صديقي رمضان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 219 - عددالزوار : 141179 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 100 - عددالزوار : 20005 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 19108 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 226 - عددالزوار : 73510 )           »          فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 116 )           »          إزالة الأذى والسموم من الجسوم في الطب النبوي (pdf) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          صناعة المالية الإسلامية تعيد الحياة إلى الفقه الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          مواقيت الصلوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 3550 )           »          علة حديث: ((الصراط أَدقُّ من الشعرة وأَحدُّ من السيف)) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          صدى المعنى في نسيج الصوت: الإعجاز التجويدي والدلالة القرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-03-2020, 08:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,222
الدولة : Egypt
افتراضي صديقي رمضان

صديقي رمضان
علي الطنطاوي


صديق عزيز، لقيته وأنا طفل في دمشق، ثم افتقدته وأنا شاب أذرع الأرض وأضرب في بلاد الله، ففرحت بلقائه وأحببته، وألمت لفقده وازداد حنيني إليه، فأين أنت يا صديقي رمضان؟
كنت أرقب قدومه، وأحسب له الأيام والليالي على مقدار ما يحسن طفل من الحساب، فإذا جاء فرحت به وضحكت له روحي لأني كنت أرى الدنيا تضحك له وتفرح بقدومه.
كنت أبصره في المدرسة، فالمدرسة في رمضان مسجد، وفيها تلاوة وذكر، وأهلوها أحبة، ما فيهم مدرس يقسو على طلاب، وطلاب يكرهون المدرس؛ لأن رمضان وصل النفوس بالله، أشرق عليها من لدنه النور فذاقت حلاوة الإيمان، ومن ذاق حلاوة الإيمان، لم يعرف البغض ولا الشر ولا العدوان.
كنت أراه في الأسواق، فالأسواق تعرض بضاعة رمضان وتفيض عليها روح رمضان فتمحو الغش من نفوس أهلها محواً ويملؤها خوف الله ورجاؤه، وتقف ألسنتهم عن الكذب لأنها عمرت بذكر الله واستغفاره، وهانت عليهم الدنيا حين أرادوا الله والدار الآخرة، فغدا الناس آمنين أن يغشهم تاجر، أو يخدعهم في مال أو متاع، ويمضي النهار كله على ذلك، فإذا كان الأصيل ودنا الغروب تجلى رمضان على الأسواق بوجهه فهشت له وجوه الناس، وهتفت باسمه ألسن الباعة، فلا تسمع إلا أمثال قولهم: "الصايم في البيت بركة"، "الله وليك يا صايم"، "الله وليك ومحمد نبيك"، ثم لا ترى إلا مسرعاً إلى داره حاملاً طبق الفول "المدمس"، أو "المسبحة" أو سلال الفاكهة أو قطع "الجرادق" (وهي أطباق جافة رقيقة وكبيرة)، ثم لا تبصر إلا مراقباً المنارة في دمشق ذات الثمانين منارة، أو منتظراً المدفع، فإذا سمع أذان المؤذن أو طلقة المدفع دخل داره، والأطفال يجتمعون في كل رحبة في دمشق ليسمعوها فيصيحون: أذن..أذن..أذن.. ثم يطيرون إلى منازلهم كالظباء النافرة.
وكنت أبصر رمضان يؤلف بين القلوب المتباينة، ويجلو الأخوة الإسلامية رابطة (المسلم أخو المسلم)، فتبدو في أكمل صورها فيتقابل الناس عند الغروب تقابل الأصدقاء على غير معرفة متقدمة فيتساءلون ويتحدثون ثم يتبادلون التمر والزبيب، ويقدمون الفطور لمن أدركه المغرب على الطريق فلم يجد ما يفطر عليه، تمرة أو حبة من زبيب، هينة في ذاتها، تافهة في ثمنها، ولكنها تنشئ صداقة وتدل على عاطفة، وتشير إلى معنى كبير.
وكنت أنظر إلى رمضان وقد سكن الدنيا ساعة الإفطار، وأراح أهلها من التكالب على الدنيا والازدحام على الشهوات، وضم الرجل إلى أهله، وجمع الأسرة على أحلى مائدة وأجمل مجلس وأنفع مدرسة.
فوا شوقاه إلى موائد رمضان وأنا الغريب الوحيد في مطعم لا أجد فيه صائماً ولا أسمع فيه أذاناً ولا أرى فيه ظلاً لرمضان.
فإذا انتهت ساعة الإفطار، بدأ رمضان يظهر في جلاله وجماله وعظمته المهولة في المسجد الأموي أجل مساجد الأرض اليوم(1)، وأجملها وأعظمها، وكنت أذهب إلى المسجد بعد المغرب وأنا طفل فأراه عامراً بالناس ممتلئاً بحلق العلم كما كان عامراً بهم ممتلئاً بها النهار بطوله، فأجول فيه مع صديقي سعيد الأفغاني خلال الحلقات نستمع ما يقوله المدرسون والوعاظ، وأشهد ثرياته وأضواءه وجماعاته، ومن صنع الله لهذا المسجد أن صلاة الجماعة لا تنقطع فيه خمس دقائق من الظهر إلى العشاء الآخرة في أيام السنة كلها، وقد بقي ذلك إلى اليوم على ضعف الدين في النفوس وفساد الزمان.. ولا أنسى تلك الثريا الضخمة ولم تكن قد مدت إليها الكهرباء، فكانت توقد مصابيحها وهي أكثر من ألف بالزيت واحد بعد واحد يشعلها الحسكيون -(الحسكي خادم الأموي)-، وهم يطوفون بها على سلالم قصيرة من الخشب، فيكون لذلك المشهد أثر في النفس واضح، ثم يكون العشاء وتقوم من بعده التراويح ولها في الأموي منظر ما رأيت أجل منه ولا أعظم إلا صلاة المغرب حول الكعبة في مسجد الله الحرام فإن ذلك يفوق الوصف، ولا يعرف قدره إلا بالعيان. وليس يقل من يصلي التراويح في الأموي عن خمسة آلاف أصلاً، وقد يبلغون في الليالي الأواخر الخمسة عشر والعشرين ألفاً، وهو عدد يكاد يشك فيه من لم يكن عارفاً بحقيقته ولكنه الواقع، يعرف ذلك الدماشقة ومن رأى الأموي من غيرهم.
وحدّث عن الليالي الأواخر (في دمشق) ولا حرج، وبالغ ولا تخش كذباً، فإن الحقيقة توشك أن تسبقك مبالغة، تلك هي ليالي الوداع يجلس فيها الناس صفوفاً حول السدة بعد التراويح، ويقوم المؤذنون والمنشدون فينشدون الأشعار في وداع رمضان بأشجى نغمة وأحزنها ثم يردد الناس كلهم:
"يا شهرنا ودعتنا عليك السلام.. يا شهرنا هذا عليك السلام".
ويتزلزل المسجد من البكاء حزناً على رمضان.
وسَحَر رمضان.. إنه السِّحر الحلال.. إنه جنة النفس ونعيمها في هذه الدنيا، وإني لأقنع من جنات الفردوس أن تكون مثل سحر رمضان، فأين ذهب رمضان؟ وأنى لي بأن تعود أيامي التي وصفت لأعود إليه؟
ذمّ المنازل بعد منزلة اللوى *** والعيش بعد أولئك الأيام
إني لا أشتهي شيئاً إلا أن أعود طفلاً صغيراً لأستمتع بجو المسجد في رمضان وأنشق هواءه وأتذوق نعيمه. لم أعد أجد هذا النعيم، وما تغيرت أنا أفتغيرت الدنيا؟
إني لأتلفت أفتش في غربتي عن رمضان فلا ألقاه لا في المسجد ولا في السوق ولا في المدرسة، فهل مات رمضان؟ إذن فإنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد فقدت أنس قلبي يوم فقدت أمي، وأضعت راحة روحي يوم افتقدت رمضان، فعلى قلبي وأمي ورمضان وروحي رحمة الله وسلامه!.
ــــــــــــ
(1) حسب رأيه -رحمه الله-
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 49.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.61 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.38%)]