|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() أحكام التلبية 2 د. عبود بن علي درع* المطلب السابع : مواطن التلبية : قال ابن تيمية رحمه الله : وهي آكد ـ أي التلبية ـ فيما إذا علا نشزاً ، أو هبط وادياً، أو سمع ملبياً ، أو فعل محظوراً ناسياً ، أو التقت الرفاق ، وفي أدبار الصلوات ، وبالأسحار، وإقبال الليل والنهار وذلك لأن ذلك مأثور عن السلف ؛ قال خيثمة بن عبد الرحمن : " كان أصحاب عبد الله يلبون إذا هبطوا وادياً ، أو أشرفوا على أكمة [66]، أو لقوا ركباناً ، وبالأسحار ، ودبر الصلوات [67]. وفي لفظ :كنت أحج مع أصحاب عبد الله ، فكانوا يستحبون أن يلبوا في دبر كل صلاة ، وحين يلقى الركب، وبالأسحار ، وإذا أشرفوا على أكمة ، أو هبط وادياً ، او انبعثت به راحلته"[68]. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل حين انبعثت به ناقته ، واستوت به قائمة ، ثم أهل حين علا على شرف البيداء . وروي عن جابر ، قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي في حجته إذا لقي راكباً ، أو علا أكمة ، أو هبط وادياً ، وفي أدبار الصلوات المكتوبة ، ومن آخر الليل "[69] . ولأن المسافر يُستحب [70] له إذا علا على شرف أن يكبر الله تعالى ، وإذا هبط وادياً ، أن يسبحه ؛ فالتلبية للمحرم أفضل من غيرها من الذكر. ولأن البقاع إذا اختلفت استحب أن يلبي عند تنقل الأحوال . ومن جملة الأشراف : إذا علا على ظهر دابته ؛ كما تقدم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن السلف . وأما إذا فعل محظوراً ناسياً ؛ مثل: أن يغطي رأسه ، أو يلبس قميصاً ، ونحو ذلك ، فإن ذلك سيئة تنقص الإحرام ؛ فينبغي أن يُتبعها بحسنة ؛ تجبر الإحرام ، ولا أحسن فيه من التلبية ، ولأنه بذلك كالمعرض عن الإحرام ، ويتذكره بالتلبية ، وقد تقدم عن ابن عباس أنه قال لمن طاف في إحرامه لما رأى أنه يحل: أكثر من التلبية ؛ فإن التلبية تشد الإحرام[71] . وتستحب التلبية على كل حال قائماً وقاعداً ومضطجعاً ، وسائراً ونازلاً ، وطاهراً وجنباً وحائضاً ... إلى غير ذلك من الأحوال [72] . المطلب الثامن : آداب التلبية للتلبية آداب يستدعيها كمال المذكور وجلاله ، وينبغي للذاكر التحلي بها ، فإنها إذا روعيت بالإخلاص لله والمتابعة للسنة كانت أولى بالقبول ، وهذه الآداب على النحو التالي : 1ـ طلب العون من الله تعالى على الذكر: فقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً على أن يقول"اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"[73]. 2ـ أن يكون الملبي نظيفاً متطهراً : فمن الأدب : أن يكون الملبي لله تعالى نظيف الفم طاهر البدن طيب الرائحة ، فإن ذلك مما يزيد النفس نشاطاً ، فيكون فمه نظيفاً طاهراً من النجاسات الحقيقية ، وكذا الحكمية كالغيبة وسائر الأقوال الدنية ، ومن الأوساخ وتغير الرائحة في الفم ، ويزيل هذه الرائحة بالسواك[74] ، " فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم "[75]. ولقد فسر الشوكاني ـ رحمه الله ـ سبب كون فمه نظيفاً وإزالة تغيره بالسواك فقال: "وجه هذا أن التلبية عبادة باللسان ، فتنظيف الفم عند ذلك أدب حسن ، ولهذا جاءت السنة المتواترة بمشروعية السواك للصلاة ، والعلة في ذلك : تنظيف المحل الذي يكون الذكر به في الصلاة[76]. فكذلك في الحج والعمرة . 3ـ التحري في الأمكنة : بأن يكون المكان الذي يذكر الله فيه نظيفاً خالياً لأن الذكر عبادة للرب سبحانه ، والنظافة على العموم قد ورد الترغيب فيها ، والأمر بالبعد عن النجاسة[77]. كما في قوله تعالى ] وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [ [78] ، ولاشك أن القعود حال الدعاء في مكان متنجس يخالف آداب العبادة كما في آداب الصلاة من تطهير مكانها ، فينبغي أن يتحرى المواضع الشريفة كالمساجد لكونها جامعة للنظافة، وشرف البقعة ، ولقوله تعالى : ] فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [ [79]. ويلبي في كل مكان طاهر لتكثير الشهود له عند الله عز وجل غير الأماكن النجسة . وأما كون المكان خالياً : أي خالياً عن كل ما يشغل البال ويحصل من وجوه الاشتغال والوسواس ، وذلك أقرب إلى حضور القلب وأبعد عن الرياء والمباهاة ، وأعون على تدبر معنى ما يذكر به أو ما يدعو به[80] . 4ـ تحري الأزمنة الفاضلة : وذلك كالغدو والآصال ، وأطراف الليل والنهار ، لما ورد من الأمر بذلك في كتاب الله تعالى كقوله تعالى ] وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ [ [81] . وقوله ] وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا 25 وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا [ [82] . قيل : وإنما خص من النهار البكرة والعشي لأن الشغل فيهما غالب على الناس . قال النووي : " أشرف أوقات الذكر في النهار الذكر بعد صلاة الصبح[83] ، والتلبية من شعائر الحج ومن أفضل الذكر . قال ابن علان : " إنما فضل الذكر في ذلك الوقت لكونه تشهده الملائكة "[84] . قال تعالى : { وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}[85] . ومن هنا كره الإمام مالك الكلام بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس لأن المطلوب في هذا الوقت الذكر والاستغفار والدعاء[86] . والتلبية في أيام الحج والعمرة من أعظم الذكر لله عز وجل . ومن التحري للأوقات الشريفة ، عشر ذي الحجة من السنة ، فيستحب الإكثار من الذكر فيها زيادة على غيرها والتلبية من أفضل الذكر للحاج ، ويستحب في يوم عرفة ما لا يستحب في غيره لقوله تعالى { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } [87] ، وعلى الحقيقة فإن شرف الأوقات يرجع إلى شرف الحالات ، فإن وقت السحر وقت صفاء القلب وفراغه[88] وزمان عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا عند الله عز وجل عملاً وأحب إليه. والأصل أن ذكر الله تعالى مستحب في كل وقت ، ولا يستثنى حتى وقت النهي عن الصلاة، وقد كان النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أكمل الخلق ذكراً لله ـ عز وجل ـ ، بل إن كلامه كله في ذكر الله وما والاه [89] . 5ـ استقبال القبلة : فإن خير المجالس ما استقبل به القبلة ، لأنها الجهة التي شرع الله سبحانه أن تكون الصلاة إليها ، وهي الجهة التي يتوجه إلى الله ـ عز وجل ـ منها [90] . والتلبية مستحبة في كل اتجاه ولكنها إلى القبلة أفضل . 6ـ التضرع والخشوع والرغبة والرهبة : فمن آداب الملبي أن يكون الملبي متذللاً أي : ذا خشوع في الباطن وذا خشوع في الظاهر ، متخشعاً بسكينة ووقار ليظهر عظيم الذلة ومزيد الافتقار ، وخجل ما اقتحمته من الذنوب والأوزار، على أنه أجمع للقلب وأنفع من الانشغال بالأغيار[91] ، ولا شك أن التلبية مع الخشوع والافتقار أقرب إلى الله عز وجل في قبول العمل وبر الحج . 7ـ حضور القلب والتدبر فيما يقوله : لا ريب أن تدبر الملبي لمعاني ما يذكر به أكمل ، لأنه بذلك يكون في حكم المخاطب والمناجي ، ومما يساعد على حضور القلب والتدبر اتباع الآداب السابقة من التحري في المكان والزمان . لكن وإن كان أجر هذا أتم وأوفى ، فإنه لا ينافي ثبوت ما ورد الوعد به من ثواب التلبية لمن جاء به فإنه أعم من أن يأتي بها متدبراً لمعانيها متعقلاً لما يراد منها أولاً ، ولم يرد تقييد ما وعد به ثوابها بالتدبر والتفهم [92] . 