سلوة القلوب في فرقة المحبوب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 96 - عددالزوار : 51487 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 49 - عددالزوار : 14437 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 221 - عددالزوار : 68822 )           »          انحراف الفكر مجلبة لسوء العمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق الصحفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الهداية والعقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حقوق غير المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          مواقيت الصلوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 295 )           »          الاستصناع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          تخريج حديث: إذا أراد أحدكم أن يتبول فليرتد لبوله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-08-2020, 01:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلوة القلوب في فرقة المحبوب

وقد يمثّل الموت أقسى لحظات الألم حين يُودَّع من سكن بطن الأرض غائبا لا يؤوب، شعورٌ لا يُعادله آخر.



يا أهل المصائب والمحن، يا من سجّل الفراق بصمة في حياته بفقْد أخ عزيز، يكفيكَ شرفا ما تناله في الآخرة من جزاء تُغبط عليه لمجرّد أنّك أحببتَ في الله، فقد أخبرنا الرَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن مِن بين السَّبعة الذين يظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه :«رَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ».[15]



فماذا عن مفارقة الدّيار والعيش بعيدا عن الأوطان؟

الوطن هو الأرض هو الأم هو الذكريات، وحبُّ الأوطان متأصّلٌ في النَّفس البشرية، يحرِّك مكامن الشُّعور، والعيش بعيدا عنه يثير في القلب حنينا إلى تُربة الصِّبا، والتغرُّب عن الأوطان كُرهًا من المحن التي يتعرَّض لها الإنسان على مرِّ الأزمان، وليس أفضل من مثال نسوقه، ما تعرَّض له نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين غادر مكة مهبط الوحي وموطنه الأول، متّجها نحو المدينة المنورة، فقال: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ».[16]



ولأنَّ الاغتراب عن الأوطان فيه حَسرة للنُّفوس، فقد جُعل تأديباً للزَّاني، قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ»[17]



وكثيرا ما يُغادر الإنسان موطنه الذي درج فيه مضطرًّا، لكن حنينه يبقى يرسم صورة فراق الإنسان للأرض، مثلما تحنُّ الإبل إلى أوطانها والطيور إلى أوكارِها، إنه هوى الدِّيار، فما الحنينُ إلا لأوّل منزل!



قيل لبعض الأعراب: «ما الغبطة؟» قال: «الكفاية مع لزوم الأوطان، والجلوس مع الإخوان» قيل: «فما الذّلّة؟» قال: «التنقُّل في البلدان، والتنحِّي عن الأوطان»[18].



وقال العجم في فرقة الأوطان: «من علامة الرُّشد أن تكون النَّفس إلى مولدها مُشتاقة، وإلى مسْقَط رأسها توّاقة»[19].



فهذا حبُّ بغداد يستنزف العبرات من الأجفن استنزافا، يقول زكي مبارك:



أبغداد هَلْ تدرين أنِّي مُودّعٌ

وأنَّ سمومَ البيْن تلفَحُ أحْشَائي




وَرِدْتُكِ مُلْتاعاً أُصَارِعُ في الهوى

دُموع رفاقٍ وامِقين أخلّاء




لحُبِّكِ يا بغداد والحبُّ أهْوَجٌ

رأيتُ فَنائي فِيكَ مَشْرق إحْيَاء







وحكي أن القاضي أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن أبي يغمور لما ندبه أهل الأمر لولاية القضاء بمدينة فاس خرج إليها مضطرا، وخرج الناس لوداعه، فأنشد:



عَلَيْكُمْ سَلام الله إنّي رَاحِلٌ

وعيناي من خَوْفِ التفَرُّق تَدْمعُ




فإنْ نحْنُ عِشْنَا فَهُوَ يجمَعُ بَيْنَنَا

وإنْ نحْنُ مِتْنَا فالقِيَامَةُ تجْمَعُ







وعن هجْر أرض الكنانة يقُول محمد سامي البارودي بلهفة المشتاق:



يَا حَبَّذَا مِصْرُ لَوْ دَامَتْ مَوَدَّتُهَا

وَهَلْ يَدُومُ لِحَيٍّ فِي الْوَرَى سَكَنُ




تَاللَّهِ مَا فَارَقَتْهَا النَّفْسُ عَنْ مَلَلٍ

وَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ لَهَا إِحَنُ







وكثيرا ما تتتابع الخطوب، و يجتمع فراق الوطن بفراق الأحبّة، وحينها يكون القلب موجوعا مفجوعا، وقد قال بعض أهل العلم «فَقْدُ الأحبّة في الأوطان غُرْبة، فكيف إذا اجتمعت الغربةُ وفَقْدُ الأحبّة؟»[20].



وداعا والقلب يقول تمهَّل وماء العين منحدر مسترسل، لا مفر هذا ديدن الحياة، من حقِّك أن تحزن، على أن لا يطول حزنك فالحياة بين فرح وحزن تمضي.



وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ

وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ[21]







ومن حقِّك أن تبكي، فلتذرف العين دمعا، فلربما أخمدت لهيب الشوق في القلوب، على أن لا يطول البكاء، كي لا تحيل حياتك جحيما يتأجّج.







لعل انحدار الدَّمع يُعْقِبُ راحةً

من الوَجْد أو يَشْفي شَجِيّ البَلاَبِل[22]







لكن لا بد من أن تحتسب المصيبة وتكون على يقين وثقة بجزيل الثَّواب من ربِّ الأرباب، والصبرَ الصبرَ، فلن تردَّ الغائب ولن يقع إلا ما شاء الله أن يقع.





أَيَّتُها النَفسُ أَجمِلي جَزَعا

إِنَّ الَّذي تَحذَرينَ قَد وَقَعا[23]







يا أصحاب المصائب، تعالوا نختم حديثنا –والحديث ذو شجون- بما رُوي عن شُرَيْح القاضي وهو يحمد الله على المصيبة أَربع مرَّات، فيقول: «إِنِّي لأُصاب بالمصيبة، فأَحْمَد الله عز وجلَّ عليها أربع مرَّات، أحمده إذْ لم تكن أعظم ممّا هي، وأحمده إِذْ رزقنِي الصَّبر عليها، وأحمده إِذْ وفَّقني للاسترجاع، لما أرجُو فيه من الثَّواب، وأحمده إِذْ لم يجعلها في ديني»[24].



ربِّ إن ابتليتنا بالفراق يوما، فرحمتك نرجو، وفي لطفك نطمع، ربِّ أفرغ علينا صبرا، اللهم اجعلنا من الذين إذا أصابتهم سراء كانوا من الشاكرين، وإذا أصابتهم ضراء كانوا من الصابرين،ï´؟ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ï´¾ [الزمر: 10]، والحمد لله حمدا كثيرا طيّبا مُباركا فيه.





[1] الحديث رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها، ينظر: صحيح البخاري، 4/133 ورواه مسلم عن أبي هريرة، ينظر: صحيح مسلم، 4/2031.




[2] شعر: الطيّب المتنبي.



[3] شعر: ابن أبي الخصال.



[4] ابن حزم الأندلسي، طوق الحمامة في الألفة والألّاف، تحقيق: إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ط2، 1987م، 215-223.



[5] شعر: أبو العتاهية.



[6] زوج مرضعته وهي خولة بنت المنذر الأنصارية النجارية.



[7] الحديث رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ينظر:صحيح البخاري، 2/83.



[8] شعر: أبو العتاهية.



[9] الحديث رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري، ينظر: صحيح مسلم، 4/1961.



[10] الحديث رواه ابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها، ينظر: سُنن ابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، فيصل عيسى البابي الحلبي، 1/510، الحديث صحّحه الشيخ الألباني.



[11] الحديث رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه، ينظر: صحيح البخاري، 2/71.



[12] الحديث رواه البخاري عن أبي هريرة، ينظر: صحيح البخاري، 8/90.



[13] الحديث رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري، ينظر: صحيح البخاري، 1/32.



[14] الحديث رواه البخاري عن أبي هريرة، صحيح البخاري، 2/73.



[15] الحديث رواه البخاري عن أبي هريرة، ينظر: صحيح البخاري، 1/133، ورواه مسلم عن أبي هريرة، ينظر: صحيح مسلم، 2/715.



[16] الحديث رواه الترمذي عن عبد الله بن عدي بن حمراء، ينظر: سنن الترمذي، 5/722 والحديث صحّحه الشيخ الألباني، يمظر الجامعا لصعير وزيادته (13045) والحديث صحيحٌ على شرط الشَّيخين ولم يُخَرِّجاه، ينظر: الحاكم، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411 هـ، 1990م، 3/8.



[17] رواه مسلم عن عبادة بن الصامت، ينظر: صحيح مسلم، 1316.



[18] الجاحظ، رسائل الجاحظ، (الرسالة السابعة عشرة) تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1384 هـ / 1964 م، 2/385.



[19] الجاحظ، رسائل الجاحظ، 2/385.




[20] أبو الفرج الأصبهاني، كتاب أدب الغرباء، دار الكتاب الجديد، بيروت، لبنان، 1972م، 32.



[21] شعر: أبو البقاء الرندي.



[22] شعر: ذو الرُّمة.



[23] شعر: أوس بن حجر .



[24] التنوخي، الفرج بعد الشدّة، تحقيق: عبود الشالجي، دار صادر، بيروت، 1398 هـ/ 1978م، 1/158.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.83 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.69%)]