كتاب الحج من إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5003 - عددالزوار : 2123015 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4583 - عددالزوار : 1401594 )           »          الإمام شامل الداغستاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          السيد موسى الكاظم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الحج فوائد ومنافع دينية ودنيوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 883 )           »          القلوب الطيبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 34 - عددالزوار : 3368 )           »          التربية بالإعراض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          حرمة المال العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-11-2019, 02:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الحج من إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



218- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: { جَلَسْتُ إلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ. فَسَأَلَتْهُ عَنْ الْفِدْيَةِ؟ فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي خَاصَّةً. وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً.

حُمِلْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي.

فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى - أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى - أَتَجِدُ شَاةً؟ فَقُلْتُ: لَا. فَقَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ }.

الشَّرْحُ

الْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: " مَعْقِلٌ " وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ - هَذَا - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ.

وَعَبْدُ اللَّهِ - هَذَا - هُوَ ابْنُ مَعْقِلِ بْنُ مُقَرِّنٍ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ الْمُهْمَلَةِ - مُزَنِيٌّ كُوفِيٌّ، يُكَنَّى أَبَا الْوَلِيدِ.

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِيهِ: كُوفِيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، مِنْ خِيَارِ التَّابِعِينَ.

وَ " عُجْرَةُ " بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ.

" وَكَعْبٌ " وَلَدُهُ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ.

وَقِيلَ، مِنْ بَلِيٍّ.

وَقِيلَ: هُوَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَدِيٍّ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ بِالْمَدِينَةِ.

وَلَهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الثَّانِي فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ حَلْقِ الرَّأْسِ لِأَذَى الْقَمْلِ.

وَقَاسُوا عَلَيْهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الضَّرَرِ وَالْمَرَضِ.

الثَّالِثُ: قَوْلُهُ " نَزَلَتْ فِي " يَعْنِي آيَةَ الْفِدْيَةِ.

قَوْلُهُ " خَاصَّةً " يُرِيدُ اخْتِصَاصَ سَبَبِ النُّزُولِ بِهِ.

فَإِنَّ اللَّفْظَ عَامٌ فِي الْآيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا } وَهَذِهِ صِيغَةُ عُمُومٍ.

الرَّابِعُ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " مَا كُنْتُ أُرَى " بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، أَيْ أَظُنُّ.

وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " بَلَغَ بِك مَا أَرَى " بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ.

يَعْنِي أُشَاهِدُ. وَهُوَ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ.

وَ " الْجَهْدُ " بِفَتْحِ الْجِيمِ: هُوَ الْمَشَقَّةُ.

وَأَمَّا الْجُهْدُ - بِضَمِّ الْجِيمِ - فَهُوَ الطَّاقَةُ.

وَلَا مَعْنَى لَهَا هَهُنَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ الصِّيغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

الْخَامِسُ: قَوْلُهُ " أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ " تَبْيِينٌ لِعَدَدِ الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ تُصْرَفُ إلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ. وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ عَدَدِهِمْ.

وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ: إنَّهُ يُطْعِمُ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ، لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ، وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.

السَّادِسُ: قَوْلُهُ " لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ " بَيَانٌ لِمِقْدَارِ الْإِطْعَامِ.

وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ: إنَّمَا هُوَ فِي الْحِنْطَةِ.

فَأَمَّا التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ وَغَيْرُهُمَا: فَيَجِبُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعٌ.

وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ: أَنَّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّ حِنْطَةٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهَا.

وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ تَعْيِينُ نِصْفِ الصَّاعِ مِنْ تَمْرٍ.

السَّابِعُ: " الْفَرَقُ " بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَقَدْ تُسَكَّنُ. وَهُوَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ. مُفَسَّرٌ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ أَعْنِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ. وَهِيَ تَقْسِيمُ الْفَرَقِ عَلَى ثَلَاثَةِ آصُعٍ.

وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: هُوَ تَعْيِينُ نِصْفِ الصَّاعِ مِنْ تَمْرٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ.

الثَّامِنُ: قَوْلُهُ " أَوْ تُهْدِيَ شَاةً " هُوَ النُّسُكُ الْمُجْمَلُ فِي الْآيَةِ.

قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: هِيَ الشَّاةُ الَّتِي تُجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ.