8ـ الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والدعاء إذا فرغ من التلبية. قال ابن تيمية رحمه الله : وإذا فرغ من التلبية ، فقال أصحابنا [93] : يستحب أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويدعو بما أحب ؛ من خير الدنيا والآخرة . قال القاضي: إذا فرغ من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أحببنا له أن يسأل الله رضوانه والجنة ، ويستعيذ برحمته من النار : وذلك لما روي عن القاسم بن محمد ، قال: كان يستحب للرجل ـ إذا فرغ من تلبيته ـ أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، رواه الدار[94] قطني . وعن خزيمة بن ثابت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه إذا فرغ من التلبية ، سأل الله رضوانه والجنة ، واستعاذ برحمته من النار " رواه الشافعي ، والدار قطني[95] ولأن الملبي قد أجاب الله في دعائه إلى حج بيته ؛ فيستجيب الله له دعاءه ؛ جزاء له [96]. المبحث الثاني : حكم التلبية وترجمتها وحكم العجز عنها . وفيه ثلاث مطالب . المطلب الأول : حكم التلبية . المطلب الثاني : حكم من نسي التلبية . المطلب الثالث : حكم التلبية لمن لا يقدر عليها . وفيه المسائل التالية : المسألة الأولى : حكم التلبية بغير العربية . المسألة الثانية : حكم اتخاذ مترجم للأعاجم في التلبية . المسألة الثالثة : إذا كان الملبي يحسن العربية فهل له أن يلبي بغيرها ؟ المسألة الرابعة : حكم العجز عن التلبية المطلب الأول : حكم التلبية . اختلف العلماء في حكم التلبية : هل هي شرط ، أ م واجب ، أم سنة؟ وبيان المسألة كالتالي : القول الأول : التلبية ركن في الإحرام ، فلا يصح الإحرام بمجرد النية ، بل لابد من التلبية ، أو ما يقوم مقامها . وهذا في قول الحنفية[97] ، وابن حبيب من المالكية [98] ، وسفيان الثوري[99] . أدلة هذا القول : [ 1] قوله تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }[ البقرة : 197 ] . الشاهد في قوله : { فَمَنْ فَرَضَ }. وجه الدلالة : أن ابن عباس رضي الله عنهما فسر فرض الحج بأنه الإهلال[100] . وقال عطاء : الفرض التلبية [101] . فكانت ركناً في الإحرام . وأجيب : بأن أهل التفسير قد اختلفوا في المعنى الذي يكون به الرجل فارضاً الحج ، بعد إجماعهم على أن معنى الفرض الإيجاب والإلزام ، فقال بعضهم : فرض الحج الإهلال ، وقال آخرون فرض الحج إحرامه ، وهذا إجماع الجميع عليه[102] . [2] استدلوا بالقياس على تكبيرة الإحرام في الصلاة ، لأن الإحرام التزام أفعالاً لا مجرد كف ، بل التزام الكف شرط ، فكان بالصلاة أشبه ، فلابد من ذكر يفتتح به ، أو بما يقوم مقامه مما هو من خصوصياته [103] . وأجيب بأن هناك فرق بين الحج والصلاة في قياسهم ، فإن الصلاة يجب النطق في آخرها ، فوجب في أولها ، والحج بخلافه [104] . القول الثاني : التلبية في الإحرام واجبة ، وعدم الفصل بينها وبين الإحرام بكثير واجب أيضاً . وهو قول المالكية [105] . أدلة هذا القول : [1] قوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل : أي الحج أفضل : أفضل الحج العج والثج [106] . " والعج هو العجيج بالتلبية [107] ، وهي من شعار الحج وواجباته ، وأن المراد بالعج في الحديث رفع الصوت بالتلبية [108] . والثج هو : سيلان دماء الهدي والأضاحي[109] . [2] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله [110] . وأمر به ، وقد قال : خذوا عني مناسككم [111] ، فيحمل ذلك على الوجوب . وأجيب بأنه يحمل ذلك على الاستحباب[112] . القول الثالث : التلبية سنة في الإحرام . وهو قول الشافعية [113] ، والحنابلة [114] . ودليلهم : [ 1 ] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها[115] وأمر برفع الصوت بها[116] ، وأقل أحوال ذلك الأمر الاستحباب[117] . [2] أنها ذكر فلم تجب في الحج كسائر الأذكار[118] . وعلى هذا فيترتب على قول الحنفية عدم صحة الإحرام عند انعدام التلبية أو ما يقوم مقامها ، فيكون إحرامه فاسداً . وعلى قول المالكية بالوجوب ، فإنه يلزم من ترك التلبية أن يجبر ذلك بدم ، بل إنه روي عن بعضهم أن التلبية سنة ، ويلزم من تركه أن يجبر ذلك بدم [119] . وعلى قول الشافعية والحنابلة لا يلزمه شيء . الترجيح : والذي يظهر، والله تعالى أعلم ، أن القول بأن التلبية سنة هو الراجح ـ بل لو قيل بأنها سنة مؤكدة لكان أولى ـ وهو قول الشافعية والحنابلة ، وذلك لعدم وجود الدليل الصريح الصحيح بوجوب التلبية ، أو اشتراطها. ثانياً : اعتراضاتهم كانت وجيهة على وجه استدلالات من خالفهم في المسألة ، إذ أن الاستدلال بمجرد الفعل لا يدل على الوجوب . فالقول بالوجوب فيه مشقة على المحرم عند العجز عنها أو معرفة ألفاظها . ومع أن مذهب الحنفية أشد المذاهب في الحكم ؛ حيث جعلوها شرطاً في الإحرام لا يتم الحج إلا بها ، إلا أنهم أجازوا أي ذكر يقوم مقامها فيه تعظيم لله تعالى . والقول بالسنية هو أوسع المذاهب وأيسرها ، وهو الذي يعضده الدليل ؛ لأن التلبية شعار الحج ، كما قال ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى [120] . المطلب الثاني : حكم من نسي التلبية : اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في هذه المسألة على قولين : القول الأول : إن توجه مريد الإحرام ناسياً للتلبية من فناء المسجد كان بنيته محرماً ، ثم إن ذكر من قريب لبى ولا شيء عليه ، وأما إن تطاول ذلك به ، أو نسيه حتى فرغ من حجه ، فليهرق دماً. وبه قال المالكية[121] . القول الثاني : إذا نوى الإحرام ونسي التلبية ، ثم لبى بعد ذلك ، فقد قضى حجه ، ولم يكن عليه شيء سواء طال ذلك ، أم لم يطل. وهو مقتضى قول الشافعية والحنابلة : أن التلبية سنة مستحبة ، وليست بواجبة [122] . وأما الحنفية ، فلا يدخلون في هذه المسألة ؛ لأنه ـ في هذه الحال ـ غير محرم أصلاً [123] . الأدلة : أدلة القول الأول : أولاً : وجه القول بأنه إن ذكر التلبية من قريب ولبى قبل تطاول الزمن لم يكن عليه شيء، هو : أن ذلك يسير ، فكأنه أتى بها في مبتدئها ، وحيث خوطب بها ، فلم يكن عليه دم . ثانياً : أن ذلك إن تطاول به ، أو نسيه حتى فرغ من حجه كان عليه أن يهريق دماً بما يأتي : 1ـ أن التلبية من شعائر الحج ، وواجبات نسكه ، لحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل أي الحج أفضل؟ ، فقال: " الحج : العج[124] ، والثج[125] " [126] ، فإذا نسيه لوقت طويل ، أو تركه مطلقاً كان عليه دم لتركه للواجب[127] . 2ـ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بها وحضه عليها وفعلها لها مع قوله : " خذوا عني مناسككم "[128] ، وقوله : " من ترك من نسكه شيئاً فعليه دم "[129] . 3ـ أنه إن لم يأت بالتلبية حتى تطاول الوقت ؛ فإنه لم يأت بها في مبتدئها ، وحيث خوطب بها ، فيكون عليه الدم[130] . أدلة القول الثاني : استدل أصحاب هذا القول بما يأتي : 1ـ أن الحج عبادة لا يجب النطق في آخرها ، فلم يجب في أولها كالصوم [131] . 2ـ أن التلبية سنة لا شيء في تركها ؛ لأنها ذكر مشروع في الحج ، فكان سنة كسائر أذكاره : من الدعاء بعرفة ، ومزدلفة ، ومنى ، وغير ذلك[132] . الترجيح : الاختلاف في هذه المسألة مبني على القول بوجوب التلبية من عدمها ، فمن رأى أنها واجبة، وأنها من شعائر الحج وواجبات نسكه ، رأى أن الإخلال بها مطلقاً ، أو الإخلال بها في بداية الإحرام واستمرار ذلك لوقت طويل يوجب الدم ، لعدم إتيانه بها حيث أمر بها ، أو لعدم الإتيان بها مطلقاً، وهي من شعائر الحج وواجبات نسكه . ومن لم ير وجوبها لم يجعل عليه دماً سواءً تركها في بداية الإحرام واستمر ذلك لوقت طويل، أو تركها مطلقاً ؛ لأنها ذكر مشروع في الحج ، فكان سنة كسائر أذكاره: من الدعاء بعرفة ، ومزدلفة ، ومنى . والذي يترجح عندي أنها سنة مستحبة وليست واجبة ، فمن نسي التلبية عند الإحرام أو بعده فلا دم عليه ، ولم يكن عليه شيء سواءً طال ذلك أم لم يطل لما تقدم من الأدلة وضعف أدلة القول الأول . والله أعلم . المطلب الثالث : حكم التلبية لمن لا يقدر عليها : بعد أن تبين لنا تعريف التلبية وأنها سنة ، أود أن أتطرق إلى الحديث عن التلبية لمن لا يقدر عليها ، إما لصغر ، أو مرض ، أو خرس ، وإما لأنه لا يحسنها ، وذلك لأهمية هذه المسألة ؛ إذ أن الكثير من الحجاج من خارج البلاد العربية لا يحسنون نطقها ، كما أن التلبية قد شغلت اهتمام العلماء من حيث الالتزام بألفاظها والزيادة على نصها ، وحكم تكرارها ، وزمن انقطاعها ، إذ أنها شعار الحج ، فظهر الخلاف السابق في حكمها ، وأقل أحوالها أنها سنة قولية من سنن الحج ويستحب ذكرها ، لهذه الأهمية أقول : المسألة الأولى : حكم التلبية بغير العربية : إذا لبى الحاج أو المعتمر ، أو نطق أياً من أذكار المناسك بغير العربية ، وعرفنا ـ من خلال الترجمة عنه ـ أن ما تلفظ به هو معنى تلك الأذكار بالعربية ، فما الحكم في ذلك ؟ اختلف الفقهاء في التلبية وأذكار المناسك وأدعيتها إذا قيلت بغير العربية ، والخلاف واقع فيها على ثلاثة أقوال: القول الأول : جواز التلبية بغير العربية للعاجز عنها ، وعدم الجواز للقادر عليها . وبه قال المالكية[133]، وهو وجه عند الشافعية [134] ، والقول المعتمد عند الحنابلة [135] ، وإليه ذهب الظاهرية[136] . الأدلة : الدليل الأول: أن التلبية وأذكار المناسك أذكار مؤقتة ، فلم تشرع بغير العربية إلا عند العجز عنها[137]. الدليل الثاني : أن الله تعالى لبى نفسه بالعربية ، فلا يذكر بغير ما لبى به نفسه بدون عذر العجز ، ومثلها بقية الأذكار والأدعية المقيدة ، التي يشرع الإتيان بها في مشاعر الحج[138] . الدليل الثالث : قياس التلبية وأذكار النسك على الأذان ، وتكبيرة الإحرام، وسائر الأذكار المؤقتة المشروعة ، فإنها لا تقال بغير العربية إلا عند العجز ، فكذلك التلبية [139] . ويناقش :بأن هذا قياس على مختلف فيه ، والقياس على المختلف فيه لا يصح[140] . القول الثاني: جواز التلبية وأذكار النسك بغير العربية مطلقاً[141] . وهذا مذهب الحنفية [142] ، ووجه عند الشافعية[143] . الأدلة : واستدلوا : الدليل الأول : أن باب الحج أوسع من باب الصلاة ، فالكلام في الصلاة مفسد لها ، بخلاف الحج ، فلا يفسده الكلام كما يفسد الصلاة[144] . ويمكن مناقشته من ثلاثة أوجه : الوجه الأول : أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لتأخذوا عني مناسككم ... [145] . خطاب لكل ناطق بالعربية أن يأخذ عنه - صلى الله عليه وسلم - جميع المناسك ؛ أقوالاً كانت أو أفعالاً ، فإذا كان قادراً على العربية تعين عليه أن يقول أذكار النسك ـ والتلبية على وجه الخصوص ـ بلسان النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لأن معنى هذا الحديث : قولوا كما أقول ، وافعلوا كما أفعل ، فهو نظير قوله - صلى الله عليه وسلم -: صلوا كما رأيتموني أصلي [146] . الوجه الثاني : أن الإتيان بالأذكار والدعاء بغير العربية ـ مع القدرة عليها ـ فيه تشبه بالأعاجم ، وقد جاء في الحديث : ومن تشبه بقوم فهو منهم [147] ، لأن حرص الناطق بالعربية على التحديث بغيرها ينبئ عن ميل وإعجاب بأهل تلك اللغة ومحبي التقليد لهم ، وهذا نوع من التشبه بهم[148] . يتبع
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |