|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() مختصر الكلام على بلوغ المرام(34) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك باب وُجُوهِ الإِحْرَامِ وَصِفَتِهِ • المراد بوجوه الإحرام أنواعه، وهو الإحرام بالحج، أو العمرة أو مجموعهما. 691- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "خَرَجْنا مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عامَ حَجّةِ الوداع فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بعُمْرةٍ، ومنَّا مَنْ أَهَلَّ بحَجٍّ وَعُمْرةٍ، ومِنَّا مَنْ أَهَلَّ بحجٍّ، وَأَهَلَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالحجِّ فَأَمّا مَنْ أَهلّ بعُمْرةٍ فَحَلَّ، وأَمّا مَنْ أهَلّ بحَجٍّ أوْ جمعَ بين الحجِّ والعُمْرةِ فلمْ يَحِلُّوا حتى كان يوْمُ النحر" مُتّفقٌ عليه. الإهلال: رفع الصوت بالتلبية عند الدخول في الإحرام؛ والأنساك ثلاثة أنواع: التمتع، والقران، والإفراد، فالتمتع هو الاعتمار في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والإهلال بالحج في تلك السنة، والقران أن يحرم بالحج والعمرة معاً أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها بالحج، والإفراد أن يحرم بالحج مفرداً، قولها: (وأهلّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج) أي في أول إحرامه ثم أدخل عليه العمرة حين أتى الوادي وقيل له: قل: عمرة في حجة، ولهذا قالت له حفصة: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر، قال الحافظ: والذي تجتمع به الروايات أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارناً بمعنى أنه أدخل العمرة على الحج بعد أن أهلّ به مفرداً لا أنه أول ما أهل أحرم بالحج والعمرة معاً. (قولها: فأما من أهلّ بعمرة فحل) أي حين قدم مكة وطاف وسعى وقصر، (قولها: وأما من أهل بحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر) أي الذين ساقوا الهدي لحديث جابر: "أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالحج" الحديث وفيه: "فأمرهم أن يجعلوها عمرة فيطوفوا ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر؟ فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت"، وفي هذا الحديث دليل على جواز فسخ الحج إلى العمرة، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض؛ ويجعلون المحرم صفراً ويقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر، قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه صبيحة رابعة من ذي الحجة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فقالوا: يا رسول الله أيّ الحل؟ قال: الحل كله" متفق عليه. ويجب على المتمتع والقارن دم لقوله تعالى: ï´؟ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ï´¾ الآية، قال الموفق: ولو ساق المتمتع هدياً لم يكن له أن يحل، والمرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت فخشيت فوات الحج أحرمت بالحج وصارت قارنة، قال في الشرح الكبير: إذا كان مع المفرد والقارن هدي فليس له أن يحل من إحرامه ويجعله عمرة بغير خلاف علمناه انتهى، واختلف العلماء أي الأنساك أفضل؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن ساق الهدي فالقران أفضل، وإن لم يسق فالتمتع أفضل، ومن أراد أن ينشئ لعمرته من بلده سفراً فالإفراد أفضل له، وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة. انتهى والله أعلم.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() مختصر الكلام على بلوغ المرام(35) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك باب الإِحْرَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الإحرام: الدخول في النسك والتشاغل بأعماله 692- عن ابن عُمر - رضي الله عنهما - قال: "مَا أَهَلَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلا من عِنْد المَسْجد" متّفقٌ عليه. • الحديث يدل على أن الأفضل أن يحرم من الميقات لا قبله. وأخرج أبو داود والحاكم من حديث ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - لما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أهل بالحج حين فرغ منهما فسمع قوم فحفظوه فلما استقلت به راحلته أهلّ وأدرك ذلك منه قوم لم يشهدوا في المرة الأولى فسمعوه حين ذلك فقالوا: إنما أهلّ حين استقلت به راحلته، ثم مضى لما علا على شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل كما سمع. 693- وَعَنْ خلاَّد بن السّائبِ عَنْ أَبيه - رضي الله عنه - أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَتاني جبريلُ فأَمرني أَن آمُرَ أصحابي أَنّ يرْفعُوا أَصواتَهُم بالإهْلاَل" رواه الخمسة وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ. • الحديث دليل على استحباب رفع الصوت بالتلبية. 694- وعنْ زيد بن ثابت - رضي الله عنه - "أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تجرَّد لإهلالِهِ واغتسل" رواه الترمذي وحسّنهُ. • الحديث دليل على استحباب الاغتسال عند الإحرام. 695- وعن ابن عُمر - رضي الله عنهما - أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سئل عَمَّا يلبس المُحِرم من الثِّياب؟ قال: "لا يَلْبَسُ القَمِيصَ ولا العمائمَ ولا السَّرَاويلات ولا البرَانِسَ ولا الخِفَاف إلا أَحدٌ لا يجد نَعْلَيْنِ فَليَلْبس الخُفَّين ولْيقطَعهما أَسْفل من الكعبين، ولا تلبَسُوا شيئاً من الثِّيابِ مَسّهُ الزَّعْفرانُ ولا الْوَرْسُ" مُتّفقٌ عليهِ واللفظ لمسلم. • قال العلماء: هذا الجواب من بديع الكلام وأجزله لأن ما لا يلبس منحصر فحصل التصريح به، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر، فقال: لا يلبس كذا أي ويلبس ما سواه، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ما ذكر وإنما تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران والورس، وقال عياض: أجمع المسلمون على أن ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم وأنه نبه بالقميص والسراويل على كل مخيط، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس به مخيطاً أو غيره، وبالخفاف على كل ما يستر الرجل، قال الحافظ: والمراد بتحريم المخيط ما يلبس على الموضع الذي جعل له ولو في بعض البدن فأما لو ارتدى بالقميص مثلاً فلا بأس، قال العلماء: والحكمة في منع المحرم من اللباس والطيب البعد عن الترفه والاتصاف بصفة الخاشع وليتذكر بالتجرد القدوم على ربه فيكون أقرب إلى مراقبته وامتناعه من ارتكاب المحظورات انتهى، قال في الاختيارات: ويجوز للمرأة المحرمة أن تغطي وجهها بملاصق خلا النقاب والبرقع، ويجوز عقد الرداء في الإحرام ولا فدية انتهى. 696- وعَنْ عائشةَ - رضي الله عنها - قالت: "كُنْتُ أُطيِّبُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرمَ ولحلِّه قبل أن يطوفَ بالبيت" مُتفقٌ عليه. • الحديث دليل على استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وهو قول الجمهور، وفيه استحباب الطيب بعد التحلل الأول. 697- وعن عثمان بن عفانَ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَنْكِحُ المُحْرم ولا يُنْكِحُ ولا يَخْطُبُ"رواهُ مُسْلمٌ. • الحديث دليل على تحريم العقد على المحرم لنفسه ولغيره وتحريم الخطبة كذلك ولا فدية. 698- وعنْ أَبي قَتَادة الأنصاري - رضي الله عنه - في قِصَّة صَيْدِهِ الحمارَ الوَحْشيَّ وَهُوَ غيرُ مُحرم قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابهِ وكانوا مُحْرمين: "هَلْ مِنْكمْ أَحَدٌ أَمرَهُ أَوْ أَشارَ إليْه بشيءٌ؟" قالوا: لا، قال: "فكُلُوا ما بقيَ من لحْمِه" متفقٌ عَلَيْهِ. • الحديث دليل على جواز أكل المحرم لصيد البر إذا صاده غير محرم ولم يكن منه إعانة على قتله بشيء وهو قول الجمهور. 699- وَعَن الصَّعب بن جَثّامة الليثي - رضي الله عنه - أَنّهُ أَهْدَىِ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حماراً وحْشياً وهو بالأبواءِ أو بِوَدَّانٍ فردَّهُ عليه، وقال: "إنّا لمْ نُردُّهُ عليك إلا أَنّا حُرُم" مُتّفقٌ عليه. • الحديث دليل على أنه لا يحل لحم الصيد للمحرم مطلقاً، وقال الشافعي: إن كان الصعب أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - الحمار حياً فليس للمحرم ذبح حمار وحشي، وإن كان أهدى لحم حمار فيحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - قد فهم أنه صاده لأجله انتهى، والجمع بين الحديثين ما رواه جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصد لكم) أخرجه أصحاب السنن. 700- وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خمسٌ من الدوابِّ كُلُّهُنَّ فَوَاسِقُ يُقْتلنَ في الحلِّ والحرَمِ: الْعقربُ والحدَأَةُ والغُرابُ والفأرةُ والكلبُ العقور" متّفقٌ عليه. • الحديث دليل على جواز قتل الفواسق المذكورات في الحرم وللمحرم لما فيها من الأذى ولا فدية، قال ابن المنذر: لا نعلم اختلفوا في جواز قتل العقرب، وقال نافع لما قيل له: فالحية؟ قال: لا يختلف فيها، وفي رواية ومن يشك فيها، وقال مالك في الموطأ: كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب هو العقور. 701- وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - "أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - احتجمَ وهُوَ مُحْرمٌ" مُتّفَقٌ عليه. • الحديث دليل على جواز الحجامة للمحرم، قال في سبل السلام: وهو إجماع في الرأس وغيره إذا كان لحاجة فإن قلع من الشعر شيئاً كان عليه فدية الحلق وإن لم يقلع فلا فدية عليه، وقد نبه الحديث على قاعدة شرعية وهي أن محرمات الإحرام من الحلق ونحوه تباح للحاجة وعليه الفدية وعليه دل قوله تعالى: ï´؟ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ï´¾ [البقرة: 196]، انتهى ملخصاً. 702- وعن كعب بن عُجْرة - رضي الله عنه - قال: حُمِلْت إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - والقَمْلُ يتناثرُ على وجْهِي فقالَ: "ما كُنْتُ أُرى الوَجَع بلغَ بك ما أرى أتَجِدُ شاةً؟" قلتُ: لا، قال: "فَصُم ثلاثة أَيّام أَوْ أَطْعمْ سِتّةَ مساكينَ لكُلِّ مسكين نصفُ صاع" متفقٌ عليه. • قال ابن عبد البر: فيه إشارة إلى ترجيح الترتيب لا إيجابه، قال ابن التين وغيره: جعل الشارع هنا صوم يوم معادلاً بصاع، وفي الفطر في رمضان عدل مد وكذا في الظهار والجماع في رمضان وفي كفارة اليمين بثلاثة أمداد وثلث، وفي ذلك أقوى دليل على أن القياس لا يدخل في الحدود والتقديرات. 703- وعن أَبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: لمّا فتح اللهُ على رسولهِ - صلى الله عليه وسلم - مكّة قام رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في النّاس فحَمِدَ الله وأَثنى علَيْهِ ثم قال: "إنَّ الله حَبَس عنْ مَكّةَ الفيل وسلّطَ عليها رسُولَـهُ والمؤمنِين، وإنها لم تَحِلَّ لأحد كان قبلي، وإنّما أُحِلَّتْ لي ساعةً من نهار، وإنها لن تَحِلَّ لأحدٍ بَعْدي، فلا يُنْفّرُ صَيْدُها، ولا يُخْتَلى شَوْكُها، ولا تَحِلُّ ساقطَتُها إلا لمُنْشدٍ، ومن قُتل لـهُ قتيلٌ فَهُوَ بخير النَّظَرينِ". فقال العباس: إلا الإذْخر يا رسولَ اللهِ فإنّا نجعلُهُ في قبورِنا وبيوتِنا فقال: "إلا الإذْخِرَ" متفقٌ عليه. • الجمهور على أن مكة فتحت عنوة، والحديث دليل على أنه لا يحل القتال بمكة، قال الماوردي: من خصائص الحرم أنه لا يحارب أهله وإن بغوا على أهل العدل، وقالت طائفة بجوازه، وفي الحديث دليل على تحريم صيدها وبالأولى تحريم قتله، وعلى تحريم قطع شوكها ويفيد تحريم قطع ما لا يؤذي بالأولى، واتفق العلماء على تحريم قطع أشجارها التي لم ينبتها الآدميون في العادة، وعلى تحريم قطع خلاها وهو الرطب من الكلأ إلا الإذخر، وفيه دليل على أنها لا تحل لقطتها إلا لمن يعرّف بها أبداً ولا يتملكها، (قوله: ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين) أي مُخير بين القصاص والدية. 704- وعنْ عبد الله بن زيد بن عاصم - رضي الله عنه - أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ إبراهيم حرَّمَ مَكّة ودعا لأهْلِها وإني حَرَّمْتُ المدينةَ كمَا حَرَّم إبراهيمُ مَكّة، وإني دعْوتُ في صَاعِها ومُدِّها بمثِلْي ما دعا به إبراهيمُ لأهل مكّة" متفقٌ عليه. • الحديث دليل على فضل المدينة، وأنها حرام. 705- وعن عليِّ بن أَبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "المدينةُ حَرَامٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثَوْر" رواه مُسلمٌ. • قيل: إن خلف أحد عن شماله جبلاً صغيراً مدوراً يسمى ثوراً يعرفه أهل المدينة، قال في القاموس: وعير وثور مكتنفان المدينة، قال الموفق: ويحرم صيد المدينة وشجرها وحشيشها إلا ما تدعو الحاجة إليه من شجرها للرحل والعارضة والقائمة ونحوها، ومن حشيشها للعلف، ومن أدخل إليها صيداً فله إمساكه وذبحه ولا جزاء في صيد المدينة وعنه جزاؤه سلب القاتل لمن أخذه وحدّ حرمها ما بين ثور إلى عير وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حول المدينة اثني عشر ميلاً حمى انتهى والله أعلم.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() مختصر الكلام على بلوغ المرام(37) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (بابُ الفَواتِ وَالإِحصَارِ) 744- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قَدْ أُحْصر رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَحَلَق رَأْسَهُ، وجامع نِساءَهُ، ونَحَر هَدْيهُ، حتى اعْتَمر عاماً قابلاً" رواه البُخاريُّ. الإحصار يكون من كل حابس يحبس الحاج من عدو ومرض وغير ذلك، واختلف العلماء في وجوب الهدي على المحصر؛ فذهب الأكثر إلى وجوبه لقوله تعالى: ï´؟ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ï´¾ [البقرة: 196]، قال الشافعي: فحيث أحصر ذبح وحل ولا قضاء عليه. 745- وعن عائشةَ - رضي الله عنها - قالت: دخل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على ضُبَاعةَ بنتِ الزُّبَيْر بن عبدالمطلب - رضي الله عنها - فقالت: يا رسولَ الله إني أُريد الحجَّ وأَنا شاكيةٌ؟ فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "حُجِّي واشترِطِي أَنْ محلِّي حَيْثُ حَبَسْتني" مُتفقٌ عليه. الحديث دليل على أن المحرم إذا اشترط في إحرامه ثم عرض له المرض فإن له أن يتحلل ولا يلزمه ما يلزم المحصر من هدي ولا غيره. 746- وعن عِكْرِمة عن الحجَّاج بن عَمْرو الأنصاريِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كُسرَ أَوْ عَرجَ فَقَدْ حَلَّ وعليه الحجُّ مِنْ قابل" قال عِكْرمةُ: فسأَلتُ ابنَ عَبّاس وأَبا هُريْرةَ عنْ ذلكَ؟ فقالا: صَدَقَ. رواهُ الخمسة وحَسَّنَهُ الترمذيُّ. الحديث دليل على أن من أحرم فأصابه مانع من مرض أو غيره فإنه يصير حلالاً وعليه القضاء إذا لم يكن قد أتى بالفريضة، قال في الاختيارات: والمحصر بمرض أو ذهاب نفقة كالمحصر بعدد وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومثله حائض تعذر مقامها وحرم طوافها، أو رجعت ولم تطق لجهلها بوجوب طواف الزيارة أو لعجزها عنه أو لذهاب الرفقة، والمحصر يلزمه دم في أصح الروايتين ولا يلزمه قضاء حجه إن كان تطوعاً، وهو إحدى الروايتين انتهى. والله أعلم.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() مختصر الكلام على بلوغ المرام(38) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (أَبْوَابُ السَّلَمِ، وَالْقَرْضِ، والرَّهْنِ) 818- عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَدِمَ اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - اَلْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي اَلثِّمَارِ اَلسَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَقَالَ: "مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ: "مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ". السلف: هو السلم وزناً ومعنى، واتفقوا على أنه يشترط فيه ما يشترط في البيع، وعلى تسليم رأس المال في المجلس إلا أن مالكاً أجاز تأخير الثمن يوماً أو يومين، واتفقوا على أنه لابد من معرفة صفة الشيء المسلم فيه صفة تميزه عن غيره، (قوله: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم) فيه دليل على جواز السلم وزناً فيما أصله الكيل، قال مالك: يجوز السلم في المكيل وزناً وفي الموزون كيلاً إذا كان الناس يتبايعون التمر وزناً، قال الموفق: وهذا أصحّ إن شاء الله تعالى، لأن الغرض معرفة قدره وخروجه من الجهالة وإمكان تسليمه من غير تنازع، فبأيّ قدر قدره جاز انتهى، وقال مالك أيضاً: يجوز السلم إلى الحصاد وقدوم الحاج، وهو رواية عن أحمد، (قوله: من أسلف في شيء) قال الحافظ: أخذ منه جواز السلم في الحيوان إلحاقاً للعدد بالكيل، إلى أن قال: والعدد والذرع ملحق بالكيل والوزن للجامع بينهما، وهو عدم الجهالة بالمقدار. 819- وَعَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، وَعَبْدِ اَلله بْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما - قَالا: "كُنَّا نُصِيبُ اَلْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اَلله - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ اَلشَّامِ، فَنُسْلِفُهُمْ فِي اَلْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ - وَفِي رِوَايَةٍ: وَالزَّيْتِ - إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. قِيلَ: أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ؟ قَالا: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ. الحديث دليل على صحة السلف في المعدوم حال العقد وعلى تسمية الأجل. 820- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ اَلنَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا، أَدَّى الله عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلافَهَا، أَتْلَفَهُ اَللهُ" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ. فيه التنبيه على إخلاص النية، وأخرج ابن ماجه وابن حبان والحاكم مرفوعاً: (ما من مسلم يدان ديناً يعلم الله أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا والآخرة)، قال ابن بطال: فيه الحث على ترك استعمال أموال الناس، والترغيب في حسن التأدية إليهم عند المداينة، وأن الجزاء قد يكون من جنس العمل. 821- وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَلله! إِنَّ فُلاناً قَدِمَ لَهُ بَزٌّ مِنَ اَلشَّامِ، فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ، فَأَخَذْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ بِنَسِيئَةٍ إِلَى مَيْسَرَةٍ؟ فَبَعثَ إِلَيْهِ، فَامْتَنَعَ" أَخْرَجَهُ اَلْحَاكِمُ، والبيهقي، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. الحديث دليل على مشروعية بيع النسيئة وصحة التأجيل إلى ميسرة، واختاره ابن خزيمة، وفيه ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من حسن معاملة العباد، وعدم إكراههم على الشيء، وعدم الإلحاح عليهم. 822- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "اَلظُّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ اَلدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى اَلَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ اَلنَّفَقَةُ" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ. الحديث دليل على أنه يستحق المرتهن الانتفاع بالرهن في مقابلة نفقته. 823- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَغْلَقُ اَلرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ اَلَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ والحاكمُ، وَرِجَالهُ ثِقَاتٌ. إِلا أَنَّ اَلْمَحْفُوظَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ إِرْسَالُهُ. معنى قوله لا يغلق الرهن: أي لا يستحقه المرتهن إذا عجز صاحبه عن فكه، والحديث ورد لإبطال ما كان عليه أهل الجاهلية من غلق الرهن عند المرتهن لكن يباع الرهن ويعطى المرتهن حقه، والزيادة للراهن والنقص عليه. 824- وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ - رضي الله عنه - "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنَ إبل اَلصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ اَلرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَقَالَ: لا أَجِدُ إِلا خَيَارًا ربَاعيًّا. فقَالَ: «أَعْطِهِ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خِيَارَ اَلنَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الحديث دليل على جواز قرض الحيوان، وأنه يستحب لمن عليه دين من قرض أو غيره أن يردّ أجود من الذي عليه، وأن ذلك من مكارم الأخلاق المحمودة عرفاً وشرعاً، ولا يدخل في القرض الذي يجرّ نفعاً، لأنه لم يكن مشروطاً من المقرض. 825- وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً، فَهُوَ رِبًا" رَوَاهُ اَلْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ، وَإِسْنَادُهُ سَاقِطٌ. وَلَـهُ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عِنْدَ اَلْبَيْهَقِيِّ. وَآخَرُ مَوْقُوفٌ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سَلامٍ عِنْدَ اَلْبُخَارِيِّ. (قوله: كل قرض جر منفعة فهو رباً) هذا محمول على أن المنفعة مشروطة من المقرض أو في حكم المشروطة، قال في المقنع: ولا يجوز شرط ما يجرّ نفعاً نحو: أن يسكنه داره أو يقضيه خيراً منه، قال في الاختيارات: يجوز قرض المنافع مثل أن يحصد معه يوماً أو يسكنه داراً ليسكنه الآخر بدلها إلى أن قال: والدين الحالّ يتأجل بتأجله سواء كان الدين قرضاً أو غيره، وهو قول مالك، ووجه في مذهب أحمد، وقال البخاريّ: باب إذا أقرضه إلى أجل مسمى، وذكر حديث الإسرائيلي الذي أسلف ألف دينار إلى أجل، والله أعلم.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() مختصر الكلام على بلوغ المرام(39) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (كتاب البيوع .. بابُ شُرُوطِهِ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ) 747- عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ - رضي الله عنه - أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أَيُّ اَلْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: "عَمَلُ اَلرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ" رَوَاهُ اَلْبَزَّارُ وصَحَّحَهُ الحاكمُ. الحديث دليل على أن أصل المكاسب عمل الرجل بيده، كالصناعة والزراعة، وكل بيع مبرور، وهو الخالص عن الرياء والغش والكذب. 748- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ اَلْفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ: "إِنَّ اَلله وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ اَلْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالأصْنَامِ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اَلله! أَرَأَيْتَ شُحُومَ اَلْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ تُطْلَى بِهَا اَلسُّفُنُ، وَتُدْهَنُ بِهَا اَلْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا اَلنَّاسُ؟ فَقَالَ: "لا. هُوَ حَرَامٌ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "قَاتَلَ اَللهُ اَلْيَهُودَ، إِنَّ اَلله تعالى لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الحديث دليل على تحريم بيع ما ذكر، والضمير في قوله: "هو حرام" راجع إلى البيع، وفي الحديث دليل على أنه إذا حرم بيع شيء حرم ثمنه، وأن كل حيلة يتوصل بها إلى تحليل محرم فهي باطلة. واختلف العلماء هل يجوز الانتفاع بالنجاسات أم لا؟ قال في الاختيارات: ويجوز الانتفاع بالنجاسات وسواء في ذلك شحم الميتة وغيره، وهو قول الشافعي، وأومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور. 749- وَعَنْ اِبْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا اِخْتَلَفَ اَلْمُتَبَايِعَانِ ولَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُ رَبُّ اَلسِّلْعَةِ أَوْ يَتَتَارَكَانِ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ وصحَّحَهُ الحاكم. الحديث دليل على أنه إذا وقع اختلاف بين البائع والمشتري أن القول قول البائع مع يمينه (قوله: أو يتتاركان) أي يتفاسخان العقد، قال أبو داود: باب إذ اختلف البيعان والمبيع قائم وساق الحديث عن محمد بن الأشعث، قال: اشترى الأشعث رقيقاً من رقيق الخُمس من عبدالله بعشرين ألفاً فأرسل عبدالله: إليه في ثمنهم، فقال: إنما أخذتهم بعشرة آلاف، فقال عبدالله: فاختر رجلاً يكون بيني وبينك، قال الأشعث: أنت بيني وبين نفسك، قال عبدالله: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان)، وقال الترمذي: قال ابن منصور: قلت لأحمد: إذا اختلف البيعان ولم تكن بينة، قال: القول ما قال رب السلعة أو يترادان، قال إسحق: كما قال وكل من قال القول قوله فعليه اليمين، وقد روي نحو هذا عن بعض التابعين منهم شريح، قال الشوكاني: القول ما يقوله البائع ما لم يكن مدعياً. 750- وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ اَلْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ اَلْكَاهِنِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الحديث دالّ على تحريم ثمن الكلب بالنص، وعلى تحريم بيعه باللزوم، وعلى تحريم مهر البغي، وهو ما تأخذه الزانية في مقابل الزنا، قال ابن القيم: يجب التصدق به، ولا يرد إلى الدافع أي الزاني، وفيه دليل على تحريم حلوان الكاهن أي عطيته لأجل كهانته، الكاهن الذي يدعي علم الغيب من منجم وضرّاب بالحصا ونحوهم، ولا يحل تصديقه. 751- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله - رضي الله عنهما -: "أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قد أَعْيَا. فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ. قَالَ: فَلَحِقَنِي اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَعَا لِي، وَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْراً لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، فَقَالَ: "بِعْنِيهِ بِأُقِيَّةٍ؟" قُلْتُ: لا. ثُمَّ قَالَ: "بِعْنِيهِ" فَبِعْتُهُ بأُوقِيَّةٍ، وَاشْتَرَطْتُ حُمْلانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي. فَقَالَ: "أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لأخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ. فَهُوَ لَكْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وهذا السياق لمسلم. الحديث دليل على أنه لا بأس بطلب البيع من الرجل لسلعته ولا بالمماكسة، وهي المناقصة، وأنه يصح البيع للدابة واستثناء ركوبها. 752- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: "أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنَّا عَبْداً لَهُ عَنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ. فَدَعَا بِهِ اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَاعَهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. استدل به على منع المفلس عن التصرف في ماله، وعلى أن للإمام أن يبيع عنه، وترجم عليه البخاري: من باع مال المفلس وقسمه بين الغرماء أو أعطاه إياه حتى ينفقه على نفسه، فأشار إلى علة بيعه وهو الاحتياج إلى ثمنه. 753- وَعَنْ مَيْمُونَةَ - رضي الله عنها - زَوْجِ اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ، فَمَاتَتْ فِيهِ، فَسُئِلَ اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهَا. فَقَالَ: "أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَكُلُوهُ" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ وَزَادَ أحمَدُ والنَّسَائِيُّ: فِي سَمْنٍ جَامِدٍ. الحديث دليل على نجاسة الميتة؛ ودل بمفهومه على أنه لو كان مائعاً لنجس كله. 754- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وَقَعَتْ اَلْفَأْرَةُ فِي اَلسَّمْنِ، فَإِنْ كَانَ جَامِداً فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائعًا فَلا تَقْرَبُوهُ" رَوَاهُ أحْمَدُ وأَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ اَلْبُخَارِيُّ وأبوحاتم بِالْوَهْمِ. قال البخاري: باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء وذكر حديث ميمونة، والمفهوم من كلامه أن السمن لا يتنجس إلا بالتغير فتلقى الفأرة وما حولها فقط ولو كان مائعاً، واختاره الشيخ تقيّ الدين. 755- وَعَنْ أَبِي اَلزُّبَيْرِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ اَلسِّنَّوْرِ وَالْكَلْبِ؟ فَقَالَ: "زَجَرَ اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَزَادَ: "إِلا كَلْبَ صَيْدٍ". الحديث دليل على النهي عن ثمن السنور، وهو دليل على تحريم بيعه، وحمله الجمهور على التنزيه، واختلفوا في جواز بيع الكلب المعلَّم، فقال بعضهم: يجوز لهذا الحديث، وقال الجمهور: لا يجوز. 756- وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ، فَقَالَتْ: إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعٍ أُوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا. فَقَالَتْ لَهُمْ: فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ. فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلا أَنْ يَكُونَ اَلْوَلاءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ اَلنَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ: "خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ اَلْوَلاءَ، فَإِنَّمَا اَلْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي اَلنَّاسِ خَطِيباً فَحَمِدَ اَلله وَأَثْنَى عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ الله مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ الله فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ الله أَحَقُّ، وَشَرْطُ الله أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا اَلْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ واللفظ للبخاريِّ. وَعِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ اَلْوَلاءَ". الحديث دليل على مشروعية الكتابة، وعلى جواز بيع المكاتب إذا رضي، وجواز شراء السلعة للراغب في شرائها بأكثر من ثمن مثلها، وفيه أن الأيدي ظاهرة في الملك، وأن مشتري السلعة لا يسأل عن أصلها إذا لم تكن ريبة، وجواز تعدد الشروط (قوله: من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) قال القرطبي: أي ليس مشروعاً في كتاب الله تأصيلاً ولا تفصيلاً، وقوله: "ولو كان مائة شرط" خرج مخرج التكثير، يعني أن الشروط غير المشروعة باطلة ولو كثرت، ويستفاد منه أن الشروط المشروعة صحيحة انتهى. قال ابن بطال: المراد بكتاب الله هنا حكمه من كتابه أو سنة رسوله أو إجماع الأمة (قوله - صلى الله عليه وسلم -: خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق) قال الشافعي في الأم: لما كان من اشترط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصياً، وكانت في المعاصي حدود وآداب، وكان من أدب العاصين أن تعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك ويرتدع به غيرهم، كان ذلك من أيسر الأدب، (قوله: قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق) أي قضاء الله أحق بالاتباع من الشروط المخالفة له، وشرط الله أوثق: أي باتباع حدوده التي حدها، وإنما الولاء لمن أعتق خاصة لا لمن قال: أعتق يا فلان ولي الولاء، وفيه أنه لا كراهة في السجع في الكلام إذا كان في حق ولم يكن متكلفاً، وفيه فوائد كثيرة، والله أعلم. 757- وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: "نَهَى عُمَرُ عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الأوْلادِ فَقَالَ: لا تُبَاعُ، وَلا تُوهَبُ، وَلا تُورَثُ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا مَا بَدَا لَهُ، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ" رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: رَفَعَهُ بَعْضُ اَلرُّوَاةِ، فَوَهِمَ. 758- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "كُنَّا نَبِيعُ سَرَارِيَنَا، أُمَّهَاتِ الأوْلادِ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَيٌّ، لا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وابنُ مَاجَهْ والدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. اختلف الناس في بيع أمهات الأولاد فجوزه بعضهم، وقال أكثر الأمة: إذا ولدت الأمة من سيدها حرم بيعها سواء كان الولد باقياً أو لا. 759- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - قَالَ: "نَهَانا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ فَضْلِ اَلْمَاءِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: "وَعَنْ بَيْعِ ضِرَابِ اَلْجَمَلِ". الحديث دليل على أنه لا يجوز بيع ما فضل من الماء عن كفاية صاحبه، قال ابن بطال: لا خلاف بين العلماء أن صاحب الماء أحق بمائة حتى يروى، وقال الحافظ: فيه جواز بيع الماء لأن المنهي عنه بيع الفضل لا بيع الأصل، قال الخطابي: والنهي عند الجمهور للتنزيه، ولأحمد: لا يمنع فضل ماء بعد أن يستغنى عنه، قال الحافظ: وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة، وكذلك في الموات إذا كان بقصد التملك، والصحيح عند الشافعية أن الحافر يملك ماءها، وأما البئر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق لا التملك فإن الحافر لا يملك ماءها، بل يكون أحق به إلى أن يرتحل، وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته وعياله وزرعه وماشيته، وخص المالكية هذا الحكم بالموات وقالوا في البئر التي في الملك: لا يجب عليه بذل فضلها، وقال ابن حبيب: إذا كانت البئر بين مالكين فاستغنى أحدهما في نوبته كان للآخر أن يسقى منها لأنه ماء فضل عن حاجة صاحبه، قال الحافظ وعموم الحديث يشهد له، قال في الاختيارات: ويجوز بيع الكلأ ونحوه الموجود في أرضه إذا قصد استنباته. 760- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَسْبِ اَلْفَحْلِ" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ. الحديث دليل على تحريم استئجار الفحل للضراب. 761- وَعَنْهُ - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ اَلْحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعاً يَبْتَاعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ: كَانَ اَلرَّجُلُ يَبْتَاعُ اَلْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ اَلنَّاقَةُ، ثُمَّ تُنْتَجُ اَلَّتِي فِي بَطْنِهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللَّفْظُ لِلبُخَارِيِّ. الحديث دليل على تحريم هذا البيع؛ لكونه بيع معدوم ومجهول وغير مقدور على تسليمه، وهو داخل في بيع الغرر. 762- وَعَنْهُ - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ اَلْوَلاءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الولاء: هو ولاء العتق إذا مات العتيق وليس له عصبة ورثه معتقه، كانت العرب تبيعه وتهبه فنهى عنه لأن الولاء كالنسب لا يزول بالإزالة. 763- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ اَلْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ اَلْغَرَرِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. عطف الغرر على الحصاة من عطف العام على الخاص، وإنما أفردت لكونها مما يبتاعها أهل الجاهلية، ولها صور منها: أن يقول: ارم بهذه الحصاة ولك ما انتهت إليه من الأرض، أو ما وقعت عليه من ثوب ونحو ذلك. 764- وَعَنْهُ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ اِشْتَرَى طَعَاماً فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَـهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الحديث دليل على أنه لا يجوز بيع الطعام بالكيل الأول، ويؤيده حديث جابر: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري" أخرجه الدارقطني وبذلك قال الجمهور. 765- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ" رَوَاهُ أَحْمَدُ والنَّسَائِيُّ، وصَحَّحَهُ التِّرمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، وَلِأَبِي دَاوُدَ: "مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوَكَسُهُمَا، أَوْ اَلرِّبَا". قال الشافعي: له تأويلان: أحدهما أن يقول: بعتك بألفين نسيئة وبألف نقداً فأيهما شئت أخذت به، وهذا بيع فاسد لأنه إبهام وتعليق. والثاني أن يقول: بعتك عبدي على أن تبيعني فرسك انتهى. 766- وَعَنْ عَمْرِوِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ وصَحَّحَهُ الترمذيُّ وابنُ خزيمة والحاكم، وَأَخْرَجَهُ فِي "عُلُومِ اَلْحَدِيثِ" مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ عَمْرٍو اَلْمَذْكُورِ بِلَفْظِ: "نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ" وَمِنْ هَذَا اَلْوَجْهِ أَخْرَجَهُ اَلطَّبَرَانِيُّ فِي "الأوْسَطِ" وَهُوَ غَرِيبٌ. (قوله: لا يحل سلف وبيع) هو أن يقول: بعتك هذا العبد بألف على أن تسلفني كذا، (قوله: ولا شرطان في بيع) أي مثل أن يقول: بعتك هذه السلعة بكذا على أن تبيعني السلعة الفلانية بكذا، (قوله: ولا ربح ما لم يضمن) أي ما لم يقبض لأن السلعة قبل قبضها ليست في ضمان المشتري فإذا تلفت فهي من مال البائع، (قوله: ولا بيع ما ليس عندك) تفسيره حديث حكيم بن حزام عند أبي دود والنسائي أنه قال: "قلت يا رسول الله: يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي فأبتاع له من السوق قال: لا تبع ما ليس عندك"، (قوله: نهى عن بيع وشرط) المراد به ما ينافي مقتضى العقد كمن باع جارية وشرط على المشتري أن لا يطأها، أو داراً شرط عليه أن لا يسكنها ونحو ذلك. 767- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ اَلْعُرْبَانِ" رَوَاهُ مَالِكٌ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، بِهِ. اختلف في جواز العربان، وهو العربون فأبطله مالك والشافعي، وروي عن عمر وابنه وأحمد جوازه. يتبع
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() مختصر الكلام على بلوغ المرام(39) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك 768- وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: "اِبْتَعْتُ زَيْتاً فِي اَلسُّوقِ، فَلَمَّا اِسْتَوْجَبْتُهُ لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحاً حَسَناً، فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِ اَلرَّجُلِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا هُوَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: لا تَبِعْهُ حَيْثُ اِبْتَعْتَهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تُبَاعَ اَلسِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ، حَتَّى يَحُوزَهَا اَلتُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ" رَوَاهُ أحمد وأَبُو دَاوُدَ، واللَّفْظُ لَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ. الحديث دليل على أنه لا يجوز للمشتري أن يبيع ما اشتراه قل أن يحوزه إلى رحله، وقال الجمهور: إذا نقله من مكان إلى مكان فقد قبضه فيجوز بيعه لما روى مسلم عن ابن عمر: "كنا نبتاع الطعام فيبعث إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه". 769- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَلله! إِنِّي أَبِيعُ الإبل بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ اَلدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ اَلدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذَا مِنْ هَذِهِ وَأُعْطِي هَذَهِ مِنْ هَذِا؟ فَقَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: لا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ وصحَّحَهُ الحاكم. (قوله: آخذ هذا من هذه وأعطي هذه من هذا) أي آخذ الذهب من الفضة وأعطي الفضة من الذهب، و الحديث دليل على أنه يجوز أن يقبض عن الذهب الفضة ممن هو في ذمته، وعن الفضة الذهب بشرط أن لا يفترقا وبينهما شيء، لأن ذلك من باب الصرف. 770- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّجْشِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. النجش: هو الزيادة في ثمن السلعة المعروضة للبيع ليثير الرغبة فيها وهو لا يريد شراءها ليغرّ غيره فيثبت له الخيار. قال البخاري وقال ابن أبي أوفى: الناجش آكل ربا خائن وهو خداع باطل لا يحل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الخديعة في النار ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، انتهى. 771- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله - رضي الله عنهما -: "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ اَلْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَعَنْ اَلثُّنيَا، إِلا أَنْ تُعْلَمَ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلا اِبْنَ مَاجَهْ وصحَّحَهُ الترمذيُّ. المحاقلة: كراء الأرض ببعض ما تنبت كما في حديث رافع بن خديج: "كنا أكثر الأنصار حقلاً وكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك"، والمزابنة: هي أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً، وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام، والمخابرة، من الزراعة، وهي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع، قال ابن الأعرابي: أصل المخابرة معاملة أهل خيبر، وقال البخاري: باب حدثنا علي بن عبدالله حدثنا سفيان قال عمرو: قلت لطاوس: لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، قال: أي عمرو، إني أعطيهم وأعينهم، وإنّ أعلمهم أخبرني –يعني ابن عباس- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عنه ولكن قال: (إن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليه خرجاً معلوماً) انتهى، قال الحافظ: ولم يرد ابن عباس بذلك نفي الرواية المثبتة للنهي مطلقاً، وإنما أراد أن النهي الوارد عنه ليس على حقيقته وإنما هو على الأولوية، (قوله: عن الثنيا إلا أن تعلم) إذا باع شيئاً واستثنى بعضه ولم يعينه لم يصح للجهالة فإن كان المستثنى معلوماً صح مطلقاً. 772- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اَلْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُخَاضَرَةِ، وَالْمُلامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ. المخاضرة: بيع الثمار والحبوب قبل أن يبدو صلاحها، والملامسة: أن يقول الرجل للرجل: أبيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر أحد منهما إلى ثوب الآخر إذا مسه وجب البيع، والمنابذة: أن يقول: أنبذ ما معي وتنبذ ما معك ويشتري كل واحد منهما من الآخر ولا يدري كل واحد منهما كم مع الآخر، قال الحافظ: واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور، وهي أوجه للشافعية أصحها أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المشتري فيقول له صاحب الثوب: بعتكه بكذا بشرط؛ أن يقوم لمسك مقام نظرك، ولا خيار لك إذا رأيته، الثاني: أن يجعلا نفس اللمس بيعاً بغير صيغة زائدة، الثالث: أن يجعلا اللمس شرطاً في قطع خيار المجلس وغيره، والبيع على التأويلات كلها باطل، وأما المنابذة فاختلفوا فيها أيضاً وهي أوجه للشافعية أصحها أن يجعلا نفس النبذ بيعاً، الثاني: أن يجعلا النبذ بيعاً بغير صيغة، والثالث: أن يجعلا النبذ قاطعاً للخيار. 773- وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - "لا تَلَقَّوْا اَلرُّكْبَانَ، وَلا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ". قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: "وَلا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟" قَالَ: لا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ واللفظ للبخاريِّ. الحديث دليل على تحريم التلقي، قال البخاري: باب النهي عن تلقي الركبان، وإن بيعه مردود لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالماً وهو خداع في البيع، والخداع لا يجوز انتهى، وفيه دليل على تحريم بيع الحاضر للبادي، والسمسار الدلال، قال في المقنع: وفي بيع الحاضر للبادي روايتان: إحداهما يصح، والأخرى لا يصح بشروط خمسة: أن يحضر البادي ليبيع سلعته، بسعر يومها، جاهلاً بسعرها، ويقصده الحاضر، وبالناس حاجة إليها؛ فإن اختل شرط منها صح البيع؛ وأما شراؤه له فيصح رواية واحدة انتهى. 774- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَلَقَّوا اَلْجَلَبَ، فَمَنْ تُلُقِّيَ فَاشْتُرِيَ مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ اَلسُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الحديث دليل على ثبوت الخيار للبائع إذا أتى السوق ولو اشتراه المتلقي بسعر السوق. 775- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِيعُ اَلرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلا تَسْأَلُ اَلْمَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: "لا يَسُومُ اَلْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ اَلْمُسْلِمِ". الحديث دليل على تحريم البيع على البيع، وصورته أن يكون قد وقع البيع فيأتي رجل في مدة الخيار فيقول للمشتري: افسخ وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أحسن منه وكذا الشراء على الشراء، وأما السوم على السوم؛ فصورته أن يأخذ شيئاً ليشتريه فيأتي رجل فيقول للمالك: استرده لأشتريه منك بأكثر وكذا عكسه وكله بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر، وقال البخاري: باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن له أو يترك انتهى؛ قال الجمهور: لا فرق في ذلك بين المسلم والذمي، وخرج الأخ مخرج الغالب فلا مفهوم له، وأما بيع المزايدة فلا بأس به لما روى الخمس واللفظ للترمذي عن أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - باع حلساً وقدحاً، وقال: من يشتري هذا الحلس و القدح؟ فقال رجل: آخذهما بدرهم؟ فقال: من يزيد على درهم؟ فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه. وفي الحديث تحريم الخطبة على الخطبة، وتحريم سؤال المرأة طلاق زوجة من خطبها أو طلاق ضرتها. 776- وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اَللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ" رَوَاهُ أحمدُ واَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الحاكم، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَلَهُ شَاهِدٌ. شاهده حديث عبادة بن الصامت: "لا يفرق بين الأم وولدها قيل: إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية" أخرجه الدارقطني والحاكم. والحديث دليل على تحريم التفريق في الملك بين الوالدة وولدها. 767- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "أَمَرَنِي رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَبِيعَ غُلامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُهُمَا، فَفَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَدْرِكْهُمَا، فَارْتَجِعْهُمَا، وَلا تَبِعْهُمَا إِلا جَمِيعًا" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وقد صحَّحَهُ ابنُ خزيمة وابنُ الجارود وابنُ حبَّانَ والحاكم والطبرانيُّ وابن القَطَّان. الحديث دليل على تحريم التفريق بين الأخوين في البيع، وألحقوا به الهبة ونحوها؛ والمراد بذلك ما قبل البلوغ. 778- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "غَلا اَلسِّعْرُ في الْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اَلله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ اَلنَّاسُ: يَا رَسُولَ اَلله! غَلا اَلسِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اَلله هُوَ اَلْمُسَعِّرُ، اَلْقَابِضُ، اَلْبَاسِطُ، الرَّازِقُ، وَإِنِّي لارْجُو أَنْ أَلْقَى اَلله تَعَالَى، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيَّ وصحَّحَهُ ابن حِبَّان. الحديث دليل على أن التسعير حرام لأنه مظلمة؛ وإلى هذا ذهب أكثر العلماء، وقال بعضهم: يجوز تسعير اللحم ونحوه للمصلحة. 779- وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اَلله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الحديث دليل على تحريم الاحتكار، وهو إمساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة الناس إليه. 780- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تَصَرُّوا اَلإبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ اِبْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ اَلنَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: "فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ". وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ، عَلَّقَهَا اَلْبُخَارِيُّ: "رَدَّ مَعَهَا صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، لا سَمْرَاءَ" قَالَ اَلْبُخَارِيُّ: وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ. الحديث دليل على تحريم التصرية للبيع، وثبوت الخيار بها للمشتري إلى ثلاثة أيام، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها، وصاعاً من تمر، أو ما يتراضيان عليه، والحديث أصل في النهي عن الغش وفي ثبوت الخيار لمن دُلِّسَ عليه. 781- وَعَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "مَنِ اِشْتَرَى شَاةً مَحَفَّلَةً، فَرَدَّهَا، فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ. وَزَادَ اَلإسْمَاعِيلِيُّ: "مِنْ تَمْرٍ". عقب المصنف حديث أبي هريرة بحديث ابن مسعود إشارة منه إلى أن ابن مسعود قد أفتى بوفق حديث أبي هريرة. 782- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - "أَنَّ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ مِنْ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً، فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا صَاحِبَ اَلطَّعَامِ؟" قَالَ: أَصَابَتْهُ اَلسَّمَاءُ يَا رَسُولَ اَلله. فَقَالَ: "أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ اَلطَّعَامِ: كَيْ يَرَاهُ اَلنَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الحديث دليل على تحريم الغش، وهو مجمع على تحريمه شرعاً، مذموم فاعله عقلاً، وللمشتري الخيار بين الرد والإمساك بالأرش، فإن لم يدلس البائع العيب خير المشتري بين الرد والإمساك ولا أرش؛ لأن البائع لم يعلم بالعيب، قال في الاختيارات: والصحيح في مسألة البيع بشرط البراءة من كل عيب، والذي قضى به الصحابة وعليه أكثر أهل العلم أن البائع إذا لم يكن علم بذلك العيب فلا ردّ للمشتري، لكن إذا ادعى أن البائع علم بذلك فأنكر البائع حلف إنه لم يعلم، فإن نكل قضى عليه انتهى. 783- وَعَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَبَسَ اَلْعِنَبَ أَيَّامَ اَلْقِطَافِ، حَتَّى يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْراً، فَقَد تَقَحَّمَ اَلنَّارَ عَلَى بَصِيرَةٍ" رَوَاهُ اَلطَّبَرَانِيُّ فِي "الأوْسَطِ" بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. الحديث دليل على تحريم بيع العنب على من يتخذه خمراً، ويقاس عليه كل ما يستعان به في المعصية وكذلك بيع السلاح في الفتنة، وأما المزامير والطنابير ونحوها، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها إجماعاً. 784- وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "اَلْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، وَضَعَّفَهُ اَلْبُخَارِيُّ وأبُو دَاوُدَ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وابْنُ خُزَيْمَةَ، وابْنُ الجَارُودِ، وابْنُ حِبَّانَ، و الحَاكِمُ، وابْنُ القَطَّانِ. الحديث أخرجه الشافعي وأصحاب السنن بطوله، وهو: "أن رجلاً اشترى غلاماً في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان عنده ما شاء الله، ثم رده من عيب وجده، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برده بالعيب، فقال المقضيّ عليه: قد استعمله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الخراج بالضمان) والخراج: هو الغلة والكراء؛ والمعنى أن غلة المبيع للمشتري، لأنه لو تلف ما بين مدة العقد والفسخ لكان في ضمان المشتري، فوجب أن يكون الخراج له. 785- وَعَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ - رضي الله عنه - "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَّةً، أَوْ شَاةً، فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، فَكَانَ لَوْ اِشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيَّ، وقَدْ أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ في ضِمْنِ حَدِيثِ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ، وأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ لَهُ شَاهِدَاً مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بنِ حِزَامِ. الحديث ظاهر في أن عروة اشترى ما لم يوكل بشرائه وباع كذلك، قال الشوكاني: وإذا باع الوكيل بزيادة على ما رسمه موكله كانت الزيادة للموكل، وإذا خالفه إلى ما هو أنفع أو إلى غيره ورضي به صح انتهى، وفيه دليل على جواز شراء السلعة وبيعها بأقل من ثمنها أو أكثر، وفيه استحباب شكر الصنيع لمن فعل المعروف ومكافأته ولو بالدعاء. 786- وَعَنِ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الأنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي ضُرُوعِهَا، وَعَنْ شِرَاءِ اَلْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ شِرَاءِ اَلْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ، وَعَنْ شِرَاءِ اَلصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ، وَعَنْ ضَرْبَةِ اَلْغَائِصِ" رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ والبزارُ والدارقُطْنِيُّ، بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. اشتمل هذا الحديث على النهي عن ست صور: الأولى: بيع ما في بطون الحيوان، وهو مجمع على تحريمه، الثانية: اللبن في الضرع لما فيه من الغرر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية إذا باعه لبناً موصوفاً في الذمة، واختار كونه من شاة معينة جاز، الثالثة: العبد الآبق، وذلك لتعذر تسليمه، الرابعة: شراء المغانم قبل القسمة، وذلك لعدم الملك، الخامسة: شراء الصدقات قبل القبض، واستثنى بعضهم بيع العامل لها، فجعلوا التخلية كالقبض في حقه، السادسة: ضربة الغائص وهو أن يقول: أغوص في البحر غوصة، فما خرج فهو لك بكذا، والعلة في ذلك الغرر. 787- وَعَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَشْتَرُوا اَلسَّمَكَ فِي اَلْمَاءِ؛ فَإِنَّهُ غَرَرٌ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ اَلصَّوَابَ وَقْفُهُ. الحديث دليل على تحريم بيع السمك في الماء، لأنه يرى الصغير فيه كبيراً وعكسه، وقال بعضهم: إن كان في ماء لا يفوت فيه صح، ويثبت فيه خيار الرؤية. 788- وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُبَاعَ ثمَرَةٌ حَتَّى تُطْعَمَ، وَلا يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، وَلا لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ" رَوَاهُ اَلطَّبَرَانِيُّ فِي "الأوْسَطِ" والدارقطنيُّ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي "اَلْمَرَاسِيلِ" لِعِكْرِمَةَ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضاً مَوْقُوفاً عَلَى اِبْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ ورجَّحَهُ البيهقيُّ. (قوله: أن تباع ثمرة حتى تطعم) أي يبدو صلاحها ويطيب أكلها، (قوله: ولا يباع صوف على ظهر)، فلا يصح لأنه يقع الاختلاف في موضع القطع، وقال مالك: يصح البيع لأنه مشاهد، وعن أحمد: يجوز بشرط جزّه في الحال. 789- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ اَلْمَضَامِينِ، وَالْمَلاقِيحِ" رَوَاهُ اَلْبَزَّارُ، وَفِي إِسْنَادِه ضَعْفٌ. المضامين: ما في بطون الإبل، والملاقيح: ما في ظهور الجمال، والحديث دليل على عدم صحة بيع ذلك، وهو إجماع. 790- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً بَيْعَتَهُ، أَقَالَهُ اَلله عَثْرَتَهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وابن ماجه وصحَّحَه ابن حِبَّانَ والحاكم. ولفظ الحاكم: (من أقال مسلماً أقال الله عثرته يوم القيامة)، وفيه دليل على فضل الإقالة وهي رفع العقد الواقع بين المتعاقدين.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() مختصر الكلام على بلوغ المرام(40) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (باب الخِيارِ) الخيار طلب خير الأمرين: من إمضاء البيع أو فسخه، وهو أنواع. 791- وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنْ رَسُولِ اَلله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا تَبَايَعَ اَلرَّجُلانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعاً، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا اَلآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا اَلآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدَ وَجَبَ اَلْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اَلْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ اَلْبَيْعُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ واللفظ لمسلم. الحديث دليل على ثبوت خيار المجلس وخيار الشرط للبائع والمشتري، وإن أسقطا الخيار سقط، وإن أسقطه أحدهما بقي خيار الآخر. 792- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنه -؛ أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اَلْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلا يَحِلُّ لَـهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلا اِبْنَ مَاجَهْ ورواه الدارقطنيُّ وابنُ خُزيمةَ وابن الجارود. وَفِي رِوَايَةٍ: "حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا". الحديث دليل على ثبوت خيار المجلس أيضاً، وقوله: إلا أن تكون صفقة خيار دليل على ثبوت خيار الشرط، (قوله: ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)، قال الترمذي وغيره: معناه: لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع. 793- وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: ذَكَرَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي اَلْبُيُوعِ فَقَالَ: "إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لا خِلابَةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زاد ابن إسحاق: "ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك، وإن سخطت فاردد"، (قوله لا خلابة): أي لا خديعة، والحديث دليل على ثبوت خيار الغبن إذا اشترط ذلك، وقال مالك وأحمد: يثبت الخيار بالغبن إذا كان الغبن فاحشاً، وقال الجمهور: لا يثبت الخيار بالغبن، والله أعلم.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() مختصر الكلام على بلوغ المرام(41) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك باب الرِّبا الربا في اللغة: الزيادة، وفي الشرع الزيادة في أشياء مخصوصة وهو حرام بالكتاب والسُنَّةِ والإجماع. 794- عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ اَلرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: "هُمْ سَوَاءٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِلْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ. الحديث دليل على إثم جميع المذكورين، وتحريم ما تعاطوه لتعاونهم على الإثم، فاستحقوا بذلك اللعن، وهو الإبعاد عن رحمة الله. 795- وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - عَنْ اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اَلرِّبَا ثَلاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ اَلرَّجُلُ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى اَلرِّبَا عِرْضُ اَلرَّجُلِ اَلْمُسْلِمِ"رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَراً، وَالْحَاكِمُ بِتَمَامِهِ وَصَحَّحَهُ. الحديث دليل على قبح الربا، وتحريم سب المسلم. 796- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تَبِيعُوا اَلذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا اَلْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلا مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِباً بِنَاجِزٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الحديث دليل على تحريم بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة متفاضلاً، (قوله: ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) فيه دليل على تحريم بيع الجنس بجنس آخر نسيئة، قال الحافظ: البيع كله إما بالنقد أو بالعرض حالاً أو مؤجلاً، فهي أربعة أقسام: بيع النقد إما بمثله وهو المراطلة أو بنقد غيره وهو الصرف، وبيع العرض بنقد يسمى النقد ثمناً والعرض عوضاً، وبيع العرض بالعرض يسمى مقابضة، والحلول في جميع ذلك جائز، وأما التأجيل فإن كان النقد بالنقد مؤخراً فلا يجوز، وإن كان العرض جاز، وإن كان العرض مؤخراً فهو السلم، وإن كانا مؤخرين فهو بيع الدين بالدين. 797- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ اَلصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "اَلذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اِخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فيه دليل على تحريم التفاضل فيما اتفقا جنساً من الستة المذكورة، واختلفوا فيما عداها، فذهب الجمهور: إلى ثبوته فيما عداها مما شاركها في العلة، واتفقوا على جواز بيع ربويّ بربويّ لا يشاركه في الجنس مؤجلاً ومتفاضلاً، كبيع الذهب بالحنطة والفضة بالشعير وغيره من المكيل، واتفقوا على أنه لا يجوز بيع الشيء بجنسه وأحدهما مؤجل. 798- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "اَلذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْناً بِوَزْنٍ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْناً بِوَزْنٍ مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اِسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فيه دليل على تعين التقدير بالوزن لا بالخرص والتخمين. 799- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهما - "أَنَّ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - اِسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى خَيْبَرٍ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟"فَقَالَ: لا، وَاَلله يَا رَسُولَ اَلله، إِنَّا لَنَأْخُذُ اَلصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ والصَّاعين بالثَّلاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَفْعَلْ، بِعِ اَلْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ اِبْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا" وَقَالَ فِي اَلْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: "وَكَذَلِكَ اَلْمِيزَانِ". الجنيب هو: الطيب، والجمع: الرديء، والحديث دليل على أن بيع الجنس بجنسه يجب فيه التساوي سواء اتفقا في الجودة والرداءة أو اختلفا، (وقوله: وقال في الميزان مثل ذلك) أي قال فيما كان يوزن إذا باع بجنسه مثل ما قال في المكيل إنه لا يباع متفاضلاً، قال ابن عبد البر: أجمعوا أن ما كان أصله الوزن لا يصح أن يباع بالكيل بخلاف ما كان أصله الكيل، فإن بعضهم يجيز فيه الوزن، ويقول: إن المماثلة تدرك بالوزن في كل شيء انتهى، وفي الحديث جواز الترفيه على النفس باختيار الأفضل. 800- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله - رضي الله عنهما - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ اَلصُّبْرَةِ مِنَ اَلتَّمْرِ التي لا يُعْلَمُ مَكِيلُهَا بِالْكَيْلِ اَلْمُسَمَّى مِنَ اَلتَّمْرِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الصبرة: الطعام المجتمع. والحديث دليل على أنه لا بد من التساوي في الجنس، وذلك ليس بموجود في المجهول. 801- وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اَلله - رضي الله عنه - قَالَ: "إِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اَلطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ" وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ اَلشَّعِيرَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اختلف العلماء في البر والشعير هل هما جنس واحد أو جنسان؟ فقال مالك: هما جنس واحد لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً، وقال الجمهور: هما صنفان كما في حديث عبادة عند أبي داود والنسائي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثر وهما يداً بيد). 802- وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "اِشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلادَةً بِاِثْنَيْ عَشَرَ دِينَاراً، فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ، فَفَصَلْتُهَا فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ اِثْنَيْ عَشَرَ دِينَاراً، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لا تُبَاعُ حَتَّى تُفْصَّلَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الحديث دليل على أنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل، ويباع الذهب بوزنه ذهباً، ويباع الآخر بما زاد، ومثله غيره من الربويات، وعن مالك يجوز بيع السيف المحلى بالذهب إذا كان الذهب في البيع تابعاً لغيره. 803- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ اَلْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ وصحَّحَهُ الترمذيُّ وابنُ الجارود. قال الشافعي: المراد أن يكون نسيئة من الطرفين معاً فيكون من بيع الكالئ بالكالئ، وعن ابن عمر: أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة، رواه البخاري. 804- وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ اَلْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ اَلْجِهَادَ، سَلَّطَ اَللهُ عَلَيْكُمْ ذُلاً لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْهُ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلأحْمَدَ: نَحْوُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وصحَّحَهُ ابنُ القَطَّان. بيع العينة هو أن يبيع سلعة بثمن معلوم إلى أجل، ثم يشتريها البائع من المشتري بأقل نقداً، وفي الحديث دليل على تحريم هذا البيع، وقيل يجوز إذا كان غير حيلة. 805- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - عَنِ اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ شَفَعَ لأخِيهِ شَفَاعَةً، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً، فَقَبِلَهَا، فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيماً مِنْ أَبْوَابِ اَلرِّبَا" رَوَاهُ أحمد وأَبُو دَاوُدَ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. الحديث دليل على تحريم قبول الهدية في مقابلة الشفاعة، ولعل المراد إذا كانت الشفاعة في واجب. 806- وَعَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ عَمْرِوٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - اَلرَّاشِي وَالْمُرْتَشِيَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والترمذيُّ وصحَّحَهُ. الراشي هو الذي يبذل المال ليتوصل به إلى الباطل، والمرتشي آخذ الرشوة، وفي حديث ثوبان زيادة: "والرائش، وهو الذي يمشي بينهما". 807- وعَنْهُ - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ أَنْ يُجِهِّزَ جَيْشاً فَنَفِدتِ الإِبِلُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلائَصِ الصَّدَقَةِ، قالَ: فَكُنْتُ آَخُذُ البَعِير بِالبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ" رَوَاهُ الحَاكِمُ والبَيْهِقيُّ، ورَجَالُهُ ثِقَاتٌ. الحديث دليل على جواز اقتراض الحيوانات، وأنه لا ربا فيها وهو قول الجمهور، وفيه جواز الأجل إلى خروج العامل ونحوه كالحصاد والجذاذ وهو قول مالك ورواية عن أحمد، وفيه جواز الربح الكثير. 808- وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُزَابَنَةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلاً بِتَمْرٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ كَرْماً أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ زَرْعاً أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قال ابن عبد البر: لا مخالف أن مثل هذا مزابنة، وإنما اختلفوا هل يلحق بذلك كل ما لا يجوز بيعه إلا مثلاً بمثل؟ فالجمهور على الإلحاق في الحكم للمشاركة في العلة في ذلك، وهو عدم العلم بالتساوي مع الاتفاق في الجنس. 809- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - يُسأَلُ عَنِ اِشْتِرَاءِ اَلرُّطَبِ بِالتَّمْرِ. فَقَالَ: "أَيَنْقُصُ اَلرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟" قَالُوا: نَعَمَ. فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، وصحَّحَهُ ابنُ المَدِينيِّ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ حِبَّانَ والحَاكِمُ. الحديث دليل على عدم جواز بيع الرطب بالتمر لعدم التساوي. 810- وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -؛ "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ اَلْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، يَعْنِي: اَلدَّيْنَ بِالدَّيْنِ" رَوَاهُ إِسْحَاقُ، وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. قال أحمد: ليس في هذا حديث يصح لكن إجماع الناس أنه لا يجوز بيع دين بدين، قال في النهاية: هو أن يشتري الرجل شيئاً إلى أجل، فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضي به فيقول: بعنيه إلى أجل آخر بزيادة شيء فيبيعه ولا يجري بينهما تقابض.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() مختصر الكلام على بلوغ المرام(42) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (بابُ الرُّخْصَةِ في العَرَايَا وَبَيْعِ الأُصُولِ وَالثِّمَارِ) 811- عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخَّص في العرايا: أن تباع بخرصها كيلاً؛ متفق عليه، ولمسلم: رخَّص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرًا، يأكلونها رطبًا. في حديث جابر عند البخاري: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التمر حتى يطيب، ولا يُباع شيء منه إلا بالدنانير والدراهم إلا العرايا. 812- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخَّص في بيع العرايا بخرصها، فيما دون خمسة أوسُق، أو في خمسة أوسق؛ متفق عليه. العرايا: جمع عرية، وهي النخلة، وهي في الأصل عطية ثمر النخل دون الرقبة، واتَّفق الجمهور على جواز بيع الرطب على رؤوس النخل بقدر كيله من التمر خرصًا فيما دون خمسة أوسق بشرط التقابض، وأخرج الشافعي من حديث زيد بن ثابت: أنه سمى رجالاً محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطبًا، ويأكلون مع الناس، وعندهم فضول قُوتِهم من التمر، فرخَّص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر. 813- وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع؛ متفق عليه، وفي رواية: كان إذا سئل عن صلاحها؟ قال: ((حتى تذهب عاهته)). الحديث دليل على النهي عن بيع الثمار قبل بَدْو صلاحها، وقال البخاري: باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وقال الليث عن أبي الزناد: كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري من بني حارثة أنه حدَّثه عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: "كان الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبايعون الثمار، فإذا جد الناس وحضَر تقاضيهم، قال المبتاع: إنه أصاب الثمر الدمان، أصابه مرض، أصابه قشام، عاهات يحتجون بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَما كثُرت عنده الخصومة في ذلك: ((فإما لا، فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر كالمشورة، يشير بها لكثرة خصومتهم))، قال في "سُبل السلام": "وأفهم قوله: كالمشورة، أن النهي للتنزيه". 814- وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، قيل: وما زهوها؟ قال: ((تحمار، وتصفار))؛ متفق عليه، واللفظ للبخاري. قال الخطابي: قوله: ((تحمار، وتصفار))، لم يُرِد بذلك اللون الخالص من الحُمرة والصُّفرة، إنما أراد حمرة أو صفرة بكمودة. 815- وعنه - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد؛ رواه الخمسة، إلا النسائي وصحَّحه ابن حبان والحاكم. فيه دليل على جواز بيع السنبل المشتد مطلقًا، وهو قول أكثر العلماء. 816- وعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو بعتَ من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بِمَ تأخذ مال أخيك بغير حق؟))؛ رواه مسلم، وفي رواية له: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح. قال البخاري - رحمه الله - في باب إذا باع الثمار قبل أن يبدوَ صلاحها، ثم أصابته عاهة، فهو من البائع: حدَّثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك عن حميد عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تُزهي، فقيل وما تُزهي؟ قال: حتى تحمر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أرأيت إذا منع الله الثمرة بِمَ يأخذ أحدكم مال أخيه؟، وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب قال: لو أن رجلاً ابتاع ثمرًا قبل أن يبدوَ صلاحه، ثم أصابته عاهة، كان ما أصابه على ربه، أخبرني سالم بن عبدالله عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تتبايعو الثمرة حتى يبدو صلاحها، ولا تبيعوا الثمر بالثمر))؛ انتهى. قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو بعت من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا) إلى آخره، قال الجاحظ: واستدل بهذا على وضع الجوائح في الثمر يشتري بعد بدو صلاحه ثم تُصيبه جائحة، فقال مالك: يضع عنه الثُّلث، وقال أحمد وأبو عبيد: يضع الجميع، وقال الشافعي والليث والكوفيون: لا يرجع على البائع بشيء، وقالوا: إنما ورَد وضْع الجائحة فيما إذا بيعت الثمرة قبل بَدْو صلاحها بغير شرط القطْع، فيحمل مطلق الحديث في رواية جابر على ما قيد به في حديث أنس، والله أعلم؛ انتهى. قال في المقنع: وإن تلفت بجائحة من السماء، رجع على البائع، وعنه إن أتلفت الثُّلث فصاعدًا، ضمنه البائع، وإلاَّ فلا؛ انتهى. قال في "سبل السلام": وقد اختلف العلماء في وضع الجوائح، فذهب الأقل إلى أن الجائحة إذا أصابت الثمر جميعه أن يوضع الثمن جميعه، وأن المتلف من مال البائع عملاً بظاهر الحديث، وذهب الأكثر إلى أن المتلف من مال المشتري، وأنه لا وضع لأجل الجائحة إلا ندبًا، واحتجوا له بحديث أبي سعيد: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس أن يتصدَّقوا على الذي أُصيب في ثمار ابتاعها. 817- وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع الذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع))؛ متفق عليه. الحديث دليل على أن الثمرة بعد التلقيح للبائع، ومفهومه أنها قبله للمشتري، وهو قول الجمهور، وفيه دليل على أن الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد لا يفسد البيع.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() مختصر الكلام على بلوغ المرام(44) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (أبواب: الصُّلْحِ، والحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ، والشَّرِكَةِ وَالْوَكالةِ) 834- عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ اَلْمُزَنِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اَلله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اَلصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ، إِلا صُلْحاً حَرَّمَ حَلالاً أوْ أَحَلَّ حَرَاماً، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلا شَرْطاً حَرَّمَ حَلالاً أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً" رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ لأنَّ رَاوِيَهُ كَثِيرَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِوِ بْنِ عَوْفٍ ضَعِيفٌ، وَكَأَنَّهُ اِعْتَبَرَهُ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وقد صحَّحَهُ ابنُ حِبَّان من حديث أبي هُريرَةَ. الحديث دليل على جواز الصلح في كل شيء إذا لم يخالف الشرع، قال الشوكاني: ويجوز عن المعلوم والمجهول بمعلوم وبمجهول، وعن الدم كالمال بأقل من الدية أو أكثر ولو عن إنكار، وقال في الاختيارات: ويصح الصلح عن المؤجل ببعضه حالاً، وهو رواية عن أحمد، وحكى قولاً للشافعي، وفيه دليل على لزوم الشروط التي لا تخالف الشرع في جميع العقود، قال في الاختيارات: ولو قال البائع: بعتك إن جئتني بكذا، أو إن رضي زيد صح البيع والشرط، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وتصح الشروط التي لم تخالف الشرع في جميع العقود انتهى. 835- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاَلله لأرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وقد روى أحمد وعبد الرزاق من حديث ابن عباس: "لا ضرر ولا ضرار" وللرجل أن يضع خشبة في حائط جاره؛ والحديث دليل على أنه ليس للجار أن يمنع جاره من وضع خشبة على جداره، وأنه إذا امتنع عن ذلك أجبر، وروى مالك بسند صحيح: أن الضحاك بن خليفة سأل محمد بن مسلمة أن يسوق خليجاً له فيجريه في أرض لمحمد بن مسلمة فامتنع، فكلمه عمر في ذلك فأبى، فقال: والله لتمرّن به ولو على بطنك، قال في الاختيارات: وإذا كان الجدار مختصاً بشخص لم يكن له أن يمنع جاره من الانتفاع بما يحتاج إليه الجار ولا يضر بصاحب الجدار، ويجب على الجار تمكين جاره من إجراء مائه في أرضه إذا احتاج إلى ذلك ولم يكن على صاحب الأرض ضرر في أصح القولين في مذهب أحمد. 836- وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ اَلسَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَحِلُّ لإمْرِئٍ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ" رَوَاهُ اِبْنُ حِبَّانَ والحاكم فِي صَحِيحِيهما. إيراد المصنف لهذا الحديث إشارة إلى أن حديث أبي هريرة محمول على التنزيه كما قول الشافعي في الجديد، وإنما يحتاج إلى التأويل إذا تعذر الجمع، وهو هنا ممكن بالتخصيص، فإن حديث أبي هريرة خاص، قال البيهقي: لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا ينكر أن يخصها، وقد حمله الراوي على ظاهره من التحريم، وهو أعلم بالمراد بدليل قوله: "ما لي أراكم عنها معرضين". بابُ الحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ الحوالة: نقل دين من ذمة إلى ذمة. 837- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله -صلى الله عليه وسلم- "مَطْلُ اَلْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: "فَلْيَحْتَلْ". الحديث دليل على تحريم المطل من الغنيّ، وهو تأخير ما استحق أداؤه من غير عذر (قوله: وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع). قال الحافظ: ومناسبة الجملة للتي قبلها أنه لما دل على أن مطل الغنيّ ظلم عقبه بأنه ينبغي قبول الحوالة على المليء لما في قبولها من دفع الظلم الحاصل بالمطل، واستدل به على اعتبار رضا المحيل والمحتال دون المحال عليه، وبه قال الجمهور، وقال البخاري: باب الحوالة، وهل يرجع في الحوالة؟ وقال الحسن وقتادة: إذا كان يوم أحال عليه ملياً جاز. وقال ابن عباس: يتخارج الشريكان وأهل الميراث، فيأخذ هذا عيناً وهذا ديناً، فإن نوى لأحدهما لم يرجع على صاحبه انتهى. قال في الاختيارات: والحوالة على ماله في الديون إذن في الاستيفاء فقط، والمختار الرجوع ومطالبته انتهى، وقال الحسن وشريح وزفر: الحوالة كالكفالة فيرجع على أيهما شاء، وقال مالك: لا يرجع إلا إن غرّه كأن علم فلس المحال عليه ولم يعلمه بذلك. 838- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنَّا، فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَخَطَا خُطاً، ثُمَّ قَالَ: "أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟" فقُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُوقَتَادَةَ: اَلدِّينَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اَلله -صلى الله عليه وسلم-: "حَقَّ الْغَرِيمُ وَبَرِئَ مِنْهُمَا اَلْمَيِّتُ؟" قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ" رَوَاهُ أحمد وأَبُو دَاوُدَ والنسائيُّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ والحَاكِمُ. (قوله: حق الغريم) في رواية لأحمد: "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منه الميت؟ قال: نعم"، وفي رواية الحاكم: "أنه -صلى الله عليه وسلم- جعل إذا لقى أبا قتادة يقول: ما صنعت الديناران؟ حتى كان آخر ذلك أن قال: قضيتهما يا رسول الله، قال: الآن بردت جلدته" والحديث دليل على شدة أمر الدين، قال ابن بطال: ذهب الجمهور إلى صحة هذه الكفالة عن الميت ولا رجوع له في مال الميت، وعن مالك له أن يرجع إن قال إنما ضمنت لأرجع. 839- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - "أَنَّ رَسُولَ اَلله -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ اَلْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ اَلدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: "هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قَضَاءٍ؟" فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلا قَالَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ" فَلَمَّا فَتَحَ الله عَلَيْهِ اَلْفُتُوحَ قَالَ: "أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: "فَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً". قال ابن بطال: وهكذا يلزم المتولي لأمر المسلمين أن يفعله فيمن مات وعليه دين. 840- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله -صلى الله عليه وسلم-: "لا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ" رَوَاهُ اَلْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. الحديث دليل على أنه لا تصح الكفالة في الحدّ، وتصح ببدن من عليه دين، وبالأعيان المضمونة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الزعيم غارم"، قال الشوكاني: ومن ضمن بإحضار شخص وجب عليه إحضاره، وإلا غرم ما عليه. باب الشَّرِكَةِ وَالْوَكالةِ 841- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله -صلى الله عليه وسلم-: " قَالَ اَللهُ: أَنَا ثَالِثُ اَلشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا" رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وصَحَّحَهُ الحَاكِمُ. فيه حثّ على التشارك مع عدم الخيانة لمعونة الله للشريكين، وإنزال البركة في تجارتهما، وسعيهما، وفيه التحذير من الخيانة. 842- وَعَنْ اَلسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ اَلْمَخْزُومِيِّ - رضي الله عنه - "أَنَّهُ كَانَ شَرِيكَ اَلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ اَلْبَعْثَةِ، فَجَاءَ يَوْمَ اَلْفَتْحِ، فَقَالَ: "مَرْحَباً بِأَخِي وَشَرِيكِي" رَوَاهُ أحْمَدُ وأَبُو دَاوُدَ وابْنُ مَاجَهْ. الحديث دليل على أن الشركة كانت ثابتة قبل الإسلام ثم قررها الشارع، قال الشوكاني: ويجوز الاشتراك في النقود والتجارات، ويقسم الربح على ما تراضيا عليه. 843- وَعَنْ عَبْدِ اَللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "اِشْتَرَكْتُ أَنَا وَعَمَّارٌ وَسَعْدٌ فِيمَا نُصِيبُ يَوْمَ بَدْر" اَلْحَدِيثَ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. تمامه: فجاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعمار بشيء، والحديث دليل على صحة الشركة في المكاسب، وتسمى شركة الأبدان. 844- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَرَدْتُ اَلْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَأَتَيْتُ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي بِخَيْبَرَ، فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ. تمام الحديث: "فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته". والحديث دليل على مشروعية الوكالة، وفيه دليل على العمل بالقرينة. 845- وَعَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ - رضي الله عنه - "أَنَّ رَسُولَ اَلله -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ مَعَهُ بِدِينَارٍ يَشْتَرِي لَهُ أُضْحِيَّةً" اَلْحَدِيثَ. رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قال الشوكاني: يجوز لجائز التصرف أن يوكل غيره في كل شيء ما لم يمنع منه مانع. 846- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اَلله -صلى الله عليه وسلم- عُمَرَ عَلَى اَلصَّدَقَةِ" اَلْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْه. الحديث دليل على توكيل الإمام للعامل في قبض الزكاة. 847- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - "أَنَّ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَحَرَ ثَلاثًا وَسِتِّينَ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَذْبَحَ اَلْبَاقِيَ" اَلْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فيه دليل على صحة التوكيل في نحر الهدي. 848- عن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - فِي قِصَّةِ اَلْعَسِيفِ. قَالَ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى اِمْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اِعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا" اَلْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فيه دليل على مشروعية التوكيل في إقامة الحدّ، والله أعلم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |