|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (572) تفسير السعدى (سورة الرحمن) من (36)الى (46) عبد الرحمن بن ناصر السعدى تفسير سورة الرحمن { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } 36 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }37 ثم ذكر ما أعد لهم في ذلك الموقف العظيم، فقال: { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ [وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أي: يرسل عليكما] لهب صاف من النار. { وَنُحَاسٌ } وهو اللهب، الذي قد خالطه الدخان، والمعنى أن هذين الأمرين الفظيعين يرسلان عليكما يا معشر الجن والإنس، ويحيطان بكما فلا تنتصران، لا بناصر من أنفسكم، ولا بأحد ينصركم من دون الله. ولما كان تخويفه لعباده نعمة منه عليهم، وسوطاً يسوقهم به إلى أعلى المطالب وأشرف المواهب، امتنَّ عليهم، فقال: { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }. { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } 38 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 39 { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } 40 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }41 { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ } [أي] يوم القيامة من شدة الأهوال، وكثرة البلبال، وترادف الأوجال، فانخسفت شمسها وقمرها، وانتثرت نجومها، { فَكَانَتْ } من شدة الخوف والانزعاج { وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } أي: كانت كالمهل والرصاص المذاب ونحوه { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } أي: سؤال استعلام بما وقع، لأنه تعالى عالم الغيب والشهادة والماضي والمستقبل، ويريد أن يجازي العباد بما علمه من أحوالهم، وقد جعل لأهل الخير والشر يوم القيامة علامات يعرفون بها، كما قال تعالى:{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106]. { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } 42 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }43 وقال هنا: { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } أي: فيؤخذ بنواصي المجرمين وأقدامهم، فيلقون في النار ويسحبون فيها، وإنما يسألهم تعالى سؤال توبيخ وتقرير بما وقع منهم، وهو أعلم به منهم، ولكنه تعالى يريد أن تظهر للخلق حجته البالغة، وحكمته الجليلة. { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } 44 { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } 45 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }46 أي: يقال للمكذبين بالوعد والوعيد حين تسعر الجحيم: { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } فليهنهم تكذيبهم بها، وليذوقوا من عذابها ونكالها وسعيرها وأغلالها، ما هو جزاء لتكذيبهم، { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا } أي: بين أطباق الجحيم ولهبها { وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } أي: ماء حار جداً قد انتهى حرّه، وزمهرير قد اشتدّ برده وقره، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ولما ذكر ما يفعل بالمجرمين، ذكر جزاء المتقين الخائفين، فقال:
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (573) تفسير السعدى (سورة الرحمن) من (47)الى (79) عبد الرحمن بن ناصر السعدى تفسير سورة الرحمن { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } 47 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 48 { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } 49 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 50 { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } 51 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 52 { فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } 53 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 54 { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } 55 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 56 { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } 57 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 58 { كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } 59 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 60 { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } 61 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 62 { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } 63 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 64 { مُدْهَآمَّتَانِ } 65 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 66 { فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } 67 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 68 { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } 69 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 70 { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } 71 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 72 { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } 73 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 74 { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } 75 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 76 { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } 77 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 78 { تَبَارَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ }79 { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } إلى آخر السورة. أي: وللذي خاف ربه وقيامه عليه، فترك ما نهى عنه، وفعل ما أمره به، له جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما، إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات، والأخرى على فعل الطاعات، ومن أوصاف تلك الجنتين أنهما { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } [أي: فيهما من ألوان النعيم المتنوعة نعيم الظاهر والباطن ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر] أن فيهما الأشجار الكثيرة الزاهرة ذوات الغصون الناعمة، التي فيها الثمار اليانعة الكثيرة اللذيذة، أو ذواتا أنواع وأصناف من جميع أصناف النعيم وأنواعه جمع فن، أي: صنف. وفي تلك الجنتين { عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } يفجرونها على ما يريدون ويشتهون، { فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ } من جميع أصناف الفواكه { زَوْجَانِ } أي: صنفان، كل صنف له لذّة ولون، ليس للنوع الآخر. { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } هذه صفة فرش أهل الجنة وجلوسهم عليها، وأنهم متكئون عليها، [أي:] جلوس تمكن واستقرار [وراحة]، كجلوس من الملوك على الأسرة، وتلك الفرش، لا يعلم وصفها وحسنها إلا الله عز وجل، حتى إن بطائنها التي تلي الأرض منها، من إستبرق، وهو أحسن الحرير وأفخره، فكيف بظواهرها التي تلي بشرتهم؟! { وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } الجنى هو الثمر المستوي أي: وثمر هاتين الجنتين قريب التناول، يناله القائم والقاعد والمضطجع. { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ } أي: قد قصرن طرفهن على أزواجهن، من حسنهم وجمالهم، وكمال محبتهن لهم، وقصرن أيضاً طرف أزواجهن عليهن، من حسنهن وجمالهن ولذة وصالهن، { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } أي: لم ينلهن قبلهم أحد من الإنس والجن، بل هن أبكار عرب، متحببات إلى أزواجهن، بحسن التبعل والتغنج والملاحة والدلال، ولهذا قال: { كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } وذلك لصفائهن وجمال منظرهن وبهائهن، { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } أي: هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق ونفع عبيده، إلا أن يحسن إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير، والنعيم المقيم، والعيش السليم، فهاتان الجنتان العاليتان للمقربين، { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } من فضة بنيانهما وآنيتهما وحليتهما وما فيهما لأصحاب اليمين، وتلك الجنتان { مُدْهَآمَّتَانِ } أي: سوداوان من شدة الخضرة التي هي أثر الري. { فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ }. أي: فوارتان، { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ } من جميع أصناف الفواكه، وأخصها النخل والرمان، اللذان فيهما من المنافع ما فيهما، { فِيهِنَّ } أي: في الجنات كلها { خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } أي: خيرات الأخلاق حسان الأوجه، فجمعن بين جمال الظاهر والباطن، وحسن الخَلْقِ والخُلُق، { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } أي: محبوسات في خيام اللؤلؤ، قد تهيأن وأعددن أنفسهن لأزواجهنَّ، ولا ينفي ذلك خروجهنَّ في البساتين ورياض الجنة، كما جرت العادة لبنات الملوك ونحوهنَّ [المخدرات] الخفرات، { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ } أي: أصحاب هاتين الجنتين، متكأهم على الرفرف الأخضر، وهي الفرش التي فوق المجالس العالية، التي قد زادت على مجالسهم، فصار لها رفرفة من وراء مجالسهم، لزيادة البهاء وحسن المنظر، { وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } العبقري: نسبة لكل منسوج نسجاً حسناً فاخراً، ولهذا وصفها بالحسن الشامل، لحسن الصنعة وحسن المنظر، ونعومة الملمس، وهاتان الجنتان دون الجنتين الأوليين، كما نص الله على ذلك بقوله: { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } وكما وصف الأوليين بعدة أوصاف لم يصف بها الأخريين، فقال في الأوليين: { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } وفي الأخريين: { عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } ومن المعلوم الفرق بين الجارية والنضاخة. وقال في الأوليين: { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } ولم يقل ذلك في الأخريين. وقال في الأوليين: { فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } وفي الأخريين { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } وقد علم ما بين الوصفين من التفاوت. وقال في الأوليين: { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } ولم يقل ذلك في الأخيرتين، بل قال: { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ }. وقال في الأوليين، في وصف نسائهم وأزواجهم: { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } وقال في الأخريين: { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } وقد علم التفاوت بين ذلك. وقال في الأوليين: { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } فدلّ ذلك أن الأوليين جزاء المحسنين، ولم يقل ذلك في الأخريين. ومجرد تقديم الأوليين على الأخريين، يدل على فضلهما. فبهذه الأوجه يعرف فضل الأوليين على الأخريين، وأنهما معدّتان للمقربين من الأنبياء، والصديقين، وخواصّ عباد الله الصالحين، وأن الأخريين معدتان لعموم المؤمنين، وفي كل من الجنات [المذكورات] ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفيهنّ ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأهلها في غاية الراحة والرضا والطمأنينة وحسن المأوى، حتى إن كلاً منهم لا يرى أحداً أحسن حالاً منه، ولا أعلى من نعيمه [الذي هو فيه]. ولما ذكر سعة فضله وإحسانه، قال: { تَبَارَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } أي: تعاظم وكثر خيره، الذي له الجلال الباهر، والمجد الكامل، والإكرام لأوليائه.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (574) تفسير السعدى (سورة الواقعة) من (1)الى (26) عبد الرحمن بن ناصر السعدى تفسير سورة الواقعة { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } 1 { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } 2 { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } 3 { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } 4 { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } 5 { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } 6 { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } 7 { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } 8 { وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } 9 { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } 10 { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } 11 { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } 12 { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ }13 يخبر تعالى بحال الواقعة التي لا بد من وقوعها، وهي القيامة التي { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } أي: لا شك فيها، لأنها قد تظاهرت عليها الأدلة العقلية والسمعية، ودلّت عليها حكمته تعالى، { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } أي: خافضة لأناس في أسفل سافلين، رافعة لأناس في أعلى عليين، أو خفضت بصوتها فأسمعت القريب، ورفعت فأسمعت البعيد. { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } أي: حركت واضطربت، { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } أي: فتتت، { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } فأصبحت الأرض ليس عليها جبل ولا معلم، قاعاً صفصفاً، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، { وَكُنتُمْ } أيها الخلق { أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } أي: انقسمتم ثلاث فرق بحسب أعمالكم الحسنة والسيئة، ثم فصل أحوال الأزواج الثلاثة، فقال: { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } تعظيم لشأنهم، وتفخيم لأحوالهم، { وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } أي: الشمال، { مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } تهويل لحالهم. { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } أي: السابقون في الدنيا إلى الخيرات، هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات. أولئك الذين هذا وصفهم، المقربون عند الله، في جنات النعيم، في أعلى عليين، في المنازل العاليات، التي لا منزلة فوقها. وهؤلاء المذكورون { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } أي: جماعة كثيرون من المتقدمين من هذه الأمة وغيرهم. { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } 14 { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } 15 { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ }16 { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } وهذا يدل على فضل صدر هذه الأمة في الجملة على متأخريها، لكون المقربين من الأولين أكثر من المتأخرين، والمقربون هم خواص الخلق، { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } أي: مرمولة بالذهب والفضة، واللؤلؤ، والجوهر، وغير ذلك من [الحلي] الزينة، التي لا يعلمها إلا الله تعالى، { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا } أي: على تلك السرر، جلوس تمكن وطمأنينة وراحة واستقرار. { مُتَقَابِلِينَ } وجه كل منهم إلى وجه صاحبه، من صفاء قلوبهم، وحسن أدبهم، وتقابل قلوبهم. { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } 17 { بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } 18 { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } 19 { وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } 20 { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } 21 { وَحُورٌ عِينٌ } 22 { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } 23 { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } 24 { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } 25 { إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً }26 { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } أي: يدور على أهل الجنة للخدمة وقضاء حوائجهم، ولدان صغار الأسنان، في غاية الحسن والبهاء،{ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } [الطور: 24] أي: مستور، لا يناله ما يغيره، مخلوقون للبقاء والخلد، لا يهرمون ولا يتغيرون، ولا يزيدون على أسنانهم، ويدورون عليهم بآنية شرابهم { بِأَكْوَابٍ } وهي التي لا عرى لها، { وَأَبَارِيقَ } الأواني التي لها عرى، { وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } أي: من خمر لذيذ المشرب، لا آفة فيها، { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } أي: لا تصدعهم رؤوسهم كما تصدع خمرة الدنيا رأس شاربها. ولا هم عنها ينزفون، أي: لا تنزف عقولهم، ولا تذهب أحلامهم منها، كما يكون لخمر الدنيا. والحاصل: أن جميع ما في الجنة من أنواع النعيم الموجود جنسه في الدنيا، لا يوجد في الجنة فيه آفة، كما قال تعالى:{ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } [محمد: 15] وذكر هنا خمر الجنة، ونفى عنها كل آفة توجد في الدنيا. { وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } أي: مهما تخيروا، وراق في أعينهم، واشتهته نفوسهم، من أنواع الفواكه الشهية، والجنى اللذيذ، حصل لهم على أكمل وجه وأحسنه، { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } أي: من كل صنف من الطيور يشتهونه، ومن أي جنس من لحمه أرادوا، وإن شاؤوا مشوياً، أو طبيخاً، أو غير ذلك. { وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } أي: ولهم حور عين، والحوراء: التي في عينها كحل وملاحة، وحسن وبهاء، والعين: حسان الأعين وضخامها وحسن العين في الأنثى، من أعظم الأدلة على حسنها وجمالها. { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } أي: كأنهن اللؤلؤ الأبيض الرطب الصافي البهي، المستور عن الأعين والريح والشمس، الذي يكون لونه من أحسن الألوان، الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه، فكذلك الحور العين، لا عيب فيهن [بوجه]، بل هن كاملات الأوصاف، جميلات النعوت. فكل ما تأملته منها لم تجد فيه إلا ما يسر الخاطر ويروق الناظر، وذلك النعيم المعد لهم { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } فكما حسنت منهم الأعمال، أحسن الله لهم الجزاء، ووفر لهم الفوز والنعيم. { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } أي: لا يسمعون في جنات النعيم كلاماً يلغى، ولا يكون فيه فائدة، ولا كلاماً يؤثم صاحبه، { إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } أي: إلا كلاماً طيباً، وذلك لأنها دار الطيبين، ولا يكون فيها إلا كل طيب، وهذا دليل على حسن أدب أهل الجنة في خطابهم فيما بينهم، وأنه أطيب كلام، وأسره للنفوس، وأسلمه من كل لغوٍ وإثم، نسأل الله من فضله.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (575) تفسير السعدى (سورة الواقعة) من (27)الى (57) عبد الرحمن بن ناصر السعدى تفسير سورة الواقعة { وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } 27 { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } 28 { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } 29 { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } 30 { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } 31 { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } 32 { لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } 33 { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } 34 { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } 35 { فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } 36 { عُرُباً أَتْرَاباً } 37 { لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } 38 { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } 39 { وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ }40 ثم ذكر نعيم أصحاب اليمين، فقال: { وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } أي: شأنهم عظيم، وحالهم جسيم، { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } أي: مقطوع ما فيه من الشوك والأغصان [الرديئة] المضرة، مجعول مكان ذلك الثمر الطيب، وللسدر من الخواص، الظل الظليل، وراحة الجسم فيه، { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } والطلح معروف، وهو شجر [كبار] يكون بالبادية، تنضد أغصانه من الثمر اللذيذ الشهي، { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } أي: كثير من العيون والأنهار السارحة، والمياه المتدفقة، { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } أي: ليست بمنزلة فاكهة الدنيا تنقطع في وقت من الأوقات، وتكون ممتنعة [أي: متعسرة] على مبتغيها، بل هي على الدوام موجودة، وجناها قريب يتناوله العبد على أي حال يكون، { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } أي: مرفوعة فوق الأسرة ارتفاعاً عظيماً، وتلك الفرش من الحرير والذهب واللؤلؤ وما لا يعلمه إلا الله. { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } أي: إنا أنشأنا نساء أهل الجنة نشأةً غير النشأة التي كانت في الدنيا، نشأةً كاملةً لا تقبل الفناء، { فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } صغارهن وكبارهن، وعموم ذلك يشمل الحور العين ونساء أهل الدنيا، وأن هذا الوصف - وهو البكارة - ملازم لهن في جميع الأحوال، كما أن كونهن { عُرُباً أَتْرَاباً } ملازم لهن في كل حال، والعروب: هي المرأة المتحببة إلى بعلها بحسن لفظها، وحسن هيئتها ودلالها وجمالها [ومحبتها]، فهي التي إن تكلمت سبت العقول، وود السامع أن كلامها لا ينقضي، خصوصاً عند غنائهن بتلك الأصوات الرخيمة والنغمات المطربة، وإن نظر إلى أدبها وسمتها ودلها ملأت قلب بعلها فرحاً وسروراً، وإن برزت من محل إلى آخر، امتلأ ذلك الموضع منها ريحاً طيباً ونوراً، ويدخل في ذلك الغنجة عند الجماع. والأتراب اللاتي على سن واحدة، ثلاث وثلاثين سنة، التي هي غاية ما يتمنى ونهاية سن الشباب، فنساؤهم عرب أتراب، متفقات مؤتلفات، راضيات مرضيات، لا يَحزَنَّ ولا يُحزِنَّ، بل هن أفراح النفوس، وقرة العيون، وجلاء الأبصار. { لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } أي: معدات لهم مهيئات، { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } أي: هذا القسم من أصحاب اليمين عدد كثير من الأولين، وعدد كثير من الآخرين. { وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } 41 { فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } 42 { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } 43 { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } 44 { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } 45 { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } 46 { وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } 47 { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } 48 { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ } 49 { لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } 50 { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ } 51 { لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } 52 { فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } 53 { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ } 54 { فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ } 55 { هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ } 56 { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ }57 { وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ * وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ }. المراد بأصحاب الشمال [هم:] أصحاب النار، والأعمال المشئومة، فذكر [الله] لهم من العقاب، ما هم حقيقون به، فأخبر أنهم { فِي سَمُومٍ } أي: ريح حارة من حر نار جهنم، يأخذ بأنفاسهم، وتقلقهم أشد القلق، { وَحَمِيمٍ } أي: ماء حار يقطع أمعاءهم، { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } أي: لهب نار يختلط بدخان، { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } أي: لا برد فيه ولا كرم، والمقصود أن هناك الهم والغم، والحزن والشر، الذي لا خير فيه، لأن نفي الضد إثبات لضده. ثم ذكر أعمالهم التي أوصلتهم إلى هذا الجزاء، فقال: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } أي: قد ألهتهم دنياهم، وعملوا لها، وتنعموا وتمتعوا بها، فألهاهم الأمل عن إحسان العمل، فهذا الترف الذي ذمهم الله عليه، { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } أي: وكانوا يفعلون الذنوب الكبار ولا يتوبون منها، ولا يندمون عليها، بل يصرون على ما يسخط مولاهم، فقدموا عليه بأوزار كثيرة [غير مغفورة]. وكانوا ينكرون البعث، فيقولون استبعاداً لوقوعه: { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } أي: كيف نبعث بعد موتنا وقد بلينا، فكنا تراباً وعظاماً؟ [هذا من المحال] { أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } قال تعالى جواباً لهم ورداً عليهم: { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } ، أي: قل إن متقدم الخلق ومتأخرهم، الجميع سيبعثهم الله ويجمعهم لميقات يوم معلوم، قدّره الله لعباده، حين تنقضي الخليقة، ويريد الله تعالى جزاءهم على أعمالهم التي عملوها في دار التكليف. { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ } عن طريق الهدى، التابعون لطريق الردى، { ٱلْمُكَذِّبُونَ } بالرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق والوعد والوعيد، { لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } وهو أقبح الأشجار وأخسها، وأنتنها ريحاً، وأبشعها منظراً، { فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } والذي أوجب لهم أكلها - مع ما هي عليه من الشناعة - الجوع المفرط، الذي يلتهب في أكبادهم وتكاد تنقطع منه أفئدتهم. هذا الطعام الذي يدفعون به الجوع، وهو الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. وأما شرابهم، فهو بئس الشراب، وهو أنهم يشربون على هذا الطعام من الماء الحميم الذي يغلي في البطون شرب الإبل الهيم أي: العطاش، التي قد اشتد عطشها، أو [أن الهيم] داء يصيب الإبل، لا تروى معه من شراب الماء. { هَـٰذَا } الطعام والشراب { نُزُلُهُمْ } أي: ضيافتهم { يَوْمَ ٱلدِّينِ } وهي الضيافة التي قدموها لأنفسهم، وآثروها على ضيافة الله لأوليائه. قال تعالى:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } [الكهف: 107-108]. ثم ذكر الدليل العقلي على البعث، فقال: { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } أي: نحن الذين أوجدناكم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً، من غير عجز ولا تعب، أفليس القادر على ذلك بقادر على أن يحيي الموتى؟ بلى إنه على كل شيء قدير، ولهذا وبَّخهم على عدم تصديقهم بالبعث، وهم يشاهدون ما هو أعظم منه وأبلغ.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (576) تفسير السعدى (سورة الواقعة) من (58)الى (70) عبد الرحمن بن ناصر السعدى تفسير سورة الواقعة { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ } 58 { ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } 59 { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } 60 { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } 61 { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ }62 أي: أفرأيتم ابتداء خلقتكم من المني الذي تمنون، فهل أنتم خالقون ذلك المني وما ينشأ منه؟ أم الله تعالى الخالق الذي خلق فيكم من الشهوة وآلتها من الذكر والأنثى، وهدى كلاًّ منهما لما هنالك، وحبب بين الزوجين، وجعل بينهما من المودة والرحمة ما هو سبب للتناسل. ولهذا أحالهم الله تعالى على الاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الأخرى، فقال: { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } أن القادر على ابتداء خلقكم، قادر على إعادتكم. { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } 63 { ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } 64 { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } 65 { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } 66 { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ }67 وهذا امتنان منه على عباده، يدعوهم به إلى توحيده وعبادته والإنابة إليه، حيث أنعم عليهم بما يسره لهم من الحرث للزروع والثمار، فتخرج من ذلك من الأقوات والأرزاق والفواكه، ما هو من ضروراتهم وحاجاتهم ومصالحهم، التي لا يقدرون أن يحصوها، فضلاً عن شكرها، وأداء حقها، فقررهم بمنته، فقال: { ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } أي: أأنتم أخرجتموه نباتاً من الأرض؟ أم أنتم الذين نميتموه؟ أم أنتم الذين أخرجتم سنبله وثمره حتى صار حباً حصيداً وثمراً نضيجاً؟ أم الله الذي انفرد بذلك وحده، وأنعم به عليكم؟ وأنتم غاية ما تفعلون أن تحرثوا الأرض وتشقوها وتلقوا فيها البذر، ثم بعد ذلك لا علم عندكم بما يكون بعد ذلك، ولا قدرة لكم على أكثر من ذلك ومع ذلك، فنبههم على أن ذلك الحرث معرض للأخطار لولا حفظ الله وإبقاؤه لكم بلغةً ومتاعاً إلى حين، فقال: { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ } أي: الزرع المحروث وما فيه من الثمار { حُطَاماً } أي: فتاتاً متحطماً، لا نفع فيه ولا رزق، { فَظَلْتُمْ } أي: فصرتم بسبب جعله حطاماً، بعد أن تعبتم فيه وأنفقتم النفقات الكثيرة { تَفَكَّهُونَ } أي: تندمون وتحسرون على ما أصابكم، ويزول بذلك فرحكم وسروركم وتفكهكم، فتقولون: { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } أي: إنا قد نقصنا وأصابتنا مصيبة اجتاحتنا. ثم تعرفون بعد ذلك من أين أتيتم، وبأي سبب دهيتم، فتقولون: { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } فاحمدوا الله تعالى حيث زرعه الله لكم، ثم أبقاه وكمله لكم، ولم يرسل عليه من الآفات ما به تحرمون نفعه وخيره. { أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ } 68 { ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ } 69 { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ }70 لما ذكر تعالى نعمته على عباده بالطعام، ذكر نعمته عليهم بالشراب العذب الذي منه يشربون، وأنهم لولا أن الله يسره وسهله، لما كان لكم سبيل إليه، وأنه الذي أنزله من المزن، وهو السحاب والمطر، ينزله الله تعالى فيكون منه الأنهار الجارية على وجه الأرض وفي بطنها، ويكون منه الغدران المتدفقة، ومن نعمته أن جعله عذباً فراتاً تسيغه النفوس، ولو شاء لجعله ملحاً أجاجاً مكروهاً للنفوس. لا ينتفع به { فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } الله تعالى على ما أنعم به عليكم.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() |