هدايات سورة آل عمران - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ماذا على المسلم بعد الحج – حاجا أو غيره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          روائع قرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 74 )           »          ثلاثون فضيلة لصائم يوم عرفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الوصايا العشر في الذكاء الاجتماعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أساليب الدعوة إلى الله وصفات الداعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          تحول العبادات إلى عادات وأثره في حياة المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          شكوى الجمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          فضل المسير إلى المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حدث في السابع عشر من ذي القعدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          واستجاب الله دعاءَ أمِّ سلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-09-2019, 06:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدايات سورة آل عمران

هدايات سورة آل عمران
أحمد ولد محمد ذو النورين


- لقد جعل الله -تعالى- البيت الحرام ذروة في المنزلة، مقدما في الأسبقية، عالي الفضل، عظيم الشرف، سامق المكانة، فلزم تعظيمه وحمايته ورعايته، فهو أول مكان لعبادة الله عرفته المعمورة، وهو المطاف الوحيد على سطحها، وفي رحابه المسعى الفريد، وفي جواره الموقف الفذ بعرفة، وفي جنباته تؤدى سائر مشاعر الحج والعمرة، وبه تتعلق القلوب، وإليه تهوى الأفئدة، وعلى أرضه بثت البركة: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا).
- إن التوفيق للطاعات وأعمال البر لا يتأتى إلا بالصلة الدائمة بالله -تعالى-، تلك الصلة التي هي منبع نقاء التصور واتضاح الهدف وتحصينه من غبش الشبهات ونوازع الشهوات، وهي مصدر إحراز النصر: (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين)، ورغم ذلك فإنه لابد للنصر من تضحيات جسام وابتلاءات عظام تكشف المحق المتجرد من المبطل المتنفع، وتبرهن على أن معصية الله - تعالى - ومخالفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومقارفة الذنوب وسائل مانعة من استحقاق المدد الإلهي: (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر) (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم)، فالإيمان بأن النصر مرده إلى الله، عقيدة ينبغي أن يستيقنها المؤمن في مختلف الظروف والأزمنة: (وما النصر إلا من عند الله).
- لقد تضمنت السورة تحذيرات متتابعة للمسلمين من كيد أهل الكتاب ودسائسهم، في الوقت الذي وجهت فيه تقريعات لاذعة لليهود خاصة، لما يتسمون به من العداوة المتأصلة مع هذه الأمة ودينها؛ ولما جللهم من فقدان السيطرة على غرائزهم الدنيئة، ولما انطبعوا به من التمسك بكل نقيصة، ولما عرفوا به من محاربة الحق وإن استيقنوه، ولما تميزوا به من الصد عن سبيل الله: (قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء)، ثم ينتقل النص لبين في إشارات دأب الصالحين في لجئهم إلى الله -تعالى- وتعلقهم به وتوكلهم عليه، وتطبيقاً لذلك قدمت السورة نمطا بمناجاة امرأة عمران لربها: (رب إني نذرت لك ما في بطني محررا)، وفي السياق نفسه جاءت دعوة زكرياء؛ ليتناسق ذلك كله مع ما اختتمت به السورة من استجابة الله -تعالى- للمسلمين بعد ما تعرضوا له من الأذية في سبيل الله وما قاموا به من الهجرة والجهاد (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى...).
هكذا تتجمع آيات السورة لتؤكد بوضوح أن شمولية المنهج تقتضي الاتباع المطلق الذي لا استثناء فيه.
قصة وهدف:
- لقد كانت أخطر اللحظات في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- حين حاول المشركون استغلال انفراده -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد بعد أن لم يبق معه سوى سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما[17]، وقد اعتبر المشركون ذلك الوضع فرصة ذهبية يجب انتهازها، فلم يتوانوا في تركيز جهودهم لقتل النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل طفقوا يتسابقون لتحقيق هدفهم ذاك، فرماه عتبة بن أبي وقاص بصخرة فوقع لشقه وأصيبت رباعيته وكلمت شفته، وشج عبد الله بن شهاب الزهري جبهته، وضربه ابن قمئة ضربتين إحداهما على عاتقه والأخرى على وجنته، فاشتكى من الأولى شهراً، ودخلت بسبب الثانية حلقتان من المغفر في وجنته بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-، فجعل يسلت الدم عنه ويقول: ((كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله))، فأنزل الله -عز وجل-: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) [18]، لم يأل المشركون جهدا في القضاء على الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا أن سعدا وطلحة قاتلا باستماتة وبسالة منقطعة النظير؛ إذ كانا من أمهر رماة العرب، فاستطاعا بتوفيق الله -عز وجل- ثم بمهارتهما العالية وشجاعتهما النادرة وبطولتهما الفائقة أن يحبطا آمال المشركين ويصدا كيدهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. [19].
من الأهداف المهمة لهذه القصة:
- شدة صبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وشجاعته وثباته في المعارك، فلم يؤثر أعداؤه عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه فر مرة واحدة، وهو ما لم يتحقق لأشجع بطل عرفه التاريخ البشري.
- عظمة ما تعرض له -صلى الله عليه وسلم- من الابتلاء، وتنوع ما أصابه من المحن والكروب في سبيل الدعوة إلى الله - تعالى -، ولم يزده ذلك إلا ثباتاً وشموخاً ومصابرة.
- تفاني الصحابة رضوان الله عليهم واستماتتهم في نصر هذا الدين، وشدة محبتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وافتداؤهم له والذود عن جنابه بأعز ما يملكون.
- هدف أخير: إن قوله -تعالى-: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) آية قاطعة لأصول الشرك وشبه الإلحاد وداحضة لمذاهب القائلين بوجود تصرف وتدبير لبعض المخلوقين في هذا الكون، كما أنها دالة على صدق المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ لن يصرح مخلوق مدع أنه لا يملك من الأمر شيئا، فلن يدعي مدع إلا لإثبات مكانة واستجداء منزلة. وقد ورد كثير من الآيات في هذا الكتاب العزيز بأنه لا مدبر لهذا الكون سوى الله، ولا متصرف فيه إلا هو وحده لا شريك له، قال جل شأنه: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) وقال - تعالى -: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وقال - تعالى -: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) وقال - تعالى -: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) وقال جلت قدرته: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ).
من الآيات الكونية في السورة:
- (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير) فلا شيء يخرج عن علم الله -تعالى- ورقابته، حتى ما يختلج في النفوس وما يتناثر من ذرات الكون قد أحاط الله - تعالى- بذلك كله، فلا شيء يند عن علمه.
- (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين) إنها قمة العطاء من إله كريم يملك الكون بأسره رحمة بعبد كسول جحود يجري خلف سراب زائف في دنيا زائلة، إنها إرادة الخير ومشيئة الفضل تجيش بنفحات الرحمة لتحث على المسارعة إلى مغفرة الله ورضوانه لنيل الفوز والنجاة، تلك الجائزة التي تحتاج إلى مسارعة في جو دنيا ملؤها السرعة والفناء والقصر، لتحصيل الكرامة في دار اختارها الله مأوى للصالحين من عباده، تلك الدار التي لا تستطيع العقول تقدير حجمها أو مساحتها...
- (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) لقد استأثر الله -تعالى- بعلم الغيب ولم يطلع عليه البشر، ذلك أنهم ليسوا مهيئين في الأصل للاطلاع عليه، وليست أجهزتهم البشرية مصممة على استقباله إلا بالمقدار الذي يوصلهم بخالقهم، فلم يكن من مقتضى حكمته جل شأنه أن يطلع الناس على الغيب؛ إذ لو كان ذلك لتحطم الكون ولتعطلت العمارة ولبقي الإنسان مشغولا بتلك المصائر التي اطلع عليها.
- (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب... ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا...) لقد حثت هذه الآيات المؤمن على تدبر أرجاء هذا الكون الفسيح في سمائه وأرضه وكيفية خلقه وبنائه وتكامله ليستدل بذلك على وحدانية الله - عز وجل - وعظيم قدرته وبديع صنعه في الخلق والإيجاد، ذلك أن العلاقة وطيدة بين العقل والفكر وثيقة بين الذكر والتدبر.
خاتمة:
لقد شهدت الحياة في المدينة النبوية استقرارا نسبيا بعد أحداث بدر رغم كفر وعناد اليهود وكتمانهم للحق وتلبيسهم له بالباطل (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون...)، ورغم وجود طائفة تتظاهر بالإسلام والولاء له وتضمر الحقد والعداء له ولمعتنقيه، لتلقي مع الفكر اليهودي في تبني نصب الحيل للصد عن سبيل الله من غير مراعاة لأي مواثيق أو عهود؛ إنه الغل والحسد حين يشرقان القلوب ويلهبان الأنفس الحاقدة لما حققه المسلمون من نصر مؤزر في بدر: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم...)، لقد أشعل لغواء أفئدتهم المريضة ذلك النصر الذي ارتفعت به معنويات المسلمين واشدت به آصرتهم، وتعلموا منه أن التزام الطاعة واتباع المنهج والترفع عن زخارف الدنيا وشهواتها هي الخطوات الأولى لإحراز النصر: (زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين) (والله عنده حسن المآب قل أؤنبئكم بخير من ذلكم).
لقد كان تلاعب كبراء أهل الكتاب بالعقيدة واستخدامهم لها في المناورات السياسية وراء تحريفهم لكتبهم ذلك ما أوضحته سورة آل عمران، التي اشتملت على ركنين هامين؛.. تمثل أولهما في ركن العقيدة الصحيحة القائمة على إلهية الله وحده، من خلال إِقامة الأدلة ونصب البراهين على وحدانية الله جل ثناؤه، فجاءت الآيات الكريمة لإِثبات التوحيد، والنبوة، وصدق الرسالة، ودحض الشبهات المثارة من قبل أهل الكتابين حول القرآن ونبيه - عليه الصلاة والسلام -. وفي إطار ذلك تناولت السورة أمر "النصارى" بوصفهم النوع الثاني من أهل الكتاب بعد اليهود، فهذا الصنف هو من غالى في شأن المسيح وزعم ألوهيته وكذّب بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنكر الوحي، وقد ناهز الحديث عن التاريخ الدياني لهؤلاء وما كان من اختلاف مواقفهم تجاه عيسى -عليه السلام- تسعين آية من السورة، احتوت ردودا شافية من زيغ الأوهام والشبهات العقدية التي كان النصارى يدندنون حولها، بحقائق ناصعة وأدلة قاطعة، لا مواربة فيها ولا امتراء، فبانت حقيقة عيسى وأمه -عليهما السلام- بالبراهين التاريخية والعقلية، واتضح بذلك أن مريم ليست إلا امرأة صالحة عفيفة عابدة لربها مطيعة، ولدت من أبوين صالحين، وقد نشأت وترعرعت في كنف بيت المقدس، وتبين أن عيسى -عليه السلام- لم يكن إلا عبداً صالحاً ورسولاً عظيماً خلقه الله -تعالى- كما خلق آدم، وقد تضمن هذا الرد الحاسم بعض الإِشارات والتقريعات لليهود، وفي طيات ذلك جاء التحذير جلياً للمسلمين من كيد ودسائس أهل الكتابين.
أما الركن الثاني فيتجلى في رزمة التشريعات الفقهية المتناثرة في ثنايا السورة، خاصة المتعلقة بالولاء والبراء ومكانة الأمة وأحكام الغزو والجهاد في سبيل الله، والحج وأمور الربا وحكم مانعي الزكاة، كما بينت من التفصيل أمر القتال وإعداد العدد، لنشر دعوة الإسلام وحفظ المجتمع من الفتنة والإضلال، وقد جسدت السورة ذلك من خلال الحديث عن غزوتيّ بدر وأُحد، وأوضحت الدروس التي لابد للمؤمنين من استخلاصها بروح عملية من أحداث تينك الغزوتين، لقد انتصروا في بدر حين جعلوا نيل مرضاة الله - جل وعلا - كل همهم والتفوا حول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن هدفهم الأول إحراز المكاسب الدنيوية، وابتلوا في أُحد بسبب ميل بعضهم إلى جمع الغنائم وعصيانهم لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم تنته عقوبة ذلك في ساحة المعركة رغم توبة الله -تعالى-عليهم، بل تجاوزته إلى عقوبات نفسية تمثل بعضها في ما كان الكفار والمنافقون يسمعونهم إياه من كلمات الشماتة والتوبيخ، فأرشدهم الله -تعالى- إِلى ما أراده جل شأنه من تجريد نفوس المؤمنين من أدران الصعر إلى الدنيا، وتطهير صفوفهم من ذوي القلوب المريضة، ليميز الله الخبيث من الطيب، وفي إطار ذلك التطهير تحدثت السورة الكريمة عن الموقف المخزي للمنافقين أثناء القتال، والحرب النفسية التي مارسوها في تثبيطهم لهمم المؤمنين وما كان من تخذيلهم لهم عن مجالدة المشركين؛ لتخلص إلى مكانة الجهاد ومنزلة المجاهدين، ثم ذكرت طرفا من خبث اليهود، وجانبا من دولة الحياة، حتى لا يصاب المسلمون بأي نوع من الإحباط لما يروه من تقلب الذين كفروا في البلاد، وحتى لا يغتروا بما عندهم من القوة الزائفة الزائلة، ثم قدمت السورة نمطا للآثار الإيمانية التي يتركها التفكر في ملكوت السماوات والأرض وما اكتنفتاه من إِتقانٍ وإِبداع، وما يتراءى للمتدبر فيهما من عجائب وأسرار تكفي دلالة وبرهانا على وجودِ خالقهما الحكيم الخبير، وبما أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام فإن السورة تختتم بجانب من قيمته مصحوبا بطرف من عظيم منزلة المجاهدين، لتضع إطارا لتحصيل الخير، وإحراز النصر، وتحقيق الفلاح وسلك محجة النجاح (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا الله لعلكم تفلحون) هكذا بدأت السورة الكريمة بعقيدة التوحيد وبراهين الألوهية ودلائل النبوة، وختمت بها لرفع الأفئدة والنفوس عن الاشتغال بالخلق إلى الارتباط بالخالق -سبحانه-.
____________
[1]) انظر: الإتقان في علوم القرآن (154)، ط: المكتبة الثقافية بيروت-لبنان
[2]) كما جاء في صحيح مسلمكتاب صلاة المسافرين وقصرهاباب فضل قراءة القرآن وسورة البقرةح (804)، عن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران.... "، وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: "وذكر الآلوسي أنها تسمى: الأمان، والكنز، والمجادلة، وسورة الاستغفار. ولم أره لغيره، ولعله اقتبس ذلك من أوصاف وصفت بها هذه السورة مما ساقه القرطبي، في المسألة الثالثة والرابعة، من تفسير أول السورة".
[3]) بصائر ذوي التمييز في لطائف كتاب الله العزيز ص: 107، وقد ذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير (35) ما يعد خرقا لذلك الإجماع؛ حيث قال إن عدد آياتها عند أهل الشام مائة وتسع وتسعون آية. وكان السيوطي في الدر المنثور(2141) قد سبقه إلى ذلك.
[4]) إلا ما نقله البقاعي في مصاعد النظر(264) من قول النسفي: "مكية في قول " عكرمة" و" الحسن البصريّ " مدنية في قول عامة أهل التفسير، وقال " الجعبري" في شرح الشاطبية: مدنية إلا خمس آيات فمكية "
[5]) على خلاف في تقديمها أو تأخيرها عن سورة الأنفال، انظر: التحرير والتنوير (35)
[6]) مسلم كتاب الصلاةباب فضل قراءة القرآن وسورة البقرةح (804)
[7]) مسلم نفس الكتاب والباب، ح (805)
[8]) الإمام أحمدمسند أنس رضي الله عنهح (12236)، وقال عنه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"
[9]) أخرجه أبو داودباب الدعاءح (1498)، والترمذي(3478)، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، وابن ماجة(3855)، وقد حسنه الألباني في تعليقه على السنن، وكذلك حسين أسد في تعليقه على سنن الدارمي(3389)
[10]) أخرجه الإمام أحمد في المسند(24575)، وقال عنه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: "إسناده حسن"
[11]) أخرجه الإمام أحمد في المسند(17023)، وقال عنه شعيب الأرنؤوط في تعليقه عليه: "إسناده حسن"، وأخرجه البيهقي في الشعب(2415)، وكذلك في سننه الصغرى(978)، والطبراني في معجمه الكبير(186)، وغيرهم...
[12]) مسلمكتاب الصلاةباب استحباب ركعتي سنة الفجر، والحث عليهما، وتخفيفهما والمحافظة عليهما، وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهماح (727).
[13]) أبو داود(2118)، والترمذي(1105) وصححه، والنسائي(1404)، وابن ماجة(1892)، وصححه الألباني في تعليقه على السنن، وكذلك الأرنؤوط في تعليقه على المسند(2735).
[14]) البخاريكتاب التفسيرباب: "الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض"[آل عمران: 190]ح (4570)، ومسلمكتاب الصلاةباب الدعاء في صلاة الليل وقيامهح (763)
[15]) أخرجه ابن حبان في صحيحه (620)، وقال الأرنؤوط في تحقيقه له: "إسناده صحيح على شرط مسلم".
[16]) مجموعة الفتاوى (14108).
[17]) انظر: صحيح البخاريكتاب المغازيباب: "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون"|ح(4060-4061)، ومسلمكتاب فضائل الصحابةباب من فضائل طلحة والزبيرح(2414)
[18]) البخاريكتاب المغازي، باب "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون"، ومسلمكتاب الجهاد والسيرباب غزوة أحدح(1791)
[19]) انظر الرحيق المختوم ص: 243)

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.69 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.78%)]