|
|||||||
| ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#11
|
||||
|
||||
![]() بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الرابع الحلقة (310) سُورَةُ الْحَجِّ صـ 257 إلى صـ 263 وَقَوْلُهُ : وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ؛ أَيْ : كُلُّ صَاحِبَةِ حَمْلٍ تَضَعُ جَنِينَهَا مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ وَالْهَوْلِ ، وَالْـ ( حَمْلُ ) بِالْفَتْحِ : مَا كَانَ فِي بَطْنٍ مِنْ جَنِينٍ ، أَوْ عَلَى رَأْسِ شَجَرَةٍ مِنْ ثَمَرٍ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى جَمْعُ سَكْرَانَ ؛ أَيْ : يُشَبِّهُهُمْ مَنْ رَآهُمْ بِالسُّكَارَى مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ وَمَا هُمْ بِسُكَارَى مِنَ الشَّرَابِ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ وَالْخَوْفُ مِنْهُ هُوَ الَّذِي صَيَّرَ مَنْ رَآهُمْ يُشَبِّهُهُمْ بِالسُّكَارَى ، لِذَهَابِ عُقُولِهِمْ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ ، كَمَا يَذْهَبُ عَقْلُ السَّكْرَانِ مِنَ الشَّرَابِ . وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ : ( وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى ( بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْكَافِ فِي الْحَرْفَيْنِ عَلَى وَزْنِ فَعْلَى بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ . وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ سُكَارَى بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْكَافِ بَعْدَهَا أَلِفٌ فِي الْحَرْفَيْنِ أَيْضًا ، وَكِلَاهُمَا جَمْعُ سَكْرَانَ عَلَى التَّحْقِيقِ . وَقِيلَ : إِنَّ سَكْرَى بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ جَمَعُ سَكِرٍ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ بِمَعْنَى : [ ص: 257 ] السَّكْرَانِ ، كَمَا يُجْمَعُ الزَّمِنُ عَلَى الزَّمْنَى ، قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ . وَقِيلَ : إِنَّ سَكْرَى مُفْرَدٌ ، وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ . وَاسْتِدْلَالُ الْمُعْتَزِلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ يُسَمَّى شَيْئًا ; لِأَنَّهُ وَصَفَ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ بِأَنَّهَا شَيْءٌ فِي حَالِ عَدَمِهَا قَبْلَ وُجُودِهَا . قَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ رَدِّهِ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا . مسألة اختلف العلماء في وقت هذه الزلزلة المذكورة هنا ، هل هي بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم إلى عرصات القيامة ، أو هي عبارة عن زلزلة الأرض قبل قيام الناس من القبور ؟ فقالت جماعة من أهل العلم : هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا ، وأول أحوال الساعة ، وممن قال بهذا القول : علقمة ، والشعبي ، وإبراهيم ، وعبيد بن عمير ، وابن جريج . وهذا القول من حيث المعنى له وجه من النظر ، ولكنه لم يثبت ما يؤيده من النقل ، بل الثابت من النقل يؤيد خلافه . وهو القول الآخر . وحجة من قال بهذا القول حديث مرفوع جاء بذلك ، إلا أنه ضعيف لا يجوز الاحتجاج به . قال ابن جرير الطبري في تفسيره مبينا دليل من قال : إن الزلزلة المذكورة في آخر الدنيا قبل يوم القيامة : حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع المدني ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما فرغ الله من خلق السموات والأرض خلق الصور ، فأعطي إسرافيل ، فهو واضعه على فيه ، شاخص ببصره إلى السماء ، ينظر متى يؤمر " قال أبو هريرة : يا رسول الله ، وما الصور ؟ قال : " قرن " ، قال : وكيف هو ؟ قال : " قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات ، الأولى : نفخة الفزع ، والثانية : نفخة الصعق ، والثالثة : نفخة القيام لرب العالمين " يأمر الله عز وجل إسرافيل بالنفخة الأولى : انفخ نفخة الفزع ، فتفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، ويأمره الله فيديمها ويطولها فلا يفتر ، وهي التي يقول الله : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [ 38 \ 15 ] فيسير الله الجبال فتكون سرابا ، وترج الأرض بأهلها رجا ، وهي التي يقول الله : يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة [ 79 \ 6 [ ص: 258 ] - 8 ] فتكون الأرض كالسفينة الموبقة في البحر ، تضربها الأمواج تكفأ بأهلها ، أو كالقنديل المعلق بالعرش ، ترججه الأرواح ، فتميد الناس على ظهرها ، فتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ، وتشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار ، فتلقاها الملائكة ، فتضرب وجوهها ، ويولي الناس مدبرين ، ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله : يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد [ 40 - 33 ] فبينما هم على ذلك ، إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر فرأوا أمرا عظيما ، وأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به ، ثم نظروا إلى السماء ، فإذا هي كالمهل ، ثم خسفت شمسها ، وخسف قمرها ، وانتثرت نجومها ، ثم كشطت عنهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك " فقال أبو هريرة : فمن استثنى الله حين يقول : ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله [ 27 \ 87 ] قال : " أولئك الشهداء ، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون ، وقاهم الله فزع ذلك اليوم ، وأمنهم ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه ، وهو الذي يقول : ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم إلى قوله : ولكن عذاب الله شديد [ 22 ] " . انتهى منه . ولا يخفى ضعف الإسناد المذكور كما ترى . وابن جرير رحمه الله قبل أن يسوق الإسناد المذكور ، قال ما نصه : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما قال هؤلاء خبر في إسناده نظر ، وذلك ما حدثنا أبو كريب . . . إلى آخر الإسناد ، كما سقناه عنه آنفا . وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : وقد أورد الإمام أبو جعفر بن جرير مستند من قال ذلك في حديث الصور ، من رواية إسماعيل بن رافع ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم ساق الحديث نحو ما ذكرناه بطوله ، ثم قال : هذا الحديث قد رواه الطبراني وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وغير واحد مطولا جدا . والغرض منه : أنه دل على أن هذه الزلزلة كائنة قبل يوم القيامة أضيفت إلى الساعة لقربها منها ، كما يقال : أشراط الساعة ، ونحو ذلك ، والله أعلم . انتهى منه . وقد علمت ضعف الإسناد المذكور . وأما حجة أهل القول الآخر القائلين بأن الزلزلة المذكورة كائنة يوم القيامة بعد البعث من القبور ، فهي ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من تصريحه بذلك . وبذلك تعلم [ ص: 259 ] أن هذا القول هو الصواب كما لا يخفى . قال البخاري رحمه الله في صحيحه في التفسير في باب قوله : وترى الناس سكارى : حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا أبو صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل يوم القيامة : يا آدم . فيقول : لبيك ربنا وسعديك . فينادى بصوت : إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار . قال : يا رب ، وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف - أراه قال - تسعمائة وتسعة وتسعين ، فحينئذ تضع الحامل حملها ، ويشيب الوليد ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد . فشق ذلك على الناس ، حتى تغيرت وجوههم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ، ومنكم واحد ، وأنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض ، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود ، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة . فكبرنا ، ثم قال : ثلث أهل الجنة . فكبرنا ، ثم قال : شطر أهل الجنة . فكبرنا " . وقال أبو أسامة ، عن الأعمش : وترى الناس سكارى وما هم بسكارى [ 22 سكارى وما هم بسكارى . انتهى من صحيح البخاري . وفيه تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوقت الذي تضع فيه الحامل حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى : هو يوم القيامة لا آخر الدنيا . وقال البخاري في صحيحه أيضا في كتاب : الرقاق في باب : إن زلزلة الساعة شيء عظيم : حدثني يوسف بن موسى ، حدثنا جرير عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : " يقول الله : يا آدم . فيقول : لبيك وسعديك ، والخير في يديك . قال : يقول : أخرج بعث النار . قال : وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، فذلك حين يشيب الصغير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ; ولكن عذاب الله شديد . فاشتد ذلك عليهم فقالوا : يا رسول الله ، أينا ذلك الرجل ؟ قال : " أبشروا ، فإن من يأجوج ومأجوج ألفا ، ومنكم رجل ، ثم قال : والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة ، فحمدنا الله وكبرنا . ثم قال : والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة ، إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ، أو كالرقمة في ذراع الحمار " . انتهى منه . ودلالته على المقصود ظاهرة . [ ص: 260 ] وقال البخاري أيضا في صحيحه في كتاب بدء الخلق ، في أحاديث الأنبياء ، في باب قول الله تعالى : ويسألونك عن ذي القرنين إلى قوله : سببا [ 18 \ 83 - 84 ] حدثنا إسحاق بن نصر ، حدثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، حدثنا أبو صالح ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى : يا آدم . فيقول : لبيك وسعديك ، والخير في يديك . فيقول : أخرج بعث النار . قال : وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين . فعنده يشيب الصغير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ; ولكن عذاب الله شديد " إلى آخر الحديث نحو ما تقدم . وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه : في آخر كتاب الإيمان - بكسر الهمزة - في باب بيان كون هذه الأمة نصف أهل الجنة : حدثنا عثمان بن أبي شيبة العبسي ، حدثنا جرير عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل : يا آدم ، فيقول : لبيك وسعديك ، والخير في يديك ، قال : يقول : أخرج بعث النار ، قال : وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، قال : فذلك حين يشيب الصغير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد " إلى آخر الحديث نحو ما تقدم . فحديث أبي سعيد هذا الذي اتفق عليه الشيخان كما رأيت فيه التصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوقت الذي تضع فيه كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ، بعد القيام من القبور كما ترى ، وذلك نص صحيح صريح في محل النزاع . فإن قيل : هذا النص فيه إشكال ، لأنه بعد القيام من القبور لا تحمل الإناث حتى تضع حملها من الفزع ، ولا ترضع حتى تذهل عما أرضعت . فالجواب عن ذلك من وجهين : الأول : هو ما ذكره بعض أهل العلم ، من أن من ماتت حاملا تبعث حاملا ، فتضع حملها من شدة الهول والفزع ، ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك ، ولكن هذا يحتاج إلى دليل . الوجه الثاني : أن ذلك كناية عن شدة الهول ; كقوله تعالى : يوما يجعل الولدان شيبا [ 73 \ 17 ] ومثل ذلك من أساليب اللغة العربية المعروفة . [ ص: 261 ] تنبيه اعلم أن هذا الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة التي ذكرنا بعضها يرد عليه سؤال ، وهو أن يقال : إذا كانت الزلزلة المذكورة بعد القيام من القبور ، فما معناها ؟ والجواب : أن معناها : شدة الخوف والهول والفزع ; لأن ذلك يسمى زلزالا ، بدليل قوله تعالى فيما وقع بالمسلمين يوم الأحزاب من الخوف : إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا [ 33 \ 10 - 11 ] ؛ أي : وهو زلزال فزع وخوف ، لا زلزال حركة الأرض ، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يدل على أن عظم الهول يوم القيامة موجب واضح للاستعداد لذلك الهول بالعمل الصالح في دار الدنيا قبل تعذر الإمكان ; لما قدمنا مرارا من أن إن المشددة المكسورة تدل على التعليل ، كما تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه ، ومسلك النص الظاهر ؛ أي : اتقوا الله ; لأن أمامكم أهوالا عظيمة ، لا نجاة منها إلا بتقواه جل وعلا . قوله تعالى : ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من الناس بعضا يجادل في الله بغير علم ؛ أي : يخاصم في الله بأن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله وكماله ، كالذي يدعي له الأولاد والشركاء ، ويقول : إن القرآن أساطير الأولين ، ويقول : لا يمكن أن يحيي الله العظام الرميم ، كالنضر بن الحارث ، والعاص بن وائل ، وأبي جهل بن هشام ، وأمثالهم من كفار مكة الذين جادلوا في الله ذلك الجدال الباطل بغير مستند ، من علم عقلي ، ولا نقلي ، ومع جدالهم في الله ذلك الجدال الباطل يتبعون كل شيطان مريد ؛ أي : عات طاغ من شياطين الإنس والجن كتب عليه [ 22 \ 3 ] ؛ أي : كتب الله عليه كتابة قدر وقضاء أنه من تولاه [ 22 \ 3 ] ؛ أي : كل من صار وليا له ؛ أي : للشيطان المريد المذكور ، فإنه يضله عن طريق الجنة إلى النار ، وعن طريق الإيمان إلى الكفر ، ويهديه إلى عذاب السعير ؛ أي : النار الشديدة الوقود . وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن بعض الجهال كالكفار يجادل في [ ص: 262 ] الله بغير علم ؛ أي : يخاصم فيه بغير مستند من علم بينه في غير هذا الموضع ; كقوله في هذه السورة الكريمة : ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله [ 22 \ 8 - 9 ] الآية ، وقوله تعالى في لقمان : ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير [ 31 \ 20 - 21 ] فقوله في آية لقمان هذه : أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير كقوله في الحج : كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير [ 22 \ 4 ] وهذه الآية الكريمة التي هي قوله : ومن الناس من يجادل في الله بغير علم [ 22 \ 3 ] الآية ، يدخل فيما تضمنته من الوعيد والذم : أهل البدع والضلال ، المعرضين عن الحق ، المتبعين للباطل ، يتركون ما أنزل الله على رسوله من الحق المبين ، ويتبعون أقوال رؤساء الضلالة الدعاة إلى البدع والأهواء والآراء ، بقدر ما فعلوا من ذلك ؛ لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب . ومن الآيات الدالة على مجادلة الكفار في الله بغير علم ، قوله تعالى : أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم [ 36 \ 77 - 78 ] ، وقوله في أول النحل : خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين [ 16 \ 4 ] ، وقوله تعالى : ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق [ 18 \ 56 ] . وقوله تعالى : والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد [ 42 \ 16 ] ، وقوله تعالى : أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون [ 43 \ 58 ] ، وقوله تعالى : وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين [ 6 \ 25 ] والآيات بمثل ذلك كثيرة ، وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، من أنه قدر وقضى أن من تولى الشيطان فإن الشيطان يضله ويهديه إلى عذاب السعير ، بينه في غير هذا الموضع ; كقوله تعالى : إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير [ 35 \ 6 ] ، وقوله تعالى : أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير [ 31 \ 21 ] ، وقوله تعالى عن نبيه وخليله إبراهيم : ياأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا [ 19 \ 45 ] ، وقوله [ ص: 263 ] تعالى : ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر [ 24 \ 21 ] إلى غير ذلك من الآيات . واعلم أنه يفهم من دليل خطاب هذه الآية الكريمة ، أعني مفهوم مخالفتها : أنه من يجادل بعلم على ضوء هدى كتاب منير ، كهذا القرآن العظيم ; ليحق الحق ويبطل الباطل بتلك المجادلة الحسنة - أن ذلك سائغ محمود ; لأن مفهوم قوله : بغير علم [ 22 \ 3 ] أنه إن كان بعلم فالأمر بخلاف ذلك ، وليس في ذلك اتباع للشيطان ، ويدل لهذا المفهوم المذكور قوله تعالى : ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن [ 16 \ 125 ] ، وقوله تعالى : ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن . وقال الفخر الرازي في تفسيره : هذه الآية بمفهومها تدل على جواز المجادلة الحقة ; لأن تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدلائل يدل على أن المجادلة مع العلم جائزة ، فالمجادلة الباطلة : هي المراد من قوله : ما ضربوه لك إلا جدلا [ 43 \ 58 ] والمجادلة الحقة هي المراد من قوله : وجادلهم بالتي هي أحسن [ 16 \ 125 ] ا هـ منه . وقوله تعالى في هذه الآية : عذاب السعير [ 22 \ 4 ] يعني عذاب النار ، فالسعير النار ، أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها . والظاهر أن أصل السعير فعيل ، بمعنى مفعول ، من قول العرب : سعر النار يسعرها ، كمنع يمنع : إذا أوقدها ، وكذلك سعرها بالتضعيف ، وعلى لغة التضعيف والتخفيف القراءتان السبعيتان في قوله : وإذا الجحيم سعرت [ 81 \ 12 ] فقد قرأه من السبعة نافع وابن عامر في رواية ابن ذكوان ، وعاصم في رواية حفص : سعرت بتشديد العين ، وقرأه الباقون بتخفيف العين ، ومما جرى من كلام العرب على نحو قراءة نافع وابن ذكوان وحفص ، قول بعض شعراء الحماسة : قالت له عرسه يوما لتسمعني مهلا فإن لنا في أمنا أربا ولو رأتني في نار مسعرة ثم استطاعت لزادت فوقها حطبا إذ لا يخفى أن قوله : مسعرة : اسم مفعول سعرت بالتضعيف ، وبما ذكرنا يظهر أن أصل السعير : فعيل بمعنى اسم المفعول ؛ أي : النار المسعرة ؛ أي : الموقدة إيقادا شديدا ; لأنها بشدة الإيقاد يزداد حرها عياذا بالله منها ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل . وفي ذلك لغة ثالثة ، إلا أنها ليست في القرآن ، وهي أسعر النار . بصيغة أفعل ، بمعنى : أوقدها . ![]()
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |