تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 45 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         اسمع منا ولا تسمع عنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تارك العمل الظاهر بغير جحود ولا إباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 649 )           »          وقفات مع حديث الشفاعة العظمى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 6167 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 52 - عددالزوار : 23581 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 10098 )           »          عبودية الدعاء والافتقار إلى الله تبارك وتعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تربية مرتَّلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الرعاية الاجتماعية في العصور الوسطى القاهرة نموذجًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          البُعْد الثالث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          اللغة العربية والتحدّي الحضاري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-02-2023, 09:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (444)
صــ 400 إلى صــ 401





وروى مسلم في [ ص: 391 ] أفراده من حديث أنس بن مالك قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد: " اذهب فاذكرها علي " ، قال زيد: فانطلقت، فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن .

وذكر أهل العلم أن من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أجيز له التزويج بغير مهر ليخلص قصد زوجاته لله دون العوض، وليخفف عنه، وأجيز له التزويج بغير ولي، لأنه مقطوع بكفاءته، وكذلك هو مستغن في نكاحه عن الشهود . وكانت زينب تفاخر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهلوكن، وزوجني الله عز وجل .
ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا . الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما

[ ص: 392 ] قوله تعالى: ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له قال قتادة فيما أحل الله له من النساء .

قوله تعالى: سنة الله هي منصوبة على المصدر، لأن معنى " ما كان على النبي من حرج " : سن الله سنة واسعة لا حرج فيها . والذين خلوا: هم النبيون; فالمعنى: أن سنة الله في التوسعة على محمد فيما فرض له، كسنته في الأنبياء الماضين . قال ابن السائب: هكذا سنة الله في الأنبياء، كداود، فإنه كان له مائة امرأة، وسليمان كان له سبعمائة امرأة وثلاثمائة سرية، [ ص: 393 ] وكان أمر الله قدرا مقدورا أي: قضاء مقضيا . وقال ابن قتيبة : " سنة الله في الذين خلوا " معناه: لا حرج على أحد فيما لم يحرم عليه .

ثم أثنى الله على الأنبياء بقوله: الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله أي: لا يخافون لائمة الناس وقولهم فيما أحل لهم . وباقي الآية قد تقدم بيانه [النساء: 6]

قوله تعالى: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم قال المفسرون: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب، قال الناس: إن محمدا قد تزوج امرأة ابنه، فنزلت هذه الآية، والمعنى: ليس بأب لزيد فتحرم عليه زوجته ولكن رسول الله قال الزجاج: من نصبه، فالمعنى ولكن كان رسول الله، وكان خاتم النبيين; ومن رفعه، فالمعنى: ولكن هو رسول الله; ومن قرأ: " خاتم " بكسر التاء، فمعناه: وختم النبيين; ومن فتحها، فالمعنى: آخر النبيين . قال ابن عباس: يريد: لو لم أختم به النبيين، لجعلت له ولدا يكون بعده نبيا .

[ ص: 394 ] [ ص: 395 ]
[ ص: 396 ] يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا و سبحوه بكرة وأصيلا . هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما

قوله تعالى: اذكروا الله ذكرا كثيرا قال مجاهد: هو أن لا ينساه أبدا . وقال ابن السائب: يقال: " ذكرا كثيرا " بالصلوات الخمس . وقال مقاتل بن حيان: هو التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير على كل حال: وقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يقول ربكم: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه " .

[ ص: 397 ] قوله تعالى: وسبحوه بكرة وأصيلا قال أبو عبيدة: الأصيل: ما بين العصر إلى الليل . وللمفسرين في هذا التسبيح قولان .

أحدهما: أنه الصلاة، واتفق أرباب هذا القول على أن المراد بالتسبيح بكرة: صلاة الفجر .

واختلفوا في صلاة الأصيل على ثلاثة أقوال . أحدها: أنها صلاة العصر، [ ص: 398 ] قاله أبو العالية، وقتادة . والثاني: أنها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قاله ابن السائب . والثالث: أنها الظهر والعصر، قاله مقاتل .

والقول الثاني: أنه التسبيح باللسان، وهو قول: " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله " ، قاله مجاهد .

قوله تعالى: هو الذي يصلي عليكم وملائكته في صلاة الله علينا خمسة أقوال .

أحدها: أنها رحمته، قاله الحسن . والثاني: مغفرته، قاله سعيد بن جبير . والثالث: ثناؤه، قاله أبو العالية، والرابع : كرامته، قاله سفيان . والخامس: بركته، قاله أبو عبيدة .

وفي صلاة الملائكة قولان .

أحدهما: أنها دعاؤهم، قاله أبو العالية . والثاني: استغفارهم، قاله مقاتل .

وفي الظلمات والنور ها هنا ثلاثة أقوال .

أحدها: الضلالة والهدى، قاله ابن زيد . والثاني: الإيمان والكفر، قاله مقاتل . والثالث: الجنة والنار، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: تحيتهم الهاء والميم كناية عن المؤمنين .

فأما الهاء في قوله: يلقونه ففيها قولان .

أحدهما: أنها ترجع إلى الله عز وجل . ثم فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أن معناه: تحيتهم من الله يوم يلقونه سلام . وروى صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يسلم على أهل الجنة . والثاني: تحيتهم من الملائكة يوم يلقون الله: سلام، [ ص: 399 ] قاله مقاتل . وقال أبو حمزة الثمالي: تسلم عليهم الملائكة يوم القيامة، وتبشرهم حين يخرجون من قبورهم . والثالث: تحيتهم بينهم يوم يلقون ربهم: سلام وهو أن يحيي بعضهم بعضا بالسلام، ذكره أبو سليمان الدمشقي .

والقول الثاني: أن الهاء ترجع إلى ملك الموت، وقد سبق ذكره في ذكر الملائكة . قال ابن مسعود : إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال له: ربك يقرئك السلام . وقال البراء بن عازب: في قوله: تحيتهم يوم يلقونه قال: ملك الموت، ليس مؤمن يقبض روحه إلا سلم عليه . فأما الأجر الكريم، فهو الحسن في الجنة .
يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا . وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا . ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا

[ ص: 400 ] قوله تعالى: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا أي: على أمتك بالبلاغ ومبشرا بالجنة لمن صدقك ونذيرا أي: منذرا بالنار لمن كذبك، وداعيا إلى الله أي: إلى توحيده وطاعته بإذنه أي: بأمره، لا أنك فعلته من تلقاء نفسك وسراجا منيرا أي: أنت لمن اتبعك " سراجا " أي: كالسراج المضيء في الظلمة يهتدى به .

قوله تعالى: وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا وهو الجنة . قال جابر بن عبد الله: لما أنزل قوله: إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآيات [الفتح] قال الصحابة: هنيئا لك يا رسول الله، فما لنا؟ فنزلت هذه الآية .

قوله تعالى: ولا تطع الكافرين قد سبق في أول السورة .

قوله تعالى: ودع أذاهم قال العلماء: معناه: لا تجازهم عليه وتوكل على الله في كفاية شرهم; وهذا منسوخ بآية السيف .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-02-2023, 09:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (445)
صــ 401 إلى صــ 410




[ ص: 401 ] يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا

قوله تعالى: إذا نكحتم المؤمنات قال الزجاج: معنى (نكحتم) [ ص: 402 ] تزوجتم . ومعنى " تمسوهن " تقربوهن . وقرأ حمزة، والكسائي: " تماسوهن " بألف .

قوله تعالى: فما لكم عليهن من عدة تعتدونها أجمع العلماء أنه إذا كان الطلاق قبل المسيس والخلوة فلا عدة; وعندنا أن الخلوة توجب العدة وتقرر الصداق، خلافا للشافعي .

قوله تعالى: فمتعوهن المراد به من لم يسم لها مهرا، لقوله في (البقرة: 236) . أو تفرضوا لهن فريضة وقد بينا المتعة هنالك وكان سعيد بن المسيب وقتادة يقولان: هذه الآية منسوخة بقوله: فنصف ما فرضتم [البقرة: 237] .

قوله تعالى: وسرحوهن سراحا جميلا أي: من غير إضرار . وقال قتادة: هو طلاقها طاهرا من غير جماع . وقال القاضي أبو يعلي: الأظهر أن هذا التسريح ليس بطلاق، لأنه قد ذكر الطلاق، وإنما هو بيان أنه لا سبيل له عليها، وأن عليه تخليتها من يده وحباله .

فصل

واختلف العلماء فيمن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، ثم تزوجها; فعندنا أنها لا تطلق، وهو قول ابن عباس، وعائشة، والشافعي، واستدل أصحابنا [ ص: 403 ] بهذه الآية، وأنه جعل الطلاق بعد النكاح . وقال سماك بن الفضل: النكاح عقدة، والطلاق يحلها، فكيف يحل عقدة لم تعقد؟! فجعل بهذه الكلمة قاضيا على " صنعاء " . وقال أبو حنيفة: ينعقد الطلاق، فإذا وجد النكاح وقع . وقال مالك: ينعقد ذلك في خصوص النساء، وهو إذا كان في امرأة بعينها، ولا ينعقد في عمومهن . فأما إذا قال: إن ملكت فلانا فهو حر، ففيه عن أحمد روايتان .
يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما . ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا

قوله تعالى: إنا أحللنا لك أزواجك ذكر الله تعالى أنواع الأنكحة التي أحلها له، فقال: أزواجك اللاتي آتيت أجورهن أي: مهورهن، وهن اللواتي تزوجتهن بصداق وما ملكت يمينك يعني الجواري [ ص: 404 ] مما أفاء الله عليك أي: رد عليك من الكفار، كصفية وجويرية، فإنه أعتقهما وتزوجهما وبنات عمك وبنات عماتك يعني نساء قريش وبنات خالك وبنات خالاتك يعني نساء بني زهرة اللاتي هاجرن معك إلى المدينة . قال القاضي أبو يعلى: و[ظاهر] هذا يدل على أن من لم تهاجر معه من النساء لم يحل له نكاحها . وقالت أم هانئ خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه بعذر، ثم أنزل الله تعالى: " إنا أحللنا لك أزواجك " إلى قوله: اللاتي هاجرن معك قالت: فلم أكن حل له، لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء; وهذا يدل من مذهبها أن تخصيصه بالمهاجرات قد أوجب حظر من لم تهاجر .

وذكر بعض المفسرين: أن شرط الهجرة في التحليل منسوخ، ولم يذكر ناسخه . وحكى الماوردي في ذلك قولين . أحدهما: أن الهجرة شرط في إحلال النساء له على الإطلاق . والثاني: أنه شرط في إحلال قراباته المذكورات في الآية دون الأجنبيات .

[ ص: 405 ] قوله تعالى: وامرأة مؤمنة أي: وأحللنا لك امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها لك، إن أراد النبي أن يستنكحها أي: إن آثر نكاحها خالصة لك أي: خاصة . قال الزجاج: وإنما قال: " إن وهبت نفسها للنبي " ولم يقل: " لك " ، لأنه لو قال: " لك " ، جاز أن يتوهم أن ذلك يجوز لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاز في بنات العم وبنات العمات . و " خالصة " منصوب على الحال .

وللمفسرين في معنى خالصة ثلاثة أقوال .

أحدها: أن المرأة إذا وهبت له نفسها، لم يلزمه صداقها دون غيره من المؤمنين، قاله أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب .

والثاني: أن له أن ينكحها بلا ولي ولا مهر دون غيره، قاله قتادة .

والثالث : خالصة لك أن تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين، وهذا قول الشافعي، وأحمد .

وفي المرأة التي وهبت له نفسها أقوال . أحدها: أم شريك . والثاني: خولة بنت حكيم . ولم يدخل بواحدة منهما . وذكروا أن ليلى بنت الخطيم وهبت [ ص: 406 ] نفسها له فلم يقبلها . قال ابن عباس: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له . وقد حكي عن ابن عباس أن التي وهبت نفسها له ميمونة بنت الحارث، وعن الشعبي: أنها زينب بنت خزيمة . والأول: أصح .

قوله تعالى: قد علمنا ما فرضنا عليهم أي: على المؤمنين غيرك في أزواجهم وفيه قولان .

أحدهما: أن لا يجاوز الرجل أربع نسوة، قاله مجاهد .

والثاني: أن لا يتزوج الرجل المرأة إلا بولي وشاهدين وصداق، قاله قتادة .

قوله تعالى: وما ملكت أيمانهم أي: وما أبحنا لهم من ملك اليمين مع الأربع الحرائر من غير عدد محصور .

قوله تعالى: لكيلا يكون عليك حرج هذا فيه تقديم; المعنى: [ ص: 407 ] أحللنا لك أزواجك، إلى قوله: خالصة لك من دون المؤمنين لكيلا يكون عليك حرج .

قوله تعالى: ترجي من تشاء منهن قرأ ابن كثير، وأبو عمرو ، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: " ترجئ " مهموزا; وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بغير همز . وسبب نزولها أنه لما نزلت آية التخيير المتقدمة، أشفقن أن يطلقن، فقلن: يا نبي الله، اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، ودعنا على حالنا، فنزلت هذه الآية، قاله أبو رزين .

وفي معنى الآية أربعة أقوال .

أحدها: تطلق من تشاء من نسائك، وتمسك من تشاء من نسائك، قاله ابن عباس .

والثاني: تترك نكاح من تشاء، وتنكح من نساء أمتك من تشاء، قاله الحسن .

والثالث : تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها بغير طلاق، وتأتي من تشاء فلا تعزلها، قاله مجاهد . والرابع: تقبل من تشاء من المؤمنات اللواتي يهبن أنفسهن، وتترك من تشاء، قاله الشعبي، وعكرمة .

وأكثر العلماء على أن هذه الآية نزلت مبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مصاحبة نسائه كيف شاء من غير إيجاب القسمة عليه والتسوية بينهن، غير أنه كان يسوي [ ص: 408 ] بينهن . وقال الزهري: ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجأ منهن أحدا، ولقد آواهن كلهن حتى مات . وقال أبو رزين: آوى عائشة، وأم سلمة، وحفصة، وزينب، وكان قسمه من نفسه وماله فيهن سواء . وأرجأ سودة، وجويرية، وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وكان يقسم لهن ما شاء . وكان أراد فراقهن فقلن: اقسم لنا ما شئت، ودعنا على حالنا . وقال قوم: إنما أرجأ سودة وحدها لأنها وهبت يومها لعائشة، فتوفي وهو يقسم لثمان .

قوله تعالى: وتؤوي أي: تضم، ومن ابتغيت ممن عزلت أي: إذا أردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلت من القسمة فلا جناح عليك أي: لا ميل عليك بلوم ولا عتب ذلك أدنى أن تقر أعينهن أي: ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن . والمعنى: إنهن إذا علمن أن هذا أمر من الله، كان أطيب لأنفسهن . وقرأ ابن محيصن، وأبو عمران الجوني: " أن تقر " بضم التاء وكسر القاف " أعينهن " بنصب النون .

[ ص: 409 ] ويرضين بما آتيتهن كلهن أي: بما أعطيتهن من تقريب وتأخير والله يعلم ما في قلوبكم من الميل إلى بعضهن . والمعنى: إنما خيرناك تسهيلا عليك .

قوله تعالى: لا يحل لك النساء كلهم قرأ: " لا يحل " بالياء، غير أبي عمرو، فإنه قرأ بالتاء; والتأنيث ليس بحقيقي، إنما هو تأنيث الجمع، فالقراءتان حسنتان .

وفي قوله: من بعد ثلاثة أقوال .

أحدها: من بعد نسائك اللواتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة في آخرين، وهن التسع، فصار [مقصورا] عليهن ممنوعا من غيرهن وذكر أهل العلم أن طلاقه لحفصة وعزمه على طلاق سودة كان قبل التخيير .

[ ص: 410 ] والثاني: من بعد الذي أحللنا لك، فكانت الإباحة بعد نسائه مقصورة على المذكور في قوله: إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله: خالصة لك ; قاله أبي بن كعب ، والضحاك .

والثالث : لا تحل لك النساء غير المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات، وتحل لك المسلمات، قاله مجاهد .

قوله تعالى: ولا أن تبدل بهن فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أن تطلق زوجاتك وتستبدل بهن سواهن، قاله الضحاك .

والثاني: أن تبدل بالمسلمات المشركات، قاله مجاهد في آخرين .

والثالث : أن تعطي الرجل زوجتك، وتأخذ زوجته، وهذه كانت عادة للجاهلية، قاله أبو هريرة، وابن زيد .

قوله تعالى: إلا ما ملكت يمينك يعني الإماء .

وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال .

أحدها: إلا أن تملك بالسبي، فيحل لك وطؤها وإن كانت من غير الصنف الذي أحللته لك; وإلى هذا أومأ أبي بن كعب في آخرين .

والثاني: إلا أن تصيب يهودية أو نصرانية فتطأها بملك اليمين، قاله ابن عباس، ومجاهد .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-02-2023, 10:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (446)
صــ 411 إلى صــ 420





[ ص: 411 ] والثالث : إلا أن تبدل أمتك بأمة غيرك، قاله ابن زيد .

قال أبو سليمان الدمشقي: وهذه الأقوال جائزة، إلا أنا لا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح يهودية ولا نصرانية بتزويج ولا ملك يمين، ولقد سبى ريحانة القرظية فلم يدن منها حتى أسلمت .

فصل

واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين .

أحدهما: أنها منسوخة بقوله: إنا أحللنا لك أزواجك وهذا مروي عن علي، وابن عباس، وعائشة، وأم سلمة، وعلي بن الحسين، والضحاك . وقالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء، قال أبو سليمان الدمشقي: يعني نساء جميع القبائل من المهاجرات وغير المهاجرات .

والقول الثاني: أنها محكمة; ثم فيها قولان .

أحدهما: أن الله تعالى أثاب نساءه حين اخترنه بأن قصره عليهن، فلم يحل له غيرهن، ولم ينسخ هذا، قاله الحسن، وابن سيرين، وأبو أمامة بن سهل، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث .

والثاني: أن المراد بالنساء ها هنا: الكافرات، ولم يجز له أن يتزوج كافرة، قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وجابر بن زيد .
[ ص: 412 ] يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية . في سبب نزولها ستة أقوال .

[ ص: 413 ] القول الأول: أخرجاه في " الصحيحين " من حديث أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش دعا القوم، فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، فأخذ كأنه يتهيأ للقيام، فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام وقام من القوم من قام، وقعد ثلاثة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل فإذا القوم جلوس، فرجع، وإنهم قاموا فانطلقوا، وجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، وذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، وأنزل الله تعالى هذه الآية .

والثاني: أن ناسا من المؤمنين كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك، ثم يأكلون ولا يخرجون، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأذى بهم، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس .

والثالث : أن عمر بن الخطاب قال: قلت يا رسول الله! إن نساءك يدخل [ ص: 414 ] عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، أخرجه البخاري من حديث أنس، وأخرجه مسلم من حديث ابن عمر، كلاهما عن عمر .

والرابع : أن عمر أمر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب، فقالت زينب: يا ابن الخطاب، إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا؟! فنزلت الآية، قاله ابن مسعود .

والخامس: أن عمر كان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، فلا يفعل، فخرجت سودة ليلة، فقال عمر: قد عرفناك يا سودة- حرصا على أن ينزل الحجاب- فنزل الحجاب، رواه عكرمة عن عائشة .

[ ص: 415 ] والسادس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم معه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة، وكانت معهم، فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فنزلت آية الحجاب، قاله مجاهد .

قوله تعالى: إلا أن يؤذن لكم إلى طعام أي: أن تدعوا إليه غير ناظرين أي: منتظرين إناه قال الزجاج: موضع " أن " نصب; والمعنى: إلا بأن يؤذن لكم، أو لأن يؤذن، و " غير " منصوبة على الحال; والمعنى: إلا أن يؤذن لكم غير منتظرين . و " إناه " : نضجه وبلوغه .

قوله تعالى: فانتشروا أي: فاخرجوا .

قوله تعالى: ولا مستأنسين لحديث المعنى: ولا تدخلوا مستأنسين، أي: طالبي الأنس لحديث، وذلك أنهم كانوا يجلسون بعد الأكل فيتحدثون طويلا، وكان ذلك يؤذيه، ويستحيي أن يقول لهم: قوموا، فعلمهم الله الأدب، فذلك قوله: والله لا يستحيي من الحق أي: لا يترك أن يبين لكم ما هو الحق وإذا سألتموهن متاعا أي: شيئا يستمتع به وينتفع به من آلة المنزل فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر أي: سؤالكم إياهن المتاع من وراء حجاب أطهر لقلوبكم وقلوبهن من الريبة .

[ ص: 416 ] قوله تعالى: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله أي: ما كان لكم أذاه في شيء من الأشياء . قال أبو عبيدة: و " كان " من حروف الزوائد . والمعنى: ما لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا . روى عطاء عن ابن عباس، قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة، فأنزل الله ما أنزل . وزعم مقاتل أن ذلك الرجل طلحة بن عبيد الله .

قوله تعالى: إن ذلكم يعني نكاح أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند الله عظيما أي: ذنبا عظيم العقوبة .
[ ص: 417 ] إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما . لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا

قوله تعالى: إن تبدوا شيئا أو تخفوه قيل: إنها نزلت فيما أبداه القائل: لئن مات رسول الله لأتزوجن عائشة .

قوله تعالى: لا جناح عليهن في آبائهن قال المفسرون: لما نزلت آية الحجاب، قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فأنزل الله تعالى: لا جناح عليهن في آبائهن أي: في أن يروهن ولا يحتجبن عنهم، إلى قوله: ولا نسائهن قال ابن عباس: يعني نساء المؤمنين، لأن نساء اليهود والنصارى يصفن لأزواجهن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رأينهن .

فإن قيل: ما بال العم والخال لم يذكرا؟ فعنه جوابان .

[ ص: 418 ] أحدهما: لأن المرأة تحل لأبنائهما، فكره أن تضع خمارها عند عمها وخالها، لأنهما ينعتانها لأبنائهما، هذا قول الشعبي وعكرمة .

والثاني: لأنهما يجريان مجرى الوالدين فلم يذكرا، قاله الزجاج .

فأما قوله: ولا ما ملكت أيمانهن ففيه قولان

أحدهما: أنه أراد الإماء دون العبيد، قاله سعيد بن المسيب .

والثاني: أنه عام في العبيد والإماء . قال ابن زيد: كن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من المماليك . وقد سبق بيان هذا في سورة (النور: 31) .

قوله تعالى: واتقين الله أي: أن يراكن غير هؤلاء إن الله كان على كل شيء شهيدا أي: لم يغب عنه شيء .
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما . إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا

قوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي في صلاة الله وصلاة الملائكة أقوال قد تقدمت في هذه السورة [الأحزاب: 43]

قوله تعالى: صلوا عليه قال كعب بن عجرة: قلنا: يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: " اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على [آل] إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على [آل] إبراهيم، إنك حميد مجيد، [ ص: 419 ] أخرجه البخاري ومسلم . ومعنى قوله : " قد علمنا التسليم عليك " : ما يقال في التشهد: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " . وذهب ابن السائب إلى أن معنى التسليم: سلموا لما يأمركم به .

قوله تعالى: إن الذين يؤذون الله ورسوله اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال .

[ ص: 420 ] أحدها: في الذين طعنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اتخذ صفية بنت حيي، قاله ابن عباس .

والثاني: نزلت في المصورين، قاله عكرمة .

والثالث : في المشركين واليهود والنصارى، وصفوا الله بالولد وكذبوا رسوله وشجوا وجهه وكسروا رباعيته وقالوا: مجنون شاعر ساحر كذاب . ومعنى أذى الله: وصفه بما هو منزه عنه، وعصيانه; ولعنهم في الدنيا: بالقتل والجلاء، وفي الآخرة: بالنار .

قوله تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات في سبب نزولها أربعة أقوال .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-02-2023, 10:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (447)
صــ 421 إلى صــ 430





[ ص: 421 ] أحدها: أن عمر بن الخطاب رأى جارية متبرجة فضربها وكف ما رأى من زينتها، فذهبت إلى أهلها تشكو، فخرجوا إليه فآذوه، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثاني: أنها نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن، فيرون المرأة فيدنون منها فيغمزونها; وإنما كانوا يؤذون الإماء، غير أنه لم تكن الأمة تعرف من الحرة، فشكون ذلك إلى أزواجهن، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، قاله السدي .

والثالث : أنها نزلت فيمن تكلم في عائشة وصفوان بن المعطل بالإفك، قاله الضحاك .

والرابع : أن ناسا من المنافقين آذوا علي بن أبي طالب، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل .

قال المفسرون: ومعنى الآية: يرمونهم بما ليس فيهم .
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما . لئن لم ينته المنافقون والذين في [ ص: 422 ] قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا . سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا

قوله تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك الآية، سبب نزولها أن الفساق كانوا يؤذون النساء إذا خرجن بالليل، فإذا رأوا المرأة عليها قناع تركوها وقالوا: هذه حرة، وإذا رأوها بغير قناع قالوا: أمة، فآذوها، فنزلت هذه الآية، قاله السدي .

قوله تعالى: يدنين عليهن من جلابيبهن قال ابن قتيبة : يلبسن الأردية . وقال غيره: يغطين رؤوسهن ووجوههن ليعلم أنهن حرائر ذلك أدنى أي: أحرى وأقرب أن يعرفن أنهن حرائر فلا يؤذين .

قوله تعالى: لئن لم ينته المنافقون أي: عن نفاقهم والذين في قلوبهم مرض أي: فجور، وهم الزناة والمرجفون في المدينة بالكذب والباطل، يقولون: أتاكم العدو، وقتلت سراياكم وهزمت لنغرينك بهم أي: لنسلطنك عليهم بأن نأمرك بقتالهم . قال المفسرون: وقد أغري بهم، فقيل له: [ ص: 423 ] " جاهد الكفار والمنافقين " [التوبة: 73، التحريم: 9]، وقال يوم الجمعة " اخرج يا فلان من المسجد فإنك منافق، قم يا فلان فإنك منافق " ثم لا يجاورونك فيها أي: في المدينة إلا قليلا حتى يهلكوا، ملعونين منصوب على الحال; أي: لا يجاورونك إلا وهم ملعونون أينما ثقفوا أي: وجدوا وأدركوا أخذوا وقتلوا تقتيلا معنى الكلام: الأمر، أي: هذا الحكم فيهم، سنة الله أي: سن في الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بهم أن يفعل بهم هذا .
يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا . إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا . يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا . ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا

قوله تعالى: يسألك الناس عن الساعة قال عروة: الذي سأله عنها عتبة بن ربيعة .

قوله تعالى: وما يدريك أي: أي شيء يعلمك أمر الساعة ومتى تكون؟ والمعنى: أنت لا تعرف ذلك; ثم قال: لعل الساعة تكون قريبا .

فإن قيل: هلا قال: قريبة؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

أحدها: أنه أراد الظرف، ولو أراد صفة الساعة بعينها، لقال: قريبة، [ ص: 424 ] هذا قول أبي عبيدة . والثاني: أن المعنى راجع إلى البعث، أو إلى مجيء الساعة . والثالث: أن تأنيث الساعة غير حقيقي، ذكرهما الزجاج . وما بعد هذا قد سبق بيان ألفاظه [البقرة: 159، النساء: 10، الإسراء: 97] .

فأما قوله: وأطعنا الرسولا فقال الزجاج: الاختيار الوقف بألف، لأن أواخر الآي وفواصلها تجري مجرى أواخر الأبيات، وإنما خوطبوا بما يعقلونه من الكلام المؤلف ليدل بالوقف بزيادة الحرف أن الكلام قد تم; وقد أشرنا إلى هذا في قوله: الظنونا [الأحزاب: 1] .

قوله تعالى: أطعنا سادتنا وكبراءنا أي: أشرافنا وعظماءنا . قال مقاتل: هم المطعمون في غزوة بدر . وكلهم قرأوا: " سادتنا " على التوحيد، غير ابن عامر، فإنه قرأ: " ساداتنا " على الجمع مع كسر التاء، ووافقه المفضل، ويعقوب، إلا أبا حاتم فأضلونا السبيلا أي: عن سبيل الهدى، ربنا آتهم يعنون السادة ضعفين أي: ضعفي عذابنا، والعنهم لعنا كبيرا قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي: " كثيرا " بالثاء . وقرأ عاصم، وابن عامر: " كبيرا " بالباء . وقال أبو علي: الكثرة أشبه بالمرار المتكررة من الكبر .
يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما

قوله تعالى: لا تكونوا كالذين آذوا موسى أي: لا تؤذوا محمدا كما آذى بنو إسرائيل موسى فينزل بكم ما نزل بهم .

[ ص: 425 ] وفي ما آذوا به موسى أربعة أقوال .

أحدها: أنهم قالوا: هو آدر، فذهب يوما يغتسل، ووضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فخرج في طلبه، فرأوه فقالوا: والله ما به من بأس . والحديث مشهور في الصحاح كلها من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم; وقد ذكرته بإسناده في " المغني " و " الحدائق " . قال ابن قتيبة : والآدر: عظيم الخصيتين .

والثاني: أن موسى صعد الجبل ومعه هارون، فمات هارون، فقال بنو إسرائيل: أنت قتلته، فآذوه بذلك، فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى مرت به على بني إسرائيل، وتكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات، فبرأه الله من ذلك، قاله علي عليه السلام .

[ ص: 426 ] والثالث : أن قارون استأجر بغيا لتقذف موسى بنفسها على ملأ من بني إسرائيل فعصمها الله وبرأ موسى من ذلك، قاله أبو العالية .

والرابع : أنهم رموه بالسحر والجنون، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: وكان عند الله وجيها قال ابن عباس: كان عند الله حظيا لا يسأله شيئا إلا أعطاه . وقد بينا معنى الوجيه في (آل عمران: 45) . وقرأ ابن مسعود ، والأعمش وأبو حيوة: " وكان عبدا لله " بالتنوين والباء، وكسر اللام .

قوله تعالى: وقولوا قولا سديدا فيه أربعة أقوال .

[ ص: 427 ] أحدها: صوابا، قاله ابن عباس . والثاني: صادقا، قاله الحسن . والثالث: عدلا، قاله السدي . والرابع: قصدا، قاله ابن قتيبة .

ثم في المراد بهذا القول ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه " لا إله إلا الله " ، قاله ابن عباس، وعكرمة . والثاني: أنه العدل في جميع الأقوال والأعمال، قاله قتادة . والثالث: في شأن زينب وزيد ، ولا تنسبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما لا يصلح، قاله مقاتل بن حيان .

قوله تعالى: يصلح لكم أعمالكم فيه قولان .

أحدهما: يتقبل حسناتكم، قاله ابن عباس . والثاني: يزكي أعمالكم، قاله مقاتل .

قوله تعالى: فقد فاز فوزا عظيما أي: نال الخير وظفر به .
إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا . ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما

قوله تعالى: إنا عرضنا الأمانة فيها قولان .

أحدهما: أنها الفرائض، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال، إن أدتها أثابها، وإن ضيعتها عذبها، فكرهت ذلك; وعرضها على آدم فقبلها بما فيها، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس; وكذلك قال سعيد بن جبير: عرضت الأمانة على آدم فقيل له: تأخذها بما فيها، إن أطعت غفرت لك، وإن [ ص: 428 ] عصيت عذبتك، فقال: قبلت، فما كان إلا كما بين صلاة العصر إلى أن غربت الشمس حتى أصاب الذنب . وممن ذهب إلى أنها الفرائض قتادة، والضحاك، والجمهور .

والثاني: أنها الأمانة التي يأتمن الناس بعضهم بعضا عليها . روى السدي عن أشياخه أن آدم لما أراد الحج قال للسماء: احفظي ولدي بالأمانة، فأبت، وقال للأرض، فأبت، وقال للجبال، فأبت، فقال لقابيل، فقال: نعم، تذهب وتجيء وتجد أهلك كما يسرك، فلما انطلق آدم قتل قابيل هابيل، فرجع آدم فوجد ابنه قد قتل أخاه، فذلك حيث يقول الله عز وجل: إنا عرضنا الأمانة إلى قوله: وحملها الإنسان وهو ابن آدم، فما قام بها .

وحكى ابن قتيبة عن بعض المفسرين أن آدم لما حضرته الوفاة قال: يا رب، من أستخلف من بعدي؟ فقيل له: اعرض خلافتك على جميع الخلق، فعرضها، فكل أباها غير ولده .

وللمفسرين في المراد بعرض الأمانة على السماوات والأرض قولان .

أحدهما: أن الله تعالى ركب العقل في هذه الأعيان، وأفهمهن خطابه، وأنطقهن بالجواب حين عرضها عليهن، ولم يرد بقوله: " أبين " المخالفة، [ ص: 429 ] ولكن أبين للخشية والمخافة، لأن العرض كان تخييرا لا إلزاما، وأشفقن بمعنى خفن منها أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب، هذا قول الأكثرين .

والثاني: أن المراد بالآية: إنا عرضنا الأمانة على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة، قاله الحسن .

وفي المراد بالإنسان أربعة أقوال . أحدها: آدم في قول الجمهور . والثاني: قابيل في قول السدي . والثالث: الكافر والمنافق، قاله الحسن . والرابع: جميع الناس، قاله ثعلب .

قوله تعالى: إنه كان ظلوما جهولا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: ظلوما لنفسه، غرا بأمر ربه، قاله ابن عباس، والضحاك .

والثاني: ظلوما لنفسه، جهولا بعاقبة أمره، قاله مجاهد .

والثالث : ظلوما بمعصية ربه، جهولا بعقاب الأمانة، قاله ابن السائب .

وذكر الزجاج في الآية وجها يخالف أكثر الأقوال، وذكر أنه موافق للتفسير فقال: إن الله تعالى ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته، وائتمن السماوات والأرض والجبال على طاعته والخضوع له، فأما السماوات والأرض فقالتا: أتينا طائعين [فصلت: 11]، وأعلمنا أن من الحجارة ما يهبط من خشية الله، وأن الشمس والقمر والنجوم والجبال والملائكة يسجدون لله، فعرفنا الله تعالى أن السموات والأرض لم تحتمل الأمانة، لأنها أدتها، وأداؤها: طاعة الله وترك معصيته، وكل من خان الأمانة فقد احتملها، وكذلك كل من أثم فقد احتمل الإثم، وكذلك قال الحسن: " وحملها الإنسان " أي: الكافر والمنافق حملاها، أي: خانا ولم يطيعا; فأما من أطاع، فلا يقال: كان ظلوما جهولا .

[ ص: 430 ] قوله تعالى: ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات قال ابن قتيبة : المعنى: عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهم الله، ويظهر إيمان المؤمنين فيتوب الله عليهم، أي: يعود عليهم بالرحمة والمغفرة إن وقع منهم تقصير في الطاعات .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27-02-2023, 10:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ سَبَإٍ
الحلقة (448)
صــ 431 إلى صــ 440




[ ص: 431 ]
سُورَةُ سَبَإٍ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعِهِمْ

وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَابْنُ السَّائِبِ، وَمُقَاتِلٌ: فِيهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [سَبَإٍ: 6] .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ . يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ . لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ [ ص: 432 ] عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ . وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مُلْكًا وَخَلْقًا وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ يَحْمَدُهُ أَوْلِيَاؤُهُ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُونَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ [الزُّمَرِ :74] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا [الْأَعْرَافِ: 43 ] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [فَاطِرٍ: 34] .

يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ مِنْ بَذْرٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ كَنْزٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ وَنَبَاتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَطَرٍ أَوْ رِزْقٍ أَوْ مَلَكٍ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا مِنْ مَلَكٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ دُعَاءٍ .

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَعْنِي مُنْكِرِي الْبَعْثِ لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ أَيْ: لَا نُبْعَثُ .

[ ص: 433 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: عَالِمِ الْغَيْبِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَعَاصِمٌ، وَأَبُو عَمْرٍو : " عَالَمِ الْغَيْبِ " بِكَسْرِ الْمِيمِ; وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ: بِرَفْعِهَا . وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: " عَلَّامِ الْغَيْبِ " بِالْكَسْرِ وَلَامٍ قَبْلَ الْأَلِفِ . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: مَنْ كَسَرَ، فَعَلَى مَعْنَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَالَمِ الْغَيْبِ; وَمَنْ رَفَعَ، جَازَ أَنْ يَكُونَ " عَالِمِ الْغَيْبِ " خَبَرَ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: هُوَ عَالَمُ الْغَيْبِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً، خَبَرُهُ لا يَعْزُبُ عَنْهُ ; وَ " عَلَّامٌ " أَبْلَغُ مِنْ " عَالِمٍ " . وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَحْدَهُ: " لَا يَعْزِبُ " بِكَسْرِ الزَّايِ; وَهُمَا لُغَتَانِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْفَعِ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْأَعْمَشُ: " وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ " بِالنَّصْبِ فِيهِمَا .

قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى : بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمُ الْمُجَازَاةُ وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الْمَعْنَى: أَثْبَتَ مِثْقَالَ الذَّرَّةِ وَأَصْغَرَ مِنْهُ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَلِيُرِيَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَيَعْقُوبُ، [وَالْمُفَضَّلُ]: " مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ " رَفْعًا; وَالْبَاقُونَ بِالْخَفْضِ فِيهِمَا .

وَفِي الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ مُؤْمِنُو أَهْلِ الْكِتَابِ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ قَتَادَةُ .

[ ص: 434 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يَعْنِي الْقُرْآنَ هُوَ الْحَقَّ قَالَ الْفَرَّاءُ: " هُوَ " عِمَادٌ، فَلِذَلِكَ انْتَصَبَ الْحَقُّ . وَمَا أَخْلَلْنَا بِهِ فَقَدْ سَبَقَ فِي مَوَاضِعَ [الْحَجِّ: 51، 52، الْبَقَرَةِ: 130، 267] .
وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد . أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب

قوله تعالى: وقال الذين كفروا وهم منكرو البعث، قال بعضهم لبعض: هل ندلكم على رجل ينبئكم أي: يقول لكم: إنكم إذا مزقتم كل ممزق أي: فرقتم كل تفريق; والممزق هاهنا مصدر بمعنى التمزيق إنكم لفي خلق جديد أي: يجدد خلقكم للبعث . ثم أجاب بعضهم فقالوا: أفترى على الله كذبا حين زعم أنا نبعث؟! وألف " أفترى " ألف استفهام، وهو استفهام تعجب وإنكار، أم به جنة أي: جنون؟! فرد الله عليهم فقال: بل أي: ليس الأمر كما تقولون من الافتراء والجنون، بل الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم الذين يجحدون البعث في العذاب إذا بعثوا في الآخرة والضلال البعيد من الحق في الدنيا .

ثم وعظهم فقال: أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء [ ص: 435 ] والأرض وذلك أن الإنسان حيثما نظر رأى السماء والأرض قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله; فالمعنى أنهم أين كانوا فأرضي وسمائي محيطة بهم، وأنا القادر عليهم، إن شئت خسفت بهم الأرض، وإن شئت أسقطت عليهم قطعة من السماء، إن في ذلك أي: فيما يرون من السماء والأرض لآية تدل على قدرة الله تعالى على بعثهم والخسف بهم لكل عبد منيب أي: راجع إلى طاعة الله، متأمل لما يرى .
ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير

قوله تعالى: ولقد آتينا داود منا فضلا وهو النبوة والزبور وتسخير الجبال والطير، إلى غير ذلك مما أنعم الله به عليه يا جبال أوبي معه وروى الحلبي عن عبد الوارث: " أوبي " بضم الهمزة وتخفيف الواو . قال الزجاج: المعنى: وقلنا: يا جبال أوبي معه، أي: رجعي معه . والمعنى: سبحي معه ورجعي التسبيح . ومن قرأ: " أوبي " ، معناه: عودي في التسبيح معه كلما عاد . وقال ابن قتيبة : " أوبي " أي: سبحي، وأصل التأويب في السير، وهو أن يسير النهار كله، وينزل ليلا، فكأنه أراد: ادأبي النهار [كله] بالتسبيح إلى الليل .

[ ص: 436 ] قوله تعالى: والطير وقرأ أبو رزين، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وابن أبي عبلة : " والطير " بالرفع . فأما قراءة النصب، فقال أبو عمرو بن العلاء: هو عطف على قوله: ولقد آتينا داود منا فضلا والطير أي: وسخرنا له الطير . قال الزجاج: ويجوز أن يكون نصبا على النداء، كأنه قال: دعونا الجبال والطير، فالطير معطوف على موضع الجبال، وكل منادى عند البصريين فهو في موضع نصب; قال: وأما الرفع، فمن جهتين، إحداهما: أن يكون نسقا على ما في " أوبي، فالمعنى: يا جبال رجعي التسبيح معه أنت والطير; والثانية: على النداء، المعنى: يا جبال ويا أيها الطير أوبي [معه]

قال ابن عباس: كانت الطير تسبح معه إذا سبح، وكان إذا قرأ لم تبق دابة إلا استمعت لقراءته وبكت لبكائه . وقال وهب بن منبه: كان يقول للجبال: سبحي، وللطير: أجيبي، ثم يأخذ هو في تلاوة الزبور بين ذلك بصوته الحسن، فلا يرى الناس منظرا أحسن من ذلك، ولا يسمعون شيئا أطيب منه .

قوله تعالى: وألنا له الحديد أي: جعلناه لينا . قال قتادة: سخر الله له الحديد بغير نار، فكان يسويه بيده، لا يدخله النار، ولا يضربه بحديدة، وكان أول من صنع الدروع، وكانت قبل ذلك صفائح .

قوله تعالى: أن اعمل قال الزجاج: معناه: وقلنا له: اعمل، ويكون في معنى " لأن يعمل " سابغات أي: دروعا سابغات، فذكر الصفة لأنها تدل على الموصوف .

قال المفسرون: كان يأخذ الحديد بيده فيصير كأنه عجين يعمل به ما يشاء، [ ص: 437 ] فيعمل الدرع في بعض يوم فيبيعه بمال كثير، فيأكل ويتصدق . والسابغات: الدروع الكوامل التي تغطي لابسها حتى تفضل عنه فيجرها على الأرض .

وقدر في السرد أي: اجعله على قدر الحاجة . قال ابن قتيبة : السرد: النسج، ومنه يقال لصانع الدروع: سراد وزراد، تبدل من السين الزاي، كما يقال: سراط وزراط . وقال الزجاج: السرد في اللغة: تقدمة الشيء إلى الشيء تأتي به متسقا بعضه في إثر بعض متتابعا . ومنه قولهم: سرد فلان الحديث .

وفي معنى الكلام قولان .

أحدهما: عدل المسمار في الحلقة ولا تصغره فيقلق، ولا تعظمه فتنفصم الحلقة، قاله مجاهد .

والثاني: لا تجعل حلقه واسعة فلا تقي صاحبها، قاله قتادة .

قوله تعالى: واعملوا صالحا خطاب لداود وآله .
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير . يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين [ ص: 438 ] قوله تعالى: ولسليمان الريح قرأ الأكثرون بنصب الريح على معنى: وسخرنا لسليمان الريح . وروى أبو بكر، والمفضل عن عاصم: " الريح " رفعا، أي: له تسخير الريح . وقرأ أبو جعفر: " الرياح " على الجمع .

غدوها شهر قال قتادة: تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار، وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار، فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين . قال الحسن: لما شغلت نبي الله سليمان الخيل عن الصلاة فعقرها، أبدله الله خيرا منها وأسرع وهي الريح، فكان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع، ثم يروح من إصطخر فيبيت بكابل، وبينهما مسيرة شهر للمسرع .

قوله تعالى: وأسلنا له عين القطر قال الزجاج: القطر: النحاس، وهو الصفر، أذيب مذ ذاك وكان قبل سليمان لا يذوب .

قال المفسرون: أجرى الله لسليمان عين الصفر حتى صنع منها ما أراد من غير نار، كما ألين لداود الحديد بغير نار، فبقيت تجري ثلاثة أيام ولياليهن كجري الماء; وإنما يعمل الناس اليوم مما أعطي سليمان .

[ ص: 439 ] قوله تعالى: ومن الجن المعنى: وسخرنا له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه أي: بأمره; سخرهم الله له، وأمرهم بطاعته; والكلام يدل على أن منهم من لم يسخر له ومن يزغ منهم أي: يعدل عن أمرنا له بطاعة سليمان نذقه من عذاب السعير ; وهل هذا في الدنيا، أم في الآخرة؟ فيه قولان . أحدهما: في الآخرة، قاله الضحاك . والثاني: في الدنيا، قاله مقاتل . وقيل: إنه كان مع سليمان ملك بيده سوط من نار، فمن زاغ من الجن ضربه الملك بذلك السوط .

يعملون له ما يشاء من محاريب وفيها ثلاثة أقوال . أحدها: أنها المساجد، قاله مجاهد ، وابن قتيبة . والثاني: القصور، قاله عطية . والثالث: المساجد والقصور، قاله قتادة . وأما التماثيل، فهي الصور; قال الحسن: ولم تكن يومئذ محرمة; ثم فيها قولان .

أحدهما: أنها كانت كالطواويس والعقبان والنسور على كرسيه ودرجات سريره لكي يهابها من أراد الدنو منه، قاله الضحاك .

والثاني: أنها كانت صور النبيين والملائكة لكي يراهم الناس مصورين، فيعبدوا مثل عبادتهم ويتشبهوا بهم، قاله ابن السائب .

وفي ما كانوا يعملونها منه قولان . أحدهما: من النحاس، قاله مجاهد . والثاني: من الرخام والشبه، قاله قتادة .

قوله تعالى: وجفان كالجواب الجفان: جمع جفنة، وهي القصعة الكبيرة; والجوابي; جمع جابية، وهي الحوض الكبير يجبى فيه الماء، أي: يجمع .

[ ص: 440 ] قرأ ابن كثير، وأبو عمرو : " كالجوابي " بياء، إلا أن ابن كثير يثبت الياء في الوصل والوقف، وأبو عمرو يثبتها في الوصل دون الوقف . قال الزجاج: وأكثر القراء على الوقف بغير ياء، وكان الأصل الوقف بالياء، إلا أن الكسرة تنوب عنها .

قال المفسرون: كانوا يصنعون [له] القصاع كحياض الإبل، يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها .

قوله تعالى: وقدور راسيات أي: ثوابت; يقال: رسا يرسو: إذا ثبت .

وفي علة ثبوتها في مكانها قولان . أحدهما: أن أثافيها منها، قاله ابن عباس . والثاني: أنها لا تنزل لعظمها، قاله ابن قتيبة .

قال المفسرون: وكانت القدور كالجبال لا تحرك من أماكنها، يأكل من القدر ألف رجل .

قوله تعالى: اعملوا آل داود شكرا المعنى: وقلنا: اعملوا بطاعة الله شكرا له على ما آتاكم .

قوله تعالى: فلما قضينا عليه الموت يعني على سليمان .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27-02-2023, 10:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ سَبَإٍ
الحلقة (449)
صــ 441 إلى صــ 450






[ ص: 441 ] قال المفسرون: كانت الإنس تقول: إن الجن تعلم الغيب الذي يكون في غد، فوقف سليمان في محرابه يصلي متوكئا على عصاه، فمات، فمكث كذلك حولا والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة ولا تعلم بموته حتى أكلت الأرض عصا سليمان، فخر فعلموا بموته، وعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب .

وقيل: إن سليمان سأل الله تعالى أن يعمي على الجن موته، فأخفاه الله عنهم حولا .

وفي سبب سؤاله قولان .

أحدهما: لأن الجن كانوا يقولون للإنس: إننا نعلم الغيب، فأراد تكذيبهم .

والثاني: لأنه كان قد بقي من عمارة بيت المقدس بقية .

فأما دابة الأرض فهي: الأرضة . وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وعاصم الجحدري: " دابة الأرض " بفتح الراء .

والمنسأة: العصا . قال الزجاج: وإنما سميت منسأة، لأنه ينسأ بها، أي: يطرد ويزجر . قال الفراء: أهل الحجاز لا يهمزون المنسأة، وتميم وفصحاء قيس يهمزونها .

قوله تعالى: فلما خر أي: سقط تبينت الجن أي: ظهرت، وانكشف للناس أنهم لا يعلمون الغيب، ولو علموا ما لبثوا في العذاب المهين [ ص: 439 ] أي: ما عملوا مسخرين وهو ميت وهم يظنونه حيا . وقيل: تبينت الجن، أي: علمت، لأنها كانت تتوهم باستراقها السمع أنها تعلم الغيب، فعلمت حينئذ خطأها في ظنها . وروى رويس عن يعقوب: " تبينت " برفع التاء والباء وكسر الياء .
لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور . فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور . وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ

قوله تعالى: ( لقد كان لسبإ في مساكنهم آية ) قرأ ابن كثير، [ ص: 440 ] ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: " في مساكنهم " . وقرأ حمزة، وحفص عن عاصم: " مسكنهم " بفتح الكاف من غير ألف . وقرأ الكسائي، وخلف: " مسكنهم " بكسر الكاف، وهي لغة .

قال المفسرون: المراد بسبإ هاهنا: القبيلة التي هم من أولاد سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان; وقد ذكرنا في سورة (النمل: 22) الخلاف في هذا، وأن قوما يقولون: هو اسم بلد، وليس باسم رجل . وذكر الزجاج في هذا المكان أن من قرأ: " لسبأ " بالفتح وترك الصرف، جعله اسما للقبيلة، ومن صرف وكسر ونون، جعله اسما للحي واسما لرجل; وكل جائز حسن . و آية رفع، اسم " كان " ، و جنتان رفع على نوعين، أحدهما: أنه بدل من " آية " ، والثاني: على إضمار، كأنه لما قيل: " آية " ، قيل: الآية جنتان .

الإشارة إلى قصتهم

ذكر العلماء بالتفسير والسير أن بلقيس لما ملكت [قومها] جعل قومها يقتتلون على ماء واديهم، فجعلت تنهاهم فلا يطيعونها، فتركت ملكها وانطلقت إلى قصرها فنزلته، فلما كثر الشر بينهم وندموا، أتوها فأرادوها على أن ترجع إلى ملكها، فأبت، فقالوا: لترجعن أو لنقتلنك، فقالت: إنكم لا تطيعونني وليست لكم عقول، فقالوا: فإنا نطيعك، فجاءت إلى واديهم- وكانوا [ ص: 444 ] إذا مطروا أتاه السيل من مسيرة أيام- فأمرت به، فسد ما بين الجبلين بمسناة، وحبست الماء من وراء السد، وجعلت له أبوابا بعضها فوق بعض، وبنت من دونه بركة وجعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدة أنهارهم، فكان الماء يخرج بينهم بالسوية، إلى أن كان من شأنها مع سليمان ما سبق ذكره [النمل: 29- 44]، وبقوا بعدها على حالهم . وقيل: إنما بنوا ذلك البنيان لئلا يغشى السيل أموالهم فيهلكها، فكانوا يفتحون من أبواب السد ما يريدون، فيأخذون من الماء ما يحتاجون إليه، وكانت لهم جنتان عن يمين واديهم وعن شماله، فأخصبت أرضهم، وكثرت فواكههم، وإن كانت المرأة لتمر بين الجنتين والمكتل على رأسها، فترجع وقد امتلأ من الثمر ولا تمس بيدها شيئا منه، ولم يكن [يرى] في بلدهم حية ولا عقرب ولا بعوضة ولا ذباب ولا برغوث، ويمر الغريب ببلدتهم وفي ثيابه القمل، فيموت القمل لطيب هوائها . وقيل لهم: كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة أي: هذه بلدة طيبة، أو بلدتكم بلدة طيبة، ولم تكن سبخة ولا فيها ما يؤذي ورب غفور أي: والله رب غفور، وكانت ثلاث عشرة قرية، فبعث الله إليهم ثلاثة عشر نبيا، فكذبوا الرسل، ولم يقروا بنعم الله، فذلك قوله: فأعرضوا أي: عن الحق، وكذبوا أنبياءهم فأرسلنا عليهم سيل العرم وفيه أربعة أقوال .

[ ص: 445 ] أحدها: أن العرم: الشديد، رواه علي بن أبي طالب عن ابن عباس . وقال ابن الأعرابي: العرم: السيل الذي لا يطاق .

والثاني: [أنه] اسم الوادي، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والضحاك، ومقاتل .

والثالث : أنه المسناة، قاله مجاهد ، وأبو ميسرة، والفراء، وابن قتيبة . وقال أبو عبيدة: العرم: جمع عرمة، وهي: السكر والمسناة .

والرابع : أن العرم: الجرذ الذي نقب عليهم السكر، حكاه الزجاج .

وفي صفة إرسال هذا السيل عليهم قولان .

أحدهما: أن الله تعالى بعث على سكرهم دابة من الأرض فنقبت فيه نقبا، فسال ذلك الماء إلى موضع غير الموضع الذي كانوا ينتفعون به، رواه العوفي عن ابن عباس . وقال قتادة والضحاك في آخرين: بعث الله عليهم جرذا يسمى الخلد- والخلد: الفأر الأعمى- فنقبه من أسفله، فأغرق الله [به] جناتهم، وخرب به أرضهم .

والثاني: أنه أرسل عليهم ماء أحمر، أرسله في السد فنسفه وهدمه وحفر الوادي، ولم يكن الماء أحمر من السد، وإنما كان سيلا أرسل عليهم، قاله مجاهد .

قوله تعالى وبدلناهم بجنتيهم يعني اللتين تطعمان الفواكه جنتين ذواتي أكل خمط قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: " أكل " بالتنوين . وقرأ أبو عمرو: " أكل " بالإضافة . وخفف الكاف ابن كثير ونافع، وثقلها الباقون . أما الأكل، فهو الثمر .

وفي المراد بـ الخمط ثلاثة أقوال . [ ص: 446 ] أحدها: أنه الأراك، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والجمهور; فعلى هذا، أكله: ثمره; ويسمى ثمر الأراك: البرير .

والثاني: أنه كل شجرة ذات شوك، قاله أبو عبيدة .

والثالث : أنه كل نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن أكله، قاله المبرد والزجاج . فعلى هذا القول، الخمط: اسم للمأكول، فيحسن على هذا قراءة من نون الأكل; وعلى ما قبله، هو اسم شجرة، والأكل ثمرها، فيحسن قراءة من أضاف .

فأما الأثل، ففيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الطرفاء، قاله ابن عباس . والثاني: أنه السمر، حكاه ابن جرير . والثالث: أنه شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه .

قوله تعالى: وشيء من سدر قليل فيه تقديم، وتقديره: وشيء قليل من سدر، وهو شجر النبق . والمعنى أنه كان الخمط والأثل في جنتيهم [ ص: 447 ] أكثر من السدر . قال قتادة: بينا شجرهم من خير الشجر، إذ صيره الله من شر الشجر .

قوله تعالى: ذلك جزيناهم أي: ذلك التبديل جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور .

فإن قيل: قد يجازى المؤمن والكافر، فما معنى هذا التخصيص؟ فعنه جوابان .

أحدهما: أن المؤمن يجزى ولا يجازى، فيقال في أفصح اللغة: جزى الله المؤمن، ولا يقال: جازاه، لأن " جازاه " بمعنى كافأه، فالكافر يجازى بسيئته مثلها، مكافأة له، والمؤمن يزاد في الثواب ويتفضل عليه، هذا قول الفراء .

والثاني: أن الكافر ليست له حسنة تكفر ذنوبه، فهو يجازى بجميع الذنوب، والمؤمن قد أحبطت حسناته سيئاته، هذا قول الزجاج . وقال طاووس: الكافر يجازى ولا يغفر له، والمؤمن لا يناقش الحساب .

قوله تعالى: وجعلنا بينهم هذا معطوف على قوله تعالى: لقد كان لسبإ ; والمعنى: كان من قصصهم أنا جعلنا بينهم وبين القرى التي [ ص: 448 ] باركنا فيها وهي: قرى الشام; وقد سبق بيان معنى البركة فيها [الأنبياء: 71] هذا قول الجمهور . وحكى ابن السائب أن الله تعالى لما أهلك جنتيهم قالوا للرسل: قد عرفنا نعمة الله علينا، فلئن رد إلينا ما كنا عليه لنعبدنه عبادة شديدة، فرد عليهم النعمة، وجعل لهم قرى ظاهرة فعادوا إلى الفساد وقالوا: باعد بين أسفارنا، فمزقوا .

قوله تعالى: قرى ظاهرة أي: متواصلة ينظر بعضها إلى بعض وقدرنا فيها السير فيه قولان .

أحدهما: أنهم كانوا يغدون فيقيلون في قرية، ويروحون فيبيتون في قرية، قاله الحسن، وقتادة .

والثاني: أنه جعل ما بين القرية والقرية مقدارا واحدا، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى: سيروا فيها والمعنى: وقلنا لهم: سيروا فيها ليالي وأياما أي: ليلا ونهارا آمنين من مخاوف السفر من جوع أو عطش أو سبع أو تعب . وكانوا يسيرون أربعة أشهر في أمان، فبطروا النعمة وملوها كما مل بنو إسرائيل المن والسلوى فقالوا ربنا بعد بين أسفارنا قرأ ابن كثير، وأبو عمرو : " بعد " بتشديد العين وكسرها . وقرأ نافع، وعاصم، وحمزة: " باعد " بألف وكسر العين . وعن ابن عباس كالقراءتين . قال ابن عباس: إنهم قالوا: لو كانت جناتنا أبعد مما هي، كان أجدر أن يشتهى جناها . قال أبو سليمان الدمشقي: لما ذكرتهم الرسل نعم الله، أنكروا أن يكون ما هم فيه نعمة، [ ص: 449 ] وسألوا الله أن يباعد بين أسفارهم . وقرأ يعقوب: [ " ربنا " برفع الباء] " باعد " بفتح العين والدال، جعله فعلا ماضيا على طريق الإخبار للناس بما أنزله الله عز وجل بهم . وقرأ علي بن أبي طالب، وأبو عبد الرحمن [السلمي]، وأبو رجاء ، وابن السميفع، وابن أبي عبلة : " بعد " برفع العين وتخفيفها وفتح الدال من غير ألف، على طريق الشكاية إلى الله عز وجل . وقرأ عاصم الجحدري، وأبو عمران الجوني: " بوعد " برفع الباء وبواو ساكنة مع كسر العين .

قوله تعالى: وظلموا أنفسهم فيه قولان . أحدهما: بالكفر وتكذيب الرسل . والثاني: بقولهم " بعد بين أسفارنا " .

فجعلناهم أحاديث لمن بعدهم يتحدثون بما فعل بهم ومزقناهم كل ممزق أي: فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق، لأن الله لما غرق مكانهم وأذهب جنتيهم تبددوا في البلاد، فصارت العرب تتمثل في الفرقة بسبأ إن في ذلك أي: فيما فعل بهم لآيات أي: لعبرا لكل صبار عن معاصي الله شكور لنعمه،

قوله تعالى: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " عليهم " بمعنى " فيهم " ، [ ص: 450 ] وصدقه في ظنه أنه ظن بهم أنهم يتبعونه إذ أغواهم، فوجدهم كذلك . وإنما قال: ولأضلنهم ولأمنينهم [النساء: 119] بالظن، لا بالعلم، فمن قرأ: " صدق " بتشديد الدال، فالمعنى: حقق ما ظنه فيهم بما فعل بهم; ومن قرأ بالتخفيف، فالمعنى: صدق عليهم في ظنه بهم .

وفي المشار إليهم قولان .

أحدهما: أنهم أهل سبإ . والثاني: سائر المطيعين لإبليس .

قوله تعالى: وما كان له عليهم من سلطان قد شرحناه في قوله: ليس لك عليهم سلطان [الحجر: 42 قال الحسن: والله ما ضربهم بعصا ولا قهرهم على شيء إلا أنه دعاهم إلى الأماني والغرور .

قوله تعالى: إلا لنعلم أي: ما كان تسليطنا إياه إلا لنعلم المؤمنين من الشاكين . وقرأ الزهري: " إلا ليعلم " بياء مرفوعة على ما لم يسم فاعله . وقرأ ابن يعمر: " ليعلم " بفتح الياء .

وفي المراد بعلمه هاهنا ثلاثة أقوال قد شرحناه في أول (العنكبوت: 3) .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27-02-2023, 10:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ سَبَإٍ
الحلقة (450)
صــ 451 إلى صــ 460





وربك على كل شيء من الشك والإيمان حفيظ ، وقال ابن قتيبة : والحفيظ بمعنى الحافظ . قال الخطابي: وهو فعيل بمعنى فاعل، كالقدير، والعليم، فهو يحفظ السماوات والأرض بما فيها لتبقى مدة بقائها، ويحفظ عباده من [ ص: 451 ] المهالك، ويحفظ عليهم أعمالهم، ويعلم نياتهم، ويحفظ أولياءه عن مواقعة الذنوب، ويحرسهم من مكايد الشيطان .
قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير . ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير

قوله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم المعنى: قل للكفار: ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة لينعموا عليكم بنعمة، أو يكشفوا عنكم بلية . ثم أخبر عنهم فقال: لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض أي: من خير وشر ونفع وضر وما لهم فيهما من شرك لم يشاركونا في شيء من خلقهما، وما له أي: وما لله منهم أي: من الآلهة من ظهير أي: من معين على شيء .

ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: " أذن له " بفتح الألف . وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف: " أذن له " برفع الألف . وعن عاصم كالقراءتين . أي: لا تنفع شفاعة ملك ولا نبي حتى يؤذن له في الشفاعة، وقيل: حتى يؤذن له فيمن يشفع . وفي هذا رد عليهم حين قالوا: إن هذه الآلهة تشفع لنا .

[ ص: 452 ] حتى إذا فزع عن قلوبهم قرأ الأكثرون: " فزع " بضم الفاء وكسر الزاي . قال ابن قتيبة : خفف عنها الفزع . وقال الزجاج: معناه: كشف الفزع عن قلوبهم . وقرأ ابن عامر، ويعقوب، وأبان: " فزع " بفتح الفاء والزاي، والفعل لله عز وجل . وقرأ الحسن، وقتادة، وابن يعمر: " فرغ " بالراء غير معجمة، وبالغين معجمة، وهو بمعنى الأول، لأنها فرغت من الفزع . وقال غيره: بل فرغت من الشك والشرك .

وفي المشار إليهم قولان .

أحدهما: أنهم الملائكة . وقد دل الكلام على أنهم يفزعون لأمر يطرأ عليهم من أمر الله، ولم يذكره في الآية، لأن إخراج الفزع يدل على حصوله . وفي سبب فزعهم قولان .

أحدهما: أنهم يفزعون لسماع كلام الله تعالى . روى عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل: ماذا قال ربك؟ قال: فيقول: الحق، فينادون: الحق الحق " وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا قضى الله عز وجل الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم، قالوا: [ ص: 453 ] للذي قال الحق وهو العلي الكبير "

والثاني: أنهم يفزعون من قيام الساعة . وفي السبب الذي ظنوه بدنو الساعة ففزعوا، قولان .

أحدهما: أنه لما كانت الفترة التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، ثم بعث الله محمدا، أنزل الله جبريل بالوحي، فلما نزل ظنت الملائكة أنه نزل بشيء من أمر الساعة، فصعقوا لذلك، فجعل جبريل يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي، قاله قتادة، ومقاتل، وابن السائب . وقيل: لما علموا بالإيحاء إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فزعوا، لعلمهم أن ظهوره من أشراط الساعة .

والثاني: أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض ويكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الله تعالى فانحدروا، يسمع لهم صوت شديد، فيحسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة، فيخرون سجدا، ويصعقون حتى يعلموا أنه ليس من أمر الساعة، وهذا كلما مروا عليهم، رواه الضحاك عن ابن مسعود .

والقول الثاني: أن الذي أشير إليهم المشركون; ثم في معنى الكلام قولان .

أحدهما: أن المعنى: حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند الموت- إقامة للحجة عليهم- قالت لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا: الحق، فأقروا حين لم ينفعهم الإقرار، قاله الحسن، وابن زيد .

[ ص: 454 ] والثاني: حتى إذا كشف الغطاء عن قلوبهم يوم القيامة، قيل لهم: ماذا قال ربكم؟ قاله مجاهد .
قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين . قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم . قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم

قوله تعالى: قل من يرزقكم من السماوات يعني المطر والأرض يعني النبات والثمر . وإنما أمر أن يسأل الكفار عن هذا، احتجاجا عليهم بأن الذي يرزق هو المستحق للعبادة، وهم لا يثبتون رازقا سواه، ولهذا قيل له: قل الله لأنهم لا يجيبون بغير هذا; وهاهنا تم الكلام . ثم أمره أن يقول لهم: وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين مذهب المفسرين أن " أو " هاهنا بمعنى الواو . وقال أبو عبيدة: معنى الكلام: وإنا لعلى هدى، وإنكم لفي ضلال مبين . وقال الفراء: معنى " أو " عند المفسرين معنى الواو، وكذلك هو في المعنى، غير أن العربية على غير ذلك، لا تكون " أو " بمنزلة الواو، ولكنها تكون في الأمر المفوض، كما تقول: إن شئت فخذ درهما أو اثنين، فله أن يأخذ واحدا أو اثنين، وليس له أن يأخذ ثلاثة، وإنما معنى الآية: وإنا لضالون أو مهتدون، وإنكم أيضا لضالون أو مهتدون، وهو يعلم أن [ ص: 455 ] رسوله المهتدي، وأن غيره الضال، كما تقول للرجل تكذبه: والله إن أحدنا لكاذب- وأنت تعنيه- فكذبته تكذيبا غير مكشوف; ويقول الرجل: والله لقد قدم فلان، فيقول له من يعلم كذبه: قل: إن شاء الله، فيكذبه بأحسن من تصريح التكذيب; ومن كلام العرب أن يقولوا: قاتله الله، ثم يستقبحونها، فيقول: قاتعه الله، ويقول بعضهم :كاتعه الله; ويقولون: جوعا، دعاء على الرجل، ثم يستقبحونها فيقولون: جودا، وبعضهم يقول: جوسا; ومن ذلك قولهم: ويحك وويسك، وإنما هي في معنى " ويلك " إلا أنها دونها .

قوله تعالى: قل لا تسألون عما أجرمنا أي: لا تؤاخذون به ولا نسأل عما تعملون من الكفر والتكذيب; والمعنى إظهار التبري منهم . وهذه الآية عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك .

قوله تعالى: قل يجمع بيننا ربنا يعني عند البعث في الآخرة ثم يفتح بيننا أي يقضي بالحق أي: بالعدل وهو الفتاح القاضي العليم بما يقضي قل للكفار أروني الذين ألحقتم به شركاء أي: أعلموني من أي وجه ألحقتموهم وهم لا يخلقون ولا يرزقون كلا ردع وتنبيه; والمعنى: ارتدعوا عن هذا القول، وتنبهوا عن ضلالتكم، فليس الأمر على ما أنتم عليه .
[ ص: 456 ] وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون

قوله تعالى: وما أرسلناك إلا كافة للناس أي: عامة لجميع الخلائق . وفي الكلام تقديم، تقديره: وما أرسلناك إلا للناس كافة . وقيل: معنى " كافة للناس " : تكفهم عما هم عليه من الكفر، والهاء فيه للمبالغة .

ويقولون متى هذا الوعد يعنون العذاب الذي يعدهم به في يوم القيامة; وإنما قالوا هذا، لأنهم ينكرون البعث، قل لكم ميعاد يوم وفيه قولان . أحدهما: أنه يوم الموت عند النزع والسياق، قاله الضحاك . والثاني: يوم القيامة، قاله أبو سليمان الدمشقي .
[ ص: 457 ] وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين . قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون

قوله تعالى: وقال الذين كفروا يعني مشركي مكة لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه يعنون التوراة والإنجيل، وذلك أن مؤمني أهل الكتاب قالوا: إن صفة محمد في كتابنا، فكفر أهل مكة بكتابهم .

ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال: ولو ترى إذ الظالمون يعني مشركي مكة موقوفون عند ربهم في الآخرة يرجع بعضهم إلى بعض القول أي: يرد بعضهم على بعض في الجدال واللوم يقول الذين استضعفوا وهم الأتباع للذين استكبروا وهم الأشراف والقادة: لولا أنتم لكنا مؤمنين أي: مصدقين بتوحيد الله; والمعنى: أنتم منعتمونا عن الإيمان; فأجابهم المتبوعون فقالوا: أنحن صددناكم عن الهدى أي: منعناكم عن الإيمان بعد إذ جاءكم به الرسول؟ بل كنتم مجرمين بترك الإيمان- وفي هذا تنبيه للكفار على أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سببا للعداوة في الآخرة- فرد عليهم الأتباع فقالوا: بل مكر الليل والنهار أي: بل مكركم بنا في الليل والنهار . قال الفراء: [ ص: 458 ] وهذا مما تتوسع فيه العرب لوضوح معناه، كما يقولون: ليله قائم، ونهاره صائم، فتضيف الفعل إلى غير الآدميين، والمعنى لهم . وقال الأخفش: وهذا كقوله: من قريتك التي أخرجتك [محمد: 13] قال جرير:


لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم


وقرأ سعيد بن جبير، وأبو الجوزاء، وعاصم الجحدري: " بل مكر " بفتح الكاف والراء " الليل والنهار " برفعهما . وقرأ ابن يعمر: " بل مكر " بإسكان الكاف ورفع الراء وتنوينها " الليل والنهار " بنصبهما .

قوله تعالى: إذ تأمروننا أن نكفر بالله وذلك أنهم كانوا يقولون لهم: إن ديننا حق ومحمد كذاب، وأسروا الندامة وقد سبق بيانه في (يونس: 54) .

قوله تعالى: وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا إذا دخلوا جهنم غلت أيديهم إلى أعناقهم، وقالت لهم خزنة جهنم: هل تجزون إلا ما كنتم تعملون في الدنيا . قال أبو عبيدة: مجاز " هل " هاهنا مجاز الإيجاب، وليس باستفهام; والمعنى: ما تجزون إلا ما كنتم تعملون .

وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون . وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون . وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون والذين [ ص: 459 ] يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون . قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين

وما أرسلنا في قرية من نذير أي: نبي ينذر إلا قال مترفوها وهم أغنياؤها ورؤساؤها .

قوله تعالى: وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا . في المشار إليهم [ ص: 460 ] قولان . أحدهما: أنهم المترفون من كل أمة . والثاني: مشركو مكة، فظنوا من جهلهم أن الله خولهم المال والولد لكرامتهم عليه، فقالوا: وما نحن بمعذبين لأن الله أحسن إلينا بما أعطانا فلا يعذبنا، فأخبر أنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ; والمعنى أن بسط الرزق وتضييقه ابتلاء وامتحان، لا أن البسط يدل على رضى الله، ولا التضييق يدل على سخطه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك . ثم صرح بهذا المعنى بقوله: وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى قال الفراء: يصلح أن تقع " التي " على الأموال والأولاد جميعا، لأن الأموال جمع والأولاد جمع; وإن شئت وجهت " التي " إلى الأموال، واكتفيت بها من ذكر الأولاد; وأنشد لمرار الأسدي:


نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف


وقد شرحنا هذا في قوله: ولا ينفقونها في سبيل الله [التوبة: 34] وقال الزجاج: المعنى: وما أموالكم بالتي تقربكم، ولا أولادكم بالذين يقربونكم، فحذف اختصارا . وقرأ أبي بن كعب، والحسن، وأبو الجوزاء: " باللاتي تقربكم " . قال الأخفش: و " زلفى " هاهنا اسم مصدر، كأنه قال: تقربكم عندنا ازدلافا . وقال ابن قتيبة : " زلفى " أي: قربى ومنزلة عندنا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27-02-2023, 10:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ سَبَإٍ
الحلقة (451)
صــ 461 إلى صــ 470





[ ص: 461 ] قوله تعالى: إلا من آمن قال الزجاج: المعنى: ما تقرب الأموال إلا من آمن وعمل بها في طاعة الله، فأولئك لهم جزاء الضعف والمراد به ها هنا عشر حسنات، تأويله: لهم جزاء الضعف الذي قد أعلمتكم مقداره . وقال ابن قتيبة : لم يرد فيما يرى أهل النظر- والله أعلم- أنهم يجازون بواحد مثله، ولا اثنين، ولكنه أراد جزاء التضعيف، وهو مثل يضم إلى مثل ما بلغ، وكأن الضعف الزيادة، فالمعنى: لهم جزاء الزيادة . وقرأ سعيد بن جبير، وأبو المتوكل، ورويس، وزيد عن يعقوب: " لهم جزاء " بالنصب والتنوين وكسر التنوين وصلا " الضعف " بالرفع . وقرأ أبو الجوزاء، وقتادة، وأبو عمران الجوني: " لهم جزاء " بالرفع والتنوين " الضعف " بالرفع .

قوله تعالى: وهم في الغرفات يعني [في] غرف الجنة، وهي البيوت فوق الأبنية . وقرأ حمزة: " في الغرفة " على التوحيد; أراد اسم الجنس . وقرأ الحسن، وأبو المتوكل: " في الغرفات " بضم الغين وسكون الراء مع الألف . وقرأ أبو الجوزاء، وابن يعمر: بضم الغين وفتح الراء مع الألف آمنون من الموت والغير . وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [الحج: 51، الرعد: 26 إلى قوله: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه أي: يأتي ببدله، يقال: أخلف الله له وعليه: إذا أبدل ما ذهب عنه وفي معنى الكلام أربعة أقوال .

أحدها: ما أنفقتم من غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه، قاله سعيد بن جبير .

والثاني: ما أنفقتم في طاعته، فهو يخلفه في الآخرة بالأجر، قاله السدي .

والثالث : ما أنفقتم في الخير والبر فهو يخلفه، إما أن يعجله في الدنيا، أو يدخره لكم في الآخرة، قاله ابن السائب .

[ ص: 462 ] والرابع : أن الإنسان قد ينفق ماله في الخير ولا يرى له خلفا أبدا; وإنما معنى الآية: ما كان من خلف فهو منه، ذكره الثعلبي .

قوله تعالى: وهو خير الرازقين لما دار على الألسن أن السلطان يرزق الجند، وفلان يرزق عياله، أي: يعطيهم، أخبر أنه خير المعطين .

ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون . فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين . وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير

[ ص: 463 ] قوله تعالى: ويوم يحشرهم جميعا يعني المشركين; وقال مقاتل: يعني الملائكة ومن عبدها ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون وهذا استفهام تقرير وتوبيخ للعابدين; فنزهت الملائكة ربها عن الشرك فـ قالوا سبحانك أي: تنزيها لك مما أضافوه إليك من الشركاء أنت ولينا من دونهم أي: نحن نتبرأ إليك منهم، ما توليناهم ولا اتخذناهم عابدين، ولسنا نريد وليا غيرك بل كانوا يعبدون الجن أي: يطيعون الشياطين في عبادتهم إيانا أكثرهم بهم أي: بالشياطين مؤمنون أي: مصدقون لهم فيما يخبرونهم من الكذب أن الملائكة بنات الله، فيقول الله تعالى: فاليوم يعني في الآخرة لا يملك بعضكم لبعض يعني العابدين والمعبودين نفعا بالشفاعة ولا ضرا بالتعذيب ونقول للذين ظلموا فعبدوا غير الله ذوقوا عذاب النار الآية .

ثم أخبر أنهم يكذبون محمدا والقرآن بالآية التي تلي هذه، وتفسيرها ظاهر .

ثم أخبر أنهم لم يقولوا ذلك عن بينة، ولم يكذبوا محمدا عن يقين، ولم يأتهم قبله كتاب ولا نبي يخبرهم بفساد أمره، فقال: وما آتيناهم من كتب يدرسونها قال قتادة: ما أنزل الله على العرب كتابا قبل القرآن [ ص: 464 ] ولا بعث إليهم نبيا قبل محمد; وهذا محمول على الذين أنذرهم نبينا [محمد] صلى الله عليه وسلم; وقد كان إسماعيل نذيرا للعرب .

ثم أخبر عن عاقبة المكذبين قبلهم مخوفا لهم، فقال:

وكذب الذين من قبلهم يعني الأمم الكافرة وما بلغوا معشار ما آتيناهم وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها: ما بلغ كفار مكة معشار ما آتينا الأمم التي كانت قبلهم من القوة والمال وطول العمر، قاله الجمهور .

والثاني: ما بلغ الذين من قبلهم معشار ما أعطينا هؤلاء من الحجة والبرهان .

والثالث : ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما أعطيناهم، حكاهما الماوردي .

والمعشار: العشر . والنكير: اسم بمعنى الإنكار، قال الزجاج: والمعنى: فكيف كان نكيري; وإنما حذفت الياء، لأنه آخر آية .
قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد . قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب . قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب

قوله تعالى: قل إنما أعظكم أي: آمركم وأوصيكم بواحدة وفيها ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها " لا إله إلا الله " ، رواه ليث عن مجاهد .

[ ص: 465 ] والثاني: طاعة الله، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد .

والثالث : أنها قوله: أن تقوموا لله مثنى وفرادى ، قاله قتادة . والمعنى: أن التي أعظكم بها، قيامكم وتشميركم لطلب الحق، وليس بالقيام على الأقدام . والمراد بقوله: مثنى أي: يجتمع اثنان فيتناظران في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد بـ فرادى : أن يتفكر الرجل وحده، ومعنى الكلام: ليتفكر الإنسان منكم وحده، وليخل بغيره، وليناظر، وليستشر، فيستدل بالمصنوعات على صانعها، ويصدق الرسول على اتباعه، وليقل الرجل لصاحبه: هلم فلنتصادق هل رأينا بهذا الرجل جنة قط، أو جربنا عليه كذبا قط . وتم الكلام عند قوله: ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة ، وفيه اختصار تقديره: ثم تتفكروا لتعلموا صحة ما أمرتكم به وأن الرسول ليس بمجنون، إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد في الآخرة .

قوله تعالى: قل ما سألتكم من أجر على تبليغ الرسالة فهو لكم [ ص: 466 ] والمعنى: ما أسألكم شيئا; ومثله قول القائل ما لي في هذا فقد وهبته لك، يريد: ليس لي فيه شيء .

قوله تعالى: قل إن ربي يقذف بالحق أي: يلقي الوحي إلى أنبيائه علام الغيوب وقرأ أبو رجاء : " علام " بنصب الميم .

قل جاء الحق وهو الإسلام والقرآن .

وفي المراد بالباطل ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه الشيطان، لا يخلق أحدا ولا يبعثه، قاله قتادة .

والثاني: أنه الأصنام، لا تبدئ خلقا ولا تحيي، قاله الضحاك . وقال أبو سليمان: لا يبتدئ الصنم من عنده كلاما فيجاب، ولا يرد ما جاء من الحق بحجة .

والثالث : أنه الباطل الذي يضاد الحق; فالمعنى: ذهب الباطل بمجيء الحق، فلم تبق منه بقية يقبل بها أو يدبر أو يبدئ أو يعيد، ذكره جماعة من المفسرين .

قوله تعالى: قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي أي: إثم ضلالتي [ ص: 467 ] على نفسي، وذلك أن كفار مكة زعموا أنه قد ضل حين ترك دين آبائه وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي من الحكمة والبيان .
ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب . وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد . وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب

قوله تعالى: ولو ترى إذ فزعوا في زمان هذا الفزع قولان .

أحدهما: أنه حين البعث من القبور، قاله الأكثرون .

والثاني: أنه عند ظهور العذاب في الدنيا، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة . وقال سعيد بن جبير: هو الجيش الذي يخسف به بالبيداء، يبقى منهم رجل فيخبر الناس بما لقوا، وهذا حديث مشروح في التفسير، وأن هذا الجيش يؤم البيت الحرام لتخريبه، فيخسف بهم . وقال الضحاك وزيد بن أسلم: هذه الآية فيمن قتل يوم بدر من المشركين .

[ ص: 468 ] [ ص: 469 ] قوله تعالى: فلا فوت المعنى: فلا فوت لهم، أي: لا يمكنهم أن يفوتونا وأخذوا من مكان قريب فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: من مكانهم يوم بدر، قاله زيد بن أسلم . والثاني: من تحت أقدامهم بالخسف، قاله مقاتل . والثالث: من القبور، قاله ابن قتيبة . وأين كانوا، فهم من الله قريب .

قوله تعالى: وقالوا أي: حين عاينوا العذاب آمنا به في هاء الكناية أربعة أقوال .

أحدها: أنها تعود إلى الله عز وجل، قاله مجاهد . والثاني: إلى البعث، قاله الحسن . والثالث: إلى الرسول، قاله قتادة . والرابع: إلى القرآن، قاله مقاتل .

قوله تعالى: وأنى لهم التناوش قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: " التناوش " غير مهموز . وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، والمفضل عن عاصم: بالهمز . قال الفراء: من همز جعله من " نأشت " ، ومن لم يهمز، جعله من " نشت " ، وهما متقاربان; والمعنى: تناولت الشيء، بمنزلة: ذمت الشيء وذأمته: إذا عبته; وقد تناوش القوم في القتال: إذ تناول بعضهم بعضا بالرماح، ولم يتدانوا كل التداني، وقد يجوز همز " التناؤش " وهي من " نشت " لانضمام الواو، مثل قوله: وإذا الرسل أقتت [المرسلات: 11] وقال الزجاج: من همز " التناؤش " فلأن واو التناوش مضمومة، وكل واو مضمومة ضمتها لازمة، إن شئت أبدلت منها همزة، وإن شئت لم تبدل، نحو: أدؤر . وقال ابن قتيبة : معنى الآية: وأنى لهم [ ص: 470 ] التناوش لما أرادوا بلوغه وإدراك ما طلبوا من التوبة من مكان بعيد وهو الموضع الذي تقبل فيه التوبة . وكذلك قال المفسرون: أنى لهم بتناول الإيمان والتوبة وقد تركوا ذلك في الدنيا والدنيا قد ذهبت؟!

قوله تعالى: وقد كفروا به في هاء الكناية أربعة أقوال قد تقدمت في قوله: آمنا به [سبأ: 52] . ومعنى من قبل أي: في الدنيا من قبل معاينة أهوال الآخرة ويقذفون بالغيب أي: يرمون بالظن من مكان بعيد وهو بعدهم عن العلم بما يقولون .

وفي المراد بمقالتهم هذه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم يظنون أنهم يردون إلى الدنيا، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أنه قولهم في الدنيا: لا بعث لنا ولا جنة ولا نار، قاله الحسن، وقتادة .

والثالث : أنه قولهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ساحر، هو كاهن، هو شاعر، قاله مجاهد .

قوله تعالى: وحيل بينهم وبين ما يشتهون أي: منع هؤلاء الكفار مما يشتهون، وفيه ستة أقوال .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27-02-2023, 10:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ فَاطِرٍ
الحلقة (452)
صــ 471 إلى صــ 480





أحدها: أنه الرجوع إلى الدنيا، قاله ابن عباس . والثاني: الأهل والمال والولد، قاله مجاهد . والثالث: الإيمان، قاله الحسن . والرابع: طاعة الله، قاله قتادة . والخامس: التوبة، قاله السدي . والسادس: حيل بين الجيش الذي [ ص: 471 ] خرج لتخريب الكعبة وبين ذلك بأن خسف بهم، قاله مقاتل .

قوله تعالى: كما فعل وقرأ ابن مسعود ، وأبي بن كعب، وأبو عمران: " كما فعل " بفتح الفاء والعين بأشياعهم من قبل قال الزجاج: أي: بمن كان مذهبه مذهبهم . قال المفسرون: والمعنى: كما فعل بنظرائهم من الكفار من قبل هؤلاء، فإنهم حيل بينهم وبين ما يشتهون . وقال الضحاك: هم أصحاب الفيل حين أرادوا خراب الكعبة إنهم كانوا في شك من البعث ونزول العذاب بهم مريب أي: موقع للريبة والتهمة .
[ ص: 472 ] سُورَةُ فَاطِرٍ

وَتُسَمَّى سُورَةَ الْمَلَائِكَةِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعِهِمْ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَيْ: خَالِقُهُمَا مُبْتَدِئًا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كُنْتُ أَدْرِي مَا فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى اخْتَصَمَ أَعْرَابِيَّانِ فِي بِئْرٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا، أَيِ: ابْتَدَأَتُهَا .

قَوْلُهُ تَعَالَى: جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ وَرَوَى الْحَلَبِيُّ وَالْقَزَّازُ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ: [ ص: 473 ] " جَاعِلٌ " بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ " الْمَلَائِكَةَ " بِالنَّصْبِ رُسُلا يُرْسِلُهُمْ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَإِلَى مَا يَشَاءُ مِنَ الْأُمُورِ أُولِي أَجْنِحَةٍ أَيْ: أَصْحَابَ أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَبَعْضُهُمْ لَهُ جَنَاحَانِ، وَبَعْضُهُمْ [لَهُ] ثَلَاثَةٌ، وَبَعْضُهُمْ لَهُ أَرْبَعَةٌ . وَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: أَنَّهُ زَادَ فِي خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ الْأَجْنِحَةَ، رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي: يَزِيدُ فِي الْأَجْنِحَةِ مَا يَشَاءُ، رَوَاهُ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَسَنِ، وَبِهِ قَالَ مُقَاتِلٌ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ الْخُلُقُ الْحَسَنُ، رَوَاهُ عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ .

وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ حُسْنُ الصَّوْتِ، قَالَهُ الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ .

وَالْخَامِسُ: الْمَلَاحَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ، قَالَهُ قَتَادَةُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ أَيْ: مِنْ خَيْرٍ وَرِزْقٍ . وَقِيلَ: أَرَادَ بِهَا الْمَطَرَ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : " فَلَا مُمْسِكَ لَهُ " . وَفِي الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِذْ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ إِمْسَاكَ مَا فَتَحَ وَفَتْحَ مَا أَمْسَكَ .
يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون . وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا [ ص: 474 ] ولا يغرنكم بالله الغرور . إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير

قوله تعالى: يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم قال المفسرون: الخطاب لأهل مكة، و اذكروا بمعنى " احفظوا " ونعمة الله عليهم: إسكانهم الحرم ومنع الغارات عنهم .

هل من خالق غير الله وقرأ حمزة والكسائي: " غير الله " بخفض الراء; قال أبو علي: جعلاه صفة على اللفظ، وذلك حسن لإتباع الجر . وهذا استفهام تقرير وتوبيخ; والمعنى: لا خالق سواه يرزقكم من السماء المطر و من (الأرض) النبات ، وما بعد هذا قد سبق بيانه [الأنعام: 95 آل عمران: 184، البقرة: 210، لقمان: 33] إلى قوله: إن الشيطان لكم عدو أي: إنه يريد هلاككم فاتخذوه عدوا أي: أنزلوه من أنفسكم منزلة الأعداء، وتجنبوا طاعته إنما يدعو حزبه أي: شيعته إلى الكفر ليكونوا من أصحاب السعير .
أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون . والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور

[ ص: 475 ] قوله تعالى أفمن زين له سوء عمله اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في أبي جهل ومشركي مكة، قاله ابن عباس .

والثاني: في أصحاب الأهواء والملل التي خالفت الهدى، قاله سعيد بن جبير .

والثالث : أنهم اليهود والنصارى والمجوس، قاله أبو قلابة .

فإن قيل: أين جواب أفمن زين له ؟ .

فالجواب من وجهين ذكرهما الزجاج .

أحدهما: أن الجواب محذوف; والمعنى: أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله؟! ويدل على هذا قوله: فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء .

والثاني: أن المعنى: أفمن زين له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليهم حسرات؟! ويدل على هذا قوله:فلا تذهب نفسك عليهم حسرات .

[ ص: 476 ] وقرأ أبو جعفر: " فلا تذهب " بضم التاء وكسر الهاء " نفسك " بنصب السين .

وقال ابن عباس: لا تغتم ولا تهلك نفسك حسرة على تركهم الإيمان .

قوله تعالى: فتثير سحابا أي: تزعجه من مكانه; وقال أبو عبيدة: تجمعه وتجيء به، و سقناه بمعنى " نسوقه " ; والعرب قد تضع " فعلنا " في موضع " نفعل " وأنشدوا:

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا مني وما سمعوا من صالح دفنوا

المعنى: يطيروا ويدفنوا .

قوله تعالى: كذلك النشور وهو الحياة . وفي معنى الكلام قولان .

أحدهما: كما أحيا الله الأرض بعد موتها يحيي الموتى يوم البعث . روى أبو رزين العقيلي، قال: قلت: يا رسول الله: كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ فقال: " هل مررت بوادي أهلك محلا، ثم مررت به يهتز خضرا؟ " قلت: نعم، قال: " فكذلك يحيي الله الموتى، وتلك آيته في خلقه " .

والثاني: كما أحيا الله الأرض الميتة بالماء، كذلك يحيي الله الموتى بالماء .

[ ص: 477 ] قال ابن مسعود : يرسل الله تعالى ماء من تحت العرش كمني الرجال، قال: فتنبت لحمانهم وجسمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ هذه الآية . وقد ذكرنا في (الأعراف: 57) نحو هذا الشرح .
من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور

قوله تعالى: من كان يريد العزة فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: من كان يريد العزة بعبادة الأوثان فلله العزة جميعا ، قاله مجاهد .

والثاني: من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله، قاله قتادة . وقد روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن ربكم يقول كل يوم: أنا العزيز، فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز "

والثالث : من كان يريد العزة لمن هي، فإنها لله جميعا، قاله الفراء .

قوله تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب وقرأ ابن مسعود ، وأبو عبد الرحمن السلمي، والنخعي، والجحدري، والشيزري عن الكسائي: [ ص: 478 ] " يصعد الكلام الطيب " وهو توحيده وذكره والعمل الصالح يرفعه قال علي بن المديني: الكلم الطيب: لا إله إلا الله، والعمل الصالح: أداء الفرائض واجتناب المحارم .

وفي هاء الكناية في قوله: يرفعه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها ترجع إلى الكلم الطيب; فالمعنى: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، قاله ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك . وكان الحسن يقول: يعرض القول على الفعل، فإن وافق القول الفعل قبل، وإن خالف رد .

والثاني: أنها ترجع إلى العمل الصالح، فالمعنى: والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب، فهو عكس القول الأول، وبه قال أبو صالح، وشهر بن حوشب . فإذا قلنا: إن الكلم الطيب هو التوحيد، كانت فائدة هذا القول أنه لا يقبل عمل صالح إلا من موحد .

والثالث : أنها ترجع إلى الله عز وجل; فالمعنى: والعمل الصالح يرفعه الله إليه، أي: يقبله، قاله قتادة .

قوله تعالى: والذين يمكرون السيئات قال أبو عبيدة: يمكرون: بمعنى: يكتسبون ويجترحون . ثم في المشار إليهم أربعة أقوال . [ ص: 479 ] أحدها: أنهم الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة، قاله أبو العالية .

والثاني: أنهم أصحاب الرياء، قاله مجاهد ، وشهر بن حوشب .

والثالث : أنهم الذين يعملون السيئات، قاله قتادة، وابن السائب .

والرابع : أنهم قائلو الشرك، قاله مقاتل .

وفي معنى يبور قولان .

أحدهما: يبطل، قاله ابن قتيبة . والثاني: يفسد، قاله الزجاج .
والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير . وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية [ ص: 480 ] تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير . إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير

قوله تعالى: والله خلقكم من تراب يعني آدم ثم من نطفة يعني نسله ثم جعلكم أزواجا أي: أصنافا، ذكورا وإناثا; قال قتادة: زوج بعضهم ببعض .

قوله تعالى: وما يعمر من معمر أي: ما يطول عمر أحد ولا ينقص وقرأ الحسن، ويعقوب: " ينقص " بفتح الياء وضم القاف من عمره في هذه الهاء قولان .

أحدهما: أنها كناية عن آخر، فالمعنى: ولا ينقص من عمر آخر; وهذا المعنى في رواية العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد في آخرين . قال الفراء: وإنما كني عنه كأنه الأول، لأن لفظ الثاني لو ظهر كان كالأول ،كأنه قال: ولا ينقص من عمر معمر، ومثله في الكلام: عندي درهم ونصفه; والمعنى: ونصف آخر .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27-02-2023, 10:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ فَاطِرٍ
الحلقة (453)
صــ 481 إلى صــ 490






والثاني: أنها ترجع إلى المعمر المذكور; فالمعنى: ما يذهب من عمر هذا المعمر يوم أو ليلة إلا وذلك مكتوب; قال سعيد بن جبير: مكتوب في أول الكتاب: عمره كذا وكذا سنة، ثم يكتب أسفل من ذلك: ذهب يوم، [ ص: 481 ] ذهب يومان، ذهبت ثلاثة، إلى أن ينقطع عمره; وهذا المعنى في رواية ابن جبير عن ابن عباس، وبه قال عكرمة وأبو مالك في آخرين .

فأما الكتاب، فهو اللوح المحفوظ .

وفي قوله إن ذلك على الله يسير قولان .

أحدهما: أنه يرجع إلى كتابة الآجال . والثاني: إلى زيادة العمر ونقصانه .

قوله تعالى: وما يستوي البحران يعني العذب والملح; وهذه الآية وما بعدها قد سبق بيانها [الفرقان: 53، النحل: 14، آل عمران: 27، الرعد: 2] إلى قوله: ما يملكون من قطمير قال ابن عباس: هو القشر الذي يكون على ظهر النواة .

قوله تعالى: إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم لأنهم جماد ولو سمعوا بأن يخلق الله لهم أسماعا ما استجابوا لكم أي: لم يكن عندهم إجابة ويوم القيامة يكفرون بشرككم أي: يتبرؤون من عبادتكم ولا ينبئك يا محمد مثل خبير أي: عالم بالأشياء، يعني نفسه عز وجل; والمعنى أنه لا أخبر منه عز وجل بما أخبر أنه سيكون .
[ ص: 482 ] يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد . وما ذلك على الله بعزيز ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير . وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور . ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور . إن أنت إلا نذير إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير . وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير

يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله أي: المحتاجون إليه والله هو الغني عن عبادتكم الحميد عند خلقه بإحسانه إليهم . وما بعد هذا قد تقدم [ ص: 483 ] بيانه [إبراهيم: 19، الأنعام: 164] إلى قوله: وإن تدع مثقلة أي: نفس مثقلة بالذنوب إلى حملها الذي حملت من الخطايا لا يحمل منه شيء ولو كان الذي تدعوه ذا قربى ذا قرابة إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب أي: يخشونه ولم يروه; والمعنى: إنما تنفع بإنذارك أهل الخشية، فكأنك تنذرهم دون غيرهم لمكان اختصاصهم بالانتفاع، ومن تزكى أي: تطهر من الشرك والفواحش، وفعل الخير فإنما يتزكى لنفسه أي: فصلاحه لنفسه وإلى الله المصير فيجزي بالأعمال .

وما يستوي الأعمى والبصير يعني المؤمن والمشرك ولا الظلمات يعني الشرك والضلالات ولا النور الهدى والإيمان، ولا الظل ولا الحرور فيه قولان .

أحدهما: ظل الليل وسموم النهار، قاله عطاء .

والثاني: الظل: الجنة، والحرور: النار، قاله مجاهد . قال الفراء: الحرور بمنزلة السموم، وهي الرياح الحارة . والحرور تكون بالنهار وبالليل، والسموم لا تكون إلا بالنهار . وقال أبو عبيدة: الحرور تكون بالنهار مع الشمس، وكان رؤبة يقول: الحرور بالليل، والسموم بالنهار .

قوله تعالى: وما يستوي الأحياء ولا الأموات فيهم قولان .

أحدهما: أن الأحياء: المؤمنون، والأموات: الكفار .

والثاني: أن الأحياء: العقلاء، والأموات: الجهال . [ ص: 484 ] وفي " لا " المذكورة في هذه الآية قولان .

أحدهما: أنها زائدة مؤكدة . والثاني: أنها نافية لاستواء أحد المذكورين مع الآخر .

قال قتادة: هذه أمثال ضربها الله تعالى للمؤمن والكافر، يقول: كما لا تستوي هذه الأشياء، كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن .

إن الله يسمع من يشاء أي: يفهم من يريد إفهامه وما أنت بمسمع من في القبور وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، والجحدري: " بمسمع من " على الإضافة; يعني الكفار، شبههم بالموتى، إن أنت إلا نذير قال بعض المفسرين: نسخ معناها بآية السيف .

[ ص: 485 ] قوله تعالى: وإن من أمة إلا خلا فيها نذير أي: ما من أمة إلا قد جاءها رسول . وما بعد هذا قد سبق بيانه [آل عمران: 184، الحج: 44] إلى قوله: فكيف كان نكير أثبت فيها الياء في الحالين يعقوب، ووافقه في الوصل ورش .
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود . ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور

قوله تعالى: ومن الجبال جدد بيض أي: ومما خلقنا من الجبال جدد . قال ابن قتيبة : الجدد: الخطوط والطرائق تكون في الجبال، فبعضها بيض، وبعضها حمر، وبعضها غرابيب سود، والغرابيب جمع غربيب، وهو الشديد السواد، يقال: أسود غربيب، وتمام الكلام عند قوله: كذلك ، يقول: من الجبال مختلف ألوانه، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك أي: كاختلاف الثمرات . قال الفراء: وفي الكلام تقديم وتأخير، تقديره: وسود غرابيب، لأنه يقال: أسود غربيب، [ ص: 486 ] وقلما يقال: غربيب أسود . وقال الزجاج: المعنى: ومن الجبال غرابيب سود، وهي ذوات الصخر الأسود . وقال ابن دريد: الغربيب: الأسود، أحسب أن اشتقاقه من الغراب .

وللمفسرين في المراد بالغرابيب ثلاثة أقوال .

أحدها: الطرائق السود، قاله ابن عباس . والثاني: الأودية السود، قاله قتادة . والثالث: الجبال السود، قاله السدي .

ثم ابتدأ فقال: إنما يخشى الله من عباده العلماء يعني العلماء بالله عز وجل . قال ابن عباس: يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني . وقال مجاهد والشعبي: العالم من خاف الله . وقال الربيع بن أنس: من لم يخش الله فليس بعالم .
إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور . ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير

قوله تعالى: إن الذين يتلون كتاب الله يعني قراء القرآن، فأثنى عليهم بقراءة القرآن; وكان مطرف يقول: هذه آية القراء .

وفي قوله: يتلون قولان . أحدهما: يقرؤون . والثاني: يتبعون . [ ص: 487 ] قال أبو عبيدة: وأقاموا الصلاة بمعنى ويقيمون، وهو إدامتها لمواقيتها وحدودها .

قوله تعالى: يرجون تجارة قال الفراء: هذا جواب قوله: إن الذين يتلون . قال المفسرون: والمعنى: يرجون بفعلهم هذا تجارة لن تفسد ولن تهلك ولن تكسد ليوفيهم أجورهم أي: جزاء أعمالهم ويزيدهم من فضله قال ابن عباس: سوى الثواب ما لم تر عين ولم تسمع أذن .

فأما الشكور، فقال الخطابي: هو الذي يشكر اليسير من الطاعة، فيثيب عليه الكثير من الثواب، ويعطي الجزيل من النعمة، ويرضى باليسير من الشكر; ومعنى الشكر المضاف إليه: الرضى بيسير الطاعة من العبد، والقبول له، وإعظام الثواب عليه; وقد يحتمل أن يكون معنى الثناء على الله بالشكور ترغيب الخلق في الطاعة قلت أو كثرت، لئلا يستقلوا القليل من العمل، ولا يتركوا اليسير منه .
إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور . ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير

قوله تعالى: إن الذين يتلون كتاب الله يعني قراء القرآن، فأثنى عليهم بقراءة القرآن; وكان مطرف يقول: هذه آية القراء .

وفي قوله: يتلون قولان . أحدهما: يقرؤون . والثاني: يتبعون . [ ص: 487 ] قال أبو عبيدة: وأقاموا الصلاة بمعنى ويقيمون، وهو إدامتها لمواقيتها وحدودها .

قوله تعالى: يرجون تجارة قال الفراء: هذا جواب قوله: إن الذين يتلون . قال المفسرون: والمعنى: يرجون بفعلهم هذا تجارة لن تفسد ولن تهلك ولن تكسد ليوفيهم أجورهم أي: جزاء أعمالهم ويزيدهم من فضله قال ابن عباس: سوى الثواب ما لم تر عين ولم تسمع أذن .

فأما الشكور، فقال الخطابي: هو الذي يشكر اليسير من الطاعة، فيثيب عليه الكثير من الثواب، ويعطي الجزيل من النعمة، ويرضى باليسير من الشكر; ومعنى الشكر المضاف إليه: الرضى بيسير الطاعة من العبد، والقبول له، وإعظام الثواب عليه; وقد يحتمل أن يكون معنى الثناء على الله بالشكور ترغيب الخلق في الطاعة قلت أو كثرت، لئلا يستقلوا القليل من العمل، ولا يتركوا اليسير منه .
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير . جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير

قوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب في " ثم " وجهان; أحدهما: أنها بمعنى الواو، والثاني: أنها للترتيب . والمعنى: أنزلنا الكتب المتقدمة، ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا وفيهم قولان .

أحدهما: أنهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس .

والثاني: أنهم الأنبياء وأتباعهم، قاله الحسن .

[ ص: 488 ] وفي الكتاب قولان .

أحدهما: أنه اسم جنس والمراد به الكتب التي أنزلها الله عز وجل، وهذا يخرج على القولين . فإن قلنا: الذين اصطفوا أمة محمد، فقد قال ابن عباس: إن الله أورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم كل كتاب أنزله . وقال ابن جرير الطبري: ومعنى ذلك: أورثهم الإيمان بالكتب كلها- وجميع الكتب تأمر باتباع القرآن- فهم مؤمنون بها عاملون بمقتضاها; واستدل على صحة هذا القول بأن الله تعالى قال في الآية التي قبل هذه: والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق وأتبعه بقوله: ثم أورثنا الكتاب فعلمنا أنهم أمة محمد، إذ كان معنى الميراث: انتقال شيء من قوم، إلى قوم ولم تكن أمة على عهد نبينا انتقل إليهم كتاب من قوم كانوا قبلهم غير أمته . فإن قلنا: هم الأنبياء وأتباعهم، كان المعنى: أورثنا كل كتاب أنزل على نبي ذلك النبي وأتباعه .

والقول الثاني: أن المراد بالكتاب القرآن .

وفي معنى أورثنا قولان .

أحدهما: أعطينا، لأن الميراث عطاء، قاله مجاهد .

والثاني: أخرنا، ومنه الميراث، لأنه تأخر عن الميت فالمعنى: أخرنا القرآن عن الأمم السالفة وأعطيناه هذه الأمة، إكراما لها، ذكره بعض أهل المعاني .

قوله تعالى: فمنهم ظالم لنفسه فيه أربعة أقوال .

[ ص: 489 ] أحدها: أنه صاحب الصغائر; روى عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له " . وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية، قال: " كلهم في الجنة " .

والثاني: أنه الذي مات على كبيرة ولم يتب منها، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثالث : أنه الكافر، رواه عمرو بن دينار عن ابن عباس، وقد رواه ابن عمر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فعلى هذا يكون الاصطفاء لجملة من أنزل عليه الكتاب، كما قال: وإنه لذكر لك ولقومك [الزخرف: 44] أي: لشرف لكم، وكم من مكرم لم يقبل الكرامة!

والرابع : أنه المنافق: حكي عن الحسن . وقد روي عن الحسن أنه [ ص: 490 ] قال: الظالم: الذي ترجح سيئاته على حسناته، والمقتصد: الذي قد استوت حسناته وسيئاته، والسابق: من رجحت حسناته . وروي عن عثمان بن عفان أنه تلا هذه الآية، فقال: سابقنا أهل جهادنا، ومقتصدنا أهل حضرنا، وظالمنا أهل بدونا .

قوله تعالى: ومنهم سابق وقرأ أبو المتوكل، والجحدري، وابن السميفع: " سباق " مثل: فعال بالخيرات أي: بالأعمال الصالحة إلى الجنة، أو إلى الرحمة بإذن الله أي: بإرادته وأمره ذلك هو الفضل الكبير يعني إيراثهم الكتاب .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 437.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 432.07 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]