|
|||||||
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#2
|
||||
|
||||
|
اللغة والحوار في المسرح الإسلامي: تقوم المسرحية الإبداعية والأدبية أسلوبيا، سواء في المسرح الإسلامي أو غيره من المسارح المعروفة في الغرب والشرق، على الحوار الخارجي والحوار الداخلي والحوار الصامت. لذا، يشترط في حوار المسرح الإسلامي أن يكون حوارا واضحا معبرا وهادفا بانيا ومسؤولا، مع الابتعاد عن مظاهر الحشو والمبالغة والإطناب والاستطراد. ومن هنا، يشترط في لغة الأداء والتشخيص والتعبير أن تكون لغة راقية وسامية، سواء أكانت اللغة فصيحة أم عامية شعبية. لكن لابد أن تكون اللغة المسرحية بمنأى عن الابتذال والتقعر والإسفاف والعري، وألا تخدش الأخلاق والحياء والمروءة. ويعني هذا أن تكون لغة العرض والكتابة على حد سواء لغة نقية وصافية ومهذبة ومعبرة، تهدف إلى بناء الإنسان بناء دينيا صحيحا، مع الرفع من مستواه التواصلي والاجتماعي والأخلاقي لفظا وإشارة وتلويحا. ومن الأفضل بمكان أن تكون اللغة المسرحية بعيدة عن الصرخات القاتلة، والإيماءات السيميائية المعتمة، والخطابات اليائسة، والحوارات المتقطعة التي تعيق الإفهام والتبليغ والتواصل، كما هو الحال في مسرح العبث واللامعقول. وعليها أيضا أن تتخلص من لغة الغموض والإبهام والترميز الموغل في التجريد، كما في المسرح الرمزي ومسرح الحداثة والطليعة. وينبغي أن تتحرر كذلك من لغة الأسطورة الوثنية كما كان طاغيا في المسرح اليوناني. لأن الغموض أو الإبهام الذي "ساد الآداب المعاصرة أمر مخيف بالنسبة للحاضر والمستقبل، إنه ضرب من الشذوذ وقد أصبح قاعدة، بل فلسفة يروج لها النقاد في مختلف الأنحاء ويعتبرونها معيار الحداثة والإبداع، فإذا الحياة المعقدة في الغرب، والخواء الروحي، والتخمة المادية، والنمط الميكانيكي للحركة اليومية، والتفكك الأسري، وطغيان الفردية، والفوضى الفكرية والسلوكية تحت شعار الحرية، والأمراض النفسية الفتاكة، إذا كان هذا كله قد أفرز في الغرب آدابا وفنونا معتلة، فما معنى أن نختط لحياتنا في الشرق تصورا شبيها لما يجري في هذا الغرب؟؟ أيمكن القول: إن السلطة القاهرة الجائرة قد خلقت جوا مناسبا شبيها لما يجري في الغرب؛ لقد أشرنا فيما سبق إلى فئة من الأدباء نحت ذلك المنحى، وتوفرت لديها مبررات كافية للإغراق في الغموض، لكن البناء النفسي للشعوب الإسلامية، وطبيعة تكوينها ومثلها العقائدية والاجتماعية يمكن أن تقيها شر هذا الفساد، ولا بد أن نجهز على الفكرة القائلة بأن الإبداع هو الغموض، والصور الفنية المبهمة التي تتدفق من تيار الوعي واللاوعي، فمسؤولية الكلمة - إن كنا نؤمن بها - تقتضي الوضوح دون إهدار للقيم الفنية الجمالية."[17]. هذا، ولابد أن تكون لغة المسرح الإسلامي مؤثرة ومقنعة، وقوية بالحجة والدليل والبرهان، وتكون أيضا لغة جميلة وساحرة البيان مصداقا لقوله (صلعم): "إن من الشعر حكمة، وإن من البيان لسحرا"، وتكون كذلك قادرة على الإقناع الذهني والعقلي والوجداني عبر التطهير الأخلاقي والتهذيب الديني. وبالتالي، تعتمد هذه اللغة على المأثور من كلام الله وهدي النبي (صلعم)، وتستند إلى الأمثال والحكم والأشعار والأخبار والحكايات الشعبية والموروث الفني والجمالي تناصا وخلقا وإبداعا، بعيدا عن التقريرية الفجة والابتذال الوعظي السطحي والتحريض التهييجي المبالغ فيه. ومن ثم، فالمسرح الإسلامي في الحقيقة "ليس قواعد جامدة، أو صيغ معزولة عن الحياة والواقع، أو خطبا وعظية تثقلها النصوص والأحكام، ولكنه صور جميلة نامية متطورة، تتزيى بما يزيدها جمالا وجلالا، ويجعلها أقوى تأثيرا وفاعلية، ولا يستنكر هذا [المسرح] أن يبتكر الجديد النافع الممتع، فالحياة في تجدد وتطور، وكذلك الإنسان وأساليب حياته العملية والعلمية والترفيهية، على أن يظل [مسرحنا] في نطاق القيم الإسلامية الأصيلة، ملتزما بجوهرها وغايتها."[18]. ومن هنا، فالمسرح الإسلامي لا بد أن يكون بمثابة تعبير فني جميل مؤثر ومقنع، نابع من ذات مؤمنة ورعة وتقية، مترجم عن الحياة والإنسان والكون وفق الأسس العقائدية للمسلم، وباعث للمنفعة والمتعة، ومحرك للوجدان والفكر على حد سواء، ومحفز لاتخاذ موقف معين، والقيام بنشاط هادف ما لخدمة الذات والصالح العام.[19] السينوغرافيا في المسرح الإسلامي: يمكن للمخرج ضمن التصور الإسلامي أن يوظف جميع الأشكال الفنية والفرجوية المناسبة والهادفة، بشرط ألا تتناقض تلك الأشكال والتجارب السينوغرافية مع تعاليم الشرع الإسلامي. إذ يمكن للمخرج والسينوغراف معا أن يوظفا السينوغرافيا الواقعية أو الطبيعية أو الرمزية أو التاريخية أو الأسطورية أو التكعيبية أو المستقبلية أو التراثية، لكن في انسجام تام مع روح الإسلام. ويمكن أن نستثمر اللوحات التشكيلية والإكسسوارات الهادفة والجداريات المعبرة الدالة، والبعيدة عن العبث واليأس والنظرة السوداوية، أثناء تقديمنا للفرجات الدرامية الجادة والمسؤولة. ويمكن تلوين خشبة الركح بطلاء مادي، كتلوين منطقة الصراع بالأحمر، وتلوين منطقة الماضي بالأزرق، وتلوين منطقة المستقبل بالأصفر البرتقالي، أو تلوينها معنويا ومجازيا للتعبير عن مختلف القوى التي تتحكم في بناء خشبة الركح المسرحي.[20]. ويمكن للمسرح الإسلامي أن يستعين بالتكنولوجيا المعاصرة والإعلاميات الرقمية الدقيقة في بناء الديكور والمناظر، وتأثيث الركح الدرامي. كما يمكن له أن يعمد إلى عرض مجموعة من الفرجات المسرحية والأشكال الدرامية الفطرية الواعية واللاواعية، كأن يستدعي - مثلا - الفرجات الطقوسية الفلكلورية والرقصات الكرنفالية، واستحضار المشاهد الاستعراضية الفنية والجمالية الهادفة، وتوظيف الأجواء الاحتفالية البانية، وتوظيف الجذبات الصوفية الروحانية التي تعبر عن صراع الجسد والروح وصراع الإنسان مع الشيطان، واسترجاع الملاحم والمعارك والبطولات التاريخية الإسلامية اليانعة عبر التحبيك الفني والإيحائي والدراماتورجي، وتمثيل حياة الصحابة والشخصيات التي خدمت الإسلام، سواء من قريب أم من بعيد على مستوى التشخيص الركحي. كما ينبغي لهذا المسرح أن يستهدي بالموسيقى الروحانية والأوراد العرفانية والابتهالات الدينية والأمداح النبوية، وتشغيل الأغاني المحلية والوطنية والقومية، مع التركيز سينوغرافيا على الإضاءة السيميائية المعبرة التي تتأرجح بين الظلمة والنور للتعبير أخلاقيا وعقديا عن ثنائية الضلالة والهداية. ويمكن أن تستعين المسرحية الإسلامية بكل أنواع الإضاءة اللونية للتعبير الأدائي، وتبيان التحرك الدرامي فوق الركح، وتحديد الدور تمركزا وتموقعا وتموضعا وتخطيطا، وكل ذلك من أجل تشخيص المواقف الدرامية الجادة والهادفة. ويشترط في الكوريغرافيا المسرحية أن تكون وظيفية وهادفة ومعبرة وأخلاقية من حيث المعنى والمبنى، فلا ينبغي أن نوظف الجسد بأي حال من الأحوال في إثارة الغرائز الجنسية، وتهييج الأهواء الشبقية من أجل التأثير سلبا على المتلقي والراصد على حد سواء. وهكذا، فمن القضايا التي "يغرم بها كتاب المسرح وغيرهم إبراز مفاتن الجسد، كوسيلة للإغراء والإثارة، وقد قلنا إن النظر إلى هذه القضية يعتمد أساسا على رد الفعل لدى المتلقي، هل هذا الإجراء يصرفه عن الهدف الأسمى للمسرحية، ويستولي على لبه في الاندماج في هذه القضية الفرعية، ومن ثم تهتاج حواسه، يشرد به الفكر، فينحرف إلى التفكير في ممارسة الفحش، ويزيد له ارتكاب الخطيئة؟؟ إذا كان المتلقي على هذا النحو من الاستجابة والانفعال والتفاعل فهو خطأ جسيم يحمل الكاتب وزره، ولابد من إعادة النظر فيه، والبحث عن أسلوب أفضل وأليق، ويمكننا القول: إن الذي يخدش الحياة في صميم الحياة وواقعها، هو نفسه الذي لابد من تجنبه على خشبة المسرح.... ذلك ما يجب الالتفات إليه..."[21]. ويعني هذا أن يطوع الممثل جسده في خدمة القضية التي تطرحها المسرحية بكل وعي ومسؤولية والتزام أخلاقي صحيح. آليات الإخراج في المسرح الإسلامي: يشترط في المخرج ضمن التصور المسرحي الإسلامي أن ينطلق في إخراجه من نص هادف وجاد، فيحوله إلى عمل درامي ذي منبع إسلامي. وبالتالي، يشكل هذا المنطلق أو المصدر في الحقيقة رؤية متكاملة ومتوازنة، كما يعد نسقا متكاملا يشمل الحق والخير والجمال، فتتداخل فيه الصياغة والدلالة والمقصدية بشكل متماسك اتساقا وانسجاما. وعلى المخرج المسرحي، أيضا، أن يتقن عمله باستمرار وبشكل جيد، فينتقي الممثلين الملتزمين والممثلات المتحجبات، ثم يدرب الجميع على التمثيل البناء الصادق والتشخيص الهادف، مستفيدا في ذلك من التصور الستانسلافسكي على مستوى الأداء الداخلي الصادق، أو يلتجئ إلى الأداء الخارجي الكوكلاني لتقديم الفرجة الدرامية، أو يستفيد من نظريات بريخت القائمة على التغريب أو اللااندماج الواعي اليقظ، لكن بشرط أن نزيل عن النظرية الطابع الجدلي الماركسي، وننقيها من شحنة الصراع الطبقي والإيديولوجي. هذا، ويستلزم الواجب المنطقي والفني والجمالي والعملي في هذه الأداءات التشخيصية والدرامية أن تحقق التطهير الأخلاقي، والتغيير السلوكي، ومداواة النفوس من أمراضها ووساوسها وإحنها وأحقادها الدفينة، وتحريرها من عقدها الشعورية واللاشعورية. لأن المهم في المسرح الإسلامي هو الرسالة الإنسانية الهادفة قبل كل شيء، فالتقنيات في هذا المسرح الهادف والبناء ليست في الحقيقة سوى مكملات فنية وجمالية. ويستحسن أن يكون المخرج ديمقراطيا في تعامله مع الممثلين، دون ممارسة سلطة القمع والإخضاع والتجبر والإقصاء، فيشجع ممثليه الأكفاء على الخلق والابتكار والإبداع، ثم يساعدهم على التموقع الحسن، والتموقف الجيد، والظهور في أحسن الحالات التشخيصية البناءة والهادفة. وينبغي للمخرج أن يبتعد عن الاجترار والمحاكاة والتقليد، بل عليه أن ينتقل مباشرة إلى مرحلة التفسير والاجتهاد والإبداع والابتكار. ولن يتحقق له ذلك إلا بالانطلاق من رؤية التأصيل، والبحث عن الذات، وتوظيف القالب الجمالي العربي الإسلامي في الفن والجمال والزينة. فيوظف جميع الأشكال الاحتفالية والطقوسية المعروفة في تراثنا العربي الإسلامي، كفن الحلقة، وسلطان الطلبة، واعبيدات الرمى، ومسرح المقامات، وخيال الظل، ومسرح الراوي الشعبي، ومسرح الأخبار والفكاهات والحكايات الشعبية. وبذلك، يذهب الدارس العراقي عمر محمد الطالب إلى أن المسرح العربي الإسلامي ليس حديث العهد، بل هو مسرح موغل في القدم، فيصرح الباحث قائلا: "إن ما يؤكد وجهة نظرنا بوجود مسرح عربي إسلامي قديم، أن المسرح الحديث تأثر تأثرا كبيرا بالتراث العربي حيث "وجدوا في القصص الشعبي كألف ليلة وليلة والسير الشعبية مادة أولية جاهزة تعينهم على تحقيق الهدف الذي ينشدونه في المسرح. أعني تحقيق التسلية والترفيه، وذلك لما في هذه القصص من مغامرات عجيبة وموضوعات مثيرة، وأجواء خيالية حافلة بعناصر التشويق والمفاجآت التي تتوجه إلى فضول المشاهد وتخلق عدة عوامل الدهشة والتوقع والانتظار ومن ثم المتعة والسرور... ومن الواضح أن أغلب هذه القصص التي قامت عليها العروض المسرحية كان قصصا شائعا معروفا لدى الجمهور الذي ما برح يجد متعة كبرى حين يرى هذه القصص التي يعرفها جيدا، تمثل أمامه في المسرح." [22]. ولا يعني هذا أن المخرج ينبغي أن ينطوي على ذاته وتراثه شكلا ومضمونا، بل عليه أن ينفتح أيضا على التجارب الدرامية العالمية والأشكال الفنية توظيفا واستثمارا، تلك التجارب التي تتطور بشكل سريع بفضل مؤهلات التكنولوجيا المعاصرة والثورة الرقمية المعاصرة. خصائص الكتابة في المسرح الإسلامي: يمكن للمؤلف المسرحي في التصور الإسلامي أن يلتجئ إلى الإبداع الشخصي أو الاقتباس أو الاستنبات أو التحوير أو الكولاج أو الترجمة أو الدراماتورجيا، لكن بشرط أن ينطلق من رؤية إسلامية واضحة في كتاباته الإبداعية، ويصدر عن عقيدة ربانية سليمة وبناءة، فيعبر دراميا ومسرحيا عن نسق حضاري جاد وهادف، بعيدا عن العبث واليأس والقلق والسأم والتشاؤم القاتل. ويجوز له أن يتناول كل المواضيع التي تؤرق الإنسان ذاتيا وموضوعيا، لكن بشرط واحد، ألا تتنافى القضية المطروحة والمعروضة فنيا وركحيا مع تعاليم الشريعة الإسلامية والعقيدة الربانية الهادية. هذا، وعلى الكاتب المسرحي أن يبتعد أيما ابتعاد عن الإبهام والتعقيد اللفظي والمعنوي، ناهيك عن الغموض المجاني، واستخدام الرموز المقنعة التي يصعب إدراكها، وفهم رسالتها المباشرة وغير المباشرة باسم التجديد والحداثة والانزياح وأدب الطليعة. ويعني هذا أن رسالة المسرح ينبغي أن تكون واضحة في مقاصدها، وبانية في مراميها، وهادفة في غاياتها وأبعادها. لكن ليس عن طريق تشغيل أسلوب التقرير، واستعمال التكرار والرتابة، وتوظيف الخطب الرنانة المباشرة، بل لابد من كتابة فنية ممتعة في إضاءة الحق والخير والجمال. وفي هذا السياق، يقول الدكتور حسن الأمراني:" إن من شروط الثقافة البانية أن تكون واضحة الأهداف، ولكن من شروطها كذلك أن تكون وسائلها منسجمة مع طبيعة الأهداف، ومن هنا تتداعى القاعدة الميكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة). فالغاية، في مفهوم الثقافة البانية، لا تبرر الوسيلة. وإذا كان الهدف الأساسي هو تكريم الإنسان، وتحريره من كل مظاهر الخوف والتواكل والإحجام، فإن من الخيانة أن نسير بهذا الإنسان في سراديب التيه. وإذا كانت طبيعة العمل الأدبي، باعتباره رافدا جوهريا من الروافد الثقافية، تتنافى مع التسطيح. وتتطلب قدرا من الإشارات المحملة بالرموز. فإن ذلك لا ينبغي أن يكون مبررا للسقوط في الإبهام. وإلا تعطلت رسالة الأديب."[23]. وإذا كان المسرح قد عرف مجموعة من المحطات الفنية عبر مراحل تطوره الزمني، مثل: المحاكاة والتجنيس والتجريب والتأصيل، فقد آن الأوان لينتقل المسرح الإسلامي إلى مرحلة التأصيل لتحقيق هويته وكينونته ووجوده وأصالته، عن طريق الاطلاع على تراثه الممتد زمنيا إلى العصر الجاهلي، مع الانفتاح على التجارب العالمية التي لا تتناقض في فلسفتها مع تعاليم الشرع الرباني. الموقف من التراث: يتعامل التصور التنظيري الجديد مع التراث من خلال رؤية إسلامية منفتحة، حيث يمكن للمبدع أن يشتغل على التراث الإنساني بصفة عامة، والتراث العربي الإسلامي بصفة خاصة، فيحوله إلى أقنعة تراثية ورموز تناصية وعلامات استعارية، لكن بشرط ألا يخالف هذا التوظيف الفني والجمالي القيم الربانية وتعاليم الإسلام السمحة، والحقيقة المحمدية النيرة. وألا يتحول التراث إلى سب للسلف الصالح، بل لابد من قراءة التراث قراءة واعية ومتأنية قائمة على عقيدة الولاء والبراء، بعيدا عن التعسف والتصنع والتأويل المجحف. ويمكن للتراث أن يتحول إلى دروس وعبر وآيات للاعتبار بها، وألا يتحول هذا التراث إلى فلكلور سياحي رخيص، بل لابد من عملية الانتقاء والاختيار والتركيز على النقط الإيجابية المثمرة والمضيئة، بعيدا عن القراءات الجدلية المغرضة. كما يمكن أن نضيء الحاضر عن طريق فهم الماضي، والاستفادة من سلبياته وإيجابياته، والأخذ بنقط القوة، وترك نقط الضعف. ومن هنا، فالتعامل مع التراث يستوجب التمثل، والعمل به، والتموقف الإسلامي المتزن، والاعتبار، والاهتداء، وغربلة الذاكرة التاريخية من المدنس، وتنقية الموروث من المسخ والتشويه، دون أن ننسى ضرورة تلقينه وتعليمه للأجيال الصاعدة، لمعرفة تراثهم العربي الإسلامي لقراءته في ضوء الشرع الرباني، بعيدا عن التزييف والنقد الهدام والتأويل المتطرف. نماذج مسرحية إسلامية: من المعلوم أن هذا التصور الإسلامي للمسرح - بلا ريب - قد استمد من النصوص الدينية والأدبية، واستنبط أيضا من الكتابات الدرامية والعروض المسرحية ذات البعد الفني والجمالي والإبداعي. ويعني هذا مدى ارتباط النظرية المسرحية بالممارسة وصفا وتفسيرا وتقعيدا وتنظيرا. أي: لم تقم هذه النظرية التي بين يدي القارئ على الفراغ والهوس والجنون والتخييل المجاني والتنبؤ الارتجالي، بل اعتمدت نظرية المسرح الإسلامي على العديد من المسرحيات الهادفة، سواء أكانت عربية إسلامية أم كانت عالمية إنسانية. ومن ثم، يمكن الإشارة إلى العديد من المسرحيات الإسلامية الهادفة التي انطلقت من التصور الإسلامي الرباني، كمسرحيات علي أحمد باكثير كما في مسرحيته (حبل الغسيل)، ومسرحية (الدنيا فوضى)، ومسرحيات مصطفى محمود كمسرحية (الشيطان يسكن بيتنا) ومسرحيات محمود دياب كما في مسرحيته (باب الفتوح)، ومسرحيات عبد الرحمن الشرقاوي كمسرحية (الحسين ثائرا) و(الحسين شهيدا)، ومسرحيات الدكتور عماد الدين خليل كمسرحية (المأسورون)، ومسرحية (الشمس والدنس)، ومسرحية (معجزة في الضفة الغربية)، ومسرحيات محمد المنتصر الريسوني كمسرحية (أعراس الشهادة في موسم الشنق)، ومسرحيات علي الصقلي كمسرحية (الفتح الأكبر) ومسرحية (المعركة الكبرى)، ومسرحية (أبطال الحجارة)، ومسرحيات محمد الحلوي كمسرحية (أنوال). ويمكن الإشارة كذلك إلى مسرحية (بابا عروب يقرأ الغروب) التي قدمتها فرقة الأشبال بوجدة في إطار المهرجان الوطني الرابع والعشرين لمسرح الهواة، التي يقول عنها الناقد المسرحي المغربي الدكتور مصطفى رمضاني: "ولعل مسرحية "بابا عروب يقرأ الغروب" أنضج وأحسن نموذج للمسرح الإسلامي الهاوي بالمغرب، لأنها حاولت أن ترصد العلاقة بين المجتمع العربي الإسلامي وبين التيارات الشرقية والغربية بنوع من العمق في التحليل مع نجاح كبير في المستوى السينوغرافي."[24]. وهكذا، نقرر مطمئنين بأن التنظير للمسرح الإسلامي لم يبن على الفراغ المجاني والتجريد الخيالي والافتراضي، بل يقوم على مجموعة من المرجعيات النصية والفنية والإبداعية، وهي تتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والإبداعات المسرحية الإسلامية. وعليه، نستنتج، مما سبق ذكره، بأن أهم ما يمكن الحديث عنه في المسرح الإسلامي هو المضمون الذي يتميز بالخصوصية والفرادة والتميز؛ لأنه مضمون نابع من الشريعة الربانية والهدي النبوي الشريف. ويتناقض هذا المضمون - فعلا - مع كل الفلسفات الفنية الغربية الموغلة في التجريد والترميز والإباحية والعبثية والتيه والضلال التي تعبر عن ذلك الإنسان الغربي الباحث بجدية وهوس شديدين عن ماديات الدنيا الفانية ومتع الجنس الزائلة. أما الأشكال الفنية والجمالية والتجارب الإخراجية والميزانسينية، فيمكن الاستفادة منها قدر الإمكان، مادامت تجارب عالمية وإنسانية لا تتعارض مفاهيمها النظرية والتطبيقية مع القيم الإسلامية. وفي هذا السياق، يقول الدكتور عماد الدين خليل: "وفرصة الاختيار المطروحة أمام الفنان المسلم، إذًا، هي أن يقبل المسرح كشكل فني وأن يرفض المضمون... والإسلام لم يقف يوما إزاء الأشكال، لا في ميدان الحكم والإدارة، ولا في ميدان الاقتصاد والاجتماع، ولا في ميدان الآداب والفنون، على العكس - هو علمنا - أن الأشكال قضية ديناميكية لا يقر لها قرار، وتكنيك متحرك لا يقف عند حد، إلا لتجاوزه إلى حدود أخرى... ومن ثم، فإن التشبث بالشكل الواحد عبر العصور هو مناقضة لطبيعة الأشياء. والإسلام يرفض من الأشكال فقط تلك التي ترتبط عضويا بمضامينها، وأصبح من الصعب فصل إحداها عن الأخرى، وإلا تعرضتا للقتل، أو أخرجتا المتشبثين بهما عن قواعدهم العقائدية الأصيلة. أشكال فكرية أو عقائدية من هذا النوع، دعا الإسلام إلى رفضها، والاستعلاء عليها، وعلى ما تبشر به من مضامين، صوب أشكال ابتكرها الإسلام نفسه، وربطها ربطا حيويا بقيمه وأهدافه."[25]. وهكذا، نصل إلى أن المسرح الإسلامي - سيكون بلا محالة - هو مسرح المستقبل، مادام ذلك المسرح يرتكز في مبادئه السمحة على تنوير الإنسان تنويرا عقديا، وتوعيته أخلاقيا، وبنائه حضاريا في ضوء الشريعة الإسلامية الربانية، والعقيدة النيرة السليمة والصحيحة. وكل مسرح يقوم - في المقابل - على نشر فلسفة العبث واللاجدوى، ويسعى إلى التجريد المجاني، ويستهدف الغواية الشبقية، وتشجيع الرذيلة، وإباحة الفساد، والاستهتار بالقيم الأخلاقية والدينية، فإنه - بلا شك ولا ريب - مسرح زائل سيؤول يوما إلى الفشل والفناء والانقراض. [1] عماد الدين خليل:في النقد الإسلامي المعاصر، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، بدون تحديد لتاريخ الطبعة. [2] عماد الدين خليل: فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، بدون تحديد لتاريخ الطبعة. [3] نجيب الكيلاني: مدخل إلى الأدب الإسلامي، كتاب الأمة، قطر، العدد:14، سنة 1987م. [4] نجيب الكيلاني: حول المسرح الإسلامي،مؤسسة الرسالة،بيروت، لبنان، الطبعة الثانية1987م. [5] حكمت صالح: (نحو مسرح إسلامي معاصر)، الجزء الأول، مجلة المشكاة، المغرب، السنة الأولى، العدد:4، مارس 1985م، ص:99؛ والجزء الثاني، المشكاة، العدد الخامس والسادس، السنة الثانية، يونيو1986م، ص:80. [6] محمد عزيزة: الإسلام والمسرح، ترجمة: رفيق الصبان، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1988م. [7] د. عمر محمد الطالب: ملامح المسرحية العربية الإسلامية، منشورات دار الآفاق الجديدة بالدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة1987م. [8] نقلا عن نجيب الكيلاني: حول المسرح الإسلامي، ص:50-51. [9] نقلا عن نجيب الكيلاني: نفسه، ص: 51. [10] د. حسن الأمراني: (نحو ثقافة بانية: الخصائص)، مجلة المشكاة، وجدة، المغرب، العدد5و6، يونيو1986م، السنة 2، صص:1-11. [11] نجيب الكيلاني: نفسه، ص:34. [12] محمد عزيزة: الإسلام والمسرح، ترجمة: رفيق الصبان، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1987م، ص:38. [13] نجيب الكيلاني: نفسه، ص:120. [14] نجيب الكيلاني: نفسه، ص:120. [15] طاهر دفع الله: (في المسرح الإسلامي)، حوار، مجلة المشكاة، العدد:5-6، يونيو 1986م، ص:109-110. [16] نجيب الكيلاني:مدخل إلى الأدب الإسلامي، كتاب الأمة، قطر، العدد:14، ص:112-113؛ [17] نجيب الكيلاني: نفسه، ص:29. [18] نجيب الكيلاني: نفسه، ص:35-36. [19] نجيب الكيلاني: نفسه، ص:36. [20] أحمد ظريف: فلسفة التجاذب في الفن المسرحي - نظرية الاستدراك - مطبعة الراحة، المغرب، الطبعة الأولى 2007م. [21] نجيب الكيلاني: حول المسرح الإسلامي، ص:48؛ [22] د. عمر محمد الطالب: ملامح المسرحية العربية الإسلامية، ص:312-313. [23] د. حسن الأمراني: (نحو ثقافة بانية: الخصائص)، مجلة المشكاة، وجدة، المغرب، العدد: 5 و6، يونيو1986م، السنة 2، ص:8-9. [24] د. مصطفى رمضاني: (الاتجاهات الأساسية في مسرح الهواة بالمغرب)، مجلة المشكاة، بوجدة، المغرب، السنة 1، العدد:4، دجنبر 1984- مارس 1985م، ص:69. [25] د. عماد الدين خليل؛ في النقد الإسلامي المعاصر، ص:184.
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |