|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() الخلع د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني تعريف الخُلع: الخُلع لغة:الخاء واللام والعين أصل واحد مُطَّرِدٌ، وهو مزايلة الشيء الذي كان يشتمل به، أو عليه[1]، والخَلْع: اسمٌ، يقال: خَلَع الرجل ثَوْبه، و: خلعَ امْرَأَته وخالعها، إِذا افتدت مِنْهُ بمالها فطلَّقها وأبانَها من نَفْسه، والاسم من ذلك الخُلْع، والمصدر الخَلْع[2]. والخَلع كالنَّزع إلا أن في الخَلع مُهلةً، واختلعت المرأة اختلاعا وخُلعة[3]، وهذا لا يكاد يقال إلا في الأقل رتبةً يُنزِل مَن هو أعلى منه، وإلا فليس يقال: خلعَ الأميرُ واليَه على بلد كذا، ألا ترى أنه إنما يقال: عزله، ويقال: طلَّق الرجل امرأته، فإن كان ذلك من قِبل المرأة يقال: خالعته وقد اختلعت؛ لأنها تفتدي نفسها منه بشيء تبذله له[4]. وسمِّي ذَلِك الْفِرَاق خُلْعًا؛ لأن الله عز وجل جعل النِّسَاء لباسًا للرِّجَال والرجالَ لبَاسًا لهنَّ، فَقَالَ: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]، أي هي ضجيعته وهو ضجيعُها، فإِذا افتدت المرأة بمالٍ تعطيه لزوجها ليُبينَها منه فأجابها إلى ذلك فقد بانت منه وخلع كل واحد منهما لباس صاحبه، فهذا معنى الخُلع عند الفقهاء[5]. الخُلع شرعا: عرَّفَته الحَنَفية: بأنه إزالة مِلك النكاح المتوقفة على قبولها بلفظ الخلع، أو ما في معناه[6]. قولهم: «إزالة ملك النكاح»: خرج به الخُلع في النكاح الفاسد، وبعد البينونة والرِّدة فإنَّه لغو؛ لأن النكاح الفاسد لا يفيد مِلك المتعة، وبالبينونة والردة حصلت الإزالة قبله، فلم يكن في الخُلع إزالة[7]. وعرَّفَته المالكية: بأنهالطلاق بعوض[8]. هذا التعريف ورد عليه عدم شموله لفظ الخلع بدون عوض، والجواب أنه تعريف لأحد نوعي الخلع، وترَك تعريف النوع الآخر لكونه بديهيا[9]. وقولهم: «الطلاق بعوض»: هذا هو الأصل فيه، وقد يكون بلا عوض إذا كان بلفظ الخلع[10]. وعرَّفَته الشافعية: بأنهفرقة بين الزوجين بعوض مقصود راجع إلى الزوج، أو سيده[11]. وعرَّفَته الحنابلة: بأنهفراق الزوج امرأته على عوض تبذلُه له بألفاظ مخصوصة[12]. يمكن إجمال هذه التعريفات بقولنا:الخُلعُ هو إزالة عقد الزوجية بلفظ الخُلع، أو ما في معناه مقابل عوض تدفعه المرأة لزوجها. أدلة مشروعية الخُلع: الخلع أصلٌ في الشريعة، وهو مشروعٌ بالكتاب، والسنة، والإجماع[13]. أما الكتاب: 1- فقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229]. وجه الدلالة: بيَّن الله عز وجل في هذه الآية أنه لا جناح على المرأة في طلب الطلاق، ولا جناح عليه في إجابة طلبها وأخذ العوض[14]، وهذا خطاب للأزواج، منعهم الله تعالى أن يأخذوا من زوجاتهم ما آتوهن من الصداق بغير طيب أنفسهن، والخوف ها هنا بمعنى الظن، وتقديره إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله[15]. 2- قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4]. وجه الدلالة: لَمَّا جاز للمرأة أن تهَب مهرها من غير أن تُحصِّل لنفسها شيئا بإزاء ما بذل كان ذلك في الخلع الذي تصير بسببه مالكةً لنفسها أولى[16]. وأما السنة: فعَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها، أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ هَذِهِ؟»، فَقَالَتْ: أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ، قَالَ: «مَا شَأْنُكِ؟»، قَالَتْ: لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ[17] لِزَوْجِهَا، فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ»، وَذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ، وَقَالَتْ حَبِيبَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: «خُذْ مِنْهَا»، فَأَخَذَ مِنْهَا، وَجَلَسَتْ هِيَ فِي أَهْلِهَا[18]. وفي رواية ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً»[19]. أما الإجماع: فقد أجمع أهل العلم من الصحابة رضي الله عنهم، ومن بعدهم على مشروعية الخلع[20]. هل يُشرع الخلع مع استقامة الحال وعدم وجود حاجة إليه؟ اتفقت الأمة عن بَكرة أبيها على أن الخلع يجوز مع استقامة الحال، وإنما خصَّ حال خوف التقصير في حدود الله بالذكر في قوله: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229]؛ لأنه الغالب من أحوال الخلع، فخرج القولُ على الغالب، ولحق النادر به كالعِدة وُضعت لبراءة الرحم، ثم لُحق بها الصغيرة واليائسة، فإن أعطته المرأة شيئا فإنه يجوز بطيب نفسها، وإن لم يكن هنالك ضرورة ولا خوف[21]. قال ابن العربي رحمه الله: الخلعُ مكروه ككراهية الطلاق مع استمرار الألفة ودوام المودة؛ للحديث: «المُخْتَلِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ»[22]، وذلك إن صح -والله أعلم-، فأما مع العجز عن إقامة حدود الله تعالى ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229]؛ لأنها بذلت لزوجها عوضا لمفارقتها، فجاز ولو كان بلا خلافٍ، ولا خصومة، ولا ضرر[23]. وقال الشيخ عطية صقر رحمه الله: ومع جوازه فهو مكروه، وذلك لكراهة الطلاق عامة بصوره المختلفة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ»[24]، ومحل التنفير منه عند عدم الحاجة إليه، كما يشير إليه قوله: «في غير ما بأس»، أما إن كان فيه بأس، أي ضيق وأذى لا تتحمله الزوجة فلا جناح عليها في طلبها الطلاق[25]. ♦♦ ♦♦ ♦♦ [1] يُنْظَر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مادة «خلع». [2] يُنْظَر: الخليل بن أحمد، العين، مادة «خلع»، والأزهري، تهذيب اللغة، مادة «خلع»، وابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مادة «خلع». [3] يُنْظَر: الخليل بن أحمد، العين، (1/ 118). [4] يُنْظَر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، (2/ 209). [5] يُنْظَر: الأزهري، تهذيب اللغة، (1/ 114). [6] يُنْظَر: ابن نجيم، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، (4/ 77). [7] يُنْظَر: ابن عابدين، حاشية ابن عابدين «رد المحتار على الدر المختار»، (4/ 439). [8] يُنْظَر: خليل بن إسحاق، مختصر خليل، تحقيق: أحمد جاد، طبعة: دار الحديث-القاهرة، ط1، 1426هـ،2005م، (112). [9] ينظر: الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (2/ 347). [10] يُنْظَر: الدردير، الشرح الكبير على مختصر خليل، (2/ 347). [11] ينظر: زكريا الأنصاري، أسنى المطالب في شرح روض الطالب، (3/ 241)، والشربيني، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، (2/ 434). [12] ينظر: الحجاوي، الإقناع لطالب الانتفاع، (3/ 441)، والبعلي، المطلع على ألفاظ المقنع، صـ (403)، والبهوتي، كشاف القناع عن الإقناع، (12/ 133). [13] ينظر: ابن العربي، عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (5/ 128)، والمسالك في شرح موطأ مالك، (5/ 583). [14] يُنْظَر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، (3/ 136). [15] يُنظَر:الماوردي، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، (10/ 3). [16] يُنْظَر: الرازي، مفاتيح الغيب «التفسير الكبير»، طبعة: دار إحياء التراث العربي- بيروت، ط3، 1420هـ، (6/ 445). [17] لا أنا ولا ثابت بن قيس: أي لا يمكن الاجتماع بيننا. [يُنظَر: العظيم آبادي، عون المعبود شرح سنن أبي داود، طبعة: دار الكتب العلمية- بيروت، ط2، 1415هـ، (6/ 221)]. [18] صحيح: أخْرجَهُ أبو داود (2227)، باب في الخلع، والنسائي (3462)، باب ما جاء في الخلع، وأحمد (27444)، وصححه الألباني. [19] صحيح: أخْرجَهُ البخاري (5273)، باب الخلع وكيف الطلاق فيه؟ [20] ينظر: ابن عبد البر، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، (6/ 76)، والعمراني، البيان في مذهب الإمام الشافعي، (10/ 7)، وابن قدامة، المغني، (10/ 268)، وابن الهمام، فتح القدير شرح الهداية، (4/ 211). [21] ينظر: ابن العربي، عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، (5/ 128)، وأحكام القرآن، (1/ 264). [22] ضعيف: أخْرجَهُ الترمذي (1186)، وقال: «هذا حديث غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي»، باب ما جاء في المختلعات، والنسائي (3461)، باب ما جاء في الخلع، وضعفه ابن العربي في العارضة (5/ 128)، من حديث أبي هريرة، وصححه الألباني. [23] ينظر: ابن العربي، المسالك في شرح موطأ مالك، (5/ 582، 583)، والقبسفي شرح موطأ مالك، (2/ 741-742). [24] صحيح: أخْرجَهُ أبو داود (2226)، باب في الخلع، والترمذي (1187)، وحسنه، باب ما جاء في المختلعات، وابن ماجه (2055)، باب ما جاء في كراهية الخلع للمرأة، وأحمد (22379)، من حديث ثوبان، وصححه الألباني. [يُنْظَر: الألباني، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، (2035)]. [25] يُنْظَر: الشيخ عطية صقر، موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، (6/ 329).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |