سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تعملها إزاي؟.. كيف تجهز iPhone الخاص بك لنظام التشغيل iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          ما الذي يساهم فى إطالة عمر الكمبيوتر المحمول؟.. تقرير يجيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          هكذا يمكنك الوصول إلى قائمة "البلوك" على حسابك بفيس بوك.. خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          كيفية توفير مساحة تخزين الهاتف الذكي دون حذف الصور؟.. تفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          كيفية قفل الخلايا فى Excel.. وما معناها فى خطوات؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          جوجل تستخدم الذكاء الاصطناعى لتحويل ملاحظاتك النصية إلى بودكاست: وإليك الطريقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          تعرف على طرق استعادة جهات الاتصال المحذوفة على جهاز آيفون الخاص بك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          كيفية العثور على التكرارات فى Excel وإزالتها فى خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          كيفية إعادة ضبط وحدة جهاز ps5 فى 6 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          بضغطة واحدة.. Chrome يتيح الآن للمستخدمين "إلغاء الاشتراك" من تنبيهات المواقع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-10-2021, 03:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,240
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الاخير من سورة الرعد كاملا بأسلوب بسيط







تفسير الربع الأخير من سورة الرعد









الآية 19، والآية 20، والآية 21:﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعني: هل الذي يَعلم أنّ ما جاءكَ أيها الرسول ﴿ مِنْ رَبِّكَ هو ﴿ الْحَقُّ - وذلك لِوُضوح علاماته - فيُؤمن به بمجرد ظهوره ﴿ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى عن الحق لا يؤمن به؟! لا يستويانِ أبدًا، ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ يعني: إنّ الذين يَتَّعظون بالقرآن وأدِلَّته هم أصحاب العقول السليمة، وهم ﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ أي العهد الذي أمَرَهم به سبحانه - من السمع والطاعة لأوامره التي وَصَّاهم بها في كتابه - ﴿ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ أي لا يَنقضون العهود المؤكدة التي عاهَدوا اللهَ على الالتزام بها (ما لم تكن إثمًا أو قطيعة رَحِم)، ﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ كالأرحام والمحتاجين، ﴿ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بفِعل ما أمَر واجتناب ما نَهى ﴿ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ أي: ويَخافون أن يُحاسبهم اللهُ على كل ذنوبهم، ولا يَغفر لهم منها شيئًا، فحينئذٍ لا يَرجون إلا رحمته، ولا يُحسِنون الظنّ إلا به، حتى يَغفر لهم ذنوبهم ويَقبل منهم أعمالهم.




الآية 22، والآية 23، والآية 24:﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ أي: وهم الذين صبروا على الأذى، وصبروا على الطاعة، وصبروا عن المعصية (طلبًا لرضا ربهم)، ﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ أي: وأدَّوا الصلاة على أتمِّ وجوهها (بخشوعٍ واطمئنان)، ﴿ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ أي وأخرَجوا من أموالهم: (الزكاة المفروضة والصدقات المُستحَبة) ﴿ سِرًّا وَعَلَانِيَةً : أي في الخَفاء والعَلَن، ﴿ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أي: ويَدفعون السيئةَ بالحسنة فتمحوها (والمعنى أنهم يَتوبون من المعاصي، ويَجتهدون في فِعل الطاعات حتى يَمحوا بها السيئات، وكذلك يكونون حَلِيمينَ على الجُهَلاء، وصابرينَ على مَن يؤذونهم) ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ أي لهم العاقبة المحمودة في الدار الآخرة، وهي ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ أي جنات الخلود ﴿ يَدْخُلُونَهَا ويقيمون في نعيمها الدائم (الذي خَلا من التعب ومن جميع المُنَغِّصات والمُنَكِّدات)، ﴿ وَمَنْ صَلَحَ أي ومعهم الصالحونَ ﴿ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ -والذرية هي الأبناء (ذكورًا كانوا أو إناثًا) - ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ لِتَهنئتهم بدخول الجنة - قائلينَ لهم -: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ ﴾: أي سَلِمْتم مِن كل سُوءٍ بسبب صَبْركم في الدنيا، ﴿ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾: أي فنِعْمَ العاقبة المحمودة في الدار الآخرة، وهي الجنة.



الآية 25: ﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ يعني: وأمّا الأشقياء الذين لا يُوفون بعهد الله﴿ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ أي مِن بعد عَهْدِهِ الذي أخَذَهُ عليهم - بتوحيدهِ - وَهُم في ظَهر أبيهم آدم (وقد أكَّدَ سبحانه هذا العهد بإرسال الرسُل وإنزال الكُتب)، ﴿ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بعمل المعاصي ونَشْر الشرك والفساد ﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ أي لهم الطرْد من رحمة اللهِ ﴿ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾: أي لهم العاقبة السيئة في الدار الآخرة، وهي جهنم (التي يَذوقونَ فيها العذابَ الشديدَ الذي يَسُوءهم).



الآية 26:﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ يعني: اللهُ وحده الذي يُوَسِّع الرزق على مَن يشاءُ مِن عباده ﴿ وَيَقْدِرُ ﴾: أي ويُضَيِّق على مَن يَشاءُ منهم (فالتصرّف كله بيديه سبحانه، وله الحِكمةُ البالغة في تضييق الرزق وتوسعته؛ لأنه - سبحانه - الأعلمُ بما يُصلِح عباده مِن الفقر والغنى)، ﴿ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا أي: وفَرِحَ الكفار بالسعة في الحياة الدنيا (ولم يَعلموا أنّ اللهَ يُعطي الدنيا لمن يُحب ولمن لا يُحب؛ لأنها لا تساوي عنده جناح بَعوضة)، ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ يعني: وما هذه الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة إلا شيءٌ قليل (يُتمتَّعُ به قليلًا ثم يَزولُ سريعًا).



الآية 27، والآية 28:﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا : ﴿ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعني: هَلاَّ أُنزَلَ اللهُ مُعجزة مَحسوسة على محمد، كمُعجِزة موسى وعيسى، ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ من المُعاندين، فلا يَهتدون ولو رأوا جميع المُعجِزات، ﴿ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ أي: ويَهدي سبحانه - إلى دينه - مَن رجع إليه بالإيمان والطاعات، وتابَ إليه من الشرك والعِصيان، وهؤلاء هم ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا بالحق لَمَّا جاءهم ﴿ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ وتوحيده، ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ يعني: ألاَ بطاعة الله وذِكره تطمئن القلوب المؤمنة وتَأنس، وتَسعد بخالقها (واعلم أنّ أفضل الذكر هو ما كانَ باللسان مع حضور القلب، ويَجوز الذكر باللسان فقط - فالذي يَذكر خيرٌ من الذي لا يَذكر - ولكنه أقلّ درجةً مِمن يَذكر بلسانه وقلبه).



الآية 29:﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ أي لهم حياةٌ طيبة في الدنيا، ﴿ وَحُسْنُ مَآَبٍ أي: ولهم مَرجع حَسَن في الآخرة إلى جنة اللهِ ورضوانه، (واعلم أنّ طُوبَى هي شجرةٌ في الجنة، مَسِيرة مائة عام، تَخرج ثياب أهل الجنة من أكمامها، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم) (انظر حديث رقم: 3918 في صحيح الجامع).



الآية 30، والآية 31: ﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ يعني: وكما أرسلنا المُرسَلين قبلك أيها الرسول، فكذلك أرسلناكَ ﴿ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ أي قد مَضَتْ مِن قبلها أُمَم المُرسَلين، ﴿ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ : أي لتقرأ القرآنَ على هذه الأُمَّة (تذكيرًا لهم وتعليمًا، ونِذارةً وبِشارة)، ﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ أي: ولكنّ كفار قومك يَجحدون بوحدانية الرحمن واستحقاقه وحده للعبادة، ﴿ قُلْ لهم: ﴿ هُوَ رَبِّي ، ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي لا معبودَ بحق إلا هو، ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾: أي عليه اعتمدتُ وَوَثقتُ في حِفظي ونَصري وفي كل أموري ﴿ وَإِلَيْهِ مَتَابِ يعني: وإليه وحده رجوعي بالإيمان والطاعة، والدعاء عند الكرب والحاجة، وتوبتي فيما عاتبني عليه ربي.



ثم رد الله تعالى على الكافرين الذين طلبوا إنزال المُعجزات على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ يعني: ولو أننا أنزلنا قرآنًا يُقرأ، فتزول به الجبال عن أماكنها ﴿ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ ﴾: يعني أو تتشقق به الأرض أنهارًا ﴿ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى : يعني أو يَحيا به الموتى وتُكَلَّم - كما طلبوا منك - ما آمَنوا به إلا أن يَشاء الله.



وهذا يُشبه قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴾، ولذلك قال بعدها: ﴿ بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا يعني: بل للهِ وحده الأمر كله في إنزال المُعجزات وفي هداية مَن يَشاء، ﴿ أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾: يعني: أفلم يَعلم المؤمنونَ ﴿ أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا من غير مُعجِزة؟، إذًا فليَتركوا له الأمْرَ سبحانهُ يَفعل ما يشاء ويَحكم ما يريد، (واعلم أن اللفظ: "يَيْئَس" يأتي أحيانًا بمعنى "يَعلم"، وهذا في إحدى لغات العرب، وقد نزل القرآن بلُغَة العرب).



﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أي تَنزل بهم مصيبةٌ - بسبب كُفرهم - فيُصيبهم عذابها، ﴿ أَوْ تَحُلُّ ﴾: يعني أو تنزل تلك المصيبة ﴿ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ فيُصيبهم الخوف مِن تجاوُزها إليهم، ولا يزالون كذلك ﴿ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ بالنصر عليهم (كما حدث في فتح مكة) ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ، (واعلم أن القارعة هي المصيبة التي تَقرع القلوب بالخوف والفزع والهم والحزن، وقد سَمَّى اللهُ يوم القيامة بالقارعة لشدته وأهواله).



الآية 32: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ أيها الرسول كما استهزأ الكفار بدَعْوَتك ﴿ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: أي فقد أمهلتُ الكافرين المُستهزئين من الأمم السابقة حتى قامت عليهم الحُجَّة ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بعقابي، ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ؟! لقد كان شديدًا مُهلِكًا، (وفي هذا تهديدٌ ووعيدٌ لكفار قريش، وفيه أيضًا تصبير للنبي صلى الله عليه وسلم على ما يَلقاهُ مِن أذى قومه).



الآية 33، والآية 34:﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ يعني: هل الذي خلق النفس البشرية ويَرزقها ويَعلم أعمالها ويُحاسبها عليها - وهو الله سبحانه - أحَقّ أن يُعبَد، أم هذه المخلوقات العاجزة التي لا تَعلم شيئًا عن عابِدِيها؟! ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ مِن خَلْقه يَعبدونهم، ﴿ قُلْ لهم - أيها الرسول -: ﴿ سَمُّوهُمْ ﴾: أي اذكروا صفاتهم - فإنكم لن تجدوا فيها شيئًا يَجعلهم يَستحقون العبادة - ﴿ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ : يعني أم تُخبِرونَ اللهَ بشركاء في أرضه لا يَعلمهم؟! ﴿ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ ﴾: يعني أم تُسَمُّونهم "شركاء" بمجرد إطلاق اللفظ عليهم من غير أن يكون لهم حقيقة؟! ﴿ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ يعني: بل حَسَّنَ الشيطانُ للكفار قولهم الباطل وصَدَّهم عن دين الله، ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ أي فليس له أحدٌ يُوفقه إلى الحق والرشاد، ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بالقتل والأسْر والذل والفضيحة، ﴿ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ أي أثقل وأشد ﴿ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ﴾: أي وليس لهم مانع يَمنعهم من عذاب الله تعالى.



الآية 35: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ أي: وَصْف الجنة - التي وَعَدَ اللهُ بها عباده المتقين - أنها ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي أنهارُ الماء والعسل واللبن والخمر، ﴿ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا ﴾: أي طعامها لا يَنقطع، وظِلُّها لا يَزول ولا يَنقص، ﴿ تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا أي: هذه الجنة هي عاقبة الذين خافوا اللهَ فاجتنبوا معاصيه وأدَّوا فرائضه، ﴿ وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ أي وعاقبة الكافرينَ هي نار جهنم (نسألُ اللهَ العافية لنا ولإخواننا المؤمنين مِن شرِّ جهنم).



الآية 36:﴿ وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ أي: والذين أعطيناهم الكتاب من اليهود والنصارى - مِمَّن آمَنَ بك منهم - كعبدالله بن سَلام والنَجاشي ﴿ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القرآن، لمُوافقته لِمَا عندهم، ﴿ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ أي: ومِن المُتَحَزبين على الكفر ضِدَّكَ يُنكِرون بعض المُنَزَّل عليك، ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ، وهذا كقوله تعالى في آيةٍ أخرى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾، فإذا كنتم تُنكِرونَ بعض القرآن، فخُذوا منه ما لا تستطيعونَ إنكاره (وهو عدم الشرك باللهِ تعالى)، فقد كان النصارى يَتبرؤون من الشرك، وفي نفس الوقت يَعبدون عيسى عليه السلام.



وهذا مِن بلاغة القرآن: (إلزامُ الطرف الآخر بالحُجَّة)، فإنه قال لهم أولًا: (أُمِرْتُ أن أعبد الله)، لأنه لا يَختلف في ذلك أحدٌ من أهل الكتاب، ثم قال لهم بعد ذلك: (ولا أُشْرِكَ به)، وذلك لإبطال عبادتهم لعيسى عليه السلام.



ثم أمَرَه سبحانه أن يقول لهم: ﴿ إِلَيْهِ أَدْعُو ﴾: أي أدعو الناسَ إلى توحيد اللهِ وعبادته (كسائر الرسل مِن قبلي)، فأنا مأمورٌ بالدعوةِ إليه وحده بهذا القرآن، وليس لي أن أختار منه شيئًا وأترك الآخر، فليس معنى أنكم تنكرون بعضه، أن أتَّبع أهوائكم وأُبَلِّغكم ما يُرضِي أسماعكم، وإنما أُبَلِّغكم كل ما يُوحَى إليّ من ربي ﴿ وَإِلَيْهِ مَآَبِ يعني: وإليه وحده أَرجع في كل أموري، وإليه وحده مَرجعي بعد موتي فيُجازيني بما قمتُ به من الدعوة إلى دينه.



الآية 37: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا يعني: وكما أنزلنا الكتب على الأنبياء بلسان أقوامهم، فكذلك أنزلنا إليك هذا القرآن بِلُغَة العرب لتَحكُمَ به، ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ يعني: ولئن اتَّبعتُ أهواء المشركين في عبادة غير اللهِ تعالى ﴿ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ - بأنك على الحق وهُم على الباطل - ﴿ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ ﴾: أي ليس لك حينئذٍ مِن ناصرٍ يَنصرك ويَمنعك من عذاب اللهِ تعالى.



الآية 38: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً - هذا رَدٌّ مِن اللهِ تعالى على المشركين الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما لك تتزوج النساء؟)، فإنما هو بَشَرٌ كسائر الرسل مِن قبله - ﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ - وهذا رَدٌّ عليهم أيضًا عندما قالوا: (لو كانَ رسولًا لأَتَى بما طَلَبْنا من المعجزات)، فليس في استطاعة رسولٍ أن يأتي بمعجزةٍ أرادها قومه إلا بإذن الله -فـ ﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ - يعني لكل أمْرٍ مُحَدّد بوقت -: ﴿ كِتَابٌ كَتَبَ اللهُ فيه ذلك الأجل، لا يَتقدم عنه ولا يَتأخر.



الآية 39: ﴿ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ أي يَنسخ اللهُ ما يشاء من الشرائع والأحكام بحسب حاجة عباده، ويُبْقِي ما هو صالحٌ لهم ونافع، فما مَحَاهُ تعالى فهو المنسوخ، وما أبقاهُ فهو المُحكَم (وفي هذا رَدّ على إنكارهم لِنَسْخ بعض الأحكام، كاستقباله لبيت المَقدس ثم الكعبة)، فأعلَمَهم سبحانه أنه ذو إرادة ومَشيئة لا تَخضعان لإرداة الناس ومَشيئاتهم، ﴿ وَعِنْدَهُ تعالى ﴿ أُمُّ الْكِتَابِ وهو اللوح المحفوظ الذي حَوَى كل المقادير، فلا يَدخله تبديلٌ ولا تغيير، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (رُفِعَتْ الأقلام وجَفَّت الصحف).



وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن سَرّهُ أن يُبسَط له - (أي يُوَسَّع له) - في رزقه، ويُنسَأ له - (أي يُؤخَّر له) - في أجَله: فليَصِل رَحِمَه)، فهذا معناه أن اللهَ تعالى كتب في اللوح المحفوظ أن فلانًا يَصل رَحِمَه، ولذلك سأوَسِّع له في رزقه كذا، وأؤخِّر له أجَله إلى وقت كذا، (فصِلَةُ الرحم سببٌ في توسعة الرزق وطول العمر)، وكذلك الحال في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَرُدُّ القضاءَ إلا الدعاء)، فإن الدعاء سببٌ في رَد البلاء عن العبد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن مُسلم يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رَحِم، إلا أعطاهُ اللهُ بها إحدى ثلاث: إما أن يُعَجِّل له دَعْوَته، وإمّا أن يَدخِرها له في الآخرة، وإما أن يَصرف عنه من السوء مِثلها) (انظر صحيح الترغيب والترهيب ج:2).



الآية 40، والآية 41:﴿ وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ يعني: وإمَّا أن نُرِيَكَ - أيها الرسول - في حياتك بعض العقاب الذي توَعَّدْنا به أعداءك (كما حدثَ في بدر) ﴿ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل أن نُرِيَكَ ذلك فيهم: ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ﴾: أي ففي الحالتين ما عليك إلا تبليغ الدعوة، ﴿ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ والجزاء.



﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا؟ وذلك بفتح المسلمين لبلاد المشركين وإلحاقها ببلاد المسلمين، وبهذا تنقص أرض الكفر، وتزداد أرض الإيمان، ﴿ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (وذلك لأن حُكمه سبحانه مُشتمِلٌ على العدل التام، أما غَيره تعالى فقد يُصِيبُ في قوله ويُخطئ، وقد يَعدِلُ في حُكْمِهِ ويَظلم)، ﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ سَرِيعُ الْحِسَابِ فلا يَشغله شيءٌ عن آخر، ولا يُتعِبُهُ إحصاءٌ ولا عدد.



الآية 42: ﴿ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي دَبَّرَوا المَكايد لِرُسُلهم (كما فَعَلَ هؤلاء معك)، ﴿ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا أي فيُبطِلُ سبحانه مَكْرَهم، ويُعيده عليهم مِن حيث لا يشعرون، لأنه سبحانه ﴿ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ مِن خيرٍ أو شر (ومِن ذلك عِلمُهُ تعالى بمَكْرهم)، فأين مَكْرُ مَن يَعلمُ كل شيء مِن مَكْرِ مَن لا يَعلم شيئًا؟! أفلا يَفهم كفار قريش هذا فيَكُفوا عن مَكْرهم برسول اللهِ ودَعْوَتِه؟! ﴿ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ - عند لقاء ربهم يوم القيامة - ﴿ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾: أي لمن تكون العاقبة المحمودة في الدار الآخرة؟ إنها للرسل وأتْباعهم، (وفي هذا تهديدٌ ووعيدٌ للكافرين).



الآية 43: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا للنبي محمد: ﴿ لَسْتَ مُرْسَلًا : أي ما أرسلك اللهُ إلينا، ﴿ قُلْ لهم: ﴿ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فشهادته تعالى لي بالنبوَّة هي ما أعطاهُ لي من المُعجِزات الباهرات (كانشقاق القمر وغير ذلك)، وكذلك وَحْيُهُ إليَّ بهذا القرآن الذي أُنذِرُكُم به، والذي لا يستطيعُ أن يقوله بَشَر، وأنتم تعلمون ذلك لأنكم أبْلغ البَشَر، هذا أولًا، وثانيًا: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾: أي وتَكفيكم أيضًا شهادة علماء اليهود والنصارى، مِمّن آمَنَ برسالتي، واتَّبعَ الحق فصَرَّحَ بتلك الشهادة ولم يَكتمها.





[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأن ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-11-2021, 08:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,240
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الأول من سورة النحل




الآية 1، والآية 2: ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ : أي اقَترب أمْرُ اللهِ بعذابكم أيها المشركونَ ﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ : أي فلا تستعجلوا العذابَ استهزاءً بوعيدِ اللهِ لكم ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ : أي تَنَزَّهَ اللهُ وتَقَدَّسَ عن شِرك المُشركين الذي جَرَّأهم على الاستهزاء بالعذاب، (واعلم أنه سبحانه لم يقل لهم - بضمير المُخاطَب -: (عما تُشركون)، بعد أن كانَ الخطاب مُوَجَّهاً إليهم في قوله: ﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾، وذلك تهميشاً لهم، واحتقاراً لأفعالهم التي لا يَرضى عنها العقلاء).


هذا، وقد أنزل اللهُ بهم بعضَ العذاب الذي استعجلوه، فقد قَتَلَ زعمائهم المُستهزئين في بدر، ثم أصابهم القحط سبع سنين، وعَذَابُ يوم القيامة قد اقترب لمن استعجله، ولذلك عَبَّرَ عنه سبحانه بصيغة الماضي - في قوله: ﴿ أَتَى ﴾ - وذلك لتأكيد وقوعه في عِلم اللهِ تعالى واقتراب مجيئه، فإنه آتٍ لا مَحالة، وكلُّ آتٍ قريب.


ولَمَّا بَرَّأَ اللهُ نفسه عَمَّا وَصَفه به أعداؤه، ذَكَرَ الوحي الذي يَجب اتِّباعه، فقال: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ أي بالوحي الذي به حياة الأرواح والقلوب، وهذا يُشبه قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ﴾، (والمقصود بالملائكة هنا: "جبريل" عليه السلام ومَن معه مِن حَفَظَة الوحي)، إذ يَنزلون بالوحي ﴿ مِنْ أَمْرِهِ : أي بأمْر ربهم سبحانه ﴿ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ المُرسَلين، بـ ﴿ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا أي خَوِّفوا الناس مِن عاقبة الشِرك، لأنه لا معبودَ بحقٍ إلا أنا ﴿ فَاتَّقُونِ : أي فاتقوني أيها الناس بأداء فرائضي وإفرادي وحدي بالعبادة.


واعلم أنّ اللهَ تعالى قال: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ﴾، ولم يقل (بأمْره)، وذلك لأنّ الوحي من الأمور التي اختَصَّ اللهُ بها نفسه، وهذا كقوله تعالى: ﴿ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾، واللهُ أعلم.


الآية 3: ﴿ خَلَقَ سبحانه ﴿ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي ليَستدِل بهما العباد على عَظَمة خالقهما وقدرته على إحياء الموتى (لأنّ ذلك أهْوَنُ عليه سبحانه مِن خَلْق السماوات والأرض)، وبأنه وحده الخالق القادر المستحق للعبادة، ﴿ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ : أي تنزَّه - سبحانه - وتعاظَمَ عن شِركهم وافترائهم.


الآية 4: ﴿ خَلَقَ سبحانه ﴿ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أي مِن ماءٍ حقير مُستَقذَر، ثم أخرجه تعالى مِن بطن أُمِّهِ لا يَعلم شيئاً، حتى إذا رَبَّاهُ وأصبح رَجُلاً: ﴿ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ :أي فإذا به يَقْوى ويَغترُّ، ويُصبح شديد الجدال لربه في إنكار البعث وغير ذلك، كقوله: "مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟"، ونَسِيَ قدرة ربه الذي خَلَقَه من العدم.


الآية 5، والآية 6، والآية 7: ﴿ وَالْأَنْعَامَ - مِن الإبل والبقر والغنم - ﴿ خَلَقَهَا سبحانه ﴿ لَكُمْ - أيها الناس -﴿ فِيهَا دِفْءٌ : أي جعل في أصوافها وأوبارها الدفء، ﴿ وَمَنَافِعُ أُخرى في جلودها وألبانها وما يَنتج من اللبن (كالزُبد والسَمن والجُبن) وكذلك تنتفعون بأولادها، ﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ أنواعاً مختلفة من اللحوم، ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ أي: ولكم فيها زينة تُدْخل السرور عليكم، وذلك ﴿ حِينَ تُرِيحُونَ :أي عندما تَرُدُّونها إلى البيوت في المساء،﴿ وَحِينَ تَسْرَحُونَ : أي عندما تُخْرجونها للمَرعى في الصباح، ﴿ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ أي تحمل ما ثَقُلَ مِن أمتعتكم وأحمالكم﴿ إِلَى بَلَدٍ بعيدٍ ﴿ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ : أي لن تستطيعوا الوصول إليه إلا بجهدٍ شديد ومَشَقَّة عظيمة، ﴿ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ حيثُ سَخَّرَ لكم كل ما تحتاجون إليه، إذاً فاعبدوه وحده ولا تُشركوا به.


الآية 8: ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ خَلَقَها سبحانه لكم ﴿ لِتَرْكَبُوهَا ﴿ وَزِينَةً أي: ولتكون جمَالاً لكم ومَنظرًا حسنًاً، ﴿ وَيَخْلُقُ سبحانه ﴿ مَا لَا تَعْلَمُونَ مِن وسائل الركوب وغيرها (ويَدخل في ذلك: السيارات والقطارات والطائرات والغواصات، إذ هو سبحانه الذي خَلَقَ مَصدر صُنعها، وهو الحديد، ثم عَلَّمَ الإنسانَ كيف يَصنعها)، وذلك لتزدادوا إيمانًاً به وشُكراً له.


واعلم أنّ هناك خلافٌ بين العلماء في جواز أكْل لحوم الخيل، والراجح: جواز أكْلها (وهو رأي الجمهور)، لحديث أسماء رضي الله عنها - كما في صحيح مسلم - أنها قالت: (فجَزَرنا - أي ذَبَحنا - فرَسَاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة وأكلناه ).


الآية 9: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ أي: وعلى اللهِ إيضاحُ الطريق المستقيم لِهدايتكم، وهو الإسلام، ﴿ وَمِنْهَا جَائِرٌ أي: ومن الطرق ما هو مائل لا يُوصل إلى الهداية (وهو كل ما خالَفَ الإسلام)، ﴿ وَلَوْ شَاءَ سبحانه﴿ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ للإسلام، ولكنه لم يَشأ ذلك لحكمةٍ يَعلمها، ولذلك هَدَى سبحانه مَن رَغَبَ في الهداية واتَّبع أسبابها، وأضَلَّ مَن رغب في الضَلال واتَّبع أسبابه.


الآية 10، والآية 11: ﴿ هُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴿ لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ أي ماءٌ تشربونه وتتطهرون به، ﴿ وَمِنْهُ شَجَرٌ : أي وأخرج لكم بهذا الماء شجرًا (والمقصود بالشجر هنا: جميع النباتات، حيثُ يَتوقف وجودها على الماء)، ﴿ فِيهِ تُسِيمُونَ : أي تَرْعَوْن مَوَاشيكم في هذا النبات، ﴿ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ أي بهذا الماء الواحد: ﴿ الزَّرْعَ أي الزروع المختلفة ﴿ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ أنواع﴿ الثَّمَرَاتِ ، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ الإنبات ﴿ لَآَيَةً أي دلالة واضحة على قدرته تعالى، وقد جعل سبحانه هذه الدلالة ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ أي يَتأملون، فيَعلموا أنه سبحانه الخالق الرازق المستحق وحده للعبادة.


ورغم أنّ الزيتون والتمر والعنب مِن ضِمن الثمرات، إلا إنه سبحانه قد ذَكَرها منفصلة، لإظهار فوائدها ومنافعها (وهذا مِن باب ذِكر العام على الخاص لإظهار فضل الشيئ وشَرَفه)، واللهُ أعلم.


الآية 12: ﴿ وَسَخَّرَ سبحانه ﴿ لَكُمُ اللَّيْلَ لراحتكم، ﴿ وَالنَّهَارَ لمعاشكم، (والمقصود مِن تسخيرهما: كَونهما مَوجودين باستمرار لا يَفترقان أبداً إلى أن يَأذن اللهُ بانتهائهما)، ﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ سَخّرَهما سبحانه لكم لمعرفة الأيام والشهور، وإضاءة الأرض، وغير ذلك من المنافع، ﴿ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ أي مُذلَّلاتٌ لكم بأمْر اللهِ وقدرته، وذلك لمعرفة الأوقات، ونُضج الثمرات، والاهتداء بها في الظلمات، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ التسخير ﴿ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أي يَعقلون عن اللهِ أدلته وبراهينه، إذ إنه لا يُعقَلُ أبدًا أن يَخلُقَ سبحانه ويُعبَد غيرُه، وأن يَرزُقَ ويُشكَر غيرُه!


واعلم أنّ الواو التي قبل كلمة (النجوم) تُسمَّى: (واو الابتداء)، يعني كأنها تبدأ جُملة جديدة، فلذلك جاءت كلمة (النجوم) مرفوعة (لأنها مبتدأ)، ولم تأت مَنصوبة مِثل مَن قبلها (لأنها لم تُعطَف عليهم).


الآية 13: ﴿ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ أي: وَسَخَّرَ لكم ما خَلَقَه في الأرض - من المَواشي والثمار والمعادن - وغير ذلك مما تختلف ألوانه ومنافعه، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ الخَلق واختلاف الألوان والمنافع ﴿ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ أي لَعِبرةً لقوم يَتعظون، ويَعلمون أنَّ في تسخير هذه الأشياء علاماتٍ على وحدانية اللهِ وقدرته، فيَعبدوه وحده ولا يُشرِكوا به.


الآية 14: ﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي سَخَّرَ لكم ﴿ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا من الأسماك وغيرها ﴿ وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً أي زينةً ﴿ تَلْبَسُونَهَا أي تلبسها نساؤكم (كاللؤلؤ وغيره)، (واعلم أنّ المقصود مِن تسخير البحر: هو تمكين البشر من التصرف فيه، وتذليله لهم بالركوب، وتيسير الغوص - لاستخراج اللآلئ - وصيد الأسماك وغير ذلك، فهي نعمة عظيمة، وإلاّ، فلو شاءَ سبحانه لَسَلّطَ البحر عليهم فأغرقهم)، ﴿ وَتَرَى الْفُلْكَ أي ترى السفن العظيمة - رغم ثِقَلها - ﴿ مَوَاخِرَ فِيهِ : أي تَشُقّ الماء ذهاباً ومَجيئاً، لتحملكم وتحمل أثقالكم ﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي: وتركبونها لتطلبوا رِزقَ اللهِ بالتجارة والربح فيها (وذلك بنقل البضائع والسِلَع من بلدٍ إلى آخر) ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ربكم على هذه النعم العظيمة، ولا تعبدون معه غيره.


الآية 15، والآية 16: ﴿ وَأَلْقَى أي وَوَضَعَ سبحانه﴿ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أي جبالاً راسية لتُثَبِّت الأرض﴿ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ : أي حتى لا تميل بكم وتتحرك (إذ لو تَحَرَّكَتْ بكم: ما استقامَ العيشُ عليها، ولَتَهَدَّمَ ما عليها وتَساقط)، ﴿ وَأَنْهَارًا أي: وجعل في الأرض أنهارًا لسُقياكم وسُقيا دَوَابِّكم وزروعكم وغير ذلك مِن منافعكم، ﴿ وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي:وجعل في الأرض طُرُقًاً لتهتدوا بها في الوصول إلى الأماكن التي تقصدونها، ﴿ وَعَلَامَاتٍ : أي وجعل في الأرض علاماتٍ تَستدلُّون بها على الطُرُق نهارًا (كالهِضاب والأوْدية والأشجار وغير ذلك)، ﴿ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أي: كما جعل النجوم ليَهتدي بها المسافرون ليلاً، (فرُكَّاب البحر لا يَعرفون اتجاه سَيْرهم في الليل إلا بالنجوم، وكذلك المسافرون في الصحارى، وذلك قبل وجود آلة (البوصلة) والتي لم توجد إلا على ضوء النجم وهدايته).


الآية 17: ﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ : يعني أتجعلون اللهَ تعالى - الذي يَخلق هذه الأشياء وغيرها - كالآلهة المزعومة التي لا تخلق شيئًا، وتعبدونها معه؟! ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ : يعني أفلا تتذكرون عَظَمَة اللهِ تعالى، فتتوبوا إليه وتُسلِموا له؟!


الآية 18: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا : يعني: وإن تعُدُّوا نِعَم اللهِ عليكم لا تستطيعوا حَصْرَها ولا القيام بشُكرها; وذلك لكثرتها وتنوُّعها (لِذا فتذكَّروا نِعَمَهُ سبحانه، واشكروه عليها، مع استشعاركم - أثناء الشكر - بعَجْزكم عن القيام بشُكره كما يَجب)، واستخدِموا نِعَمَهُ في طاعته ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ إذ يَتجاوز عن تقصيركم في أداء شُكر النعم، ولا يَقطعها عنكم لتفريطكم، ولا يُعاجلكم بالعقوبة.


الآية 19: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ أي يَعلم سبحانه ما تتحدثون به سِرَّاً وما تُخفونه في نفوسكم ﴿ وَمَا تُعْلِنُونَ أي: ويَعلم سبحانه ما تُظهِرونه لغيركم، (ومِن ذلك أنّ اللهَ عليمٌ بما يُدَبِّرُه المشركون مِن الشر والأذى لرسوله صلى الله عليه وسلم، فالآية تَحمل أيضاً تهديداً ووعيداً لكفار مكة).


الآية 20، والآية 21: ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا يعني: والآلهة المزعومة التي يَعبدها المشركون لا تَخلق شيئًا (وإنْ صَغُر)، ﴿ وَهُمْ يُخْلَقُونَ يعني: بل هي مخلوقات صَنَعَها الكفار بأيديهم، فكيف إذاً يَعبدونهم وهم يَعلمون أنهم ﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ أي جمادات لا حياةَ فيها؟! ﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ أي: ولا تَشعر هذه الأصنام بالوقت الذي يَبعثها اللهُ فيه هي وعابديها، ليُلقَى بهم جميعاً في النار يوم القيامة.


الآية 22، والآية 23: ﴿ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ يعني: إلهكم المستحق وحده للعبادة هو اللهُ الواحد الأحد، (والعبادُ قسمان: قِسمٌ مؤمن بهذه الوحدانية، وقِسمٌ جاحد بها رغم وضوح الأدلة وقوَّتها) ﴿ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ هم الذين﴿ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ لهذه الوحدانية، ﴿ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ أي يَتكبرون عن قبول الحق، وعبادة اللهِ وحده، و﴿ لَا جَرَمَ أي حَقًا ولا شك ﴿ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ أي يَعلم ما يُخفونه مِن عقائد وأقوال وأفعال وما يُظهرونه منها، وسيُجازيهم على ذلك كله ﴿ إِنَّهُ سبحانه ﴿ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ .


واعلم أنّ اللهَ تعالى قد خَصَّ الذين لا يؤمنون بالآخرة بأنهم هم المُنكِرون للوحدانية - عندما قال:﴿ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ ﴾ - وذلك لعدم خوفهم من العقاب في الآخرة، إذ لو آمنوا باليوم الآخر (الذي هو يوم الجزاء على أعمالهم)، ولو تَخَلَّوا عن أهوائهم وشهواتهم، وخافوا عقابَ اللهِ تعالى: لاَستقاموا على الحق والخير.


الآية 24، والآية 25: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ يعني: وإذا جاءَ أُناسٌ من بلادٍ أخرى ليَسألوا عن الإسلام، فقابلوا هؤلاء المشركين وسألوهم عن القرآن: ﴿ قَالُوا لهم: إنه ﴿ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي قصص السابقين وأباطيلهم، (وهذا مِن جَهلهم وعِنادهم، وإلاَّ، فكيف يكون هذا الكتاب المُشتمل على الحق والعدل التام، أساطيرَ الأولين؟!)، فكانوا بذلك يَصرفون الناس عن الإسلام ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أي لتكون عاقبة افترائهم أن يَحملوا ذنوبهم كاملةً يوم القيامة - لا يُغْفَرُ لهم منها شيء - ﴿ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ أي: وكذلك سيَحملون مِن ذنوب الذين كَذَبوا عليهم وأضَلُّوهم، ليُبعدوهم عن الإسلام ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي: وهم لا يَعلمون أنّ مَن دَعا إلى ضَلالة، كان عليه ذنب مَن عَمِلَ بها إلي يوم القيامة،﴿ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ : أي قَبُحَ ما يَحملونه من الذنوب، لأنها ستقودهم إلى نار جهنم ليُعَذَّبوا فيها.


واعلم أنّ اللام التي في قوله تعالى: ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ ﴾ تسمى: (لام العاقبة)، أي: لتكون عاقبتهم أن يَحملوا ذنوبهم، وهذا مِثل قوله تعالى: ﴿ فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾.


الآية 26: ﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: لقد دَبَّرَ الكفار السابقين المَكايد لرُسُلهم ﴿ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ : أي فهَدَمَ اللهُ تعالى بُنيانهم مِن أُسُسِه وقواعده، (وهذا كقول العرب: (أتَى عليه الدهر) أى: أهلكه وأفناه، وكما تقول أيضاً: (لقد أُتِيَ فلانٌ مِن مَأمنه) أى نَزَلَ به الهلاك)، أمّا إتيانُ اللهِ تعالى يوم القيامة فيكونُ إتيَانًا حقيقيًّا بذاتِهِ على الوَجْهِ اللائق بهِ سُبحانه، ففي صحيح مُسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال - وهو يتحدث عن يوم القيامة -: (حتى إذا لم يَبْقَ إلاَّ مَن كان يَعْبُدُ اللَّهَ تعالى مِن بَرٍّ وفاجر: أتاهم رَبُّ العالمين سبحانه وتعالى في أدنَى صورةٍ مِن التي رأوهُ فيها).


﴿ فَخَرَّ أي فسقط﴿ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴿ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ أي: وبذلك قد جاءهم الهلاك - وهم في مَأمنهم - مِن حيثُ لا يتوقعون، وذهب باطلهم وزالَ مَكْرُهم (أفلا يَتعظ كفار قريش بهذا فيَنتهوا عن تدبير السُوءَ لنَبِيِّهم بالقتل أو النفي أو الحبس؟).


الآية 27، والآية 28، والآية 29: ﴿ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ أي يُذِلُّهم اللهُ بالعذاب يوم القيامة ﴿ وَيَقُولُ لهم - توبيخاً -:﴿ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الذين عبدتموهم مِن دُوني، و﴿ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ : أي كنتم تحاربون الأنبياء والمؤمنين مِن أجْلهم، فأين هم الآن ليَدفعوا عنكم العذاب؟، وحينئذٍ ﴿ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أي قال الأنبياء والعالمون: ﴿ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ : يعني إن الذل في هذا اليوم والعذاب سيَكونُ على الكافرين ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ أي تقبض الملائكة أرواحهم وهم ﴿ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ بالكفر والمعاصي، ﴿ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ : أي فاستسْلَموا لأمْر اللهِ حينَ رأوا الموت، وأنكَروا ما كانوا يَعبدونَ مِن دون الله، فقالوا: ﴿ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ : أي ما كنا نعمل شيئًا من الشِرك والمعاصي، فيُقال لهم: ﴿ بَلَى أي كَذَبْتم، فـ ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، وسيُجازيكم على أعمالكم، ﴿ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ﴿ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ يعني:فإنّ جهنم هي بئس المُستقَرّ للذين تكبَّروا عن عبادة اللهِ وحده.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 140.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 138.18 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (1.55%)]