تجليات الحس الشعبي في رواية "لحس العتب" لخيري شلبي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أبو الفتح ابن سيد الناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 1461 )           »          ما أحلى سويعات قربك يا أمي!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          دور المسجد في الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          هل تشكو من عصبية زوجك أو ولدك أو جارك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          أصحاب الأخدود... عبر ودروس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 67 )           »          العُمَران (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          إني أحبك أيها الفاروق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          المنهج التربوي وثقافة المجتمع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          بين الرأي والحديث.. لماذا وكيف تمذهب المسلمون ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-06-2021, 03:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تجليات الحس الشعبي في رواية "لحس العتب" لخيري شلبي

فإذا كانت طبيعة العائلة التي انتقلت من مرحلة الارتقاء إلى مرحلة التَّقهقُر، تأخذ بيد المتلقِّي لإقامة ترابُطٍ ثنائي بينها والعائلة العربية الكبيرة في حضورها الفعليِّ الممزَّق والمشتَّت، فإنَّ الترابيزة هنا تبدو هي المعادِلَ للوطن في صورته (اليوتوبيَّة)، الوطن الحاضر في وعي الشخصيَّات بوصفه المساحة القادرة على احتواء أحلامهم، وتحقيق أمنياتهم، والاحتماء بصلابتها أمام قابلات الأيَّام بمصائبها وتيَّاراتها العاتية، ويحقِّق هذا الربط بين المنضدة والوطن أعلى درجات فداحتِه، وأشدَّها فجاعةً في المشهد الأخير الذي تظهر فيه المنضدة؛ إنَّه مشهد بيع المنضدة وخروجها الدرامي من مَنْزل البطل، هذا البيع الذي يمكن بسهولةٍ ربْطُه بسياقات واقعيَّة تحيط بنا، وتجاوز فضاء الزمان والمكان للرواية؛ لتنفتح على أفضية ماضية وحاضرة، وربما قادمة.

"فرفَعها الرجالُ ومضَوا، فإذا هي تبدو من باطنها الداخليِّ جديدةً ناصعةً رغم السُّوس في الأركان، كاد أبي يصرخ صائحًا أنِ اتركوها، لكنَّه حوَّل وجهَه عنها، وحين اختفى بها الرجالُ، وضع يديه على وجهه، وانفجر في بكاءٍ شديدٍ حارق، وكانتْ هذه أوَّل مرة أرى فيها أبي يبكي كالنِّساء، فانزويتُ مع أمي وإخوتي في ركنٍ قصي، ورُحنا نبكي لبكائه، حتى مطلع الفجر"[12].

إنَّ أسطورة المنضدة تحتفظ بوهجها حتَّى في لحظات انفلاتها من ثنايا النصِّ؛ وذلك عندما تتَعالق نهايتها السَّردية بمشهدٍ بالغ المأسويَّة، يزيد من إحكامِ قبضة العجائبي على المسرود، ومضاعفة استشعار المتلقِّي بتغريبة المنضدة التي اضْطُرَّ والد السارد إلى منحها إلى "سيد جودة البنَّاء"، في مقابل قيامه ببناء سقف البيت وجداره المتهدِّمَين.

فتتَبُّعُنا لمشهد رحيل المنضدة العجيبة من بيت السارد وأهله، يكشف لنا بجلاءٍ أنَّنا بإزاءِ حدَثٍ جلَل، تدرك العائلة فداحة الخسارة التي ستتعرَّض لها بمغادرة هذا الكائن الأسطوريِّ المكان، وهو ما يزيد من دهشة المتلقِّي؛ لتظلَّ مغادرة المنضدة للبيت، وانتقالها إلى خارج النصِّ إمعانًا في بثِّ روافد الأسطورة في النص.

إنَّ "خيري شلبي" "فنانٌ ولد عجوزًا داهية، تشرَّب عصارة الثَّقافة الشعبيَّة، وقام بتخميرها، وإعادة تعتيقها، حتى لتصبح كتابتُه - في كلِّ سطر منها - دليلاً فائقًا على أنَّ نسغ الحياة، ونكهة الأرض، وتغضُّنات الوجه هي ملامح الرُّوح، كما تتجلَّى في الكتابة"[13].

إنه (أسطى) تمثَّلَ الرُّوح الشعبيَّة المصرية ومعجمها العبقريّ، صناعة الأسطورة، القادر على تعشيق فسيفساء الغَيبِيِّ بالعجائبِيِّ بالواقعي بمهارةِ صانعٍ خبير، ودقَّةِ معلمٍ عجوز؛ لِيُخرج لنا في النهاية تحفةً سرديَّة مصنوعة من خامات مصريَّة خالصة، وممهورة بعبارة موجزة ودالَّة، وهي: "صُنِعت في ورشة العمِّ خيري شلبي".

السخرية: الضحك في مواجهة الموت:
علينا ألاَّ نتعامل مع السُّخرية بوصفها أداةً لبث روح الدعابة داخل النصِّ السردي؛ فهذا لا يعدو أن يكون أحدَ وجوهها المتعدِّدة، فالسُّخرية - التي تعدُّ أحد أبرز معالِم الشخصية في المجتمعات المغلوبة على أمرها، أو التي تقع في مواجهة العديد من الصعاب كحال المجتمع المصريِّ - هي الآليَّة الفارهة التي يلجأ إليها الطَّرفُ الأضعف في إطار ثنائيَّة القاهر والمقهور.

إنَّ القهر المادِّي والمعنوي اللَّذَين تتعرَّض لهما الذات يضَعها بإزاء اختيارَيْن؛ الأول: الاستسلام لهذا القاهر، أو مقاومته، ولأنَّ المقاومة المادية تغدو في كثيرٍ من الأحيان خطوةً مؤجَّلة؛ تصبح المواجهة المعنويَّة هي القادرة على تحقيق التَّكافؤ بين الطَّرَفين، وتتمثَّل المواجهة المعنوية هنا في مَنْح الذَّات نفسها أحاسيس الانتصار على الآخر من خلال تأسيس مباراة ذهنيَّة تُعادل المباراة الواقعيَّة التي تدرك أنَّ الغلبة فيها ستكون للطَّرَف الأقوى ماديًّا، ولأنَّ المباراة ذهنيَّة فأدواتها تختلف، وقوانينها تتباين، وهنا تتبدَّى البراعة الشعبيَّة في توظيف عنصر الفكاهة الذي تشكِّل السخريةُ أحدَ عناصره المائزة، فالسُّخرية من الآخر والضَّحك منه تقدِّم الطُّمأنينة المعنويَّة للذَّات التي تشعر أنَّها الأقوى، هذه القوَّة التي خوَّلَت لها التفوُّقَ المعنويَّ، ممثَّلاً في القدرة على السُّخرية منه.

"عندما التحقتُ بمدرسة البلد، لَم يمض عامان حتَّى أصابني مرضٌ غريبٌ، حارَ في فهمه حلاقُ صحَّة البلد، لكنَّه سلَّمنا بعضَ أقراصٍ صغيرة صفراء، تُسمَّى (الكينين)، وأوصى بأنْ آخذ قرصًا بعد الأكل ثلاث مرات يوميًّا، فما فعلَتْ هذه الأقراص شيئًا سوى أنَّها صبغت بياض عيني بلون الاصفِرار الكابي، وهدَّلَت كلَّ أطرافي، فصرتُ أقضي النهار كلَّه جالسًا القُرفصاء فوق الكنبة العتيقة في (المندرة)، آكل أطباق الأرز باللَّبن، وأشرب الليمون، حتى كرهتُ طعم الحلاوة، فانقلبت في حلقي إلى مرارةٍ دائمة،وما هي إلاَّ أيام قليلة حتى لحق بي أخي خالد، فانضمَّ إلى جواري على الكنبة، مُصفرَّ العينين والوجه، بارِزَ عروقِ رقبته، مكثنا على ذلك طويلاً، حتى بات منظرُنا مألوفًا كأنَّه جزء من هذه الكنبة، وصار ضيوف أبي يسموننا المتَّهمين؛ إشارةً إلى جلستنا القرفصاء معًا، لا نفعل شيئًا، ولا نتكلَّم، ولا نبتسم، ولا نبكي، كأنَّنا في انتظار حكمٍ سيَصدر علينا بعد قليل"[14].

يبدو النصُّ مفعمًا بالحسِّ الفكاهي - الذي هو "استجابةٌ معقَّدة لا يمكن اختزال مسبباتها بسهولةٍ لتكون سمةً واحدة، أو مجموعةً صغيرة من السِّمات"[15] - المُنتج عن الحالة الانفراجيَّة التي تطرح نفسها على النَّص، كفعلٍ ختامي لحالة التوتُّر الدرامي المنتَج عن الوضع المأسويِّ المهيمن على حضور البطل، فالفكاهة تتولَّد من "حالة التوتر في الموقف الهزلي التي عادةً تتصاعد حتى تنفرج فجأةً عن طريق الانفجار، مصحوبة بالضحك بصفة عامة"[16].

فالبطل الطِّفل الراغب في الاستمتاع بطفولته يجد نفسه في مواجهة صراعٍ مع السِّياق الواقعيِّ الرافض لحضوره، والمتعمِّد قهره عبر ممارسة قدريَّة، تتمثَّل في المرَضِ - غيرِ معلوم الأسباب - الذي أصابه، هذا الصِّراع الذي يُسْهِم في "تكوُّن الموقف الدرامي الناضج الذي يمثِّل أعلى درجات الارتفاع البياني في خطابنا القصصي العربي"[17]، ويتعقَّد الموقف الدراميُّ بانضمام طرفٍ آخَر، يتمثَّل في الأخ الأصغر للبطل لهذه اللوحة السوداويَّة، التي تعضد الطابع المأسويَّ المسيطر على أقدار العائلة كلِّها، وبقدر ما يرتفع المؤشِّر الدراميُّ المنتَج عن حالة التوتُّر الاستقبالي - بالنسبة للمتلقِّي - لتبعات هذه الحالة، بقدر ما يتضاعف الحسُّ الفكاهيُّ بتحول هذه الحالة المأسويَّة إلى حالةٍ فكاهية عبر عنصر السُّخرية، الذي يَخْلط المَلْهاة بالمأساة؛ بما يستدعي مفهومَ الفكاهة الَّذي هو "تلك الصِّفة في العمل أو في الكلام، أو في الموقف، أو في الكتابة التي تثير الضَّحك لدى النظَّارة"[18].

فصورة البطل الجالس بجوار أخيه - غيرَ قادر على الكلام أو الحركة، مكتفيًا بالأكل والتأمُّل - تدفع الجميع إلى الضَّحك، ولكن الضحك هنا لا يتمُّ بُغيةَ النَّيل العاطفيِّ منهما، وإنَّما بغية الدَّعمِ المعنوي لهما، وذلك من خلال قهر المسبب الرئيس في هذه المأساة، وهو المرض، بتحويله إلى موضعٍ للتأمُّل والانتقاد اللاَّذع عبر شفرة غير مباشرة تنتقم منه وتقهره، من خلال تحقيق الاعتلاء النَّفسي عليه، فالضُّيوف عندما يَسْخرون من هذا المنظر إنَّما يصدرون هذه الحالة الانفراجيَّة إلى البطل الذي يكتشف هشاشةَ هذا الكائن المخيف - الموت - وإمكانيَّة مواجهته عبر سلاح السُّخرية الناجع، هذا الانكشاف الذي يولِّد حالة انفراجيَّة جديدةً تعيد الإيقاع الدِّرامي إلى استقراره، وتمنح البطل درجة النَّجاح الكاملة؛ فالفكاهة تمتاح هنا من حالة التوتُّر التي تسبق اللَّحظة الانفراجيَّة؛ حيث إنَّه "قد يساعدنا استغراقٌ سيكولوجي معيَّن مع شيءٍ ما في توليد التوتُّر الذي ينفرج بعد ذلك من خلال إحدى النكات"[19]، فحالة الضَّحك التي يستقبل بها الضُّيوفُ منظرَ الطِّفلين تُقدِّم مؤشراتٍ لإمكانيَّة التعامل معها من زاويتين متباينتين؛ الأولى اعتبار أنَّ الضحك هو نتاجٌ مباشر لمرض الطفلين؛ ومن ثَمَّ يغدو الضَّحك هنا فعلاً عقابيًّا يتمُّ عَبْرَه الانتقام المعنويُّ من الطِّفلين البريئين بالسُّخرية منهما، وهو أمرٌ لا يتَّسِق مع الطبيعة الإنسانيَّة بصفة عامة، والمصرية بصفة خاصة، أما الزاوية الثانية - وهي الزاوية الأكثر عمقًا من وجهة نظرنا - فإنها تنظر إلى الطرفة التي ألقاها الضيوف بوصفها حيلةً بديلة يلجأ إليها الوعي الشَّعبيُّ للوصول إلى هدفه، وهو ما يتَّسِق مع تعريف الطُّرفة بوصفها "القول البليغ المثير للانتباه الذي يتميَّز بالجِدة والطَّرافة، وإظهار البراعة في التفكير، والقدرة على تسلية القارئ أو السامع"[20].

فالطُّرفة هي البديل الإستراتيجيُّ الذي يستعين به السِّياق الجمعيُّ عندما يتبدَّى له عَجْزُ وسائله التقليديَّة عن تحقيق غايته، أو عندما يدرك أنَّ فاعلية مقاومته لا يمكن أن تتمدَّد لِتُحقِّق له مآربه، بما يجعل الطُّرفة إحدى هذه الوسائل، ومن ثَمَّ تصير الطُّرفة - وفق هذه القراءة التحليليَّة - إحدى تنويعات الممارسة المقاومتيَّة للثقافة الشعبيَّة، فالمقاومة التي تتسلَّح بها ذاتُ البطل وهي تُصارع الموتَ الموشك، ترتبط بحضور عنصر الفكاهة الذي يكتسب كينونته - بدوره - من اتِّساقه وتناغمه مع عنصر مقاومة الموت، هذا الاتِّساق الذي ينتقل بعنصر الفكاهة من دوره الاستتباعي؛ بوصفه إحدى استجابات فعل المرض، إلى دوره الاستبدالي؛ باعتباره فعلاً بديلاً للهزيمة أمام سلطان الموت.

ويعضد من اعتمادنا هذه الرُّؤيةَ التفسيريةَ نهايةُ الرواية المؤطرة بهذه الرُّوح الساخرة عبر ممارسةٍ ساخرة.

"وذات يومٍ كنتُ جالسًا على هذه المصطبة مع "شوشة" ابن عمي، وإذْ بامرأةٍ عجوز تمرُّ حاملة سفطًا على رأسها، حدقَت المرأةُ في وجهي، و(مصمصَتْ) شفتَيها في أسف، وقالت:
(يا حبة عيني، الواد ده عيَّان بالطّحال)، العارف هو الله، لكن طحال هذا الولد منتفخ منذ وقت طويل، يكاد والعياذ بالله ينفجر.

فبكَتْ أمِّي على الفور، قائلةً:
(دُخْنا بيه على الحُكَما).

قالت الغجريَّة في ثقةٍ مذهلة:
شفاؤه على الله وعليَّ.

قالت المرأة:
(شوفي يا بنت أخوي، تجيبِي قزازة خلّ، وتجيبِي حتَّة خميرة، تحُطِّي الخميرة في فنجان مليان خل، وتحطي الفنجال بالخل والخميرة فوق سطح الدار، يسمع التلات أدنات: المغرب والعشا والفجر، وتخلي المحروس ده يشرب فنجال الخل بالخميرة على ريق النَّوم الصبح، تلات تيام ورا بعض، أول كل شهر عربي، لمدة تلات شهور، والباقي على الله، وفي الشهر التالت حافوت عليكي عشان آخذ الحلاوة).

ناولَتْني أمي الفنجان المرطَّب بالندى، وقطعة حلوى، ثم قسرَتْني على تجرُّعه.. في اليوم الثالث من الشهر الأول شربتُ الفنجان وحدي بغير مُدافعة، وفي نهاية الشهر كانت بطني قد هبطَتْ قليلاً وزال عنها الانتفاخ، في اليوم الأول من الشهر الثاني كنت أنا الذي يملأ الفنجان، ويضَعُه فوق السطح، وأقوم مبكِّرًا (لأدلقه) في جوفي.. وفي نهاية الشهر الثاني كنت قد تمكَّنْتُ من الذهاب إلى المدرسة وحدي، وقد زال انتفاخ بطني تمامًا، وفي الشهر الثالث كانت أمِّي تبحث عنِّي، فتجدني ألعب الكرة الشراب في (الجرن) كالعفريت"[21].

إنَّ انتصار الخبرة الشعبيَّة - الممثَّلة في الوصفة الشعبيَّة الجامعة بين الفطرة والطبيعة والدِّين - على الحكمة المدنيَّة الممثَّلة في علم الأطبَّاء - تَظلُّ دليلاً ناجعًا على مهارة الشخصيَّة المصرية في مُراوغة المرض، ومُهادَنة الاستلاب والفقد وقهر الموت، وعلى قدرة "خيري شلبي" على تَمثُّل الرُّوح الشعبية المصريَّة؛ مِمَّا رشحه لأنْ يكون المؤرِّخَ الشعبيَّ لطبقة المهمشين في مصر من بين أدباء الرؤية الستينيَّة، التي نؤيِّد استبدالَها بمصطلح "جيل الستينيَّات"؛ وذلك باعتبار أنَّ الستينيَّة هي في حقيقتها حالةٌ أو بالأَحْرى رؤيةٌ تشبه مَلكة النحل التي تجذب إليها الكثيرين من أبناء الخلية، محاولين اللّحاق بها، والفوز بالاقتران بها، والحقيقة أنَّ بلاغة المتعة تتحقَّق بهذا الوصل المعنويِّ، الذي قد لا يُتَرجم بوصلٍ مادِّي سوى لفردٍ واحد من هؤلاء الكثُر، فالستينيَّة رؤيةٌ إبداعيَّة استقطبَتْ أجيالاً أسبق وألحق من عقْد الستينيَّات بمفهومه التاريخيِّ على مستوى البُزوغ الإبداعي، وقد تحقَّق هذا الاستقطابُ بفضل ما جمع أصحابُها من التدرُّع بالغضب المنتَج عن انكسار الحلم القومي، هذا الانكسار الذي دفع العديدَ من أبناء هذه الرُّؤية إلى العودة الفنِّية إلى مَنابعهم الأولى؛ القرية، والحارة، والزُّقاق؛ لِيَتَّخذوا من هذه المنابع الأصيلة أفضيةً يجوبون فيها بعقولهم، ويرسمونها بأقلامِهم، ويكتشفونها بممارسات تأمُّلية تَتغيَّا البحث عن أسباب الهزيمة الفاجعة عبر إعادة قراءة الماضي والحاضر، واكتشاف عيوبه التي أفضَتْ إلى هذه النتيجة المأسويَّة.

ومن هؤلاء "خيري شلبي" صاحب (البورتريه) المائز للشخصيَّة المصرية، الباكية والضاحكة، الجادَّة والساخرة، المُهادنة والمنتفضة، المستسلِمة والثَّائرة.


[1] "الراوي والنص القصصي": د/عبدالرحيم الكردي، دار النشر للجامعات، الطبعة الثانية، 1996م، ص69.

[2] "لحس العتب": خيري شلبي، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الثانية، 2005م، ص 5 - 8.

[3] "سيميولوجية الشخصيات السردية" - رواية الشراع والعاصفة لحنا مينه نموذجًا -: سعيد بنكراد، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2003م، ص117.

[4] لمزيدٍ من التفاصيل حول مفهوم المتواليات الحكائيَّة؛ انظر: "مورفولوجيا الحكاية الخرافيَّة": فلاديمير بروب، ترجمة: أبو بكر أحمد باقادر، وأحمد عبدالرحيم نصر، النادي الثقافي، جدة، الطبعة الأولى، 1989م.

[5] "حي بن يقظان - تحليل بنيوي -": حاتم عبدالعظيم، سلسلة كتابات نقدية، العدد165، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2007م، ص 186.

[6] "في نظرية الرواية - بحث في تقنيات السرد -": د/ عبدالملك مرتاض، سلسلة عالم المعرفة، العدد 240، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، الطبعة الأولى، 1998م. ص86.

[7] "نظريات السرد الحديثة": والاس مارتن، ترجمة: حياة جاسم محمّد، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1998م، ص153.

[8] "بنية النص السردي - من منظور النقد -": حميد لحمداني، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1993م، ص51.

[9] "لحس العتب"، ص10 - 14.

[10] "تحليل شعرية السرد": د/ صلاح فضل، دار الكتاب المصري/ اللبناني، القاهرة، الطبعة الأولى ، 2002م، ص52.

[11] "الخطيئة والتكفير - من البنيويّة إلى التشريحيّة ، قراءة نقدية لنموذج إنساني مُعاصر -"، عبدالله محمد الغَذّامي، النادي الأدبي الثقافي، جدة، ط1، 1985م، ص73.

[12] "لحس العتب" ص61.

[13] "تحليل شعرية السرد"، ص51.

[14] "لحس العتب" ص15.

[15] بناء النصِّ التُّراثي: د/ فدوى مالطي دوجلاس، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الأولى، 1985م، ص37.

[16] "بناء النص التراثي" ص32.

[17] "بناء الشخصية في القص التراثي": د/ سيد محمد السيد قطب، ود/ عبدالمعطي صالح، ود/ جلال أبو زيد، ود/ عيسى مرسي سليم، كليوباترا للطباعة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2002م، ص7.

[18] "معجم المصطلحات العربية في الأدب واللغة": مجدي وهبة، وكامل المهندس، مكتبة لبنان، بيروت، الطبعة الثانية، 1984م ص276.

[19] "بناء النص التراثي"، ص41.

[20] "معجم المصطلحات العربية في الأدب واللغة"، ص383.

[21] "لحس العتب"، ص64 - 65.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.16 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.76%)]