|
|||||||
| ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#11
|
||||
|
||||
![]() بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد السادس الحلقة (428) سُورَةُ الشُّعَرَاءِ . صـ 123 إلى صـ 130 قوله تعالى : بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون . أظهر أقوال أهل العلم عندي في هذه الآية الكريمة أن المعنى : بل ادارك علمهم ، أي : تكامل علمهم في الآخرة حين يعاينونها ، أي : يعلمون في الآخرة علما كاملا ، ما كانوا يجهلونه في الدنيا ، وقوله : بل هم في شك منها بل هم منها عمون ، أي : في دار الدنيا ، فهذا الذي كانوا يشكون فيه في دار الدنيا ، ويعمون عنه مما جاءتهم به الرسل ، يعلمونه في الآخرة علما كاملا لا يخالجه شك ، عند معاينتهم لما كانوا ينكرونه من البعث والجزاء . وإنما اخترنا هذا القول دون غيره من أقوال المفسرين في الآية ، لأن القرآن دل عليه دلالة واضحة في آيات متعددة ; كقوله تعالى : أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين [ 19 \ 38 ] فقوله : أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ، بمعنى : ما أسمعهم وما أبصرهم للحق الذي كانوا ينكرونه يوم يأتوننا ، أي : يوم القيامة ، وهذا يوضح معنى قوله : بل ادارك علمهم في الآخرة ، أي : تكامل علمهم فيها لمبالغتهم في سمع الحق وإبصاره في ذلك الوقت ، وقوله : لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين [ 19 \ 38 ] يوضح معنى قوله : بل هم في شك منها بل هم منها عمون ، لأن ضلالهم المبين اليوم ، أي : في دار الدنيا ، هو شكهم في الآخرة ، وعماهم [ ص: 123 ] عنها ; وكقوله تعالى : فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد [ 50 \ 22 ] أي : علمك اليوم بما كنت تنكره في الدنيا مما جاءتك به الرسل حديد ، أي : قوي كامل . وقد بينا في كتابنا " دفع إبهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ، في سورة " الشورى " ، في الجواب عما يتوهم من التعارض بين قوله تعالى : ينظرون من طرف خفي [ 42 \ 45 ] وقوله تعالى : فبصرك اليوم حديد [ 50 \ 22 ] أن المراد بحدة البصر في ذلك اليوم : كمال العلم وقوة المعرفة . وقوله تعالى : ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون [ 32 \ 12 ] فقوله : إنا موقنون أي : يوم القيامة ، يوضح معنى قوله هنا : بل ادارك علمهم في الآخرة ، وكقوله تعالى : وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ووضع [ 18 \ 48 ] فعرضهم على ربهم صفا يتدارك به علمهم ، لما كانوا ينكرونه ، وقوله : بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ، صريح في أنهم في الدنيا كانوا في شك وعمى عن البعث والجزاء كما ترى ، إلى غير ذلك من الآيات . واعلم أن قوله : بل ادارك ، فيه اثنتا عشرة قراءة اثنتان منها فقط سبعيتان ، فقد قرأه عامة السبعة غير ابن كثير وأبي عمرو : بل ادارك بكسر اللام من بل وتشديد الدال بعدها ألف والألف التي قبل الدال همزة وصل ، وأصله : تدارك بوزن : تفاعل ، وقد قدمنا وجه الإدغام ، واستجلاب همزة الوصل في تفاعل وتفعل وأمثلة ذلك في القرآن ، وبعض شواهده العربية في سورة " طه " ، في الكلام على قوله تعالى : فإذا هي تلقف ما يأفكون [ 7 \ 117 ] وقرأه ابن كثير وأبو عمرو : بل أدرك بسكون اللام من بل ، وهمزة قطع مفتوحة ، مع سكون الدال على وزن : أفعل . والمعنى على قراءة الجمهور : بل ادارك علمهم ، أي : تدارك بمعنى تكامل ; كقوله : حتى إذا اداركوا فيها جميعا [ 7 \ 38 ] وعلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو : بل أدرك . قال البغوي : أي بلغ ولحق ، كما يقال : أدرك علمي إذا لحقه وبلغه ، والإضراب في قوله تعالى : بل ادارك ، بل هم في شك ، بل هم منها عمون ، إضراب انتقالي ، والظاهر أن من في قوله تعالى : بل هم منها عمون ، بمعنى : عن ، [ ص: 124 ] و عمون جمع عم ، وهو الوصف من عمي يعمى فهو أعمى وعم ، ومنه قوله تعالى : إنهم كانوا قوما عمين [ 7 \ 64 ] وقول زهير في معلقته : وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عم قوله تعالى : إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون . ومن ذلك اختلافهم في عيسى ، فقد قدمنا في سورة " مريم " ، ادعاءهم على أمه الفاحشة ، مع أن طائفة منهم آمنت به ; كما يشير إليه قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة [ 61 \ 41 ] والطائفة التي آمنت قالت الحق في عيسى ، والتي كفرت افترت عليه وعلى أمه ، كما تقدم إيضاحه في سورة " مريم " . وقد قص الله عليهم في سورة " مريم " وسورة " النساء " وغيرهما ، حقيقة عيسى ابن مريم ، وهي أنه عبد الله [ 19 \ 30 ] ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه [ 4 \ 171 ] ولما بين لهم حقيقة أمره مفصلة في سورة " مريم " قال : ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون [ 19 \ 34 ] وذلك يبين بعض ما دل عليه قوله تعالى هنا : إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون . قوله تعالى : وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين . قد قدمنا الآيات الموضحة له في أول سورة " الكهف " في الكلام على قوله تعالى : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب الآية [ 18 \ 1 ] . قوله تعالى : إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين . اعلم أن التحقيق الذي دلت عليه القرائن القرآنية واستقراء القرآن أن معنى قوله : إنك لا تسمع الموتى ، لا يصح فيه من أقوال العلماء ، إلا تفسيران : الأول : أن المعنى : إنك لا تسمع الموتى ، أي : لا تسمع الكفار الذين أمات الله قلوبهم ، وكتب عليهم الشقاء في سابق علمه إسماع هدى وانتفاع ; لأن الله كتب عليهم الشقاء ، فختم على قلوبهم ، وعلى سمعهم ، وجعل على قلوبهم الأكنة ، وفي آذانهم الوقر ، [ ص: 125 ] وعلى أبصارهم الغشاوة ، فلا يسمعون الحق سماع اهتداء وانتفاع . ومن القرائن القرآنية الدالة على ما ذكرنا ، أنه جل وعلا قال بعده : وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع [ 27 \ 81 ] . فاتضح بهذه القرينة أن المعنى : إنك لا تسمع الموتى ، أي : الكفار الذين هم أشقياء في علم الله إسماع هدى وقبول للحق ، ما تسمع ذلك الإسماع وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ، فمقابلته جل وعلا بالإسماع المنفي في الآية عن الموتى بالإسماع المثبت فيها لمن يؤمن بآياته ، فهو مسلم دليل واضح على أن المراد بالموت في الآية موت الكفر والشقاء ، لا موت مفارقة الروح للبدن ، ولو كان المراد بالموت في قوله : إنك لا تسمع الموتى ، مفارقة الروح للبدن لما قابل قوله : إنك لا تسمع الموتى بقوله : إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا بل لقابله بما يناسبه ، كأن يقال : إن تسمع إلا من لم يمت ، أي : يفارق روحه بدنه ، كما هو واضح . وإذا علمت أن هذه القرينة القرآنية دلت على أن المراد بالموتى هنا الأشقياء ، الذين لا يسمعون الحق سماع هدى وقبول . فاعلم أن استقراء القرآن العظيم يدل على هذا المعنى ; كقوله تعالى : إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون [ 6 \ 36 ] وقد أجمع من يعتد به من أهل العلم أن المراد بالموتى في قوله : والموتى يبعثهم الله : الكفار ، ويدل له مقابلة الموتى في قوله : والموتى يبعثهم الله بالذين يسمعون في قوله : إنما يستجيب الذين يسمعون ، ويوضح ذلك قوله تعالى قبله : وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية [ 6 \ 35 ] أي : فافعل ، ثم قال : ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين إنما يستجيب الذين يسمعون الآية [ 6 \ 35 - 36 ] وهذا واضح فيما ذكرنا . ولو كان يراد بالموتى من فارقت أرواحهم أبدانهم لقابل الموتى بما يناسبهم ; كأن يقال : إنما يستجيب الأحياء ، أي : الذين لم تفارق أرواحهم أبدانهم ، وكقوله تعالى : أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون [ 6 \ 122 ] . [ ص: 126 ] فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : أومن كان ميتا ، أي : كافرا فأحييناه ، أي : بالإيمان والهدى ، وهذا لا نزاع فيه ، وفيه إطلاق الموت وإرادة الكفر بلا خلاف ; وكقوله : لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين [ 36 \ 70 ] وكقوله تعالى : وما يستوي الأحياء ولا الأموات [ 35 \ 22 ] أي : لا يستوي المؤمنون والكافرون . ومن أوضح الأدلة على هذا المعنى ، أن قوله تعالى : إنك لا تسمع الموتى الآية ، وما في معناها من الآيات كلها ، تسلية له - صلى الله عليه وسلم - لأنه يحزنه عدم إيمانهم ، كما بينه تعالى في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون [ 6 \ 33 ] وقوله تعالى : ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون الآية [ 15 \ 97 ] وقوله : ولا تحزن عليهم الآية [ 16 \ 127 ] وقوله تعالى : فلا تأس على القوم الكافرين [ 5 \ 68 ] وكقوله تعالى : فلا تذهب نفسك عليهم حسرات الآية [ 35 \ 8 ] وقوله تعالى : فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا [ 18 \ 6 ] وقوله تعالى : لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين [ 26 \ 3 ] إلى غير ذلك من الآيات ، كما تقدم إيضاحه . ولما كان يحزنه كفرهم وعدم إيمانهم ، أنزل الله آيات كثيرة تسلية له - صلى الله عليه وسلم - بين له فيها أنه لا قدرة له - صلى الله عليه وسلم - على هدى من أضله الله ، فإن الهدى والإضلال بيده جل وعلا وحده ، وأوضح له أنه نذير ، وقد أتى بما عليه فأنذرهم على أكمل الوجوه وأبلغها ، وأن هداهم وإضلالهم بيد من خلقهم . ومن الآيات النازلة تسلية له - صلى الله عليه وسلم - ، قوله هنا : إنك لا تسمع الموتى ، أي : لا تسمع من أضله الله إسماع هدى وقبول ، إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا ، يعني : ما تسمع إسماع هدى وقبول إلا من هديناهم للإيمان بآياتنا فهم مسلمون . والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة ; كقوله تعالى : إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل الآية [ 16 \ 37 ] وقوله تعالى : ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم [ 5 \ 41 ] وقوله تعالى : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء الآية [ 28 \ 56 ] وقوله تعالى : أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون [ 10 \ 99 ] إلى غير [ ص: 127 ] ذلك من الآيات . ولو كان معنى الآية وما شابهها : إنك لا تسمع الموتى ، أي : الذين فارقت أرواحهم أبدانهم لما كان في ذلك تسلية له - صلى الله عليه وسلم - كما ترى . واعلم : أن آية " النمل " هذه جاءت آيتان أخريان بمعناها : الأولى منهما : قوله تعالى في سورة " الروم " : فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون [ 30 \ 52 - 53 ] ولفظ آية " الروم " هذه كلفظ آية " النمل " التي نحن بصددها ، فيكفي في بيان آية " الروم " ، ما ذكرنا في آية " النمل " . والثانية منهما : قوله تعالى في سورة " فاطر " : إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور [ 35 \ 22 ] وآية " فاطر " هذه كآية " النمل " و " الروم " المتقدمتين ، لأن المراد بقوله فيها : من في القبور الموتى ، فلا فرق بين قوله : إنك لا تسمع الموتى ، وبين قوله : وما أنت بمسمع من في القبور ; لأن المراد بالموتى ومن في القبور واحد ; كقوله تعالى : وأن الله يبعث من في القبور [ 22 \ 7 ] أي : يبعث جميع الموتى من قبر منهم ومن لم يقبر ، وقد دلت قرائن قرآنية أيضا على أن معنى آية " فاطر " هذه كمعنى آية " الروم " ، منها قوله تعالى قبلها : إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة الآية [ 35 \ 18 ] لأن معناها : لا ينفع إنذارك إلا من هداه الله ووفقه فصار ممن يخشى ربه بالغيب ويقيم الصلاة ، وما أنت بمسمع من في القبور ، أي : الموتى ، أي : الكفار الذين سبق لهم الشقاء كما تقدم . ومنها قوله تعالى أيضا : وما يستوي الأعمى والبصير [ 35 \ 19 ] أي : المؤمن والكافر . وقوله تعالى بعدها : وما يستوي الأحياء ولا الأموات [ 35 \ 22 ] أي : المؤمنون والكفار . ومنها قوله تعالى بعده : إن أنت إلا نذير [ 52 \ 23 ] أي : ليس الإضلال والهدى بيدك ما أنت إلا نذير ، أي : وقد بلغت . التفسير الثاني : هو أن المراد بالموتى الذين ماتوا بالفعل ، ولكن المراد بالسماع المنفي في قوله : إنك لا تسمع الموتى خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع صاحبه به ، وأن هذا مثل ضرب للكفار ، والكفار يسمعون الصوت ، لكن لا يسمعون سماع قبول بفقه واتباع ; كما قال تعالى : ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء [ ص: 128 ] ونداء [ 2 \ 171 ] فهكذا الموتى الذين ضرب بهم المثل لا يجب أن ينفى عنهم جميع أنواع السماع ، كما لم ينف ذلك عن الكفار ، بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذين ينتفعون به ، وأما سماع آخر فلا ، وهذا التفسير الثاني جزم به واقتصر عليه أبو العباس ابن تيمية ، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله في هذا المبحث . وهذا التفسير الأخير دلت عليه أيضا آيات من كتاب الله ، جاء فيها التصريح بالبكم والصمم والعمى مسندا إلى قوم يتكلمون ويسمعون ويبصرون ، والمراد بصممهم صممهم عن سماع ما ينفعهم دون غيره ، فهم يسمعون غيره ، وكذلك في البصر والكلام ، وذلك كقوله تعالى في المنافقين : صم بكم عمي فهم لا يرجعون [ 2 \ 18 ] فقد قال فيهم : صم بكم مع شدة فصاحتهم وحلاوة ألسنتهم ، كما صرح به في قوله تعالى فيهم : وإن يقولوا تسمع لقولهم [ 63 \ 4 ] أي : لفصاحتهم ، وقوله تعالى : فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد [ 33 \ 19 ] فهؤلاء الذين إن يقولوا تسمع لقولهم ، وإذا ذهب الخوف سلقوا المسلمين بألسنة حداد ، هم الذين قال الله فيهم : صم بكم عمي ، وما ذلك إلا أن صممهم وبكمهم وعماهم بالنسبة إلى شيء خاص ، وهو ما ينتفع به من الحق ، فهذا وحده هو الذي صموا عنه فلم يسمعوه ، وبكموا عنه فلم ينطقوا به ، وعموا عنه فلم يروه مع أنهم يسمعون غيره ويبصرونه ، وينطقون به ; كما قال تعالى : وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء الآية [ 46 \ 26 ] وهذا واضح كما ترى . وقد أوضحنا هذا غاية الإيضاح مع شواهده العربية في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " في سورة " البقرة " في الكلام على وجه الجمع بين قوله في المنافقين : صم بكم عمي [ 2 \ 18 ] مع قوله فيهم : ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم [ 2 \ 20 ] وقوله فيهم : سلقوكم بألسنة حداد [ 33 \ 19 ] وقوله فيهم أيضا : وإن يقولوا تسمع لقولهم [ 63 \ 4 ] وقد أوضحنا هناك أن العرب تطلق الصمم وعدم السماع على السماع ، الذي لا فائدة فيه ، وذكرنا بعض الشواهد العربية على ذلك . مسألة تتعلق بهذه الآية الكريمة . اعلم أن الذي يقتضي الدليل رجحانه هو أن الموتى في قبورهم يسمعون كلام من [ ص: 129 ] كلمهم ، وأن قول عائشة - رضي الله عنها - ومن تبعها : إنهم لا يسمعون ، استدلالا بقوله تعالى : إنك لا تسمع الموتى ، وما جاء بمعناها من الآيات غلط منها رضي الله عنها ، وممن تبعها . وإيضاح كون الدليل يقتضي رجحان ذلك مبني على مقدمتين : الأولى منهما : أن سماع الموتى ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث متعددة ثبوتا لا مطعن فيه ، ولم يذكر - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك خاص بإنسان ولا بوقت . والمقدمة الثانية : هي أن النصوص الصحيحة عنه - صلى الله عليه وسلم - في سماع الموتى لم يثبت في الكتاب ولا في السنة شيء يخالفها ، وتأويل عائشة رضي الله عنها بعض الآيات على معنى يخالف الأحاديث المذكورة ، لا يجب الرجوع إليه ; لأن غيره في معنى الآيات أولى بالصواب منه ، فلا ترد النصوص الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتأول بعض الصحابة بعض الآيات ، وسنوضح هنا إن شاء الله صحة المقدمتين المذكورتين ، وإذا ثبت بذلك أن سماع الموتى ثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - من غير معارض صريح ، علم بذلك رجحان ما ذكرنا ، أن الدليل يقتضي رجحانه . أما المقدمة الأولى ، وهي ثبوت سماع الموتى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد قال البخاري في صحيحه : حدثني عبد الله بن محمد ، سمع روح بن عبادة ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، قال : ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش ، فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث ، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال ، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ، ثم مشى واتبعه أصحابه ، وقالوا : ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته ، حتى قام على شفة الركي ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم : " يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان ، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله ، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا " ؟ قال : فقال عمر : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ؟ ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والذي نفس محمد بيده ، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " ، قال قتادة : أحياهم الله له حتى أسمعهم توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما . فهذا الحديث الصحيح أقسم فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأحياء الحاضرين ليسوا بأسمع لما يقول - صلى الله عليه وسلم - من أولئك الموتى بعد ثلاث ، وهو نص صحيح صريح في سماع الموتى ، ولم يذكر - صلى الله عليه وسلم - في ذلك [ ص: 130 ] تخصيصا ، وكلام قتادة الذي ذكره عنه البخاري اجتهاد منه ، فيما يظهر . وقال البخاري في " صحيحه " أيضا : حدثني عثمان ، حدثني عبدة عن هشام عن أبيه ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - على قليب بدر ، فقال : " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا " ؟ ثم قال : " إنهم الآن يسمعون ما أقول " ، فذكر لعائشة ، فقالت : إنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق " ، ثم قرأت : إنك لا تسمع الموتى ، حتى قرأت الآية ، انتهى من صحيح البخاري . وقد رأيته أخرج عن صحابيين جليلين هما : ابن عمر ، وأبو طلحة ، تصريح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن أولئك الموتى يسمعون ما يقول لهم ، ورد عائشة لرواية ابن عمر بما فهمت من القرآن مردود ، كما سترى إيضاحه إن شاء الله تعالى . وقد أوضحنا في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى [ 17 \ 15 ] ، أن ردها على ابن عمر أيضا روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الميت يعذب ببكاء أهله بما فهمت من الآية - مردود أيضا ، وأوضحنا أن الحق مع ابن عمر في روايته لا معها فيما فهمت من القرآن . وقال البخاري في " صحيحه " أيضا : حدثنا عياش ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا سعيد ، قال : وقال لي خليفة : حدثنا ابن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه ، وإنه ليسمع قرع نعالهم ، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، فيقال : انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا في الجنة " الحديث ، وقد رأيت في هذا الحديث الصحيح تصريح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الميت في قبره ، يسمع قرع نعال من دفنوه إذا رجعوا ، وهو نص صحيح صريح في سماع الموتى ، ولم يذكر - صلى الله عليه وسلم - فيه تخصيصا . ![]()
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |