تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 47 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4952 - عددالزوار : 2055707 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4527 - عددالزوار : 1323511 )           »          احمى أسرتك وميزانيتك.. دليلك الشامل لشراء أفضل اللحوم الطازجة والمجمدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          4 خطوات تقلل من شيب الشعر وتجعله صحيا وحيويا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          4 وصفات سموزي مناسبة للرجيم.. نكهات لذيذة لحر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          طريقة عمل الفراخ في المقلاة الهوائية بطعم حكاية.. السر في العسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح الأندر أرم.. تقشير آمن وترطيب للبشرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          4 أفكار مختلفة لتصميمات مطبخ عصري.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          خلصي بيتك من السموم في 5 خطوات.. أهمها تغيير أدوات الطهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          7 خضراوات تحتوي على فيتامين سي أكثر من البرتقال.. هتنور وشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #461  
قديم 27-02-2023, 11:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الصَّافَّاتِ
الحلقة (461)
صــ 61 إلى صــ 70





أحدها: أنه إذا ذبح الموت، قال أهل الجنة: "أفما نحن بميتين، [ ص: 61 ] إلا موتتنا الأولى" التي كانت في الدنيا وما نحن بمعذبين ؟ فيقال لهم: لا; فعند ذلك قالوا: إن هذا لهو الفوز العظيم ، فيقول الله تعالى: لمثل هذا فليعمل العاملون ، قاله ابن السائب . وقيل: يقول ذلك للملائكة .

والثاني: أنه قوله المؤمن لأصحابه، فقالوا له: إنك لا تموت، فقال: "إن هذا لهو الفوز العظيم" قاله مقاتل . وقال أبو سفيان الدمشقي: إنما خاطب المؤمن أهل الجنة بهذا على طريق الفرح بدوام النعيم، لا على طريق الاستفهام، لأنه قد علم أنهم ليسوا بميتين، ولكن أعاد الكلام ليزداد بتكراره على سمعه سرورا .

والثالث: أنه قول المؤمن لقرينه الكافر على جهة التوبيخ بما كان ينكره، ذكره الثعلبي .

قوله تعالى: لمثل هذا يعني النعيم الذي ذكره في قوله: "أولئك لهم رزق معلوم" [الصافات: 41] فليعمل العاملون ، وهذا ترغيب في طلب ثواب الله عز وجل بطاعته .
أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم . إنا جعلناها فتنة للظالمين . إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم . طلعها كأنه [ ص: 62 ] رءوس الشياطين . فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون . ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم . ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم . إنهم ألفوا آباءهم ضالين . فهم على آثارهم يهرعون . ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين . ولقد أرسلنا فيهم منذرين . فانظر كيف كان عاقبة المنذرين . إلا عباد الله المخلصين .

أذلك خير يشير إلى ما وصف لأهل الجنة نزلا قال ابن قتيبة : أي: رزقا، ومنه: إقامة الإنزال، وإنزال الجنود: أرزاقها . وقال الزجاج : النزل هاهنا: الريع والفضل، يقال: هذا طعام له نزل ونزل، بتسكين الزاي وضمها; والمعنى: أذلك خير في باب الأنزال التي تتقوت ويمكن معها الإقامة، أم نزل أهل النار؟! وهو قوله: أم شجرة الزقوم ؟ .

واختلف العلماء هل هذه الشجرة في الدنيا، أم لا؟

فقال قطرب: هي شجرة مرة تكون بأرض تهامة من أخبث الشجر . وقال غيره: الزقوم: ثمرة شجرة كريهة الطعم . وقيل: إنها لا تعرف في شجر الدنيا، وإنما هي في النار، يكره أهل النار على تناولها .

قوله تعالى: إنا جعلناها فتنة للظالمين يعني للكافرين . وفي المراد بالفتنة ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه لما ذكر أنها في النار، افتتنوا وكذبوا، فقالوا: كيف يكون [ ص: 63 ] في النار شجرة، والنار تأكل الشجر؟! فنزلت هذه الآية، قاله قتادة . وقال السدي: فتنة لأبي جهل وأصحابه .

والثاني: أن الفتنة بمعنى العذاب، قاله ابن قتيبة .

والثالث: أن الفتنة بمعنى الاختبار، اختبروا بها فكذبوا، قاله الزجاج .

قوله تعالى: تخرج في أصل الجحيم أي: في قعر النار . قال الحسن: أصلها في قعر النار، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها . طلعها أي: ثمرها، وسمي طلعا، لطلوعة كأنه رءوس الشياطين .

فإن قيل: كيف شبهها بشيء لم يشاهد؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

أحدها: أنه قد استقر في النفوس قبح الشياطين -وإن لم تشاهد- فجاز تشبيهها بما قد علم قبحه، قال امرؤ القيس:


أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال


قال الزجاج : هو لم ير الغول ولا أنيابها، ولكن التمثيل بما يستقبح أبلغ في باب المذكر أن يمثل بالشياطين، وفي باب المؤنث أن يشبه بالغول .

والثاني: أن بين مكة واليمن شجر يسمى: رؤوس الشياطين، فشبهها بها، قاله ابن السائب .

[ ص: 64 ] والثالث: أنه أراد بالشياطين: حيات لها رؤوس ولها أعراف، شبه طلعها برؤوس الحيات، ذكره الزجاج . قال الفراء: والعرب تسمي بعض الحيات شيطانا، وهو حية ذو عرف قبيح الوجه .

قوله تعالى: فإنهم لآكلون منها أي: من ثمرها فمالئون منها البطون وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم .

ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم قال ابن قتيبة : أي: خلطا من الماء الحار يشربونه عليها . قال أبو عبيدة: تقول العرب: كل شيء خلطته بغيره فهو مشوب . قال المفسرون: إذا أكلوا الزقوم ثم شربوا عليه الحميم، شاب الحميم الزقوم في بطونهم فصار شوبا له .

ثم إن مرجعهم أي: بعد أكل الزقوم وشرب الحميم لإلى الجحيم وذلك أن الحميم خارج الجحيم، فهم يوردونه كما تورد الإبل الماء، ثم يردون إلى الجحيم; ويدل على هذا قوله: يطوفون بينها وبين حميم آن [الرحمن: 44] . و ألفوا بمعنى وجدوا . و يهرعون مشروح في [هود: 78]، والمعنى أنهم يتبعون آباءهم في سرعة . ولقد ضل قبلهم أي: قبل هؤلاء المشركين أكثر الأولين من الأمم الخالية .

[ ص: 65 ] قوله تعالى: إلا عباد الله المخلصين يعنى الموحدين، فإنهم نجوا من العذاب . قال ابن جرير: وإنما حسن الاستثناء، لأن المعنى: فانظر كيف أهلكنا المنذرين إلا عباد الله .
ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون . ونجيناه وأهله من الكرب العظيم . وجعلنا ذريته هم الباقين . وتركنا عليه في الآخرين . سلام على نوح في العالمين . إنا كذلك نجزي المحسنين . إنه من عبادنا المؤمنين . ثم أغرقنا الآخرين .

ولقد نادانا نوح أي دعانا . وفي دعائه قولان . أحدهما: أنه دعا مستنصرا على قومه . والثاني: أن ينجيه من الغرق فلنعم المجيبون نحن; والمعنى: إنا أنجيناه وأهلكنا قومه .

وفي الكرب العظيم قولان: أحدهما: [أنه] الغرق . والثاني: أذى قومه .

وجعلنا ذريته هم الباقين [وذلك] أن نسل [أهل] السفينة انقرضوا غير نسل ولده، فالناس كلهم من ولد نوح، وتركنا عليه أي: تركنا عليه ذكرا جميلا في الآخرين وهم الذين جاؤوا بعده إلى يوم القيامة . قال الزجاج : وذلك الذكر الجميل قوله: سلام على نوح في العالمين وهم الذين جاؤوا [ ص: 66 ] من بعده; والمعنى: تركنا عليه أن يصلى عليه في الآخرين إلى يوم القيامة . إنا كذلك نجزي المحسنين قال مقاتل: جزاه الله بإحسانه الثناء الحسن في العالمين .
وإن من شيعته لإبراهيم . إذ جاء ربه بقلب سليم . إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون . أإفكا آلهة دون الله تريدون . فما ظنكم برب العالمين . فنظر نظرة في النجوم . فقال إني سقيم . فتولوا عنه مدبرين . فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون . ما لكم لا تنطقون . فراغ عليهم ضربا باليمين . فأقبلوا إليه يزفون . قال أتعبدون ما تنحتون . والله خلقكم وما تعملون . قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم . فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين . وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين . رب هب لي من الصالحين . فبشرناه بغلام حليم .

قوله تعالى: وإن من شيعته لإبراهيم أي: من أهل دينه وملته . والهاء في "شيعته" عائدة على نوح في قول الأكثرين; وقال ابن السائب: تعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم، واختاره الفراء .

[ ص: 67 ] فإن قيل: كيف يكون من شيعته، وهو قبله؟

فالجواب: أنه مثل قوله: حملنا ذريتهم [يس: 41]، فجعلها ذريتهم وقد سبقتهم، وقد شرحنا هذا فيما مضى [يس: 41] .

قوله تعالى: إذ جاء ربه أي: صدق الله وآمن به بقلب سليم من الشرك وكل دنس، وفيه أقوال ذكرناها في [الشعراء: 89] .

قوله تعالى: ماذا تعبدون؟ هذا استفهام توبيخ، كأنه وبخهم على عبادة غير الله . أإفكا أي: أتأفكون إفكا وتعبدون آلهة سوى الله؟! فما ظنكم برب العالمين إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره؟! كأنه قال: فما ظنكم أن يصنع بكم؟

فنظر نظرة في النجوم فيه قولان .

أحدهما: [أنه] نظر في علم النجوم، وكان القوم يتعاطون علم النجوم، فعاملهم من حيث هم، وأراهم أني أعلم من ذلك ما تعلمون، لئلا ينكروا عليه ذلك . قال ابن المسيب: رأى نجما طالعا، فقال: إني مريض غدا .

والثاني: أنه نظر إلى النجوم، لا في علمها .

فإن قيل: فما كان مقصوده؟

فالجواب: أنه كان لهم عيد ، فأراد التخلف عنهم ليكيد أصناهم، فاعتل بهذا القول .

قوله تعالى: إني سقيم من معاريض الكلام . ثم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أن معناه: سأسقم، قاله الضحاك . قال ابن الأنباري: أعلمه الله عز وجل أنه يمتحنه بالسقم إذا طلع نجم يعرفه، فلما رأى النجم، علم أنه سيسقم .

[ ص: 68 ] والثاني: أني سقيم القلب عليكم إذ تكهنتم بنجوم لا تضر ولا تنفع، ذكره ابن الأنباري .

والثالث: أنه سقم لعلة عرضت له، حكاه الماوردي . وذكر السدي أنه خرج معهم إلى يوم عيدهم، فلما كان ببعض الطريق، ألقى نفسه وقال: إني سقيم أشتكي رجلي، فتولوا عنه مدبرين فراغ إلى آلهتهم أي: مال إليها -وكانوا قد جعلوا بين يديها طعاما لتبارك فيه على زعمهم- فقال إبراهيم استهزاء بها ألا تأكلون؟ .

وقوله: ضربا باليمين في اليمين ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها اليد اليمنى، قاله الضحاك .

[ ص: 69 ] والثاني: بالقوة والقدرة، قاله السدي، والفراء .

والثالث: باليمين التي سبقت منه، وهي قوله: "وتالله لأكيدن أصنامكم " [الأنبياء: 57]، حكاه الماوردي .

قال الزجاج : "ضربا" مصدر; والمعنى: فمال على الأصنام يضربها ضربا باليمين; وإنما قال: "عليهم"، وهي أصنام، لأنهم جعلوها بمنزلة ما يميز .

فأقبلوا إليه يزفون قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو ، وابن عامر، والكسائي: "يزفون" بفتح الياء وكسر الزاي وتشديد الفاء . وقرأ حمزة، والمفضل عن عاصم: "يزفون" برفع الياء وكسر الزاي وتشديد الفاء . وقرأ ابن السميفع، وأبو المتوكل، والضحاك : "يزفون" بفتح الياء وكسر الزاي وتخفيف الفاء . وقرأ ابن أبي عبلة، وأبو نهيك: "يزفون" بفتح الياء وسكون الزاي وتخفيف الفاء . قال الزجاج : أعرب القراءات فتح الياء وتشديد الفاء، وأصله من زفيف النعام، وهو ابتداء عدو النعام، يقال: زف النعام يزف; وأما ضم الياء، فمعناه: يصيرون إلى الزفيف، وأنشدوا:


[تمنى حصين أن يسود جذاعه] فأضحى حصين قد أذل وأقهرا


أي: صار إلى القهر . وأما كسر الزاي مع تخفيف الفاء، فهو من: وزف يزف، بمعنى أسرع يسرع، ولم يعرفه الكسائي ولا الفراء، وعرفه غيرهما .

[ ص: 70 ] قال المفسرون: بلغهم ما صنع إبراهيم، فأسرعوا، فلما انتهوا إليه، قال لهم محتجا عليهم: أتعبدون ما تنحتون بأيديكم والله خلقكم وما تعملون؟! ، قال ابن جرير: في "ما" وجهان .

أحدهما: أن تكون بمعنى المصدر، فيكون المعنى: والله خلقكم و[عملكم .

والثاني: أن تكون بمعنى "الذي"، فيكون المعنى: والله خلقكم] وخلق الذي تعملونه بأيديكم من الأصنام; وفي هذه الآية دليل على أن أفعال العباد مخلوقة [لله] .

فلما لزمتهم الحجة قالوا ابنوا له بنيانا وقد شرحنا قصته في سورة [الأنبياء: 52 -74]، وبينا معنى الجحيم في [البقرة: 119]، والكيد الذي أرادوا به: إحراقه .

ومعنى قوله: فجعلناهم الأسفلين أن إبراهيم علاهم بالحجة حيث سلمه الله من كيدهم وحل الهلاك بهم .

وقال يعني إبراهيم إني ذاهب إلى ربي في هذا الذهاب قولان .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #462  
قديم 27-02-2023, 11:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الصَّافَّاتِ
الحلقة (462)
صــ 71 إلى صــ 80





أحدهما: أنه ذاهب حقيقة، وفي وقت قوله هذا قولان . أحدهما: أنه حين أراد هجرة قومه; فالمعنى: إني ذاهب إلى حيث أمرني ربي عز وجل سيهدين إلى حيث أمرني، وهو الشام، قاله الأكثرون . والثاني: حين ألقي في النار، قاله سليمان بن صرد; فعلى هذا، في المعنى قولان . أحدهما: ذاهب إلى الله بالموت، [ ص: 71 ] سيهدين إلى الجنة . والثاني: [ذاهب] إلى ما قضى [به] ربي، سيهدين إلى الخلاص من النار .

والقول الثاني: إني ذاهب إلى ربي بقلبي وعملي ونيتي، قاله قتادة .

فلما قدم الأرض المقدسة، سأل ربه الولد فقال: رب هب لي من الصالحين أي: ولدا صالحا من الصالحين، فاجتزأ بما ذكر عما ترك، ومثله: وكانوا فيه من الزاهدين [يوسف: 20]، فاستجاب له، وهو قوله: فبشرناه بغلام حليم وفيه قولان . أحدهما: أنه إسحاق . والثاني: أنه إسماعيل . قال الزجاج . هذه البشارة تدل على أنه مبشر بابن ذكر، وأنه يبقى حتى ينتهي في السن ويوصف بالحلم .
فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين . فلما أسلما وتله للجبين . وناديناه أن يا إبراهيم . قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين . إن هذا لهو البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم . وتركنا عليه في الآخرين . سلام على إبراهيم . كذلك نجزي المحسنين . إنه من عبادنا المؤمنين . وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين . وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين .

[ ص: 72 ] قوله تعالى: فلما بلغ معه السعي فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أن المراد بالسعي هاهنا: العمل، قاله ابن عباس .

والثاني: أنه المشي، والمعنى: مشى مع أبيه، قاله قتادة . قال ابن قتيبة : بلغ أن ينصرف معه ويعينه . قال ابن السائب: كان ابن ثلاث عشرة سنة .

والثالث: أن المراد بالسعي: العبادة، قاله ابن زيد; فعلى هذا، يكون قد بلغ .

قوله تعالى: إني أرى في المنام أني أذبحك أكثر العلماء على أنه لم ير أنه ذبحه في المنام، وإنما المعنى أنه أمر في المنام بذبحه، ويدل عليه قوله: افعل ما تؤمر . وذهب بعضهم إلى أنه رأى أنه يعالج ذبحه، ولم ير إراقة الدم قال قتادة: ورؤيا الأنبياء حق، إذا رأوا شيئا، فعلوه . وذكر السدي عن أشياخه أنه لما بشر جبريل سارة بالولد، قال إبراهيم: هو إذا لله ذبيح، فلما فرغ من بنيان البيت، أتي في المنام، فقيل له: أوف بنذرك . واختلفوا في الذبيح على قولين .

أحدهما: [أنه] إسحاق، قاله عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، والعباس ابن عبد المطلب، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وأبو هريرة، وأنس، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، [ومسروق]، وعبيد بن عمير، والقاسم ابن أبي بزة، ومقاتل بن سليمان، واختاره ابن جرير . وهؤلاء يقولون: كانت هذه القصة بالشام . وقيل: طويت له الأرض حتى حمله إلى المنحر بمنى في ساعة .

والثاني: أنه إسماعيل، قاله ابن عمر، وعبد الله بن سلام، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، والشعبي، ومجاهد، ويوسف بن مهران، وأبو صالح، [ ص: 73 ] ومحمد بن كعب القرظي، والربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن سابط . واختلفت الرواية عن ابن عباس، فروى عنه عكرمة أنه إسحاق، وروى عنه عطاء، ومجاهد، والشعبي، وأبو الجوزاء، ويوسف بن مهران أنه إسماعيل، وروى عنه سعيد بن جبير كالقولين . وعن سعيد بن جبير، وعكرمة، والزهري، وقتادة، والسدي روايتان . وكذلك عن أحمد رضي الله عنه روايتان . ولكل قوم حجة ليس هذا موضعها، وأصحابنا ينصرون القول الأول .

الإشارة إلى قصة الذبح

ذكر أهل العلم بالسير والتفسير أن إبراهيم لما أراد ذبح ولده، قال له: انطلق فنقرب قربانا إلى الله عز وجل، فأخذ سكينا وحبلا، ثم انطلق، حتى إذا ذهبا بين الجبال، قال له الغلام: يا أبت أين قربانك؟ قال: يا بني إني رأيت في المنام أني أذبحك، فقال له: اشدد رباطي حتى لا أضطرب، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليك من دمي فتراه أمي فتحزن، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون للموت علي، فإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني; فأقبل عليه إبراهيم يقبله ويبكي ويقول: نعم العون أنت يا بني [ ص: 74 ] [ ص: 75 ] على أمر الله عز وجل، ثم إنه أمر السكين على حلقه فلم يحك شيئا . وقال مجاهد: لما أمرها على حلقه انقلبت، فقال: مالك؟ انقلبت، قال: اطعن بها طعنا . وقال السدي: ضرب الله على حلقه صفيحة من نحاس; وهذا لا يحتاج إليه، بل منعها بالقدرة أبلغ . قالوا: فلما طعن بها، نبت، وعلم الله منهما الصدق في التسليم، فنودي: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، هذا فداء ابنك; فنظر إبراهيم، فإذا جبريل معه كبش أملح .

قوله تعالى: فانظر ماذا ترى لم يقل له ذلك على وجه المؤامرة في أمر الله عز وجل، ولكن أراد أن ينظر ما عنده من الرأي . وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: "ماذا تري" بضم التاء وكسر الراء; وفيها قولان . أحدهما: ماذا تريني من صبرك أو جزعك، قاله الفراء . والثاني: ماذا تبين، قاله الزجاج . وقال غيره: ماذا تشير .

قوله تعالى: افعل ما تؤمر قال ابن عباس: افعل ما أوحي إليك من ذبحي ستجدني إن شاء الله من الصابرين على البلاء .

قوله تعالى: فلما أسلما أي: استسلما لأمر الله عز وجل فأطاعا ورضيا . وقرأ علي، وابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، والأعمش، وابن أبي عبلة: "فلما سلما" بتشديد اللام من غير همز قبل السين; والمعنى: سلما لأمر الله عز وجل .

وفي جواب قوله: "فلما أسلما" قولان .

أحدهما: أن جوابه: "وناديناه"، والواو زائدة، قاله الفراء .

والثاني: أن الجواب محذوف لأن في الكلام دليلا عليه; والمعنى: فلما فعل ذلك، سعد وأجزل ثوابه، قاله الزجاج .

[ ص: 76 ] قوله تعالى: وتله للجبين قال ابن قتيبة : أي: صرعه على جبينه فصار أحد جبينيه على الأرض، وهما جبينان والجبهة بينهما، وهي ما أصاب الأرض في السجود، والناس لا يكادون يفرقون بين الجبين والجبهة، فالجبهة مسجد الرجل الذي يصيبه ندب السجود، والجبينان يكتنفانها، من كل جانب جبين .

قوله تعالى: وناديناه قال المفسرون: نودي من الجبل: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا وفيه قولان .

أحدهما: قد عملت ما أمرت، وذلك أنه قصد الذبح بما أمكنه، وطاوعه الابن بالتمكين من الذبح، إلا أن الله عز وجل صرف ذلك كما شاء، فصار كأنه قد ذبح وإن لم يتحقق الذبح .

والثاني: أنه رأى في المنام معالجة الذبح، ولم ير إراقة الدم، فلما فعل في اليقظة ما رأى في المنام، قيل له: "قد صدقت الرؤيا" .

وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وأبو عمران، والجحدري : "قد صدقت الرؤيا" بتخفيف الدال، وهاهنا تم الكلام . ثم قال تعالى: إنا كذلك أي: كما ذكرنا من العفو من ذبح ولده نجزي المحسنين .

[ ص: 77 ] إن هذا لهو البلاء المبين في ذلك قولان . أحدهما: النعم البينة، قاله ابن السائب، ومقاتل . والثاني: الاختبار العظيم، قاله ابن زيد، وابن قتيبة . فعلى الأول، يكون قوله هذا إشارة إلى العفو عن الذبح . وعلى الثاني، يكون إشارة إلى امتحانه بذبح ولده .

قوله تعالى: وفديناه يعني: الذبيح بذبح وهو بكسر الذال: اسم ما ذبح، وبفتح الذال: مصدر ذبحت، قاله ابن قتيبة . ومعنى الآية: خلصناه من الذبح بأن جعلنا الذبح فداء له . وفي هذا الذبح ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه كان كبشا أقرن قد رعى في الجنة قبل ذلك أربعين عاما، قاله ابن عباس في رواية مجاهد، وقال في رواية سعيد بن جبير: هو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه، كان في الجنة حتى فدي به .

والثاني: أن إبراهيم فدى ابنه بكبشين أبيضين أعينين أقرنين، رواه أبو الطفيل عن ابن عباس .

والثالث: [أنه] ما فدي إلا بتيس من الأورى، أهبط عليه من ثبير، قاله الحسن .

وفي معنى عظيم أربعة أقوال .

أحدها: لأنه كان قد رعى في الجنة، قاله ابن عباس، وابن جبير .

[ ص: 78 ] والثاني: لأنه ذبح على دين إبراهيم وسنته، قاله الحسن .

والثالث: لأنه متقبل، قاله مجاهد . وقال أبو سليمان الدمشقي: لما قربه ابن آدم، رفع حيا، فرعى في الجنة، ثم جعل فداء الذبيح، فتقبل مرتين .

والرابع: لأنه عظيم الشخص والبركة، ذكره الماوردي .

قوله تعالى: وتركنا عليه قد فسرناه في هذه السورة [الصافات: 78] .

قوله تعالى: وبشرناه بإسحاق من قال: إن إسحاق الذبيح، قال: بشر إبراهيم بنبوة إسحاق، وأثيب إسحاق بصبره النبوة، وهذا قول ابن عباس في رواية عكرمة، وبه قال قتادة، والسدي . ومن قال: الذبيح إسماعيل، قال: بشر الله إبراهيم بولد يكون نبيا بعد هذه القصة، جزاء لطاعته وصبره، وهذا قول سعيد ابن المسيب .

قوله تعالى: وباركنا عليه وعلى إسحاق يعني بكثرة ذريتهما، وهم الأسباط كلهم ومن ذريتهما محسن أي: مطيع لله وظالم وهو العاصي له وقيل: المحسن: المؤمن، والظالم: الكافر .
[ ص: 79 ] ولقد مننا على موسى وهارون . ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم . ونصرناهم فكانوا هم الغالبين . وآتيناهما الكتاب المستبين . وهديناهما الصراط المستقيم . وتركنا عليهما في الآخرين . سلام على موسى وهارون . إنا كذلك نجزي المحسنين . إنهما من عبادنا المؤمنين . وإن إلياس لمن المرسلين . إذ قال لقومه ألا تتقون . أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين . الله ربكم ورب آبائكم الأولين . فكذبوه فإنهم لمحضرون . إلا عباد الله المخلصين . وتركنا عليه في الآخرين . سلام على إل ياسين . إنا كذلك نجزي المحسنين . إنه من عبادنا المؤمنين

قوله تعالى: ولقد مننا على موسى وهارون أي: أنعمنا عليهما بالنبوة .

وفي الكرب العظيم قولان . أحدهما: استعباد فرعون وبلاؤه، وهو معنى قول قتادة . والثاني: الغرق، قاله السدي .

قوله تعالى: ونصرناهم فيه قولان . أحدهما: [أنه] يرجع إلى موسى وهارون وقومهما . والثاني: [أنه] يرجع إليهما فقط، فجمعا، لأن العرب تذهب بالرئيس إلى الجمع، لجنوده وأتباعه، ذكرهما ابن جرير . وما بعد هذا قد تقدم بيانه [الأنبياء: 48] إلى قوله: وإن إلياس لمن المرسلين فيه قولان .

أحدهما: أنه نبي من أنبياء بني إسرائيل، قاله الأكثرون .

والثاني: أنه إدريس، قاله ابن مسعود، وقتادة، وكذلك كان يقرأ ابن مسعود، وأبو العالية، وأبو عثمان النهدي: "وإن إدريس" مكان "إلياس" .

[ ص: 80 ] قوله تعالى: إذ قال لقومه ألا تتقون أي: ألا تخافون الله فتوحدونه وتعبدونه؟! أتدعون بعلا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه بمعنى الرب، قاله ابن عباس، ومجاهد، وأبو عبيدة، وابن قتيبة . وقال الضحاك: كان ابن عباس قد أعياه هذا الحرف ، فبينا هو جالس، إذ مر أعرابي قد ضلت ناقته وهو يقول: من وجد ناقة أنا بعلها؟ فتبعه الصبيان يصيحون به: يا زوج الناقة، يا زوج الناقة، فدعاه ابن عباس فقال: ويحك، ما عنيت ببعلها؟ قال: أنا ربها، فقال ابن عباس: صدق الله "أتدعون بعلا": ربا . وقال قتادة: هذه لغة يمانية .

والثاني: أنه اسم صنم كان لهم، قاله الضحاك، وابن زيد . وحكى ابن جرير أنه به سميت "بعلبك" .

والثالث: أنها امرأه كانوا يعبدونها، حكاه محمد بن إسحاق .

قوله تعالى: الله ربكم قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: "الله ربكم" بالرفع . وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف، ويعقوب: "الله" بالنصب .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #463  
قديم 27-02-2023, 11:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الصَّافَّاتِ
الحلقة (463)
صــ 81 إلى صــ 90






[ ص: 81 ] قوله تعالى: فكذبوه فإنهم لمحضرون النار، إلا عباد الله المخلصين الذين لم يكذبوه، فإنهم لا يحضرون النار .

الإشارة إلى القصة

ذكر أهل العلم بالتفسير والسير أنه لما كثرت الأحداث بعد قبض حزقيل النبي عليه السلام، وعبدت الأوثان، بعث الله تعالى إليهم إلياس، قال ابن إسحاق: وهو إلياس بن تشبي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران، فجعل يدعوهم فلا يسمعون منه، فدعا عليهم بحبس المطر، فجهدوا جهدا شديدا، واستخفى إلياس خوفا منهم على نفسه . ثم إنه قال لهم يوما: إنكم قد هلكتم جهدا، وهلكت البهائم والشجر بخطاياكم، فاخرجوا بأصنامكم وادعوها، فإن استجابت لكم، فالأمر كما تقولون، وإن لم تفعل، علمتم أنكم على باطل فنزعتم عنه، ودعوت الله ففرج عنكم، فقالوا: أنصفت، فخرجوا بأصنامهم وأوثانهم، فدعوا فلم يستجب لهم، فعرفوا ضلالهم، فقالوا: ادع الله لنا، فدعا لهم، فأرسل المطر وعاشت بلادهم، فلم ينزعوا عما كانوا عليه، فدعا إلياس ربه أن يقبضه إليه ويريحه منهم، فقيل له: اخرج يوم كذا إلى مكان كذا، فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه، فخرج، فأقبل فرس من نار، فوثب عليه، فانطلق به، وكساه الله الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، فطار في الملائكة، فكان إنسيا ملكيا، أرضيا سماويا .

[ ص: 82 ] قوله تعالى: سلام على إل ياسين قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي: "إلياسين" موصولة مكسورة الألف ساكنة اللام، فجعلوها كلمة واحدة; وقرأ الحسن مثلهم، إلا أنه فتح الهمزة . وقرأ نافع، وابن عامر، وعبد الوارث، ويعقوب إلا زيدا: "إل ياسين" مقطوعة، فجعلوها كلمتين .

وفي قراءة الوصل قولان .

أحدهما: أنه جمع لهذا النبي وأمته المؤمنين به، وكذلك يجمع ما ينسب إلى الشيء بلفظ الشيء، فتقول: رأيت المهالبة، تريد: بني المهلب، والمسامعة، تريد: بني مسمع .

والثاني: أنه اسم النبي وحده، وهو اسم عبراني، والعجمي من الأسماء قد يفعل به هكذا، [كما] تقول: ميكال وميكائيل، ذكر القولين الفراء والزجاج .

فأما قراءة من قرأ: "إل ياسين" مفصولة، ففيها قولان .

أحدهما: أنهم آل هذا النبي المذكور، وهو يدخل فيهم، كقوله عليه السلام: "اللهم صل على آل أبي أوفى"، فهو داخل فيهم، لأنه هو المراد بالدعاء .

[ ص: 83 ] [ ص: 84 ] والثاني: أنهم آل محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الكلبي . وكان عبد الله بن مسعود يقرأ: "سلام على إدراسين" وقد بينا مذهبه في أن إلياس هو إدريس .

فإن قيل: كيف قال: "إدراسين" وإنما الواحد إدريس، والمجموع إدريسي، لا إدراس ولا إدراسي؟

فالجواب: أنه يجوز أن يكون لغة، كإبراهيم إبراهام، ومثله:


قدني من نصر الخبيبين قدي


وقرأ أبي بن كعب ، وأبو نهيك: "سلام على ياسين" بحذف الهمزة واللام .
[ ص: 85 ] وإن لوطا لمن المرسلين . إذ نجيناه وأهله أجمعين . إلا عجوزا في الغابرين . ثم دمرنا الآخرين . وإنكم لتمرون عليهم مصبحين . وبالليل أفلا تعقلون .

قوله تعالى: إذ نجيناه "إذ" هاهنا لا يتعلق بما قبله، لأنه لم يرسل إذ نجي، ولكنه يتعلق بمحذوف، تقديره: واذكر يا محمد إذ نجيناه . وقد تقدم تفسير ما بعد هذا [الشعراء: 171] إلى قوله: وإنكم لتمرون عليهم مصبحين هذا خطاب لأهل مكة، كانوا إذا ذهبوا إلى الشام وجاؤوا، مروا على قرى قوم لوط صباحا ومساء، أفلا تعقلون فتعتبرون؟!
وإن يونس لمن المرسلين . إذ أبق إلى الفلك المشحون . فساهم فكان من المدحضين . فالتقمه الحوت وهو مليم . فلولا أنه كان من المسبحين . للبث في بطنه إلى يوم يبعثون [ ص: 86 ] فنبذناه بالعراء وهو سقيم . وأنبتنا عليه شجرة من يقطين . وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون . فآمنوا فمتعناهم إلى حين .

قوله تعالى: إذ أبق قال المبرد: تأويل "أبق": تباعد; وقال أبو عبيدة: فزع; وقال الزجاج : هرب; وقال بعض أهل المعاني: خرج ولم يؤذن له، فكان بذلك كالهارب من مولاه . قال الزجاج : والفلك: السفينة، والمشحون: المملوء، وساهم بمعنى [قارع]، من المدحضين أي: المغلوبين; قال ابن قتيبة : يقال: أدحض الله حجته، فدحضت، أي: أزالها [فزالت]، وأصل الدحض: الزلق .

الإشارة إلى قصته

قد شرحنا بعض قصته في آخر يونس وفي [الأنبياء: 86] على قدر ما تحتمله الآيات، ونحن نذكر هاهنا ما تحتمله . قال عبد الله بن مسعود: لما وعد يونس قومه بالعذاب بعد ثلاث، جأروا إلى الله عز وجل واستغفروا، فكف عنهم العذاب، فانطلق مغاضبا حتى انتهى إلى قوم في سفينة، فعرفوه فحملوه، فلما ركب السفينة وقفت، فقال: ما لسفينتكم؟ قالوا: لا ندري، قال: لكني أدري، فيها عبد آبق من ربه، إنها والله لا تسير حتى تلقوه، فقالوا: أما أنت يا نبي الله فوالله لا نلقيك، قال: فاقترعوا، فمن قرع فليقع، فاقترعوا، فقرع يونس، فأبوا أن يمكنوه من الوقوع، فعادوا إلى القرعة حتى قرع يونس ثلاث مرات . وقال طاووس: إن صاحب السفينة هو الذي قال: إنما يمنعها أن تسير [ ص: 87 ] أن فيكم رجلا مشؤوما، فاقترعوا لنلقي أحدنا، فاقترعوا، فقرع يونس ثلاث مرات .

قال المفسرون: وكل الله به حوتا، فلما ألقى نفسه في الماء التقمه، وأمر أن لا يضره ولا يكلمه، وسارت السفينة حينئذ . ومعنى التقمه: ابتلعه .

وهو مليم قال ابن قتيبة : أي: مذنب، يقال: ألام الرجل: إذا أتى ذنبا يلام عليه، قال الشاعر:


[تعد معاذرا لا عذر فيها] ومن يخذل أخاه فقد ألاما


قوله تعالى: فلولا أنه كان من المسبحين فيه ثلاثة أقوال . أحدها: من المصلين، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير . والثاني: من العابدين، قاله مجاهد، ووهب بن منبه . والثالث: قول لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين [الأنبياء: 87]، قاله الحسن . وروى عمران القطان عن الحسن قال: والله ما كانت الا صلاة أحدثها في بطن الحوت; فعلى هذا القول، يكون تسبيحه في بطن الحوت . وجمهور العلماء على أنه أراد: لولا ما تقدم له قبل التقام الحوت إياه من التسبيح، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون قال قتادة: لصار بطن الحوت له قبرا إلى يوم القيامة، ولكنه كان كثير الصلاة في الرخاء، فنجاه الله تعالى بذلك .

[ ص: 88 ] وفي قدر مكثه في بطن الحوت خمسة أقوال . أحدها: أربعون يوما، قاله أنس بن مالك، وكعب، وأبو مالك، وابن جريج، والسدي . والثاني: سبعة أيام، قاله سعيد بن جبير، وعطاء . والثالث: ثلاثة أيام، قاله مجاهد، وقتادة . والرابع: عشرون يوما، قاله الضحاك . والخامس: بعض يوم، التقمه ضحى، ونبذه قبل غروب الشمس، قاله الشعبي .

قوله تعالى: فنبذناه قال ابن قتيبة : أي: ألقيناه بالعراء وهي الأرض التي لا يتوارى فيها بشجر ولا غيره، وكأنه من عري الشيء .

قوله تعالى: وهو سقيم أي: مريض; قال ابن مسعود كهيأة الفرخ الممعوط الذي ليس له ريش وقال سعيد بن جبير: أوحى الله تعالى إلى الحوت أن ألقه في البر، فألقاه لا شعر عليه، ولا جلد ولا ظفر .

قوله تعالى: وأنبتنا عليه شجرة من يقطين قال ابن عباس: هو القرع، وقد قال أمية بن أبي الصلت قبل الإسلام:


فأنبت يقطينا عليه برحمة من الله لولا الله ألفي ضاحيا


قال الزجاج : كل شجرة لا تنبت على ساق وإنما تمتد على وجه الأرض نحو القرع والبطيخ والحنظل، فهي يقطين، واشتقاقه من: قطن بالمكان: إذا أقام، فهذا الشجر ورقه كله على وجه الأرض، فلذلك قيل له: يقطين . قال ابن مسعود: كان يستظل بها ويصيب منها فيبست فبكى عليها، فأوحى الله إليه: أتبكي على شجرة أن يبست، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم؟! قال يزيد بن عبد الله بن قسيط: قيض [الله] له أروية من الوحش تروح عليه بكرة وعشيا فيشرب من لبنها حتى نبت لحمه .

[ ص: 89 ] فإن قيل: ما الفائدة في إنبات شجرة اليقطين عليه دون غيرها؟

فالجواب: أنه خرج كالفرخ على ما وصفنا، وجلده قد ذاب، فأدنى شيء يمر به يؤذيه، وفي ورق اليقطين خاصية، وهو أنه إذا ترك على شيء، لم يقربه ذباب، فأنبته الله عليه ليغطيه ورقها ويمنع الذباب ريحه أن يسقط عليه فيؤذيه .

قوله تعالى: وأرسلناه إلى مائة ألف اختلفوا، هل كانت رسالته قبل التقام الحوت إياه أم بعد ذلك؟ على قولين .

أحدهما: أنها كانت بعد نبذ الحوت إياه، على ما ذكرنا في [يونس: 98]، وهو مروي عن ابن عباس .

والثاني: أنها كانت قبل التقام الحوت له، وهو قول الأكثرين، منهم الحسن، ومجاهد، وهو الأصح، والمعنى: وكنا أرسلناه إلى مائة ألف، فلما خرج من بطن الحوت، أمر أن يرجع إلى قومه الذين أرسل إليهم .

وفي قوله: [أو] ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها بمعنى "بل" قاله ابن عباس، والفراء .

والثاني: أنها بمعنى الواو، قاله ابن قتيبة . وقد قرأ أبي بن كعب ، ومعاذ القارئ، وأبو المتوكل، وأبو عمران الجوني: "ويزيدون" من غير ألف .

[ ص: 90 ] والثالث: أنها على أصلها، والمعنى: أو يزيدون في تقديركم، إذا رآهم الرائي قال: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون .

وفي زيادتهم أربعة أقوال . أحدها: أنهم كانوا مائة ألف يزيدون عشرين ألفا، رواه أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني: أنهم كانوا مائة ألف وثلاثين ألفا . والثالث: مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفا، رويا عن ابن عباس . والرابع: أنهم كانوا يزيدون سبعين ألفا، قاله سعيد بن جبير، ونوف .

قوله تعالى: فآمنوا في وقت إيمانهم قولان . أحدهما: عند معاينة العذاب . والثاني: حين أرسل إليهم يونس فمتعناهم إلى حين إلى منتهى آجالهم .
فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون . أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون . ألا إنهم من إفكهم ليقولون . ولد الله وإنهم لكاذبون . أصطفى البنات على البنين . ما لكم كيف تحكمون . أفلا تذكرون . أم لكم سلطان مبين . فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين . وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون . سبحان الله عما يصفون . إلا عباد الله المخلصين . فإنكم وما تعبدون . ما أنتم عليه بفاتنين . إلا من هو صال الجحيم .

قوله تعالى: فاستفتهم أي سل أهل مكة سؤال توبيخ وتقرير، لأنهم زعموا أن الملائكة بنات الله وهم شاهدون أي: حاضرون . ألا إنهم من إفكهم أي: كذبهم ليقولون ولد الله حين زعموا أن الملائكة بناته .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #464  
قديم 27-02-2023, 11:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ صَ
الحلقة (464)
صــ 91 إلى صــ 100






[ ص: 91 ] قوله تعالى: أصطفى البنات قال الفراء: هذا استفهام فيه توبيخ لهم، وقد تطرح ألف الاستفهام من التوبيخ، ومثله: أذهبتم طيباتكم [الأحقاف: 20]، و "أذهبتم" يستفهم بها ولا يستفهم ، ومعناهما واحد . وقرأ أبو هريرة، وابن المسيب، والزهري، وابن جماز عن نافع، وأبو جعفر، وشيبة: "وإنهم لكاذبون اصطفى" بالوصل غير مهموز ولا ممدود; قال أبو علي: وهو على [وجه] الخبر، كأنه قال: اصطفى البنات على البنين كما يقولون، كقوله: ذق إنك أنت العزيز الكريم [الدخان: 49] .

قوله تعالى: ما لكم كيف تحكمون لله بالبنات ولأنفسكم بالبنين؟! أم لكم سلطان مبين أي: حجة [بينة] على ما تقولون، فأتوا بكتابكم الذي فيه حجتكم .

وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم قالوا: هو وإبليس أخوان، رواه العوفي عن ابن عباس; قال الماوردي: وهو قول الزنادقة والذين يقولون: الخير من الله، والشر من إبليس .

والثاني: أن كفار قريش قالوا: الملائكة بنات الله، والجنة صنف من الملائكة يقال لهم: الجنة، قاله مجاهد .

والثالث: أن اليهود قالت: إن الله تعالى تزوج إلى الجن فخرجت من بينهم الملائكة، قاله قتادة، وابن السائب .

فخرج في معنى الجنة قولان . أحدهما: أنهم الملائكة . والثاني: الجن .

فعلى الأول، يكون معنى قوله: ولقد علمت الجنة أي: علمت الملائكة إنهم أي: إن هؤلاء المشركين لمحضرون النار .

[ ص: 92 ] وعلى الثاني، ["ولقد علمت الجنة] إنهم" أي: إن الجن أنفسها "لمحضرون" الحساب .

قوله تعالى: إلا عباد الله المخلصين يعني الموحدين . وفيما استثنوا منه قولان .

أحدهما: أنهم استثنوا من حضور النار، قاله مقاتل . والثاني: مما يصف أولئك، وهو معنى قول ابن السائب .

قوله تعالى: فإنكم يعني المشركين وما تعبدون من دون الله، ما أنتم عليه أي: على ما تعبدون بفاتنين أي: بمضلين أحدا، إلا من هو صال الجحيم أي: من سبق له في علم الله أنه يدخل النار .
وما منا إلا له مقام معلوم . وإنا لنحن الصافون . وإنا لنحن المسبحون . وإن كانوا ليقولون . لو أن عندنا ذكرا من الأولين . لكنا عباد الله المخلصين . فكفروا به فسوف يعلمون . ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون . فتول عنهم حتى حين . وأبصرهم فسوف يبصرون . أفبعذابنا يستعجلون . فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين . وتول عنهم حتى حين . وأبصر فسوف يبصرون . سبحان ربك رب العزة عما يصفون . وسلام على المرسلين . والحمد لله رب العالمين .

ثم أخبر عن الملائكة بقوله: وما منا والمعنى: ما منا ملك إلا له [ ص: 93 ] مقام معلوم أي: مكان في السموات مخصوص يعبد الله فيه، وإنا لنحن الصافون قال قتادة: صفوف في السماء . وقال السدي: هو الصلاة . وقال ابن السائب: صفوفهم في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض .

قوله تعالى: وإنا لنحن المسبحون فيه قولان . أحدهما: المصلون . والثاني: المنزهون لله عز وجل عن السوء . وكان عمر بن الخطاب إذا أقيمت الصلاة أقبل على الناس بوجهه وقال: يا أيها الناس استووا، فإنما يريد الله بكم هدي الملائكة، وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون .

ثم عاد إلى الإخبار عن المشركين، فقال: وإن كانوا ليقولون اللام في "ليقولون" لام توكيد; والمعنى: وقد كان كفار قريش يقولون قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن عندنا ذكرا أي: كتابا من الأولين أي: مثل كتب الأولين، وهم اليهود والنصارى، لكنا عباد الله المخلصين أي: لأخلصنا العبادة لله عز وجل .

فكفروا به فيه اختصار، تقديره: فلما آتاهم ما طلبوا، كفروا به، فسوف يعلمون عاقبة كفرهم، وهذا تهديد لهم .

ولقد سبقت كلمتنا أي: تقدم وعدنا للمرسلين بنصرهم والكلمة قوله: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي [المجادلة: 21]، إنهم لهم المنصورون بالحجة، وإن جندنا يعني حزبنا المؤمنين لهم الغالبون بالحجة أيضا والظفر . فتول عنهم أي: أعرض عن كفار مكة حتى حين أي: حتى تنقضي مدة إمهالهم . وقال مجاهد: حتى نأمرك بالقتال; [ ص: 94 ] فعلى هذا، الآية محكمة . وقال في رواية: حتى الموت; وكذلك قال قتادة . وقال ابن زيد: حتى القيامة; فعلى هذا، يتطرق نسخها . وقال مقاتل بن حيان: نسختها آية القتال .

قوله تعالى: وأبصرهم أي: انظر إليهم إذا نزل العذاب . قال مقاتل بن سليمان: هو العذاب ببدر; وقيل: أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ما أنكروا، وكانوا يستعجلون بالعذاب تكذيبا به، فقيل: أفبعذابنا يستعجلون؟! .

فإذا نزل يعني العذاب . وقرأ ابن مسعود، وأبو عمران، والجحدري ، وابن يعمر: "فإذا نزل" برفع النون وكسر الزاي وتشديدها بساحتهم أي: بفنائهم وناحيتهم . والساحة: فناء الدار . قال الفراء: العرب تكتفي بالساحة والعقوة من القوم، فيقولون: نزل بك العذاب وبساحتك . قال الزجاج : فكان عذاب هؤلاء القتل فساء صباح المنذرين أي: بئس صباح الذين أنذروا العذاب .

ثم كرر ما تقدم توكيدا لوعده بالعذاب، فقال: وتول عنهم . . . . الآيتين .

ثم نزه نفسه عن قولهم بقوله: سبحان ربك رب العزة قال مقاتل: يعني عزة من يتعزز من ملوك الدنيا .

قوله تعالى: عما يصفون أي: من اتخاذ النساء والأولاد .

[ ص: 95 ] وسلام على المرسلين فيه وجهان . أحدهما: تسليمه عليهم إكراما لهم . والثاني: إخباره بسلامتهم .

والحمد لله رب العالمين على هلاك المشركين ونصرة الأنبياء والمرسلين .
[ ص: 96 ] سُورَةُ صَ

وَيُقَالُ لَهَا: سُورَةُ دَاوُدَ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ [كُلُّهَا] بِإِجْمَاعِهِمْ

فَأَمَّا سَبَبُ نُزُولِ أَوَّلِهَا، فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قُرَيْشًا شَكَوَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ؟ فَقَالَ: "يَا عَمِّ، إِنَّمَا أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً تَذِلُّ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ بِهَا الْعَجَمُ"، قَالَ: كَلِمَةٌ؟ قَالَ: "كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ"، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَقَالُوا: أَجْعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا؟! فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: ص وَالْقُرْآنِ إِلَى قَوْلِهِ: إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ . كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ .

[ ص: 97 ] وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى "صَ" عَلَى سَبْعَةِ أَقَوْالٍ .

أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ بِمَعْنَى: صَدَقَ مُحَمَّدٌ، رَوَاهُ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّالِثُ: صَدَقَ اللَّهُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَاهُ: صَادِقٌ فِيمَا وَعَدَ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ : مَعْنَاهُ: الصَّادِقُ اللَّهُ تَعَالَى .

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآَنِ، أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، قَالَهُ قَتَادَةُ .

وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ اسْمُ حَيَّةٍ رَأْسُهَا تَحْتَ الْعَرْشِ وَذَنَبُهَا تَحْتَ الْأَرْضِ السُّفْلَى، حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وَقَالَ: أَظُنُّهُ عَنْ عِكْرِمَةَ .

وَالسَّادِسُ: أَنَّهُ بِمَعْنَى: حَادِثِ الْقُرْآَنِ، أَيِ: انْظُرْ فِيهِ، قَالَهُ الْحَسَنُ، وَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرُوا، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، [وَالْحَسَنُ]، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فَيَكُونُ الْمَعْنَى: صَادِ بِعَمَلِكَ الْقُرْآَنُ، أَيْ: عَارَضَهُ . وَقِيلَ: اعْرِضْهُ عَلَى عَمَلِكَ، فَانْظُرْ أَيْنَ هُوَ [مِنْهُ] .

وَالسَّابِعُ: أَنَّهُ بِمَعْنَى: صَادَ مُحَمَّدٌ قُلُوبَ الْخَلْقِ وَاسْتَمَالَهَا حَتَّى آَمَنُوا بِهِ وَأَحَبُّوهُ، حَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ، وَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ فَتَحَ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي رَجَاءٍ، وَأَبِي الْجَوْزَاءِ، [ ص: 98 ] وَحَمِيدٍ، وَمَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَالْقِرَاءَةُ "صَادْ" بِتَسْكِينِ الدَّالِّ، لِأَنَّهَا مِنْ حُرُوفِ التَّهَجِّي . وَقَدْ قُرِئَتْ بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ; فَمَنْ فَتَحَهَا، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ . أَحَدُهُمَا: لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . وَالثَّانِي: عَلَى مَعْنَى: أُتْلُ "صَادْ"، وَيَكُونُ [صَادْ] اسْمًا لِلسُّورَةِ يَنْصَرِفُ; وَمَنْ كَسَرَ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ . أَحَدُهُمَا: لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ أَيْضًا . وَالثَّانِي: عَلَى مَعْنَى: صَادِ الْقُرْآَنُ بِعَمَلِكَ، مِنْ قَوْلِكَ: صَادَى يُصَادِي: إِذَا قَابَلَ وَعَادَلَ، يُقَالُ: صَادَيْتُهُ: إِذَا قَابَلَتْهُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: ذِي الذِّكْرِ فِي الْمُرَادِ بِالذِّكْرِ ثَلَاثَةُ أَقَوْالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ الشَّرَفُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالسُّدِّيُّ . وَالثَّانِي: الْبَيَانُ، قَالَهُ قَتَادَةُ . وَالثَّالِثُ: التَّذْكِيرُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ .

فَإِنْ قِيلَ: أَيْنَ جَوَابُ الْقَسَمِ بِقَوْلِهِ: "صَ وَالْقُرْآَنِ ذِي الذَّكَرِ"؟

فَعَنْهُ خَمْسَةُ أَجْوِبَةٍ .

أَحَدُهَا: أَنْ "صَ" جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: "وَالْقُرْآَنِ"، فَـ "صَ" فِي مَعْنَاهَا، كَقَوْلِكَ: وَجَبَ وَاللَّهِ، نَزَلَ وَاللَّهِ، حُقٌّ وَاللَّهِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَثَعْلَبُ .

[ ص: 99 ] وَالثَّانِي: أَنَّ جَوَابَ "صَ" قَوْلُهُ: "كَمْ أَهْلَكْنَا مَنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ"، وَمَعْنَاهُ: لَكُمْ، فَلَمَّا طَالَ الْكَلَامُ، حُذِفَتِ اللَّامُ، وَمِثْلُهُ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا قَدْ أَفْلَحَ [الشَّمْسِ: 1 وَ 9]، فَإِنَّ الْمَعْنَى: لَقَدْ أَفْلَحَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ، تَبِعَهُ قَوْلُهُ: "قَدْ أَفْلَحَ"، حَكَاهُ الْفَرَّاءُ، وَثَعْلَبٌ أَيْضًا .

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَوْلُهُ: "إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ" [ص: 14]، حَكَاهُ الْأَخْفَشُ .

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ قَوْلُهُ: "إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ" [ص: 64]، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا نَجِدُهُ مُسْتَقِيمًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، لِتَأَخُّرِهِ جِدًّا عَنْ قَوْلِهِ: "وَالْقُرْآَنُ" .

وَالْخَامِسُ: أَنَّ جَوَابَهُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: وَالْقُرْآَنُ ذِي الذِّكْرِ مَا الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ الْكُفَّارُ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَإِلَى نَحْوِهِ ذَهَبَ قَتَادَةُ . وَالْعِزَّةُ: الْحَمِيَّةُ وَالتَّكَبُّرُ عَنِ الْحَقِّ . وَقَرَأَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَأَبُو رَزِينٍ ، وَابْنُ يَعْمُرَ، وَعَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ، وَمَحْبُوبٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: "فِي غِرَّةٍ" بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ . وَالشِّقَاقُ: الْخِلَافُ وَالْعَدَاوَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْكَلِمَتَيْنِ مَشْرُوحًا [الْبَقَرَةِ: 206، 138] .

ثُمَّ خَوَّفَهُمْ بِقَوْلِهِ: كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ يَعْنِي الْأُمَمَ الْخَالِيَةَ فَنَادَوْا عِنْدَ وُقُوعِ الْهَلَاكِ بِهِمْ . وَفِي هَذَا النِّدَاءِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الدُّعَاءُ . وَالثَّانِي: الِاسْتِغَاثَةُ .

[ ص: 100 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ، وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ، وَعَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ، وَابْنُ يَعْمُرَ: "وَلَاتَ حِينَ" بِفَتْحِ التَّاءِ وَرَفْعِ النُّونِ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ حِينَ يَرَوْهُ فِرَارٌ . وَقَالَ عَطَاءٌ: فِي لُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ "لَاتَ" بِمَعْنَى "لَيْسَ" . وَقَالَ وَهَبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: هِيَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ . وَقَالَ الْفَرَّاءُ: "لَاتَ" بِمَعْنَى "لَيْسَ"، وَالْمَعْنَى: لَيْسَ بِحِينِ فِرَارٍ . وَمِنَ الْقُرَّاءِ مَنْ يَخْفِضُ "لَاتَ"، وَالْوَجْهُ النَّصْبُ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى "لَيْسَ"، أَنْشَدَنِي الْمُفَضَّلُ:


تَذَكَّرَ حُبَّ لَيْلَى لَاتَ حِينًا وَأَضْحَى الشَّيْبُ قَدْ قَطَعَ الْقَرِينَا


قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: كَانَ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ التَّاءَ فِي قَوْلِهِ: "وَلَاتَ" مُنْقَطِعَةٌ مِنْ "حِينَ" قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْوَقْفُ عِنْدِي عَلَى هَذَا الْحَرْفِ "وَلَا"، وَالِابْتِدَاءِ "تَحِينُ" لِثَلَاثِ حُجَجٍ .

إِحْدَاهُنَّ: أَنَّ تَفْسِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَشْهَدُ لَهَا، لِأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ حِينَ يَرَوْهُ فِرَارٌ; فَقَدْ عَلِمَ أَنْ "لَيْسَ" هِيَ أُخْتُ "لَا" وَفِي مَعْنَاهَا .

وَالْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّا لَا نَجْدُ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ "وَلَاتَ"، إِنَّمَا الْمَعْرُوفَةُ "لَا" .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #465  
قديم 27-02-2023, 11:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ صَ
الحلقة (465)
صــ 101 إلى صــ 110






وَالْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ هَذِهِ التَّاءَ، إِنَّمَا وَجَدْنَاهَا تَلْحَقُ مَعَ "حِينَ" وَمَعَ "الْآَنِ" وَمَعَ الْـ "أَوَانِ"، فَيَقُولُونَ: كَانَ هَذَا تَحِينَ كَانَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ: "تَأَوَانَ"، وَيُقَالُ: اذْهَبْ تَلَانَ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ: [ ص: 101 ]
الْعَاطِفُونَ تَحِينُ مَا مِنْ عَاطِفٍ وَالْمُطْعِمُونَ زَمَانَ مَا مِنْ مُطْعِمِ


وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ: "الْعَاطِفُونَهُ" بِالْهَاءِ، ثُمَّ تَبْتَدِئُ: "حِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ"; قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ الْهَاءَ إِنَّمَا تُقْحَمُ عَلَى النُّونِ فِي مَوَاضِعِ الْقَطْعِ وَالسُّكُونِ، فَأَمَّا مَعَ الِاتِّصَالِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ النَّيْسَابُورِيَّ: النَّحْوِيُّونَ يَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ: "وَلَاتَ" هِيَ "لَا" زِيدَتْ فِيهَا التَّاءُ، كَمَا قَالُوا: ثُمَّ وَثَمَّتْ، وَرُبَّ وَرُبَّتْ، وَأَصْلُهَا هَاءٌ وُصِلَتْ بِـ "لَا"، فَقَالُوا: "لَاهٍ"، فَلَمَّا وَصَلُوهَا، جَعَلُوهَا تَاءً; وَالْوَقْفُ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ عِنْدَ الزَّجَّاجِ، وَأَبِي عَلِيٍّ، وَعِنْدَ الْكِسَائِيِّ بِالْهَاءِ، وَعِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ الْوَقْفُ عَلَى "لَا" .

فَأَمَّا الْمَنَاصُ، فَهُوَ الْفِرَارُ . قَالَ الْفَرَّاءُ: النَّوْصُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: التَّأَخُّرُ، وَالْبَوْصُ: التَّقَدُّمُ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:


أَمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى إِذْ نَأَتْكَ تَنُوصُ فَتَقْصُرُ عَنْهَا خُطْوَةً وَتَبُوصُ


[ ص: 102 ] وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمَنَاصُ: مَصْدَرُ نَاصَّ يَنُوصُ، وَهُوَ الْمَنْجَى وَالْفَوْزُ .
وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب . أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب . وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد . ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق . أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب . أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب . أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب . جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب .

قوله تعالى: وعجبوا يعني الكفار أن جاءهم منذر منهم يعني رسولا من أنفسهم ينذرهم النار .

أجعل الآلهة إلها واحدا لأنه دعاهم إلى الله وحده وأبطل عبادة آلهتهم; وهذا قولهم لما اجتمعوا عند أبي طالب، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أتعطوني كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم، وهي "لا إله إلا الله"، فقاموا يقولون: "أجعل الآلهة إلها واحدا"، ونزلت هذه الآية فيهم . إن هذا [الذي] يقول محمد من أن الآلهة إلها واحدا لشيء عجاب أي: لأمر عجب . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن السميفع: [ ص: 103 ] "عجاب" بتشديد الجيم . قال اللغويون: العجاب والعجاب والعجيب بمعنى واحد، كما تقول: كبير وكبار وكبار، وكريم وكرام وكرام، وطويل وطوال وطوال; وأنشد الفراء:


جاؤوا بصيد عجب من العجب أزيرق العينين طوال الذنب


قال قتادة: عجب المشركون أن دعي الله وحده، وقالوا: أيسمع لحاجتنا جميعا إله واحد؟!

و قوله تعالى: وانطلق الملأ منهم قال المفسرون: لما اجتمع أشراف قريش عند أبي طالب وشكوا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سبق بيانه، نفروا من قول: "لا إله إلا الله"، وخرجوا من عند أبي طالب، فذلك قوله: "وانطلق الملأ منهم" . الانطلاق: الذهاب بسهولة، ومنه طلاقة الوجه . والملأ: أشراف قريش . فخرجوا يقول بعضهم لبعض: امشوا . و " أن " بمعنى "أي"; فالمعنى: أي: امشوا . قال الزجاج : ويجوز أن يكون المعنى: انطلقوا بأن امشوا، أي: انطلقوا بهذا القول . وقال بعضهم: المعنى: انطلقوا يقولون: امشوا إلى أبي طالب فاشكوا إليه ابن أخيه، واصبروا على آلهتكم أي: اثبتوا على عبادتها إن هذا الذي نراه من زيادة أصحاب محمد لشيء يراد أي: لأمر يراد بنا .

ما سمعنا بهذا الذي جاء به محمد من التوحيد في الملة الآخرة وفيها ثلاثة أقوال .

أحدها: النصرانية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وإبراهيم بن المهاجر عن مجاهد، وبه قال محمد بن كعب القرظي، ومقاتل .

[ ص: 104 ] والثاني: أنها ملة قريش، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال قتادة .

والثالث: اليهودية والنصرانية، قاله الفراء، والزجاج; والمعنى أن اليهود أشركت بعزير، والنصارى قالت: ثالث ثلاثة، فلهذا أنكرت التوحيد .

إن هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلا اختلاق أي: كذب . أأنزل عليه الذكر يعنون القرآن . "عليه" يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بيننا أي: كيف خص بهذا دوننا وليس بأعلانا نسبا ولا أعظمنا شرفا؟! قال الله تعالى: بل هم في شك من ذكري أي: من القرآن; والمعنى أنهم ليسوا على يقين مما يقولون، إنما هم شاكون بل لما قال مقاتل: "لما" بمعنى "لم" كقوله: ولما يدخل الإيمان في قلوبكم [الحجرات: 14] . وقال غيره: هذا تهديد لهم; والمعنى أنه لو نزل بهم العذاب، علموا أن ما قاله محمد حق . وأثبت ياء " عذابي " في الحالين يعقوب .

قال الزجاج : ولما دل قولهم: "أأنزل عليه الذكر" على حسدهم له، أعلم الله عز وجل أن الملك والرسالة إليه، فقال: أم عندهم خزائن رحمة ربك ؟! قال المفسرون: ومعنى الآية: أبأيديهم مفاتيح النبوة فيضعونها حيث شاؤوا؟! والمعنى: ليست بأيديهم، ولا ملك السموات والأرض لهم، فإن ادعوا شيئا من ذلك فليرتقوا في الأسباب قال سعيد بن جبير: أي في أبواب السماء . وقال الزجاج : فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء .

قوله تعالى: جند أي: هم جند . والجند: الأتباع; فكأنه قال: هم أتباع مقلدون ليس فيهم عالم راشد . و ما زائدة، و هنالك إشارة إلى بدر . والأحزاب: جميع من تقدمهم من الكفار الذين تحزبوا على [ ص: 105 ] الأنبياء . قال قتادة: أخبر الله نبيه وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين، فجاء تأويلها يوم بدر .
كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد . وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب . إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب . وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق .

قوله تعالى: كذبت قبلهم قوم نوح قال أبو عبيدة: قوم من العرب يؤنثون "القوم"، وقوم يذكرون، فإن احتج عليهم بهذه الآية، قالوا: وقع المعنى على العشيرة، واحتجوا بقوله كلا إنها تذكرة [عبس: 11]، قالوا: والمضمر مذكر .

قوله تعالى: وفرعون ذو الأوتاد فيه ستة أقوال .

أحدها: أنه كان يعذب الناس بأربعة أوتاد يشدهم فيها، ثم يرفع صخرة فتلقى على الإنسان فتشدخه، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وكذلك قال الحسن، ومجاهد: كان يعذب الناس بأوتاد يوتدها في أيديهم وأرجلهم .

والثاني: أنه ذو البناء المحكم، روي عن ابن عباس أيضا، وبه قال الضحاك، والقرظي، واختاره ابن قتيبة ، قال: والعرب تقول: هم في عز ثابت الأوتاد، وملك ثابت الأوتاد، يريدون أنه دائم شديد، وأصل هذا، أن البيت [من بيوتهم] يثبت بأوتاد، قال الأسود بن يعفر:

[ ص: 106 ]
[ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة] في ظل ملك ثابت الأوتاد


والثالث: أن المراد بالأوتاد: الجنود، رواه عطية عن ابن عباس، وذلك أنهم كانوا يشدون ملكه ويقوون أمره كما يقوي الوتد الشيء .

والرابع: أنه كان يبني منارا يذبح عليها الناس .

والخامس: أنه كان له أربع أسطوانات، فيأخذ الرجل فيمد كل قائمة إلى أسطوانة فيعذبه، روي القولان عن سعيد بن جبير .

والسادس: أنه كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب له عليها، قاله عطاء، وقتادة .

ولما ذكر المكذبين، قال: أولئك الأحزاب فأعلمنا أن مشركي قريش من هؤلاء، وقد عذبوا وأهلكوا، فحق عقاب أثبت الياء في الحالين [ ص: 107 ] يعقوب . وما ينظر أي: وما ينتظر هؤلاء يعني كفار مكة إلا صيحة واحدة وفيها قولان . أحدهما: أنها النفخة الأولى، قاله مقاتل . والثاني: النفخة الأخيرة، قاله ابن السائب .

وفي الفواق قراءتان . قرأ حمزة، وخلف، والكسائي: بضم الفاء . وقرأ الباقون: بفتحها . وهل بينهما فرق، أم لا؟ فيه قولان .

أحدهما: أنهما لغتان بمعنى واحد، وهو معنى قول الفراء، وابن قتيبة، والزجاج . قال الفراء: والمعنى: ما لها من راحة ولا إفاقة، وأصله من الإفاقة في الرضاع إذا ارتضعت البهيمة أمها ثم تركتها حتى تنزل شيئا من اللبن، فتلك الإفاقة . وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "العيادة قدر فواق ناقة" . ومن يفتح الفاء، فيه لغة جيدة عالية . وقال ابن قتيبة : الفواق والفواق واحد، وهو أن تحلب الناقة وتترك ساعة حتى تنزل شيئا من اللبن، ثم تحلب، فما بين الحلبتين فواق، فاستعير الفواق في موضع المكث والانتظار . وقال الزجاج : الفواق: ما بين حلبتي الناقة، وهو مشتق من الرجوع، لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين، يقال: أفاق من مرضه، أي: رجع إلى الصحة .

والثاني: أن من فتحها، أراد: ما لها من راحة، ومن ضمها، أراد: فواق الناقة، قاله أبو عبيدة .

[ ص: 108 ] وللمفسرين في معنى الكلام أربعة أقوال .

أحدها: ما لها من رجعة، ثم فيه قولان . أحدهما: ما لها من ترداد، قاله ابن عباس، والمعنى أن تلك الصيحة لا تكرر . والثاني: ما لها من رجوع إلى الدنيا، قاله الحسن، وقتادة، والمعنى أنهم لا يعودون بعدها إلى الدنيا .

والثاني: ما لهم منها من إفاقة، بل تهلكهم، قاله ابن زيد .

والثالث: ما لها من فتور ولا انقطاع، قاله ابن جرير .

والرابع: ما لها من راحة، حكاه جماعة من المفسرين .
وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب . اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب . إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق . والطير محشورة كل له أواب . وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب .

قوله تعالى وقالوا ربنا عجل لنا قطنا في سبب قولهم هذا قولان .

أحدهما: أنه لما ذكر لهم ما في الجنة، قالوا هذا، قاله سعيد بن جبير، والسدي .

والثاني: أنه لما نزل قوله: فأما من أوتي كتابه بيمينه . . . الآيات [الحاقة: 19 37]، قالت قريش: زعمت يا محمد أنا نؤتى كتبنا بشمائلنا؟! فعجل لنا قطنا، يقولون ذلك تكذيبا له، قاله أبو العالية، ومقاتل .

وفي المراد بالقط أربعة أقوال .

أحدها: أنه الصحيفة، قاله أبو صالح عن ابن عباس . قال الفراء: القط [ ص: 109 ] في كلام العرب: الصك وقال أبو عبيدة: القط: الكتاب، والقطوط: الكتب بالجوائز، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن، ومقاتل، وابن قتيبة .

والثاني: أن القط: الحساب، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث: أنه القضاء، قاله عطاء الخراساني، والمعنى أنهم لما وعدوا بالقضاء بينهم، سألوا ذلك .

والرابع: أنه النصيب، قاله سعيد بن جبير . ، [قال الزجاج : القط: النصيب، وأصله: الصحيفة يكتب للإنسان فيها شيء يصل إليه، واشتقاقه من قططت، أي: قطعت، فالنصيب: هو القطعة من الشيء . ثم في هذا القول للمفسرين قولان . أحدهما: أنهم سألوه نصيبهم من الجنة، قاله سعيد بن جبير] .

والثاني: سألوه نصيبهم من العذاب، قاله قتادة . وعلى جميع الأقوال، إنما سألوا ذلك استهزاء لتكذيبهم بالقيامة .

اصبر على ما يقولون أي: من تكذيبهم وأذاهم; وفي هذا قولان .

[ ص: 110 ] أحدهما: أنه أمر بالصبر، سلوكا لطريق أولي العزم، وهذا محكم .

والثاني: أنه منسوخ بآية السيف فيما زعم الكلبي .

قوله تعالى: واذكر عبدنا داود في وجه المناسبة بين قوله: "اصبر" وبين قوله: "واذكر عبدنا داود" قولان .

أحدهما: أنه أمر أن يتقوى على الصبر بذكر قوة داود على العبادة والطاعة

والثاني: أن المعنى: عرفهم أن الأنبياء عليهم السلام -مع طاعتهم- كانوا خائفين مني، هذا داود مع قوته على العبادة، لم يزل باكيا مستغفرا، فكيف حالهم مع أفعالهم؟!

فأما قوله: ذا الأيد فقال ابن عباس: هي القوة في العبادة . وفي "الصحيحين" من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" .

وفي الأواب أقوال قد ذكرناها في [بني إسرائيل: 25] .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #466  
قديم 27-02-2023, 11:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ صَ
الحلقة (466)
صــ 111 إلى صــ 120






إنا سخرنا الجبال معه يسبحن قد ذكرنا تسبيح الجبال معه في [الأنبياء: 79]، وذكرنا معنى العشي في مواضع مما تقدم [آل عمران: 41، الأنعام: 53]، وذكرنا معنى الإشراق في [الحجر: 73] عند قوله: مشرقين . قال الزجاج : الإشراق: طلوع الشمس [وإضاءتها] . وروي عن ابن عباس [ ص: 111 ] أنه قال: طلبت صلاة الضحى، فلم أجدها إلا في هذه الآية . وقد ذكرنا عنه أن صلاة الضحى مذكورة في [النور: 36] في قوله: بالغدو والآصال .

قوله تعالى: والطير محشورة وقرأ عكرمة، وأبو الجوزاء والضحاك ، وابن أبي عبلة: "والطير محشورة" بالرفع فيهما، أي: مجموعة إليه، تسبح الله معه كل له في هاء الكناية قولان .

أحدهما: أنها ترجع إلى داود، أي: كل لداود أواب أي: رجاع إلى طاعته وأمره، والمعنى: كل له مطيع بالتسبيح معه، هذا قول الجمهور .

والثاني: [أنها] ترجع إلى الله تعالى، فالمعنى: كل مسبح لله، قاله السدي .

قوله تعالى: وشددنا ملكه أي: قويناه . وفي ما شد به ملكه قولان .

أحدهما: أنه الحرس والجنود; قال ابن عباس: كان يحرسه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل .

والثاني: أنه هيبة ألقيت له في قلوب الناس; وهذا المعنى مروي عن ابن عباس أيضا .

قوله تعالى: وآتيناه الحكمة وفيها أربعة أقوال أحدها: أنها الفهم، قاله ابن عباس، والحسن، وابن زيد . والثاني: الصواب، قاله مجاهد . والثالث: السنة، قاله قتادة . والرابع: النبوة، قاله السدي .

وفي فصل الخطاب أربعة أقوال .

أحدها: علم القضاء والعدل، قاله ابن عباس، والحسن .

[ ص: 112 ] والثاني: بيان الكلام، روي عن ابن عباس أيضا . وذكر الماوردي أنه البيان الكافي في كل غرض مقصود .

والثالث: قول: "أما بعد"، وهو أول من تكلم بها، قاله أبو موسى الأشعري، والشعبي .

والرابع: تكليف المدعي البينة، والمدعى عليه اليمين، قاله شريح، وقتادة; وهو قول حسن، لأن الخصومة إنما تفصل بهذا .
وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب . إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط . إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب . قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب . فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب . يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب .

قوله تعالى: وهل أتاك نبأ الخصم قال أبو سليمان: المعنى: قد أتاك فاستمع له نقصص عليك .

[ ص: 113 ] واختلف العلماء في السبب الذي امتحن لأجله داود عليه السلام بما امتحن به على خمسة أقوال .

أحدها: أنه قال: يا رب قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لو وددت أنك أعطيتني مثله، فقال الله تعالى: إني ابتليتهم بما لم أبتلك به، فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به وأعطيتك كما أعطيتهم؟ قال: نعم، فبينما هو في محرابه إذ وقعت عليه حمامة، فأراد أن يأخذها فطارت، فذهب ليأخذها، فرأى امرأة تغتسل، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال السدي .

والثاني: أنه ما زال يجتهد في العبادة حتى برز له قرناؤه من الملائكة وكانوا يصلون معه ويسعدونه بالبكاء، فلما استأنس بهم، قال: أخبروني بأي شيء أنتم موكلون؟ قالوا: ما نكتب عليك ذنبا، بل نكتب صالح عملك ونثبتك ونوفقك ونصرف عنك السوء، فقال في نفسه: ليت شعري، كيف أكون لو خلوني ونفسي; وتمنى أن يخلى بينه وبين نفسه ليعلم كيف يكون، فأمر الله تعالى قرناءه أن يعتزلوه ليعلم أنه لا غناء به عن الله [عز وجل، فلما فقدهم، جد واجتهد ضعف عبادته إلى أن ظن أنه قد غلب نفسه، فأراد الله تعالى] أن يعرفه ضعفه، فأرسل إليه طائرا من طيور الجنة، فسقط في محرابه، فقطع صلاته ومد يده إليه، فتنحى عن مكانه، فأتبعه بصره، فإذا امرأة أوريا، هذا قول وهب بن منبه .

[ ص: 114 ] والثالث: أنه تذاكر هو وبنو إسرائيل، فقالوا: هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبا؟ فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك، فلما كان يوم عبادته، أغلق أبوابه وأمر أن لا يدخل عليه أحد وأكب على قراءة الزبور، فإذا حمامة من ذهب، فأهوى إليها فطارت، فتبعها فرأى المرأة، رواه مطر عن الحسن .

والرابع: أنه قال لبني إسرائيل حين ملك: والله لأعدلن بينكم، ولم يستثن، فابتلي، رواه قتادة عن الحسن .

والخامس: أنه أعجبه كثرة عمله، فابتلي، قاله أبو بكر الوراق .

الإشارة إلى قصة ابتلائه

قد ذكرنا عن وهب أنه قال: كانت الحمامة من طيور الجنة . وقال السدي: تصور له الشيطان في صورة حمامة . قال المفسرون: إنه لما تبع الحمامة، رأى امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل، وقيل: بل على سطح لها، فعجب [ ص: 115 ] من حسنها، فحانت منها التفاتة فرأت ظله، فنقضت شعرها، فغطى بدنها، فزاده ذلك إعجابا بها، فسأل عنها، فقيل: هذه امرأة أرويا، وزوجها في غزاة، فكتب داود إلى أمير ذلك الجيش أن ابعث أوريا إلى موضع كذا وكذا، وقدمه قبل التابوت، وكان من قدم على التابوت لا يحل له أن يرجع حتى يفتح عليه أو يستشهد، ففعل ذلك، ففتح عليه، فكتب إلى داود يخبره، فكتب إليه أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا، ففتح له، فكتب إلى داود يخبره، فكتب إليه أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا، فقتل في المرة الثالثة، فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود، فهي أم سليمان، فلما دخل بها، لم يلبث إلا يسيرا حتى بعث الله عز وجل ملكين في صورة إنسيين، وقيل: لم يأته الملكان حتى جاء منها سليمان وشب، ثم أتياه فوجداه في محراب عبادته، فمنعهما الحرس من الدخول إليه، فتسوروا المحراب عليه; وعلى هذا الذي ذكرناه من القصة أكثر المفسرين، وقد روى نحوه العوفي عن ابن عباس، وروي عن الحسن، وقتادة، والسدي، ومقاتل في آخرين . وذكر جماعة من المفسرين أن داود لما نظر إلى المرأة، سأل عنها، وبعث زوجها إلى الغزاة مرة بعد مرة إلى أن قتل، فتزوجها; وروي مثل [هذا] عن ابن عباس، ووهب، والحسن في جماعة . قال المصنف: وهذا لا يصح من طريق النقل، ولا يجوز من حيث المعنى، لأن الأنبياء منزهون عنه .

وقد اختلف المحققون في ذنبه الذي عوتب عليه على أربعة أقوال .

أحدها: أنه لما هويها، قال لزوجها: تحول لي عنها، فعوتب على ذلك . وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما زاد داود على أن قال لصاحب [ ص: 116 ] المرأة: أكفلنيها وتحول لي عنها; ونحو ذلك روي عن ابن مسعود . وقد حكى أبو سليمان الدمشقي أنه بعث إلى أوريا فأقدمه من غزاته، فأدناه وأكرمه جدا، إلى أن قال له يوما: انزل لي عن امرأتك; وانظر أي امرأة شئت في بني إسرائيل أزوجكها، أو أي أمة شئت أبتاعها لك، فقال: لا أريد بامرأتي بديلا; فلما لم يجبه إلى ما سأل، أمره أن يرجع إلى غزاته .

والثاني: أنه تمنى تلك المرأة حلالا، وحدث نفسه بذلك، فاتفق غزو أوريا وهلاكه من غير أن يسعى في سبب قتله ولا في تعريضه للهلاك، فلما بلغه قتله لم يجزع عليه كما جزع على غيره من جنده، ثم تزوج امرأته، فعوتب على ذلك . وذنوب الأنبياء عليهم السلام وإن صغرت، فهي عظيمة عند الله عز وجل .

والثالث: أنه لما وقع بصره عليها، أشبع النظر إليها حتى علقت بقلبه .

والرابع: أن أوريا كان قد خطب تلك المرأة، فخطبها داود مع علمه بأن أوريا قد خطبها، فتزوجها، فاغتم أوريا، وعاتب الله تعالى داود إذ لم يتركها لخاطبها الأول; واختار القاضي أبو يعلى هذا القول، واستدل عليه بقوله: وعزني في الخطاب ، قال: فدل هذا على أن الكلام إنما كان بينهما في الخطبة، ولم يكن قد تقدم تزوج الآخر، فعوتب داود عليه السلام لشيئين ينبغي للأنبياء التنزه عنهما، أحدهما: خطبته على خطبته غيره، والثاني: إظهار الحرص على التزويج مع كثرة نسائه، ولم يعتقد ذلك معصية، فعاتبه الله تعالى عليها; قال: فأما ما روي أنه نظر إلى المرأة فهويها وقدم زوجها للقتل، [ ص: 117 ] فإنه وجه لا يجوز على الأنبياء، لأن الأنبياء لا يأتون المعاصي مع العلم بها .

قال الزجاج : إنما قال: "الخصم" بلفظ الواحد، وقال: "تسوروا المحراب" بلفظ الجماعة، لأن قولك: خصم، يصلح للواحد والاثنين والجماعة والذكر والأنثى، تقول: هذا خصم، وهي خصم، وهما خصم، وهم خصم; وإنما يصلح لجميع ذلك لأنه مصدر، تقول: خصمته أخصمه خصما . والمحراب هاهنا كالغرفة، قال الشاعر:

[ ص: 118 ]
ربة محراب إذا جئتها لم ألقها أو أرتقي سلما


و "تسوروا" يدل على علو .

قال المفسرون: كانا ملكين، وقيل: هما جبريل وميكائيل عليهما السلام، أتياه لينبهاه على التوبة . وإنما قال: "تسوروا" وهما اثنان، لأن معنى الجمع ضم شيء إلى شيء، والاثنان فما فوقهما جماعة .

قوله تعالى: إذ دخلوا على داود قال الفراء: يجوز أن يكون معنى "تسوروا" دخلوا، فيكون تكرارا; ويجوز أن تكون "إذ" بمعنى "لما"، فيكون المعنى: إذ تسوروا المحراب لما دخلوا، ولما تسوروا إذ دخلوا .

قوله تعالى: ففزع منهم وذلك أنهما أتيا على غير صفة مجيء الخصوم، وفي غير وقت الحكومة، ودخلا تسورا من غير إذن . وقال أبو الأحوص: دخلا عليه وكل واحد منهما آخذ برأس صاحبه . و خصمان مرفوع بإضمار "نحن" قال ابن الأنباري: [المعنى]: نحن كخصمين، ومثل خصمين، فسقطت الكاف، وقام الخصمان مقامها، كما تقول العرب: عبد الله القمر حسنا، وهم يريدون: مثل القمر، قالت هند بنت عتبة ترثي أباها وعمها:


من حس لي الأخوين كالغصنين أو من رآهما

أسدين في عيل يحيد القوم عن عرواهما


[ ص: 119 ] صقرين لا يتذللان ولا يباح حماهما

رمحين خطيين في كبد السماء تراهما


أرادت: مثل أسدين، ومثل صقرين، فأسقطت مثلا وأقامت الذي بعده مقامه . ثم صرف الله عز وجل النون والألف في "بعضنا" إلى "نحن" المضمر، كما تقول العرب: نحن قوم شرف أبونا، ونحن قوم شرف أبوهم، والمعنى واحد . والحق هاهنا: العدل .

ولا تشطط أي: لا تجر، يقال: شط وأشط: إذا جار . وقرأ ابن أبي عبلة: "ولا تشطط" بفتح التاء وضم الطاء . قال الفراء: وبعض العرب يقول: شططت علي في السموم، وأكثر الكلام "أشططت" بالألف، وشطت الدار: تباعدت .

قوله تعالى: واهدنا إلى سواء الصراط أي: إلى قصد الطريق; والمعنى: احملنا على الحق . فقال داود: تكلما، فقال أحدهما: إن هذا أخي قال ابن الأنباري: المعنى: قال أحد الخصمين اللذين شبه الملكان بهما: إن هذا أخي، فأضمر القول لوضوح معناه له تسع وتسعون نعجة قال الزجاج : كني عن المرأة بالنعجة . وقال غيره: العرب تشبه النساء بالنعاج، وتوري عنها بالشاء والبقر . قال ابن قتيبة : ورى عن ذكر النساء بذكر النعاج، كما قال عنترة:

[ ص: 120 ]
يا شاة ما قنص لمن حلت له حرمت علي وليتها لم تحرم


يعرض بجارية، يقول: أي صيد أنت لمن حل له أن يصيدك! فأما أنا، فإن حرمة الجوار قد حرمتك علي . وإنما ذكر الملك هذا العدد لأنه عدد نساء داود .

قوله تعالى: ولي نعجة واحدة فتح الياء حفص عن عاصم، وأسكنها الباقون .

فقال أكفلنيها قال ابن قتيبة : أي: ضمها إلي واجعلني كافلها . وقال الزجاج : انزل أنت عنها واجعلني أنا أكفلها .

قوله تعالى: وعزني في الخطاب أي: غلبني في القول . وقرأ عمر بن الخطاب، وأبو رزين [العقيلي]، والضحاك ، وابن يعمر، وابن أبي عبلة: "وعازني" بألف، أي: غالبني . قال ابن مسعود، وابن عباس في قوله "وعزني في الخطاب": ما زاد على أن قال: انزل لي عنها . وروى العوفي عن ابن عباس قال: إن دعوت ودعا كان أكثر، وإن بطشت وبطش كان أشد مني .

فإن قيل: كيف قال الملكان هذا، وليس شيء منه موجودا عندهما؟

فالجواب: أن العلماء قالوا: إنما هذا على سبيل المثل والتشبيه بقصة داود، وتقدير كلامهما: ما تقول إن جاءك خصمان فقالا كذا وكذا؟ وكان داود لا يرى أن عليه تبعة فيما فعل، فنبهه الله بالملكين . وقال ابن قتيبة : هذا مثل ضربه الله [له] ونبهه على خطيئته . وقد ذكرنا آنفا أن المعنى: نحن كخصمين .

قوله تعالى: قال يعني داود لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #467  
قديم 27-02-2023, 11:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ صَ
الحلقة (467)
صــ 121 إلى صــ 130






[ ص: 121 ] قال الفراء: أي: بسؤاله نعجتك، فإذا ألقيت الهاء من السؤال، أضفت الفعل إلى النعجة، ومثله: لا يسأم الإنسان من دعاء الخير [فصلت: 49]، أي: من دعائه بالخير، فلما ألقى الهاء، أضاف الفعل إلى الخير، وألقى من الخير الباء، وأنشدوا:


فلست مسلما ما دمت حيا على زيد بتسليم الأمير


أي: بتسليم على الأمير .

قوله تعالى: إلى نعاجه أي: ليضمها إلى نعاجه . قال ابن قتيبة : المعنى: بسؤال نعجتك مضمومة إلى نعاجه، فاختصر . قال: ويقال "إلى" بمعنى "مع" .

فإن قيل: كيف حكم داود قبل أن يسمع كلام الآخر؟

فالجواب: أن الخصم الآخر اعترف، فحكم عليه باعترافه، وحذف ذكر الاعتراف اكتفاء بفهم السامع، والعرب تقول: أمرتك بالتجارة فكسبت الأموال، أي: فاتجرت فكسبت، ويدل عليه قول السدي: إن داود قال للخصم الآخر: ما تقول؟ قال: نعم، أريد أن آخذها منه فأكمل بها نعاجي وهو كاره، قال: إذا لا ندعك، وإن رمت هذا ضربنا منك هذا -ويشير إلى أنفه وجبهته- فقال: أنت يا داود أحق أن يضرب هذا منك حيث لك تسع وتسعون امرأة، ولم يكن لأوريا إلا واحدة، فنظر داود فلم ير أحدا، فعرف ما وقع فيه .

قوله تعالى: وإن كثيرا من الخلطاء يعني الشركاء، واحدهم: خليط، وهو المخالط في المال . وإنما قال هذا لأنه ظنهما شريكين، إلا الذين آمنوا [ ص: 122 ] أي: فإنهم لا يظلمون أحدا، وقليل ما هم "ما" زائدة، والمعنى: وقليل هم، وقيل: المعنى: هم قليل، يعني الصالحين الذين لا يظلمون .

قوله تعالى: وظن داود أي: أيقن وعلم أنما فتناه فيه قولان . أحدهما: اختبرناه . والثاني: ابتليناه بما جرى له من نظره إلى المرأة وافتتانه بها . وقرأ عمر بن الخطاب: "أنما فتناه" بتشديد التاء والنون جميعا . وقرأ أنس بن مالك، وأبو رزين ، والحسن، وقتادة، وعلي بن نصر عن أبي عمرو: "أنما فتناه" بتخفيف التاء والنون جميعا، يعني الملكين، قال أبو علي الفارسي: يريد: صمدا له . وفي سبب علمه وتنبيهه على ذلك ثلاثة أقوال .

أحدها: أن الملكين أفصحا له بذلك، على ما ذكرناه عن السدي .

والثاني: أنهما عرجا وهما يقولان: قضى الرجل على نفسه، فعلم أنه عني بذلك، قاله وهب .

والثالث: أنه لما حكم بينهما، نظر أحدهما إلى صاحبه وضحك، ثم صعدا إلى السماء وهو ينظر، فعلم أن الله تعالى ابتلاه بذلك، قاله مقاتل .

قوله تعالى: فاستغفر ربه قال المفسرون: لما فطن داود بذنبه خر راكعا، قال ابن عباس: أي: ساجدا، وعبر عن السجود بالركوع، لأنهما بمعنى الانحناء . وقال بعضهم: المعنى: فخر بعد أن كان راكعا .

فصل

واختلف العلماء هل هذه من عزائم السجود؟ على قولين . أحدهما: ليست [ ص: 123 ] من عزائم السجود، قاله الشافعي . والثاني: أنها من عزائم السجود، قاله أبو حنيفة . وعن أحمد روايتان . قال المفسرون: فبقي في سجوده أربعين ليلة، لا يرفع رأسه إلا لوقت صلاة مكتوبة أو حاجة لا بد منها، ولا يأكل ولا يشرب، فأكلت الأرض من جبينه، ونبت العشب من دموعه، ويقول في سجوده: رب داود، زل داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب . قال مجاهد: نبت البقل من دموعه حتى غطى رأسه، ثم نادى: رب قرح الجبين وجمدت العين وداود لم يرجع إليه في خطيئته شيء، فنودي: أجائع فتطعم، أم مريض فتشفى، أم مظلوم فينتصر لك؟ فنحب نحيبا هاج كل شيء نبت، فعند ذلك غفر له، وقال ثابت البناني: اتخذ داود سبع حشايا من شعر وحشاهن من الرماد، ثم بكى حتى أنفذها دموعا، ولم يشرب شرابا إلا ممزوجا بدموع عينيه . وقال وهب بن منبه: نودي: يا داود ارفع رأسك فإنا قد غفرنا لك، فرفع رأسه وقد زمن وصار مرعشا .

[ ص: 124 ] فأما قوله: وأناب فمعناه: رجع من ذنبه تائبا إلى ربه، فغفرنا له ذلك يعني الذنب وإن له عندنا لزلفى [قال ابن قتيبة ]: أي: تقدم وقربة .

قوله تعالى: وحسن مآب قال مقاتل: حسن مرجع، وهو ما أعد الله له في الجنة .

قوله تعالى: يا داود المعنى: وقلنا له يا داود إنا جعلناك أي: صيرناك خليفة في الأرض أي: تدبر أمر العباد من قبلنا بأمرنا، فكأنك خليفة عنا فاحكم بين الناس بالحق أي: بالعدل ولا تتبع الهوى أي: لا تمل مع ما تشتهي إذا خالف أمر الله عز وجل فيضلك عن سبيل الله أي: عن دينه إن الذين يضلون وقرأ أبو نهيك، وأبو حيوة، وابن يعمر: "يضلون" بضم الياء .

قوله تعالى: بما نسوا يوم الحساب فيه قولان .

أحدهما: بما تركوا العمل ليوم الحساب، قاله السدي . قال الزجاج : لما تركوا العمل لذلك اليوم، صاروا بمنزلة الناسين .

والثاني: أن في الكلام تقديما وتأخيرا، تقديره: لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا، أي: تركوا القضاء بالعدل، وهو قول عكرمة .
[ ص: 125 ] وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار . أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار . كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب .

قوله تعالى: وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا أي: عبثا ذلك ظن الذين كفروا أن ذلك خلق لغير شيء، وإنما خلق للثواب والعقاب .

أم نجعل الذين آمنوا قال مقاتل: قال كفار قريش للمؤمنين: إنا نعطى في الآخرة مثل ما تعطون، فنزلت هذه الآية . وقال ابن السائب: نزلت في الستة الذين تبارزوا يوم بدر، علي رضي الله عنه، وحمزة رضي الله عنه، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنه، وعتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة، فذكر أولئك بالفساد في الأرض لعملهم فيها بالمعاصي، وسمى المؤمنين بالمتقين لاتقائهم الشرك، وحكم الآية عام .

قوله تعالى: كتاب أي: هذا كتاب، يعني القرآن، وقد بينا معنى بركته في سورة [الأنعام: 92] .

[ ص: 126 ] ليدبروا آياته وقرأ عاصم في رواية: "لتدبروا آياته" بالتاء خفيفة الدال، أي: ليتفكروا فيها فيتقرر عندهم صحتها وليتذكر بما فيه من المواعظ أولو الألباب ، وقد سبق بيان هذا [الرعد: 19] .
ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب . إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد . فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب . ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق . ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب . قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب . فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب . والشياطين كل بناء وغواص . وآخرين مقرنين في الأصفاد . هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب . وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب . واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب . اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب . ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب . وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب .

قوله تعالى: نعم العبد يعني به سليمان .

[ ص: 127 ] وفي الأواب أقوال قد تقدمت في [بني إسرائيل: 25] أليقها بهذا المكان أنه رجاع بالتوبة إلى الله تعالى مما يقع منه من السهو والغفلة .

قوله تعالى: إذ عرض عليه بالعشي وهو ما بعد الزوال الصافنات وهي الخيل . وفي معنى الصافنات قولان .

أحدهما: أنها القائمة على ثلاث قوائم، وقد أقامت الأخرى على طرف الحافر من يد أو رجل; وإلى هذا المعنى ذهب مجاهد، وابن زيد، واختاره الزجاج ، وقال: هذا أكثر قيام الخيل إذا وقفت كأنها تراوح بين قوائمها، قال الشاعر:


ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا


والثاني: أنها القائمة، سواء كانت على ثلاث أو غير ثلاث، قال الفراء: على هذا رأيت العرب، وأشعارهم تدل على أنه القيام خاصة . وقال ابن قتيبة : الصافن في كلام العرب: الواقف من الخيل وغيرها، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يقوم له الرجال صفونا، فليتبوأ مقعده من النار"، [ ص: 128 ] أي: يديمون القيام له .

فأما الجياد، فهي السراع في الجري . وفي سبب عرضها عليه أربعة أقوال .

أحدها: أنه عرضها لأنه أراد جهاد عدو له، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

والثاني: أنها كانت من دواب البحر . قال الحسن: بلغني أنها كانت خيلا خرجت من البحر لها أجنحة . وقال إبراهيم التيمي: كانت عشرين فرسا ذات أجنحة . وقال ابن زيد: أخرجتها له الشياطين من البحر .

والثالث: أنه ورثها من أبيه داود عليه السلام، فعرضت عليه، قاله وهب بن منبه، ومقاتل .

والرابع: أنه غزا جيشا، فظفر به وغنمها، فدعا بها فعرضت عليه، قاله ابن السائب .

وفي عددها أربعة أقوال . أحدها: ثلاثة عشر ألفا، قاله وهب . والثاني: عشرون ألفا، قاله سعيد بن مسروق . والثالث: ألف فرس، قاله ابن السائب، ومقاتل . والرابع: عشرون فرسا، وقد ذكرناه عن إبراهيم التيمي .

[ ص: 129 ] قال المفسرون: ولم تزل تعرض عليه إلى أن غابت الشمس، ففاتته صلاة العصر، وكان مهيبا لا يبتدئه أحد بشيء، فلم يذكروه، ونسي هو، فلما غابت الشمس ذكر الصلاة، فقال إني أحببت فتح الياء أهل الحجاز وأبو عمرو حب الخير وفيه قولان . أحدهما: أنه المال، قاله سعيد بن جبير، والضحاك . والثاني: حب الخيل، قاله قتادة، والسدي . والقولان يرجعان إلى معنى واحد، لأنه أراد بالخير الخيل، وهي مال . وقال الفراء: العرب تسمي الخيل: الخير . قال الزجاج : وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخيل: زيد الخير، ومعنى "أحببت" آثرت حب الخير على ذكر ربي; وكذلك قال غير الزجاج : "عن" بمعنى "على" . وقال بعضهم: يحتمل المعنى: فشغلني عن ذكر ربي . قال أبو عبيدة: ومعنى [الكلام]: أحببت حبا، ثم أضاف الحب إلى الخير . وقال ابن قتيبة : سمى الخيل خيرا، لما فيها من الخير . والمفسرون على أن المراد بذكر ربه: صلاة العصر، قاله علي، وابن مسعود، وقتادة في آخرين . وقال الزجاج : لا أدري هل كانت صلاة العصر مفروضة، أم لا؟، إلا أن اعتراضه الخيل شغله عن وقت كان يذكر الله فيه حتى توارت بالحجاب [ ص: 130 ] قال المصنف: وأهل اللغة يقولون: يعني الشمس، ولم يجر لها ذكر، ولا أحسبهم أعطوا في هذا الفكر حقه، لأن في الآية دليلا على الشمس، وهو قوله: "بالعشي" ومعناه: عرض عليه بعد زوال الشمس حتى توارت الشمس بالحجاب، ولا يجوز الإضمار إلا أن يجري ذكر، أو دليل ذكر فيكون بمنزلة الذكر; وأما الحجاب، فهو ما يحجبها عن الأبصار .

قوله تعالى: ردوها علي قال المفسرون: لما شغله عرض الخيل عليه عن الصلاة، فصلاها بعد خروج وقتها، اغتم وغضب، وقال: "ردوها علي"، يعني: أعيدوا الخيل علي فطفق قال ابن قتيبة : أي: أقبل مسحا قال الأخفش: أي: يمسح مسحا .

فأما السوق، فجمع ساق، مثل دور ودار . وهمز السؤق ابن كثير، قال أبو علي: وغير الهمز أحسن منه . وقرأ أبو عمران الجوني، وابن محيصن: "بالسؤوق" مثل الرؤوس . وفي المراد بالمسح هاهنا ثلاثة أقوال .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #468  
قديم 27-02-2023, 11:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد


تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ صَ
الحلقة (468)
صــ 131 إلى صــ 140





أحدها: أنه ضربها بالسيف . وروى أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في [ ص: 131 ] قوله: "فطفق مسحا بالسوق والأعناق" قال: "بالسيف" . وروى مجاهد عن ابن عباس قال: مسح أعناقها وسوقها بالسيف . وقال الحسن، وقتادة، وابن السائب: قطع أعناقها وسوقها، وهذا اختيار السدي، ومقاتل، والفراء، وأبي عبيدة، والزجاج، وابن قتيبة ، وأبي سليمان الدمشقي، والجمهور .

والثاني: أنه جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبا لها، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . وقال مجاهد: مسحها بيده، وهذا اختيار ابن جرير، والقاضي أبي يعلى .

[ ص: 132 ] والثالث: أنه كوى سوقها وأعناقها وحبسها في سبيل الله تعالى: حكاه الثعلبي .

والمفسرون على القول الأول، وقد اعترضوا [على] القول الثاني، وقالوا: أي مناسبة بين شغلها إياه عن الصلاة وبين مسح أعرافها حبا لها؟! ولا أعلم قوله: "حبا لها" يثبت عن ابن عباس . وحملوا قول مجاهد "مسحها بيده" أي: تولى ضرب أعناقها .

فإن قيل: فالقول الأول يفسد بأنه لا ذنب للحيوان، فكيف وجه العقوبة إليه وقصد التشفي بقتله، وهذا يشبه فعل الجبارين، لا فعل الأنبياء؟

فالجواب: أنه لم يكن ليفعل ذلك إلا وقد أبيح له، وجائز أن يباح له ما يمنع منه في شرعنا، على أنه إذا ذبحها كانت قربانا ، وأكل لحمها جائز، فما وقع تفريط، قال وهب بن منبه: لما ضرب سوقها وأعناقها، شكر الله تعالى له ذلك، فسخر له الريح مكانها، وهي أحسن في المنظر، وأسرع في السير، وأعجب في الأحدوثة .

قوله تعالى: ولقد فتنا سليمان أي: ابتليناه وامتحناه بسلب ملكه وألقينا على كرسيه أي: على سريره جسدا وفيه قولان .

أحدهما: أنه شيطان، قاله ابن عباس، والجمهور . وفي اسم ذلك الشيطان ثلاثة أقوال . أحدها: صخر، رواه العوفي عن ابن عباس . وذكر العلماء أنه كان شيطانا مريدا لم يسخر لسليمان . والثاني: آصف، قاله مجاهد، إلا أنه ليس بالمؤمن الذي عنده الاسم الأعظم، إلا أن بعض ناقلي التفسير حكى أنه [ ص: 133 ] آصف الذي عنده علم من الكتاب، وأنه لما فتن سليمان سقط الخاتم من يده فلم يثبت، فقال آصف: أنا أقوم مقامك إلى أن يتوب الله عليك، فقام في مقامه، وسار بالسيرة الجميلة، هذا لا يصح، ولا ذكره من يوثق به . والثالث: حبقيق، قاله السدي; والمعنى: أجلسنا على كرسيه في ملكه شيطانا . ثم أناب أي: رجع . وفيما رجع إليه قولان . أحدهما: تاب من ذنبه، قاله قتادة . والثاني: رجع إلى ملكه، قاله الضحاك .

وفي سبب ابتلاء سليمان بهذا خمسة أقوال . أحدها: أنه كانت له امرأة يقال لها: جرادة، وكان بين بعض أهلها وبين قوم خصومة، فقضى بينهم بالحق، إلا أنه ود أن الحق كان لأهلها، فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحدا، وأوحى الله تعالى إليه أنه سيصيبك بلاء، فكان لا يدري أيأتيه من السماء، أو من الأرض، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثاني: أن زوجته جرادة كانت آثر النساء عنده، فقالت له يوما: إن أخي بينه وبين فلان خصومة، وإني أحب أن تقضي له، فقال: نعم، ولم يفعل، فابتلي لأجل ما قال، قاله السدي . والثالث: أن زوجته جرادة كان قد سباها في غزاة له، وكانت بنت ملك فأسلمت، وكانت تبكي عنده بالليل والنهار، فسألها عن حالها، فقالت: أذكر أبي وما كنت فيه، فلو أنك أمرت الشياطين فصوروا صورته في داري فأتسلى بها، [ففعل]، فكانت إذا خرج سليمان، تسجد له هي وولائدها [أربعين صباحا، فلما علم سليمان، كسر تلك الصورة ، وعاقب المرأة وولائدها] ثم تضرع إلى الله تعالى مستغفرا مما كان في داره، فسلط الشيطان على خاتمه، [هذا قول وهب بن منبه . والرابع: أنه احتجب عن الناس ثلاثة أيام فأوحى الله تعالى [ ص: 134 ] إليه: يا سليمان، احتجبت عن الناس ثلاثة أيام فلم تنظر في أمور عبادي ولم تنصف مظلوما من ظالم؟! فسلط الشيطان على خاتمه]، قاله سعيد ابن المسيب . والخامس: أنه قارب امرأة من نسائه في الحيض أو غيره، قاله الحسن .

والقول الثاني: أن المراد بالجسد الذي ألقي على كرسيه: أنه ولد [له ولد] فاجتمعت الشياطين، فقال بعضهم لبعض: إن عاش له ولد، لم ينفعك من البلاء، [ ص: 135 ] فسبيلنا أن نقتل ولده أو نخبله، فعلم بذلك سليمان، [فأمر السحاب] فحمله، وعدا ابنه في السحاب خوفا من الشياطين، فعاتبه الله تعالى على تخوفه من الشياطين، ومات الولد، فألقي على كرسيه ميتا جسدا، قاله الشعبي .

والمفسرون على القول الأول . ونحن نذكر قصة ابتلائه على قول الجمهور .

الإشارة إلى ذلك

اختلف العلماء في كيفية ذهاب خاتم سليمان على قولين .

أحدهما: أنه كان جالسا على شاطئ البحر، فوقع منه في البحر، قاله علي رضي الله عنه .

والثاني: أن شيطانا أخذه، وفي كيفية ذلك أربعة أقوال .

أحدها: أنه دخل ذات يوم الحمام ووضع الخاتم تحت فراشه، فجاء الشيطان فأخذه وألقاه في البحر، وجعل الشيطان يقول: أنا نبي الله، قاله سعيد بن المسيب .

والثاني: أن سليمان قال للشيطان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك، فأعطاه إياه، فنبذه في البحر، فذهب ملك سليمان، وقعد الشيطان على كرسيه، قاله مجاهد .

والثالث: أنه دخل الحمام، ووضع خاتمه عند أوثق نسائه في نفسه، فأتاها الشيطان فتمثل لها في صورة سليمان وأخذ الخاتم منها، فلما خرج سليمان، طلبه [ ص: 136 ] منها، فقالت: قد دفعته إليك، فهرب سليمان، وجاء الشيطان فجلس على ملكه، قاله سعيد بن جبير .

والرابع: أنه دخل الحمام، وأعطى الشيطان خاتمه فألقاه الشيطان في البحر، فذهب ملك سليمان، وألقي على الشيطان شبهه، قاله قتادة .

فأما قصة الشيطان، فذكر أكثر المفسرين أنه لما أخذ الخاتم رمى به في البحر، وألقي عليه شبه سليمان، فجلس على كرسيه، وتحكم في سلطانه .

وقال السدي: لم يلقه في البحر حتى فر من مكان سليمان . وهل كان يأتي [نساء] سليمان؟ فيه قولان . أحدهما: أنه لم يقدر عليهن، قاله الحسن، وقتادة . والثاني: أنه كان يأتيهن في زمن الحيض، فأنكرنه، قاله سعيد ابن المسيب; والأول أصح . قالوا: وكان يقضي بقضايا فاسدة، ويحكم بما لا يجوز، فأنكره بنو إسرائيل، فقال بعضهم لبعض: إما أن تكونوا قد هلكتم أنتم، وإما أن يكون ملككم قد هلك، فاذهبوا إلى نسائه فاسألوهن، فذهبوا، فقلن: إنا والله قد أنكرنا ذلك; فلم يزل على حاله إلى أن انقضى زمن البلاء .

وفي كيفية بعد الشيطان عن مكان سليمان أربعة أقوال .

أحدها: أن سليمان وجد خاتمه فتختم به، ثم جاء فأخذ بناصية الشيطان، قاله سعيد بن المسيب .

[ ص: 137 ] والثاني: أن سليمان لما رجع إلى ملكه وجاءته الريح والطير والشياطين، فر الشيطان حتى دخل البحر، قاله مجاهد .

والثالث: أنه لما مضى أربعون يوما، طار الشيطان من مجلسه، قاله وهب .

والرابع: أن بني إسرائيل لما أنكروه، أتوه فأحدقوا به، ثم نشروا التوراة فقرؤوا، فطار بين أيديهم حتى ذهب إلى البحر، فوقع الخاتم منه في البحر فابتلعه حوت، قاله السدي .

وفي قدر مكث الشيطان قولان . أحدهما: أربعون يوما، قاله الأكثرون . والثاني: أربعة عشر يوما، حكاه الثعلبي .

وأما قصة سليمان عليه السلام، فإنه لما سلب خاتمه، ذهب ملكه، فانطلق هاربا في الأرض . قال مجاهد: كان يستطعم فلا يطعم، فيقول: لو عرفتموني أعطيتموني، أنا سليمان، فيطردونه، حتى أعطته امرأة حوتا، فوجد خاتمه في بطن الحوت . وقال سعيد بن جبير: انطلق سليمان حتى أتى ساحل البحر، فوجد صيادين قد صادوا سمكا كثيرا وقد أنتن عليهم بعضه، فأتاهم يستطعم، فقالوا: اذهب إلى تلك الحيتان فخذ منها، فقال: لا، أطعموني من هذا، فأبوا عليه، فقال: أطعموني فإني سليمان، فوثب إليه رجل منهم فضربه بالعصا غضبا لسليمان، فأتى تلك الحيتان فأخذ منها شيئا، فشق بطن حوت، فإذا هو بالخاتم . وقال الحسن: ذكر لي أنه لم يؤوه أحد من الناس، ولم يعرف أربعين ليلة، وكان يأوي إلى امرأة مسكينة، فبينما هو يوما على شط نهر، وجد سمكة، فأتى بها المرأة فشقتها فإذا بالخاتم . وقال الضحاك: اشترى سمكة من امرأة فشق بطنها فوجد خاتمه .

وفي المدة التي سلب فيها الملك قولان . أحدهما: أربعون ليلة، [ ص: 138 ] كما ذكرنا عن الحسن . والثاني: خمسون ليلة: قاله سعيد بن جبير . قال المفسرون: فلما جعل الخاتم في يده، رد الله عليه بهاءه وملكه، فأظلته الطير، وأقبل لا يستقبله جني ولا طائر ولا حجر ولا شجر إلا سجد له، حتى انتهى إلى منزله . قال السدي: ثم أرسل إلى الشيطان، فجيء به، فأمر به فجعل في صندوق من حديد، ثم أطبق عليه وأقفل، وختم عليه بخاتمه، ثم أمر به فألقي في البحر، فهو فيه إلى أن تقوم الساعة . وقال وهب: جاب صخرة فأدخله فيها، ثم أوثقها بالحديد والرصاص، ثم قذفه في البحر .

قوله تعالى: وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فتح الياء نافع، وأبو عمرو . وفيه قولان .

أحدهما: لا يكون لأحد بعدي، قاله مقاتل، وأبو عبيدة . وقد أخرج البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي، فأمكنني الله منه، فأخذته، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخي سليمان: ( هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ) ، فرددته خاسئا" .

[ ص: 139 ] والثاني: لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني في حياتي، كما فعل الشيطان الذي جلس على كرسيه، قاله الحسن، وقتادة . وإنما طلب هذا الملك، ليعلم أنه قد غفر له، ويعرف منزلته بإجابة دعوته، قاله الضحاك . ولم يكن في ملكه حين دعا بهذا الريح ولا الشياطين فسخرنا له الريح وقرأ أبو الجوزاء، وأبو جعفر، وأبو المتوكل: "الرياح" على الجمع .

[ ص: 140 ] قوله تعالى: رخاء فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: مطيعة، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، والضحاك . والثاني: أنها الطيبة، قاله مجاهد . والثالث: اللينة، مأخوذ من الرخاوة، قاله اللغويون .

فإن قيل: كيف وصفها بهذا بعد أن وصفها في سورة [الأنبياء: 81] بأنها عاصفة؟

فالجواب: أن المفسرين قالوا: كان يأمر العاصف تارة ويأمر الرخاء أخرى . وقال ابن قتيبة : كأنها كانت تشتد إذا أراد، وتلين إذا أراد .

قوله تعالى: حيث أصاب أي: حيث قصد وأراد . قال الأصمعي: تقول العرب: أصاب فلان الصواب فأخطأ الجواب، أي: أراد الصواب .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #469  
قديم 27-02-2023, 11:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ صَ
الحلقة (469)
صــ 141 إلى صــ 150






قوله تعالى: والشياطين أي: وسخرنا له الشياطين كل بناء يبنون له ما يشاء وغواص يغوصون له في البحار فيستخرجون الدر، وآخرين أي: وسخرنا له آخرين، وهم مردة الشياطين، سخرهم له حتى قرنهم في الأصفاد لكفرهم . قال مقاتل: أوثقهم في الحديد . وقد شرحنا [ ص: 141 ] معنى مقرنين في الأصفاد في سورة نبي الله إبراهيم عليه السلام [إبراهيم: 49] .

هذا عطاؤنا المعنى: قلنا له: هذا عطاؤنا . وفي المشار إليه قولان .

أحدهما: أنه جميع ما أعطي، فامنن أو أمسك أي: أعط من شئت من المال، وامنع من شئت . والمن: الإحسان إلى من لا يطلب ثوابه .

والثاني: أنه إشارة إلى الشياطين المسخرين له; فالمعنى: فامنن على من شئت باطلاقه، وأمسك من شئت منهم . وقد روي معنى القولين عن ابن عباس .

قوله تعالى: بغير حساب قال الحسن: لا تبعة عليك في الدنيا ولا في الآخرة . وقال سعيد بن جبير: ليس عليك حساب يوم القيامة . وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: هذا عطاؤنا بغير حساب فامنن أو أمسك .

وما بعد هذا قد سبق تفسيره [سبإ: 37، الرعد: 29، الأنبياء: 83] إلى قوله: مسني الشيطان وذلك أن الشيطان سلط عليه، فأضاف ما أصابه إليه .

قوله تعالى: بنصب قرأ الأكثرون بضم النون وسكون الصاد; وقرأ [ ص: 142 ] الحسن، وابن أبي عبلة، وابن السميفع، والجحدري ، ويعقوب: بفتحهما . وهل بينهما فرق؟ فيه قولان .

أحدهما: أنهما سواء . قال الفراء: هما كالرشد والرشد، والعدم والعدم، والحزن والحزن; وكذلك قال ابن قتيبة ، والزجاج . قال المفسرون: والمراد بالنصب: الضر الذي أصابه .

والثاني: أن النصب بتسكين الصاد: الشر، وبتحريكها: الإعياء، قاله أبو عبيدة .

وقرأت عائشة، ومجاهد، وأبو عمران، وأبو جعفر، وشيبة، وأبو عمارة، عن حفص: "بنصب" بضم النون والصاد جميعا . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو الجوزاء، وهبيرة عن حفص: "بنصب" بفتح النون وسكون الصاد .

وفي المراد بالعذاب قولان . أحدهما: أنه العذاب الذي أصاب جسده . والثاني: أنه أخذ ماله وولده .

قوله تعالى: اركض أي: اضرب الأرض برجلك ، [ ص: 143 ] ومنه: ركضت الفرس . فركض فنبعت عين ماء، فذلك قوله عز وجل: هذا مغتسل بارد وشراب قال ابن قتيبة : المغتسل: الماء، وهو الغسول أيضا . قال الحسن: ركض برجله فنبعت عين [فاغتسل منها، ثم مشى نحوا من أربعين ذراعا، ثم ركض برجله فنبعت عين] فشرب منها; وعلى هذا جمهور العلماء أنه ركض ركضتين فنبعت له عينان، فاغتسل من واحدة، وشرب من الأخرى .

قوله تعالى: وخذ بيدك ضغثا كان قد حلف لئن شفاه الله ليجلدن زوجته مائة جلدة . وفي سبب هذه اليمين ثلاثة أقوال .

أحدها: أن إبليس جلس في طريق زوجة أيوب كأنه طبيب، فقالت له: يا عبد الله: إن ها هنا إنسانا مبتلى، فهل لك أن تداويه؟ قال: نعم، إن شاء شفيته، على أن يقول إذا برأ: أنت شفيتني، فجاءت فأخبرته، فقال: ذاك الشيطان، لله علي إن شفاني أن أجلدك مائة جلدة، رواه يوسف بن مهران [ ص: 144 ] عن ابن عباس .

والثاني: أن إبليس لقيها فقال: إني أنا الذي فعلت بأيوب ما به، وأنا إله الأرض، وما أخذته منه فهو بيدي، فانطلقي أريك، فمشى بها غير بعيد، ثم سحر بصرها، فأراها واديا عميقا فيه أهلها وولدها ومالها، فأتت أيوب فأخبرته، فقال: ذاك الشيطان، ويحك كيف وعى قوله سمعك؟ والله لئن شفاني الله عز وجل لأجلدنك مائة، قاله وهب بن منبه .

والثالث: أن إبليس جاء إلى زوجته بسخلة، فقال: ليذبح لي هذه وقد برأ; فأخبرته، فحلف ليجلدنها، وقد ذكرنا هذا القول في سورة [الأنبياء: 83] عن الحسن .

فأما الضغث، فقال الفراء: هو كل ما جمعته من شيء مثل الحزمة الرطبة، قال: وما قام على ساق واستطال ثم جمعته، فهو ضغث . وقال ابن قتيبة : هو الحزمة من الخلال والعيدان . قال الزجاج : هو الحزمة من الحشيش والريحان وما أشبهه . قال المفسرون: جزى الله زوجته بحسن صبرها أن أفتاه في ضربها فسهل الأمر، فجمع لها مائة عود، وقيل: مائة سنبلة، وقيل: كانت أسلا، وقيل: من الإذخر، وقيل: كانت شماريخ، فضربها بها ضربة واحدة ولم يحنث في يمينه . وهل ذلك خاص له، أم لا؟ فيه قولان .

[ ص: 145 ] أحدهما: أنه عام، وبه قال ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، [وابن أبي ليلى] . والثاني: أنه خاص لأيوب، قاله مجاهد .

فصل

وقد اختلف الفقهاء فيمن حلف أن يضرب عبده عشرة أسواط فجمعها كلها وضربه بها ضربة واحدة، فقال مالك، والليث بن سعد: لا يبر، وبه قال أصحابنا . وقال أبو حنيفة والشافعي: إذا أصابه في الضربة الواحدة كل واحد منها، فقد بر، واحتجوا بعموم قصة أيوب عليه الصلاة والسلام .

قوله تعالى: إنا وجدناه صابرا أي: على البلاء الذي ابتليناه به .
واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار . إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار . وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار . واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار . هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب . جنات عدن مفتحة لهم الأبواب . متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب . وعندهم قاصرات الطرف أتراب . هذا ما توعدون ليوم الحساب . إن هذا لرزقنا ما له من نفاد .

[ ص: 146 ] قوله تعالى: واذكر عبادنا وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وحميد، وابن محيصن، وابن كثير: "عبدنا"، إشارة إلى إبراهيم، وجعلوا إسحاق ويعقوب عطفا عليه، لأنه الأصل وهما ولداه، والمعنى: اذكر صبرهم، فإبراهيم ألقي في النار، وإسحاق أضجع للذبح، ويعقوب صبر على ذهاب بصره وابتلي بفقد ولده; ولم يذكر إسماعيل معهم، لأنه لم يبتل كما ابتلوا .

أولي الأيدي يعني القوة في الطاعة والأبصار البصائر في الدين والعلم . قال ابن جرير: وذكر الأيدي مثل، وذلك لأن باليد البطش، وبالبطش تعرف قوة القوي، فلذلك قيل للقوي: ذو يد; وعنى بالبصر: بصر القلب، وبه تنال معرفة الأشياء . وقرأ ابن مسعود، والأعمش، وابن أبي عبلة: "أولي الأيد" بغير ياء في الحالين . قال الفراء: ولها وجهان . أحدهما: أن يكون القارئ لهذا أراد الأيدي، فحذف الياء، وهو صواب، مثل الجوار والمناد . والثاني: أن يكون من القوة والتأييد، من قوله: وأيدناه بروح القدس [البقرة: 87] .

قوله تعالى: إنا أخلصناهم أي: اصطفيناهم وجعلناهم لنا خالصين، فأفردناهم بمفردة من خصال الخير; ثم أبان عنها بقوله: ذكرى الدار .

وفي المراد بالدار هاهنا قولان . أحدهما: الآخرة . والثاني: الجنة .

وفي الذكرى قولان .

[ ص: 147 ] أحدهما: أنها من الذكر، فعلى هذا يكون المعنى: أخلصناهم بذكر الآخرة، فليس لهم ذكر غيرها، قاله مجاهد، وعطاء، والسدي . وكان الفضيل ابن عياض رحمة الله عليه يقول: هو الخوف الدائم في القلب .

والثاني: أنها التذكير، فالمعنى أنهم يدعون الناس إلى الآخرة وإلى عبادة الله تعالى، قاله قتادة .

وقرأ نافع: "بخالصة ذكرى الدار"، فأضاف "خالصة" إلى "ذكرى الدار" .

قال أبو علي: تحتمل قراءة من نون وجهين، أحدهما: أن تكون "ذكرى" بدلا من "خالصة"، والتقدير: أخلصناهم بذكر الدار، والثاني: أن يكون المعنى: أخلصناهم بأن يذكروا الدار بالتأهب للآخرة والزهد في الدنيا . ومن أضاف، فالمعنى: أخلصناهم بإخلاصهم ذكرى الدار بالخوف منها . وقال ابن زيد: أخلصناهم بأفضل ما في الجنة .

قوله تعالى: وإنهم عندنا لمن المصطفين أي: من الذين اتخذهم الله صفوة فصفاهم من الأدناس الأخيار الذين اختارهم .

واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل أي: اذكرهم بفضلهم وصبرهم لتسلك طريقهم واليسع نبي، واسمه أعجمي معرب، وقد ذكرناه في [الأنعام: 85]، وشرحنا في سورة [الأنبياء: 85] قصة ذي الكفل، وتكلمنا في [البقرة: 125] في اسم إسماعيل، وزعم مقاتل أن إسماعيل هذا ليس بابن إبراهيم .

[ ص: 148 ] قوله تعالى: هذا ذكر أي: شرف وثناء جميل يذكرون به أبدا وإن للمتقين لحسن مآب أي: حسن مرجع يرجعون إليه في الآخرة .

ثم بين ذلك المرجع، فقال: جنات عدن مفتحة لهم الأبواب قال الفراء: إنما رفعت "الأبواب" لأن المعنى: مفتحة لهم أبوابها، والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة، فيقولون: مررت على رجل حسن العين، وقبيح الأنف، والمعنى: حسنة عينه، قبيح أنفه، ومنه قوله تعالى: فإن الجحيم هي المأوى [النازعات: 39] والمعنى: مأواه . وقال الزجاج : المعنى: مفتحة لهم الأبواب منها، فالألف واللام للتعريف، لا للبدل . قال ابن جرير: والفائدة في ذكر تفتيح الأبواب أن الله عز وجل أخبر عنها أن أبوابها تفتح لهم بغير فتح سكانها لها بيد، ولكن بالأمر، قال الحسن: هي أبواب تكلم، فتكلم: انفتحي، انغلقي .

قوله تعالى: وعندهم قاصرات الطرف قد مضى بيانه في [الصافات: 48] .

قال الزجاج : والأتراب: اللواتي أسنانهن واحدة وهن في غاية الشباب والحسن .

قوله تعالى: هذا ما توعدون قرأ أبو عمرو، وابن كثير بالياء، والباقون بالتاء .

قوله تعالى: ليوم الحساب اللام بمعنى "في" . والنفاد: الانقطاع . قال السدي: كلما أخذ من رزق الجنة شيء، عاد مثله .
[ ص: 149 ] هذا وإن للطاغين لشر مآب . جهنم يصلونها فبئس المهاد . هذا فليذوقوه حميم وغساق . وآخر من شكله أزواج . هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالو النار . قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار . قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار . وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار . أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار . إن ذلك لحق تخاصم أهل النار . قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار . رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار .

قوله تعالى: هذا المعنى: هذا الذي ذكرناه وإن للطاغين يعني الكافرين لشر مآب ، ثم بين ذلك بقوله: جهنم والمهاد: الفراش . هذا فليذوقوه قال الفراء: في الآية تقديم وتأخير، تقديره: هذا حميم وغساق فليذوقوه; وإن شئت جعلت الحميم مستأنفا، كأنك قلت: هذا فليذوقوه، ثم قلت: منه حميم، ومنه غساق، كقول الشاعر:


حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس وغودر البقل ملوي ومحصود


فأما الحميم، فهو الماء الحار . وأما الغساق، ففيه لغتان، قرأ حمزة، والكسائي، [ ص: 150 ] وخلف، وحفص: بالتشديد، وكذلك في [عم يتساءلون: 25]، تابعهم المفضل في عم يتساءلون ، وقرأ الباقون بالتخفيف وفي الغساق أربعة أقوال .

أحدها: الزمهرير، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وقال مجاهد: الغساق لا يستطيعون أن يذوقوه من برده .

والثاني: أنه ما يجري من صديد أهل النار، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال عطية، وقتادة، وابن زيد .

والثالث: أن الغساق: عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة من حية أو عقرب أو غيرها، فيستنقع، فيؤتى بالآدمي فيغمس فيها غمسة، فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام، ويجر لحمه جر الرجل ثوبه، قاله كعب .

والرابع: أنه ما يسيل من دموعهم، قاله السدي . قال أبو عبيدة: الغساق: ما سال، يقال: غسقت العين والجرح . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن قتيبة قال: لم يكن أبو عبيدة [يذهب] إلى أن في القرآن شيئا من غير لغة العرب، وكان يقول: هو اتفاق يقع بين اللغتين، وكان [غيره] يزعم أن الغساق: البارد المنتن بلسان الترك . وقيل: فعال، من غسق يغسق; فعلى هذا يكون عربيا . وقيل في معناه: إنه الشديد البرد، يحرق من برده، وقيل: هو ما يسيل من جلود أهل النار من الصديد .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #470  
قديم 27-02-2023, 11:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سورة الزمر
الحلقة (470)
صــ 151 إلى صــ 160





قوله تعالى: وآخر قرأ أبو عمرو، والمفضل: "وأخر" بضم الهمزة من غير مد، فجمعا لأجل نعته بالأزواج، وهي جمع . وقرأ الباقون بفتح الألف ومده على التوحيد، واحتجوا بأن العرب تنعت الاسم إذا كان فعلا بالقليل [ ص: 151 ] والكثير; قال الفراء: تقول: عذاب فلان ضروب شتى، وضربان مختلفان; وإن شئت جعلت الأزواج نعتا للحميم والغساق والآخر، فهن ثلاثة، والأشبه أن تجعله صفة لواحد، وقال الزجاج : من قرأ "وآخر" بالمد، فالمعنى: وعذاب آخر من شكله أي: مثل الأول . ومن قرأ: "وأخر"، فالمعنى: وأنواع أخر، لأن قوله: أزواج بمعنى أنواع . وقال ابن قتيبة : "من شكله" أي: من نحوه، "أزواج" أي: أصناف . وقال ابن جرير: "من شكله" أي: من نحو الحميم . قال ابن مسعود في قوله: "وآخر من شكله": هو الزمهرير . وقال الحسن: لما ذكر الله تعالى العذاب الذي يكون في الدنيا، قال: "وآخر من شكله" أي: وآخر لم ير في الدنيا .

قوله تعالى: هذا فوج هذا قول الزبانية للقادة المتقدمين في الكفر إذا جاؤوهم بالأتباع . وقيل: بل هو قول الملائكة لأهل النار كلما جاؤوهم بأمة بعد أمة . والفوج: الجماعة من الناس، وجمعه: أفواج . والمقتحم: الداخل في الشيء رميا بنفسه . قال ابن السائب: إنهم يضربون بالمقامع، فيلقون أنفسهم في النار ويثبون فيها خوفا من تلك المقامع . فلما قالت [ ص: 152 ] الملائكة ذلك لأهل النار، قالوا: لا مرحبا بهم، فاتصل الكلام كأنه قول واحد، وإنما الأول من قول الملائكة، والثاني من قول أهل النار; وقد بينا مثل هذا في قوله: ليعلم أني لم أخنه بالغيب [يوسف: 52] . والرحب والرحب: السعة . والمعنى: لا اتسعت بهم مساكنهم . قال أبو عبيدة: تقول العرب للرجل: لا مرحبا [بك] أي: لا رحبت عليك الأرض . وقال ابن قتيبة : معنى قولهم: "مرحبا وأهلا" أي: أتيت رحبا، أي: سعة، وأهلا، أي: أتيت أهلا لا غرباء، فائنس ولا تستوحش، وسهلا، أي: أتيت سهلا لا حزنا، وهو في مذهب الدعاء، كما تقول، لقيت خيرا . قال الزجاج : و "مرحبا" منصوب بقوله: رحبت بلادك مرحبا، وصادفت مرحبا، فأدخلت "لا" على ذلك المعنى .

قوله تعالى" إنهم صالو النار أي: داخلوها كما دخلناها، ومقاسون حرها . فأجابهم القوم، فـ قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا . إن قلنا: إن هذا قول الأتباع للرؤساء، فالمعنى: أنتم زينتم لنا الكفر; [وإن قلنا: إنه قول الأمة المتأخرة للأمة المتقدمة، فالمعنى: أنتم شرعتم لنا الكفر] وبدأتم به قبلنا، فدخلتم النار قبلنا فبئس القرار أي: بئس المستقر والمنزل .

قالوا ربنا من قدم لنا هذا أي: من سنه وشرعه فزده عذابا ضعفا في النار وقد شرحناه في [الأعراف: 38] . وفي القائلين لهذا قولان . أحدهما: أنه قول جميع أهل النار، قاله ابن السائب . والثاني: قول الأتباع . قاله مقاتل .

قوله تعالى: وقالوا يعني أهل النار ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار قال المفسرون: إذا دخلوا النار، نظروا فلم يروا من كان [ ص: 153 ] يخالفهم من المؤمنين، فيقولون ذلك . قال مجاهد: يقول أبو جهل في النار: أين صهيب، أين عمار، أين خباب، أين بلال؟!

قوله تعالى: أتخذناهم سخريا قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: "من الأشرار اتخذناهم" بالوصل على الخبر; أي: [إنا] اتخذناهم، وهؤلاء يبتدئون بكسر الهمزة . وقرأ الباقون بقطع الألف وفتحها على معنى الاستفهام، وهؤلاء يبتدئون بفتح الهمزة . وقال الفراء: وهذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ، والمعنى أنهم يوبخون أنفسهم على ما صنعوا بالمؤمنين . و "سخريا" يقرأ بضم السين وكسرها . وقد شرحناها في آخر سورة [المؤمنين: 110] أم زاغت عنهم الأبصار أي: وهم معنا في النار ولا نراهم؟! وقال أبو عبيدة: "أم" هاهنا بمعنى "بل" .

قوله تعالى: إن ذلك لحق قال الزجاج : [أي]: إن الذي وصفناه عنهم لحق . ثم بين ما هو، فقال: هو تخاصم أهل النار وقرأ أبو الجوزاء، وأبو الشعثاء، وأبو عمران، وابن أبي عبلة: "تخاصم" برفع الصاد وفتح الميم، وكسر اللام من "أهل" وقرأ أبو مجلز، وأبو العالية، وأبو المتوكل، وابن السميفع: "تخاصم أهل" بفتح الصاد والميم ورفع اللام .
قل هو نبأ عظيم . أنتم عنه معرضون . ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون . إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين . إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين . [ ص: 154 ] فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين . قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين . قال فاخرج منها فإنك رجيم . وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين . قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون . قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم . قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين . قال فالحق والحق أقول . لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين . قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين . إن هو إلا ذكر للعالمين . ولتعلمن نبأه بعد حين .

قوله تعالى: قل هو نبأ عظيم النبأ: الخبر . وفي المشار إليه قولان . أحدهما: أنه القرآن، قاله ابن عباس، ومجاهد، والجمهور . والثاني: أنه البعث بعد الموت، قاله قتادة . أنتم عنه معرضون أي: لا تتفكرون فيه فتعلمون صدقي في نبوتي، وأن ما جئت به من الأخبار عن قصص الماضين لم أعلمه إلا بوحي من الله . ويدل على هذا المعنى قوله: ما كان لي من علم بالملإ الأعلى يعني الملائكة إذ يختصمون في شأن آدم حين قال الله تعالى: إني جاعل في الأرض خليفة [البقرة:30]; والمعنى: إني [ ص: 155 ] ما علمت هذا إلا بوحي، إن يوحى إلي أي: ما يوحى إلي إلا أنما أنا نذير [أي]: إلا أني نبي أنذركم وأبين لكم ما تأتونه وتجتنبونه .

إذ قال ربك هذا متصل بقوله: "يختصمون"، وإنما اعترضت تلك الآية بينهما . قال ابن عباس: اختصموا حين شووروا في خلق آدم، فقال الله لهم: إني جاعل في الأرض خليفة ، وهذه الخصومة منهم إنما كانت مناظرة بينهم . وفي مناظرتهم قولان .

أحدهما: أنه قولهم: أتجعل فيها من يفسد فيها [البقرة: 30]، قاله ابن عباس، ومقاتل .

والثاني: أنهم قالوا: لن يخلق الله خلقا إلا كنا أكرم منه وأعلم، قاله الحسن; هذا قول الأكثر من المفسرين . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رأيت ربي عز وجل، فقال لي: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: أنت أعلم يا رب، قال: في الكفارات والدرجات، فأما الكفارات، فإسباغ الوضوء في السبرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة . وأما الدرجات، فإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام" .

[ ص: 156 ] [ ص: 157 ] قوله تعالى: أستكبرت أي: أستكبرت بنفسك حين أبيت السجود أم كنت من العالين أي: من قوم يتكبرون فتكبرت عن السجود لكونك من قوم يتكبرون؟!

قوله تعالى: فإنك رجيم أي: مرجوم بالذم واللعن .

قوله تعالى: إلى يوم الوقت المعلوم وهو وقت النفخة الأولى، وهو حين موت الخلائق .

وقوله: فبعزتك يمين بمعنى: فوعزتك . وما أخللنا به في هذه القصة فهو مذكور في [الأعراف: 12] و [الحجر: 34] وغيرهما مما تقدم .

قوله تعالى: قال فالحق والحق أقول قرأ عاصم إلا حسنون عن هبيرة، وحمزة، وخلف، وزيد عن يعقوب: "فالحق" بالرفع في الأول ونصب الثاني، وهذا مروي عن ابن عباس، ومجاهد; قال ابن عباس في معناه: [ ص: 158 ] فأنا الحق وأقول الحق; وقال غيره: خبر الحق محذوف، تقديره: الحق مني . وقرأ محبوب عن أبي عمرو بالرفع فيهما; قال الزجاج : من رفعهما جميعا، كان المعنى فأنا الحق والحق أقول وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ، وابن عامر، والكسائي: بالنصب فيهما . قال الفراء: وهو على معنى قولك: حقا لآتينك، ووجود الألف واللام وطرحهما سواء، وهو بمنزلة قولك: حمدا لله . وقال مكي بن أبي طالب: انتصب الحق الأول على الإغراء، أي: اتبعوا الحق، واسمعوا والزموا الحق . وقيل: هو نصب على القسم، كما تقول: الله لأفعلن، فتنصب حين حذفت الجار، لأن تقديره: فبالحق; فأما الحق الثاني، فيجوز أن يكون الأول، وكرره توكيدا، ويجوز أن يكون منصوبا بـ "أقول"، كأنه قال: وأقول الحق . وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وأبو رجاء، ومعاذ القارئ، [والأعمش]: "فالحق" بكسر القاف "والحق" بنصبها . وقرأ أبو عمران [الجوني] بكسر القافين جميعا . وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وأبو نهيك: "فالحق" بالنصب "والحق" بالرفع .

قوله تعالى: لأملأن جهنم منك أي: من نفسك وذريتك .

قل ما أسألكم عليه من أجر أي: على تبليغ الوحي وما أنا من المتكلفين أي: لم أتكلف إتيانكم من قبل نفسي، إنما أمرت أن آتيكم، ولم أقل القرآن من تلقاء نفسي، إنما أوحي إلي .

[ ص: 159 ] إن هو أي: ما هو، يعني القرآن إلا ذكر أي: موعظة للعالمين .

ولتعلمن يا معاشر الكفار نبأه أي: خبر صدق القرآن بعد حين وفيه ثلاثة أقوال . أحدها: بعد الموت . والثاني: يوم القيامة، رويا عن ابن عباس، وبالأول يقول قتادة، وبالثاني يقول عكرمة . والثالث: يوم بدر، قاله السدي، ومقاتل . وقال ابن السائب: من بقي إلى أن ظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ذلك، ومن مات علمه بعد الموت . وذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك .
[ ص: 160 ] سورة الزمر

وتسمى سورة الغرف

فصل في نزولها

روى العوفي وابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكية، وبه قال الحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وجابر بن زيد . وروي عن ابن عباس أنه قال: فيها آيتان نزلتا بالمدينة: قوله: الله نزل أحسن الحديث [الزمر: 23] وقوله: يا عبادي الذين أسرفوا [الزمر: 53] . وقال مقاتل: فيها من المدني قل يا عبادي الذين أسرفوا . . . الآية [الزمر: 53]، وقوله: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة [الزمر: 10] . وفي رواية أخرى عنه قال: فيها آيتان مدنيتان يا عبادي الذين أسرفوا [الزمر: 53] وقوله: يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم [الزمر: 10] . وقال بعض السلف: فيها ثلاث آيات مدنيات قل يا عبادي الذين أسرفوا إلى قوله: وأنتم لا تشعرون [الزمر:53-55] .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 402.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 396.77 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]