وَقَوْلُهُ " أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " تَعْيِينُ الصَّوْمِ الْمُجْمَلِ فِي الْآيَةِ.

وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ: إنَّ الصَّوْمَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ، لِمُخَالَفَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظُ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ مَعًا يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ بَيْنَ هَذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ - أَعْنِي الصِّيَامَ وَالصَّدَقَةَ وَالنُّسُكَ -؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " أَوْ " تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ.

وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ " أَتَجِدُ شَاةً؟ فَقُلْتُ: لَا " فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ: أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُجْزِي إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْهَدْيِ، قِيلَ: بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ النُّسُكِ؟ فَإِنْ وَجَدَهُ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ يُخَيِّرُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ.

وَإِنْ عَدِمَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ.


بَابُ حُرْمَةِ مَكَّةَ

219 - عَنْ { أَبِي شُرَيْحٍ - خُوَيْلِدِ بْنِ عَمْرٍو - الْخُزَاعِيِّ الْعَدَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ - وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلَى مَكَّةَ - ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أَنْ أُحَدِّثَكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ.

فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ. وَوَعَاهُ قَلْبِي. وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ، حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ: أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ.

ثُمَّ قَالَ: إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ. فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً.

فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ. وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ. فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ.

فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ إنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ }.

الشَّرْحُ

" الْخَرْبَةُ " بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: هِيَ الْخِيَانَةُ.

وَقِيلَ: الْبَلِيَّةُ وَقِيلَ: التُّهْمَةُ. وَأَصْلُهَا فِي سَرِقَةِ الْإِبِلِ.

قَالَ الشَّاعِرُ: وَتِلْكَ قُرْبَى مِثْلَ أَنْ تُنَاسِبَا أَنْ تُشْبِهُ الضَّرَائِبُ الضَّرَائِبَا وَالْخَارِبُ اللِّصُّ يُحِبُّ الْخَارِبَا.

الْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: " أَبُو شُرَيْحٍ " الْخُزَاعِيُّ، وَيُقَالُ فِيهِ: الْعَدَوِيُّ وَيُقَالُ: الْكَعْبِيُّ، اسْمُهُ: خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو - وَقِيلَ: عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو.

وَقِيلَ هَانِئُ بْنُ عَمْرٍو - أَسْلَمَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ. وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ.

الثَّانِي: قَوْلُ " ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ فِي أَنْ أُحَدِّثَكَ " فِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ فِي الْمُخَاطَبَةِ لِلْأَكَابِرِ - لَا سِيَّمَا الْمُلُوكُ - لَا سِيَّمَا فِيمَا يُخَالِفُ مَقْصُودَهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَدْعَى لِلْقَبُولِ، لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ يُعْرَفُ مِنْهُ ارْتِكَابُ غَرَضِهِ، فَإِنَّ الْغِلْظَةَ عَلَيْهِ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِإِثَارَةِ نَفْسِهِ، وَمُعَانِدَةِ مَنْ يُخَاطِبُهُ.

وَقَوْلُهُ " أُحَدِّثَكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ. وَوَعَاهُ قَلْبِي " تَحْقِيقٌ لِمَا يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ.

وَقَوْلُهُ " سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ " نَفْيٌ لِوَهْمِ أَنْ يَكُونَ رَوَاهُ عَنْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ " وَوَعَاهُ قَلْبِي " تَحْقِيقٌ لِفَهْمِهِ، وَالتَّثَبُّتُ فِي تَعَقُّلِ مَعْنَاهُ.

الثَّالِثُ: قَوْلُهُ " فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا " يُؤْخَذُ مِنْهُ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: تَحْرِيمُ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ لِأَهْلِ مَكَّةَ. وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ.

وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ.

قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ، فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ، فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ: لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ.

قَالَ: حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا: أَنَّ مِنْ خَصَائِصِ الْحَرَمِ: أَنْ لَا يُحَارَبَ أَهْلُهُ إنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ.

فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ، بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ، وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ، قَالَ وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: يُقَاتَلُونَ عَلَى الْبَغْيِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنْ الْبَغْيِ إلَّا بِالْقِتَالِ؛ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا يَجُوزُ إضَاعَتُهَا، فَحِفْظُهَا فِي الْحَرَمِ أَوْلَى مِنْ إضَاعَتِهَا.

وَقِيلَ: إنَّ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِسِيَرِ الْوَاقِدِيِّ.

وَقِيلَ: إنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَابَ عَنْ الْأَحَادِيثِ: بِأَنَّ مَعْنَاهَا تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ، كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ، إذَا لَمْ يُمْكِنْ إصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا انْحَصَرَ الْكُفَّارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ. فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَقُولُ: هَذَا التَّأْوِيلُ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ الْقَوِيِّ، الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ عُمُومُ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا } وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ خُصُوصِيَّتَهُ لِإِحْلَالِهَا لَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَالَ " فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ " فَأَبَانَ بِهَذَا اللَّفْظِ: أَنَّ الْمَأْذُونَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ لِغَيْرِهِ.

وَاَلَّذِي أُذِنَ لِلرَّسُولِ فِيهِ: إنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ الْقِتَالِ، وَلَمْ يَكُنْ قِتَالُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمَنْجَنِيقٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعُمُّ، كَمَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ وَأَيْضًا فَالْحَدِيثُ وَسِيَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّحْرِيمَ لِإِظْهَارِ حُرْمَةِ الْبُقْعَةِ بِتَحْرِيمِ مُطْلَقِ الْقِتَالِ فِيهَا وَسَفْكِ الدَّمِ. وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِمَا يُسْتَأْصَلُ.

وَأَيْضًا فَتَخْصِيصُ الْحَدِيثِ بِمَا يُسْتَأْصَلُ لَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ عَلَى تَعَيُّنِ هَذَا الْوَجْهِ بِعَيْنِهِ لَأَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ.

فَلَوْ أَنَّ قَائِلًا أَبْدَى مَعْنًى آخَرَ، وَخَصَّ بِهِ الْحَدِيثَ: لَمْ يَكُنْ بِأَوْلَى مِنْ هَذَا.

وَالْأَمْرُ الثَّانِي: يَسْتَدِلُّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْمُلْتَجِئَ إلَى الْحَرَمِ لَا يُقْتَلُ بِهِ.

لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا } وَهَذَا عَامٌّ تَدْخُلُ فِيهِ صُورَةُ النِّزَاعِ قَالَ: بَلْ يُلْجَأُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ، فَيُقْتَلَ خَارِجَهُ، وَذَلِكَ بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ.

الرَّابِعُ " الْعَضْدُ " الْقَطْعُ، عَضَدَ - بِفَتْحِ الضَّادِ فِي الْمَاضِي يَعْضِدُ - بِكَسْرِ الضَّادِ: يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ أَشْجَارِ الْحَرَمِ، وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِيمَا لَا يَسْتَنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَةِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَسْتَنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ.

وَالْحَدِيثُ عَامٌّ فِي عَضْدِ مَا يُسَمَّى شَجَرًا.

الْخَامِسُ: قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.

وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ: أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا التَّوَهُّمِ: لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الَّذِي يَنْقَادُ لِأَحْكَامِنَا، وَيَنْزَجِرُ عَنْ مُحَرَّمَاتِ شَرْعِنَا، وَيَسْتَثْمِرُ أَحْكَامَهُ. فَجُعِلَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ لَا يَكُونُ مُخَاطَبًا بِالْفُرُوعِ.

وَأَقُولُ:

الَّذِي أُرَاهُ إنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّهْيِيجِ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ: أَنَّ اسْتِحْلَالَ هَذَا الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَلِيقُ بِمَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ، بَلْ يُنَافِيهِ: هَذَا هُوَ الْمُقْتَضِي لِذِكْرِ هَذَا الْوَصْفِ.

وَلَوْ قِيلَ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مُطْلَقًا، لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْغَرَضُ.

وَخِطَابُ التَّهْيِيجِ مَعْلُومٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

السَّادِسُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً. وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: فُتِحَتْ صُلْحًا، وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ: إنَّ الْقِتَالَ كَانَ جَائِزًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ فَلَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ لَفَعَلَهُ. وَلَكِنْ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ.

وَهَذَا التَّأْوِيلُ: يُضَعِّفُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُجُودَ قِتَالٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرًا.

وَأَيْضًا السِّيَرُ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى وُقُوعِ الْقِتَالِ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ } إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَمَانِ الْمُعَلَّقِ عَلَى أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ، تُبْعِدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَيْضًا.

السَّابِعُ قَوْلُهُ " فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ " فِيهِ تَصْرِيحٌ بِنَقْلِ الْعِلْمِ، وَإِشَاعَةِ السُّنَنِ وَالْأَحْكَامِ.

وَقَوْلُ عَمْرٍو " أَنَا أَعْلَمُ مِنْكَ بِذَلِكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ - إلَى آخِرِهِ " هُوَ كَلَامُهُ. وَلَمْ يَسْنُدْهُ إلَى رِوَايَةٍ.

وَقَوْلُهُ " لَا يُعِيذُ عَاصِيًا " أَيْ لَا يَعْصِمُهُ.

وَقَوْلُهُ " وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ " قَدْ فَسَّرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَيُقَالُ فِيهَا: بِضَمِّ الْخَاءِ وَأَصْلُهَا: سَرِقَةُ الْإِبِلِ، كَمَا قَالَ. وَتُطْلَقُ عَلَى كُلِّ خِيَانَةٍ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّهَا الْبَلِيَّةُ " وَعَنْ الْخَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ الْفَسَادُ فِي الدِّينِ،

مِنْ الْخَارِبِ وَهُوَ اللِّصُّ الْمُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ، وَقِيلَ: هِيَ الْعَيْبُ.


220 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ - { لَا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ.

وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا، وَقَالَ: يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ. فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا. وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ.

فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إلَّا الْإِذْخِرَ. فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ. فَقَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ }.

الشَّرْحُ

" الْقَيْنَ " الْحَدَّادُ.

قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " لَا هِجْرَةَ " نَفْيٌ لِوُجُوبِ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ.

فَإِنَّ " الْهِجْرَةَ " تَجِبُ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ.

وَقَدْ صَارَتْ مَكَّةُ دَارَ إسْلَامٍ بِالْفَتْحِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ. فَيَكُونُ حُكْمًا وَرَدَ لِرَفْعِ وُجُوبِ هِجْرَةٍ أُخْرَى بِغَيْرِ هَذَا السَّبَبِ.

وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَجِبُ الْهِجْرَةُ الْيَوْمَ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ.

وَفِي ضِمْنِ الْحَدِيثِ: الْإِخْبَارُ بِأَنَّ مَكَّةَ تَصِيرُ دَارَ إسْلَامٍ أَبَدًا.

وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، " وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا " أَيْ إذَا طُلِبْتُمْ لِلْجِهَادِ فَأَجِيبُوا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَتَعَيَّنُ الْإِجَابَةُ وَالْمُبَادَرَةُ إلَى الْجِهَادِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَأَمَّا إذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ بَعْضَ النَّاسِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَهَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ.

وَلَعَلَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ مَنْ عُيِّنَ لِلْجِهَادِ.

وَيُؤْخَذُ غَيْرُهُ بِالْقِيَاسِ.

وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ " يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جِهَادًا مَعَ نِيَّةٍ خَالِصَةٍ إذْ غَيْرُ الْخَالِصَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ. فَهِيَ كَالْعَدَمِ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا فِي صِحَّةِ الْأَعْمَالِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ: وَلَكِنْ جِهَادٌ بِالْفِعْلِ، أَوْ نِيَّةُ الْجِهَادِ لِمَنْ يَفْعَلُ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ. مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ النِّفَاقِ }.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ } تَكَلَّمُوا فِيهِ، مَعَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ } فَقِيلَ بِظَاهِرِ هَذَا، وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ أَظْهَرَ حُرْمَتُهَا بَعْدَ مَا نُسِيَتْ.

وَالْحُرْمَةُ ثَابِتَةٌ مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ.

وَقِيلَ: إنَّ التَّحْرِيمَ فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ، وَحُرْمَتُهَا يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ: كِتَابَتُهَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، أَوْ غَيْرِهِ: حَرَامًا.

وَأَمَّا الظُّهُورُ لِلنَّاسِ: فَفِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَقَوْلُهُ " فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُحِلَّ الْقِتَالُ " يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا التَّحْرِيمَ يَتَنَاوَلُ الْقِتَالَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ لَا يُنْسَخُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ أَوْ إبَاحَتِهِ.

وَقَوْلُهُ " لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَطْعَ الشَّوْكِ مُمْتَنِعٌ كَغَيْرِهِ.

وَذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ مُصَنِّفِي الشَّافِعِيَّةِ. وَالْحَدِيثُ مَعَهُ.

وَأَبَاحَهُ غَيْرُهُ، مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّوْكَ مُؤْذٍ.

وَقَوْلُهُ " وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ " أَيْ يُزْعَجُ مِنْ مَكَانِهِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى طَرِيقِ فَحْوَى الْخِطَابِ: أَنَّ قَتْلَهُ مُحَرَّمٌ فَإِنَّهُ إذَا حَرَّمَ تَنْفِيرَهُ، بِأَنْ يُزْعَجَ مِنْ مَكَانِهِ، فَقَتْلُهُ أَوْلَى.

وَقَوْلُهُ " وَلَا يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا " اللُّقْطَةُ - بِإِسْكَانِ الْقَافِ، وَقَدْ يُقَالُ بِفَتْحِهَا - الشَّيْءُ الْمُلْتَقَطُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ لُقْطَةَ الْحَرَمِ لَا تُؤْخَذُ لِلتَّمَلُّكِ. وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ لِتُعَرَّفَ لَا غَيْرُ.

وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهَا كَغَيْرِهَا فِي التَّعْرِيفِ وَالتَّمَلُّكِ.

وَيُسْتَدَلُّ لِلشَّافِعِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ.

وَ " الْخَلَى " بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْقَصْرِ: الْحَشِيشُ إذَا كَانَ رَطْبًا، وَاخْتِلَاؤُهُ: قَطْعُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ.

وَ " الْإِذْخِرَ " نَبْتٌ مَعْرُوفٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ.

وَقَوْلُهُ " فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ " الْقَيْنُ: الْحَدَّادُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي عَمَلِ النَّارِ، وَ " بُيُوتِهِمْ " تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّسْقِيفِ.

وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " إلَّا الْإِذْخِرَ " عَلَى الْفَوْرِ تَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْ يَرْوِي اجْتِهَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تَفْوِيضَ الْحُكْمِ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يُوحَى إلَيْهِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ. فَإِنَّ الْوَحْي إلْقَاءٌ فِي خُفْيَةٍ. وَقَدْ تَظْهَرُ أَمَارَاتُهُ وَقَدْ لَا تَظْهَرُ.


221 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ } وَلِمُسْلِمٍ { يُقْتَلُ خَمْسٌ فَوَاسِقُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ }

الشَّرْحُ

فِيهِ مَبَاحِثُ، الْأَوَّلُ: الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ " خَمْسٌ " بِالتَّنْوِينِ " فَوَاسِقُ " وَيَجُوزُ خَمْسُ فَوَاسِقَ بِالْإِضَافَةِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمَشْهُورِ.

فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ " خَمْسٌ " بِقَوْلِهِ " كُلُّهُنَّ فَوَاسِقُ " وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يُنَوَّنَ " خَمْسٌ " فَيَكُونُ " فَوَاسِقُ " خَبَرًا. وَبَيْنَ التَّنْوِينِ وَالْإِضَافَةِ فِي هَذَا فَرْقٌ دَقِيقٌ فِي الْمَعْنَى.

وَذَلِكَ: أَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي الْحُكْمَ عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْفَوَاسِقِ بِالْقَتْلِ.

وَرُبَّمَا أَشْعَرَ التَّخْصِيصُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِهَا وَبِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ.

وَأَمَّا مَعَ التَّنْوِينِ: فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وَصْفَ الْخَمْسِ بِالْفِسْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَقَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ - وَهُوَ الْقَتْلُ - مُعَلَّلٌ بِمَا جُعِلَ وَصْفًا، وَهُوَ الْفِسْقُ.

فَيَقْتَضِي ذَلِكَ التَّعْمِيمَ لِكُلِّ فَاسِقٍ مِنْ الدَّوَابِّ، وَهُوَ ضِدُّ مَا اقْتَضَاهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَفْهُومِ. وَهُوَ التَّخْصِيصُ.

الثَّانِي: الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ هَذِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ.

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ: أَنَّ الْغُرَابَ يُرْمَى وَلَا يُقْتَلُ.

الثَّالِثُ: اخْتَلَفُوا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ، أَوْ التَّعْدِيَةِ لِمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا بِالْمَعْنَى.

فَقِيلَ: بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ.

وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ الْمُخَالِفِينَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَلْحَقَ الذِّئْبَ بِهَا.

وَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ مُنَاقَضَاتِهِ، وَاَلَّذِي قَالُوا بِالتَّعْدِيَةِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ التَّعْدِيَةُ.

فَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الشَّارِحِينَ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: الْمَعْنَى فِي جَوَازِ قَتْلِهِنَّ: كَوْنُهُنَّ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ، فَكُلُّ مَا لَا يُؤْكَلُ قَتْلُهُ جَائِزٌ لِلْمُحْرِمِ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: الْمَعْنَى فِيهِ كَوْنُهُنَّ

مُؤْذِيَاتٍ، فَكُلُّ مُؤْذٍ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ، وَمَا لَا فَلَا.

وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ جَوَازَ الْقَتْلِ غَيْرُ جَوَازِ الِاصْطِيَادِ، وَإِنَّمَا يَرَى الشَّافِعِيُّ جَوَازَ الِاصْطِيَادِ وَعَدَمَ وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِالْقَتْلِ لِغَيْرِ الْمَأْكُولِ، وَأَمَّا جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَى قَتْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ: فَغَيْرُ هَذَا، وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي حَكَيْنَاهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اصْطِيَادُ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ بَقِيَّةِ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ يَرُدُّونَ هَذَا بِظُهُورِ الْمَعْنَى فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ الْخَمْسِ، وَهُوَ الْأَذَى الطَّبِيعِيُّ، وَالْعُدْوَانُ الْمُرَكَّبُ فِي هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ، وَالْمَعْنَى إذَا ظَهَرَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَدَّى الْقَائِسُونَ إلَى كُلِّ مَا وُجِدَ فِيهِ الْمَعْنَى ذَلِكَ الْحُكْمَ، كَمَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي فِي بَابِ الرِّبَا، وَقَدْ وَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى التَّعْدِيَةِ فِيهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ هُوَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يُعَدَّى بِهِ.

وَأَقُولُ: الْمَذْكُورُ ثَمَّ: هُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْأَلْقَابِ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي مَفْهُومًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَالتَّعْدِيَةُ لَا تُنَافِي مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَالْمَذْكُورُ هَهُنَا مَفْهُومُ عَدَدٍ، وَقَدْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ لِلتَّخْصِيصِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِالْعَدَدِ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى عَوَّلَ بَعْضُ مُصَنِّفِي الْحَنَفِيَّةِ فِي التَّخْصِيصِ بِالْخَمْسِ الْمَذْكُورَاتِ - أَعْنِي مَفْهُومَ الْعَدَدِ - وَذَكَرَ غَيْرَ ذَلِكَ مَعَ هَذَا أَيْضًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْدِيَةَ بِمَعْنَى الْأَذَى إلَى كُلِّ مُؤْذٍ: قَوِيٌّ، بِالْإِضَافَةِ إلَى تَصَرُّفِ الْقَائِسِينَ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ الْإِيمَاءِ بِالتَّعْلِيلِ بِالْفِسْقِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الْحَدِّ، وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِحُرْمَةِ الْأَكْلِ: فَفِيهِ إبْطَالُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ إيمَاءُ النَّصِّ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْفِسْقِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعِلَّةِ: أَنْ يَتَقَيَّدَ الْحُكْمُ بِهَا وُجُودًا وَعَدَمًا، فَإِنْ لَمْ يَتَقَيَّدْ، وَثَبَتَ الْحُكْمُ حَيْثُ تُعْدَمُ: بَطَلَ تَأْثِيرُهَا بِخُصُوصِهَا فِي الْحُكْمِ، حَيْثُ ثَبَتَ الْحُكْمُ مَعَ انْتِفَائِهَا، وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ مِنْ التَّعْلِيلِ بِهَا.

الْبَحْثُ الرَّابِعُ: الْقَائِلُونَ بِالتَّخْصِيصِ بِالْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا جَاءَ مَعَهَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ - مِنْ ذِكْرِ الْحَيَّةِ - وَفُوا بِمُقْتَضَى مَفْهُومِ الْعَدَدِ، وَالْقَائِلُونَ بِالتَّعْدِيَةِ إلَى غَيْرِهَا يَحْتَاجُونَ إلَى ذِكْرِ السَّبَبِ فِي تَخْصِيصِ الْمَذْكُورَاتِ بِالذِّكْرِ، وَقَالَ مَنْ عَلَّلَ بِالْأَذَى: إنَّمَا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِيُنَبِّهَ بِهَا عَلَى مَا فِي مَعْنَاهَا، وَأَنْوَاعُ الْأَذَى مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَيَكُونُ ذِكْرُ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا مُنَبِّهًا عَلَى جَوَازِ قَتْلِ مَا فِيهِ ذَلِكَ النَّوْعُ، فَنَبَّهَ بِالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ عَلَى مَا يُشَارِكُهُمَا فِي الْأَذَى بِاللَّسْعِ، كَالْبُرْغُوثِ مَثَلًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَنَبَّهَ بِالْفَأْرَةِ عَلَى مَا أَذَاهُ بِالنَّقْبِ وَالتَّقْرِيضِ، كَابْنِ عِرْسٍ، وَنَبَّهَ بِالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ عَلَى مَا أَذَاهُ بِالِاخْتِطَافِ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِ، وَنَبَّهَ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ عَلَى كُلِّ عَادٍ بِالْعَقْرِ وَالِافْتِرَاسِ بِطَبْعِهِ، كَالْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّعْدِيَةِ إلَى كُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ: فَقَدْ أَحَالُوا التَّخْصِيصَ فِي الذِّكْرِ بِهَذِهِ الْخَمْسَةِ عَلَى الْغَالِبِ، فَإِنَّهَا الْمُلَابِسَاتُ لِلنَّاسِ وَالْمُخَالِطَاتُ فِي الدُّورِ، بِحَيْثُ يَعُمُّ أَذَاهَا، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلتَّخْصِيصِ، وَالتَّخْصِيصُ لِأَجْلِ الْغَلَبَةِ إذَا وَقَعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومٌ، عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، إلَّا أَنَّ خُصُومَهُمْ جَعَلُوا هَذَا الْمَعْنَى مُعْتَرَضًا عَلَيْهِمْ فِي تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إلَى بَقِيَّةِ السِّبَاعِ الْمُؤْذِيَةِ.

وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ إلْحَاقَ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ قِيَاسًا شَرْطُهُ مُسَاوَاةُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ أَوْ رُجْحَانُهُ.

أَمَّا إذَا انْفَرَدَ الْأَصْلُ بِزِيَادَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تُعْتَبَرَ، فَلَا إلْحَاقَ.

وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَامَّةَ الْأَذَى - كَمَا ذَكَرْتُمْ - نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِبَاحَةِ قَتْلِهَا، لِعُمُومِ ضَرَرِهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِيمَا لَا يَعُمُّ ضَرَرُهُ مِمَّا لَا يُخَالِطُ فِي الْمَنَازِلِ، فَلَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى إبَاحَةِ قَتْلِهِ، كَمَا دَعَتْ إلَى إبَاحَةِ قَتْلِ مَا يُخَالِطُ مِنْ الْمُؤْذِيَاتِ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ.

وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ نَادِرٌ، وَقَدْ أُبِيحَ قَتْلُهُ.

وَالثَّانِي: مُعَارَضَةُ النُّدْرَةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِزِيَادَةِ قُوَّةِ الضَّرَرِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ تَأْثِيرَ الْفَأْرَةِ بِالنَّقْبِ - مَثَلًا - وَالْحِدَأَةِ بِخَطْفِ شَيْءٍ يَسِيرٍ لَا يُسَاوِي مَا فِي الْأَسَدِ وَالْفَهْدِ مِنْ إتْلَافِ الْأَنْفُسِ؟ فَكَانَ إبَاحَةُ الْقَتْلِ أَوْلَى.


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 82.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 80.35 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]