|
|||||||
| ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#11
|
||||
|
||||
![]() بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الخامس الحلقة (386) سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ صـ 347 إلى صـ 354 [ ص: 347 ] قوله تعالى : وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون ، بين - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن له اختلاف الليل والنهار ، يعني : أن ذلك هو الفاعل له وهو الذي يذهب بالليل ، ويأتي بالنهار ، ثم يذهب بالنهار ويأتي بالليل ، واختلاف الليل والنهار ، من أعظم آياته الدالة على كمال قدرته ، ومن أعظم مننه على خلقه كما بين الأمرين في سورة القصص في قوله تعالى قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون الآية [ 28 \ 71 - 73 ] ، أي : لتسكنوا في الليل وتطلبوا معايشكم بالنهار . والآيات الدالة على اختلاف الليل والنهار من أعظم الآيات الدالة على عظمة الله ، واستحقاقه للعبادة وحده كثيرة جدا ; كقوله تعالى : ومن آياته الليل والنهار الآية [ 41 \ 37 ] وقوله : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون [ 36 \ 37 ] وقوله : يغشي الليل النهار الآية [ 7 \ 54 ] وقوله : ولا الليل سابق النهار [ 36 \ 40 ] وقوله تعالى : وسخر لكم الليل والنهار الآية [ 14 \ 33 ] ، وقوله تعالى : إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون [ 10 \ 6 ] والآيات بمثل هذا كثيرة جدا . وقوله تعالى : أفلا تعقلون أي : تدركون بعقولكم أن الذي ينشئ السمع والأبصار والأفئدة ، ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ، وهو الذي يحيي ويميت ويخالف بين الليل والنهار أنه الإله الحق المعبود وحده - جل وعلا - ، الذي لا يصح أن يسوى به غيره سبحانه وتعالى علوا كبيرا . قوله تعالى : بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ، لفظة بل هنا للإضراب الانتقالي . والمعنى : أن الكفار الذين كذبوا نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، قالوا مثل ما قالت الأمم قبلهم ، من إنكار البعث ; لأن الاستفهام في قوله : أئنا لمبعوثون إنكار منهم للبعث ، والآيات الدالة على إنكارهم للبعث كثيرة ; كقوله تعالى عنهم : من يحيي العظام وهي رميم [ 36 \ 78 ] وكقوله عنهم : وما نحن بمبعوثين [ 6 \ 29 ] [ ص: 348 ] وما نحن بمنشرين [ 44 \ 35 ] وقوله عنهم : أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة [ 79 \ 11 - 12 ] ، والآيات بمثل هذا في إنكارهم البعث كثيرة : وقد بينا في سورة البقرة ، في الكلام على قوله تعالى : ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم الآية [ 2 \ 21 ] ، وفي أول سورة النحل ، وغيرهما الآيات الدالة على البعث بعد الموت ، وأوردنا منها كثيرا كقوله : قل يحييها الذي أنشأها أول مرة الآية [ 36 \ 79 ] ، وقوله : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [ 30 \ 27 ] وقوله تعالى : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب الآيات [ 22 \ 5 ] ، وأوضحنا أربعة براهين قرآنية دالة على البعث بعد الموت ، وأكثرنا من ذكر الآيات الدالة على ذلك ، فأغنى ذلك عن التطويل هنا ، وقوله تعالى في هذه الآية أئذا متنا قرأ نافع والكسائي ، بالاستفهام في : أئذا متنا ، وحذف همزة الاستفهام ، في أئنا لمبعوثون ، بل قرأ إنا لمبعوثون بصيغة الخبر لدلالة الاستفهام الأول ، على الاستفهام الثاني المحذوف وقرأه ابن عامر بالعكس ، فحذف همزة الاستفهام ، من أئذا ، وقرأ إذا بدون استفهام ، وأثبت همزة الاستفهام في قوله : أئنا لمبعوثون وقد دل الاستفهام الثاني المثبت في قراءة ابن عامر ، على الاستفهام الأول المحذوف فيها ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة بالاستفهام فيهما معا : أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون وهم على أصولهم في الهمزتين ، فنافع وابن كثير وأبو عمرو يسهلون الثانية ، والباقون يحققونها ، وأدخل قالون ، وأبو عمرو وهشام عن ابن عامر ألفا بين الهمزتين ، وقرأ الباقون بالقصر دون الألف ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص ، عن عاصم : متنا بكسر الميم ، والباقون : بضم الميم ، وقد قدمنا في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى : قالت ياليتني مت قبل هذا الآية [ 19 \ 23 ] وجه كسر الميم في إسناد الفعل الذي هو مات إلى تاء الفاعل ، وبينا أنه يخفى على كثير من طلبة العلم ، وأوضحنا وجهة غاية مع بعض الشواهد العربية ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا . قوله تعالى : لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين . ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة ، أن الكفار المنكرين للبعث قالوا : إنهم وعدوا بالبعث ، ووعد به آباؤهم من قبلهم ، والظاهر أنهم يعنون أجدادهم ، الذين جاءتهم الرسل ، وأخبرتهم بأنهم يبعثون بعد الموت للحساب والجزاء ، وقالوا : إن البعث الذي وعدوا به [ ص: 349 ] هم وآباؤهم كذب لا حقيقة له ، وأنه ما هو إلا أساطير الأولين أي : ما سطروه وكتبوه من الأباطيل والترهات ، والأساطير : جمع أسطورة ، وقيل : جمع أسطارة ، وهذا الذي ذكره عنهم من إنكارهم البعث ذكر مثله في سورة النمل في قوله : وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين [ 27 \ 67 - 68 ] ، ثم إنه تعالى أقام البرهان على البعث ، الذي أنكروه في هذه الآية بقوله : قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون إلى قوله : فأنى تسحرون [ 23 \ 84 - 89 ] ; لأن من له الأرض ، ومن فيها ، ومن هو رب السماوات السبع ، ورب العرش العظيم ، ومن بيده ملكوت كل شيء ، وهو يجير ولا يجار عليه ، لا شك أنه قادر على بعث الناس بعد الموت ، كما أوضحنا فيما مر البراهين القرآنية القطعية ، الدالة على ذلك . قوله تعالى : قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون ، قدمنا ما دلت عليه هذه الآيات الكريمة ، من كماله وجلاله وأوصاف ربوبيته المستلزمة لإخلاص العبادة له وحده ، في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى : يفترون قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون [ 10 \ 31 ] وفي سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] وأوضحنا دلالة توحيده في ربوبيته ، على توحيده في عبادته وقد ذكرنا كثيرا من الآيات القرآنية الدالة على ذلك ، مع الإيضاح ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا . وقوله في هذه الآية الكريمة : من بيده ملكوت كل شيء الملكوت : فعلوت من الملك أي : من بيده ملك كل شيء ، بمعنى : من هو مالك كل شيء كائنا ما كان . وقال بعض أهل العلم : زيادة الواو والتاء في نحو : الملكوت ، والرحموت ، والرهبوت بمعنى الملك والرحمة ، والرهبة : تفيد المبالغة في ذلك ، والله تعالى أعلم . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وهو يجير ولا يجار عليه ، أي : هو يمنع من [ ص: 350 ] شاء ممن شاء ، ولا يمنع أحد منه أحدا شاء أن يهلكه أو يعذبه ; لأنه هو القادر وحده ، على كل شيء ، وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ، ومنه قول الشاعر : أراك طفقت تظلم من أجرنا وظلم الجار إذلال المجير وقوله تعالى : فأنى تسحرون أي : كيف تخدعون ، وتصرفون عن توحيد ربكم ، وطاعته مع ظهور براهينه القاطعة وأدلته الساطعة ، وقيل : فأنى تسحرون ، أي : كيف يخيل إليكم : أن تشركوا به ما لا يضر ، ولا ينفع ، ولا يغني عنكم شيئا بناء على أن السحر هو التخييل . وقد قدمنا الكلام على السحر مستوفى في سورة طه في الكلام على قوله تعالى : ولا يفلح الساحر حيث أتى [ 20 \ 69 ] والظاهر أن معنى تسحرون هنا : تخدعون بالشبه الباطلة فيذهب بعقولكم ، عن الحق كما يفعل بالمسحور ، والله تعالى أعلم . وقوله : أفلا تذكرون قرأه حفص عن عاصم ، وحمزة ، والكسائي بتخفيف الذال بحذف إحدى التاءين ، والباقون بالتشديد لإدغام إحدى التاءين في الذال . وقوله تعالى : سيقولون لله جاء في هذه الآيات ثلاث مرات ، الأول : سيقولون لله قل أفلا تذكرون ، وهذه اتفق جميع السبعة على قراءتها بلام الجر الداخلة على لفظ الجلالة ; لأنها جواب المجرور بلام الجر ، وهو قوله : قل لمن الأرض ومن فيها فجواب لمن الأرض ، هو أن تقول : لله ، وأما الثاني الذي هو : سيقولون لله قل أفلا تتقون . والثالث : الذي هو قوله : سيقولون لله قل فأنى تسحرون فقد قرأهما أبو عمرو بحذف لام الجر ورفع الهاء من لفظ الجلالة . والمعنى على قراءة أبي عمرو المذكورة واضح لا إشكال فيه ; لأن الظاهر في جواب من رب السماوات السبع ، ورب العرش العظيم ، أن تقول : الله بالرفع ، أي : رب ما ذكر هو الله ، وكذلك جواب قوله : من بيده ملكوت كل شيء الآية . فالظاهر في جوابه أيضا أن يقال : الله بالرفع ، أي : الذي بيده ملكوت كل شيء ، فقراءة أبي عمرو جارية على الظاهر ، الذي لا إشكال فيه ، وقرأ الحرفين المذكورين غيره من السبعة ، بحرف الجر وخفض الهاء من لفظ الجلالة كالأول . وفي هذه القراءة التي هي قراءة الجمهور سؤال معروف ، وهو أن يقال : ما وجه الإتيان بلام الجر ، مع أن السؤال لا يستوجب الجواب بها ; لأن قول [ ص: 351 ] من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم الظاهر أن يقال في جوابه : ربهما الله ، وإذا يشكل وجه الإتيان بلام الجر . والجواب عن هذا السؤال معروف واضح ; لأن قوله تعالى : من رب السماوات الآية ، وقوله : من بيده ملكوت كل شيء فيه معنى : من هو مالك السماوات والأرض ، والعرش ، وكل شيء فيحسن الجواب بأن يقال : لله ، أي : كل ذلك ملك لله ، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر : إذا قيل من رب المزالف والقرى ورب الجياد الجرد قلت لخالد لأن قوله : من رب المزالف فيه معنى من هو مالكها ، فحسن الجواب باللام : أي هي لخالد ، والمزالف : مزلفة كمرحلة ، قال في القاموس : هي كل قرية تكون بين البر والريف ، وجمعها مزالف . حب قوله تعالى : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ، بين الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة ثلاث مسائل : الأولى : أنه لم يتخذ ولدا سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا . والثانية : أنه لم يكن معه إله آخر سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا . والثالثة : أنه أقام البرهان على استحالة تعدد الآلهة بقوله : إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض . أما ادعاؤهم له الأولاد ، فقد بينا الآيات الدالة على عظم فريتهم في ذلك ، وظهور بطلان دعواهم ، ورد الله عليهم في ذلك في مواضع متعددة ، فقد أوضحنا في سورة النحل في الكلام ، على قوله تعالى : ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون وإذا بشر أحدهم بالأنثى الآية [ 16 \ 57 - 58 ] ، وقد ذكرنا طرفا منه في أول الكهف في الكلام على قوله : وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا [ 18 \ 4 ] ، وفي مواضع غير ما ذكر ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا . وأما تفرده تعالى بالألوهية مع إقامة الدليل على ذلك فقد بيناه ، وذكرنا ما يدل عليه من الآيات في سورة بني إسرائيل ، في الكلام على قوله تعالى : قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا [ 17 \ 42 ] ولم نتعرض لما يسميه المتكلمون دليل التمانع ، لكثرة المناقشات الواردة على أهل الكلام فيه ، وإنما بينا الآيات بالقرآن على طريق الاستدلال القرآني بها فأغنى ذلك عن إعادته هنا . [ ص: 352 ] قوله تعالى : قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين ، أمر - جل وعلا - نبيه في هاتين الآيتين الكريمتين أن يقول : رب إما تريني ما يوعدون ، أي : أن ترني ما توعدهم من العذاب ، بأن تنزله بهم ، وأنا حاضر شاهد أرى نزوله بهم فلا تجعلني في القوم الظالمين ، أي : لا تجعلني في جملة المعذبين الظالمين ، بل أخرجني منهم ، ونجني من عذابهم ، وقد بين تعالى في مواضع أخر : أنه لا ينزل بهم العذاب ، وهو فيهم وذلك في قوله تعالى : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم الآية [ 8 \ 33 ] ، وبين هنا أنه قادر على أن يره العذاب ، الذي وعدهم به في قوله : وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون [ 23 \ 95 ] وبين في سورة الزخرف ، أنه إن ذهب به قبل تعذيبهم ، فإنه معذب لهم ومنتقم منهم لا محالة ، وأنه إن عذبهم ، وهو حاضر فهو مقتدر عليهم ، وذلك في قوله تعالى : فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون [ 43 \ 41 - 42 ] . قوله تعالى : ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ، هذا الذي تضمنته هذه الآيات الثلاث مما ينبغي أن يعامل به شياطين الإنس وشياطين الجن ، قد قدمنا الآيات الدالة عليه بإيضاح في آخر سورة الأعراف ، في الكلام على قوله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ الآية [ 7 \ 199 - 200 ] ، وقوله في هذه الآية : بالتي هي أحسن ، أي : بالخصلة التي هي أحسن الخصال ، والسيئة مفعول ادفع ووزن السيئة ، فيعلة أصلها : سيوئة وحروفها الأصلية السين والواو والهمزة ، وقد زيدت الياء الساكنة بين الفاء والعين ، فوجب إبدال الواو التي هي عين الكلمة ياء وإدغام ياء الفيعلة الزائدة فيها على القاعدة التصريفية المشار إليها بقول ابن مالك في الخلاصة : إن يسكن السابق من واو ويا واتصلا ومن عروض عريا فياء الواو اقلبن مدغما وشذ معطى غير ما قد رسما كما قدمناه مرارا . والسيئة في اللغة : الخصلة من خصال السوء ، وقوله تعالى : نحن أعلم بما يصفون ، أي : بما تصفه ألسنتهم من الكذب في تكذيبهم لك ، وادعائهم [ ص: 353 ] الأولاد والشركاء لله ، وقد قدمنا في سورة المائدة أن اللين والصفح المطلوب في آيات القرآن بعد نزول القتال إنما هو بالنسبة إلى المؤمنين ، دون الكافرين في الكلام على قوله تعالى : أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين [ 5 \ 54 ] وبينا الآيات الدالة على ذلك كقوله في النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأصحابه أشداء على الكفار رحماء بينهم [ 48 \ 29 ] وقوله : واخفض جناحك للمؤمنين [ 15 \ 88 ] ، وقوله : ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم [ 9 \ 73 ] إلى آخر ما تقدم . وقوله في هذه الآية : وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ : جمع همزة وهي المرة من فعل الهمز ، وهو في اللغة : النخس والدفع ، وهمزات الشياطين : نخساتهم لبني آدم ليحثوهم ، ويحضوهم على المعاصي ، كما أوضحنا الكلام عليه في قوله تعالى : أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا [ 19 \ 83 ] وكقوله تعالى : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل الآية [ 43 \ 36 - 37 ] . والظاهر في قوله : وأعوذ بك رب أن يحضرون أن المعنى : أعوذ بك أن يحضرني الشيطان في أمر من أموري كائنا ما كان ، سواء كان ذلك وقت تلاوة القرآن ، كما قال تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ 16 \ 98 ] أو عند حضور الموت أو غير ذلك من جميع الشؤون في جميع الأوقات ، والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا ، الظاهر عندي : أن " حتى " في هذه الآية : هي التي يبتدأ بعدها الكلام ، ويقال لها : حرف ابتداء ، كما قاله ابن عطية ، خلافا للزمخشري القائل : إنها غاية لقوله : نحن أعلم بما يصفون [ 23 \ 96 ] ولأبي حيان القائل : إن الظاهر له أن قبلها جملة محذوفة هي غاية له يدل عليها ما قبلها ، وقدر الجملة المذكورة بقوله فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين ويحضرونهم ، حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون . ونظير حذف هذه الجملة قول الشاعر وهو الفرزدق : فواعجبا حتى كليب تسبني كأن أباها نهشل أو مجاشع قال : المعنى : يسبني الناس حتى كليب ، فدل ما بعد حتى على الجملة المحذوفة [ ص: 354 ] وفي الآية دل ما قبلها عليها ، انتهى الغرض من كلام أبي حيان ، ولا يظهر عندي كل الظهور . بل الأظهر عندي : هو ما قدمته وهو قول ابن عطية ، وما تضمنته هذه الآية الكريمة ، من أن الكافر والمفرط في عمل الخير إذا حضر أحدهما الموت طلبا الرجعة إلى الحياة ، ليعملا العمل الصالح الذي يدخلهما الجنة ، ويتداركا به ما سلف منهما من الكفر والتفريط وأنهما لا يجابان لذلك ، كما دل عليه حرف الزجر والردع الذي هو " كلا " جاء موضحا في مواضع أخر كقوله تعالى : وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها الآية [ 63 \ 10 - 11 ] ، وقوله تعالى : وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال [ 14 \ 44 ] إلى غير ذلك من الآيات . وكما أنهم يطلبون الرجعة عند حضور الموت ، ليصلحوا أعمالهم فإنهم يطلبون ذلك يوم القيامة ومعلوم أنهم لا يجابون إلى ذلك . ![]()
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |