - قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قام إِلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بين الأذانِ والسّحور؟ قَال: قدْر خَمْسِينَ آيَةً. والمراد بالأذان هنا: الإقامة، سُميت أذاناً لأنها إعلام بالقيام إلى الصلاة، وقد ورد في «صحيح البخاري»(576) أيضاً: أنّه قيلَ لأنس - رضي الله عنه -: كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا، ودُخُولِهِمَا فِي الصَّلاةِ؟ قَال: قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً.تعجيل السُّحور وتعجيل السُّحور في مُنتصف الليل جائز، لكنّه خلافُ السُّنة؛ فإنّ السّحور سُمّي بذلك؛ لأنّه يقع في وقت السَّحَر وهو آخر الليل، والإنسان إذا تسحّر نصف الليل قد تفوته صلاةُ الفجر لغلبة النّوم، ثمّ إنّ تأخير السُّحور أرفق بالصّائم وأدعى إلى النشاط؛ لأنّ مِنْ مقاصد السحور تقوية البدن على الصّيام، وحفظ نشاطه، فكان من الحكمة تأخيره، كما سبق؛ فينبغي للصائم أنْ يتقيّد بهذا الأدب النبوي، ولا يتعجل بالسّحور.آداب الصيام باب: صِفةُ الفَجْر الذي يُحرّمُ الأكلَ على الصّائم قال ابن بطال: لمْ يصح عند البخاري لفظ الترجمة، فاسْتخرج معناه من حديث عائشة. وقد روى لفظ الترجمة سمرة مرفوعا: «لا يَمْنعنّكم منْ سُحوركم أذانُ بلال، ولا الفجر المُستطيل، ولكن الفَجْر المَسْتطير في الأفق». عند مسلم أيضا. وصحّ أيضا على شرطه حديث ابن مسعود بلفظ: «لَا يَمْنَعَنَّ أحَدَكُمْ- أوْ أحَدًا مِنكُم- أذَانُ بلَالٍ مِن سَحُورِهِ، فإنَّه يُؤَذِّنُ - أوْ يُنَادِي بلَيْلٍ- لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، ولِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ...». الحديث. عَلامةِ هذا الفَجرِ الصَّادِقِ فبيّن النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ إلى عَلامةِ هذا الفَجرِ الصَّادِقِ؛ فأمَرَهم أنْ يَأكُلوا ويَشرَبوا «حتَّى يَستَطيرَ هكذا»، أي: حتَّى يَظهَرَ في الأُفُقِ الفَجرُ مُستطِيراً، أي: مُستَعرِضاً. وفي رواية: «ولا هذا البياضُ حتى يَسْتطير» وقد تقدم لفظ رواية الترمذي، وله من حديث طلق بن علي: «كلُوا واشْربُوا ولا يَهيدنكم السّاطع المُصْعد، وكلُوا واشْربُوا حتى يعترضَ لكم الأحمر». وقوله: «ولا يهيدنكم» بكسر الهاء، أي: لا يزعجنّكم فتمتنعوا به عن السّحور، فإنّه الفَجر الكاذب، يقال: هدته أهيده إذا أزْعجته، وأصل الهيد بالكسر الحركة. الفجرُ فَجْران وهذا الحَديثُ: يدلُ على أنَّه كان على عَهدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَذانانِ للفَجرِ: الأوَّلُ يَرفَعُه بِلَالُ بنُ رَباحٍ - رضي الله عنه -، وهذا هو الَّذي قال فيه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَغُرَّنَّكُم مِن سَحُورِكُم أَذانُ بِلَالٍ، ولا بَياضُ الأُفُقِ المُستَطيلُ هكذا»، فهو إرْشادٌ للمُسلِمينَ إلى أنْ يَأكُلوا ويَشْرَبوا إذا سَمِعوا أَذانَ بِلَالٍ؛ لأنَّه كان تَنبيهًا على اقتِرابِ دُخولِ وقتِ الفَجرِ فقطْ، وكان أَذانُ بِلَالٍ في وقتِ استِطالةِ بَياضِ الأُفُقِ في السَّماءِ، وكان لِيَستَيقِظَ النَّائمُ، ويَنتَبِهَ القائِمُ الَّذي يُصلِّي، ثُمَّ يكونُ بعدَه الأذانُ الثَّاني الَّذي يَرْفَعُه ابنُ أُمِّ مَكتُومٍ، وبِسَماعِه يُمسِكُ النَّاسُ عنِ الطَّعامِ والشَّرابِ، ويَبْدأُ الصِّيامُ. ففي الحديث: كان بلال يُؤذن في آخر الليل حتى يَنْتبه القائم، وأنّ الصّبح قريب حتى يقوم مَنْ يُريد التّهجد، ويُوتر مَنْ لم يُوتر، وحتى يوقظ النائم ليستعدّ لصلاة الفجر، ولا بأس أنْ يؤذن الأول قبل الفجر بنصف ساعة أو نحوها، حتى ينتبه الناسُ أنّ الفجر قريب؛ وليستعدّ لصلاة الفجر، ثم الأذان الأخير بعد طلوع الفجر.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم
شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم الشيخ: د. محمد الحمود النجدي – باب: {حَتَّى يَتَب عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - صلى الله عليه وسلم - قَال: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} (البقرة: 187). قَال: فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ الصَّوْمَ، رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الْأَسْوَدَ، وَالْخَيْطَ الْأَبْيَضَ، فَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رِئْيُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ: {مِنْ الْفَجْرِ} فَعَلِمُوا أَنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ: اللَّيْلَ والنَّهَارَ. الحديث رواه مسلم في الصيام (2/766-767) باب: بيان أنّ الدخول في الصّوم يحصل بطُلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر، وبيان صفة الفجر الذي تتعلّق به الأحْكام منَ الدخول في الصَّوم، ودخول وقت صلاة الصُّبح، وغير ذلك، ورواه البخاري في الصوم (1917) باب: قول الله -تعالى- {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ثمّ أتموا الصيام إلى الليل} (البقرة: 187). قوله: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} البقرة: 187». يُبيِّنُ الصَّحابيُّ الجَليلُ سَهْلُ بنُ سَعْدٍ - رضي الله عنه - كيف نزلَتْ بعضُ آياتِ الصِّيامِ، حيثُ نزَلَ أوَّلًا قولُه -تعالى-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} (البقرة: 187)؛ ففَهِم بَعضُ الصَّحابةِ لَفظَ الآيةِ على ظاهِرِه، فكان أحدُهم إذا أراد أنْ يَصومَ، أحضَرَ خَيطينِ: خَيطًا أبيضَ، وآخَرَ أسودَ، وربَطَهما في قَدَمِه، وكان يَأكُلُ ويَشرَبُ حتَّى يَظهَرَ له الفرْقُ بيْن اللَّونينِ، بعْدَ طُلوعِ الصُّبحِ ودُخولِ النَّهارِ، فأنزَل اللهُ بعْدَ ذلك قولَه: {مِنَ الْفَجْرِ} فعَلِم الصَّحابةُ أنَّ المقصودَ بالخَيطِ الأبيضِ والخيطِ الأسودِ، هو بَياضُ النَّهارِ، وسَوادُ اللَّيلِ، وأنَّ دُخولَ الفَجرِ هو الحدُّ الفاصلُ بيْن انتهاءِ اللَّيلِ وبِدايةِ النَّهارِ؛ ليُمسِكَ كلُّ مَن أراد الصِّيامَ عنِ الأكلِ والشُّربِ، مع هذه العلامةِ البارزةِ الواضحةِ.من أدلة نزول القرآن مفرقًا فقوله -تعالى-: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}، بيّنه قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} والعرب تُسمّي ضوء الصُّبح خيطاً، وظلام الليل المُختلط به خيطاً، لأنَّ أولَ ما يبدو مِنَ الفجر المُعترض في الأفق، كالخَيط المَمْدود، وهذا ممّا يدل على أنّ القرآنُ الكريمُ كان يَنزِلُ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُفرَّقًا مُنجَّماً، ولم يَنزِلْ جُملةً واحدةً، وكانت الآياتُ تَنزِلُ يُفسِّرُ بَعضُها بعضًا، وكان الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم يُسارِعُون في تَحقيقِ أوامرِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- المُنزَّلةِ في كَلامِه أوَّلًا بأوَّلٍ، واجْتناب نواهيه فيها.إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وبَيَاضُ النَّهَارِ وقوله: «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رِئْيُهُمَا» أي: منظرهما، ومنه قوله -تعالى-: {أحسنُ أثاثاً ورئياً} (مريم: 74). مسألة (1) يسأل بعضُهم سؤالاً فيقول: في كتاب الله -عزّوجل- جاء بيان أنّ الصّوم يبدأ منْ ظُهور الخيط الأبيض من الأسود، فلماذا نرى الناس الآن يبدؤون الصوم مع أذان الفجر، مع أنّ النص القرآني صريح؟والجواب: نعم الآية واضحة في أنّ الصّوم يبدأ من تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وكلامٌ صحيح، والمراد بالخيط الأبيض هو بياض النهار، وبالخيط الأسود سواد الليل، كما فسّره بذلك مَنْ أنزل عليه القرآن، وهو النّبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الوقت الذي يُؤذّن عليه المؤذّنون، بالتوقيت الذي تضعه إدارات المَساجد، فما عليه الناس اليوم من ترك الأكل والشرب مع أذان الفجر، هو الصّواب الذي يجبُ على كل مسلم أنْ يفعله، ولصُعوبة تمييز الخَيط الأبيض منَ الخيط الأسْود اليوم، بظلّ كثرة المنازل، وتطاول البنيان في المُدن، وكثرة الأضْواء المانعة مِنَ الرُّؤية. مسألة (2) والجواب: ما روي عن بعض السلف مِنْ أنّهم أباحوا الأكل حتى طلوع الشمس، فهو وإنْ كان مَروياً عن حذيفة - رضي الله عنه - وغيره، إلا أنّهم مَحْجُوجون بالنُّصوص الدالة على وجوب الإمساك من طلوع الفجر، فهو اجتهادٌ أخطؤوا فيه -رضي الله عنهم-، قال الحافظ ابن القيم -رحمه الله- في حاشيته على (سُنن أبي داود): «وقد اختلفَ في هذه المسألة: فروى إسحاق بن راهويه عن وكيع أنه سمع الأعمش يقول: لولا الشُّهرة لصليت الغداة، ثمّ تسحّرت؟ ثمّ ذكر إسحاق عن أبي بكر الصديق وعلي وحذيفة نحو هذا، ثمّ قال: وهؤلاء لمْ يروا فرقاً بينَ الأكل، وبين الصّلاة المكتوبة. هذا آخر كلام إسحاق. وقد حكي ذلك عن ابن مسعود أيضاً. وذهبَ الجمهور إلى امتناع السُّحور بطُلوع الفجر، وهو قول الأئمة الأربعة، وعامة فقهاء الأمَصار، وروي معناه عن عمر وابن عباس، واحتج الجمهور بقوله -تعالى-: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كلُوا واشْربوا حتى يُؤذّن ابن أم مكتوم». وبقوله: «الفَجْرُ فَجْران: فأمّا الأوّل، فإنّه لا يُحرّم الطّعام، ولا يُحلّ الصّلاة، وأمّا الثاني: فإنَّه يُحرّم الطَّعام، ويُحلّ الصّلاة». رواه البيهقي في سننه. انْتهى. وفي المُجموع للنووي ذكر الخِلاف في ذلك، وفصّل أدلّة الجُمهور بأوْسع من هذا، وهذا ما عليه عملُ المُسْلمين قاطبة؛ من الإمساك عن المفطرات بأذانِ الفَجر الثاني. باب: إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا قوله: «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُؤَذِّنَانِ: بِلَالٌ وابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى» فيه أنّ مِن هَدْيِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يكون للفجْرِ أذانينِ؛ الأوَّلُ: أذانٌ باللَّيلِ قبْلَ دُخولِ الوقتِ بمُدَّةٍ لِيَستيقظَ النائمُ، ويَنتبِهَ القائمُ لصلاة الليل، ويَتسحَّرَ مَن أراد الصِّيامَ. والأذان الثاني: هو عندَ دُخولِ وَقتِ الفجْرِ، وهو الذي يُمسِكُ الناسُ فيه عن الطَّعامِ والشَّرابِ، ويَبدَأُ به الصَّومُ. وفي هذا الحَديثِ بَيانُ ذلك، حيثُ يُبيِّنُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ بِلالًا يُؤذِّنُ في آخِرِ اللَّيلِ قبْلَ طُلوعِ الفَجْرِ، وعليه فلا تَنقطِعوا عن طَعامِكم وشَرابِكم، ولا تَبدؤوا صِيامَكم حتَّى يُؤذِّنَ ابنُ أمِّ مَكْتُومٍ، واسْمُه عَبدُ اللهِ، وقيل: عمْرُو بنُ زائدةَ؛ لأنَّه هو الذي يُؤذِّنُ بعْدَ طُلوعِ الفَجْرِ، وكان ابنُ أمِّ مَكْتُومٍ رجُلًا أعْمَى لا يُؤذِّنُ بصَلاةِ الصُّبحِ حتَّى يَتحقَّقَ طُلوعَ الفَجرِ، ويُناديَ عليه النَّاسُ، ويُخبِروه بأنْ دخَلْتَ في الصَّباحِ، أو طلَعَ الصَّباحُ، فيَعلَمُ ابنُ أمِّ مَكتومٍ بذلك دُخولَ وَقتِ الفجْرِ بيَقينٍ، فيُؤذِّنُ. قوله: «ولَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا، ويَرْقَى هَذَا» قال العلماء: معناه أنّ بلالاً كان يؤذن قبل الفجر، ويتربّص بعد أذانه للدعاء ونحوه، ثم يرقب الفجر، فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم، فيتأهّب ابنُ أمّ مكتوم للطّهارة وغيرها، ثمّ يرقى ويَشرع في الأذان مع أول طُلوع الفجر. من فوائد الحديث - وفيه: مَشروعيَّةُ اتِّخاذِ مُؤذِّنيْنِ لمَسجدٍ واحدٍ. - وفيه: مَشروعيَّةُ كَونِ المُؤذِّنَ أعْمى، إذا كان عنده مَنْ يُنبهه لدخول وقت الصلاة، مِنْ شخصٍ أو ساعة ونحوها. - وفيه: جواز ذِكرُ الإنْسانِ بما فيه مِن العاهاتِ للتعريف به؛ ليُستدَلَّ بذلك على ما يُحتاجُ إليه منه، إذا كان مَشهوراً بها، ولم يُذكَرْ على سَبيلِ الذَّمِّ أو التَّنقُّصِ له. - وفيه: مَشروعيَّةُ أنْ يُنسَبَ الرَّجلُ إلى أُمِّه إذا كان مَعروفًا بذلك، مِثل ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وغيره.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم
شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم الشيخ: د. محمد الحمود النجدي – باب: صَومُ مَنْ أد عَنْ عَائِشَةَ وأُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنهما- زَوْجَيْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُما قَالَتَا: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيُصْبِحُ جُنُباً، مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ، فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ يَصُومُ؛ وعَنْها -رضي الله عنها-: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَفْتِيهِ، وهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ، وأَنَا جُنُبٌ أَفَأَصُومُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ، وأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ»، فَقَال: لَسْتَ مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَقَال: «وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي». الحديثان رواهما مسلم في الصيام (2/780-781) باب: صحّة صوم مَنْ طلع عليه الفجرُ وهو جُنُب. أمّا الحديثُ الأول: قولهما: «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيُصْبِحُ جُنُباً» وفي رواية له: «كان رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُدْركه الفَجْر» يعني وقت الفجر، فيلزمه الصّوم وهو جُنُب، لا أنّها تُدركه الصلاة فيتأخر عنها، وفي رواية له عن أم سلمة: كان رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصْبح جُنُباً من جماعٍ لا مِن حُلُم، ثمّ لا يُفْطر ولا يَقْضي.قولهما: «وهو جُنبٌ من أهله» تُفسّره الروايات الأخرى، ومنْها: «يُصبح جُنُباً منْ جِماعٍ لا مِنْ حُلُم»، فإنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمْ يكنْ يَحتلم؛ لأنّ الاحْتلام منَ الشّيطان، والشّيطان لا سُلطان له عليه، وهذا مِنْ خصائصه الشريفة، ولا يعني ذلك أنّ الذي يُدْركه الفَجر مِن احْتلام أنّه لا يجوز له الصّيام، فليس الحُكم خاصّاً بمن أصابته الجَنَابة مِنْ أهله، وإنّما أنّ ذلك كان باختياره، فغيره الذي لا يقع باختياره كالمحتلم أولى بأنْ يُعْذر، فمَن أدْركه الفجر وهو جُنُب فإنّه يَصُوم ولا يُفطر يومه ذلك، ولا يجبُ عليه قضاء.قولهما: «ثمّ يَغتسلُ ويَصُوم» الحديث الثاني وهذا كما سبق بَيانٌ لمَشروعيَّةِ صِيامِ الجُنبِ قبْلَ الاغتسالِ؛ وذلك أنَّ حُدوثَ الجَنابةِ قبْلَ الفجرِ؛ لا تَمنَعُ مِن عقْدِ نِيَّةِ الصِّيامِ ولا تَقطَعُه. فَقالَ الرَّجلُ: «لَسْتَ مِثلَنا يا رَسُولَ اللهِ؛ قَدْ غَفرَ اللهُ لَكَ ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَما تَأخَّرَ»، أي: إنَّ هذا مِن خَصائصِكَ، ولَيس عليك حرَجٌ فيما تَفعَلُ. وفي رِوايةِ أبي داودَ: «فَغَضِبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -» وإنَّما غَضِبَ - صلى الله عليه وسلم - لاعتقادِ الرَّجلِ الخُصوصيَّةَ بلا عِلمٍ، مع كونِه أخبَرَه بفِعلِه - صلى الله عليه وسلم - جَوابًا لسُؤالِه. وَاللهِ، إِنِّي لَأرجو أنْ أَكونَ أَخشاكُم لِلهِ ومثله حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَرَهُمْ، أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا». رواه البخاري في كتاب الإيمان حديث رقم (20): باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنا أعلَمُكم بالله» وأنّ المعرفة فعل القلب. كان - صلى الله عليه وسلم - يأمُر أصْحابه بما يُطيقون عِلمُ النبي عِلمُ يقين - أحدهما: زيادة معرفته بتفاصيل أسْمائه وصفاته وأفعاله، وأحكامه، وعظمته وكبريائه، وما يستحقّه من الجَلال والإكْرام والإعظام. - والثاني: أنّ عِلْمه بالله مستندٌ إلى عينِ اليقين، فإنّه رآه إمّا بعين بصَره، أو بعين بَصِيرته، كما قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما: رآه بفؤاده مَرتين. وعلمهم به مستندٌ إلى علم يقين، وبين المرتبتين تباين، ولهذا سأل إبراهيم -عليه السلام- ربه أن يُرقّيه منْ مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين، بالنسبة إلى رؤية إحْياء الموتى. قال: فلما زادت معرفة الرسول بربّه، زادت خشيته له وتقواه، فإنّ العلم التام يستلزم الخشية كما قال -تعالى-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر: 28). فمن كان بالله وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه أعلم كان له أخشى وأتقى، إنّما تنقص الخشية والتقوى بحسب نقص المعرفة بالله. وقد خرج البخاري في آخر «صحيحه» عن مسروق قال: قالت عائشة: صنع النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا ترخّصَ فيه، وتنزّه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله، ثمّ قال: «ما بالُ أقوام يتنزّهون عن الشَّيء أصْنَعه؟! فوالله إني لأعْلَمُهم بالله، وأشَدّهم خَشية». ما يؤخذ من الحديثين - وفيهما: أنّ الأحْكام الشّرعيّة الأصلُ فيها أنّها ليستْ خاصّة بالنّبي صلى الله عليه وسلم بل هي للأمّة عامة - وفيهما: تيسير الإسْلام على العباد فيما يسّر الله فيه عليهم، لا في ترك الطّاعات.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم
شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم الشيخ: د. محمد الحمود النجدي – باب: في الصّائِمين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَسِيَ وهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وسَقَاهُ». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/809) باب: أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، ورواه البخاري في الصوم (1933) باب: الصّائم إذا أكلَ أو شرب ناسياً. قوله: «َمَنْ نَسِيَ وهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ: يُبيَّن النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ مَن أكَل أو شَرِب ناسياً وهو صائمٌ، فإنَّه يَبْقَى على صِيامِه، وصومه صحيح ولا يُفطِرُ، ولا إثْم عليه؛ إذْ لا قصدَ له في ذلك ولا إرادة، بل هو رزقٌ ساقه الله إليه؛ ولهذا أضاف إطْعامه وسقيه إلى الله -تعالى-، وما يكون مُضافاً إلى الله -تعالى- لا يؤاخذ عليه العبد؛ لأنّه إنّما يُنهى عن فعل ما يجوز له، والأفعال التي ليست اختيارية لا تدخل تحت التكليف، ولا فَرْق بين الأكل والشّرب القليل والكثير، لعموم الحديث، وخَصَّ الأكلَ والشُّربَ مِنْ بينِ المُفَطِّراتِ؛ لغَلَبَتِهما، ونُدرةِ غيرِهما، كالجِماعِ. قولِه: «فإنَّما أَطْعَمه اللهُ وسَقاه» بيَّن أنَّه لا يَلزَمُه القَضاءُ، فنَسَبَ الفِعلَ للهِ -تعالى- لا للنَّاسِي؛ للإشعارِ بأنَّ الفِعلَ الصَّادرَ منه مَسلوبُ الإضافةِ إليه، فلوْ كان أفْطَرَ متعمّداً؛ لأُضِيفَ الحُكمُ إليه، وهذا لُطفٌ مِن اللهِ -تعالى- بعِبادِه، ورَحمةٌ بهم. بخِلافِ المتعَمِّدِ؛ فإنَّه يقضي اليوم. وليس عليه قضاء؛ لأنّه أُمر بالإتمام، وسمى الذي يُتَمَ صوماً، فدل على أنه صائم حقيقة.لا قضاء على من أكل أو شرب ناسيًا قاعدة عظيمة عامة وكذلك مَنْ اغْتسلَ أو تمضمض أو استنشق، فدخل الماء إلى حَلقه بلا قصد، لم يَفْسُد صومه، وكذا لو طار إلى حَلْقه ذُبابٌ أو غبار من طريق أو دقيق أو نحو ذلك، أو وصل الدّواء مِنْ أنفه إلى حَلقه بغير اختيار لمْ يَفسد صومه؛ لأنّه لا قصد له ولا إرادة، فهو كالناسي في تَرْك العَمْد وسَلب الاختيار. وهذا ما بوّب به البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: «باب الصّائم إذا أكل أو شرب ناسياً»، ثم قال: وقال عطاء: إنْ اسْتَنْثر فدخل الماء في حَلْقه لا بأس إن لم يملك، وقال الحسن: إنْ دخل حلقَه الذّباب فلا شَيء عليه، وقال الحسن ومجاهد: إنْ جامعَ ناسياً فلا شَيء عليه. مَسألةٌ مُهمّة - والجواب: أنّ مَنْ رأى صائماً يأكلُ أو يشرب في نهار رمضان ناسياً، وجب عليه إعْلامه وتذكيره؛ لأنّ هذا مِنْ باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والأكلُ والشُّرب في نهار رمضان منكر، والناسي معذور، فوجب إعلامه في الحال. باب: في الصَّائم يُدْعَى لطعَامٍ فليَقُل: إنِّي صَائمٌ قوله: «إِذا دُعِيَ أَحدُكم إلى طَعامٍ» المرادُ به مُطلَقُ الطَّعامِ، سواءٌ كان وَليمةً أو غيْرَها، «وهوَ صائمٌ» نفْلًا أو قَضاءً أو نَذراً، فأرشَدَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّائمَ إلى أنْ يُوضِّحَ حالَه: «فَلْيَقُلْ: إنِّي صائمٌ» اعتِذاراَ منه للدَّاعي، وإعلاماً بحالِه أنَّه صائمٌ، لا يَستطيعَ الأَكلَ مِن طَعامِه. أي: لْيُعلِمْ أَخاه المُسلمَ الدَّاعيَ أنَّ امتناعَه ما كانَ إلَّا لأَجلِ صَومِه، لا لأنَّه تَحرَّجَ مِن أنْ يَأكُلَ طَعامَه، وكانَ مِن عادةِ العربِ أنَّهم إذا أَضْمَروا لأَحدٍ شَرّاً، لم يَأكُلوا مِن طَعامِه. وجاءَ أيضاً: عَن أَبي هُريرةَ - رضي الله عنه - قال: قالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا دُعِيَ أَحدُكم فَلْيُجِبْ، فإنْ كانَ صائمًا فلْيُصلِّ -أي فلْيَدْعُ-، وإنْ كانَ مُفطِرًا فلْيَطْعَمْ». رواه مُسلمٍ، وفي رواية عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «فإنْ كان مُفطراً فليَطعم، وإنْ كان صَائما فليَدْعُ». رواه أبوداود. مَنْ كان صائماً ودعاه أحدٌ إلى طعام ومن أهل العلم مَنْ فرَّق بين الفَرْض والنفل في مَسْألة الحُضور، فإنْ كان صومه فرضاً فليس عليه أنْ يحضر؛ لأنّ الداعي سيعذره، وإنْ كان نفلا فيُنظر إنْ كان الداعي ممّن له حقٌّ عليه لقرابة أو صداقة، ويخشى إنْ اعتذر أنْ يكون في قلبه شيء، فالأفضل أنْ يَحْضر ولا يعتذر. فوائد الحديث 2- وفيه: دلالةٌ على عَدَمِ تكليفِ النَّاسي. 3- وفيه: التَّيسيرُ في هذه الشّريعة، ورفْعُ المشقَّةِ والحرَجِ عن العِبادِ. 4- قال العلماء: لا يُفطِر الصّائم بشيء مِنَ المُفْطرات؛ إلا إذا توافرت ثلاثة شروط : الشرط الأول: أنْ يكونَ عالماً، فإنْ كان جاهلًا لمْ يُفطر؛ لقوله: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب: 5). الشرط الثاني: أنْ يكون ذَاكراً، فإنْ كان ناسياً، فصيامه صحيح، ولا قضاء عليه. الشرط الثالث: أنْ يكون مُختاراً لا مُكرَهاً، بأنْ يتناول المُفطِّر باختياره. فوائد الحديث 2- وفيه أنّه يُكره للمُتنفّل إفْساد نيّته، وفطر يومه لغير عُذر، ولو كان الفِطر مُباحاً له ابتداء، لم يُرشده إلى العُذر بصُومه. 3- وذَهَب بعض أهل العلم إلى أنه إن سمح له ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور، وإنْ لمْ يَسْمح وطالبه بالحضور لزمه الحُضور، ولا يلزمه الأكل. 4- ومَنْ حَضر وهو صَائم، ولمْ يفطر، فليدعُ لصاحب الطعام بخير. 5- كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَريصاً عَلى حُسنِ العِشرةِ بيْنَ المُسلمينَ، وعَلى التَّأليفِ بيْن قُلوبِهم وإِدامةِ المَودَّةِ بيْنَهم؛ ولذلكَ جَعَلَ إجابةَ الدَّعوةِ حقًّا للمُسلمِ عَلى أَخيهِ المُسلمِ؛ حتَّى يَتواصَلَ المُسلمونَ ويَجتمِعوا ويتفرقوا.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |