تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 250 - عددالزوار : 4502 )           »          خطبة جمعة عن الهواتف والإنترنت ووسائل التواصل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          خطبة الاستسقاء 1447 هـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          في ظلال آية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          بلزوم الاستغفار والدعاء يدوم الخير والرخاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الجنة ونعيمها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          ظاهرة كسب المال الحرام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          من الفائز؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          الداخلون الجنة بغير حساب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الذين يصلي عليهم الله وتصلي عليهم الملائكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-07-2021, 05:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,889
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
الحلقة (14)

سُورَةُ الْبَقَرَةِ (13)

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ )

لَمْ يُصَرِّحْ هُنَا بِالْمُرَادِ بِمَا كَسَبَتْهُ قُلُوبُهُمْ ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا حَنِثَ ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي سُورَةِ " الْمَائِدَةِ " أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا كَسَبَتِ الْقُلُوبُ ، هُوَ عَقْدُ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْدِ ، وَبَيَّنَ أَنَّ اللَّازِمَ فِي ذَلِكَ إِذَا حَنِثَ كَفَّارَةٌ ، هِيَ : إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ فَصَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ الْآيَةَ [ 5 \ 89 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ) ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ شُمُولُهَا لِجَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ خُرُوجَ بَعْضِ الْمُطَلَّقَاتِ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ ، كَالْحَوَامِلِ الْمَنْصُوصِ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهُنَّ وَضْعُ الْحَمْلِ ، فِي قَوْلِهِ : وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [ 65 \ 4 ] وَكَالْمُطَلَّقَاتِ قَبْلَ الدُّخُولِ الْمَنْصُوصِ عَلَى أَنَّهُنَّ لَا عِدَّةَ عَلَيْهِنَّ أَصْلًا ، بِقَوْلِهِ : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [ 33 \ 49 ] .

أَمَّا اللَّوَاتِي لَا يَحِضْنَ ، لِكِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فِي قَوْلِهِ : وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [ 65 \ 4 ] .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فِيهِ إِجْمَالٌ ; لِأَنَّ الْقُرْءَ يُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْحَيْضِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ " . وَيُطْلَقُ الْقُرْءُ لُغَةً أَيْضًا عَلَى الطُّهْرِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى : [ الطَّوِيلِ ]
أَفِي كُلِّ يَوْمٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا


[ ص: 97 ]
مُوَرِّثَةٍ مَالًا وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةً لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا


وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَرْءَ الَّذِي يَضِيعُ عَلَى الْغَازِي مِنْ نِسَائِهِ هُوَ الطُّهْرُ دُونَ الْحَيْضِ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْقُرُوءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، هَلْ هُوَ الْأَطْهَارُ أَوِ الْحَيْضَاتُ ؟

وَسَبَبُ الْخِلَافِ اشْتِرَاكُ الْقَرْءِ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرْءِ فِي الْآيَةِ الطُّهْرُ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ ، وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، وَمِمَّنْ قَالَ : بِأَنَّ الْقُرُوءَ الْحَيْضَاتُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْأَرْبَعَةُ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَأَبُو مُوسَى ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعَيْنِ وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْ أَحْمَدَ .

وَاحْتَجَّ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ بِكِتَابٍ وَسُنَّةٍ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّنَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ نُرَجِّحُ مَا يَظْهَرُ لَنَا أَنَّ دَلِيلَهُ أَرْجَحُ أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا الْقُرُوءُ الْحَيْضَاتُ ، فَاحْتَجُّوا بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ قَالُوا : فَتَرْتِيبُ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْعِدَّةِ بِالْحَيْضِ ، وَالْأَشْهُرُ بَدَلٌ مِنَ الْحَيْضَاتِ عِنْدَ عَدَمِهَا ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ : وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [ 2 \ 228 ] .

قَالُوا : هُوَ الْوَلَدُ أَوِ الْحَيْضُ ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ " دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ " قَالُوا : إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مُبَيِّنُ الْوَحْيِ وَقَدْ أَطْلَقَ الْقَرْءَ عَلَى الْحَيْضِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ اعْتِدَادِ الْأَمَةِ بِحَيْضَتَيْنِ ، وَحَدِيثِ اسْتِبْرَائِهَا بِحَيْضَةٍ .

وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : الْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ ، فَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [ 65 \ 1 ] قَالُوا : عِدَّتُهُنَّ الْمَأْمُورُ بِطَلَاقِهِنَّ لَهَا ، الطُّهْرُ لَا الْحَيْضُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْآيَةِ ، وَيَزِيدُهُ إِيضَاحًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ : " فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ " قَالُوا : إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ، بِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ ، مُبَيِّنًا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَهُوَ نَصٌّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ .

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ دَلِيلَ هَؤُلَاءِ هَذَا - فَصْلٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ - [ ص: 98 ] لِأَنَّ مَدَارَ الْخِلَافِ هَلِ الْقُرُوءُ الْحَيْضَاتُ أَوِ الْأَطْهَارُ ؟ وَهَذِهِ الْآيَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلَّا عَلَى أَنَّهَا الْأَطْهَارُ .

وَلَا يُوجَدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ يُقَاوِمُ هَذَا الدَّلِيلَ ، لَا مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الصَّرَاحَةِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ; لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَذْكُورٌ فِي مَعْرِضِ بَيَانِ مَعْنَى آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .

وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْعِدَّةُ مُبَيِّنًا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُرَادُ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا ، بِقَوْلِهِ : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ، فَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَتِلْكَ الْعِدَّةُ " رَاجِعَةٌ إِلَى حَالِ الطُّهْرِ الْوَاقِعِ فِيهِ الطَّلَاقُ ; لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا " أَيْ : فِي حَالِ كَوْنِهَا طَاهِرًا ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَالَ الَّذِي هُوَ الطُّهْرُ هُوَ الْعِدَّةُ مُصَرِّحًا بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُرَادُ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ ، وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعِدَّةَ بِالطُّهْرِ . وَأَنَّثَ بِالْإِشَارَةِ لِتَأْنِيثِ الْخَبَرِ ، وَلَا تَخَلُّصَ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ لِمَنْ يَقُولُ هِيَ الْحَيْضَاتُ إِلَّا إِذَا قَالَ : الْعِدَّةُ غَيْرُ الْقُرُوءِ ، وَالنِّزَاعُ فِي خُصُوصِ الْقُرُوءِ كَمَا قَالَ بِهَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ .

وَهَذَا الْقَوْلُ يَرُدُّهُ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ ، عَلَى أَنَّ عِدَّةَ مَنْ تَعْتَدُّ بِالْقُرُوءِ هِيَ نَفْسُ الْقُرُوءِ لَا شَيْءَ آخَرَ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [ 65 \ 1 ] وَهِيَ زَمَنُ التَّرَبُّصِ إِجْمَاعًا ، وَذَلِكَ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ، الَّتِي هِيَ مَعْمُولُ قَوْلِهِ تَعَالَى : يَتَرَبَّصْنَ [ 2 \ 228 ] فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ شَيْئًا يُسَمَّى الْعِدَّةَ زَائِدًا عَلَى ثَلَاثَةِ الْقُرُوءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْبَتَّةَ ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ .
وَفِي الْقَامُوسِ : وَعِدَّةُ الْمَرْأَةِ أَيَّامُ أَقْرَائِهَا ، وَأَيَّامُ إِحْدَادِهَا عَلَى الزَّوْجِ ، وَهُوَ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْعِدَّةَ هِيَ نَفْسُ الْقُرُوءِ لَا شَيْءَ زَائِدٌ عَلَيْهَا ، وَفِي اللِّسَانِ : وَعِدَّةُ الْمَرْأَةِ أَيَّامُ أَقْرَائِهَا ، وَعِدَّتُهَا أَيْضًا أَيَّامُ إِحْدَادِهَا عَلَى بَعْلِهَا ، وَإِمْسَاكُهَا عَنِ الزِّينَةِ شُهُورًا كَانَ أَوْ أَقْرَاءً أَوْ وَضْعُ حَمْلٍ حَمَلَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا .

فَهَذَا بَيَانٌ بَالِغٌ مِنَ الصِّحَّةِ وَالْوُضُوحِ وَالصَّرَاحَةِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ، مَا لَا حَاجَةَ مَعَهُ إِلَى كَلَامٍ آخَرَ . وَتُؤَيِّدُهُ قَرِينَةُ زِيَادَةِ التَّاءِ فِي قَوْلِهِ : ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ لِدَلَالَتِهَا عَلَى تَذْكِيرِ الْمَعْدُودِ وَهُوَ الْأَطْهَارُ ; لِأَنَّهَا مُذَكَّرَةٌ وَالْحَيْضَاتُ مُؤَنَّثَةٌ .

وَجَوَابُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَنْ هَذَا بِأَنَّ لَفْظَ الْقُرْءِ مُذَكَّرٌ وَمُسَمَّاهُ مُؤَنَّثٌ وَهُوَ الْحَيْضَةُ ، [ ص: 99 ] وَأَنَّ التَّاءَ إِنَّمَا جِيءَ بِهَا مُرَاعَاةً لِلَّفْظِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ لَا لِلْمَعْنَى الْمُؤَنَّثِ .

يُقَالُ فِيهِ : إِنَّ اللَّفْظَ إِذَا كَانَ مُذَكَّرًا ، وَمَعْنَاهُ مُؤَنَّثًا لَا تَلْزَمُ التَّاءُ فِي عَدَدِهِ ، بَلْ تَجُوزُ فِيهِ مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى ، فَيُجَرَّدُ الْعَدَدُ مِنَ التَّاءِ كَقَوْلِ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ : [ الطَّوِيلِ ]
وَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْتُ أَتَّقِي ثَلَاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ وَمَعْصِرُ


فَجَرَّدَ لَفْظَ الثَّلَاثِ مِنَ التَّاءِ ; نَظَرًا إِلَى أَنَّ مُسَمَّى الْعَدَدِ نِسَاءً ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ الشَّخْصِ الَّذِي أَطْلَقَهُ عَلَى الْأُنْثَى مُذَكَّرٌ ، وَقَوْلِ الْآخَرِ : [ الطَّوِيلِ ]
وَإِنَّ كِلَابًا هَذِهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ قَبَائِلِهَا الْعَشْرِ


فَمُجَرَّدُ الْعَدَدِ مِنَ التَّاءِ مَعَ أَنَّ الْبَطْنَ مُذَكَّرٌ ; نَظَرًا إِلَى مَعْنَى الْقَبِيلَةِ ، وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ ، كَقَوْلِهِ : [ الْوَافِرِ ]
ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ وَثَلَاثُ ذَوْدٍ لَقَدْ عَالَ الزَّمَانُ عَلَى عِيَالِي


فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ لَفْظَ الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّ الْأَنْفُسَ مُؤَنَّثَةٌ لَفْظًا ; نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنْفُسُ ذُكُورٍ ، وَتَجُوزُ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ فَيُجَرَّدُ مِنَ التَّاءِ فِي الْأَخِيرِ ، وَتَلْحَقُهُ التَّاءُ فِي الْأَوَّلِ ، وَلُحُوقُهَا إِذَنْ مُطْلَقُ احْتِمَالٍ ، وَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ دُونَ قَرِينَةٍ تُعِينُهُ ، بِخِلَافِ عَدَدِ الْمُذَكَّرِ لَفْظًا وَمَعْنًى ، كَالْقُرْءِ بِمَعْنَى الطُّهْرِ ، فَلُحُوقُهَا لَهُ لَازِمٌ بِلَا شَكٍّ ، وَاللَّازِمُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ مِنَ الْمُحْتَمَلِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ بَدَلًا عَنْهُ ، وَلَمْ تَدُلَّ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ كَمَا تَرَى .

فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي تَذْكِيرِ وَاحِدِ الْمَعْدُودِ وَتَأْنِيثِهِ إِنَّمَا هِيَ بِاللَّفْظِ ، وَلَا تَجُوزُ مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى إِلَّا إِذَا دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ ، أَوْ كَانَ قَصَدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَثِيرًا ، وَالْآيَةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا لَيْسَ فِيهَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ ، قَالَ الْأَشْمُونِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ : [ الرَّجَزِ ]
ثَلَاثَةٌ بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ


فِي الضِّدِّ جَرِّدْ إِلَخْ . . . مَا نَصُّهُ : الثَّانِي اعْتِبَارُ التَّأْنِيثِ فِي وَاحِدِ الْمَعْدُودِ إِنْ كَانَ اسْمًا فَبِلَفْظِهِ ، تَقُولُ : ثَلَاثَةُ أَشْخُصٍ ، قَاصِدًا " نِسْوَةٍ " ، وَثَلَاثُ أَعْيُنٍ قَاصِدًا " رِجَالٍ " ; لِأَنَّ لَفْظَ شَخْصٍ مُذَكَّرٌ ، وَلَفْظُ عَيْنٍ مُؤَنَّثٌ ، هَذَا مَا لَمْ يَتَّصِلُ بِالْكَلَامِ مَا يُقَوِّي الْمَعْنَى ; أَوْ يَكْثُرْ فِيهِ قَصْدُ الْمَعْنَى . فَإِنِ اتَّصَلَ بِهِ ذَلِكَ جَازَ مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى ، فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ : [ ص: 100 ]
ثَلَاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ وَمُعْصِرُ


وَكَقَوْلِهِ : وَإِنَّ كِلَابًا . . الْبَيْتَ .

وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ :
ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ وَثَلَاثُ ذَوْدٍ
. ا هـ مِنْهُ .

وَقَالَ الصَّبَّانُ فِي " حَاشِيَتِهِ " عَلَيْهِ : وَبِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ يَرُدُّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ [ 2 \ 228 ] . بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [ 24 \ 4 ] عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ لَا الْحَيْضُ ، وَعَلَى أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ ; لِأَنَّ الْحَيْضَ جَمْعُ حَيْضَةٍ ; فَلَوْ أُرِيدَ الْحَيْضُ لَقِيلَ ثَلَاثٌ ، وَلَوْ أُرِيدَ النِّسَاءُ لَقِيلَ بِأَرْبَعٍ .

وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا اللَّفْظُ ، وَلَفْظُ قُرْءٍ وَشَهِيدٍ مُذَكَّرَيْنَ ، مِنْهُ بِلَفْظِهِ .

فَالْجَوَابُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا خِلَافَ التَّحْقِيقِ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ اسْتِقْرَاءُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ جَوَازُ مُرَاعَاةِ الْمَعْنَى مُطْلَقًا ، وَجَزَمَ بِجَوَازِ مُرَاعَاةِ الْمَعْنَى فِي لَفْظِ الْعَدَدِ ابْنُ هِشَامٍ ، نَقَلَهُ عَنْهُ السُّيُوطِيُّ ، بَلْ جَزَمَ صَاحِبُ " التَّسْهِيلِ " وَشَارِحُهُ الدَّمَامِينِيُّ : بِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْمَعْنَى فِي وَاحِدِ الْمَعْدُودِ مُتَعَيِّنَةٌ .

قَالَ الصَّبَّانُ فِي " حَاشِيَتِهِ " ، مَا نَصُّهُ : قَوْلُهُ فَبِلَفْظِهِ ظَاهِرُهُ : أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ ، وَيُخَالِفُهُ مَا نَقَلَهُ السُّيُوطِيُّ عَنِ ابْنِ هِشَامٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ مَا كَانَ لَفْظُهُ مُذَكَّرًا ، وَمَعْنَاهُ مُؤَنَّثًا ، أَوْ بِالْعَكْسِ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ ا ه .

وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا مَا فِي " التَّسْهِيلِ " وَشَرْحِهِ لِلدَّمَامِينِيِّ . وَعِبَارَةُ " التَّسْهِيلِ " تَحْذِفُ تَاءَ الثَّلَاثَةِ وَأَخَوَاتِهَا ، إِنْ كَانَ وَاحِدُ الْمَعْدُودِ مُؤَنَّثَ الْمَعْنَى حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا .

قَالَ الدَّمَامِينِيُّ : اسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْوَاحِدِ بِالْمَعْنَى لَا بِاللَّفْظِ ، فَلِهَذَا يُقَالُ : ثَلَاثَةُ طَلَحَاتٍ ، ثُمَّ قَالَ فِي " التَّسْهِيلِ " وَرُبَّمَا أُوِّلَ مُذَكَّرٌ بِمُؤَنَّثٍ ، وَمُؤَنَّثٌ بِمُذَكَّرٍ ، فَجِيءَ بِالْعَدَدِ عَلَى حَسَبِ التَّأْوِيلِ ، وَمَثَّلَ الدَّمَامِينِيُّ الْأَوَّلَ بِنَحْوِ ثَلَاثِ شُخُوصٍ ، يُرِيدُ نِسْوَةً وَعَشْرِ وَأَبْطُنَ يُرِيدُ قَبَائِلَ .

وَالثَّانِي بِنَحْوِ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ ؛ أَيْ : أَشْخَاصٍ وَتِسْعَةِ وَقَائِعَ أَيْ : مَشَاهِدَ ، فَتَأَمَّلْ . انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ . وَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ " التَّسْهِيلِ " وَشَارِحُهُ ، مِنْ تَعَيُّنِ مُرَاعَاةِ الْمَعْنَى ، يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَيُّنُ كَوْنِ الْقُرْءِ فِي الْآيَةِ هُوَ الطُّهْرُ ، كَمَا ذَكَرْنَا .

وَفِي " حَاشِيَةِ الصَّبَّانِ " أَيْضًا مَا نَصُّهُ : قَوْلُهُ جَازَ مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ [ ص: 101 ] ذَلِكَ لَيْسَ قِيَاسِيًّا ، وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ هِشَامٍ وَغَيْرِهِ ، مِنْ أَنَّ مَا كَانَ لَفْظُهُ مُذَكَّرًا وَمَعْنَاهُ مُؤَنَّثًا أَوْ بِالْعَكْسِ ، يَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَيْ : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُرَجِّحٌ لِلْمَعْنَى ، وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ [ التَّسْهِيلِ ] وَشَرْحِهِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمَعْنَى ، فَتَأَمَّلْ . ا ه مِنْهُ .

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّهَا الْحَيْضَاتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ الْآيَةَ [ 65 \ 4 ] ، فَيُقَالُ فِيهِ : إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُعَيِّنُ أَنَّ الْقُرُوءَ الْحَيْضَاتُ ; لِأَنَّ الْأَقْرَاءَ لَا تُقَالُ فِي الْأَطْهَارِ إِلَّا فِي الْأَطْهَارِ الَّتِي يَتَخَلَّلُهَا حَيْضٌ ، فَإِنْ عُدِمَ الْحَيْضُ عُدِمَ مَعَهُ اسْمُ الْأَطْهَارِ ، وَلَا مَانِعَ إِذَنْ مِنْ تَرْتِيبِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهَرِ عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ مَعَ كَوْنِ الْعِدَّةِ بِالطُّهْرِ ; لِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُرَادَ يَلْزَمُهُ وُجُودُ الْحَيْضِ وَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ ، فَانْتِفَاءُ الْحَيْضِ يَلْزَمُهُ انْتِفَاءُ الْأَطْهَارِ فَكَأَنَّ الْعِدَّةَ بِالْأَشْهُرِ مُرَتَّبَةٌ أَيْضًا عَلَى انْتِفَاءِ الْأَطْهَارِ ، الْمَدْلُولُ عَلَّهُ بِانْتِفَاءِ الْحَيْضِ . وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِآيَةٍ : وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ فَهُوَ ظَاهِرُ السُّقُوطِ ; لِأَنَّ كَوْنَ الْقُرُوءِ الْأَطْهَارُ لَا يُبِيحُ لِلْمُعْتَدَّةِ كَتْمَ الْحَيْضِ ; لِأَنَّ الْعِدَّةَ بِالْأَطْهَارِ لَا تُمَكَّنُ إِلَّا بِتَخَلُّلِ الْحَيْضِ لَهَا ، فَلَوْ كَتَمَتِ الْحَيْضَ لَكَانَتْ كَاتِمَةً انْقِضَاءَ الطُّهْرِ ، وَلَوِ ادَّعَتْ حَيْضًا لَمْ يَكُنْ كَانَتْ كَاتِمَةً ; لِعَدَمِ انْقِضَاءِ الطُّهْرِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ .

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ " دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ " فَيُقَالُ فِيهِ : إِنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ الْبَتَّةَ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ ; لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ يُطْلَقُ عَلَى الْحَيْضِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ .

أَمَّا كَوْنُهُ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ إِطْلَاقِ الْقُرْءِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى الطُّهْرِ فَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا نِزَاعٍ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْقَائِلِينَ : بِوُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ فِي : أَنَّ إِطْلَاقَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ فِي مَوْضِعٍ ، لَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَنْعُ إِطْلَاقِهِ عَلَى مَعْنَاهُ الْآخَرِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .

أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الْعَيْنِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ مَثَلًا ، فَهَلْ تَقُولُ إِنَّ إِطْلَاقَهُ تَعَالَى لَفْظَ الْعَيْنِ عَلَى الْبَاصِرَةِ فِي قَوْلِهِ : وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ الْآيَةَ [ 5 \ 45 ] يَمْنَعُ إِطْلَاقَ الْعَيْنِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى الْجَارِيَةِ ، كَقَوْلِهِ : فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ [ 88 \ 12 ] .

وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ ، أَوْ مَعَانِيهِ فِي الْحَالِ الْمُنَاسِبَةِ لِذَلِكَ ، وَالْقُرْءُ فِي حَدِيثِ " دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ " مُنَاسِبٌ لِلْحَيْضِ [ ص: 102 ] دُونَ الطُّهْرِ ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ إِنَّمَا تُتْرَكُ فِي وَقْتِ الْحَيْضِ دُونَ وَقْتِ الطُّهْرِ .

وَلَوْ كَانَ إِطْلَاقُ الْمُشْتَرَكِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ يُفِيدُ مَنْعَ إِطْلَاقِهِ عَلَى مَعْنَاهُ الْآخَرِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، لَمْ يَكُنْ فِي اللُّغَةِ اشْتَرَاكٌ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ كُلُّ مَا أَطْلَقَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا مَنَعَ إِطْلَاقَهُ لَهُ عَلَى الْآخَرِ ، فَيُبْطِلُ اسْمَ الِاشْتِرَاكِ مِنْ أَصْلِهِ مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا تَصْرِيحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ : " بِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْعِدَّةُ " وَكُلُّ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ حَدِيثِ " دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ " لِأَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ ضَعَّفَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَهُ .

وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَعْضَ طُرُقِهِ لَا يَقِلُّ عَنْ دَرَجَةِ الْقَبُولِ ، إِلَّا أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ .

وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَكَانَ مَرْدُودًا بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَأَصْرَحُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَا . وَكَذَلِكَ اعْتِدَادُ الْأَمَةِ بِحَيْضَتَيْنِ عَلَى تَقْرِيرِ ثُبُوتِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا يُعَارِضُ مَا قَدَّمْنَا ; لِأَنَّهُ أَصَحُّ مِنْهُ وَأَصْرَحُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ، وَاسْتِبْرَاؤُهَا بِحَيْضَةٍ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعِدَّةِ لَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ . وَرَدَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الدَّالَّيْنِ عَلَى أَنَّهَا الْأَطْهَارُ ، بِأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ الِاعْتِدَادُ بِالطُّهْرِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْقَائِلِينَ : بِأَنَّ الْقُرُوءَ الْأَطْهَارُ ، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ كَوْنُ الْعِدَّةِ قُرْءَيْنِ وَكَسْرًا مِنَ الثَّالِثِ ، وَذَلِكَ خِلَافَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنْ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ كَامِلَةٍ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا تُعَارَضُ بِهِ نُصُوصُ الْوَحْيِ الصَّرِيحَةُ ، وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ إِطْلَاقُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ وَالْمُرَادُ شَهْرَانِ وَكَسْرٍ .

وَادِّعَاءُ أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ فِي أَسْمَاءِ الْعَدَدِ يُقَالُ فِيهِ : إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي ذَكَرَ إِنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ الْوَاقِعِ فِيهِ الطَّلَاقُ عِدَّةٌ ، مُبَيِّنًا أَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَجِلَّاءِ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الْآيَةَ وَالْحَدِيثَ الْمَذْكُورَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحَيْضَاتُ بَعِيدٌ جِدًّا مِنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ كَمَا تَرَى .

بَلْ لَفْظُ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الْمَذْكُورَيْنِ صَرِيحٌ فِي نَقِيضِهِ ، هَذَا هُوَ مَا ظَهَرَ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ، وَنِسْبَةُ الْعِلْمُ إِلَيْهِ أَسْلَمُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا [ 2 \ 228 ] ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ أَزْوَاجَ كَلِّ الْمُطَلَّقَاتِ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ رَجْعِيَّةٍ وَغَيْرِهَا .

[ ص: 103 ] وَلَكِنَّهُ أَشَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِلَى أَنَّ الْبَائِنَ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [ 33 \ 49 ] .

وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَائِنٌ ، كَمَا أَنَّهُ أَشَارَ هُنَا إِلَى أَنَّهَا إِذَا بَانَتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ : ( ذَلِكَ ) رَاجِعَةٌ إِلَى زَمَنِ الْعِدَّةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ بِـ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ .

وَاشْتَرَطَ هُنَا فِي كَوْنِ بُعُولَةِ الرَّجْعِيَّاتِ أَحَقَّ بِرَدِّهِنَّ إِرَادَتَهُمُ الْإِصْلَاحَ بِتِلْكَ الرَّجْعَةِ ، فِي قَوْلِهِ : إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَفْهُومِ هَذَا الشَّرْطِ هُنَا ، وَلَكِنَّهُ صَرَّحَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّ زَوْجَ الرَّجْعِيَّةِ إِذَا ارْتَجَعَهَا لَا بِنْيَةَ الْإِصْلَاحِ بَلْ بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ بِهَا ; لِتُخَالِعَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، أَنَّ رَجْعَتَهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ ، كَمَا هُوَ مَدْلُولُ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [ 2 \ 231 ] .

فَالرَّجْعَةُ بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ حَرَامٌ إِجْمَاعًا ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي قَوْلِهِ : وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا الْآيَةَ ، وَصِحَّةُ رَجَعَتِهِ حِينَئِذٍ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْأَمْرِ ، فَلَوْ صَرَّحَ لِلْحَاكِمِ بِأَنَّهُ ارْتَجَعَهَا بِقَصْدِ الضَّرَرِ ، لَأَبْطَلَ رَجَعَتَهُ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ )

لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَا هَذِهِ الدَّرَجَةُ الَّتِي لِلرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ ، وَلَكِنَّهُ أَشَارَ لَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [ 4 \ 34 ] فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَرْأَةِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الذُّكُورَةَ شَرَفٌ وَكَمَالٌ ، وَالْأُنُوثَةَ نَقْصٌ خَلْقِيٌّ طَبِيعِيٌّ ، وَالْخَلْقُ كَأَنَّهُ مُجْمِعٌ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْأُنْثَى يَجْعَلُ لَهَا جَمِيعُ النَّاسِ أَنْوَاعَ الزِّينَةِ وَالْحُلِيِّ ، وَذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِجَبْرِ النَّقْصِ الْخُلُقِيِّ الطَّبِيعِيِّ الَّذِي هُوَ الْأُنُوثَةُ ، بِخِلَافِ الذَّكَرِ فَجَمَالُ ذُكُورَتَهِ يَكْفِيهِ عَنِ الْحُلِيِّ وَنَحْوِهِ .

وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى نَقْصِ الْمَرْأَةِ وَضَعْفِهَا الْخُلُقِيَّيْنِ الطَّبِيعِيَّيْنِ بِقَوْلِهِ : أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [ 43 \ 18 ] [ ص: 104 ] لِأَنَّ نَشْأَتَهَا فِي الْحِلْيَةِ دَلِيلٌ عَلَى نَقْصِهَا الْمُرَادُ جَبْرُهُ وَالتَّغْطِيَةُ عَلَيْهِ بِالْحُلِيِّ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ : [ الطَّوِيلِ ]
وَمَا الْحَلْيُ إِلَّا زِينَةً مِنْ نَقِيصَةٍ يُتَمِّمُ مِنْ حُسْنٍ إِذَا الْحَسَنُ قَصَّرَا


وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْجَمَالُ مُوَفَّرًا كَحُسْنِكِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يُزَوَّرَا

وَلِأَنَّ عَدَمَ إِبَانَتِهَا فِي الْخِصَامِ إِذَا ظُلِمَتْ دَلِيلٌ عَلَى الضَّعْفِ الْخَلْقِيِّ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ : [ الطَّوِيلِ ]
بِنَفْسِي وَأَهْلِي مَنْ إِذَا عَرَضُوا لَهُ بِبَعْضِ الْأَذَى لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يُجِيبُ



فَلَمْ يَعْتَذِرْ عُذْرَ الْبَرِيءِ وَلَمْ تَزَلْ بِهِ سَكْتَةٌ حَتَّى يُقَالَ مُرِيبٌ


وَلَا عِبْرَةَ بِنَوَادِرِ النِّسَاءِ ; لِأَنَّ النَّادِرَ لَا حُكْمَ لَهُ .

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ : وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلَى أَنَّ الْكَامِلَ فِي وَصْفِهِ وَقُوَّتِهِ وَخِلْقَتِهِ يُنَاسِبُ حَالَهُ ، أَنْ يَكُونَ قَائِمًا عَلَى الضَّعِيفِ النَّاقِصِ خِلْقَةً .

وَلِهَذِهِ الْحِكْمَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا جُعِلَ مِيرَاثُهُ مُضَاعَفًا عَلَى مِيرَاثِهَا ; لِأَنَّ مَنْ يَقُومُ عَلَى غَيْرِهِ مُتَرَقِّبٌ لِلنَّقْصِ ، وَمَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مُتَرَقِّبٌ لِلزِّيَادَةِ ، وَإِيثَارُ مُتَرَقِّبِ النَّقْصِ عَلَى مُتَرَقِّبِ الزِّيَادَةِ ظَاهِرُ الْحِكْمَةِ .

كَمَا أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى حِكْمَةِ كَوْنِ الطَّلَاقِ بِيَدِ الرَّجُلِ دُونَ إِذْنِ الْمَرْأَةِ بِقَوْلِهِ : نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ أَنَّ حَقْلَهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْغَمَ عَلَى الِازْدِرَاعِ فِي حَقْلٍ لَا يُنَاسِبُ الزِّرَاعَةَ . وَيُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ آلَةَ الِازْدِرَاعِ بِيَدِ الرَّجُلِ ، فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَقَاءِ مَعَ مَنْ لَا حَاجَةَ لَهُ فِيهَا حَتَّى تَرْضَى بِذَلِكَ ، فَإِنَّهَا إِنْ أَرَادَتْ أَنْ تُجَامِعَهُ لَا يَقُومُ ذَكَرُهُ وَلَا يَنْتَشِرُ إِلَيْهَا ، فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى تَحْصِيلِ النَّسْلِ مِنْهُ ، الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْغَرَضِ مِنَ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ ; فَإِنَّهُ يُوَلِّدُهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ كَمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ) ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ كُلَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي الْمَرَّتَيْنِ ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ الْمُنْحَصِرَ فِي الْمَرَّتَيْنِ هُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي تُمْلَكُ بَعْدَهُ الرَّجْعَةُ لَا مُطْلَقًا ، وَذَلِكَ بِذِكْرِهِ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةُ الَّتِي لَا تَحِلُّ بَعْدَهَا الْمُرَاجَعَةُ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ : فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ الْآيَةَ [ 2 \ 230 ] ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَوْلُهُ : أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [ 2 \ 229 ] يَعْنِي بِهِ عَدَمَ الرَّجْعَةِ .

[ ص: 105 ] وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَرُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
تَنْبِيهٌ

ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ يُؤْخَذُ مِنْهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ ، وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ : " بَابُ مَنْ جَوَّزَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) .

وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ الْمُرَادَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ هُوَ مَا قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ [ 2 \ 229 ] عَلِمْنَا أَنَّ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ تَطْلِيقَتَيْنِ ، وَإِذَا جَازَ جَمْعُ التَّطْلِيقَتَيْنِ دَفْعَةً ، جَازَ جَمْعُ الثَّلَاثِ ، وَرَدَّ ابْنُ حَجَرٍ هَذَا بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ ، وَجَعَلَ الْآيَةَ دَلِيلًا لِنَقِيضِ ذَلِكَ .

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ غَيْرُ نَاهِضٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ الطَّلَاقِ كُلَّهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ حَتَّى يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ فِي إِحْدَى التَّطْلِيقَتَيِنِ كَمَا ذَكَرَ ، بَلِ الْمُرَادُ بِالطَّلَاقِ الْمَحْصُورِ هُوَ خُصُوصُ الطَّلَاقِ الَّذِي تُمْلَكُ بَعْدَهُ الرَّجْعَةُ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَكَمَا فَسَّرَ بِهِ الْآيَةَ جَمَاهِيرُ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ . وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَجْهُ الدَّلِيلِ فِي الْآيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ إِيقَاعَ الثَّلَاثِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ ظُهُورِهِ ، وَلَكِنَّ كَوْنَ الْآيَةِ لَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ، لَا يُنَافِي أَنْ تَقُومَ عَلَى ذَلِكَ أَدِلَّةٌ ، وَسَنَذْكُرُ أَدِلَّةَ ذَلِكَ وَأَدِلَّةَ مَنْ خَالَفَ فِيهِ ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ إِيضَاحِ خُلَاصَةِ الْبَحْثِ كُلِّهِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إِيضَاحًا تَامًّا .

فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ نَسْتَعِينُ : اعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ الثَّلَاثِ مُجْتَمِعَةً حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ، الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ لِعَانِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَزَوْجِهِ ; فَإِنَّ فِيهِ : " فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ : كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَكَانَتْ سُنَّةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ " .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 144.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 142.56 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (1.18%)]