|
|||||||
| ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
![]() بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الرابع الحلقة (332) سُورَةُ الْحَجِّ صـ 412 إلى صـ 419 أحدهما : عام وهو أن ذوات الأسباب الخاصة من الصلوات لا تدخل في عموم النهي ; لأن سببها الخاص ، يخرجها من عموم النهي ، كركعتي الطواف فإنهما لسبب خاص هو الطواف . وكتحية المسجد في وقت النهي ، ونحو ذلك ، وأحدهما خاص : وهو ما ورد في خصوص البيت الحرام ، كحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار " ، رواه الإمام أحمد ، وأصحاب السنن ، وصححه الترمذي ، ورواه أيضا ابن خزيمة ، وابن حبان ، والدارقطني ، قال ابن حجر في التلخيص في هذا الحديث : رواه الشافعي ، وأحمد ، وأصحاب السنن ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والدارقطني ، والحاكم من حديث أبي الزبير ، عن عبد الله بن باباه ، عن جبير بن مطعم ، وصححه الترمذي ، ورواه الدارقطني من وجهين آخرين ، عن نافع بن جبير ، عن أبيه ، ومن طريقين آخرين عن جابر ، وهو معلول ، فإن المحفوظ عن أبي الزبير ، عن عبد الله بن باباه ، عن جبير ، لا عن جابر . وأخرجه الدارقطني أيضا ، عن ابن عباس من رواية مجاهد عنه ، ورواه الطبراني من رواية عطاء ، عن ابن عباس ، ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان ، والخطيب في التلخيص من طريق ثمامة بن عبيدة ، عن أبي الزبير ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، وهو معلول . وروى ابن عدي من طريق سعيد بن أبي راشد ، عن عطاء ، عن أبي هريرة [ ص: 412 ] حديث : " لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس " ، الحديث ، وزاد في آخره : " من طاف فليصل " ؛ أي : حين طاف ، وقال : لا يتابع عليه ، وكذا قال البخاري . وروى البيهقي من طريق عبد الله بن باباه ، عن أبي الدرداء : أنه طاف بعد العصر عند مغارب الشمس ، فصلى الركعتين ، وقال : إن هذه البلدة ليست كغيرها . تنبيه عزا المجد ابن تيمية حديث جبير لمسلم ، فإنه قال : رواه الجماعة إلا البخاري . وهذا وهم منه تبعه عليه المحب الطبري ، فقال : رواه السبعة إلا البخاري ، وابن الرفعة ، فقال : رواه مسلم ، ولفظه : " لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار ، " وكأنه والله أعلم : لما رأى ابن تيمية عزاه إلى الجماعة ، دون البخاري اقتطع مسلما من بينهم ، واكتفى به عنهم ، ثم ساقه باللفظ الذي أورده ابن تيمية ، فأخطأ مكررا . فائدة قال البيهقي : يحتمل أن يكون المراد بهذه الصلاة صلاة الطواف خاصة : وهو الأشبه بالآثار ، ويحتمل جميع الصلوات . انتهى كلام ابن حجر في التلخيص الحبير . وهذا الذي ذكرنا عن الشافعي ، وأصحابه من جواز صلاة ركعتي الطواف في أوقات النهي بلا كراهة ، حكاه ابن المنذر ، عن ابن عمر ، وابن عباس ، والحسن ، والحسين بن علي ، وابن الزبير ، وطاوس ، وعطاء ، والقاسم بن محمد ، وعروة ، ومجاهد ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور . انتهى بواسطة نقل النووي في شرح المهذب . ومما استدلوا به على ذلك ما رواه مجاهد عن أبي ذر مرفوعا : " لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا بمكة " ، قال ابن حجر في التلخيص : في هذا الحديث رواه الشافعي أخبرنا عبد الله بن المؤمل ، عن حميد مولى غفرة ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد ، وفيه قصة وكرر الاستثناء ثلاثا . ورواه أحمد ، عن يزيد ، عن عبد الله بن المؤمل إلا أنه لم يذكر حميدا في سنده . ورواه ابن عدي من حديث سعيد بن سالم ، عن عبد الله بن المؤمل ، فلم يذكر قيسا ، ورواه ابن عدي من طريق اليسع بن طلحة ، وسمعت مجاهدا يقول : بلغنا أن أبا ذر فذكره ، وعبد الله ضعيف ، وذكر ابن عدي هذا الحديث من جملة ما أنكر عليه . وقال البيهقي : فقال تفرد به عبد الله ولكن تابعه إبراهيم بن طهمان ، [ ص: 413 ] ثم ساقه بسنده إلى خلاد بن يحيى قال : ثنا إبراهيم بن طهمان ، ثنا حميد مولى غفرة ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد قال : جاءنا أبو ذر فأخذ بحلقة الباب ، الحديث . وقال أبو حاتم الرازي : لم يسمع مجاهد من أبي ذر ، وكذا أطلق ذلك ابن عبد البر ، والبيهقي ، والمنذري ، وغير واحد . قال البيهقي : قوله في رواية إبراهيم بن طهمان : جاءنا أبو ذر ؛ أي : جاء بلدنا . قلت : ورواه ابن خزيمة في صحيحه ، من حديث سعيد بن سالم كما رواه ابن عدي ، وقال : أنا أشك في سماع مجاهد ، من أبي ذر ، انتهى كلام ابن حجر في التلخيص الحبير . هذا هو حاصل ما احتج به الشافعي ، وأصحابه ، ومن وافقهم على جواز صلاة ركعتي الطواف ، في أوقات النهي وحجة مخالفيهم هي عموم الأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة في تلك الأوقات وظاهرها العموم . وقد قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار : وأنت خبير بأن حديث جبير بن مطعم لا يصلح لتخصيص أحاديث النهي المتقدمة ; لأنه أعم منها من وجه وأخص من وجه ، وليس أحد العمومين أولى بالتخصيص من الآخر ، لما عرفت غير مرة انتهى منه ، وهو كما قال رحمه الله . والقاعدة المقررة في الأصول : أن النصين إذا كان بينهما عموم ، وخصوص من وجه ، فإنهما يظهر تعارضهما في الصورة التي يجتمعان فيها ، فيجب الترجيح بينهما . كما أشار له صاحب مراقي السعود بقوله : وإن يك العموم من وجه ظهر فالحكم بالترجيح حتما معتبر وإيضاح كون حديث جبير المذكور بينه ، وبين أحاديث النهي المذكورة عموم وخصوص من وجه ، كما ذكره الشوكاني رحمه الله : هو أن أحاديث النهي عامة في مكة وغيرها ، خاصة في أوقات النهي . وحديث جبير بن مطعم عام في أوقات النهي وغيرها ، خاص بمكة حرسها الله ، فتختص أحاديث النهي بأوقات النهي في غير مكة ، ويختص حديث جبير بالأوقات التي لا ينهى عن الصلاة فيها بمكة ، ويجتمعان في أوقات النهي في مكة ، فعموم أحاديث النهي يشمل مكة وغيرها ، وعموم إباحة الصلاة في جميع الزمن في حديث جبير ، يشمل أوقات النهي وغيرها في مكة فيظهر التعارض في أوقات النهي في مكة ، فيجب الترجيح . وأحاديث النهي أرجح من حديث جبير من وجهين : أحدهما : أنها أصح منه لثبوتها في الصحيح . [ ص: 414 ] والثاني : هو ما تقرر في الأصول ، أن النص الدال على النهي يقدم على النص الدال على الإباحة ; لأن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح ، كما قدمناه مرارا . والعلم عند الله تعالى . الفرع التاسع : اعلم أن أظهر أقوال العلماء ، وأصحها إن شاء الله : أن الطواف لا يفتقر إلى نية تخصه ; لأن نية الحج تكفي فيه ، وكذلك سائر أعمال الحج كالوقوف بعرفة ، والمبيت بمزدلفة ، والسعي ، والرمي كلها لا تفتقر إلى نية ، لأن نية النسك بالحج تشمل جميعها ، وعلى هذا أكثر أهل العلم . ودليله واضح ; لأن نية العبادة تشمل جميع أجزائها فكما لا يحتاج كل ركوع وسجود من الصلاة إلى نية خاصة لشمول نية الصلاة لجميع ذلك ، فكذلك لا تحتاج أفعال الحج لنية تخص كل واحد منها ، لشمول نية الحج لجميعها . ومما استدلوا به لذلك ، أنه لو وقف بعرفة ناسيا أجزأه ذلك بالإجماع ، قاله النووي . ومقابل القول الذي هو الصواب إن شاء الله قولان آخران لأهل العلم : أحدهما : وبه قال أبو علي بن أبي هريرة من الشافعية ، أن ما كان منها مختصا بفعل كالطواف ، والسعي ، والرمي ، فهو مفتقر إلى نية ، وما كان منها غير مختص بفعل بل هو لبث مجرد كالوقوف بعرفة ، والمبيت بمزدلفة فهو لا يفتقر إلى نية . والثاني منهما : وبه قال أبو إسحاق المروزي : أنه لا يفتقر شيء من أعمال الحج إلى نية إلا الطواف ، لأنه صلاة ، والصلاة تفتقر إلى النية ، وأظهرها وأصحها إن شاء الله الأول ، وهو قول الجمهور . الفرع العاشر : أظهر قولي العلماء عندي أنه إن أقيمت الصلاة وهو في أثناء الطواف أنه يصلي مع الناس ولا يستمر في طوافه مقدما إتمام الطواف على الصلاة ، وممن قال بذلك : ابن عمر ، وسالم ، وعطاء ، وأبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأصحابهم ، وأبو ثور . وروي ذلك عنهم في السعي أيضا ولكن عند المالكية لا يجوز قطع الطواف إلا للصلاة المكتوبة خاصة ، إذا أقيمت ، وهو في أثناء الطواف ، ويبني عندهم إن قطعه للصلاة خاصة ، ويندب عندهم إكمال الشوط إن قطعه في أثناء شوط ، وإن قطعه لغيرها كصلاة الجنازة ، أو تحصيل نفقة لا بد منها لم يبن على ما مضى منه ، بل يستأنف الطواف عندهم ; لأنه لا يجوز عندهم قطعه لذلك ابتداء ، كما ذكرناه قريبا . وقيل : يمضي في طوافه ، ولا [ ص: 415 ] يقطعه للصلاة واحتج من قال بهذا ، بأن الطواف صلاة ، فلا تقطع لصلاة . ورد عليه بحديث : " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " ، ومن قال من أهل العلم : إن الطواف يجوز قطعه للصلاة على الجنازة والحاجة الضرورية : كالشافعية والحنابلة ، قالوا : يبني على ما أتى به من أشواط الطواف ، فإن كان قطعه للطواف عند انتهاء شوط من أشواطه ، بنى على الأشواط المتقدمة ، وجاء ببقية الأشواط ، وإن كان قطعه له في أثناء الشوط ، فأظهر قولي أهل العلم عندي : أنه يبتدئ من الموضع الذي وصل إليه ، ويعتد ببعض الشوط الذي فعله قبل قطع الطواف ، خلافا لمن قال : إنه يبتدئ الشوط الذي قطع الطواف في أثنائه ، ولا يعتد ببعضه الذي فعله : وهو قول الحسن ، وأحد وجهين عند بعض الشافعية ، وهو مندوب عند المالكية إن قطعه للفريضة كما تقدم وكذلك لو أحدث في أثناء الطواف عند من يقول : إنه يتوضأ ، ويبني على ما مضى من طوافه ، وهو مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد . الفرع الحادي عشر : أظهر قولي أهل العلم عندي : أن من طاف قبل التحلل ، وهو لابس مخيطا أن الطواف صحيح كمن صلى في ثوب حرير ، ولكنه يلزمه الدم والعلم عند الله تعالى . الفرع الثاني عشر : لا خلاف بين من يعتد به من أهل العلم : أن الطواف جائز في أوقات النهي عن الصلاة ، وفي صلاة الركعتين ، إذا طاف وقت نهي الخلاف الذي تكلمنا عليه قريبا . الفرع الثالث عشر : اختلف العلماء في صلاة النافلة في المسجد الحرام . والطواف بالبيت أيهما أفضل ؟ فقال بعض أهل العلم : الطواف أفضل . وبه قال بعض علماء الشافعية ، واستدلوا بأن الله قدم الطواف على الصلاة في قوله : وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود [ 2 \ 125 ] وقوله : وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود [ 11 \ 26 ] وقال بعض أهل العلم : الصلاة أفضل لأهل مكة والطواف أفضل للغرباء . وممن قال به : ابن عباس ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب . المسألة السابعة اختلف العلماء في السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة ، هل هو ركن من [ ص: 416 ] أركان الحج والعمرة ؟ لا يصح واحد منهما بدونه ، ولا يجبر بدم ، أو هو واجب يجبر بدم ، أو سنة لا يلزم بتركه دم ؟ وممن قال : إنه ركن من أركان الحج ، والعمرة مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، وأم المؤمنين عائشة ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، وهو رواية عن الإمام أحمد كما نقله النووي في شرح المهذب ، وقال في شرح مسلم : مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم : أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج ، لا يصح إلا به ، ولا يجبر بدم ، وممن قال بهذا : مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور . انتهى محل الغرض منه ، وعزوه إياه لأحمد ، قد قدمنا فيه أنه إحدى الروايات عن أحمد . وقال ابن قدامة في المغني : وروي عن أحمد أنه ركن لا يتم الحج إلا به ، وهو قول عائشة ، وعروة ، ومالك ، والشافعي . وممن قال إنه واجب يجبر بدم : أبو حنيفة وأصحابه ، والحسن ، وقتادة ، والثوري ، وبه قال القاضي من الحنابلة ، وذكره النووي رواية عن أحمد ، وقد رواه ابن القصار من المالكية ، عن القاضي إسماعيل ، عن مالك ، وقال ابن قدامة في المغني : إنه أولى . وذكر النووي عن طاوس أنه قال : من ترك من السعي أربعة أشواط لزمه دم ، وإن ترك دونها لزمه لكل شوط نصف صاع . وليس هو بركن ، ثم قال : وهو مذهب أبي حنيفة . انتهى . وما قال النووي : إنه مذهب أبي حنيفة من أن ترك أقل السعي فيه الصدقة بنصف صاع عن كل شوط ، عزاه شهاب الدين أحمد الشلبي في حاشيته على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للحاكم الشهيد في مختصره المسمى بالكافي ا هـ . ومعلوم أن مذهب أبي حنيفة في طواف الإفاضة ، أن من ترك منه ثلاثة أشواط فأقل ، فعليه دم ، وحجه صحيح ، وتفريقه بين الأقل والأكثر في الطواف الذي هو ركن يدل على التفريق بينهما في السعي ، وممن روي عنه أن السعي بين الصفا والمروة سنة لا يلزم بتركه دم : ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وأنس ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وابن سيرين . وإذا علمت أقوال أهل العلم في السعي : فاعلم أنا نريد هنا أن نبين أدلة كل منهم على ما ذهب إليه مع مناقشتها . فأما الذين قالوا : إنه ركن من أركان الحج والعمرة ، فقد استدلوا لذلك بأدلة : منها قوله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله [ 2 \ 158 ] . قالوا : [ ص: 417 ] فتصريحه تعالى بأن الصفا والمروة من شعائر الله يدل على أن السعي بينهما أمر حتم لا بد منه ، لأن شعائر الله عظيمة ، لا يجوز التهاون بها . وقد أشار البخاري رحمه الله في صحيحه إلى أن كونهما من شعائر الله . يدل على ذلك . قال : باب وجوب الصفا والمروة ، وجعل من شعائر الله . وقال ابن حجر في الفتح في شرح قول البخاري : وجعل من شعائر الله ؛ أي : وجوب السعي بينهما ، مستفاد من كونهما جعلا من شعائر الله ، قاله ابن المنير في الحاشية . انتهى الغرض من كلامه . قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : ومما يدل على أن شعائر الله لا يجوز التهاون بها ، وعدم إقامتها قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله الآية [ 2 \ 5 ] . وقوله تعالى : ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب الآية [ 22 ] ، ومن أدلتهم على ذلك : " أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجه وعمرته بين الصفا والمروة سبعا " ، وقد دل على أن ذلك لا بد منه دليلان : الأول : هو ما قدمنا من أنه تقرر في الأصول أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا كان لبيان نص مجمل من كتاب الله ، أن ذلك الفعل يكون لازما ، وسعيه بين الصفا والمروة فعل بين المراد من قوله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله والدليل على أنه فعله بيانا للآية هو قوله صلى الله عليه وسلم : " نبدأ بما بدأ الله به " ، يعني الصفا ; لأن الله بدأ بها في قوله : إن الصفا والمروة . وفي رواية " أبدأ " بهمزة المتكلم ، والفعل مضارع . وفي رواية عند النسائي : " ابدءوا بما بدأ الله به " بصيغة الأمر . الدليل الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لتأخذوا عني مناسككم " ، وقد طاف بين الصفا والمروة سبعا ، فيلزمنا أن نأخذ عنه ذلك من مناسكنا ، ولو تركناه لكنا مخالفين أمره بأخذه عنه ، والله تعالى يقول : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [ 24 \ 63 ] فاجتماع هذه الأمور الثلاثة التي ذكرنا يدل على اللزوم : وهي كونه سعى بين الصفا والمروة سبعا ، وأن ذلك بيان منه لآية من كتاب الله وأنه قال : " لتأخذوا عني مناسككم " . أما طوافه بينهما سبعا فهو ثابت بالروايات الصحيحة . منها : حديث ابن عمر الثابت في الصحيح ولفظه في صحيح البخاري . قال : " قدم [ ص: 418 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين ، وطاف بين الصفا والمروة سبعا . لقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة " ، وفي لفظ في صحيح مسلم ، من حديث ابن عمر : " فأتى الصفا ، فطاف بالصفا ، والمروة سبعة أطواف " ، والروايات بسعيه صلى الله عليه وسلم سبعا بين الصفا والمروة كثيرة معروفة . وقد مثلنا لها بحديث ابن عمر المتفق عليه . وأما كون ذلك السعي بيانا لآية : إن الصفا والمروة من شعائر الله . فهو أمر لا شك فيه ، ويدل عليه أمران : أحدهما : سبب نزول الآية ; لأنه ثبت في الصحيحين أنها نزلت في سؤالهم عن السعي بين الصفا والمروة ، وإذا كانت نازلة جوابا عن سؤالهم عن حكم السعي ، بين الصفا والمروة ، فسعي النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها بيان لها . والأمر الثاني : هو ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم : " أبدأ بما بدأ الله به " يعني الصفا كما تقدم قريبا ، وأما حديث " لتأخذوا عني مناسككم " ، فقد قال مسلم في صحيحه في باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ، وبيان قوله صلى الله عليه وسلم : " لتأخذوا عني مناسككم " . حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، وعلي بن خشرم جميعا ، عن عيسى بن يونس ، قال ابن خشرم : أخبرنا عيسى ، عن ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ، ويقول : " لتأخذوا عني مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه " ، وقال البيهقي في السنن الكبرى : في باب الإيضاع في وادي محسر : وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنبأنا سليمان بن أحمد بن أيوب ، ثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أبو نعيم قال : وحدثنا حفص ، ثنا قبيصة قال : وحدثنا يوسف القاضي ، ومعاذ بن المثنى قالا : ثنا ابن كثير ، قالوا : ثنا سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه السكينة ، وأمرهم بالسكينة ، وأوضع في وادي محسر ، وأمرهم أن يرموا الجمار مثل حصى الخذف ، وقال : " خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا " ، انتهى منه . وقال النووي في شرح المهذب : إن هذا الإسناد الذي رواه به البيهقي صحيح على شرط البخاري ، ومسلم . واعلم أن رواية مسلم ورواية البيهقي المذكورتين معناهما واحد ; لأن : " خذوا عني مناسككم " بصيغة فعل الأمر يؤدي معنى قوله : " لتأخذوا عني " ، بالفعل المضارع [ ص: 419 ] المجزوم بلام الأمر ، فكلتا الصيغتين صيغة أمر ، ومن المعلوم أن الصيغ الدالة على الأمر أربع الأولى فعل الأمر نحو : أقم الصلاة لدلوك الشمس [ 17 \ 78 ] وقوله : " خذوا عني مناسككم " . الثانية : الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر كقوله تعالى : ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق [ 22 \ 29 ] وقوله : " لتأخذوا عني مناسككم " في رواية مسلم . الثالثة : اسم فعل الأمر نحو قوله تعالى : عليكم أنفسكم الآية [ 5 \ 105 ] . الرابعة : المصدر النائب عن فعله كقوله تعالى : فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب [ 47 \ 4 ] ؛ أي : فاضربوا رقابهم . ![]()
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |