تعقيبات الأمر بالتقوى في القرآن الكريم "نظرة تدبرية" - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4969 - عددالزوار : 2081611 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4547 - عددالزوار : 1353532 )           »          معالم الأخوة في الله‎ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          رعاية الأسرة المسلمة للأبناء شواهد تطبيقية من تاريخ الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          الخطوات الثلاثون نحو السعادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          غير المسلمين في المجتمع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          بين سجود الاقتراب وسجود الاغتراب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          كيف تجزع والله معك؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          خطوات التربية الإيجابية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          السلطان عبد الحميد الثاني آخر سلاطين الدولة العثمانية الفعليين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-05-2022, 08:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تعقيبات الأمر بالتقوى في القرآن الكريم "نظرة تدبرية"



قال ابن عاشور: "وقوله: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ تذكير بالتقوى، وبمراعاة علمهم بأن الله عليم بكل شيء تنزيلًا لهم في حين مخالفتهم بأفعالهم لمقاصد الشريعة منزلة من يجهل أن الله عليم؛ فإن العليم لا يخفى عليه شيء، وهو إذا علم مخالفتهم لا يحول بين عقابه وبينهم شيء؛ لأن هذا العليم قدير"[38].

3- وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة:8].

قال مكي بن أبي طالب: "ثم قال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ أي: وخافوه بإداء فرائضه واجتناب معاصيه؛ إنه خبير بجميع أعمالكم، فيجازيكم عليها"[39].

وقال الرازي: "ثم ذكر الكلام الذي يكون وعدًا مع المطيعين ووعيدا للمذنبين، وهو قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ يعني: أنه عالم بجميع المعلومات فلا يخفى عليه شيء من أحوالكم"[40].

وقال أبو حيان: "لَما كان الشنآن محله القلب وهو الحامل على ترك العدل، أمر بالتقوى، وأتى بصفة خبير ومعناها عليم، ولكنها تختص بما لطف إدراكه، فناسب هذه الصفة أن ينبه بها على الصفة القلبية"[41].

وقال أبو زهرة: "وقد ذيل الله سبحانه وتعالى الأمر بالتقوى بما يدل على علم الله تعالى بكل أعمالنا، حتى خلجات صدورنا، وما يحوك في قلوبنا، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ أي: أن الله جل جلاله عليم علمًا دقيقًا، فالخبرة: هي العلم الدقيق الذي لَا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، عليم، هذا النوع من العلم بكل ما نعمل، وما ظهر منه وما بطن، وهو يجازينا بما نعمل، إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر"[42].

4- وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾[الحشر:18].

قال ابن عاشور: "فجملة ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ تعليل للحث على تقوى الله، وموقع إن فيها موقع التعليل"[43].

5- وقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [المائدة:7].

قال السعدي: "﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ في جميع أحوالكم ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ أي: بما تنطوي عليه من الأفكار والأسرار والخواطر، فاحذروا أن يطلع من قلوبكم على أمر لا يرضاه، أو يصدر منكم ما يكرهه، واعمروا قلوبكم بمعرفته ومحبته والنصح لعباده"[44].

وقال أبو زهرة: "التقوى لله موضعها القلوب، وهي التي تحرك الجوارح، فلا طاعة إلا إذا انبعثت من القلب عن طواعية ورضا واطمئنان"[45].

هـ- الترهيب بأن الله بصير بأعمال عباده فلا يترك جزاء شيء من أعمالهم:
قال تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة:233].

قال الواحدي: "ثم أوصى بالتقوى فقال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ أي: فلا يترك جزاء شيء من أعمالكم لأنه بصير بها"[46].

وقال أبو حيان: "﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾، لَما تقدم أمر ونهي خرج على تقدير أمر بتقوى الله تعالى، ولما كان كثير من أحكام هذه الآية متعلقًا بأمر الأطفال الذين لا قدرة لهم ولا منعة مما يفعله بهم حذر وهدد بقوله "واعلموا"، وأتى بالصفة التي هي "بصير" مبالغة في الإحاطة بما يفعلونه معهم والاطلاع عليه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه:39] في حق موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام؛ إذ كان طفلًا"[47].

وقال أبو زهرة: "ذيَّل تلك الآية الحكيمة بالأمر بتقواه، والتذكير بأنه علِم بكل شيء علْم المبصر الذي يرى؛ إذ خلجات القلوب في علمه الأزلي المحيط، كأنها المرئيات المبصرات"[48].

ز- الترهيب من ترك التقوى بكون الله تعالى الذي يُتقى يَسأل الناس به بعضهم بعضًا تعظيمًا له:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1].

قال أبو السعود: "﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ ﴾ تكريرٌ للأمر وتذكير لبعض آخَرَ من موجبات الامتثالِ به، فإن سؤالَ بعضِهم بعضًا بالله تعالى بأن يقولوا: أسألُك بالله وأنشُدك اللَّهَ على سبيل الاستعطافِ يقتضي الاتقاءَ من مخالفة أوامرِه ونواهيه، وتعليقُ الاتقاءِ بالاسمِ الجليلِ لمزيد التأكيدِ والمبالغةِ في الحمل على الامتثال بتربية المهابةِ وإدخالِ الروعة؛ لوقوع التساؤل به لا بغيره من أسمائه تعالى"[49].

ح- الترهيب من ترك التقوى بكون حساب الله سريعًا:
قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾[المائدة:4].

قال أبو حيان: "لما تقدم ذكر ما حرم وأحل من المطاعم أمر بالتقوى؛ فإن التقوى بها يمسك الإنسان عن الحرام، وعلل الأمر بالتقوى بأنه تعالى سريع الحساب لمن خالف ما أمر به من تقواه، فهو وعيد بيوم القيامة، وإن حسابه تعالى إياكم سريع إتيانه؛ إذ يوم القيامة قريب. أو يراد بالحساب المجازاة، فتوعد من لم يتق بمجازاة سريعة قريبة، أو لكونه تعالى محيطًا بكل شيء لا يحتاج في الحساب إلى مجادلة عد، بل يحاسب الخلائق دفعة واحدة"[50].

ط- الترهيب من ترك التقوى بذكر عظمة ما يحدث عند قيام الساعة من أهوال وحركة شديدة للأرض، تتصدع منها كل جوانبها:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحج:1].

قال أبو السعود: "وقولُه تعالى: ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ تعليلٌ لموجبِ الأمرِ بذكرِ بعضِ عقوباتِه الهائلةِ، فإنَّ ملاحظةَ عِظَمِها وهولِها وفظاعةِ ما هيَ من مباديهِ ومقدماتِه من الأحوالِ والأهوالِ التي لا مَلْجأَ منها سوى التَّدرعِ بلباسِ التَّقوى؛ مما يوجبُ مزيدَ الاعتناءِ بملابستِه وملازمتِه لا محالةَ"[51].

وقال ابن عاشور: "وجملة ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ في موضع العلة؛ للأمر بالتقوى كما يفيده حرف التوكيد الواقع في مقام خطاب لا تردد للسامع فيه، والتعليل يقتضي أن لزلزلة الساعة أثرًا في الأمر بالتقوى، وهو أنه وقت لحصول الجزاء على التقوى وعلى العصيان، وذلك على وجه الإجمال المفصل بما بعده"[52].

3- تعقيب الأمر بالتقوى بذكر نعمة من نعم الله توجب شكره عليها بتقواه:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1].

قال ابن عاشور: "جاء باسم الموصول ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ للإيماء إلى وجه بناء الخبر؛ لأن الذي خلق الإنسان حقيق بأن يتقى"[53].

وقال أبو زهرة: "والأمر بالتقوى تكرر لتربية المهابة في النفس، ولتوكيد الطلب، ولأن مقام التقوى في الثاني غير مقام التقوى في الأول، فمقام التقوى في الأول هو مقام التقوى التي تتجلى في شكر الرب على ما أنعم، وبقيام الواجب نحو الخلق للصلة الجامعة الوثيقة، فهي تقوى الربوبية والإنعام، ومقام التقوى في الثاني تقوى الألوهية، ولذلك ذكر لفظ الجلالة الدالة على كل معاني الألوهية، فهي تقوى العابد الخائف الراجي رحمته، والأولى تقوى الشاكر المحسِّ بجلائل الإنعام"[54].

4- تعقيب الأمر بالتقوى بكون الإيمان حاملًا عليها فمن كان مؤمنًا فسيتقي ربه:
1- قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة:57].

قال أبو حيان: "لَما نُهِيَ المؤمنون عن اتخاذهم أولياء، أمرهم بتقوى الله؛ فإنها هي الحاملة على امتثال الأوامر واجتناب النواهي؛ أي: اتقوا الله في موالاة الكفار، ثم نبه على الوصف الحامل على التقوى وهو الإيمان؛ أي: من كان مؤمنًا حقًّا يأبى موالاة أعداء الدين"[55].

2- وقال سبحانه: ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة:112].

قال ابن عاشور: "﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾أي: احذروه بامتثال ما نهاكم عنه، وذكرُ هذا الشرط استنهاض للهمة في الانتهاء، وإلهاب لنفوس المؤمنين؛ ليظهروا أنهم مؤمنون؛ لأن شأن المؤمن الامتثال"[56].

3- وقال سبحانه: ﴿ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ [المائدة:88].

قال أبو السعود: "﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ توكيد للوصية بما أَمَر به؛ فإن الإيمانَ بهِ تعالى يوجب المبالغة في التقوى والانتهاء عما نهى عنه"[57].

4- وقال سبحانه: ﴿ وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾[الممتحنة:11].

قال أبو السعود: "﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾، فإن الإيمانَ بهِ تعالى يقتضِي التَّقوى منهُ تعالَى"[58].

وقال ابن عاشور: "والتذييل بقوله: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ تحريض للمسلمين على الوفاء بما أمرهم الله، وألا يصدهم عن الوفاء ببعضه معاملة المشركين لهم بالجور وقلة النصفة، فأمر بأن يؤدي المسلمون لإخوانهم مهور النساء اللائي فارقوهنَّ، ولم يرضَ المشركون بإعطائهم مهورهن، ولذلك أتبع اسم الجلالة بوصف ﴿ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾؛ لأن الإيمان يبعث على التقوى، والمشركون لَما لم يؤمنوا بما أمر الله انتفى منهم وازع الإنصاف، أي: فلا تكونوا مثلهم"[59].

5- تعقيب الأمر بالتقوى بنداء أولي الألباب؛ لأن اللب النقي يدعو إلى التقوى:
1- قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة:197].

قال أبو السعود: "حثَّهم على التقوى ثم أمرَهم بأن يكون المقصودُ بذلك هو الله تعالى، فيتبرؤوا من كل شيء سواه، وهو مقتضى العقلِ المعرَّى عن شوائبِ الهوى، فلذلك خُصَّ بهذا الخطاب أولوا الألباب"[60].

وقال أبو زهرة: "وخص ذوي الألباب بالنداء - وهم ذوو العقول المدركة الواعية - للإشارة إلى أن من لَا يتقى الله ليس عنده لب يدرك، ولا قلب يعي، ولا إرادة تعمل على مقتضى العقل والحكمة"[61].

2- وقال سبحانه: ﴿ قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[المائدة:100].

قال أبو حيان: "وخص تعالى الخطاب والنداء بأولي الألباب؛ لأنهم المتقدمون في تمييز الطيب والخبيث، فلا ينبغي لهم إهمال ذلك؛ قال ابن عطية: وكأن الإشارة إلى لب التجربة الذي يزيد على لب التكليف بالجبلة والفطنة المستنبطة والنظر البعيد"[62].

وقال ابن عاشور: "وتفريع قوله: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ﴾ على ذلك مؤذن بأن الله يريد منا إعمال النظر في تمييز الخبيث من الطيب، والبحث عن الحقائق، وعدم الاغترار بالمظاهر الخلابة الكاذبة؛ فإن الأمر بالتقوى يستلزم الأمر بالنظر في تمييز الأفعال؛ حتى يعرف ما هو تقوى دون غيره"[63].

3- وقال سبحانه: ﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ﴾ [الطلاق:10].

قال ابن عاشور: "وفي نداء المؤمنين بوصف أولي الألباب إيماء إلى أن العقول الراجحة تدعو إلى تقوى الله؛ لأنها كمال نفساني، ولأن فوائدها حقيقية دائمة، ولأن بها اجتناب المضار في الدنيا والآخرة"[64].

6- تعقيب الأمر بالتقوى بما يشير إلى أن المتقين ينالون مغفرة الله ورحمته:
قال تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال:69].

قال ابن عاشور: "وذيَّل ذلك بالأمر بالتقوى؛ لأن التقوى شكر الله على ما أنعم من دفع العذاب عنهم، وجملة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ تعليل للأمر بالتقوى، وتنبيه على أن التقوى شكر على النعمة، فحرف التأكيد للاهتمام، وهو مغن غناء فاء التفريع" [65].

7- تعقيب الأمر بالتقوى بأن من خالفها ثم تاب من مخالفته تاب الله عليه ورحمه:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات:12].

قال البيضاوي: "﴿ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ لمن اتقى ما نهى عنه، وتاب مما فرط منه"[66].

وقال الشوكاني: "﴿ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ لمن اتقاه وتاب عما فرط منه من الذنب ومخالفة الأمر"[67].

وقال ابن عاشور: "وجملة ﴿ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ تذييل للتذييل؛ لأن التقوى تكون بالتوبة بعد التلبس بالإثم فقيل: إن الله تواب، وتكون التقوى ابتداء، فيرحم الله المتقي، فالرحيم شامل للجميع"[68].

نستفيد مما سبق:
1- أهمية العناية بتدبر ما نقرأ أو نسمع من القرآن الكريم.

2- عظمة القرآن الكريم في وجود كل جملة وكلمة منه في موضعها المناسب لسياقها أو لحاقها أو سباقها.

3- التقوى شجرة حلوة الثمر يتهدل جناها لأهلها في كل جهة توجهوا إليها.

4- الدعوة إلى العناية بتقوى الله تعالى في جميع التكاليف الشرعية؛ فهي الحاثة على الامتثال في الأوامر، والمحذرة من ارتكاب المناهي.

5- تذييل المفتي أو المربي أو الداعي الأحكامَ والآداب الشرعية التي يدعو إليها بما يناسب من التعليل أو الترغيب أو الترهيب.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا تدبر كتابه، والعمل به.

[1] تفسير ابن كثير (1/ 386).

[2] التحرير والتنوير (2/ 199).

[3] التفسير الوسيط لطنطاوي (1/ 406).

[4] البحر المحيط في التفسير (3/ 340).

[5] عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص: 21).

[6] التحرير والتنوير (2/ 211).

[7] رواه البخاري (2899)

[8] رواه البخاري (3213) ومسلم (2486) بلفظ: (اهْجُهُمْ - أَوْ هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ).

[9] البحر المحيط في التفسير (2/ 250).

[10] تفسير أبي السعود (1/ 205).

[11] الوجيز للواحدي (ص: 230).

[12] تفسير السعدي (ص: 146).

[13] زهرة التفاسير (3/ 1393).

[14] تفسير أبي السعود(8/ 121).

[15] التحرير والتنوير (26/ 245).

[16] زهرة التفاسير (5/ 2747).

[17] تفسير أبي السعود(1/ 207).

[18] تفسير السعدي (ص: 91).

[19] التحرير والتنوير (2/ 230).

[20] زهرة التفاسير (2/ 613).

[21] تفسير الطبري (8/ 53).

[22] تفسير الرازي (11/ 283).

[23] البحر المحيط في التفسير (4/ 170).

[24] تفسير أبي السعود(8/ 228).

[25] تفسير أبي السعود(1/ 210).

[26] تفسير السعدي (ص: 93).

[27] زهرة التفاسير (2/ 633).

[28] البحر المحيط في التفسير (4/ 371).

[29] التحرير والتنوير (7/ 53).

[30] تفسير أبي السعود(3/ 150).

[31] تفسير الطبري (23/ 241).

[32] التحرير والتنوير (28/ 34).

[33] تفسير الرازي (6/ 424).

[34] التحرير والتنوير (2/ 375).

[35] زهرة التفاسير (2/ 740).

[36]تفسير أبي السعود(8/ 116).

([37])التحرير والتنوير (26/ 219).

[38] التحرير والتنوير (2/ 425).

[39] الهداية الى بلوغ النهاية (11/ 7406).

[40] تفسير الرازي (11/ 320).

[41] البحر المحيط في التفسير (4/ 196).

[42] زهرة التفاسير (4/ 2061).

[43] التحرير والتنوير (28/ 112).

[44] تفسير السعدي (ص: 224).

[45] زهرة التفاسير (4/ 2056).

[46] التفسير الوسيط للواحدي (1/ 343).

[47] البحر المحيط في التفسير (2/ 510).

[48] زهرة التفاسير (2/ 813).

[49] تفسير أبي السعود(2/ 138).

[50] البحر المحيط في التفسير (4/ 182).

[51] تفسير أبي السعود(6/ 91).

[52] التحرير والتنوير (17/ 186).

[53] التحرير والتنوير (4/ 214).

[54] زهرة التفاسير (3/ 1577).

[55] البحر المحيط في التفسير (4/ 302).

[56] التحرير والتنوير (6/ 242).

[57] تفسير أبي السعود(3/ 74).

[58] تفسير أبي السعود(8/ 240).

[59] التحرير والتنوير (28/ 164).

[60] تفسير أبي السعود(1/ 208).

[61] زهرة التفاسير (2/ 616).

[62] البحر المحيط في التفسير (4/ 376).

[63] التحرير والتنوير (7/ 64).

[64] التحرير والتنوير (28/ 336).

[65] التحرير والتنوير (10/ 79).

[66] تفسير البيضاوي (5/ 136).

[67] فتح القدير للشوكاني (5/ 77).

[68] التحرير والتنوير (26/ 257).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.91 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]