( حقيقة الغيبة و أحكامها عند شيخ الإسلام ابن تيمية ) مهم لكل طالب علم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الصيام والحج من الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 22 )           »          واتساب يستخدم وضع الإضاءة المنخفضة لمكالمات الفيديو.. كيف يعمل؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          هل يعانى هاتف أيفون 16 من مشكلات فى عمر البطارية؟ إليكم ما نعرفه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          استكشف مزايا أنظمة شبكة Wi-Fi مقارنة بأجهزة التوجيه التقليدية فى منزلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          كوالكوم تلغي إنتاج نظام Windows المصغر على أجهزة الكمبيوتر بهذا المعالج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          تطبيق ChatGPT متوفر الآن لنظام Windows.. اعرف التفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          ما تخافش لو اتسرق منك.. 3 مزايا جديدة من جوجل تساعدك على استعادة هاتفك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          Android 15 متاح الآن لهواتف Pixel.. كيفية التحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          علامات إدمان الأطفال للهواتف الذكية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          هل سقط الماء على اللاب توب؟ إليك كيفية إصلاحه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-10-2020, 09:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي ( حقيقة الغيبة و أحكامها عند شيخ الإسلام ابن تيمية ) مهم لكل طالب علم

( حقيقة الغيبة و أحكامها عند شيخ الإسلام ابن تيمية )
مهم لكل طالب علم


فيصل بن المبارك

سُئِِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ الْغِيبَةِ هَلْ تَجُوزُ عَلَى أُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ يُعَيَّنُ شَخْصٌ بِعَيْنِهِ ؟ وَمَا حُكْمُ ذَلِكَ ؟ أَفْتُونَا بِجَوَابِ بَسِيطٍ ؛ لِيَعْلَمَ ذَلِكَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيَسْتَمِدُّ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ قُوَّتِهِ بِالْعِلْمِ وَالْحُكْمِ .

فَأَجَابَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، أَصْلُ الْكَلَامِ فِي هَذَا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْغِيبَةَ هِيَ كَمَا فَسَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَمَّا { سُئِلَ عَنْ الْغِيبَةِ فَقَالَ : هِيَ ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْته وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتّه } . بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْغِيبَةِ وَالْبُهْتَانِ وَأَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ بَهْتٌ لَهُ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ : { وَلَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { أَنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ } . فَالْكَذِبُ عَلَى الشَّخْصِ حَرَامٌ كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا بَرًّا أَوْ فَاجِرًا لَكِنَّ الِافْتِرَاءَ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَشَدُّ ؛ بَلْ الْكَذِبُ كُلُّهُ حَرَامٌ . وَلَكِنْ تُبَاحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ الشَّرْعِيَّةِ " الْمَعَارِيضِ " وَقَدْ تُسَمَّى كَذِبًا ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَعْنِي بِهِ الْمُتَكَلِّمُ مَعْنًى وَذَلِكَ الْمَعْنَى يُرِيدُ أَنْ يَفْهَمُهُ الْمُخَاطِبُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا يَعْنِيهِ فَهُوَ الْكَذِبُ الْمَحْضُ وَإِنْ كَانَ عَلَى مَا يَعْنِيهِ وَلَكِنْ لَيْسَ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ الْمُخَاطَبُ فَهَذِهِ الْمَعَارِيضُ وَهِيَ كَذِبٌ بِاعْتِبَارِ الْأَفْهَامِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذِبًا بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ السَّائِغَةِ . وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ إلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ كُلُّهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ : قَوْلُهُ لِسَارَّةَ : أُخْتِي وَقَوْلُهُ : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا } وَقَوْلُهُ { إنِّي سَقِيمٌ } } وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَعَارِيضُ . وَبِهَا احْتَجَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّعْرِيضِ لِلْمَظْلُومِ وَهُوَ أَنْ يَعْنِيَ بِكَلَامِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ الْمُخَاطَبُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ : إنَّ مَا رَخَّصَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هُوَ مِنْ هَذَا كَمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَيْسَ الْكَاذِبُ بِاَلَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَقُولُ خَيْرًا أَوْ ينوي خَيْرًا } . وَلَمْ يُرَخِّصْ فِيمَا يَقُولُ النَّاسُ : إنَّهُ كَذِبٌ ؛ إلَّا فِي ثَلَاثٍ : فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَفِي الْحَرْبِ ؛ وَفِي الرَّجُلِ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ . قَالَ : فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ الْمَعَارِيضِ خَاصَّةً . وَلِهَذَا نَفَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَ الْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ وَالْغَايَةِ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { الْحَرْبُ خُدْعَةٌ } وَأَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَى بِغَيْرِهَا . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ الصِّدِّيقِ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ . { وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْكَافِرِ السَّائِلِ لَهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ : نَحْنُ مِنْ مَاءٍ } وَقَوْلُهُ لِلرَّجُلِ الَّذِي حَلَفَ عَلَى الْمُسْلِمِ الَّذِي أَرَادَ الْكُفَّارُ أَسْرَهُ : إنَّهُ أَخِي . وَعَنِيَ أُخُوَّةَ الدِّينِ وَفَهِمُوا مِنْهُ أُخُوَّةَ النَّسَبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنْ كُنْت لَأَبَرَّهُمْ وَأَصْدَقَهُمْ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ } . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ الِاغْتِيَابِ وَبَيْنَ الْبُهْتَانِ وَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُخْبِرَ بِمَا يَكْرَهُ أَخُوهُ الْمُؤْمِنُ عَنْهُ إذَا كَانَ صَادِقًا فَهُوَ الْمُغْتَابُ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ } مُوَافَقَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } فَجَعَلَ جِهَةَ التَّحْرِيمِ كَوْنَهُ أَخًا أُخُوَّةَ الْإِيمَانِ ؛ وَلِذَلِكَ تغلظت الْغِيبَةُ بِحَسَبِ حَالِ الْمُؤْمِنِ فَكُلَّمَا كَانَ أَعْظَمَ إيمَانًا كَانَ اغْتِيَابُهُ أَشَدَّ . وَمِنْ جِنْسِ الْغِيبَةِ الْهَمْزُ وَاللَّمْزُ ؛ فَإِنَّ كِلَاهُمَا فِيهِ عَيْبُ النَّاسِ وَالطَّعْنُ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي الْغِيبَةِ ؛ لَكِنَّ الْهَمْزَ هُوَ الطَّعْنُ بِشِدَّةِ وَعُنْفٍ ؛ بِخِلَافِ اللَّمْزِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخْلُو مِنْ الشِّدَّةِ وَالْعُنْفِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ } أَيْ يَعِيبُك وَيَطْعَنُ عَلَيْك وَقَالَ تَعَالَى { وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ } أَيْ لَا يَلْمِزُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَقَالَ : { هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } وَقَالَ : { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } .
إذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَنَقُولُ : ذِكْرُ النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ هُوَ فِي الْأَصْلِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا ذِكْرُ النَّوْعِ : وَالثَّانِي ذِكْرُ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ الْحَيِّ أَوْ الْمَيِّتِ . أَمَّا الْأَوَّلُ فَكُلُّ صِنْفٍ ذَمَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَجِبُ ذَمُّهُ ؛ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْغِيبَةِ كَمَا أَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مَدَحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَجِبُ مَدْحُهُ وَمَا لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لُعِنَ كَمَا أَنَّ مَنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ . فَاَللَّهُ تَعَالَى ذَمَّ الْكَافِرَ وَالْفَاجِرَ وَالْفَاسِقَ وَالظَّالِمَ وَالْغَاوِيَ وَالضَّالَّ وَالْحَاسِدَ وَالْبَخِيلَ وَالسَّاحِرَ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَالسَّارِقَ وَالزَّانِيَ وَالْمُخْتَالَ وَالْفَخُورَ وَالْمُتَكَبِّر َ الْجَبَّارَ وَأَمْثَالَ هَؤُلَاءِ ؛ كَمَا حَمِدَ الْمُؤْمِنَ التَّقِيَّ وَالصَّادِقَ وَالْبَارَّ وَالْعَادِلَ وَالْمُهْتَدِيَ وَالرَّاشِدَ وَالْكَرِيمَ ؛ وَالْمُتَصَدِّق َ وَالرَّحِيمَ وَأَمْثَالَ هَؤُلَاءِ . { وَلَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ } وَالْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ وَلَعَنَ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ . وَلَعَنَ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا وَلَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَة َ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيَهَا وَسَاقِيَهَا وَشَارِبَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَلَعَنَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى حَيْثُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَلَعَنَ اللَّهُ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْبَيِّنَاتِ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ وَذَكَرَ لَعْنَةَ الظَّالِمِينَ . وَاَللَّهُ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ وَيُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا . وَالصَّابِرُ الْمُسْتَرْجِعُ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مِنْ رَبِّهِ وَرَحْمَةٌ . وَاَللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ وَالطَّيْرُ وَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِذَنْبِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ . فَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَمْرَ بِالْخَيْرِ وَالتَّرْغِيبَ فِيهِ وَالنَّهْيَ عَنْ الشَّرِّ وَالتَّحْذِيرَ مِنْهُ : فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ وَلِهَذَا { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَلَغَهُ أَنَّ أَحَدًا فَعَلَ مَا يَنْهَى عَنْهُ يَقُولُ : مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ } { مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ أَشْيَاءَ أَتَرَخَّصُ فِيهَا ؟ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ } { مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ ؟ وَيَقُولُ الْآخَرُ : أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَلَا أَنَامُ ؟ وَيَقُولُ الْآخَرُ : لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَيَقُولُ الْآخَرُ : لَا آكُلُ اللَّحْمَ ؟ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَقُومُ وَأَنَامُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَآكُلُ اللَّحْمَ ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي } . وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُعَلِّقَ الْحَمْدَ وَالذَّمَّ وَالْحُبَّ وَالْبُغْضَ وَالْمُوَالَاةَ وَالْمُعَادَاةَ وَالصَّلَاةَ وَاللَّعْنَ بِغَيْرِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي عَلَّقَ اللَّهُ بِهَا ذَلِكَ : مِثْلَ أَسْمَاءِ الْقَبَائِلِ وَالْمَدَائِنِ وَالْمَذَاهِبِ وَالطَّرَائِقِ الْمُضَافَةِ إلَى الْأَئِمَّةِ وَالْمَشَايِخِ ؛ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُرَادُ بِهِ التَّعْرِيفُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } وَقَالَ : { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا } وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ آلَ أَبِي فُلَانٍ لَيْسُوا لِي بأولياء ؛ إنَّمَا وَلِيِّي اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } وَقَالَ { أَلَا إنَّ أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ حَيْثُ كَانُوا وَمَنْ كَانُوا } وَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ . النَّاسُ رَجُلَانِ : مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ .النَّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ } وَقَالَ : { إنَّهُ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيِّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ : إلَّا بِالتَّقْوَى } . فَذَكَرَ الْأَزْمَانَ وَالْعَدْلَ بِأَسْمَاءِ الْإِيثَارِ وَالْوَلَاءِ وَالْبَلَدِ وَالِانْتِسَابِ إلَى عَالِمٍ أَوْ شَيْخٍ إنَّمَا يَقْصِدُ بِهَا التَّعْرِيفَ بِهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ فَأَمَّا الْحَمْدُ وَالذَّمُّ وَالْحُبُّ وَالْبُغْضُ وَالْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ فَإِنَّمَا تَكُونُ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا سُلْطَانَهُ وَسُلْطَانُهُ كِتَابُهُ فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا وَجَبَتْ مُوَالَاتُهُ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ وَمَنْ كَانَ كَافِرًا وَجَبَتْ مُعَادَاتُهُ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ قَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } وَقَالَ تَعَالَى : { لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } وَقَالَ تَعَالَى : { أَفَتَتَّخِذُون َهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } وَقَالَ تَعَالَى : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } . وَمَنْ كَانَ فِيهِ إيمَانٌ وَفِيهِ فُجُورٌ أُعْطِيَ مِنْ الْمُوَالَاةِ بِحَسَبِ إيمَانِهِ وَمِنْ الْبُغْضِ بِحَسَبِ فُجُورِهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِيمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ بِمُجَرَّدِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي كَمَا يَقُولُهُ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَ ةُ وَلَا يُجْعَلُ الْأَنْبِيَاءُ وَالصِّدِّيقُون َ وَالشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ بِمَنْزِلَةِ الْفُسَّاقِ فِي الْإِيمَانِ وَالدِّينِ وَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ } فَجَعَلَهُمْ إخْوَةً مَعَ وُجُودِ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ وَقَالَ تَعَالَى : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِين َ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } فَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْأَنْوَاعِ .
وَأَمَّا الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ فَيُذْكَرُ مَا فِيهِ مِنْ الشَّرِّ فِي مَوَاضِعَ . مِنْهَا الْمَظْلُومُ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ ظَالِمَهُ بِمَا فِيهِ . إمَّا عَلَى وَجْهِ دَفْعِ ظُلْمِهِ وَاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ كَمَا { قَالَتْ هِنْدُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي . فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } كَمَا قَالَ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ } وَقَالَ وَكِيعٌ : عِرْضُهُ شِكَايَتُهُ وَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ وَقَالَ تَعَالَى : { لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إلَّا مَنْ ظُلِمَ } وَقَدْ رُوِيَ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ نَزَلَ بِقَوْمِ فَلَمْ يَقْرُوهُ . فَإِذَا كَانَ هَذَا فِيمَنْ ظُلِمَ بِتَرْكِ قِرَاهُ الَّذِي تَنَازَعَ النَّاسُ فِي وُجُوبِهِ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَكَيْفَ بِمَنْ ظُلِمَ بِمَنْعِ حَقِّهِ الَّذِي اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهُ أَوْ يَذْكُرُ ظَالِمَهُ عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ وَلَا دُخُولٍ فِي كَذِبٍ وَلَا ظُلْمِ الْغَيْرِ ؛ وَتَرْكُ ذَلِكَ أَفْضَلُ . وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ { فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ لَمَّا اسْتَشَارَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَنْكِحُ ؟ وَقَالَتْ : إنَّهُ خَطَبَنِي مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهْمٍ فَقَالَ : أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ } وَرُوِيَ : { لَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ } فَبَيَّنَ لَهَا أَنَّ هَذَا فَقِيرٌ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ حَقِّك وَهَذَا يُؤْذِيك بِالضَّرْبِ . وَكَانَ هَذَا نُصْحًا لَهَا - وَإِنْ تَضَمَّنَ ذِكْرَ عَيْبِ الْخَاطِبِ . وَفِي مَعْنَى هَذَا نُصْحُ الرَّجُلِ فِيمَنْ يُعَامِلُهُ وَمَنْ يُوَكِّلُهُ وَيُوَصِّي إلَيْهِ وَمَنْ يَسْتَشْهِدُهُ ؛ بَلْ وَمَنْ يَتَحَاكَمُ إلَيْهِ . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ .


إِذَا كَانَ هَذَا فِي مَصْلَحَةٍ خَاصَّةٍ فَكَيْفَ بِالنُّصْحِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ


مِنْ الْأُمَرَاءِ وَالْحُكَّامِ وَالشُّهُودِ وَالْعُمَّالِ : أَهْلِ الدِّيوَانِ وَغَيْرِهِمْ ؟ فَلَا رَيْبَ أَنَّ النُّصْحَ فِي ذَلِكَ أَعْظَمُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قَالُوا لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ } . وَقَدْ قَالُوا لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ فِي أَهْلِ الشُّورَى : أَمِّرْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَجَعَلَ يَذْكُرُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السِّتَّةِ - وَهُمْ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ - أَمْرًا جَعَلَهُ مَانِعًا لَهُ مِنْ تَعْيِينِهِ . وَإِذَا كَانَ النُّصْحُ وَاجِبًا فِي الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ : مِثْلَ نَقَلَةِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَغْلَطُونَ أَوْ يَكْذِبُونَ كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : سَأَلْت مَالِكًا وَالثَّوْرِيَّ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ - أَظُنُّهُ - وَالْأَوْزَاعِي عَنْ الرَّجُلِ يُتَّهَمُ فِي الْحَدِيثِ أَوْ لَا يَحْفَظُ ؟ فَقَالُوا : بَيِّنْ أَمْرَهُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : أَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيَّ أَنْ أَقُولَ فُلَانٌ كَذَا وَفُلَانٌ كَذَا . فَقَالَ : إذَا سَكَتّ أَنْتَ وَسَكَتّ أَنَا فَمَتَى يُعْرَفُ الْجَاهِلُ الصَّحِيحُ مِنْ السَّقِيمِ . وَمِثْلُ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْعِبَادَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ فَإِنَّ بَيَانَ حَالِهِمْ وَتَحْذِيرَ الْأُمَّةِ مِنْهُمْ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَعْتَكِفُ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ يَتَكَلَّمُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ ؟ فَقَالَ : إذَا قَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ فَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا أَفْضَلُ . فَبَيَّنَ أَنَّ نَفْعَ هَذَا عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ مِنْ جِنْسِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ إذْ تَطْهِيرُ سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينِهِ وَمِنْهَاجِهِ وَشِرْعَتِهِ وَدَفْعِ بَغْيِ هَؤُلَاءِ وَعُدْوَانِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْلَا مَنْ يُقِيمُهُ اللَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ هَؤُلَاءِ لَفَسَدَ الدِّينُ وَكَانَ فَسَادُهُ أَعْظَمَ مِنْ فَسَادِ اسْتِيلَاءِ الْعَدُوِّ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إذَا اسْتَوْلَوْا لَمْ يُفْسِدُوا الْقُلُوبَ وَمَا فِيهَا مِنْ الدِّينِ إلَّا تَبَعًا وَأَمَّا أُولَئِكَ فَهُمْ يُفْسِدُونَ الْقُلُوبَ ابْتِدَاءً . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ؛ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ } وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ } فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنَّهُ أَنْزَلَ الْحَدِيدَ كَمَا ذَكَرَهُ . فَقِوَامُ الدِّينِ بِالْكِتَابِ الْهَادِي وَالسَّيْفِ النَّاصِرِ { وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا } . وَالْكِتَابُ هُوَ الْأَصْلُ ؛ وَلِهَذَا أَوَّلُ مَا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ؛ وَمَكَثَ بِمَكَّةَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى هَاجَرَ وَصَارَ لَهُ أَعْوَانٌ عَلَى الْجِهَادِ .
وَأَعْدَاءُ الدِّينِ نَوْعَانِ :
الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُو نَ ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِجِهَادِ الطَّائِفَتَيْن ِ فِي قَوْلِهِ : { جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِي نَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } فِي آيَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ . فَإِذَا كَانَ أَقْوَامٌ مُنَافِقُونَ يَبْتَدِعُونَ بِدَعًا تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَيُلْبِسُونَهَ ا عَلَى النَّاسِ وَلَمْ تُبَيَّنْ لِلنَّاسِ : فَسَدَ أَمْرُ الْكِتَابِ وَبُدِّلَ الدِّينُ ؛ كَمَا فَسَدَ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَنَا بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ التَّبْدِيلِ الَّذِي لَمْ يُنْكَرْ عَلَى أَهْلِهِ . وَإِذَا كَانَ أَقْوَامٌ لَيْسُوا مُنَافِقِينَ لَكِنَّهُمْ سَمَّاعُونَ لِلْمُنَافِقِين َ : قَدْ الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ حَتَّى ظَنُّوا قَوْلَهُمْ حَقًّا ؛ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَصَارُوا دُعَاةً إلَى بِدَعِ الْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } فَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ بَيَانِ حَالِ هَؤُلَاءِ ؛ بَلْ الْفِتْنَةُ بِحَالِ هَؤُلَاءِ أَعْظَمُ فَإِنَّ فِيهِمْ إيمَانًا يُوجِبُ مُوَالَاتَهُمْ وَقَدْ دَخَلُوا فِي بِدَعٍ مِنْ بِدَعِ الْمُنَافِقِينَ الَّتِي تُفْسِدُ الدِّينَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْذِيرِ مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ وَإِنْ اقْتَضَى ذَلِكَ ذِكْرَهُمْ وَتَعْيِينَهُمْ ؛ بَلْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَلَقَّوْا تِلْكَ الْبِدْعَةَ عَنْ مُنَافِقٍ ؛ لَكِنْ قَالُوهَا ظَانِّينَ أَنَّهَا هُدًى وَأَنَّهَا خَيْرٌ وَأَنَّهَا دِينٌ ؛ وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَوَجَبَ بَيَانُ حَالِهَا . وَلِهَذَا وَجَبَ بَيَانُ حَالِ مَنْ يَغْلَطُ فِي الْحَدِيثِ وَالرِّوَايَةِ وَمَنْ يَغْلَطُ فِي الرَّأْيِ وَالْفُتْيَا وَمَنْ يَغْلَطُ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ ؛ وَإِنْ كَانَ الْمُخْطِئُ الْمُجْتَهِدُ مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ . فَبَيَانُ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاجِبٌ ؛ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ . وَمَنْ عُلِمَ مِنْهُ الِاجْتِهَادُ السَّائِغُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرُ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ وَالتَّأْثِيمِ لَهُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ خَطَأَهُ ؛ بَلْ يَجِبُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى مُوَالَاتُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَالْقِيَامُ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ مِنْ حُقُوقِهِ : مِنْ ثَنَاءٍ وَدُعَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ وَإِنْ عُلِمَ مِنْهُ النِّفَاقُ كَمَا عُرِفَ نِفَاقُ جَمَاعَةٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي وَذَوِيهِ وَكَمَا عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ نِفَاقَ سَائِرِ الرَّافِضَةِ : عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ وَأَمْثَالِهِ : مِثْلَ عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبِ ؛ فَهَذَا يُذْكَرُ بِالنِّفَاقِ . وَإِنْ أَعْلَنَ بِالْبِدْعَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ كَانَ مُنَافِقًا أَوْ مُؤْمِنًا مُخْطِئًا ذُكِرَ بِمَا يُعْلَمُ مِنْهُ فَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْفُوَ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا قَاصِدًا بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ . فَمَنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَوْ بِمَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ كَانَ آثِمًا . وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَالشَّاهِدُ وَالْمُفْتِي كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ : قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ : رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِخِلَافِ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } وَ " اللَّيُّ " هُوَ الْكَذِبُ وَ " الْإِعْرَاضُ " كِتْمَانُ الْحَقِّ ؛ وَمِثْلُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ؛ وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا } . ثُمَّ الْقَائِلُ فِي ذَلِكَ بِعِلْمِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حُسْنِ النِّيَّةِ فَلَوْ تَكَلَّمَ بِحَقِّ لَقَصَدَ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْفَسَادَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَرِيَاءً . وَإِنْ تَكَلَّمَ لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ كَانَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ خُلَفَاءِ الرُّسُلِ . وَلَيْسَ هَذَا الْبَابُ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ : { الْغِيبَةُ ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ } فَإِنَّ الْأَخَ هُوَ الْمُؤْمِنُ وَالْأَخُ الْمُؤْمِنُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي إيمَانِهِ لَمْ يَكْرَهْ مَا قُلْته مِنْ هَذَا الْحَقِّ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَهَادَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَوِيهِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِالْقِسْطِ وَيَكُونُ شَاهِدًا لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ وَالِدَيْهِ أَوْ أَقْرَبَيْهِ وَمَتَى كَرِهَ هَذَا الْحَقَّ كَانَ نَاقِصًا فِي إيمَانِهِ يَنْقُصُ مِنْ أُخُوَّتِهِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ إيمَانِهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ كَرَاهَتَهُ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي نَقَصَ مِنْهَا إيمَانُهُ ؛ إذْ كَرَاهَتُهُ لِمَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ تُوجِبُ تَقْدِيمَ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ } . ثُمَّ قَدْ يُقَالُ : هَذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي حَدِيثِ الْغِيبَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى . وَقَدْ يُقَالُ : دَخَلَ فِي ذَلِكَ الَّذِينَ خَصَّ مِنْهُ كَمَا يَخُصُّ الْعُمُومَ اللَّفْظِيَّ وَالْعُمُومَ الْمَعْنَوِيَّ وَسَوَاءٌ زَالَ الْحُكْمُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ أَوْ لِوُجُودِ مَانِعِهِ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ . وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ يُؤَوَّلُ إلَى اللَّفْظِ ؛ إذْ الْعِلَّةُ قَدْ يَعْنِي بِهَا التَّامَّةَ وَقَدْ يَعْنِي بِهَا الْمُقْتَضِيَةَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَوَالِبَ شَتَّى . تَارَةً فِي قَالِبِ دِيَانَةٍ وَصَلَاحٍ فَيَقُولُ : لَيْسَ لِي عَادَةً أَنْ أَذْكُرَ أَحَدًا إلَّا بِخَيْرِ وَلَا أُحِبُّ الْغِيبَةَ وَلَا الْكَذِبَ ؛ وَإِنَّمَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحْوَالِهِ . وَيَقُولُ : وَاَللَّهِ إنَّهُ مِسْكِينٌ أَوْ رَجُلٌ جَيِّدٌ ؛ وَلَكِنْ فِيهِ كَيْت وَكَيْت . وَرُبَّمَا يَقُولُ : دَعُونَا مِنْهُ اللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا وَلَهُ ؛ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ اسْتِنْقَاصُهُ وَهَضْمٌ لِجَانِبِهِ . وَيُخْرِجُونَ الْغِيبَةَ فِي قَوَالِبَ صَلَاحٍ وَدِيَانَةٍ يُخَادِعُونَ اللَّهَ بِذَلِكَ كَمَا يُخَادِعُونَ مَخْلُوقًا ؛ وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْهُمْ أَلْوَانًا كَثِيرَةً مِنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْفَعُ غَيْرَهُ رِيَاءً فَيَرْفَعُ نَفْسَهُ فَيَقُولُ : لَوْ دَعَوْت الْبَارِحَةَ فِي صَلَاتِي لِفُلَانِ ؛ لَمَا بَلَغَنِي عَنْهُ كَيْت وَكَيْت لِيَرْفَعَ نَفْسَهُ وَيَضَعَهُ عِنْدَ مَنْ يَعْتَقِدُهُ . أَوْ يَقُولُ : فُلَانٌ بَلِيدُ الذِّهْنِ قَلِيلُ الْفَهْمِ ؛ وَقَصْدُهُ مَدْحُ نَفْسِهِ وَإِثْبَاتُ مَعْرِفَتِهِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْمِلُهُ الْحَسَدُ عَلَى الْغِيبَةِ فَيَجْمَعُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَبِيحَيْنِ : الْغِيبَةِ وَالْحَسَدِ . وَإِذَا أَثْنَى عَلَى شَخْصٍ أَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ تَنَقُّصِهِ فِي قَالِبِ دِينٍ وَصَلَاحٍ أَوْ فِي قَالِبِ حَسَدٍ وَفُجُورٍ وَقَدْحٍ لِيُسْقِطَ ذَلِكَ عَنْهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَالِبِ تمسخر وَلَعِبٍ لَيُضْحِكَ غَيْرَهُ
فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَغْتَابُ مُوَافَقَةً لِجُلَسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَعَشَائِرِهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْمُغْتَابَ بَرِيءٌ مِمَّا يَقُولُونَ أَوْ فِيهِ بَعْضُ مَا يَقُولُونَ ؛ لَكِنْ يَرَى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ قَطَعَ الْمَجْلِسَ وَاسْتَثْقَلَهُ أَهْلُ الْمَجْلِسِ وَنَفَرُوا عَنْهُ فَيَرَى مُوَافَقَتَهُمْ مِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَطِيبِ الْمُصَاحَبَةِ وَقَدْ يَغْضَبُونَ فَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ فَيَخُوضُ مَعَهُمْ .بِاسْتِهْزَائِ� �ِ وَمُحَاكَاتِهِ وَاسْتِصْغَارِ الْمُسْتَهْزَأِ بِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَالِبِ التَّعَجُّبِ فَيَقُولُ تَعَجَّبْت مِنْ فُلَانٍ كَيْفَ لَا يَفْعَلُ كَيْت وَكَيْت وَمِنْ فُلَانٍ كَيْفَ وَقَعَ مِنْهُ كَيْت وَكَيْت وَكَيْفَ فَعَلَ كَيْت وَكَيْت فَيُخْرِجُ اسْمَهُ فِي مَعْرِضِ تَعَجُّبِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الِاغْتِمَامَ فَيَقُولُ مِسْكِينٌ فُلَانٌ غَمَّنِي مَا جَرَى لَهُ وَمَا تَمَّ لَهُ فَيَظُنُّ مَنْ يَسْمَعُهُ أَنَّهُ يَغْتَمُّ لَهُ وَيَتَأَسَّفُ وَقَلْبُهُ مُنْطَوٍ عَلَى التَّشَفِّي بِهِ وَلَوْ قَدَرَ لَزَادَ عَلَى مَا بِهِ وَرُبَّمَا يَذْكُرُهُ عِنْدَ أَعْدَائِهِ لِيَشْتَفُوا بِهِ . وَهَذَا وَغَيْرُهُ مِنْ أَعْظَمِ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْمُخَادَعَا تِ لِلَّهِ وَلِخَلْقِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُظْهِرُ الْغِيبَةَ فِي قَالِبِ غَضَبٍ وَإِنْكَارِ مُنْكَرٍ فَيُظْهِرُ فِي هَذَا الْبَابِ أَشْيَاءَ مِنْ زَخَارِفِ الْقَوْلِ وَقَصْدُهُ غَيْرُ مَا أَظْهَرَ . وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
مجموع الفتاوى 28/من الصفحة 222 إلى الصفحة 238.طبعة دار الوفاء الثالثة ، 1426 هـ / 2005م المحقق : أنور الباز - عامر الجزار


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.66 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.31%)]