|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() المفطرات د. عبد الله محمد عبد الله ويتعلق بالمرض مسألتان : الأولى : وهي إن صام المريض هل يجزيه صومه عن فرضه أم لا ؟ اختلف العلماء على رأيين : الأول : وهو رأي الجمهور من العلماء ؛ قالوا : إن صام المريض وقع صيامه وأجزأه. الثاني : وهو رأي أهل الظاهر ؛ ذهبوا إلى أنه لا يجزيه ، وأن فرضه هو أيام أخر . والسبب في هذا الاختلاف تردد الآية : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ( البقرة : 184) بين أن يحمل على الحقيقة فلا يكون هنالك محذوف أصلًا أو يحمل على المجاز فيكون التقدير ، فأفطر فعدة من أيام أخر . فمن حمل الآية على الحقيقة ولا يحملها على المجاز وهم الظاهرية قالوا : إن فرض المسافر عدة من أيام أخر ، ومن قدَّر - فأفطر- قال : إنما فرضه عدة من أيام أخر إذا أفطر . وكلا الفريقين يرجح تأويله بالآثار الشاهدة لكلا المفهومين , 17 وينسحب كل ما ذكرناه على المسافر أيضًا . أما المسألة الثانية : وهي هل الصوم أفضل أو الفطر؟ قال ابن رشد : واختلف العلماء في الأفضل من الفطر ، إذا قلنا : إنه من أهل الفطر على مذهب الجمهور ، فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة مذاهب ، فبعضهم رأى أن الصوم أفضل ، وممن قال بهذا القول : مالك وأبو حنيفة ، وبعضهم رأى أن الفطر أفضل ، وممن قال بهذا القول : أحمد وجماعة ، وبعضهم رأى أن ذلك على التخيير وليس أحدهما أفضل 18 وعزوه للشافعي . المفطرات بسبب العلاج : تناول الفقهاء عددًا من المسائل التي تتصل بأمور العلاج التي كانت معروفة في زمنهم ، وقد تباينت أنظارهم بشأنها ؛ فمن قائل بأنها تتنافى وحكمة الصيام وأنها تؤثر على سلامة الصوم وصحته وهم الأكثر ، ومن قائل : إنها غير جارحة للصوم وهم الأقل ، وسنقف على تعليل كل فريق , ثم نستظهر آراء أئمتنا المعاصرين ، ونسوق في هذا المقام النصوص الفقهية, قال الإمام النووي في شرحه للمهذب : أما الأحكام فقال أصحابنا : أجمعت الأمة على تحريم الطعام والشراب على الصائم وهو مقصود الصوم ، ودليله الآية الكريمة ويقصد قوله تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } ( البقرة : 187) ، والإجماع ، وممن نقل الإجماع فيه ابن المنذر . قال الرافعي : وضبط الأصحاب الداخل المفطر بالعين الواصلة من الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم. قال : وفيه قيود : منها : الباطن الواصل إليه ، وفيما يعتبر به وجهان : أحدهما : أنه ما يقع عليه اسم الجوف . والثاني : يعتبر معه أن يكون فيه قوة تحيل الواصل إليه من دواء أو غذاء . قال : والأول هو الموافق لتفريغ الأكثرين كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، ويدل عليه أنهم جعلوا الحلق كالجوف في إبطال الصوم بوصول الواصل إليه . وقال إمام الحرمين : إذا جاوز الشيء الحلقوم أفطر وعلى الوجهين جميعًا باطن الدماغ والبطن والأمعاء والمثانة مما يفطر الوصول إليه بلا خلاف ، حتى لو كانت ببطنه أو برأسه مأمومة - وهي الآمة - فوضع عليها دواء فوصل إلى جوفه أو خريطة دماغه أفطر ، وإن لم يصل باطن الأمعاء وباطن الخريطة ، وسواء كان الدواء رطبًا أو يابسًا عندنا . وحكى المتولي والرافعي وجهًا أن الوصول إلى المثانة لا يفطر ، واختاره القاضي حسين وهو شاذ . 19 وأما الحقنة فتفطر على المذطب وبه قطع المصنف والجمهور ، وفيه وجه قاله القاضي حسين لا تفطر وهو شاذ ، وإن كان منقاسًا فعلى المذهب قال أصحابنا : سواء كانت الحقنة قليلة أو كثيرة وسواء وصلت إلى المعدة أم لا فهي مفطرة بكل حال عندنا . وأما السعوط فإن وصل إلى الدماغ أفطر بلا خلاف . قال أصحابنا : وما جاوز الخيشوم في الاستعاط فقد حصل في حد الباطن وحصل به الفطر . قال أصحابنا : وداخل الفم والأنف إلى منتهى الغلصمة والخيشوم له حكم الظاهر في بعض الأشياء حتى لو أخرج إليه القيء أو ابتلع منه نخامة أفطر . وأما إذا قطر في إحليله شيئًا ولم يصل إلى المثانة أو زرق فيه ميلًا ففيه ثلاثة أوجه : أصحها يفطر وبه قطع الأكثرون ، والثاني لا ، والثالث إن جاوز الحشفة أفطر وإلا فلا . ثم ذكر فروعًا منها : لو أوصل الدواء إلى داخل لحم الساق أو غرز فيه سكينًا أو غيرها فوصلت مخه لم يفطر بلا خلاف لأنه لا يعد عضوًا أو جوفًا. ولو طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه فوصلت السكين جوفه أفطر بلا خلاف عندنا ، سواء كان بعض السكين خارجًا أم لا . ولو أدخل الرجل أصبعه أو غيرها دبره أو أدخلت المرأة أصبعها أو غيرها دبرها أو قبلها وبقي البعض خارجًا بطل الصوم باتفاق أصحابنا إلا الوجه الشاذ السابق عن الحناطي . 20 ولو قطر في أذنه ماء أو دهنًا أو غيرهما فوصل إلى الدماغ فوجهان ، أصحهما يفطر وبه قطع المصنف والجمهور. والثاني لا يفطر قاله أبو علي السنجي والقاضي حسين والفوراني وصححه الغزالي كالاكتحال ، وادعوا أنه لا منفذ من الأذن إلى الدماغ وإنما يصله بالمسام كالكحل وكما لو دهن بطنه فإن المسام تتشربه ولا يفطر بخلاف الأنف ، قال : السعوط يصل منه إلى الدماغ في منفذ مفتوح ، ثم تناول مذاهب العلماء في بعض ما ذكرناه عنه وهي : 1- الحقنة : قال ذكرنا أنها مفطرة عندنا ونقله ابن المنذر عن عطاء والثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق ، وحكاه العبدري وسائر أصحابنا أيضًا عن مالك ، ونقله المتولي عن عامة العلماء ، وقال الحسن بن صالح وداود : لا يفطر. 2 - لو قطر في إحليله شيئًا فالصحيح عندنا أنه يفطر كما سبق وحكاه ابن المنذر عن أبي يوسف ، وقال أبو حنيفة والحسن بن صالح وداود : لا يفطر. 3 - السعوط إذا وصل للدماغ أفطر عندنا ، وحكاه ابن المنذر عن الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة ومالك وإسحاق وأبي ثور . وقال داود : لا يفطر . وحكاه ابن المنذر عن بعض العلماء . 4- لو صب الماء أو غيره في أذنيه فوصل دماغه أفطر على الأصح عندنا ، وبه قال أبو حنيفة وقال مالك والأوزاعي وداود : لا يفطر إلا أن يصل حلقه . 5 - ولو داوى جرحه فوصل الدواء إلى جوفه أو دماغه أفطر عندنا سواء كان الدواء رطبًا أو يابسًا ، وحكاه ابن المنذر عن أبي حنيفة ، والمشهور عن أبي حنيفة أنه يفطر إن كان دواء رطبًا وإن كان يابسًا فلا ، وقال مالك وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وداود : لا يفطر مطلقًا. 6 - ولو طعن نفسه بسكين أو غيرها فوصلت جوفه أو دماغه أو طعنه غيره بأمره فوصلتهما أفطر عندنا. وقال أبو يوسف ومحمد : لا يفطر. وقال أبو حنيفة : إن نفذت الطعنة إلى الجانب الآخر أفطر وإلا فلا . 21 ويتفق الحنفية مع الشافعية في كثير مما ذكرناه أيضًا ، قال الكاساني : وأما ركنه - أي الصوم - فالإمساك عن الأكل والشرب والجماع ؛ لأن الله تعالى أباح الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان لقوله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } . ( البقرة : 187) ، أي حتى يتبين لكم ضوء النهار من ظلمة الليل من الفجر ، ثم أمر بالإمساك عن هذه الأشياء في النهار بقوله تعالى : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [ البقرة : 187] فدل أن ركن الصوم ما قلنا ، فلا يوجد الصوم بدونه . وعلى هذا الأصل يتبين بيان ما يفسد الصوم وينقضه ؛ لأن انتقاض الشيء عند فوات ركنه أمر ضروري ، وذلك بالأكل والشرب والجماع ، سواء كان صورة ومعنى ، أو صورة لا معنى ، أو معنى لا صورة ، وسواء كان بغير عذر أو بعذر ، وسواء كان عمدًا أو خطأً ، طوعًا أو كرهًا بعد أن كان ذاكرًا لصومه لا ناسيًا ولا في معنى الناسي ، والقياس أن يفسد وإن كان ناسيًا وهو قول مالك . 22 وفي العلاج : قال : وما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ من المخارق الأصلية كالأنف والأذن والدبر بأن استعط أو احتقن أو أقطر في أذنه فوصل إلى الجوف أو إلى الدماغ فَسَدَ صومه ، أما إذا وصل إلى الجوف فلا شك فيه لوجود الأكل من حيث الصورة ، وكذا إذا وصل إلى الدماغ ؛ لأن له منفذًا إلى الجوف ، فكان بمنزلة زاوية من زوايا الجوف... وأما ما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ من غير المخارق الأصلية بأن داوى الجائفة أو الآمة ، فإن داواها بدواء يابس لا يفسد لأنه لم يصل إلى الجوف ولا إلى الدماغ ، ولو علم أنه وصل يفسد في قول أبي حنيفة ، وإن داواها بدواء رطب يفسد عند أبي حنيفة وعندهما لا يفسد ، هما اعتبرا المخارق الأصلية ؛ لأن الوصول إلى الجوف من المخارق الأصلية متيقن به ، ومن غيرها مشكوك فيه فلا نحكم بالفساد مع الشك . وأما الإقطار في الإحليل فلا يفسد في قول أبي حنيفة ، وعندهما يفسد ، وأما الإقطار في قبل المرأة فقد قال مشايخنا : إنه يفسد صومها بالإجماع ؛ لأن لمثانتها منفذًا فيصل إلى الجوف كالإقطار في الأذن . 23 وفي كتب الحنابلة : أنه يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه ونحو ذلك مما ينفذ إلى معدته إذا وصل باختياره وكان مما يمكن التحرز منه ، سواء وصل من الفم على العادة أو غير العادة كالوجور واللدود أو من الأنف كالسعوط ، أو ما يدخل في الأذن إلى الدماغ أو ما يدخل من العين إلى الحلق كالكحل ، أو ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة ، أو ما يصل من مداواة الجائفة إلى جوفه أو من دواء المأمومة إلى دماغه فهذا كله يفطره لأنه واصل إلى جوفه باختياره فأشبه الأكل ، وكذلك لو جرح نفسه أو جرحه غيره باختياره فوصل إلى جوفه ، سواء استقر في جوفه أو عاد فخرج منه ، وبهذا كله قال الشافعي ، وقال مالك : لا يفطر بالسعوط إلا أن ينزل إلى حلقه ، ولا يفطر إذا داوى المأمومة والجائفة ، واختلف عنه في الحقنة واحتج له بأنه لم يصل إلى الحلق منه شيء ، أشبه ما لم يصل إلى الدماغ ولا الجوف . 24 وقال : فإن قطر في إحليله دهنًا لم يفطر به سواء وصل إلى المثانة أو لم يصل ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال الشافعي : يفطر. 25 وقال : ومن استقاء فعليه القضاء ، ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه . وحكي عن ابن مسعود وابن عباس أن القيء لا يفطر ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : " ثلاث لا يفطرن الصائم : الحجامة والقيء والاحتلام " ولأن الفطر بما يدخل لا بما يخرج. واستدل القائلون بالفطر بحديث أبي هريرة :" من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ، ومن استقاء عامدًا فليقض " قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، ورواه أبو داود وصححه الحاكم على شرط الشيخين ، وردوا الحديث الأول وقالوا : إنه غير محفوظ يرويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف في الحديث ، قاله الترمذي. والحديث الثاني الذي استدل به القائلون بالفطر أنكره أحمد والبخاري وأبو داود ، وجزموا بأنه غير محفوظ ، وقال النسائي : وقفه عطاء على أبي هريرة . 26 مذاهب العلماء في الحجامة : ذكر النووي أن مذهب الشافعية : لا يفطر بها لا الحاجم ولا المحجوم ، وبه قال ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأم سلمة وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والشعبي والنخعي ومالك والثوري وأبو حنيفة وداود وغيرهم . وقال جماعة من العلماء : الحجامة تفطر وهو قول علي بن أبي طالب وأبي هريرة وعائشة والحسن البصري وابن سيرين وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة ، قال الخطابي : قال أحمد وإسحاق : يفطر الحاجم والمحجوم وعليهما القضاء دون الكفارة . وقال عطاء : يلزم المحتجم في رمضان القضاء والكفارة . 27 آراء الأئمة المعاصرين في مسائل العلاج في حق الصائم : 1- رأي الشيخ محمود شلتوت- رحمه الله- : " قال رحمه الله في كتابه الفتاوى 28 : الحقن كلها لا تفطر . وإذا كان من محظور الصوم الأكل والشرب - وحقيقتهما دخول شيء من الحلق إلى المعدة - والمعدة هي محل الطعام والشراب من الإنسان وقالوا : إنها كالحويصلة للطائر والكرش للحيوان, كان المبطل للصوم ما دخل فيها بخصوصها سواء أكان مغذيًا أم غير مغذٍّ ، ولا بد من المنفذ المعتاد ، ومن أجل هذا فما دخل الجوف ، ولكن لم يصل إليها لا يفسد الصوم . فالحقنة الشرجية يدخل بها الماء إلى الجوف ، ولكن لا يصل إليها فلا تفطر ، والحقن الجلدية أو العرقية يسري أثرها في العروق ولا تدخل محل الطعام والشراب فلا تفطر ، نعم قد يحدث بعضها نشاطًا في الجسم وقوة عامة ، ولكن لا تدفع جوعًا ولا عطشًا ، ومن هنا لا تأخذ حكم الأكل أو الشرب وإن أدت شيئًا من مهمته ، وإذا كان هذا هو الأصل في الإفطار وكانت الحقن بجميع أنواعها لا تفطر الصائم فإن أقماع البواسير أو مراهمها أو الاكتحال أو التقطير في العين ، كل ذلك لا تأثير بشيء منه على الصوم ، فهو ليس بأكل في صورته ولا في معناه ، وهو بعد لا يصل إلى المعدة محل الطعام والشراب " . 2- رأي الشيخ سيد سابق : قال : " الحقنة مطلقا سواء أكانت للتغذية أم لغيرها ، وسواء أكانت في العروق أم تحت الجلد فإنها وإن وصلت إلى الجوف ، فإنها تصل إليه من غير المنفذ المعتاد " . وقد سبقهما إلى هذا الرأي ابن تيمية ، حيث قال فيما نقله عنه الشيخ سيد سابق في كتابه فقه السنة : أما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة فهذا مما تنازع فيه أهل العلم ، فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك ، ومنهم من فطر بالجميع لا بالكحل ، ومنهم من فطر بالجميع لا بالتقطير ، ومنهم من لا يفطر بالكحل ولا بالتقطر ، ويفطر بما سوى ذلك. ثم قال مرجحًا الرأي الأول : والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك ، فإن الصيام من دين الإسلام ، الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام . فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه ، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثا صحيحًا ولا ضعيفًا ولا مسندًا ولا مرسلًا ، علم أنه لم يذكر شيئًا من ذلك - إلى أن قال : - وكذلك الحقنة لا تغذي بل تستفرغ ما في البدن ، كما لو شم شيئًا من المسهلات أو فزع فزعًا أوجب استطلاق جوفه ، وهي لا تصل إلى المعدة . والدواء الذي يصل إلى المعدة في مداواة الجائفة والمأمومة لا يشبه ما يصل إليها من غذائه. إلى أن قال : فالصائم نهي عن الأكل والشرب ؛ لأن ذلك سبب التقوى , فترك الأكل والشرب الذي يولد الدم الكثير الذي يجري فيه الشيطان إنما يتولد من الغذاء لا عن حقنة ولا كحل ، ولا ما يقطر في الذكر ولا ما يداوى به المأمومة والجائفة . اهـ 29 الإغماء وزوال العقل وأثرهما على الصوم : الإغماء في اللغة فقد الحس والحركة لعارض 30, وأغمي عليه عرض له ما أفقده الحس والحركة فهو مغمى عليه ، ومن زال عقله بسبب غير محرم كمن جن أو أغمي عليه أو زال عقله بمرض أو بشرب دواء لحاجة أو أكره على شرب مسكر فزال عقله ففي هذه الحالات لا يلزمه الصوم ، ونقل النووي عن المزني أنه يصح صوم المغمى عليه وإن كان لا يلزمه الصوم على القول الأخير أيضا لأنه غير مكلف .31 . واختلفوا في وجوب القضاء عليه. قال النووي : يجب القضاء على المغمى عليه سواء استغرق جميع رمضان أو بعضه. قال : وحكى الأصحاب وجهًا عن ابن سريج أن الإغماء المستغرق لجميع رمضان لا قضاء فيه كالجنون ، وكما لا يجب عليه قضاء الصلاة ، قال : هكذا نقل الجمهور عن ابن سريج ، ونقل البغوي عنه أنه إذا استغرق الإغماء رمضان أو يوما منه لا قضاء عليه . قال : واختار صاحب الحاوي قول ابن سريج هذا في أنه لا قضاء على المغمى عليه ، ثم قال : والمذهب وجوب القضاء عليه . 32 ثم قال : ومن زال عقله بمرض أو بشرب دواء لحاجة أو بعذر لزمه قضاء الصوم دون الصلاة ، كالمغمى عليه. وأخيرًا التخدير وإجراء العمليات وأثرهما على الصوم : التخدير في الطب عملية إفقاد الإحساس بالألم33 ,عن طريق الحقن ، وقد سبق أن بينا مذاهب العلماء في الحقن على اختلافها ، وأنها على رأي المتأخرين من محققي العلماء أنها لا تفطر ، فينقاس عليها حقن التخدير ، ومن ثم فإن العمليات التي لا يحتاج صاحبها إلى تناول الطعام المعتاد بالطرق الاعتيادية طيلة النهار فإن صومه صحيح ، وهو رأي المزني ، ولا قضاء عليه وهو مذهب ابن سريج وصاحب الحاوي الإمام أبي الحسن الماوردي ، وقال النووي : " قال أصحابنا يجوز شرب الدواء المزيل للعقل للحاجة ، وقال : ولو احتيج في قطع يده المتآكلة إلى تعاطي ما يزيل عقله فوجهان : أصحهما جوازه ، وقال : وإذا زال عقله والحالة هذه لم يلزمه قضاء الصلوات بعد الإفاقة لأنه زال بسبب غير محرم " 34 أما صحة الصوم وقضاؤه فقد سبق بيانه وذكرنا مذاهب العلماء في صحة صومه وحكم القضاء ، وأن الأصل الذي ينقاس عليه هو الإغماء , وقد بينا حكم صوم المريض قبل هذا في أول البحث وفي أثنائه ، فلا نعيد القول فيه . خلاصة البحث أولًا : الصوم عبادة عظيمة شرعها المولى عز وجل لمصلحة الإنسان ، حيث تنمي فيه روح المراقبة التي هي مشكاة الحياة الفاضلة وسبب كل نعمة مادية وأدبية . ثانيًا : كذلك فإن الصوم كان مفروضًا على جميع الأمم ، وهو ما أثبته البحث الاستقرائي ، فتصريح القرآن الكريم به فيه إعجاز علمي ظاهر. ثالثًا : لما كان الصوم فيه بعض المشقة ، ومن الناس من يتفق أن يكون مريضًا أو أن يكون على سفر ، والسفر قطعة من العذاب ، ومن الناس من يكون شيخًا كبيرًا طاعنًا في السن هرمًا يضره الإمساك عن الطعام والشراب ، ومن النساء من تكون طامثًا أو نفساء ؛ فاقتضت حكمة الله ورحمته أن يخفف وطأة الصيام عن هؤلاء ، فأباح لهم الفطر في أيام السفر والمرض ، ويصومون بدلًا عنه أيامًا أخرى في غير رمضان. رابعًا : المرض من الأعذار المسقطة للصوم ، وعرفوا المرض بأنه ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة ، أو هو الذي يخاف أنه يزداد بالصوم أو ما يخاف منه الهلاك ، وقال جمهور العلماء : إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه أو يخاف تماديه أو يخاف تزيده صح له الفطر. خامسًا : المريض إذا صام صح صومه ، وهو الرأي المختار وهو رأي جمهور العلماء. سادسًا : أجمعت الأمة على تحريم الطعام والشراب على الصائم وضبط العلماء الداخل المفطر : بالعين الواصلة من الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم ، والباطن الواصل إليه هو : ما يقع عليه اسم الجوف أو ما يعتبر معه أن يكون فيه قوة تحيل الواصل إليه من دواء أو غذاء ، وهو باطن الدماغ والبطن والأمعاء والمثانة في قول جمهور العلماء . سابعًا : وقد اختلف العلماء في جملة من المسائل كالحقنة والسعوط والتقطير في الإحليل ، ودواء الجروح إذا وصل إلى الدماغ أو الجوف والحجامة . ثامنًا : ذهب المعاصرون من العلماء ومنهم الشيخ شلتوت شيخ الأزهر الأسبق والشيخ سيد سابق ، وسبقهما شيخ الإسلام ، من ابن تيمية ، إلى أن الحقن بجميع أنواعها غير مفطرة ، وبه نأخذ . تاسعًا : الإغماء وزوال العقل بغير تعد ، وتناول الأدوية المزيلة للعقل بقصد العلاج مما اختلف العلماء فيه ، فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن تناول الأدوية المغيبة للعقل جائز ولا يلزمه الصوم ويلزمه القضاء ، وقال المزني : يصح صومه ، وقال ابن سريج : لا يلزمه القضاء ، وبه نأخذ. وعليه فالتخدير بالحقن وإجراء العمليات التي لا يحتاج صاحبها إلى تناول الطعام بالطرق الاعتيادية عن طريق الفم ، ولو تناولها من طريق الحقن ولو مغذية لا يجرح صومه ولا يلزمه القضاء... والله أعلم . وهذا ما تيسر لنا جمعه في هذه العجالة . أسأل الله تعالى أن ينفع به إنه سميع مجيب ، وأن يتقبل عملنا ويجعله خالصًا لوجهه ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . د.. عبد الله محمد عبد الله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ 1 تفسير القرطبي : 2/ 276 ، 280 2 تفسير الطبري : 2/ 132 ، ط الحلبي؛ تفسير القرطبي : 2/ 288 3 الإسلام عقيدة وشريعة للشيخ شلتوت ، ص 111 4 لسان العرب ، مادة فطر والمعجم الوجيز مادة فطر وأفطر. 5 فقه السنة : 3/ 248 ؛ وموسوعة الفقه الإسلامي : ج 26 ، مادة صوم . 6 بدائع الصنائع : 4/ 1016 7 المصباح المنير مادة مرض 8- 2/ 1017 9 بدائع الصنائع 2/ 1017 10 بدائع الصنائع : 2/ 1017 11الجامع لأحكام القرآن : 2/ 276 12 الجامع لأحكام القرآن : 2/ 276 13 تفسير القرطبي : 2/ 277 14 تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن : 2/ 150 والحلبي 15 المجموع : 6/ 258؛ وانظر الموسوعة الفقهية : 28/ 46 ، مادة صوم . 16 المغني : 2/ 133 17 بداية المجتهد : 1/ 250 18 بداية المجتهد : 1/ 250؛ وانظر أيضًا المجموع : 6/ 258 19 المجموع : 6 / 313 20 انظر المجموع : 6/ 314 21 المجموع : 6/ 320 22 بدائع الصنائع : 2/ 1006 ، 1007 23 بدائع الصنائع : 2/ 1014 24 المغني ، لابن قدامة : 3/ 96 25 المغني ، لابن قدامة : 3/ 100 26 انظر المغني : 3/ 157 27 المجموع : 6/ 349؛ المغني : 3/ 94؛ ويراجع في كل ما تقدم الموسوعة الفقهية مصطلح صوم : ج/ 28 28 الفتاوى ، ص 136 29 فقه السنة : 3/ 244 ، 247 30 الوسيط مادة غم 33 المجموع : 6/ 254؛ والمجموع أيضا : 3/ 6 ، 7 32 المجموع 6/ 255 33 المعجم الوجيز مادة خدر 34 المجموع : 3/ 7
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |