فتاوى الحج من مجموع فتاوى ابن تيمية (5-6) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         في فهم القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          تفسير سورة الإخلاص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          هل قصرت الأمهات في تربية البنات على حسن التبعل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الإحسان في القول والعمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          صيانة العلم وحفظه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حدث في التاسع والعشرين من ربيع الأول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          قيم لا تموت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          بعزائم الشباب تنهض الأمم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حدث في السادس عشر من ربيع الأول: معاهدة أدرنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          التكفير خطره وضوابطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-03-2019, 04:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,216
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتاوى الحج من مجموع فتاوى ابن تيمية (5-6)

فتاوى الحج من مجموع فتاوى ابن تيمية (5-6)

إدارة الملتقى الفقهي





إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُؤْمَرَ بِالْمُقَامِ مَعَ الْعَجْزِ وَالضَّرَرِ عَلَى نَفْسِهَا وَدِينِهَا وَمَالِهَا وَلَا تُؤْمَرُ بِدَوَامِ الْإِحْرَامِ وَبِالْعَوْدِ مَعَ الْعَجْزِ وَتَكْرِيرِ السَّفَرِ وَبَقَاءِ الضَّرَرِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهَا. وَلَا يَكْفِي التَّحَلُّلُ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الشُّرُوطِ: كَالسِّتَارَةِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ أَوْكَدُ. فَإِنَّ غَايَةَ الطَّوَافِ أَنْ يُشَبَّهَ بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِي الطَّوَافِ نَصٌّ يَنْفِي قَبُولَ الطَّوَافِ مَعَ عَدَمِ الطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ. وَلَكِنْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ ذَلِكَ. وَلِهَذَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ ذَلِكَ شَرْطٌ ؟ أَوْ وَاجِبٌ لَيْسَ بِشَرْطِ ؟ وَلَمْ يَتَنَازَعُوا أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ تُؤْمَرَ بِتَرْكِ الْحَجِّ وَلَا تُؤْمَرَ بِتَرْكِ الْحَجِّ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. الدَّلِيلُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: غَايَةُ مَا فِي الطَّهَارَةِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الطَّوَافِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَوْنَهَا شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ أَوْكَدُ مِنْهَا فِي الطَّوَافِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّهَارَةَ كَالسِّتَارَةِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ بَلْ السِّتَارَةُ فِي الطَّوَافِ أَوْكَدُ مِنْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ يَجِبُ فِي الطَّوَافِ وَخَارِجَ الطَّوَافِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا نَهْيًا عَامًّا؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَة َ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَنَحْوَهُمَا يَطُوفُ وَيُصَلِّي بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحَدَثُ فِي حَقِّهِمْ مِنْ جِنْسِ الْحَدَثِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا إلَّا الْعُذْرُ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَشُرُوطُ الصَّلَاةِ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ فَسُقُوطُ شُرُوطِ الطَّوَافِ بِالْعَجْزِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَالْمُصَلِّي يُصَلِّي عريانا وَمَعَ الْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ فِي صُورَةِ الْمُسْتَحَاضَة ِ وَغَيْرِهَا وَيُصَلِّي مَعَ الْجَنَابَةِ وَحَدَثِ الْحَيْضِ مَعَ التَّيَمُّمِ وَبِدُونِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ؛ لَكِنَّ الْحَائِضَ لَا تُصَلِّي؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُحْتَاجَةً إلَى الصَّلَاةِ مَعَ الْحَيْضِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهَا إلَى غَيْرِ بَدَلٍ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْأَيَّامِ فَكَانَتْ صَلَاتُهَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ تُغْنِيهَا عَنْ الْقَضَاءِ؛ وَلِهَذَا أُمِرَتْ بِقَضَاءِ الصِّيَامِ دُونَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ شَهْرٌ وَاحِدٌ فِي الْحَوْلِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تَصُومَ طَاهِرًا فِي رَمَضَانَ صَامَتْ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَتَعَدَّدْ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا بَلْ نُقِلَتْ مِنْ وَقْتٍ إلَى وَقْتٍ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الصَّوْمِ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا كَعَجْزِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ الْكَبِيرَةِ وَالْمَرِيضِ المأيوس مِنْ بُرْئِهِ سَقَطَ عَنْهَا إمَّا إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْفِدْيَةُ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد. وَإِمَّا إلَى غَيْرِ بَدَلٍ كَقَوْلِ مَالِكٍ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا يُمْكِنُ الْعَجْزُ عَنْ جَمِيعِ أَرْكَانِهَا بَلْ يَفْعَلُ مِنْهَا مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ الْحَرَكَاتِ الظَّاهِرَةِ بِرَأْسِهِ وَبَدَنِهِ سَقَطَتْ عَنْهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ. كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْن ِ وَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يُومِئُ بِطَرْفِهِ وَيَسْتَحْضِرُ الْأَفْعَالَ بِقَلْبِهِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْن ِ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْأَثَرِ وَالنَّظَرِ. وَأَمَّا الْحَجُّ فَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا أَنَّ تَحُجَّ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهَا ذَلِكَ كَانَ هَذَا غَايَةَ الْمَقْدُورِ كَمَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَطُوفَ إلَّا رَاكِبًا أَوْ حَامِلَ النَّجَاسَةِ. فَإِنْ قِيلَ: هُنَا سُؤَالَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ هَلَّا جُعِلَتْ الْحَائِضُ كَالْمَعْضُوبِ فَإِنْ كَانَتْ تَرْجُو أَنْ تَحُجَّ وَيُمْكِنُهَا الطَّوَافُ وَإِلَّا اسْتَنَابَتْ ؟. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَوِّغْ لَهَا الشَّارِعُ الصَّلَاةَ زَمَنَ الْحَيْضِ كَمَا يُسَوِّغُهَا لِلْجُنُبِ بِالتَّيَمُّمِ وللمستحاضة عُلِمَ أَنَّ الْحَيْضَ لَا تَصِحُّ مَعَهُ الْعِبَادَةُ بِحَالِ. فَيُقَالُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَعْضُوبَ هُوَ الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ فَأَمَّا مَنْ أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ إلَى مَكَّةَ وَعَجَزَ عَنْ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ فَلَيْسَ بِمَعْضُوبِ كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ وَعَجَزَ عَنْ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ مِثْلَ الْمُسْتَحَاضَة ِ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّ بِالْإِجْمَاعِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ الطَّهَارَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الطَّوَافُ إلَّا رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا أَوْ مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَمْيُ الْجِمَارِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَنِيبُ فِيهِ وَيَحُجُّ بِبَدَنِهِ. وَأَمَّا صَلَاةُ الْحَائِضِ فَلَيْسَتْ مُحْتَاجَةً إلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِي صَلَاةِ بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ غِنًى عَنْهَا وَلِهَذَا إذَا اُسْتُحِيضَتْ أُمِرَتْ بِالصَّلَاةِ مَعَ الِاسْتِحَاضَةِ وَمَعَ احْتِمَالِ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَيْضِ وَإِنْ كَانَ خُرُوجُ ذَلِكَ الدَّمِ وَتَنْجِيسُهَا بِهِ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لَوْلَا الْعُذْرُ. فَقَدْ فَرَّقَ الشَّارِعُ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَمْكَنَ الْمُسْتَحَاضَة َ أَنْ تَطْهُرَ وَتُصَلِّيَ حَالَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَجَبَ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَبَاحَ الصَّلَاةَ مَعَ خُرُوجِهِ لِلضَّرُورَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ كَانَ الْجُنُبُ وَالْمُسْتَحَاض َةُ وَنَحْوُهُمَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ الصَّلَاةِ عَنْهُ كَمَا أُسْقِطَتْ عَنْ الْحَائِضِ وَيَكُونُ صَلَاةُ بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ مُغْنِيَةً فَلَمَّا أَمَرَهَا الشَّارِعُ بِالصَّلَاةِ دُونَ الْحَائِضِ عُلِمَ أَنَّ الْحَيْضَ يُنَافِي الصَّلَاةَ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ يُنَافِي الطَّوَافَ الَّذِي هُوَ كَالصَّلَاةِ. فَيُقَالُ: الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ لَا يَدُومُ بِهِ مُوجِبُ الطَّهَارَةِ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِضِ الَّتِي انْقَطَعَ دَمُهَا وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إحْدَى الطَّهَارَتَيْن ِ. وَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَة ُ فَلَوْ أَسْقَطَ عَنْهَا الصَّلَاةَ لَلَزِمَ سُقُوطُهَا أَبَدًا؛ فَلَمَّا كَانَ حَدَثُهَا دَائِمًا لَمْ تُمْكِنْ الصَّلَاةُ إلَّا مَعَهُ فَسَقَطَ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ عَنْهَا. فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا لَمْ يُمْكِنْ فِعْلُهَا إلَّا مَعَ الْمَحْظُورِ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا وَالْأُصُولُ كُلُّهَا تُوَافِقْ ذَلِكَ وَالْجُنُبُ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ صَلَّى أَيْضًا فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ لِعَجْزِهِ عَنْ الطَّهَارَةِ فَالْحَيْضُ يُنَافِي الصَّلَاةَ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ الْحَيْضِ اسْتِغْنَاءً بِتَكَرُّرِ أَمْثَالِهَا. وَأَمَّا الْحَجُّ وَالطَّوَافُ فِيهِ فَلَا يَتَكَرَّرُ وُجُوبُهُ. فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مَعَ الْعُذْرِ لَزِمَ أَلَّا يَصِحَّ مُطْلَقًا. وَالْأُصُولُ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا لَمْ تُمْكِنْ إلَّا مَعَ الْعُذْرِ كَانَتْ صَحِيحَةً مُجْزِيَةً مَعَهُ بِدُونِ مَا إذَا فُعِلَتْ بِدُونِ الْعُذْرِ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لِلْحَائِضِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْحَيْضِ لِاسْتِغْنَائِه َا بِهَا عَنْ ذَلِكَ بِتَكَرُّرِ أَمْثَالِهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهَا فِعْلُهُ إلَّا مَعَ الْحَيْضِ لَمْ تَكُنْ مُسْتَغْنِيَةً عَنْهُ بِنَظِيرِهِ فَجَازَ لَهَا ذَلِكَ كَسَائِرِ مَا تَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ شُرُوطِ الْعِبَادَاتِ. الدَّلِيلُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: هَذَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّهَارَةِ فَسَقَطَ بِالْعَجْزِ كَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَلَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تَطُوفَ إلَّا مَعَ الْحَدَثِ الدَّائِمِ طَافَتْ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَفِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَيْهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِي هَذَا صَلَاةٌ مَعَ الْحَدَثِ وَمَعَ حَمْلِ النَّجَاسَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ عَجَزَ الْجُنُبُ أَوْ الْمُحْدِثُ عَنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ صَلَّى وَطَافَ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ. الدَّلِيلُ الرَّابِعُ أَنْ يُقَالَ: شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الطَّوَافِ فَسَقَطَ بِالْعَجْزِ كَغَيْرِهِ مِنْ الشَّرَائِطِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَطُوفَ إلَّا عريانا لَكَانَ طَوَافُهُ عريانا أَهْوَنَ مِنْ صَلَاتِهِ عريانا وَهَذَا وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ فَالطَّوَافُ مَعَ الْعُرْيِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا ذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَإِنَّمَا قَلَّ تَكَلُّمُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ فَلَا يَكَادُ بِمَكَّةَ يَعْجِزُ عَنْ سُتْرَةٍ يَطُوفُ بِهَا لَكِنْ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ سُلِبَ ثِيَابَهُ وَالْقَافِلَةُ خَارِجُونَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِعْلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الطَّوَافِ مَعَ الْعُرْيِ كَمَا تَطُوفُ الْمُسْتَحَاضَة ُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ مَعَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الطَّوَافِ عريانا أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَوَافِ الْحَائِضِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته هُوَ مُقْتَضَى الْأُصُولِ الْمَنْصُوصَةِ الْعَامَّةِ الْمُتَنَاوِلَة ِ لِهَذِهِ الصُّورَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَمُقْتَضَى الِاعْتِبَارِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْأُصُولِ الَّتِي تُشَابِهُهَا، وَالْمُعَارِضُ لَهَا إنَّمَا لَمْ يَجِدْ لِلْعُلَمَاءِ الْمَتْبُوعِينَ كَلَامًا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ الْمُعَيَّنَةِ كَمَا لَمْ يَجِدْ لَهُمْ كَلَامًا فِيمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الطَّوَافُ إلَّا عريانا وَذَلِكَ لِأَنَّ الصُّوَرَ الَّتِي لَمْ تَقَعْ فِي أَزْمِنَتِهِمْ لَا يَجِبُ أَنْ تَخْطُرَ بِقُلُوبِهِمْ لِيَجِبَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِيهَا. وَوُقُوعُ هَذَا وَهَذَا فِي أَزْمِنَتِهِمْ إمَّا مَعْدُومٌ وَإِمَّا نَادِرٌ جِدًّا وَكَلَامُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ مُطْلَقٌ عَامٌّ وَذَلِكَ يُفِيدُ الْعُمُومَ لَوْ لَمْ تَخْتَصَّ الصُّورَةُ الْمُعَيَّنَةُ بِمَعَانٍ تُوجِبُ الْفَرْقَ وَالِاخْتِصَاصَ وَهَذِهِ الصُّورَةُ قَدْ لَا يَسْتَحْضِرُهَا الْمُتَكَلِّمُ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِعَدَمِ وُجُودِهَا فِي زَمَنِهِمْ وَالْمُقَلِّدُو نَ لَهُمْ ذَكَرُوا مَا وَجَدُوهُ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَلِهَذَا أَوْجَبَ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ عَلَى مُكَارِيهَا أَنْ يَحْتَبِسَ لِأَجْلِهَا إذَا كَانَتْ الطُّرُقَاتُ آمِنَةً وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي التَّخَلُّفِ مَعَهَا وَكَانُوا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ يَحْتَبِسُ الْأَمِيرُ لِأَجْلِ الْحُيَّضِ والمتأخرون مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَسْقَطُوا عَنْ الْمُكَارِي الْوَدَاعَ وَأُسْقِطَ الْمَبِيتُ عَنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ وَالرِّعَايَةِ لِعَجْزِهِمْ. وَعَجْزُهُمْ يُوجِبُ الِاحْتِبَاسَ مَعَهَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ قَالَ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةٌ فِي الطَّوَافِ وَلَيْسَتْ شَرْطًا فَإِنْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الطَّهَارَةَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَقُولُ إذَا طَافَ مُحْدِثًا وَأَبْعَدَ عَنْ مَكَّةَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِلْمَشَقَّةِ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَى هَذِهِ مَا لَا يُمْكِنُهَا إلَّا بِمَشَقَّةِ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ لَكِنْ هُنَاكَ مَنْ يَقُولُ عَلَيْهِ دَمٌ وَهُنَا يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا دَمٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إذَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا وَقَدْ يُقَالُ عَلَيْهَا دَمٌ لِنُدُورِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَمْنَعَهُ عَدُوٌّ عَنْ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَعُودَ إلَى مَكَّةَ أَوْ يَمْنَعَهُ الْعَدُوُّ عَنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى اللَّيْلِ أَوْ يَمْنَعَهُ الْعَدُوُّ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُقَامُ حَتَّى يُوَدِّعَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْ الْحَائِضِ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَمَنْ قَالَ: إنْ الطَّهَارَةَ فَرْضٌ فِي الطَّوَافِ وَشَرْطٌ فِيهِ فَلَيْسَ كَوْنُهَا شَرْطًا فِيهِ أَعْظَمَ مِنْ كَوْنِهَا شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ شُرُوطَ الصَّلَاةِ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ فَسُقُوطُ شُرُوطِ الطَّوَافِ بِالْعَجْزِ أَوْلَى وَأَحْرَى. هَذَا هُوَ الَّذِي تَوَجَّهَ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَلَوْلَا ضَرُورَةُ النَّاسِ وَاحْتِيَاجُهُم ْ إلَيْهَا عِلْمًا وَعَمَلًا لَمَا تَجَشَّمْت الْكَلَامَ حَيْثُ لَمْ أَجِدْ فِيهَا كَلَامًا لِغَيْرِي فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ مِمَّا أَمَرَنَا اللَّهُ بِهِ فَإِنْ يَكُنْ مَا قُلْته صَوَابًا فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَإِنْ يَكُنْ مَا قُلْته خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْ الْخَطَأِ وَإِنْ كَانَ الْمُخْطِئُ مَعْفُوًّا عَنْهُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
******
وَسُئِلَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ عَنْ امْرَأَةٍ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى ارْتَحَلَ الْحَاجُّ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْمُقَامُ بَعْدَهُمْ حَتَّى تَطْهُرَ فَهَلْ لَهَا أَنْ تَطُوفَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِلضَّرُورَةِ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا جَازَ لَهَا ذَلِكَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا دَمٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهَا الِاغْتِسَالُ مَعَ ذَلِكَ ؟ وَإِذَا عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ عَادَتِهَا أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ حَتَّى يَرْتَحِلَ الْحَاجُّ ؟ وَلَا يُمْكِنُهَا الْمُقَامُ بَعْدَهُمْ. فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ مَعَ هَذَا. أَمْ لَا ؟ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ. فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَتَقَدَّمَ فَتَطُوفَ أَمْ لَا ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. الْعُلَمَاءُ لَهُمْ فِي الطَّهَارَةِ - هَلْ هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ ؟ - قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا شَرْطٌ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْن ِ. وَالثَّانِي: لَيْسَتْ بِشَرْطِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ لَوْ طَافَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ أَجْزَأَهُ الطَّوَافُ وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لَكِنْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَحْمَد: هَلْ هَذَا مُطْلَقٌ فِي حَقِّ الْمَعْذُورِ الَّذِي نَسِيَ الْجَنَابَةَ ؟ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُ الدَّمَ بَدَنَةً إذَا كَانَتْ حَائِضًا أَوْ جُنُبًا: فَهَذِهِ الَّتِي لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تَطُوفَ إلَّا حَائِضًا أَوْلَى بِالْعُذْرِ فَإِنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَيْهَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْحَائِضَ يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَجُّ وَلَيْسَ مِنْ أَقْوَالِ الشَّرِيعَةِ أَنْ تَسْقُطَ الْفَرَائِضُ لِلْعَجْزِ عَنْ بَعْضِ مَا يَجِبُ فِيهَا كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ الطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ. فَلَوْ أَمْكَنَهَا أَنْ تُقِيمَ بِمَكَّةَ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ وَجَبَ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَوْجَبَ عَلَيْهَا الرُّجُوعَ مَرَّةً ثَانِيَةً كَانَ قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهَا سَفَرَانِ لِلْحَجِّ بِلَا ذَنْبٍ لَهَا وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّرِيعَةِ. ثُمَّ هِيَ أَيْضًا لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَذْهَبَ إلَّا مَعَ الرَّكْبِ وَحَيْضُهَا فِي الشَّهْرِ كَالْعَادَةِ فَهَذِهِ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَطُوفَ طَاهِرًا أَلْبَتَّةَ. وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ شُرُوطِ الْعِبَادَاتِ يَسْقُطُ عَنْهُكَمَا لَوْ عَجَزَ الْمُصَلِّي عَنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوْ تَجَنُّبِ النَّجَاسَةِ وَكَمَا لَوْ عَجَزَ الطَّائِفُ أَنْ يَطُوفَ بِنَفْسِهِ رَاكِبًا وَرَاجِلًا فَإِنَّهُ يُحْمَلُ وَيُطَافُ بِهِ. وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ يُجْزِئُهَا الطَّوَافُ بِلَا طَهَارَةٍ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَعْذُورَةٍ مَعَ الدَّمِ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد. فَقَوْلُهُمْ لِذَلِكَ مَعَ الْعُذْرِ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَأَمَّا الِاغْتِسَالُ فَإِنْ فَعَلَتْهُ فَحَسَنٌ كَمَا تَغْتَسِلُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ لِلْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
******
وَسُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ إذَا جَاءَهَا الْحَيْضُ فِي وَقْتِ الطَّوَافِ مَا الَّذِي تَصْنَعُ ؟ .
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. الْحَائِضُ تَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَإِنَّهَا تَجْتَهِدُ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ إلَّا طَاهِرَةً فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْهَا التَّخَلُّفُ عَنْ الرَّكْبِ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ فَإِنَّهَا إذَا طَافَتْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَهِيَ حَائِضٌ أَجْزَأَهَا فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ: يُجْزِئُهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عُذْرٌ لَكِنْ أَوْجَبَ عَلَيْهَا بَدَنَةً. وَأَمَّا أَحْمَد فَأَوْجَبَ عَلَى مَنْ تَرَكَ الطَّهَارَةَ نَاسِيًا دَمًا وَهِيَ شَاةٌ. وَأَمَّا هَذِهِ الْعَاجِزَةُ عَنْ الطَّوَافِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ فَإِنْ أَخْرَجَتْ دَمًا فَهُوَ أَحْوَطُ وَإِلَّا فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ عَلَيْهَا شَيْئًا. فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. وَقَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَهَذِهِ تَسْتَطِيعُ إلَّا هَذَا. وَالصَّلَاةُ أَعْظَمُ مِنْ الطَّوَافِ وَلَوْ عَجَزَ الْمُصَلِّي عَنْ شَرَائِطِهَا: مِنْ الطَّهَارَةِ أَوْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فَالطَّوَافُ أَوْلَى بِذَلِكَ. لَوْ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَطُوفَ إلَّا مَعَ النَّجَاسَةِ نَجَاسَةِ الدَّمِ. فَإِنَّهَا تُصَلِّي وَتَطُوفُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا تَوَضَّأَتْ وَتَطَهَّرَتْ وَفَعَلَتْ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَيَنْبَغِي لِلْحَائِضِ إذَا طَافَتْ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَسْتَثْفِرَ أَيْ تَسْتَحْفِظَ كَمَا تَفْعَلُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ .
وَقَدْ أَسْقَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَائِضِ طَوَافَ الْوَدَاعِ. وَأَسْقَطَ عَنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ وَالرُّعَاةِ الْمَبِيتَ بِمِنَى؛ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ. وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ دَمًا فَإِنَّهُمْ مَعْذُورُونَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّمْيِ بِنَفْسِهِ لِمَرَضِ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَنِيبُ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ لِلْعَجْزِ كَمَنْ تَرَكَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
******
وَسُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ حَجَّتْ وَأَحْرَمَتْ لِعُمْرَةِ وَحَجَّةٍ قَارِنَةً وَدَخَلَتْ إلَى مَكَّةَ وَطَافَتْ وَسَعَتْ وَتَوَجَّهَتْ إلَى مِنَى ثُمَّ إلَى عَرَفَةَ وَوَقَفَتْ ثُمَّ عَادَتْ إلَى مِنَى وَنُحِرَ عَنْهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهَا مِنْ دَمٍ وَرَمَتْ الْجِمَارَ يَوْمًا وَاحِدًا وَدَخَلَتْ إلَى مَكَّةَ وَطَافَتْ وَعِنْدَمَا حَضَرَتْ الْحَرَمَ حَاضَتْ وَرَجَعَتْ إلَى مِنَى وَكَتَمَتْ وَهِيَ مُحَقِّقَةٌ أَنَّ حَجَّهَا قَدْ كَمُلَ وَعَادَتْ إلَى بَلَدِهَا وَبَعْدَ سَنَتَيْنِ اعْتَرَفَتْ بِمَا وَقَعَ لَهَا قِيلَ لَهَا: يَلْزَمُك الْعَوْدُ وَلَمْ يُمَكِّنْهَا زَوْجُهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ .
فَأَجَابَ: إنْ كَانَتْ قَدْ طَافَتْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَهِيَ حَائِضٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ نَاوِيَةً أَجْزَأَهَا الْحَجُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْن ِ وَغَايَةُ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَدَنَةٌ وَعِنْدَ أَحْمَد دَمٌ وَهِيَ شَاةٌ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَمْ تَطُفْ تَحَلَّلَتْ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ وَجَازَ لَهَا الطِّيبُ وَتَغْطِيَةُ الْوَجْهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَكِنْ لَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الْعَوْدُ فَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَخَّصَ لَهَا فِيهِ أَنَّهَا تَكُونُ كَالْمُحْصَرَةِ تحلل مِنْ إحْرَامِهَا بِهَدْيِ وَلَكِنَّ الْأَحْوَطَ أَنْ تَبْعَثَ بِهِ إلَى مَكَّةَ لِيُذْبَحَ مِثْلَ أَنْ يُذْبَحَ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِذَا ذُبِحَ هُنَاكَ حَلَّتْ هُنَا وَجَازَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ. فَإِذَا وَاعَدَتْ مَنْ يَذْبَحُهُ هُنَاكَ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ حَلَّتْ إلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ ثُمَّ إذَا أَمْكَنَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَذْهَبَ إلَى مَكَّةَ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ مُهِلَّةً بِعُمْرَةِ وَتَطُوفُ هَذَا الطَّوَافَ الْبَاقِيَ عَلَيْهَا ثُمَّ إنْ شَاءَتْ حَجَّتْ مِنْ هُنَاكَ وَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى تَمُوتَ فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَبْعَثَ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِهَا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَنْهَا فَعَلَ. وَإِنْ كَانَ وَطْؤُهَا قَبْلَ هَذَا الطَّوَافِ لَمْ يَفْسُدْ الْحَجُّ بِذَلِكَ لَكِنْ يَفْسُدُ مَا بَقِيَ وَعَلَيْهَا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ كَمَا ذُكِرَ لَكِنْ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَد عَلَيْهَا أَنْ تُحْرِمَ بِعُمْرَةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا يُجْزِئُهَا بِلَا إحْرَامٍ جَدِيدٍ هَذَا إذَا كَانَتْ هُنَاكَ. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ رَجَعَتْ إلَى بَلَدِهَا وَوَطِئَهَا زَوْجُهَا فَلَا بُدَّ لَهَا إذَا رَجَعَتْ أَنْ تُحْرِمَ بِعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا بِحَجِّ أَوْ عُمْرَةٍ إمَّا وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا إلَّا مَنْ لَهُ حَاجَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ .
******
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.88 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]