|
|||||||
| ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
![]() بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الخامس الحلقة (405) سُورَةُ النُّورِ صـ 499 إلى صـ 506 [ ص: 499 ] التنبيه الثالث : قال بعض أهل العلم : إن المستأذن ينبغي له ألا يقف تلقاء الباب بوجهه ولكنه يقف جاعلا الباب عن يمينه أو يساره ، ويستأذن وهو كذلك ، قال ابن كثير : ثم ليعلم أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل ألا يقف تلقاء الباب بوجهه ، ولكن ليكن الباب عن يمينه ، أو يساره لما رواه أبو داود : حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني في آخرين ، قالوا : حدثنا بقية بن الوليد ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن بشر قال " : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ، ويقول " السلام عليكم : السلام عليكم " وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور ، انفرد به أبو داود . وقال أبو داود أيضا : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا جرير ، ح ، وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا حفص عن الأعمش ، عن طلحة عن هزيل قال : جاء رجل قال عثمان : سعد [ بن أبي وقاص ] ، فوقف على باب النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذن فقام على الباب ، قال عثمان : مستقبل الباب ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - " : هكذا عنك أو هكذا فإنما الاستئذان من النظر " ورواه أبو داود الطيالسي عن سفيان الثوري ، عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن رجل عن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه أبو داود ، من حديثه انتهى من ابن كثير ، والحديثان اللذان ذكرهما عن أبي داود نقلناهما من سنن أبي داود لأن نسخة ابن كثير التي عندنا فيها تحريف فيهما . وفيما ذكرنا دلالة على ما ذكرنا من أن المستأذن لا يقف مستقبل الباب خوفا أن يفتح له الباب ، فيرى من أهل المنزل ما لا يحبون أن يراه ، بخلاف ما لو كان الباب عن يمينه أو يساره فإنه وقت فتح الباب لا يرى ما في داخل البيت ، والعلم عند الله تعالى . المسألة الثالثة : اعلم أن المستأذن إذا قال له رب المنزل : من أنت ، فلا يجوز له أن يقول له : أنا بل يفصح باسمه وكنيته إن كان مشهورا به ; لأن لفظة أنا يعبر بها كل أحد عن نفسه فلا تحصل بها معرفة المستأذن ، وقد ثبت معنى هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبوتا لا مطعن فيه . قال البخاري - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن المنكدر ، قال : سمعت جابرا - رضي الله عنه - يقول " : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في دين كان على أبي ، فدققت الباب ، فقال من ذا ؟ فقلت : أنا ، فقال : " أنا أنا " ، كأنه كرهها " انتهى منه ، وتكريره - صلى الله عليه وسلم - لفظة أنا دليل على أنه لم يرضها من جابر ; لأنها لا يعرف بها المستأذن فهي جواب له - صلى الله عليه وسلم - بما لا يطابق سؤاله ، وظاهر الحديث أن جواب [ ص: 500 ] المستأذن بأنا ، لا يجوز لكراهة النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك وعدم رضاه به خلافا لمن قال : إنه مكروه كراهة تنزيه ، وهو قول الجمهور . وقال مسلم بن الحجاج - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن شعبة عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال " : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعوت ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من هذا ؟ قلت أنا فخرج وهو يقول : أنا أنا " . حدثنا يحيى بن يحيى ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، واللفظ لأبي بكر قال : قال يحيى : أخبرنا ، وقال أبو بكر : حدثنا وكيع عن شعبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال " : استأذنت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : من هذا ؟ فقلت : أنا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنا أنا " . وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا النضر بن شميل ، وأبو عامر العقدي " ح " وحدثنا محمد بن المثنى ، حدثني وهب بن جرير " ح " وحدثني عبد الرحمن بن بشر ، حدثنا بهز كلهم عن شعبة بهذا الإسناد ، وفي حديثهم كأنه كره ذلك انتهى منه . وقول جابر ، كأنه كره ذلك فيه أنه لا يخفى من تكريره - صلى الله عليه وسلم - لفظة أنا أنه كره ذلك ولم يرضه ، وحديث جابر هذا أخرجه غير الشيخين من باقي الجماعة . المسألة الرابعة : اعلم أن الأظهر الذي لا ينبغي العدول عنه أن الرجل يلزمه أن يستأذن على أمه وأخته ، وبنيه وبناته البالغين ; لأنه إن دخل على من ذكر بغير استئذان فقد تقع عينه على عورات من ذكر ، وذلك لا يحل له . وقال ابن حجر في فتح الباري في شرحه لحديث : " إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " ما نصه : ويؤخذ منه أنه يشرع الاستئذان على كل أحد حتى المحارم ; لئلا تكون منكشفة العورة . وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع : كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إلا بإذن ، ومن طريق علقمة جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : أستأذن على أمي ؟ فقال ما على كل أحيانها تريد أن تراها . ومن طريق مسلم بن نذير بالنون مصغرا : سأل رجل حذيفة : أستأذن على أمي ؟ فقال : إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره ، ومن طريق موسى بن طلحة ، دخلت مع أبي على أمي فدخل ، واتبعته فدفع في صدري ، وقال : تدخل بغير إذن ؟ ومن طريق عطاء سألت ابن عباس استأذن على أختي ؟ [ ص: 501 ] قال نعم ، قلت إنها في حجري ؟ قال : أتحب أن تراها عريانة ؟ وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة ، انتهى من فتح الباري . وهذه الآثار عن هؤلاء الصحابة تؤيد ما ذكرنا من الاستئذان على من ذكرنا ، ويفهم من الحديث الصحيح " : إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " ، فوقوع البصر على عورات من ذكر لا يحل ، كما ترى ، وقال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره للآية التي نحن بصددها : وقال هشيم : أخبرنا أشعث بن سوار ، عن كردوس ، عن ابن مسعود ، قال : عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم . وقال أشعث ، عن عدي بن ثابت : أن امرأة من الأنصار قالت : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها لا والد ولا ولد ، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهل بيتي ، وأنا على تلك الحال ، فنزلت : ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا الآية ، وقال ابن جريج : سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ثلاث آيات جحدهن الناس ، قال الله تعالى : إن أكرمكم عند الله أتقاكم [ 49 \ 13 ] ، قال ويقولون : إن أكرمكم عند الله أعظمكم بيتا ، إلى أن قال : والأدب كله قد جحده الناس ، قال : قلت : أستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد ؟ قال : نعم ، فرددت عليه ليرخص لي فأبى ، فقال : تحب أن تراها عريانة ؟ قلت : لا ، قال : فاستأذن ، قال : فراجعته ، فقال : أتحب أن تطيع الله ؟ قال : قلت : نعم ، قال : فاستأذن ، قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه ، قال : ما من امرأة أكره إلي أن أرى عورتها من ذات محرم ، قال : وكان يشدد في ذلك ، وقال ابن جريج عن الزهري : سمعت هزيل بن شرحبيل الأودي الأعمى أنه سمع ابن مسعود يقول : عليكم الإذن على أمهاتكم ، اهـ محل الغرض منه ، وهو يدل على ما ذكرنا من الاستئذان على من ذكرنا ، والعلم عند الله تعالى . المسألة الخامسة : اعلم أنه إن لم يكن مع الرجل في بيته إلا امرأته أن الأظهر أنه لا يستأذن عليها ، وذلك يفهم من ظاهر قوله تعالى : لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ولأنه لا حشمة بين الرجل وامرأته ، ويجوز بينهما من الأحوال والملابسات ما لا يجوز لأحد غيرهما ، ولو كان أبا أو أما أو ابنا ، كما لا يخفى ، ويدل له الأثر الذي ذكرناه آنفا عن موسى بن طلحة : أنه دخل مع أبيه طلحة على أمه فزجره طلحة عن أن يدخل على أمه بغير إذن ، مع أن طلحة زوجها دخل بغير إذن . [ ص: 502 ] وقال ابن كثير في " تفسيره " : وقال ابن جريج : قلت لعطاء : أيستأذن الرجل على امرأته ؟ قال : لا ، ثم قال ابن كثير : وهذا محمول على عدم الوجوب ، وإلا فالأولى أن يعلمها بدخوله ولا يفاجئها به ; لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها ، ثم نقل ابن كثير عن ابن جرير بسنده عن زينب امرأة ابن مسعود ، قالت : كان عبد الله إذا جاء من حاجة ، فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه ، قال : وإسناده صحيح ، اهـ محل الغرض منه . والأول أظهر ولا سيما عند من يرى إباحة نظر الزوج إلى فرج امرأته كمالك وأصحابه ومن وافقهم ، والعلم عند الله تعالى . المسألة السادسة : إذا قال أهل المنزل للمستأذن : ارجع ، وجب عليه الرجوع ; لقوله تعالى : وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم [ 24 \ 28 ] ، وكان بعض أهل العلم يتمنى إذا استأذن على بعض أصدقائه أن يقولوا له : ارجع ، ليرجع ، فيحصل له فضل الرجوع المذكور في قوله : هو أزكى لكم ; لأن ما قال الله إنه أزكى لنا لا شك أن لنا فيه خيرا وأجرا ، والعلم عند الله تعالى . المسألة السابعة : اعلم أن أقوى الأقوال دليلا وأرجحها فيمن نظر من كوة إلى داخل منزل قوم ففقئوا عينه التي نظر إليهم بها ، ليطلع على عوراتهم أنه لا حرج عليهم في ذلك من إثم ولا غرم دية العين ولا قصاص ، وهذا لا ينبغي العدول عنه لثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبوتا لا مطعن فيه ، ولذا لم نذكر هنا أقوال من خالف في ذلك من أهل العلم لسقوطها عندنا ، لمعارضتها النص الثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - قال البخاري - رحمه الله - في " صحيحه " : باب من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه فلا دية له ، ثم ذكر من أحاديث هذه الترجمة : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، حدثنا أبو الزناد عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - " : لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح " ، اهـ منه ، والجناح الحرج ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح " : لم يكن عليك جناح " ، لفظ جناح فيه نكرة في سياق النفي فهي تعم رفع كل حرج من إثم ودية وقصاص ، كما ترى . وقال مسلم بن الحجاج - رحمه الله - في " صحيحه " : حدثني زهير بن حرب ، حدثنا جرير ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " : من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه " ، اهـ منه . [ ص: 503 ] وهذا الحديث الصحيح فيه التصريح منه - صلى الله عليه وسلم - أنهم يحل لهم أن يفقئوا عينه ، وكون ذلك حلالا لهم مستلزم أنهم ليس عليهم فيه شيء من إثم ، ولا دية ، ولا قصاص ; لأن كل ما أحله الله على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - لا مؤاخذة على فعله البتة بنوع من أنواع المؤاخذة ، كما لا يخفى . وقال مسلم بن الحجاج - رحمه الله - تعالى في " صحيحه " متصلا بكلامه هذا الذي نقلنا عنه : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " : لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ، ما كان عليك من جناح " ، اهـ منه . وقد بينا وجه دلالته على أنه لا شيء في عين المذكور ، وثبوت هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رأيت يدل على أنه لما تعدى وانتهك الحرمة ، ونظر إلى بيت غيره دون استئذان ، أن الله أذن على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - في أخذ عينه الخائنة ، وأنها هدر لا عقل فيها ، ولا قود ، ولا إثم ، ويزيد ما ذكرنا توكيدا وإيضاحا ما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - منه أنه هم أن يفعل ذلك . قال البخاري - رحمه الله - في صحيحه تحت الترجمة المذكورة آنفا ، وهي قوله : باب من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه فلا دية له : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ، عن أنس - رضي الله عنه - : أن رجلا اطلع في بعض جحر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام إليه بمشقص أو مشاقص ، وجعل يختله ليطعنه . حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ليث ، عن ابن شهاب ، أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن رجلا اطلع في جحر في باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدرى يحك به رأسه ، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " : لو أعلم أنك تنتظرني لطعنت به في عينيك " ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : إنما جعل الإذن من قبل البصر " ، اهـ منه ، وقد ذكر البخاري هذه الأحاديث التي ذكرناها عنه هنا في كتاب الديات . وقد قال في كتاب الاستئذان : باب الاستئذان من أجل البصر : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، قال الزهري : حفظته كما أنك هاهنا عن سهل بن سعد ، قال : اطلع رجل من جحر في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - مدرى يحك بها رأسه ، فقال " : لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك ، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " . [ ص: 504 ] حدثنا مسدد ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عبيد الله بن أبي بكر ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشقص أو بمشاقص ، فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه ، وهذه النصوص الصحيحة تؤيد ما ذكرنا ، فلا التفات لمن خالفها من أهل العلم ، ومن أولها ; لأن النص لا يجوز العدول عنه ، إلا لدليل يجب الرجوع إليه . واعلم أن المشقص بكسر أوله وسكون ثانيه ، وفتح ثالثه هو نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض ، وقوله في الحديث المذكور : من جحر في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - الجحر الأول : بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وهو كل ثقب مستدير في أرض أو حائط ، والثاني : بضم الحاء المهملة وفتح الجيم جمع حجرة : وهي ناحية البيت . وقال مسلم بن الحجاج - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا يحيى بن يحيى ، وأبو كامل فضيل بن الحسين وقتيبة بن سعيد ، واللفظ ليحيى ، وأبي كامل ، قال يحيى : أخبرنا ، وقال الآخران : حدثنا حماد بن زيد ، عن عبيد الله بن أبي بكر ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام إليه بمشقص أو مشاقص ، فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يختله ليطعنه ، وفي لفظ عند مسلم من حديث سهل بن سعد الساعدي : أن رجلا اطلع في جحر في باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدرى يحك بها رأسه ، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " : لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك " ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " ، وفي مسلم روايات أخر بهذا المعنى قد اكتفينا منها بما ذكرنا . وهذه النصوص الصحيحة التي ذكرنا لا ينبغي العدول عنها ، ولا تأويلها بغير مستند صحيح من كتاب أو سنة ، ولذلك اخترنا ما جاء فيها من أن تلك العين الخائنة يحل أخذها ، وتكون هدرا ، ولم نلتفت إلى قول من أقوال من خالف ذلك ، ولا لتأويلهم للنصوص بغير مستند يجب الرجوع إليه ، والعلم عند الله تعالى . المسألة الثامنة : اعلم أن صاحب المنزل إذا أرسل رسولا إلى شخص ليحضر عنده ، فإن أهل العلم قد اختلفوا : هل يكون الإرسال إليه إذنا ; لأنه طلب حضوره بإرساله إليه ، وعلى هذا القول إذا جاء منزل من أرسل إليه فله الدخول بلا إذن جديد اكتفاء بالإرسال إليه ، أو لا بد من أن يستأذن إذا أتى المنزل استئذانا جديدا ، ولا يكتفي بالإرسال ؟ وكل من [ ص: 505 ] القولين قال به بعض أهل العلم ، واحتج من قال : إن الإرسال إليه إذن يكفي عن الاستئذان عند إتيان المنزل بما رواه أبو داود في سننه : حدثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا حماد ، عن حبيب ، وهشام عن محمد عن أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " : رسول الرجل إلى الرجل إذنه " ، حدثنا حسين بن معاذ ، ثنا عبد الأعلى ، ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " : إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن " ، قال أبو علي اللؤلؤي : سمعت أبا داود يقول : قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئا ، اهـ من أبي داود . قال ابن حجر في " فتح الباري " : وقد ثبت سماعه منه في الحديث الذي سيأتي في البخاري في كتاب التوحيد من رواية سليمان التيمي ، عن قتادة : أن أبا رافع حدثه ، اهـ . ويدل لصحة ما رواه أبو داود ، ورواه البخاري تعليقا : باب إذا دعي الرجل فجاء هل يستأذن ؟ وقال سعيد عن قتادة ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " : هو إذنه " اهـ ، ومعلوم أن البخاري لا يعلق بصيغة الجزم ، إلا ما هو صحيح عنده ، كما قدمناه مرارا . وقال ابن حجر في " الفتح " : في حديث كون " رسول الرجل إلى الرجل إذنه " ، وله متابع أخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة ، بلفظ " : رسول الرجل إلى الرجل إذنه " ، وأخرج له شاهدا موقوفا على ابن مسعود ، قال " : إذا دعي الرجل فهو إذنه " ، وأخرجه ابن أبي شيبة مرفوعا ، انتهى محل الغرض منه . فهذه جملة أدلة من قالوا : بأن من دعي لا يستأذن إذا قدم . وأما الذين قالوا : يستأذن إذا قدم إلى منزل المرسل ، ولا يكتفي بإرسال الرسول ، فقد احتجوا بما رواه البخاري في " صحيحه " : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عمر بن ذر ، وحدثني محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا عمر بن ذر ، أخبرنا مجاهد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد لبنا في قدح ، فقال " : أبا هر الحق أهل الصفة فادعهم إلي " ، قال : فأتيتهم فدعوتهم ، فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا ، اهـ منه ، قال : هذا الحديث الصحيح صريح في أنه - صلى الله عليه وسلم - أرسل أبا هر لأهل الصفة ، ولم يكتفوا بالإرسال عن الاستئذان ولو كان يكفي عنه لبينه صلى الله عليه وسلم ; لأنه لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة . ومن أدلة أهل هذا القول ظاهر عموم قوله تعالى : [ ص: 506 ] لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا الآية ; لأن ظاهرها يشمل من أرسل إليه وغيره ، وقد جمع بعض أهل العلم بين أدلة القولين . قال ابن حجر في " فتح الباري " : وجمع المهلب وغيره بتنزيل ذلك على اختلاف حالين إن طال العهد بين الطلب والمجيء احتاج إلى استئناف الاستئذان ، وكذا إن لم يطل لكن كان المستدعي في مكان يحتاج معه إلى الإذن في العادة ، وإلا لم يحتج إلى استئناف إذن ، وقال ابن التين : لعل الأول فيمن علم أنه ليس عنده من يستأذن لأجله ، والثاني بخلافه . قال : والاستئذان على كل حال أحوط . وقال غيره : إن حضر صحبة الرسول أغناه استئذان الرسول ، ويكفيه سلام الملاقاة ، وإن تأخر عن الرسول احتاج إلى الاستئذان ، وبهذا جمع الطحاوي ، واحتج بقوله في الحديث " : فأقبلوا فاستأذنوا " فدل على أن أبا هريرة لم يكن معهم ، وإلا لقال : فأقبلنا ، كذا قال ، اهـ كلام ابن حجر . وأقربها عندي الجمع الأخير ، ويدل له الحديث المذكور فيه ، وقوله في حديث أبي داود المتقدم : فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن ، والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن أمر الله - جل وعلا - المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ، وحفظ الفرج ، ويدخل في حفظ الفرج : حفظه من الزنى ، واللواط ، والمساحقة ، وحفظه من الإبداء للناس والانكشاف لهم ، وقد دلت آيات أخر على أن حفظه من المباشرة المدلول عليه بهذه الآية يلزم عن كل شيء إلا الزوجة والسرية ، وذلك في قوله تعالى في سورة " المؤمنون " و " سأل سائل " ، والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين [ 23 \ 5 - 6 ] و [ 70 \ 29 - 30 ] . فقد بينت هذه الآية أن حفظ الفرج من الزنى ، واللواط لازم ، وأنه لا يلزم حفظه عن الزوجة والموطوءة بالملك . ![]()
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |