شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله - الصفحة 88 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 277 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 306 )           »          قصيدة أبكت أعظم ملوك الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          طرق تساعدك على العيش بأقل الإمكانيات مع الحفاظ على الراتب.. خليكى ذكية ووفرى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          وصفات طبيعية للتخلص من قشرة الشعر الدهنية.. أخلصى منها بخطوات بسيطة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          خليك قدوة ليهم.. إزاى تكون مصدر أمان وثقة لأولادك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          اتجاهات ديكور مستوحاة من البحر لإضافة لمسة جمالية منعشة.. موضة صيف 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          طريقة عمل السجق البلدى بمكونات سهلة ومتوفرة فى البيت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          4 وصفات طبيعية تعالج جفاف البشرة وشحوبها وتزيد ترطيبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          6 أسرار لزيادة الكولاجين وتعزيز مرونة البشرة.. خليكى شباب على طول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-10-2022, 10:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب المزارعة

(488)


- باب ذكر اختلاف الألفاظ المأثورة في المزارعة - باب شركة عنان بين ثلاثة



كراء الأرض بالثلث والربع وغير ذلك مما هو معلوم النسبة سائغ وصحيح، ويدل على ذلك معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر من اليهود على أن يعملوا فيها بنصف ما يخرج منها من ثمر أو زرع.

ذكر اختلاف الألفاظ المأثورة في المزارعة


شرح أثر محمد بن سيرين: (الأرض عندي مثل مال المضاربة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: ذكر اختلاف الألفاظ المأثورة في المزارعة:أخبرنا عمرو بن زرارة أخبرنا إسماعيل حدثنا ابن عون كان محمد يقول: الأرض عندي مثل مال المضاربة، فما صلح في مال المضاربة صلح في الأرض، وما لم يصلح في مال المضاربة لم يصلح في الأرض، قال: وكان لا يرى بأساً أن يدفع أرضه إلى الأكار على أن يعمل فيها بنفسه وولده وأعوانه وبقره، ولا ينفق شيئاً، وتكون النفقة كلها من رب الأرض].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي اختلاف الآثار في المزارعة، ونقل نقولاً عديدة أولها هذا الأثر عن محمد بن سيرين أنه قال: الأرض عندي مثل مال المضاربة، يعني مال المضاربة يدفعه المالك للعامل على أن يشتغل فيه العامل، وله في مقابل عمله النصف من الربح أو الربع أو الثلث على حسب ما يتفقان عليه، والأرض هي لصاحبها، وله النسبة التي يتفقان عليها من أجل استخدام أرضه والاستفادة من أرضه، فيقول: مثل المضاربة، يعني بعض الناس يجيد البيع والشراء وأمامه المضاربة، يأتي إنسان عنده حذق وعنده عناية في البيع والشراء وعنده خبرة في البيع والشراء ولكن ما عنده نقود، فيأتي إلى إنسانٍ عنده نقود ولكن ما عنده حذق في البيع والشراء، فيعطي هذا نقوده لهذا على أن يعمل فيها وله نصف الربح، فيكون كل من الطرفين استفاد، هذا صاحب الخبرة استغلها في مال غيره، وهذا صاحب المال استغله في خبرة غيره، والكل استفاد، هذا استفاد من ماله، وهذا استفاد من خبرته وعمله.
المزارعة بعض الناس ما يجيد البيع والشراء لكنه يجيد بالزرع، إذاً هو مثل المضاربة، يمكن أنه يأخذ الأرض على جزءٍ معلوم بالنسبة لما يخرج منها، والمضاربة جائزة بإجماع المسلمين، فهذه مثلها، إلا أن المضاربة ما تصلح إلا لمن يجيد البيع والشراء، والمزارعة تكون لمن يجيد الحرث، فإذاً هي سائغة، وبالإضافة إلى أنها مشابهة للمضاربة المجمع عليها فقد جاءت النصوص الدالة على جوازها كما في قصة خيبر وكما في أرض خيبر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم دفعها لليهود على أن يعملوها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.
وعلى هذا فهذا الكلام الذي ذكره ابن سيرين رحمه الله كلام يعني جيد، وفيه يعني بيان أن هذه مثل هذا، وهذه مجمع عليها وهذه مختلف فيها، لكن هذا مشابه لهذا، بعض الناس يجيد البيع والشراء أمامه المضاربة، بعض الناس ما يجيد البيع والشراء ولكنه يجيد المزارعة أمامه المزارعة، بعض الناس يعني عنده إجادة الذهاب والإياب على أن يشتغل مثلاً على دواب أو على سيارات وله النصف مما يحصل من استخدام هذه الدواب والسيارات من الثمرات التي تترتب على ذلك، إذاً كل يستفيد في حدود خبرته، ولا بأس بذلك ولا مانع من ذلك،
يقول: [فالأرض عندي مثل مال المضاربة، فما صلح في مال المضاربة صلح في الأرض، وما لم يصلح في مال المضاربة لم يصلح في الأرض، قال: وكان لا يرى بأساً أن يدفع أرضه إلى الأكار].
الأكار يعني: العامل الأجير أو الفلاح.
قوله: [على أن يعمل فيها بنفسه وولده وأعوانه وبقره، ولا ينفق شيئاً، وتكون النفقة كلها من رب الأرض].
يعني أنه يدفعها للأكار الفلاح أو العامل على أن يشتغل فيها بأدواته وبنفسه وبقره على أن النفقة تكون منه، يعني الذي هي البذور وما إلى ذلك منه، ويجوز أن تكون البذور من هذا ومن هذا على حسب ما يتفقان عليه، إن كانت على العامل لا بأس، وإن كانت على مالك الأرض لا بأس كل ذلك سائغ.

تراجم رجال إسناد أثر محمد بن سيرين: (الأرض عندي مثل مال المضاربة ...)

قوله: [أخبرنا عمرو بن زرارة].ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي.
[أخبرنا إسماعيل].
هو إسماعيل بن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن عون].
هو عبد الله بن عون، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد].
هو محمد بن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أن النبي دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر ... وأن لرسول الله شطر ما يخرج منها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم، وأن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شطر ما يخرج منها)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود أرض خيبر على أن يعملوها بأموالهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الشطر مما يخرج منها، يعني: أنه دفع إليهم مساقاةً ومزارعة، مساقاةً للنخل والشجر، ومزارعةً للأرض البيضاء حيث تزرع، ويكون لهم النصف من أجل عملهم، وله صلى الله عليه وسلم النصف من أجل أن الأرض له، وفي هذا أنهم يعملوها بأموالهم، يعني معناه البذر يكون منهم، وكل شيءٍ يكون منهم، يعني الرسول صلى الله عليه وسلم ما له إلا نصف ما يخرج منها ولا يدفع لهم شيئاً، وهذا يدلنا على أن النفقة والبذر يمكن أن يكون من المالك، ويمكن أن يكون من المزارع، وكذلك الأدوات يمكن أن تكون المكائن والمضخات وما إلى ذلك يمكن أن تكون على هذا أو على هذا، كل ذلك سائغ.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر ... وأن لرسول الله شطر ما يخرج منها)


قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث عن محمد بن عبد الرحمن].
هو الليث بن سعد، ومحمد بن عبد الرحمن بن عنج مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث : (أن النبي دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر ...) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا شعيب بن الليث حدثنا أبي عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها بأموالهم، وأن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شطر ثمرتها)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفع إلى يهود خيبر نخيل خيبر) من طريق ثانية


قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم].هو المصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا شعيب بن الليث حدثنا أبي].
وقد مر ذكرهما.
[عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر].
وقد مر ذكرهم جميعاً.

شرح حديث: (كانت المزارع تكرى على عهد رسول الله ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا شعيب بن الليث عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: (كانت المزارع تكرى على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن لرب الأرض ما على الربيع الساقي من الزرع، وطائفة من التبن لا أدري كم هو)].أورد النسائي حديث ابن عمر وفيه: أن المزارع كانت تكرى بهذه الطريقة، وفيه اختصار، وقد جاء النهي بالمنع من ذلك كما جاء في الأحاديث المتعددة التي مر ذكرها، يعني أنه يكون فيها جهالة، يعني كونه على السواقي وعلى كذا وعلى طائفة معينة أو يكون له جزء معين محدد يعني بالتقدير لا بالنسبة، أما إذا كان بالنسبة فهو سائغ؛ لأن الكل يشترك في الفائدة.
والإسناد قد مر ذكره.

شرح أثر عبد الرحمن بن الأسود: (كان عماي يزرعان بالثلث والربع وأبي شريكهما ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود قال: كان عماي يزرعان بالثلث والربع وأبي شريكهما، وعلقمة والأسود يعلمان فلا يغيران].أورد النسائي أثر عبد الرحمن بن الأسود النخعي أنه قال: كان عماي يزرعان بالثلث والربع، وأبي شريكهما، وعلقمة والأسود يعلمان ولا يغيران، يعني: يقران ذلك، ويسكتان عليه ولا ينهيان عنه، يعني وهذا يدل على أنه معروف عندهم أن استئجار الأرض بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها أنه سائغ، ومن المعلوم أنه قد دل عليه حديث خيبر، ودل عليه أيضاً حديث رافع الذي فيه التفصيل أما شيءٍ معلوم مضمون فلم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد أثر عبد الرحمن بن الأسود: (كان عماي يزرعان بالثلث والربع وأبي شريكهما ...)

قوله: [أخبرنا علي بن حجر].ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
[عن شريك].
هو شريك بن عبد الله القاضي النخعي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي إسحاق].
هو أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن الأسود].
هو عبد الرحمن بن الأسود النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح أثر ابن عباس: (إن خير ما أنتم صانعون: أن يؤاجر أحدكم أرضه ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر سمعت معمراً عن عبد الكريم الجزري قال سعيد بن جبير: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إن خير ما أنتم صانعون: أن يؤاجر أحدكم أرضه بالذهب والورق)].أورد النسائي أثراً عن ابن عباس أن كون الإنسان يؤاجر أرضه بالذهب والورق، هذا هو الذي ينبغي أن يصار إليه وينبغي أن يفعل، وهو يدل على أن ابن عباس يرى أن استئجارها بالذهب والفضة سائغ، فهذا أثر من آثار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.

تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (إن خير ما أنتم صانعون: أن يؤاجر أحدكم أرضه ...)

قوله: [حدثنا محمد بن عبد الأعلى].ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا المعتمر].
هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت معمراً].
هو معمر بن راشد البصري، ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الكريم الجزري].
هو عبد الكريم بن مالك الجزري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[قال سعيد بن جبير].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أثر إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير: (أنهما كانا لا يريان بأساً باستئجار الأرض البيضاء) وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم وسعيد بن جبير أنهما كانا لا يريان بأساً باستئجار الأرض البيضاء].أورد النسائي الأثر عن إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير: أنهما كانا لا يريان بأساً في استئجار الأرض البيضاء، يعني على أساس أن صاحبها المستأجر يستخدمها فيما استأجرها من أجله.
قوله: [أخبرنا قتيبة حدثنا جرير]،
جرير هو جرير بن عبد الحميد الضبي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مغيرة].
هو مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و سعيد بن جبير].
مر ذكره.

شرح أثر محمد بن سيرين: (لم أعلم شريحاً كان يقضي في المضارب إلى بقضاءين ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن زرارة حدثنا إسماعيل عن أيوب عن محمد قال: لم أعلم شريحاً كان يقضي في المضارب إلا بقضاءين: كان ربما قال للمضارب: بينتك على مصيبة تعذر بها، وربما قال لصاحب المال: بينتك أن أمينك خائن، وإلا فيمينه بالله ما خانك].أورد النسائي أثراً عن شريح أنه كان يقضي بقضاءين: أحدهما يتعلق بالعامل، وهو أنه إذا كان حصل شيء ادعى أنه تلف بيده فبينته على أنه حصل له مصيبة يعذر، يعني بأنه حصل حريق مثلاً وتلفت البضاعة التي في يده ما يأتي يقول: والله يعني خلاص البضاعة راحت وإلا كذا، وهو ما عنده شيء يدل على ذلك، وكذلك بالنسبة للمالك إذا قال: إن العامل خان، وأنه حصلت منه خيانة، فإنه يأتي ببينة على أنه حصل منه خيانة، وإلا فإن المالك له اليمين من العامل بأنه ما خان، يعني البينة على المدعي واليمين على من أنكر، يعني المالك إذا قال للعامل: إنه خائن، عليه أن يقيم البينة، فإن أقام بينة أخذ العامل بهذه البينة، وإن لم يأت ببينة يكون له اليمين بأنه ما خان، البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، حيث لم تأت البينة.

تراجم رجال إسناد أثر محمد بن سيرين: (لم أعلم شريحاً يقضي في المضارب إلا بقضاءين ...)


قوله: [أخبرنا عمرو بن زرارة عن إسماعيل عن أيوب].إسماعيل هو ابن علية، وأيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد عن شريح].
هو محمد بن سيرين، وشريح هو شريح القاضي.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-10-2022, 10:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح أثر سعيد بن المسيب: (لا بأس بإجارة الأرض البيضاء بالذهب والفضة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا شريك عن طارق عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا بأس بإجارة الأرض البيضاء بالذهب والفضة، وقال: إذا دفع رجل إلى رجل مالاً قراضاً فأراد أن يكتب عليه بذلك كتاباً كتب: هذا كتاب كتبه فلان ابن فلان طوعاً منه في صحة منه وجواز أمره لفلان ابن فلان، أنك دفعت إليّ مستهل شهر كذا من سنة كذا عشرة آلاف درهم وضحاً جياداً وزن سبعة قراضاً، على تقوى الله في السر والعلانية وأداء الأمانة، على أن أشتري بها ما شئت منها كل ما أرى أن أشتريه، وأن أصرفها وما شئت منها فيما أرى أن أصرفها فيه من صنوف التجارات، وأخرج بما شئت منها حيث شئت، وأبيع ما أرى أن أبيعه مما أشتريه بنقد رأيت أم بنسيئة، وبعين رأيت أم بعرض، على أن أعمل في جميع ذلك كله برأيي، وأوكل في ذلك من رأيت، وكل ما رزق الله في ذلك من فضل وربح بعد رأس المال الذي دفعته المذكور إلي المسمى مبلغه في هذا الكتاب فهو بيني وبينك نصفين، لك منه النصف بحظ رأس مالك، ولي فيه النصف تاماً بعملي فيه، وما كان فيه من وضيعة فعلى رأس المال، فقبضت منك هذه العشرة آلاف درهم الوضح الجياد مستهل شهر كذا في سنة كذا، وصارت لك في يدي قراضاً على الشروط المشترطة في هذا الكتاب، أقر فلان وفلان، وإذا أراد أن يطلق له أن يشتري ويبيع، وإذا أراد ألا يطلق له أن يشتري ويبيع بالنسيئة كتب، وقد نهيتني أن أشتري وأبيع بالنسيئة].فقد ذكر النسائي فيما مضى أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة تتعلق بالمزارعة، وقد ذكر في آخرها هذا الأثر عن سعيد بن المسيب الذي فيه أنه لا بأس أن يستأجر بالذهب والفضة.
قوله: [لا بأس بإجارة الأرض البيضاء بالذهب والفضة].
يعني: أن استئجار الأرض لزراعتها وهي خالية ليزرع فيها ما شاء من الأصناف أنه لا بأس بها بالذهب والفضة، أي: أن كون الإنسان يدفع ذهباً أو فضة في مقابل استئجارها لمدة سنة أو أكثر أن ذلك لا بأس به، ويزرعها ثم ما حصل من ثمرة وفائدة فهي تخص المستأجر؛ لأن المؤجر أخذ الأجرة التي هي مقدارٌ معين من الذهب والفضة، وقد عرفنا أن ذلك سائغ، ولا بأس به، أي: استئجارها بالذهب والفضة، وكذلك استئجارها بجزء معلوم النسبة ثم يخرج منها أيضاً لا بأس بذلك.
ثم ذكر أنه إذا دفع شخص لآخر مالاً على أن يعمل به العامل الذي دفع إليه مضاربةً، وحصلت الكتابة بينهما في إبرام هذا العقد فإنه يكتبه على هذه الصيغة التي أشار إليها والتي ذكرها.
قوله: [إذا دفع رجل إلى رجلٍ مالاً قراضاً فأراد أن يكتب عليه بذلك كتاباً كتب].
إذا دفع إلى رجل مالاً قراضاً يعني: دفعه قراضاً اللي هو المضاربة، القراض هو المضاربة يقال: وهي الاشتراك وهي شركة بين طرفين أحدهما يعمل والثاني يمول يدفع رأس مال، بحيث يبيع العامل ويشتري وما حصل من ربح فهو بينهما على النسبة التي يتفقان عليها، هذه هي المضاربة، يقال لها: قراض ويقال لها: مضاربة، والغالبة في استعمال أهل الحجاز أنهم يقولون: قراض، وفي استعمال أهل العراق يقولون: مضاربة، وهما بمعنى واحد، إلا أن هذا اللفظ غلب في العراق الذي هو المضاربة، ولهذا يأتي في كتب الحنابلة وفي كتب الحنفية المضاربة، ويأتي في كتب الشافعية والمالكية القراض، فغلب استعمال هذا اللفظ في جهة، واستعمال اللفظ الآخر في جهة، ولا فرق بينهما لفظان مؤداهما واحد، يقال لهذه المعاملة: قراض ويقال لها: مضاربة، وهي جائزة بإجماع العلماء اللي هي المضاربة، كون شخص يدفع لآخر مالاً على أن يبيع فيه ويشتري وما حصل من ربحٍ فهو بينهما على النسبة التي يتفقان عليها لا بأس بذلك، هذه جائزة بإجماع العلماء، دفع مالاً قراضاً.
قوله: [فأراد أن يكتب عليه بذلك كتاباً كتب].
فأراد أن يكتب عليه بذلك كتاباً كتب، ثم ذكر الصيغة صيغة العقد.

صيغة عقد القراض


قوله: [هذا كتاب كتبه فلان ابن فلان طوعاً منه في صحة منه وجواز أمره لفلان ابن فلان].هذا العامل كتب على نفسه هذا الكتاب فلان ابن فلان، يسمي نفسه بصحة منه وجواز أمر، يعني: أنه صحيح العقل وجائز التصرف، ليس بمجنون، وليس بسفيه محجور عليه لا يمكنه التصرف في ماله، بل هو خال من هذه الموانع التي تمنع صحة العقد منه، وتمنع صحة صدور العقد منه، بل خلى من هذين الوصفين وهما كونه يعني غير عاقل، وكونه غير سفيه يعني الذي حجر عليه بماله لسوء تصرفه، ولهذا قال: في صحة منه.
وجواز أمره، يعني: جواز التصرف في أموره، وهذا موجود في استعمالات الناس في هذا الزمان، يقولون: في صحة من عقله وجواز تصرفه، هكذا يقول الناس في عقودهم التي يجرونها فيما بينهم.
قوله: [أنك دفعت إلي مستهل شهر كذا من سنة كذا عشرة آلاف درهم].
الذي هو رأس المال، يعني يذكر بدء المضاربة وحصول الدفع، ومقدار رأس المال، ورأس المال هو يختص بمالك، والعامل يبيع ويشتري، إن حصل ربح فهو بينهما، وإن حصل خسارة فهي على رب المال، ولا يجوز أن يتحمل العامل شيئاً من الخسارة، ولو اشترط أن الخسارة على العامل فإن ذلك لا يصح باتفاق العلماء، وإنما الخلاف بينهم: هل يصح العقد الذي جاء معه هذا الشرط، أو أنه يصح العقد ولكن الشرط يبطل؟
الشرط باطل باتفاق العلماء، لكن هل بطلانه يقتصر عليه والعقد يبقى ساري المفعول، أو أنه يسري إلى أصل العقد فيبطله ويحتاج إلى عقد جديد خالي من هذا الشرط الفاسد وهذا الشرط الباطل؟ فالخسارة على رب المال، والربح بينهما، ولا يجوز أن يشترط أن الخسارة على العامل؛ لأنه لو اشترط عليه لكان العامل خسر مرتين: خسر في عمله؛ لأنه ضاع مجان وبدون مقابل، وكونه خسر أي تحمل حمولةً بالإضافة إلى ضياع عمله بدون مقابل؛ لأنه ما حصل ربح لأنه كان يعمل من أجل يحصل ربح وما حصل ربح بل حصل خسارة، فإذا تحمل هذه الخسارة اللي هو العامل يعني اجتمع له خسارتان: خسارة كون عمله ضاع بدون فائدة، وكونه تحملت ذمته شيئاً ليس له أن يتحمله، وإذا حصل ربح فهو بينهما على النسبة التي اتفقا عليها، وإن حصل خسارة فهما كلٌ خسر، هذا خسر عمله، وهذا خسر ماله، الخسارة مشتركة والربح مشترك، إن حصل خسارة في رأس المال فالعامل ضاع عليه عمله وخسر، والمالك ضاع عليه ماله، وإن حصل ربح فهو بينهما.
قوله: [أنك دفعت إليّ مستهل شهر كذا من سنة كذا عشرة آلاف درهم وضحاً جياداً وزن سبعة قراضاً].
هذا وصف النقود يعني في ذاك الوقت، يعني دفعتها إليّ قراضاً، يعني هكذا التنصيص في العقد قراضاً، يعني حتى يخرج أن كونه قرض يعني سلف أو كونه يعني هبة كونه عطية، يعني كلمة قراضاً يعني تبين لماذا دفعت؟ يعني أيش المقصود من دفعها؟ دفعت على أنها في شركة مضاربة، شركة قراض، من أحدهما العمل، ومن أحدهما رأس المال، وهذا تشريع أو جواز هذه العملية التي هي المضاربة لما فيها من فائدة ومصلحة؛ لأن من الناس من يكون عنده المال متكدس لكن ما عنده قدرة على التصرف، ما يجيد البيع والشراء، السلع موجودة لكن ما عنده قدرة على أن يشتغل، وبعض الناس يكون عنده حذق وفطنة وخبرة وقدرة على البيع والشراء لكن ما عنده رأس مال، فشرعت المضاربة حتى يستفيد هذا من مال هذا، وهذا يستفيد من خبرة هذا.
قوله: [على تقوى الله في السر والعلانية وأداء الأمانة].
يعني أنهم يتفقون على تقوى الله عز وجل، كل واحد يتقي الله في شريكه وفي أمانته، وأن كل منهما عليه مراقبة الله عز وجل، لا يخون، ولا يقصر بحق صاحبه، ولا يخون في أمانته لا يخفي شيئاً منه، ولا يختلس منها شيئاً، ولا يأكل منها شيئاً ويجحده، وإنما يتقي الله عز وجل ويؤدي الأمانة.

عمل العامل في مال القراض

قوله: [على أن أشتري بها ما شئت منها كل ما أرى أن أشتريه].يعني معناه: أنها مضاربة مطلقة ليست مقيدة بشيء، يشتري سيارات، يشتري دواب، يشتري حديد، يشتري اسمنت، يشتري أي نوع من أنواع السلع، أما إذا قيده في نوع يعرف أنه يجيد فيه فعليه أنه يلتزم به، إذا كان يعرف شخصاً يجيد تجارة معينة كأنه يجيد البيع في القماش والسلع الأخرى طبعاً ليس من أهلها وأراد أن يقصره عليها لا بأس.
قوله: [وأن أصرفها وما شئت منها فيما أرى أن أصرفها فيه من صنوف التجارات، وأخرج بما شئت منها حيث شئت].
يعني ينتقل من بلد إلى بلد، يعني: يحمل النقود معه وينتقل يعني ليس في البلد الذي هو فيه، ولا يخرج به، بل يجوز له أن يتصرف في بلده الذي هو فيه، وأن ينتقل من بلد إلى بلد يعني يضرب في الأرض للتجارة.
قوله: [وأبيع ما أرى أن أبيعه مما أشتريه بنقد رأيت أم بنسيئة، وبعين رأيت أم بعرض].
يعني يبيع بنقد أو نسيئة، يعني كون الثمن يقبضه أو يبيع بالغائب يعني بالمؤجل، والبيع بالناجز هذا ما فيه إشكال؛ لأن الحق مضمون، والبيع بالنسيئة هذا هو الذي فيه إشكال؛ لأنه قد يفلس الشخص الذي اشترى منه نسيئة، فيكون المال ما يمكن الاستفادة منه، يعني: إذا كان في ذمة إنسان وكان غائباً، إلا إذا حصل في رهن هذا فيه توثيق للمال؛ لأن الرهن هو توثقة دين بعين، يعني الدين الذي في ذمة إنسان يتوثق فيه بأن يربطه بعين، هذه العين إذا أفلس أو كذا تباع ويأخذ حقه منها، فهذا فيه أنه يتصرف كيف شاء يعني: بنقدٍ أو نسيئة، إن باع حاضراً أو باع غائباً له ذلك.
قوله: [وبعين رأيت أم بعرض].
عرض؛ لأن العين هي الشيء المعين، والعرض هو عين أيضاً كما هو معلوم، يعني عروض التجارة هي أعيان، فلا أدري يعني هل كلمة العرض هذه يراد بها يعني العرض أو عوض يعني يكون بعين أو بنقود، يعني بهذا أو بهذا، إلا أن كلمة نقد يعني فيما مضى يعني تشعر بحصول النقد، اللهم إلا أن يكون المقصود من ذلك أنما يباع به يعني يقبض، فالعرض هو الشيء الذي يعرض للبيع والشراء، عروض التجارة يعني أعيان يعني تقلب وتباع وتشترى، والعين هي عرضٌ، يعني سيارة هذه عرض فهذه عين، يعني دابة.
قوله: [على أن أعمل في جميع ذلك كله برأيي].
يعني: برأيه، ما يجي يستشيره، ما يقيد بأنه يعني ما يتصرف إلا بالرجوع إليه.
قوله: [وأوكل في ذلك من رأيت، وكل ما رزق الله في ذلك من فضل وربح بعد رأس المال الذي دفعته المذكور إلي المسمى مبلغه في هذا الكتاب].
فهو عشرة آلاف درهم الذي مرت في أول الكتاب.
قوله: [فهو بيني وبينك نصفين].
يعني هذا على اتفاق أن الربح نصفين، ويجوز أن يكون ثلث وثلثين، أو ربع وثلاثة أرباع، أو خمس وأربعة أخماس.. وهكذا.
قوله: [لك منه النصف بحظ رأس مالك، ولي فيه النصف تاماً بعملي فيه].
يعني: لك النصف بحظ رأس مالك، يعني من أجل مالك، أنت استفدت الربح من أجل مالك، وأنا لي النصف بحظ عملي من أجل عملي.
قوله: [وما كان فيه من وضيعةٍ فعلى رأس المال].
يعني ما كان فيه وضيعة خسارة فتكون على رأس المال، يعني ليست على العامل.
قوله: [فقبضت منك هذه العشرة آلاف درهم الوضح الجياد مستهل شهر كذا في سنة كذا].
يعني بدل المضاربة.
قوله: [وصارت لك في يدي قراضاً على الشروط المشترطة في هذا الكتاب].
يعني صارت لك في يدي قراضاً يعني ما هي بيدي أنا وديعة، أو عطية، أو سلف قرض، وإنما هي قراضاً.
قوله: [أقر فلان وفلان].
أقر فلان وفلان يعني هذا مثل ما يقولون: التوقيع بأسفل الكتاب، كل واحد يعني يكتب توقيعه وإقراره.
قوله: [وإذا أراد ألا يطلق له أن يشتري ويبيع بالنسيئة كتب، وقد نهيتني أن أشتري وأبيع بالنسيئة].
لأن الذي مر على أساس أنه أطلق له أن يبيع بالنسيئة؛ ولهذا قال: أبيع ما شئت من نقد أو نسيئة، وإذا كان أراد المالك ألا يبيع بالنسيئة يعني كتب وقد نهيتني أن أبيع بالنسيئة، يعني أنه ليس من حقي أن أبيع بالنسيئة؛ لأنك نهيتني عن ذلك ومنعتني من ذلك، هذا عقد المضاربة، وكما هو واضح فيه الدقة، وفيه الوضوح والابتعاد عن اللبس والنقص الذي يترتب عليه الخصومات والاختلاف؛ لأنه إذا كانت العقود فيها ثغرات فيكون ذلك سبباً للاختلاف بينهم، هذا يقول: أنا أردت كذا، وهذا يقول: أنا أريد كذا، وهذا يقول لي كذا، وليس لك كذا، لكن إذا كان موجود في العقد خلاص ما في مجال للأخذ والرد.

تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن المسيب: (لا بأس بإجارة الأرض البيضاء بالذهب والفضة ...)


قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
[عن شريك].
هو شريك بن عبد الله النخعي القاضي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن طارق].
هو طارق بن عبد الرحمن البجلي، وهو صدوقٌ، له أهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب].
ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


شركة عنان بين ثلاثة



صيغة شركة عنان بين ثلاثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [هذا ما اشترك عليه فلان وفلان وفلان في صحة عقولهم وجواز أمرهم، اشتركوا شركة عنان لا شركة مفاوضة بينهم في ثلاثين ألف درهم وضحاً جياداً وزن سبعة، لكل واحد منهم عشرة آلاف درهم، خلطوها جميعاً فصارت هذه الثلاثين ألف درهم في أيديهم مخلوطةً بشركةٍ بينهم أثلاثاً، على أن يعملوا فيه بتقوى الله وأداء الأمانة من كل واحد منهم إلى كل واحدٍ منهم، ويشترون جميعاً بذلك وبما رأوا منه اشتراءه بالنقد، ويشترون بالنسيئة عليه ما رأوا أن يشتروا من أنواع التجارات، وأن يشتري كل واحدٍ منهم على حدته دون صاحبه بذلك، وبما رأى منه ما رأى اشتراءه منه بالنقد، وبما رأى اشتراءه عليه بالنسيئة، يعملون في ذلك كله مجتمعين بما رأوا يعمل كل واحد منهم منفرداً به دون صاحبه بما رأى، جائزاً لكل واحد منهم في ذلك كله على نفسه، وعلى كل واحد من صاحبيه، فيما اجتمعوا عليه وفيما انفردوا به من ذلك كل واحد منهم دون الآخرين، فما لزم كل واحد منهم في ذلك من قليل ومن كثير فهو لازم لكل واحدٍ من صاحبيه، وهو واجب عليهم جميعاً، وما رزق الله في ذلك من فضل وربح على رأس مالهم المسمى مبلغه في هذا الكتاب فهو بينهم أثلاثاً، وما كان في ذلك من وضيعة وتبعة فهو عليهم أثلاثاً على قدر رأس مالهم، وقد كتب هذا الكتاب ثلاث نسخ متساويات بألفاظ واحدة في يد كل واحدٍ من فلان وفلان وفلان واحدة وثيقةً له أقر فلان وفلان وفلان].قوله: [شركة عنان بين ثلاثة].
شركة عنان بين ثلاثة، يعني شركة العنان هي التي يكون فيها الاشتراك بالعمل والمال؛ لأن التي مرت اشتراك بعمل ومال، عمل من شخص ومال من شخص، وأما هذه كل واحد منه رأس مال، وكل واحد منه عمل، كل واحد منه رأس مال، وكل منهم له عمل، مشتركون في رأس المال وفي العمل، ولهذا قيل لها: شركة عنان يعني: أن المشتركين كأصحاب الرهان في الخيل يعني مثل ما يقال: فرسي رهان، يعني معناه: أنهم متماثلين، يعني متساويين في رأس المال، ومتماثلين في العمل.
تعريف العنان: هي اشتراك بين الشريكين أو أكثر في المال والعمل، كلاً منه رأس مال، وكلاً منه عمل، ليست كالسابقة، السابقة واحد منه عمل، والثاني رأس مال، وهذه كلاً منه عمل ومنه رأس مال.
قوله: [هذا ما اشترك عليه فلان وفلان وفلان في صحة عقولهم وجواز أمرهم، اشتركوا شركة عنان لا شركة مفاوضة بينهم في ثلاثين ألف درهم وضحاً جياداً وزن سبعة، لكل واحد منهم عشرة آلاف درهم، خلطوها جميعاً فصارت هذه الثلاثين ألف درهم في أيديهم مخلوطةً بشركةٍ بينهم أثلاثاً، على أن يعملوا فيه بتقوى الله وأداء الأمانة من كل واحد منهم إلى كل واحدٍ منهم، ويشترون جميعاً بذلك وبما رأوا منه اشتراءه بالنقد، ويشترون بالنسيئة عليه ما رأوا أن يشتروا من أنواع التجارات، وأن يشتري كل واحدٍ منهم على حدته دون صاحبه بذلك، وبما رأى منه ما رأى اشتراءه منه بالنقد، وبما رأى اشتراءه عليه بالنسيئة، يعملون في ذلك كله مجتمعين بما رأوا يعمل كل واحد منهم منفرداً به دون صاحبه بما رأى، جائزاً لكل واحد منهم في ذلك كله على نفسه، وعلى كل واحد من صاحبيه، فيما اجتمعوا عليه وفيما انفردوا به من ذلك كل واحد منهم دون الآخرين، فما لزم كل واحد منهم في ذلك من قليل ومن كثير فهو لازم لكل واحدٍ من صاحبيه].
يعني: سواءً كان لهم أو عليهم، ما لزم واحد منهم لازم للجميع؛ لأنهم شركاء، يعني ما حصل من ربح من واحد فهو لهم، وما حصل من خسارة فهو عليهم جميعاً، وقد يربح أحدهم وقد يخسر الثاني، والقضية أنهم شركاء، الخسارة عليهم جميعاً، الربح لهم جميعاً.
[وهو واجب عليهم جميعاً، وما رزق الله في ذلك من فضل وربح على رأس مالهم المسمى مبلغه في هذا الكتاب فهو بينهم أثلاثاً، وما كان في ذلك من وضيعة وتبعة فهو عليهم أثلاثاً على قدر رأس مالهم، وقد كتب هذا الكتاب ثلاث نسخ متساويات بألفاظ واحدة في يد كل واحدٍ من فلان وفلان وفلان واحدة وثيقةً له أقر فلان وفلان وفلان].
ثم ذكر أنهم اتخذوا هذا العقد من ثلاث نسخ، وأن هذه النسخ متساوية في هيئتها وفي ألفاظها، يعني ما في أحد يزيد كلمات والثاني ينقص؛ بل الكلمات واحدة، والهيئة واحدة، وكل واحد منهم أقر وبيده نسخة؛ لأن هذه نسخ على عدد الشركاء.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-10-2022, 10:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب المزارعة

(489)


- (باب شركة مفاوضة بين أربعة على مذهب من يجيزها) إلى (باب في العتق)



المفاوضة هي اتفاق بين شخصين أو أكثر على أن يبيع كل واحد منهما ويتصرف في مال الآخر، بحيث يشتركون في المال والعمل، وهي ليست عناناً؛ لأن شركة العنان هي خلط مالين فقط.
شركة مفاوضة بين أربعة على مذهب من يجيزها


صيغة شركة مفاوضة بين أربعة على مذهب من يجيزها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [شركة مفاوضة بين أربعة على مذهب من يجيزها].شركة مفاوضة بين أربعة على مذهب من يجيزها، يعني فكأنه الإشارة هنا إلى أنه لا يرى جوازها، لكن هذه صيغتها على قول من يرى جوازها، هذه مثل مسألة الجد والإخوة. يعني الجد والإخوة فيه قولان: قول أنه أب فيسقط الإخوة، وقول أنه أخ فيشاركهم، والقول بأنه يشاركهم فيه تفاصيل طويلة عريضة، وقد يرى الإنسان أن الراجح أنه أب وهو الراجح أنه أب، فيسقط الإخوة ولا نصيب لهم معه، لكنه يبين تفاصيلها على قول من يجيزها، وإن كان الإنسان لا يرى جوازها، يعني يرى أن الراجح هو خلاف هذا القول، وهو أن الجد أب فيسقط الإخوة، لكنه يمكن أنه يشتغل في شيءٍ على قول من يرى أنه أصل فيشاركهم، يعني فيعلم الشيء وإن كان لا يراه، يكون على علم به ومعرفة به وإن كان يرى خلافه ولا يراه هو يعني يرى أنه أب فيسقط الإخوة وانتهى ولا في حاجة إلى العمليات والمسائل الكثيرة الطويلة العريضة المتعلقة بالجد والإخوة، لكن على قول من يجيز يمكن للإنسان يعني يذكرها ويذكر تفاصيلها يعني من باب العلم بالشيء وإن كان يرى خلافه، فكلمة هنا على قول من يجيزها يعني كأن المسألة أنه يفهم أنه لا يرى جوازها.
والمفاوضة فسرها ابن رشد في بداية المجتهد بأنها اتفاق بين شخصين أو أكثر على أن يبيع كل واحد منهما ويتصرف في مال الآخر، يعني يشتركون في المال والعمل، وهي ليست عناناً؛ لأن العنان يعني مبين رأس المال مخلوط يعني نصيب كل واحدٍ منهم مع الآخر.
ذكرت ذاك يخلطون العنان، وهذه يعني ما يخلطون أموالهم. ما أدري يعني أيش تفصيلها لكنه طبعاً هل من شرطها الخلطة؟ أظن أنه سيأتي يعني شيءٍ يشير إلى هذا في الكلام.
قوله: [قال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، هذا ما اشترك عليه فلان وفلان وفلان وفلان].
(أوفوا بالعقود) هذه كلمة عامة كل ما هو سائغ وجائز شرعاً وحصل ارتباط عليه يجب الوفاء به، أي عقد من العقود هذه آية عامة لفظ عام، ولهذا ذكر الشوكاني في فتح القدير نقلاً عن بعض المفسرين القدامى: أن جماعة أو أصحاب الفيلسوف الكندي قالوا: اعمل لنا مثل القرآن، يعني لو عملت لنا شيئا مثل القرآن، قال: سأعمل لكم مثل بعضه، فاختفى في بيته أياماً، وخرج يعلن فشله وعدم قدرته على أن يأتي بشيء مثل القرآن، وقال: إنني لما فتحت المصحف خرجت علي أول آية في سورة المائدة، فجعلت أفكر لآتي بشيء يماثلها أو شيء يقابلها فما استطعت؛ لأنها اشتملت على كذا وعلى كذا وعلى كذا وعلى كذا، واستثنى واستثنى، وجاء بمزاياها، فهنا (أوفوا بالعقود) كلمة عامة، (أوفوا بالعقود) أي عقد يرتبط به وهو سائغ شرعاً وجائز شرعاً يجب الوفاء به، يعني أي عقد من العقود، فهي جملة عامة تشمل أي عقد إذا كان ذلك العقد صحيح شرعاً.
قوله: [هذا ما اشترك عليه فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ وفلان، بينهم شركةً مفاوضة في رأس مالٍ جمعوه بينهم من صنفٍ واحد ونقد واحد].
جمعوه بينهم من صنف واحد، ونقد واحد.
قوله: [وخلطوه وصار في أيديهم ممتزجاً لا يعرف بعضه من بعض].
إذاً: يعني تشبه العنان، لكنها طبعاً يعني ليست هي عنان؛ لأن العنان يعني أمرها واضح، ولهذا ميز بينها وبين تلك؛ لأن هذه أطلقها وهذه قال: عند من يجيزها.
قوله: [ومال كل واحد منهم في ذلك وحقه سواء، على أن يعملوا في ذلك كله وفي كل قليل وكثير، سواءً من المبايعات والمتاجرات نقداً ونسيئةً بيعاً وشراءً، في جميع المعاملات، وفي كل ما يتعاطاه الناس بينهم مجتمعين بما رأوا، ويعمل كل واحدٍ منهم على انفراده بكل ما رأى، وكل ما بدا له جائز أمره في ذلك على كل واحدٍ من أصحابه، وعلى أنه كل ما لزم كل واحد منهم على هذه الشركة الموصوفة في هذا الكتاب من حق ومن دين، فهو لازم لكل واحد منهم من أصحابه المسمين معه في هذا الكتاب، وعلى أن جميع ما رزقهم الله في هذه الشركة المسماة فيه، وما رزق الله كل واحد منهم فيها على حدته من فضلٍ وربح فهو بينهم جميعاً بالسوية، وما كان فيها من نقيصة فهو عليهم جميعاً بالسوية بينهم، وقد جعل كل واحد].
يعني: إن هذا إذا كانوا متماثلين في رأس المال، إذا كانوا متماثلين في رأس المال يكون بالسوية، لكن لو كانوا متفاضلين ومتفاوتين تكون النقيصة على قدر رأس المال.
قوله: [وقد جعل كل واحد من فلان وفلان وفلان، كل واحد من أصحابه المسمين في هذا الكتاب معه، وكيله في المطالبة بكل حق هو له، والمخاصمة فيه وقبضه، وفي خصومة كل من اعترضه بخصومة، وكل من يطالبه بحق، وجعله وصيه في شركته من بعد وفاته، وفي قضاء ديونه، وإنفاذ وصاياه، وقبل كل واحدٍ منهم من كل واحد من أصحابه ما جعل إليه من ذلك كله، أقر فلان وفلان].
قوله: [وجعله وصيه في شركته من بعد وفاته وفي قضاء ديونه وإنفاذ وصاياه، وقبل كل واحدٍ منهم من كل واحد من أصحابه ما جعل إليه من ذلك كله].
جَعل إليه قبل كل واحد ما جعل إليه، يعني: جعل كل واحد لصاحبه، قبل كل واحد منهم ما جعل عليه لعله، الذي جعل عليه، يعني الذي أضيف إليه وأسند إليه من غيره؛ لأن كل واحد جاعل ومجعول إليه، أو قبل كل واحد منهم ما جعل، يعني غيره إذا كان الفاعل محذوف.
وقبل كل واحد منهم من كل واحد من أصحابه ما جعل؛ لأنه قال: وقبل كل واحد منهم من كل واحد من أصحابه.
يعني: ما جعل أي كل واحد من أصحابه ماشي، ضمير مستتر يرجع إلى كل واحد.
قوله: [ما جعل إليه من ذلك كله، أقر فلانٌ وفلان، وفلانٌ وفلان].
شركة الأبدان


شرح حديث عبد الله بن مسعود: (اشتركت أنا وعمار وسعد يوم بدر...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب شركة الأبدان.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان حدثني أبو إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (اشتركت أنا وعمار وسعد يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا ولا عمار بشيء)].
أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( اشتركت أنا وعمار وسعد يوم بدرٍ، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار بشيء)، شركة الأبدان هي: التي ليس فيها رأس مال، وإنما الاشتراك في الأبدان، يعني ناس خالين اليد ما عندهم شيء، ليس عندهم رأس مال، وإنما عندهم أبدانهم، فيقولون: نحن نروح نشتغل، يعني كل واحد، ندخل السوق ونلتقي في وقت الغداء، وما حصل من أي واحد منا نحن فيه شركاء، هذه شركة أبدان؛ لأن ما فيها رأس مال، ما فيها إلا العمل فقط، يعني إما يشتركون مجتمعين أو متفرقين، ويأتي هذا بشيء وهذا بشيء ويقتسمونه، هذه شركة الأبدان.
يعني: والرسول صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك، والمقصود من ذلك السلب الذي يحصل، يعني حيث يجعل السلب في حال الغزو، وإلا فإن الأسرى كما هو معلوم يعتبرون من الغنيمة، لكن قد يجعل السلب، وإذا كانوا مشتركين جعل السلب لمن يأتي به وقد اشتركوا، فإنه يكون بين الشركاء، إن أتوا جميعاً اشتركوا، وإن أتى واحد منهم فالباقيين شركاء له.
أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي فيه: أنه اشتركه عمار وسعد بن أبي وقاص يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين ولم آت أنا وعمار بشيء، وقد اشتركوا في ذلك، يعني: فالحاصل من هذين الأسيرين هو بينهما على اعتبار أنها شركة أبدان.
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن مسعود: (اشتركت أنا وعمار وسعد يوم بدر...)


قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان الثوري].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عبيدة].
هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي، صحابي جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
والإسناد فيه انقطاع؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه كما قال الحافظ في التقريب والراجح أنه لم يصح سماعه من أبيه، وعلى هذا ففيه انقطاع.
شرح أثر الزهري: (في عبدين متفاوضين كاتب أحدهما...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري: في عبدين متفاوضين كاتب أحدهما، قال: جائز إذا كانا متفاوضين يقضي أحدهما عن الآخر].أورد النسائي هذا الأثر عن الزهري في عبدين متفاوضين كاتب أحدهما، يعني حصل لأحدهما أن صار مكاتباً، قال: جائز إذا كان متفاوضين يقضي كل واحد منهما عن الآخر؛ لأن المكاتب كما هو معلوم يسعى ويأتي بمقدار معين في كل سنة على حسب النجوم أو الأقساط التي يكون عليه ويدفعها، فإذا تمكن من أنه يتصرف، وكل واحد منهما يقضي عن الآخر، ويدفع النجوم التي تلزمه في كل سنة، فإنه لا بأس بذلك.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-10-2022, 10:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد أثر الزهري: (في عبدين متفاوضين كاتب أحدهما ...)

قوله: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا ابن المبارك].علي بن حجر، مر ذكره، وابن المبارك هو: عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي، ثم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والذي يبدو من قوله: متفاوضين، أن هذه شركة مفاوضة.
تفرق الشركاء عن شركهم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [تفرق الشركاء عن شركهم].يعني: عن شركتهم.
قوله: [تفرق الشركاء عن شركهم، هذا كتابٌ كتبه فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ بينهم، وأقر كل واحدٍ منهم لكل واحد ..].
هذا الذي يسمونه مخالصة، يعني كانوا شركاء وأرادوا أن يتفاصلوا وينهوا الشركة، ويكون لكل واحد منهم بيده وثيقة، بحيث أنه يعني لا يأتي أحد في المستقبل ويقول: إن هناك شركاء عندك كذا أو باقي عندك كذا، وأنا أطالبك بكذا، يعني يكتبون وثيقة فيما بينهم أنهم متخالصين، وأن كل واحدٍ خلص من تلك الشركة، وأنه لا طريق لأحدٍ عليه فيها، يعني هذا يسمونه مخالصة.
قوله: [هذا كتاب كتبه فلان وفلان وفلان وفلان بينهم، وأقر كل واحد منهم لكل واحد من أصحابه المسمين معه في هذا الكتاب بجميع ما فيه في صحةٍ منه وجواز أمر، أنه جرت بيننا معاملات ومتاجرات وأشرية وبيوع وسلطة وشركة في أموال، وفي أنواع من المعاملات، وقروض ومصارفات وودائع وأمانات وسفاتج ومضاربات..].
يعني: الاعترافات التي موجودة بهذا، حصلت من كل واحدٍ منهم في صحةٍ من عقله، وجواز تصرفه.
وقوله: [سفاتج] هذا المقصود به جمع سفتجة، وهي الحوالة التي يعطيها المستقرض للمقرض ليقبض من نائبه أو من وكيله في مكان آخر الحق الذي له عليه، هذا يسمونه السفتجة، يعني هذا يشبه الشيك في هذا الزمان.
وهي كلمة أعجمية، يعني ليست عربية، وقد ذكرها النووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات؛ لأنه كتاب عظيم نفيس يعني أتى بالكلمات التي جاءت في فقه الشافعية، والتي تحتاج إلى بيان، وكذلك الأشخاص الذين جاء ذكرهم في كتب الشافعية، وترجم لهم وعرف بهم، فهو كتاب نفيس ومفيد، لا سيما الكلمات التي تأتي في المبايعات وفي كتب الفقه وهي غريبة، يعني يفسرها في هذا الكتاب.
قوله: [وسفاتج ومضاربات وعواري وديون ومؤاجرات ومزارعات ومؤاكرات].
مؤاكرات يعني الذي هو يعني يمكن مثل أكار الذي هو الفلاح، أو الأجير.
قوله: [وإنا تناقضنا].
هذا المقصود من العقد، تناقضنا، يعني: تخالصنا وتفاصلنا، وأنهينا الارتباط الذي بيننا.
قوله: [وإنا تناقضنا على التراضي منا جميعاً بما فعلنا، جميع ما كان بيننا من كل شركة، ومن كل مخالطة كانت جرت بيننا في نوع من الأموال والمعاملات، وفسخنا ذلك كله في جميع ما جرى بيننا في جميع الأنواع والأصناف، وبينا ذلك كله نوعاً نوعاً، وعلمنا مبلغه ومنتهاه، وعرفناه على حقه وصدقه، فاستوفى كل واحد منا جميع حقه من ذلك أجمع وصار في يده، فلم يبق لكل واحد منا قبل كل واحدٍ من أصحابه المسمين معه في هذا الكتاب، ولا قبل أحد بسببه ولا باسمه حق ولا دعوى ولا طلبة].
أنا قلت: يعني طلبة، وقد راجعت القاموس ووجدت أنها طلبة بالكسر، يعني ما يطلبه الإنسان، يعني ليس معناه لأحد أن يطالبه، يعني وليس له طلبة، يعني: لا يطالبه بشيء، يعني لا يدعي عليه، ولا يطالبه بشيء، هي الآن السائغ يعني عند الناس ليس له دعوى ولا طلبة، هكذا يعني سائغ عند العوام، يقولون: يعني ما له دعوى ولا طلبة، يعني.. وهي طلِبَة، يعني هذا لفظ قديم مستعمل، والناس يستعملونه الآن بينهم العوام يقولون هكذا، يعني ما له دعوى ولا طلبة.
قوله: [لأن كل واحدٍ منا قد استوفى جميع حقه، وجميع ما كان له من جميع ذلك كله، وصار في يده موفراً، أقر فلان..].
يعني حقه بيده موفراً، يعني ما له عند الآخرين أي شيء.
قوله: [أقر فلان وفلان وفلان وفلان].
يعني: أنهم أقروا بهذا الذي أبرموه بما بينهم، وقد تخالصوا وانتهى بعضهم من بعض، ولم يبق لأحد على أحد شيء، فلا يأتي له في المستقبل يقول: أنت عندك كذا، وأنا عندي كذا، وأنا باقي كذا، يعني يبرز هذه الوثيقة ويتخلص منه.
تفرق الزوجين عن مزاوجتهما


قال المصنف رحمه الله تعالى: [تفرق الزوجين عن مزاوجتهما].هذا الخلع.
قوله: [قال الله تبارك وتعالى: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، هذا كتابٌ كتبته فلانة بنت فلان بن فلان في صحة منها وجواز أمر لفلان بن فلان بن فلان: إني كنت زوجة لك، وكنت دخلت بي فأفضيت إلي، ثم إني كرهت صحبتك، وأحببت مفارقتك عن غير إضرار منك بي، ولا منعي لحق واجب لي عليك].
يعني: ما قصرت في شيء، ولكني ما في قلبي لك مودة، أنا كرهتك وأبغضتك، وليس في قلبي لك مودة، وأنت ما قصرت في نفقة، ولا منعت حقاً لي عليك، بل أنت مؤد ما هو مطلوب منك، ولكن لا أجد في نفسي مودة لك،
قوله: [وإني سألتك عندما خفنا أن لا نقيم حدود الله أن تخلعني، فتبينني منك بتطليقة بجميع مالي عليك من صداق، وهو كذا وكذا ديناراً جياداً مثاقيل، وبكذا وكذا ديناراً جياداً مثاقيل أعطيتكها].
أي: هي متساوية لكن ما أدري يعني هل المقصود به يعني النوعين أو أن أحدهما مكرر.
قوله: [أعطيتكها على ذلك سوى ما في صداقي، ففعلت الذي سألتك منه، فطلقتني تطليقةً بائنة بجميع ما كان بقي لي عليك من صداقي المسمى مبلغه في هذا الكتاب، وبالدنانير المسماة فيه سوى ذلك، فقبلت ذلك منك مشافهة لك عند مخاطبتك إياي به، ومجاوبةً على قولك من..].
يعني: إيجاب وقبول، يعني خادعتك وقالت: إني قبلت، نعم، ووافقت.
قوله: [ومجاوبةً على قولك من قبل تصادرنا عن منطقنا ذلك].
من قبل تصادرنا، يعني: انفضاضهم أو إعراضهم عن منطقهم، يعني قبل أن ينتهي الكلام الذي بينهم، وقبل تفرقهم من المجلس، يعني فيه إشارة إلى يعني الانصراف في الكلام، والانصراف من المجلس قبل تصادرنا من منطقنا.
قوله: [ودفعت إليك جميع هذه الدنانير المسمى مبلغها في هذا الكتاب الذي خالعتني عليها وافيةً سوى ما في صداقي، فصرت بائنةً منك مالكةً لأمري بهذا الخلع الموصوف أمره في هذا الكتاب، فلا سبيل لك علي ولا مطالبة ولا رجعة، وقد قبضت منك جميع ما يجب لمثلي ما دمت في عدة منك، وجميع ما أحتاج إليه بتمام ما يجب للمطلقة التي تكون في مثل حالي على زوجها الذي يكون في مثل حالك، فلم يبق لواحد منا قبل صاحبه حق ولا دعوى ولا طلبة، فكل ما ادعى واحد منا قبل صاحبه من حق ومن دعوى ومن طلبة بوجه من الوجوه، فهو في جميع دعواه مبطل، وصاحبه من ذلك أجمع بريء، وقد قبل كل واحد منا كل ما أقر له به صاحبه، وكل ما أبرأه منه مما وصف في هذا الكتاب مشافهةً عند مخاطبته إياه قبل تصادرنا عن منطقنا، وافتراقنا عن مجلسنا الذي جرى بيننا فيه، أقرت فلانة وفلان].
الكتابة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [الكتابة: قال الله عز وجل].الكتابة يعني: المكاتبة بين السيد وعبده على أن يحضر له مقداراً من المال منجماً، وإذا سدد آخر قسط فإنه يكون حراً بموجب عقد الكتابة.
قوله: [قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33]. هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في صحة منه وجواز أمر لفتاه النوبي الذي يسمى فلاناً، وهو يومئذٍ في ملكه ويده، إني كاتبتك على ثلاثة آلاف درهم].
النوبي جنس يعني من النوبة.
قوله: [إني كاتبتك على ثلاثة آلاف درهم وضح جياد وزن سبعة منجمة عليك ست سنين متواليات، أولها مستهل شهر كذا من سنة كذا، على أن تدفع إلي هذا المال المسمى مبلغه في هذا الكتاب في نجومها، فأنت حر بها].
يعني: إذا دفعت آخر قسط أنت حر، بمجرد ما يدفع آخر قسط يكون حراً.
قوله: [لك ما للأحرار وعليك ما عليهم، فإن أخللت شيئاً منه عن محله بطلت].
عن محله، يعني: ما سدد في القسط في وقته، فإنها تبطل الكتابة.
قوله: [فإن أخللت شيئاً منه عن محله بطلت الكتابة، وكنت رقيقاً لا كتابة لك، وقد قبلت مكاتبتك عليه].
الشيخ: وهذا المال الذي حصل هو كسب عبده، ومن المعلوم أن كسب العبد للسيد، ولم يوف بالكتابة التي بينهم، فيرجع على ما هو عليه من الرق.
قوله: [وقد قبلت مكاتبك على الشروط الموصوفة في هذا الكتاب قبل تصادرنا عن منطقنا، وافتراقنا عن مجلسنا الذي جرى بيننا ذلك فيه، أقر فلان وفلان].
تدبير


قال المصنف رحمه الله تعالى: [تدبير: هذا كتاب].التدبير هو: العتق بعد الموت، كون الإنسان يجعل عتق عبده مرتبطاً بوفاته، قيل له: تدبير؛ لأنه جعل بعد الموت، والموت دبر الحياة.
قوله: [هذا كتاب كتبه فلان بن فلان بن فلان لفتاه الصقلي الخباز الطباخ، الذي يسمى فلاناً، وهو يومئذٍ في ملكه ويده: إني دبرتك لوجه الله عز وجل ورجاء ثوابه، فأنت حرٌ بعد موتي، لا سبيل لأحد عليك بعد وفاتي إلا سبيل الولاء].
وهذا طبعاً يكون من الثلث إذا كان وصية، فإنه يكون من الثلث، يعني حيث وفى به الثلث، فيكون مدبراً ويكون من الثلث.
قوله: [فأنت حر بعد موتي لا سبيل لأحد عليك بعد وفاتي إلا سبيل الولاء فإنه لي ولعقبي].
سبيل الولاء لا شك أن الولاء لمن أعتق، ولعقبه من بعده؛ لأن الولاء يورث.
قوله: [إلا سبيل الولاء فإنه لي ولعقبي من بعدي، أقر فلان بن فلان بجميع ما في هذا الكتاب طوعاً في صحة منه، وجواز أمر منه، بعد أن قرئ ذلك كله عليه بمحضرٍ من الشهود المسمين فيه، فأقر عندهم أنه قد سمعه وفهمه وعرفه وأشهد الله عليه، وكفى بالله شهيداً].
يعني: حتى لا يقول الورثة: أنه يعني ما في عتق ولا في كذا، يعني فيه توثيق.
قوله: [ثم من حضره من الشهود عليه، أقر فلانٌ الصقلي الطباخ في صحة من عقله وبدنه، أن جميع ما في هذا الكتاب حقٌ على ما سمي ووصف فيه].
وإقراره ما هو لازم، إقرار العبد المدبر ليس لازماً، وإنما المهم إقرار المدبر.
عتق


قال المصنف رحمه الله تعالى: [هذا كتاب كتبه فلان بن فلان طوعاً في صحة منه وجواز أمر، وذلك في شهر كذا من سنة كذا، لفتاه الرومي الذي يسمى فلاناً، وهو يومئذ في ملكه ويده: إني أعتقتك تقرباً إلى الله عز وجل وابتغاء لجزيل ثوابه].هذا عتق ناجز، يعني: أنه في الحال أنه يعتق، بخلاف الذي قبله يكون بعد الموت.
قوله: [عتقاً بتاً لا مثنوية فيه ولا رجعة لي عليك، فأنت حر لوجه].
هذا زيادة في التوثيق، وإلا يكفي إن قلنا: عتقتك.
قوله: [فأنت حر لوجه الله والدار الآخرة، لا سبيل لي ولا لأحدٍ عليك إلا الولاء، فإنه لي ولعصبتي من بعدي].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-10-2022, 11:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب عشرة النساء

(490)



- باب حب النساء - باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض




إن ميل الزوج إلى بعض أزواجه دون البعض الآخر جبلة بشرية، يتعلق بالميل القلبي، إلا أن ذلك ليس عذراً في وجود الميل الآخر وهو المعاملة والمبيت والنفقة.
عشرة النساء، حب النساء


شرح حديث أنس: (حبب إلي من الدنيا: النساء والطيب...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب عشرة النساء، باب: حب النساء.يقول الراوي: حدثنا الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن النسائي أخبرنا الحسين بن عيسى القومسي حدثنا عفان بن مسلم حدثنا سلام أبو المنذر عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حبب إلي من الدنيا: النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة)].
يقول النسائي رحمه الله: كتاب عشرة النساء، هذا الكتاب المقصود به: معاملة الأزواج للزوجات، عشرة النساء، أي: كيف تكون معاشرة الأزواج لزوجاتهم، وكيف يكون التعامل معهن، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، وهذا الكتاب الذي أورده (عشرة النساء)، أو جاء في بعض النسخ أنه بعد كتاب النكاح، وفي بعض النسخ أنه بعد كتاب الأيمان والنذور، والمزارعة، وكونه بعد كتاب النكاح، ألصق به وهو الأنسب؛ لأن هذا يتعلق بالنكاح، ومعاشرة النساء بعدما يحصل الزواج، أي: كيف يعاشرهن؟ فذلك هو المكان المناسب لوضعه، ولكنه في بعض النسخ جاء فيه هذا الموطن الذي هو بعد الأيمان، والنذور، والمزارعة.
أورد النسائي تحت هذه الترجمة باب حب النساء، أي: محبتهن، والميل إليهن، وقد أورد النسائي فيه حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (حبب إليّ من الدنيا النساء، والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة)، فهذا الحديث يدل على النساء، والطيب حبب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتحبيب الطيب له؛ لأنه عليه الصلاة والسلام هو أطيب الناس، وخير الناس، وكان يحب الطيب، ومن أحب الشيء إليه الطيب، وكان يحب الرائحة الطيبة، ويكره الرائحة الخبيثة، ولهذا سبق أن مر بنا في قصة عائشة، وحفصة، وما قالتاه عن العسل الذي كان يشربه عند زينب، وأنهما تواطأتا على أن تقولا: أنهما يشمان ريح مغافير، وهي رائحته ليست طيبة، والنبي صلى الله عليه وسلم تركه ولم يعد إليه؛ لأنه يكره الرائحة الكريهة، ويحب الرائحة الطيبة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
والنساء حببت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك أمور لا يفصح بها، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس حياءً، فكان أن حبب إليه النساء والزواج بهن، بل خص عن غيره من الأمة بكثرتهن، والزيادة على الأربع، وذلك ليحصل منهن تحمل الشريعة في الأمور الباطنة، والأمور الخفية التي لا يطلع عليها الرجال، والتي تكون بين الرجل وأهله، وتكون بينه وبين زوجه، فإنهن ينقلن للناس المعاملة التي كان يعاملهن بها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولهذا كانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كانت أحفظ النساء لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا سيما في الأمور البيتية، والأمور الخاصة التي تكون بين الرجل وزوجه، فكانت من أوعية السنة، من أكثر الصحابة حفظاً لها، بل إن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعة أشخاص: ستة رجال، وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ومن فضائلها أنها تحملت الشيء الكثير من سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأخذت تلك السنن عنها، فلها أجور تحمل تلك السنن وتأديتها، ولها مثل أجور كل من عمل بهذه السنن التي جاءت من طريقها، والتي أخذتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغتها للناس إلى قيام الساعة، وإلى نهاية الدنيا، كل من عمل بهذه السنن التي جاءت من طريقها، فلها مثل أجورهم جميعاً رضي الله عنها وأرضاها، وهذا من كمال فضلها، وفيه زيادة أجرها، وزيادة ثوابها، وعلو منزلتها عند الله عز وجل، رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
وتحبيب النساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس كله منحصراً في الشهوة والرغبة للنساء، وإنما كان في الغالب من أجل أنهن الوسيلة، وهن الطريق إلى حفظ السنة لا سيما فيما يتعلق في البيوت، وغير البيوت، لكن البيوت من خصائصهن رضي الله عنهن وأرضاهن، (حبب إليّ من الدنيا النساء والطيب)، وقيل: إن (من) بمعنى فيه؛ لأن هذا القصد، وهذا الشيء الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم هو من الدين؛ لأن حفظ الشريعة، ونقل الشريعة، وتحمل الشريعة هو من الدين، وعلى هذا فيقول: (حبب إليّ في الدنيا النساء والطيب)، أي: إذا كانت من بمعنى فيه، أي: أن هذه في الدنيا، ولكن المقصود منها هو الدين، وعلى أن (من) باقية على بابها فهي من أمور الدنيا، والنساء، والطيب مما حبب إلى الناس جميعاً، ولكن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تتميز على غيرها بأن فيها قصد أعظم، وأشرف، وأجل، ألا وهو تحمل هذه الشريعة، وتحمل هذا الدين، ونقله إلى الناس، ولا سيما في الأمور الخاصة التي تقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، فإن هذا لا يتأتى إلا عن طريق النساء.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وجعلت قرة عيني في الصلاة)، قرة عينه أنسه، وسروره، وراحته، وطمأنينته إنما هو بالصلاة، وكان عليه الصلاة والسلام يفزع إلى الصلاة إذا حزبه أمر، وإذا أصابه شدة، وذلك لأنها قرة عينه، وبها أنسه، وبها راحته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يدلنا على عظم شأن الصلاة، وأن شأنها عظيم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفزع إليها يناجي الله عز وجل، وهذه الصلاة التي هي قرة العين هي التي فيها الخضوع، والخشوع، وفيها مراقبة الله سبحانه وتعالى، والإتيان بها على الوجه الأكمل، وعلى الوجه الأفضل، هذا هو الذي تكون به قرة العين، وأما مع السهو ومع الغفلة، فإن هذا يكون ليس فيه هذا الأمر، ولا يتحقق فيه هذا الأمر، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان أنسه، وراحته، وفرحه، وفزعه إنما هو إلى الصلاة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو يدل على عظم شأنها، وأن شأنها عظيم عند الله عز وجل، وعند رسوله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (حبب إلي من الدنيا: النساء والطيب...)

قوله: [يقول الراوي:حدثنا الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن النسائي].يقول الراوي، أي: الذي هو تلميذ النسائي، والذي يروي عن النسائي، والنسخة أو الرواية الموجودة رواية ابن السني، فالذي يقول هذا هو ابن السني الذي يروي عن النسائي السنن، وهو في بعض الأحيان يفصح بشيخه كما هنا، ويذكر شيخه وهو من كلام التلميذ، وإلا فإن كلام الشيخ يبدأ من قوله: أخبرنا الحسين بن عيسى، هذا هو بدء كلام النسائي، وهو في مواضع نادرة وقليلة جداً يذكر اسم شيخه فيقول: حدثنا الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن النسائي، قال: حدثنا فلان.
أبو عبد الرحمن هو: أحمد بن شعيب النسائي، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الأخرى؛ لأن بعض أصحاب السنن يروي بعضهم عن بعض، ويكون لهم ذكر في الكتب الأخرى، وأما النسائي فإنه ليس له ذكر، وذلك لأنه متأخر، هو آخر الأئمة وفاة، بل بينه وبين أواخرهم سنوات كثيرة؛ لأن ثلاثة من أصحاب السنن بين السبعين إلى الثمانين وفاياتهم، وهو تأخر عنهم جميعاً بثلاث وعشرين سنة؛ لأنه توفي سنة ثلاثمائة وثلاث، وعلى هذا فلا أحد يروي عنه؛ لأنه متأخر، بخلاف غيره، فإنه يمكن أن يأتي ذكره عندما تأتي تراجمه يذكر أن له ذكر في كتاب كذا، وأنه يعني روى عنه فلان، وأنه من رجال فلان، وهكذا.
[أخبرنا الحسين بن عيسى].
هو الحسين بن عيسى القومسي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا عفان بن مسلم].
هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سلام أبو المنذر].
هو سلام بن سليمان أبو المنذر، صدوق له أوهام، أخرج له الترمذي، والنسائي.
[عن ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو: أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى توفاه الله عز وجل، وكان عمره صغيراً، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فعمر حتى كان من آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاة، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبو سعيد، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال، وامرأة واحدة، هؤلاء السبعة هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
حديث: (حبب إليّ النساء والطيب..) من طريق أخرى وتراجم رجال إسنادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن مسلم الطوسي حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حبب إليّ النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)].ثم أورد النسائي حديث أنس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله: (حبب إليّ النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)، فهو مثل الذي قبله، من حيث المتن، واشتماله على هذه الأمور الثلاثة المحببة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [أخبرنا علي].
هو علي بن مسلم الطوسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي. وفي أكثر النسخ المطبوعة صدوق وهو خطأ مطبعي. أما كونه ثقة كما نسخة الأشبال.
[حدثنا سيار].
هو سيار بن حاتم العنزي، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا جعفر].
هو جعفر بن سليمان الضبعي، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا ثابت عن أنس].
وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
شرح حديث: (لم يكن شيء أحب إلى رسول الله بعد النساء من الخيل)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (لم يكن شيءٌ أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد النساء من الخيل)].أورد النسائي حديث أنس رضي الله عنه: (لم يكن شيءٌ أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل)، والمقصود منه ذكر النساء، وحب النبي صلى الله عليه وسلم إياهن، وأنهن حببن إليه، والترجمة هي حب النساء، فهو دال على الترجمة من حيث أن النساء محببة إليه، وأنه حبب إليه النساء، وفيه أنه بعد حب النساء كان يحب الخيل، وذلك لأنهن وسيلة الجهاد في سبيل الله عز وجل، وإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ: (الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، والحديث سبق أن مر في كتاب الخيل.
تراجم رجال إسناد حديث: (لم يكن شيء أحب إلى رسول الله بعد النساء من الخيل)


قوله: [أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله].صدوق، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[حدثني أبي].
هو حفص بن عبد الله بن راشد السلمي، وهو صدوق، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وفيه زيادة ابن ماجه على الذين خرجوا لابنه.
[حدثني إبراهيم بن طهمان].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي عروبة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
وقتادة مدلس، وسعيد بن أبي عروبة مدلس.
ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض


شرح حديث: (من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل)].
أورد النسائي ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، المقصود بالميل هنا: كونه يميل إليها بالفعل أي فعلاً، أما الميل القلبي الذي ليس في يد الإنسان، فهذا ليس هو المعني، وليس هو المقصود، وإنما المقصود كونه يملك شيئاً، ومع ذلك يحصل منه الميل، وعدم العدل؛ لأنه قادر على العدل، ولكنه مع ذلك لا يفعله، بل يحصل منه ضده، وهو الجور، والميل، الميل الفعلي، كونه يميل إلى المرأة، ويخصها بشيء دون غيرها، سواءً كان بالعطاء، أو بالقسم مما يملكه الإنسان، هذا هو المقصود بالميل الذي ترجم له، وأورد الحديث للاستدلال عليه.
وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له امرأتان
يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل)، وذكر المرأتين لا مفهوم له من حيث أن الحكم مقصور على المرأتين، بل من كان له ثلاث أو أربع فالحكم واحد، إذا مال لبعضهن عن بعض؛ لأن فيه الحيف، وفيه الجور، وفيه الظلم، لكن المقصود هنا الحد الأدنى أو الإشارة إلى الحد الأدنى أنه يتأتى الميل يعني أدنى ما يتأتى الميل في اثنتين أو بين اثنتين بأن يميل إلى واحدة دون الأخرى، هذا هو المقصود من ذكر الاثنتين، فهو ليس له مفهوم من حيث العدد، وأن الأمر يختلف لو كان ثلاث أو أربع، فإذا كن ثلاث أو أربع فالحكم واحد، إذا وجد الميل إلى بعضهن دون بعض، فإن التي ميل عنها قد حصل لها الظلم، وحصلت لها الإساءة، فيعامل يوم القيامة بأن يأتي وشقه مائل، والجزاء من جنس العمل؛ لأنه لما حصل منه ميل في الدنيا من جهة أنه رجح أحد على أحد بفعله، وقدرته، ومشيئته، وإرادته، وهو شيء يملكه، ويستطيعه، وفيه عدم توازن، فإنه يأتي يوم القيامة وهو غير متوازن، بمعنى أن أحد الشقين يكون مائلاً، ويكون هذا من قبيل الجزاء من جنس العمل؛ لأنه لما مال في الدنيا جاء يوم القيامة وفيه ميل أحد شقيه لعدم التوازن، ليكون علامة على عدم عدله بين نسائه، وعلى جوره فيهن، وكثيراً ما يأتي في النصوص ذكر الجزاء من جنس العمل كما جاء في الحديث: (من نفس عن مسلم كربة نفس الله عنه بها كربة، ومن ستر مسلماً ستره الله، ومن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، الجزاء من جنس العمل، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وكما جاء (أتى محرماً عذب به)، أي: الذي أكل سماً يتحساه يوم القيامة في نار جهنم، والذي قتل نفسه بحديدة تكون حديدته في يده، فالجزاء من جنس العمل الذي عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، هكذا جاء في كثير من النصوص مثل هذا المعنى الذي جاء في الحديث، وهو أن الجزاء يكون من جنس العمل، وكما عرفنا هذا الميل الذي جاء في الحديث المقصود به الميل المقدور على تلافيه، وأن الإنسان يقدر على العدل، ولكنه ترك العدل، وجار، ومال، فإنه يعاقب بهذه العقوبة بأنه يأتي وفيه هذه العلامة التي فيها عدم توازنه ورجحان أو ميل أحد جانبيه عن بعض، كما حصل منه الميل في الدنيا يحصل ميل جسده وأحد شقيه على الآخر، بأن يكون فيه هبوط، ونزول، وميل.
تراجم رجال إسناد حديث: (من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل)


قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا عبد الرحمن].
هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وكان ناقداً، ومتكلماً في الرجال كـالفلاس كثيراً ما يأتي في كتب التراجم: وثقه الفلاس، أو ضعفه الفلاس، أو وثقه ابن مهدي؛ لأنه من أئمة الجرح والتعديل، وقد ذكر الذهبي في كتابه: من يعتمد قوله في الجرح والتعديل أن يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي إذا اجتمعا على جرح شخص، فإنه يعول على كلامهم، وقد عبر عنه بعبارة فقال: إنهما إذا اجتمعا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه. معناه: أنهما يصيبان الهدف إذا اتفقا على جرح شخص، وعبد الرحمن بن مهدي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام].
هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
وقد مر ذكره.
[عن النضر بن أنس].
ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بشير بن نهيك].
ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، والسبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو هريرة رضي الله عنه هو أكثرهم حديثاً، ولم يرو أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما روى أبو هريرة في الكثرة، وكان متأخر الإسلام، وكان إسلامه في السنة السابعة عام خيبر، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم مدة وجيزة، ومع ذلك فقد كان أكثر الصحابة حديثاً، وأحاديثه التي تحملها منها ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها ما يرويه عن الصحابة، ومراسيل الصحابة كما هو معلوم حجة وعمدة يعول عليها، وقد حصل لـأبي هريرة من السبب أو الأسباب التي جعلته يكثر حديثه من جهات متعددة، من جهة أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له بالحفظ، ومن جهة أنه كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا يذهبون لحوائجهم، ويذهبون لتجاراتهم ومزارعهم، وبساتينهم، وأعمالهم الخاصة، وأما أبو هريرة فهو ملازمه، يأكل مما يأكل، ويشرب مما يشرب، ويذهب معه أين ما ذهب، فكان ما يحصل من النبي صلى الله عليه وسلم يأخذه، ويتلقاه، ويحفظه، ويعيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حصل له أمر آخر، وهو أنه عاش في المدينة، ومكث في المدينة، ولازم المدينة، وكان الناس يأتون إلى المدينة ويصدرون عنها، ومن يأتي إلى المدينة يلقاه، ويأخذ عنه، ويعطيه إذا كان عنده شيئاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، فكانت هذه الأمور من الأسباب التي جعلته أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه، ولهذا فلا وجه للحاقدين الذين يبحثون عن العيوب التي يلصقونها في الصحابة، بحيث يبغضونهم، ويكرهونهم، ويذمونهم، ويشتمونهم، ويبحثون عن العيوب التي يلصقونها بهم، ويتشبثون بمثل هذه الأمور؛ لأن أبا هريرة أسلم متأخراً، والصحابة الذين هم من أقدم الناس إسلاماً، بل أقدم الناس إسلاماً ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما روى، لا سيما الخلفاء الراشدون الأربعة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن المعلوم أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم تقدمت وفاتهم، فأبو بكر عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم سنتين وأشهر، وعمر عاش اثنا عشر سنة، وعلي رضي الله عنه عاش وهو أكثرهم مدة ثلاثين سنة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أبا هريرة عاش مثلها أو أكثر منها، وكان ملازماً المدينة، ولهذا كان أكثر الصحابة على الإطلاق، فكلام الحاقدين، وكلام أعداء الدين الذين يتشبثون بمثل هذا الكلام، ما يدفعهم على ذلك إلا الحقد، وكون أبي هريرة يروي الكثير من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هم لا يريدونه، ولا يعبئون به، ولا يقيمون له وزناً، بل لا يقيمون وزناً لمن هو أجل وأعظم منه، كـأبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. وأعني بذلك الرافضة الذين هم من أشد الناس بعداً عن الحق والهدى.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-10-2022, 11:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح حديث: (كان رسول الله يقسم بين نسائه ثم يعدل ثم يقول: اللهم هذا فعلي فيما أملك...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يزيد أخبرنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم بين نسائه ثم يعدل، ثم يقول: اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، أرسله حماد بن زيد]. أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، أي: بذلك أنه كان يقسم بينهن بالفعل فعلاً، وأما ما يقوم بالقلب من الميل، ومن المحبة أكثر، فهذا شيء لا يملكه، ولكنه صلى الله عليه وسلم مع ما جعل في قلبه من محبة بعض نسائه أكثر من بعض كان يعدل بينهن، وهو أعظم الناس عدلاً، بل هو القدوة عليه الصلاة والسلام في هذه الخصلة، وفي جميع خصال الخير صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكان يعدل بين نسائه في القسم، وفي المعاملة التي هي من فعله وكسبه، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يريد أن يرغب عن بعض نسائه، ومنهن سودة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فأرادت أن تبقى في عصمته ولو لم يقسم لها، ووهبت نوبتها لـعائشة رضي الله عنها وأرضاها، فكان يقسم لـعائشة نوبتين ولكل واحدة نوبتها، فكان لها نوبتها، ونوبة سودة، وحصل ذلك بإذنها وبموافقتها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أرادت أن تبقى في عصمته، وأن تكون من أمهات المؤمنين، وإن لم يكن لها ما يكون لغيرها من القسم، يعني تنازلت ورغبت أن تبقى في عصمته، ولا تريد أن يطلقها، وتخرج من عصمته، بل تبقى تحت عصمته وكونه زوجاً لها، وأن تكون من أمهات المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها في الدنيا والآخرة، المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقسم فيعدل في فعله، وفي ما يقدر عليه، وفي ما هو مكلف فيه،، ولو كان بعضهن أحب إليه من بعض، إلا إنه كان يقسم بينهن، ويعدل بينهن، وأما ميل القلب فليس إليه ولا يملكه، وهذا شيء طبع الله عليه الناس، وفي مقدمتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير النساء أو أفضل أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خديجة، وعائشة رضي الله عنهن وأرضاهن، وكان يحبهن، فخديجة كان يحبها، وكان يذكرها كثيراً بعد وفاتها، وكان إذا صنع طعاماً أهدى إلى صديقاتها، كل ذلك من محبته لها، وميله إليها صلوات الله وسلامه عليه ورضي الله عنها وأرضاها.
قوله: [(اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)]، أي: الذي هو القلب، والذي هو ما يقوم بالقلب، ومن المعلوم أن هذا ليس إليه، وإنما هذا إلى الله عز وجل؛ لأن هذا هو الذي يقذف في القلوب المحبة الشديدة، أو الخفيفة، أو البغض، كل هذا من الله سبحانه وتعالى، لا يستطيع الإنسان، بل يمكن أن يكون الإنسان يبغض فيريد يعني المحبة، ولا يستطيع أن يحصلها؛ لأن هذا يملكه الله سبحانه وتعالى، والله تعالى هو الذي يقدر عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقسم بين نسائه ثم يعدل ثم يقول: اللهم هذا فعلي فيما أملك...)


قوله: [أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم هو المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا يزيد].
هو يزيد بن هارون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا حماد بن سلمة].
ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة].
هو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، كثير الإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن يزيد].
هو عبد الله بن يزيد الخطمي، وهو صحابي صغير، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.
والذي في كتب الرجال إسناد هذا الحديث إلى عبد الله بن يزيد رضيع عائشة، بل نص عليه في روايته أو في ترجمته؛ لأنه مقل من الرواية؛ لأنه ما روى إلا عن عائشة، وما روى عنه إلا أبو قلابة، والذي له في مسلم، والسنن الأربعة حديثان: أحدهما في فضل من مات وصلى عليه مائة، والثاني هذا الحديث، وهو عند أصحاب السنن الأربعة. لكنه قد جاء في إسناد أبي داود: عبد الله بن يزيد الخطمي، وجاء في إسناد أبي داود نسبته الخطمي، ولم يذكر بترجمة عائشة أنه روى عنها عبد الله بن يزيد الخطمي، وإنما الذي روى عنها ممن يسمى عبد الله بن يزيد شخص واحد الذي هو رضيع عائشة، وعلى هذا فيكون عبد الله بن يزيد رضيع عائشة، وهو وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات وقال عنه البخاري: إنه ثقة، يكون هو الراوي لهذا الحديث؛ لأنه ذكر في ترجمته، وكلمة الخطمي التي جاءت في إسناد أبي داود، لا أدري ما وجهها؟ هل يكون عبد الله بن يزيد هذا خطمي، وخطم أي: جميع أهل الأنصار، أو قبيلة من الأنصار، أو فخذ من الأنصار، أو أنه خطأ؟ والمزي في تحفة الأشراف لما ذكر في ترجمته قال: وفي إسناد أبي داود قال عنه: الخطمي، فالحاصل: أنه ينص أو يذكر عند ذكره في الإسناد بأن يقال: هو رضيع عائشة، وهو تابعي ثقة، وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات.
وهذا الحديث سبق أن ذكرت أن الشيخ الألباني ضعفه، وقد ذكره في إرواء الغليل، وذكر أن إسناده ظاهره الصحة، وأن جميع الأئمة صححوه، قال: لكن المحققين من العلماء رجحوا أنه مرسل، وأخذوا بما أشار إليه النسائي في آخر الحديث حيث قال: أرسله حماد بن زيد، وقال: إن الذي وصله أسنده حماد بن سلمة، والذي أرسله حماد بن زيد، إذ روى بإسناده إلى أبي قلابة، ثم عزا حديثه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحذف عائشة، وحذف عبد الله بن يزيد فصار مرسلاً، والترمذي قال لما ذكر المتصل، وذكر أن جماعة رووه يعني حماد بن زيد وغيره رووه مرسلاً، قال: والمرسل أصح، الحاصل إن الكلام حول تضعيف الحديث من جهة ترجيح الإرسال على الوصل، هي مسألة مختلف فيها بين أهل العلم، من العلماء من يرجح أن من أسند، ومن وصل، فإن معه زيادة علم على من أرسل، فيقبل ما جاء به، ومنهم من قال: إن هذا ثقة، وهذا أوثق، فيكون ما جاء عن الأوثق، وعن الذي هو حماد بن زيد، يكون هو المعتبر، وعلى هذا فوجه إعلال الحديث من جهة أن حماد بن زيد أرسله، وحماد بن سلمة هو الذي وصله، والذين ضعفوه رجحوا المرسل على المسند، والذين صححوه رأوا أن مع المسند زيادة علم على من أرسل فيؤخذ بها، والحافظ حجة على من لم يحفظ.
[عن عائشة].
أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق التي حفظت الكثير من السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي أنزل الله عز وجل براءتها مما رميت به من الإثم من الإفك في آيات تتلى من سورة النور، وكانت مع هذا الفضل لها تتواضع لله عز وجل، وتقول عن نفسها: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى. أي: أنا أستحق أن ينزل في قرآن؟ وهذا شأن أولياء الله عز وجل، عندهم الكمال، والتواضع، بخلاف الدجالين أو بعض الدجالين الذين يدعون الولاية عندهم فهم بالحضيض، ويترفعون، ويدعون الناس إلى عبادة أنفسهم، فشأن أولياء الله عز وجل أنهم مع علوهم ورفعتهم يتواضعون لله، فهذه الصديقة بنت الصديق التي لها ما لها من المنزلة، ولها ما لها من الفضل، تقول عن نفسها: كنت أتمنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه في المنام، فيرى رؤيا يبرئني الله عز وجل بها عن طريقها، ورؤيا الأنبياء وحي وحق، لكن الذي حصل أنه نزل القرآن بآيات تتلى في براءتها، وتقول عن نفسها: ولشأني في نفسي أهون، أنا كنت أتمنى أنه يرى الرسول رؤيا يبرئني الله بها، ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى، هذا شأن أولياء الله، كمال، وتواضع، رفعة، وعلو، وتواضع لله عز وجل، و(من تواضع لله رفعه الله)، كما جاء ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والحديث تكلم فيه الألباني من جهة طرفه الأخير الذي هو قوله: [(فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)] وأما طرفه الأول، وهو كونه يقسم ويعدل، فهذا ثابت من وجوه كثيرة، ومن ذلك ما أشرت إليه بالنسبة لـسودة أنه كان لما أراد أن يطلقها تنازلت عن نصيبها من القسم لتبقى في عصمته؛ لأنه يقسم لنسائه عليه الصلاة والسلام، ولا يترك القسم لهن إلا بحصول الرضا من التي يرغب عنها، كما حصل لـسودة رضي الله عنها وأرضاها، وكونه يعدل بين نسائه ويقسم بينهن، هذا ثابت بهذا الحديث وبغيره.
ثم قال: [أرسله حماد بن زيد]، وكانت من عادة النسائي أنه إذا أتى بمثل هذه الجملة، يذكر الإسناد الذي فيه حماد بن زيد، وفيه إرسال حماد بن زيد، لكنه هنا ما ذكره، وقد ذكر في تحفة الأشراف: أن حماد بن زيد أرسله، من أبي قلابة، أي: يكون الإرسال من جهة أبي قلابة، فالإسناد إلى أبي قلابة ثم يكون الإرسال، ولكنه من طريق حماد بن زيد، أي الإرسال أو الإسناد الذي رويا فيه هذا الحديث من طريق أبي قلابة، أي رواه حماد بن زيد بإسناده إليه وأرسله الذي هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، أي أرسله ولم يسنده ولم يذكر ما فوقه، وإنما أرسله ولم يكن متصلاً فيما فوقه، فهذا هو المقصود بكونه أرسله، لكن هذا خلاف عادة النسائي؛ لأنه كثيراً ما يذكر النسائي: أرسله فلان أو خالفه فلان، ثم يذكر إسناداً آخر فيه توضيح هذا الإرسال، وتوضيح تلك المخالفة، وهذا هنا لم يأت على هذه الطريقة، بل خرج إلى باب آخر لا علاقة له في هذا الحديث، وفي هذا الموضوع.
الأسئلة


وضع اليدين في الصلاة أثناء الجلوس


السؤال: أحسن الله إليك، هذا سائل يقول يسأل عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم حديث: (نهى رجلٌ وهو جالسٌ على يده اليسرى في الصلاة، وقال: إنها صلاة اليهود)، هل النهي عام أم في الصلاة فقط؟

الجواب: هذه الهيئة وغيرها كلها لا يجوز أن تفعل في الصلاة؛ لأن الهيئة في الصلاة هي أن توضع اليدان على الفخذين أو على الركبتين، ولا يجوز أن توضع في مكان آخر، بل حتى لو وضع يديه على الأرض هكذا بدل ما يضعها على وراءه أو كذا لو وضع يديه على الأرض، ليس له ذلك؛ لأن هيئة الصلاة معلومة، فلا يفعل سواها، واليدان توضع على الركبتين، وعلى الفخذين، في الجلوس، وفي التشهد توضع على الفخذين، والركبتين، ولا توضع على الأرض، ما أدري هل الحديث ما ورد إلا في الصلاة فقط، أو أنه ورد في غيرها؟ لا أدري، لكن بالنسبة للصلاة كما هو معلوم حتى غير هذه الهيئة لا تفعل، لا يجوز أن توضع اليدين على الأرض، لا من يمين، ولا من قدام، ولا من وراء، وإنما توضع على الركبتين، وعلى الفخذين في الجلوس، هذا موضعهما الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك لا يسوغ، لا هذه الهيئة ولا غيرها.


حب الطيب والنساء من السنة

السؤال: إن كان حب الطيب، والنساء الوارد في الحديث معناه كما ذكرتم: اطلاعهن على أمور لا يطلع في مثلها إلا النساء، فهل حب الطيب، والنساء من السنة؟

الجواب: حب النساء، والطيب إذا كان لمقصد حسن، كالعفة وإعفاف النفس، وغض البصر، مثل ما أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الزواج، (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباء فليتزوج، فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، فلا شك أن النكاح والزواج من سنن المرسلين، وجاء الترغيب فيه، وهو من السنة بلا شك، وتكثير النساء من أجل تكثير النسل، وتكثير الولد، أو الإعفاف إذا كان الإنسان يحتاج إلى أكثر من واحدة أو اثنتين، كل هذا من السنة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على تزوج الودود الولود وقال: (إنه مكاثر بهم الأمم يوم القيامة)، فإذا كان له مقاصد شريفة، ومقاصد طيبة، فلا شك أنه من الدين، لا من حيث إعفاف الفرج وحفظ البصر، ولا من حيث الإحسان إلى النساء، ولا من حيث طلب النسل وكثرة النسل، كل هذه مقاصد شريفة ومقاصد مطلوبة، والإنسان هو على خير بها إذا نواها، ولكل امرئ ما نوى.


النهي عن الجلوس معتمداً على اليد اليسرى

السؤال: بالنسبة للحديث الإخوان أتو بكتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ الألباني وفيه: (نهى رجلاً وهو جالسٌ معتمدٌ على يده اليسرى في الصلاة، فقال: إنها صلاة اليهود)، أخرجه البيهقي، والحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي وهو مخرج مع الذي بعده في الإرواء، وفي لفظ: (لا تجلس هكذا، إنما هذه جلسة الذين يعذبون)، أخرجه أحمد، وأبو داود بسند جيد. وفي حديث آخر: (هي قعدة المغضوب عليهم)، أخرجه عبد الرزاق، وصححه عبد الحق في أحكامه، الأول هو الذي فيه ذكر الصلاة: (نهى رجلاً وهو جالسٌ معتمدٌ على يده اليسرى في الصلاة).

الجواب: الذي يبدو أن الحكم عام ليس خاصاً في الصلاة؛ لأن الصلاة كما هو معلوم فيها ما ذكرته، وهو أن غيرها من الهيئات أيضاً لا تجوز، غيرها من الهيئات لا تجوز، إلا هيئة واحدة وهي أن اليدين توضع على الفخذين والركبتين.


وضع البخور لعلاج الصرع

السؤال: امرأة تصرع بالجن أحياناً، وإذا وضعت بخوراً أثناء صرعها خفف عنها، ولا يقرأ على البخور أي شيء، وإنما يوضع وتتبخر به، فهل هذا الفعل جائز؟

الجواب: أبداً، إذا كان البخور ما هو من مشعوذين ودجالين، وإنما هو طيب وشيء طيب، فهذا علاج، إذا كان ينفع هذا العلاج، فلا بأس به، أما إذا كان يأتي عن طريق دجالين مشعوذين، فلا يجوز الذهاب إليهم، ولا العمل بما يقولون.


التفريق بين سلام بن أبي الصهباء وسلام بن سليمان المزني

السؤال: جرى الجمهور من علماء الجرح والتعديل على التفريق بين سلام بن أبي الصهباء وبين سلام بن سليمان المزني أبي المنذر الكوفي، ولم يفرق بينهما ابن عدي رحمه الله، فهل الأمر محتمل؟ وما رأي فضيلتكم؟

الجواب: ما أقول: هذا يحتاج إلى نظر، هل هم في درجة واحدة أو في درجات مختلفة، وهل هم متفقون في الشيوخ، ومتفقون في التلاميذ، لأنه ما يتأتى إلا إذا تساووا في الدرجة والتلاميذ، والشيوخ، فعند ذلك يأتي الاشتباه، أما إن كان بينهم شيء من التفاوت في الطبقات، فهذا يدل على التفاوت، وكذلك كونهم يختلفون في البلدان، يختلفون في أمور أخرى، يفيد أن هذا غير هذا.


الكذب طريق اللعن

السؤال: وهذا يسأل عن صحة حديث: (من أراد أن يلعن نفسه فليكذب)؟

الجواب: ما أعرف لهذا، لكن يمكن مقصوده أن الكاذبين يلعنون، لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61]، فالإنسان إذا كذب عرض نفسه للعنة، لكن هل هو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا أدري، لكن هذا معناه، الإنسان إذا كذب يعرض نفسه للعنة، لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61]، هو واحد منهم، لكن هل الحديث ثابت؟ لا أعرف عنه شيئاً، ثم الكذب لو كان ثابتاً المقصود به التهديد وليس أمر بالكذب؛ لأن الرسول لا يأمر بباطل عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا يكون من جملة الأشياء التي فيها التهديد، مثل: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، الناس ليس مخيرون بين الإيمان والكفر، وأن من يريد الكفر يكفر، والناس مأمورون به، لا، وإنما هذا للتهديد، مثل قوله: (لا تشهدني على جور اشهد على هذا غيري)، تهديداً، ليس معناه إذن له بأنه يشهد على باطل.


خروج دم الحيض بعد أذان المغرب بفترة في رمضان

السؤال: امرأة صامت في نهار رمضان، وبعد أذان المغرب بفترة وجدت أثر دم الحيض، ولكنها لا تعلم، هل هذا الدم قبل الأذان أو بعده؟ فهل يجب عليها قضاء ذلك اليوم؟

الجواب: إذا كان أنها ما رأته إلا بعد الأذان بفترة، وهي مضى عليها وقت، فما يلزمها؛ لأنها ما عرفت أنها حاضت في نهار رمضان.


تجميل الحواجب بالكحل


السؤال: هل يجوز للمرأة تجميل حواجبها بالكحل إن كانت الحواجب خفيفة أو غير مستقيمة؟

الجواب: المحظور والممنوع هو قضية كونها يؤخذ منها، وأما كونها تسود ما أعلم شيئاً يمنع هذا، في قضية تسويدها، أما كونها يؤخذ منها، أو تقص، أو فيما إلى ذلك، هذا هو الذي لا يجوز، وهذا الذي يسمونه تزجيج ويستشهد له في النحو: وزججنا الحواجب والعيون، أي: زججن الحواجب وكحلنا العيون، فيما إذا حذف الشيء لدلالة غيره عليه، لكن هذا طرف منه، وزججن الحواجب والعيون، أي: حذف العامل لدلالة غيره عليه.


سماع النبي عليه الصلاة والسلام من يصلي عليه في قبره



السؤال: هل يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره يسمع من يصلي عليه ويسلم؟

الجواب: كونه حي في قبره حياة برزخية، هذا يقال، والرسول صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية، وأصحاب القبور أحياء في قبورهم حياة برزخية، المنعم منعم، والمعذب معذب، كما جاء ذلك في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن قضية السماع لا يثبت إلا فيما إذا ورد فيه دليل، والشيء الذي ورد فيه دليل قضية: (يسمع قرع نعالهم)، الحديث الذي فيه أنه: (يسمع قرع نعالهم عندما يدفنونه وينصرفون)، هذا ثبت، وكذلك أهل القليب الكفار الذين خاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل وجدتم ما وعدني ربي حقاً؟)، الشيء الذي ورد يثبت، والشيء الذي ما ورد يسكت عنه، لكن لا يقال: إنهم يعاملون كما يعاملون، أي: في الدنيا بأن الإنسان يأتي، ويخاطبهم ويقول: إنهم يسمعونه، ويسمعون كلامه، ويفهمون كل ما يقول؛ لأنه قد جاء في الحديث ما يدل على خلاف ذلك من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يكون على الحوض، ويذاد ناس، فيقول: (أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فلو كان يعلم الشيء الذي يجري بعد وفاته من أصحابه، ما احتاج إلى أن يقول: أصحابي أصحابي، كأن يعرف أن فيهم من ارتد وقتل على الردة، ومات على الردة، ولم يكن من أصحابه الذين وفقوا للبقاء على الحق والهدى، فقضية كون الرسول صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية، هذا بلا شك، بل إن الشهداء الذين ذكر الله تعالى حياتهم في القرآن: بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، حياته أكمل من حياتهم؛ لأنهم إنما نالوا ما نالوه من الحياة باتباعهم له، وبجهادهم في سبيل الله عز وجل امتثالاً لما جاء به من الشرع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فله من الحياة أكمل من حياتهم، لكن لا يقال: إنها مثل الحياة الدنيا، وأنه يجرى فيها ما يجري في الدنيا؛ لأنه لو كان الأمر كذلك، كان الصحابة رضي الله عنهم، لما اختلفوا رجعوا إليه وطلبوا منه أنه يفصل بينهم ويبين لهم، وهذا يبين لنا فساد ما يقوله بعض الدجالين من أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج من القبر، ويصافح بعض الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج لـأبي بكر، وفاطمة، ويخرج للدجالين في آخر الزمان من قبره يصافحهم، ويكون يقظة لا مناماً، هذا دجل، لو كان ذلك حقاً لكان أسعد الناس به أبو بكر، وفاطمة لما حصل بينهم ما حصل من الخلاف من جهة الإرث، وأبو بكر أخذ بقوله: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)، وهي طبعاً ما علمت هذا، وقالت ما قالت، وطلبت ما طلبت، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج لخرج لخير الناس، وأفضل الناس، ما يحصل هذا لخير الناس، ويحصل لبعض الدجالين في آخر الزمان.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 04-10-2022, 11:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب عشرة النساء

(491)


تفاوت النساء في المحبة لا ينافي العدل؛ لأنه أمر قلبي لا يملكه الإنسان، وإنما العدل فيما يملكه الإنسان، وفيما يقدر عليه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عائشة رضي الله عنها أكثر من غيرها من نسائه؛ لما لها من المميزات والفضائل، لكنه كان أعدل الناس خصوصاً مع زوجاته.


حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض


شرح حديث: (...إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض.أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: (أن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي، فأذن لها، فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي بنية! ألست تحبين من أحب؟ قالت: بلى. قال: فأحبي هذه، فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأخبرتهن بالذي قالت والذي قال لها، فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت فاطمة: لا والله! لا أكلمه فيها أبداً، قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم زينب بنت جحش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم أر امرأةً قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله عز وجل، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به، ما عدا سورةً من حدة كانت فيها تسرع منها الفيئة، فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع عائشة في مرطها على الحال التي كانت دخلت فاطمة عليها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، ووقعت بي فاستطالت، وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأرقب طرفه هل أذن لي فيها، فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكره أن انتصر، فلما وقعت بها لم أنشبها بشيء حتى أنحيت عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنها ابنة أبي بكر)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض، والمقصود من ذلك: بيان أن المحبة قد تحصل، وتتفاوت النساء في المحبة، لكن ذلك لا ينافي العدل، بل العدل مطلوب ولو وجدت المحبة في الشيء الذي يملكه الإنسان، لذلك الشيء الذي يملكه الإنسان يعدل فيه، والشيء الذي لا يملكه ليس إليه، ولكن لا يدفعه ما عنده من المحبة لبعضهن إلى أن يميل إلى واحدة منهن، فيميزها على غيرها في الشيء المطلوب، أو الذي ينبغي هو المساواة أو التسوية فيه، ففي الحديث الذي فيه: (أن من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل)، هذا فيما يملكه الإنسان، وفيما يقدر عليه، وهذه الترجمة فيها بيان أن المحبة تتفاوت النساء فيها، وأن الله تعالى يوقع في القلوب لبعضهن المحبة أكثر من بعض، لكن لا يصلح أن يكون هذا الذي في القلب يؤدي إلى الحيف، وإلى الميل، وإلى تمييز بعضهن على بعض فيما تلزم فيه المساواة من النفقة، والقسم، وغير ذلك مما يملكه الإنسان.
وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، الدال على محبة النبي صلى الله عليه وسلم إياها، وأنه كان يحبها، وهو يدل على فضلها، ونبلها، ورفعة شأنها عنده عليه الصلاة والسلام، ومحبته إياها صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في أحاديث كثيرة ما يدل على محبته لها، وعلى فضلها، وعلى تفضيلها على غيرها، وقد اتفق العلماء على أن عائشة، وخديجة هما أفضل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الخلاف في أيهما أفضل، وقد قال بعض المحققين من أهل العلم: أن كل واحدة منهما لها فضيلة تتميز بها عن الأخرى، فـخديجة امتازت على عائشة بكونها كانت معه في حال الشدة والضيق، وفي حال إيذاء قريش، وكانت تواسيه، وكانت تسليه، وقصة نزول الوحي عليه في أول مرة، ومجيئه إليها فزعاً، قالت له: كلا والله ليهديك الله! إنك لتصل الرحم، وكذا، وكذا، وتبين شيئاً من صفاته الحميدة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فكان لها على عائشة هذه الميزة، وعائشة رضي الله عنها، كان لها ميزة أخرى من جهة حفظ السنة، ونقل السنة، وتحمل حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام عن رسول الله، وأدائه إلى الناس، فكل واحدة منهما لها فضيلة، ولها ميزة تميزت بها على الأخرى، وأجرهما عظيم، وثوابهما جزيل عند الله عز وجل. وقد اتفق على أن هاتين الاثنتين خديجة، وعائشة هما أفضل أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما الخلاف أيهما أفضل؟
والحديث طويل وفيه: أن أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام أرسلن فاطمة ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبن منه العدل في ابنة أبي قحافة أي: في عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقيل: إن المقصود بذلك في المحبة، وقيل: إن المقصود من ذلك في مراعاة الإهداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوتهن؛ لأنه قد اعتاد كثير من الصحابة أنهم يتحرون اليوم الذي يكون فيه عند عائشة، فيهدون إليه الهدايا التي يريدون أن يهدونها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا أثر على أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأردن أن يكن مثلها في ذلك، وألا يكون لها هذه الميزة، فأرسلن فاطمة ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يطلبنها أن تنقل إليه منهن هذه الرغبة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة ومعها في مرطها، والمرط هو: كساء، قيل: من صوف، وقيل: من غيره، فتكلمت وأخبرت بما طلب منها أن تبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الرغبة، رغبة أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقالت: إن أزواجك أرسلنني يطلبن منك العدل في ابنة أبي قحافة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: [ (أتحبين من أحب؟ قالت: نعم، قال: فأحبي هذه) ]، يشير إلى عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فرجعت إلى أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالت لهن ما قالت، وأخبرتهن بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن لها: [ما أغنيت عنا شيئاً]، ما حصلنا على نتيجة، ما ظفرنا بالشيء الذي نريده، لكن أعيدي الكرة وارجعي مرة أخرى وابلغيه هذه الرغبة، فقالت: إنها لا تفعل ذلك، ولا ترجع إليه مرةً أخرى، ولا تفاوضه فيها أبداً، فعند ذلك صرن إلى أمر آخر، وإلى طريق أخرى، وواسطة أخرى، فطلبن من زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أنها لها من الحظوة والمنزلة يعني مثل ما لـعائشة أو قريباً منها، معناه أنها متميزة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن عائشة متميزة، فاخترنها لهذه المهمة، وهي واحدة منهن، وهي مشاركة لهن في الرغبة، وتؤدي هذه المهمة عنها، وعن غيرها من بقية أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت وقالت مثل ما قالت فاطمة: [إن أزواجك يطلبن منك العدل في ابنة أبي قحافة، ثم تكلمت على عائشة، ونالت منها، وسبتها]، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها، ما تكلمت، وما ردت عليها، صبرت وانتظرت وجعلت تنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترقب طرفه، هل يأذن لها بأن ترد عليها، وأن تجيبها على ما حصل منها من الكلام، ومن العتب، واللوم، وسبها؟ فعند ذلك فهمت عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكره أن تنتصر، فعند ذلك اتجهت إليها وكلمتها وردت عليها حتى أفحمتها، ولكن مع كلامها عليها، وبيان أنها انتصرت لنفسها، وردت عليها، ما غمطتها حقها، وما نسيت ما لها من صفات، بل أثنت عليها، وبينت خصالها الحميدة من جهة أنها وصولة للرحم، وأنها قوية في الدين، وأنها يعني تبذل نفسها في الشيء الذي تقرب به، والشيء الذي تصدق به، وأنها تجتهد في الشيء الذي تقوم به من العمل أي: عندها جد واجتهاد، وعندها نشاط، فذكرت جملة من محاسنها، وأشارت إلى الذي فيها، وأن فيها سورة، أي: حدة وسرعة غضب، ولكن مع هذا فهذا الوصف يعتبر أهون من غيره؛ لأنها تسرع الفيئة، أي: ترجع بعد قليل، ليس شأنها كالذي يصير عنده الانفعال، والشدة، ثم يركب رأسه ويستمر، ويطول معه هذا الصنيع، بل هي تبادر، وتسرع، وترجع عن ذلك الشيء الذي يحصل منها، وهذا شيء محمود، فهذا هو الذي أدركته عليها عائشة وأضافته إليها، وذمتها فيه، ولكن مدحتها فيه من جهة أنه ليس بشديد، بحيث أنها تستمر، ويطول معها، ويمكث معها، بل تسرع الفيئة، وتسرع الرجوع عن هذا الذي حصل منها من الشدة ومن الغضب ومن الانفعال، وهذه صفة محمودة بحق من يحصل له مثل هذا الوصف الذي هو الحدة، والشدة التي تحصل.
وعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(إنها ابنة أبي بكر)]، وهذا مدح لها وثناء عليها من جهة صبرها، وتحملها، وعدم مبادرتها إلى مقابلة من تكلمت عليها، ومقاطعتها الكلام، مع أنها اشتدت عليها، وتكلمت في حقها، ونالت منها، ومع ذلك صبرت، فهذا يدل على رجحان عقلها، مع أنها صغيرة السن، ليست متقدمةً في السن، إذ توفي رسول الله صلى الله عليه الصلاة والسلام وعمرها ثمان عشرة سنةً، وكانت راجحة العقل، وهذا من رجحان عقلها، فقد أثنى عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام لهذا الذي حصل منها في مقابلتها لـزينب بنت جحش رضي الله تعالى عن الجميع.
والحاصل: أن الحديث يدل على فضل عائشة، وعلى محبته لها أكثر من غيرها، وعلى أن زوجات رسول الله عليه الصلاة والسلام يعرفن هذه المنزلة، وأردن، ورغبن أن يحصل لهن مثل ما يحصل لها، ومن المعلوم أن المحبة القلبية هي من الله عز وجل، وأما قضية الهدايا، وكون الصحابة يختارونها في يوم عائشة، فهذا شيء لاحظوه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أراد أن يفعل ذلك، ولا يقول للناس: إذا أردتم أن تهدوا إليّ لا تجعلوا ذلك في يوم عائشة، بل وزعوه على الأيام، بل ترك ذلك ولم يتعرض له، وأشار إلى فضل عائشة وإلى نبلها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
قوله: [(ولم أر امرأةً قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله عز وجل، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقةً، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به، ما عدا سورةً من حدةٍ كانت فيها تسرع منها الفيئة)].
هذه الصفات الحميدة التي ذكرتها عائشة في حق زينب بنت جحش، هذا من إنصافها، وعدلها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فإنها مع ما حصل لها من اللوم، ومن العتب، ومن الذنب، والسب، بينت ما هي عليه من هذه الصفات، وذكرت أن الذي تلاحظه عليها هذه الحدة التي تسرع منها الفيئة، ومن صفاتها الحميدة أنها عظيمة الصدقة، وكثيرة الصدقة، وهي التي يقال لها: أم المساكين؛ لكثرة إنفاقها، وإحسانها، ويقال ذلك أيضاً لـزينب بنت خزيمة التي توفيت في حياته صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام جاء في الحديث أنه قال: (أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً)، ولما قال ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام جعلن ينظرن إلى أيديهن وطولهن، وما عرفن المقصود من ذلك، وظنن أن الطول إنما هو في الحس، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد الطول في النفقة، ولما مات رسول الله عليه الصلاة والسلام كان أسرعهن لحوقاً به زينب بنت جحش، فعرفوا أن ذلك من أجل صدقتها، وإحسانها، وجودها، وكرمها، ولهذا يقال لها: أم المساكين لكثرة إنفاقها، وإحسانها، وعطفها على المساكين رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
قوله: [(فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع عائشة في مرطها على الحال التي كانت دخلت فاطمة عليها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، ووقعت بي فاستطالت)].
هذا بيان أن زينب لما تكلمت وأبلغت المهمة التي طلب منها أداؤها، وقعت بها واستطالت، يعني معناه: تكلمت بها واشتدت عليها، وقعت فيها أي: ذمتها وسبتها، واستطالت عليها.
قوله: [(وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأرقب طرفه هل أذن لي فيها؟ فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكره أن انتصر، فلما وقعت بها لم أنشبها بشيءٍ حتى أنحيت عليها)].
ولما تكلمت زينب على عائشة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وسبتها، وكانت صامتةً ساكتةً لا ترد عليها ولا تقاطعها، وهذا لكمال عقلها، ورجحان عقلها رضي الله عنها وأرضاها، وكانت تنظر إلى طرف الرسول صلى الله عليه وسلم، وكأنها تريد أن تعرف منه هل يوافق على أن تجيب عن نفسها وأن ترد عليها؟ فاستمرت زينب بالكلام، وفهمت عائشة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يكره أن ترد عليها وأن تنتصر لنفسها، فعند ذلك لم تمهلها، بل تكلمت عليها حتى أفحمتها وأسكتتها، وعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(إنها ابنة أبي بكر)].

تراجم رجال إسناد حديث: (... إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة...)


قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد].هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا عمي].
هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح].
هو صالح بن كيسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام].
هو أخاً لـأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، هذا أخاً أبي بكر المشهور المكثر من الرواية، هذا محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم والنسائي.
[عن عائشة].
أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة رجال وامرأة واحدة، هذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 04-10-2022, 11:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

طريق ثانية لحديث: (... إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة...) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن بكار الحمصي حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أن عائشة رضي الله عنها قالت: (فذكرت نحوه، وقالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم زينب فاستأذنت فأذن لها، فدخلت فقالت نحوه)، خالفهما معمر رواه عن الزهري عن عروة عن عائشة]. قوله: [أخبرنا عمران بن بكار الحمصي].
هو عمران بن بكار الحمصي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا أبو اليمان].
هو أبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي، وهو مشهور بكنيته أبو اليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا شعيب].
هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن عائشة قالت].
وقد مر ذكرهم.
وهذا الإسناد فيه ثلاثة حمصيون، وثلاثة مدنيون، فأوله الثلاثة الذين هم في أسفله حمصيون، والذين هم في أعلاه مدنيون.
قوله: [خالفهما معمر].
أي: في الرواية عن الزهري، ثم ذكر رواية معمر عن الزهري. أي: أنه خالف شعيباً وخالف الذي في الإسناد الأول. أي خالف صالح بن كيسان في الإسناد الأول، وشعيب بن أبي حمزة في الإسناد الثاني، فرواه من طريق أخرى غير طريقهما.
[صالح بن كيسان].
هو: صالح بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (... إن نساءك أرسلنني وهن ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة...) من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع النيسابوري الثقة المأمون حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (اجتمعن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسلن فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلن لها: إن نساءك وذكر كلمةً معناها: ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: فدخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مع عائشة في مرطها، فقالت له: إن نساءك أرسلنني وهن ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أتحبيني؟ قالت: نعم. قال: فأحبيها. قالت: فرجعت إليهن فأخبرتهن ما قال، فقلن لها: إنك لم تصنع شيئاً فارجعي إليه، فقالت: والله لا أرجع إليه فيها أبداً! وكانت ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقاً، فأرسلن زينب بنت جحش رضي الله عنها، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: أزواجك أرسلنني وهن ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، ثم أقبلت عليّ تشتمني، فجعلت أراقب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنظر طرفه هل يأذن لي من أن انتصر منها؟ قالت: فشتمتني حتى ظننت أنه لا يكره أن انتصر منها، فاستقبلتها فلم ألبث أن أفحمتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنها ابنة أبي بكر، قالت عائشة: فلم أر امرأةً خيراً، ولا أكثر صدقةً، ولا أوصل للرحم، وأبذل لنفسها في كل شيءٍ يتقرب به إلى الله تعالى من زينب، ما عدا سورةً من حدةٍ كانت فيها توشك منها الفيئة)، قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، والصواب الذي قبله].أورد النسائي طريق معمر، وهي مثل التي قبلها، من حيث المتن، وهي الرواية السابقة الأولى التي هي رواية صالح بن كيسان عن الزهري، وفيها من الزيادة ما قيل في حق فاطمة رضي الله عنها: [أنها كانت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً]، والمقصود من ذلك كونها تشبهه في سمتها، وآدابها، وأخلاقها رضي الله عنها وأرضاها، هذا المقصود من هذه الجملة: [(وكانت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً)]، أي: أنها تشبهه في صفاتها، وفي أخلاقها، وآدابها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهو ثناء عليها، وبيان لحالها، ومشابهتها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، واتصافها بصفاته رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وكما قلت: هو مثل الذي قبله، والمخالفة لا تؤثر؛ لأنه يكون جاء عن الزهري من طريقين، ومعمر رواه من طريق، وهذا رواه من طريق، ولا تؤثر رواية على رواية، كل من الروايتين صحيح، ولا تنافي بين الروايتين، ومعناهما واحد ومؤداهما واحد.

تراجم رجال إسناد حديث: (...إن نساءك أرسلنني وهن ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة...)

قوله: [أخبرنا محمد بن رافع النيسابوري].ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
وقد مر ذكره.
[عن عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.

شرح حديث أبي موسى: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر يعني ابن المفضل حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)].أورد النسائي هذا الحديث في بيان فضل عائشة رضي الله عنها، وبيان ميزتها وفضلها رضي الله عنها وأرضاها، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) ]، أي: كما أن الطعام بعضه يتميز على بعض، فالنساء يتميزن على بعض، وعائشة رضي الله عنها، متميزة على النساء كما تميز الثريد على سائر الطعام، والثريد هو: طعام يجمع فيه بين الخبز ومرق اللحم، وقد يكون معه اللحم، لكن المقصود به هو: الخبز يثرد مع مرق اللحم، يثرد، ويخلط به، ويمزج حتى يكون شيئاً واحداً، فيكون أمرى أو أسهل في المضغ، وهو من أفضل الأطعمة عند العرب، ولهذا يضرب به المثل في الجودة، وقد يكون معه اللحم أي: خبز، ومرق اللحم، والنبي صلى الله عليه ضرب المثل في الشيء الذي يعرفونه، ويشاهدونه، ويعاينونه، ويميزونه عندهم وفي نظرهم، فبين أن [ (فضل عائشة رضي الله عنها وأرضاها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) ]، وفيه التشبيه، وتمثيل المعنى المعلوم بالشيء المحسوس المشاهد المعاين، وهو كما هو واضح دال على فضلها، وعلى تميزها على غيرها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)


قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود البصري أبو مسعود، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا بشر].
هو ابن المفضل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن مرة].
هو عمرو بن مرة الهمداني المرادي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مرة].
هو مرة بن شراحيل الهمداني، ويقال له: مرة الطيب الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي موسى].
هو أبو موسى الأشعري، صحابي مشهور رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكان عذب الصوت في القرآن حتى قال فيه النبي: (لقد أوتيت مزمار من مزامير آل داود).

حديث عائشة: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن خشرم حدثنا عيسى بن يونس عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)].أورد النسائي حديث عائشة من طريقٍ أخرى في بيان فضلها، و[(أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)]، وهو مثل الذي قبله في المتن.
قوله: [أخبرنا علي بن خشرم].
ثقة، أخرج حديثه مسلم والترمذي والنسائي.
[حدثنا عيسى بن يونس].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحارث بن عبد الرحمن].
هو الحارث بن عبد الرحمن العامري، وهو خال ابن أبي ذئب، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبي سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثالثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
وقد مر ذكرها، والفقهاء السبعة ستة منهم اتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وواحد منهم اختلف فيه على ثلاثة أقوال، فالستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام الذي مر ذكره قريباً، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، أما السابع منهم فقد قيل فيه ثلاثة أقوال: فقيل: إنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الذي معنا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخو محمد الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، والثالث: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال، وهذا لقب يطلق عليهم، فعندما يأتي ذكرهم في مسائل الفقه، بدل ما يقول: وقال به سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وفلان، وفلان ويأتي بسبعة أشخاص، يكتفي بجملة: فيقال: قال به الفقهاء السبعة. فكلمة الفقهاء السبعة ترجع إلى هؤلاء، مثل زكاة عروض التجارة عندما يذكرونها يقولون: قال بها الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وقال بها الفقهاء السبعة الذين هم هؤلاء السبعة الذين ذكرتهم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 04-10-2022, 11:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب عشرة النساء

(492)

- تابع باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض - باب الغيرة



المرأة مجبولة على الغيرة مهما عظم قدرها، وارتفعت منزلتها، وقد كان لنساء النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك نصيب؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عائشة أكثر من غيرها؛ لعظم شأنها وعلو منزلتها عند الله تعالى، فلم ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في لحاف امرأة إلا عائشة.

حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض


شرح حديث عائشة: (يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض.أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الصاغاني حدثنا شاذان حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله! ما أتاني الوحي في لحاف امرأةٍ منكن إلا هي)].
عقد النسائي هذه الترجمة وهي: حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض، وقد مر بعض الأحاديث الداخلة تحت هذه الترجمة، وبقي بعض الأحاديث التي تندرج تحتها، ومنها حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـأم سلمة: (لا تؤذيني في عائشة، فإنه ما نزل عليّ الوحي في لحاف امرأةٍ منكن إلا هي)، هذا الحديث يدل على محبة النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة أكثر من غيرها، وقد جاء في بعض الأحاديث، أو الطرق بيان السبب لهذا الكلام، وهو: (أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن نساؤه صلى الله عليه وسلم يطلبن منه العدل في ابنة أبي قحافة أن الناس كانوا يتحرون الهدايا في نوبة عائشة، وفي يوم عائشة، فجاءت إليه، وقالت: لو أنه أبلغ الناس ألا يخص الهدايا في ذلك اليوم الذي هو في يوم عائشة)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لها ما قال: [(لا تؤذيني في عائشة، فإنه ما نزل عليّ الوحي في لحاف امرأةٍ منكن إلا هي)]، والحديث فيه دلالة على أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة إنما كان لعلو منزلتها عند الله عز وجل، وهو دال على أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه أكثر من بعض إنما هو لعظيم منزلتها عند الله سبحانه وتعالى، ولعلو منزلتها ورفعتها عند الله عز وجل، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم بين السبب في المحبة، وأن الوحي ما نزل في لحاف امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلا هي، فهو دال على فضلها ونبلها، وتميزها على غيرها.
ولذلك أمهات المؤمنين الإحدى عشرة أفضلهن خديجة، وعائشة، وأنه ليس هناك أحد أفضل منهن، وإنما الخلاف في أيهما أفضل؟ وأن بعض المحققين من أهل العلم قال: إن لكل منهما فضيلة ليست للأخرى، فـخديجة حصل لها من المؤازرة، والنصرة، والتسلية في حال شدته، وإيذاء الكفار له بمكة، حصل منها ما حصل له من النصرة، والتأييد، وعائشة رضي الله عنها حصل لها ما اختصت به من كثرة تحملها السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملها للعلم، ونشرها له، والرجوع إليها فيه، وكان لكل واحدة منهما ميزة، وأجر الجميع عظيم عند الله عز وجل، وأيهما أفضل؟ الله تعالى أعلم، وكل منهما في القمة، وفي علو المنزلة رضي الله عنهن وأرضاهن.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة ...)


قوله: [أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الصاغاني].هو محمد بن إسحاق، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا شاذان].
هو الأسود بن عامر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد بن درهم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة].
هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله عز وجل براءتها في قرآن يتلى، وهي ذات المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، والخصال الحميدة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة الواحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فلم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم امرأة مثلما روت من الحديث، لا سيما ما يتعلق في الأمور البيتية التي تكون بين الرجل وأهل بيته، والتي لا يطلع عليها إلا النساء.
قد عرفنا أن من أسباب تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم، وإباحة الله عز وجل له، والزيادة عن أربع، وهي ميزة تميز بها عن الأمة صلى الله عليه وآله وسلم، أن ذلك لأمور مهمة، ومقاصد عظيمة، أهمها وأجلها أن يتحمل نساؤه ما يجري من السنن عنه صلى الله عليه وسلم في الأمور البيتة التي تكون بين الرجل وأهله، والتي لا يطلع عليها إلا زوجاته صلى الله عليه وسلم، فـعائشة رضي الله عنها وأرضاها هي أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق رضي الله عنها وأرضاها.

شرح حديث أم سلمة: (... لا تؤذيني في عائشة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن آدم عن عبدة عن هشام عن عوف بن الحارث عن رميثة عن أم سلمة رضي الله عنها: (أن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلمنها أن تكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وتقول له: إنا نحب الخير كما تحب عائشة، فكلمته فلم يجبها، فلما دار عليها كلمته أيضاً فلم يجبها، وقلن: ما رد عليك؟ قالت: لم يجبن، قلن: لا تدعيه حتى يرد عليك أو تنظرين ما يقول، فلما دار عليها كلمته، فقال: لا تؤذيني في عائشة، فإنه لم ينزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأةٍ منكن إلا في لحاف عائشة)، قال أبو عبد الرحمن: هذان الحديثان صحيحان عن عبدة].أورد النسائي حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها في مجيئها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإخبارها إياه برغبة أزواجه رضي الله عنهن بأنهن يحببن الخير كما تحب عائشة، وأنهن يردن أن يصير الناس إلى أن لا يخصوا يوم عائشة بالهدايا، بل يكون في يومها وغير يومها من أيام أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عن الجميع، فالحديث هو مثل الذي قبله عن عائشة رضي الله عنها، ولكن فيه بيان السبب الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: [(لا تؤذيني في عائشة، فإنه لم ينزل عليّ الوحي في لحاف امرأةٍ منكن غيرها)]، رضي الله تعالى عنها وعنهن، وعن الصحابة أجمعين.

تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة: (... لا تؤذيني في عائشة ...)


قوله: [أخبرني محمد].هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن عبدة].
هو عبدة بن سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام].
هو هشام بن عروة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عوف بن الحارث].
مقبول، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن رميثة].
هو رميثة بنت الحارث، وهي مقبولة، أخرج حديثها النسائي وحده.
[عن أم سلمة].
وهي هند بنت أبي أمية، وهي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، إحدى زوجات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو عبد الرحمن: هذان الحديثان صحيحان عن عبدة].
قال أبو عبد الرحمن: هذان الحديثان صحيحان عن عبدة، ثم أورد بعد ذلك الطريقين عن عبدة.

شرح حديث: (كان الناس يتحرون هداياهم يوم عائشة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه بيان السبب الذي جعل أمهات المؤمنين يطلبن من إحداهن أن تذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطلب منه أن يبلغ الناس ألا يخص الهدايا بيوم عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وبيان (أن الناس كانوا يخصون الهدايا في ذلك اليوم ابتغاء مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ لأنه حينئذ يكون عند أحبهن إليه، وعند أفضلهن وهي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان الناس يتحرون لهداياهم يوم عائشة ...)

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن عبدة بن سليمان].
وقد مر ذكره.
[عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة].
وقد مر ذكرهم.

شرح حديث عائشة: (أوحى الله إلى النبي وأنا معه ..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن هشام بن عروة عن صالح بن ربيعة بن هدير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا معه، فقمت فأجفت الباب بيني وبينه، فلما رفه عنه قال لي: يا عائشة، إن جبريل يقرئك السلام)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، [(أوحى الله إلى النبي وأنا معه)]، فقامت وأغلقت الباب بهدوء، جافته، يعني: ردته.
قوله: [(فلما رفه عنه)]، أي: زال عنه ما يجد من المشقة عند نزول الوحي عليه، وكان يعاني مشقة، ويحصل منه في بعض الأحيان أنه في اليوم الشديد البرد يسيل أو يتفصد جبينه من العرق من شدة ما يجد عند نزول الوحي عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، [(فلما رفه عنه)]، أي: أزيل أو زال عنه ما يجده من الشدة عند الوحي، [(قال لي: يا عائشة، إن جبريل يقرئك السلام)]، وجاء في بعض الأحاديث ما يدل على هذا الحديث مما سيأتي، و(أن جبريل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرئها له السلام رضي الله تعالى عنها وأرضاها)، وهو دال على فضلها ونبلها وتميزها على غيرها من زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهن أجمعين.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا معه ..)


قوله: [حدثنا محمد بن آدم عن عبدة].محمد بن آدم، مر ذكره، عن عبدة، قد مر ذكره، وهو ابن سليمان.
[عن هشام بن عروة].
مر ذكره.
[عن صالح بن ربيعة بن هدير].
مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن عائشة].
وقد مر ذكرها.

شرح حديث عائشة: (إن جبريل يقرأ عليك السلام ..) من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا نوح بن حبيب حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: (إن جبريل يقرأ عليك السلام، قالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا نرى)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بأن: [(جبريل يقرأ عليها السلام، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا نرى)، هو دال على ما دل عليه الذي قبله من طلب جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ السلام على عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهو دال على فضلها، ونبلها.
وقولها: [(ترى ما لا نرى)]، أي: أنه يرى ما لا يرون من الملائكة، وكونه يرى الملائكة وهم لا يرونه، فعندما يأتون بالوحي، وعندما يأتي جبريل أحياناً يأتيه على هيئة إنسان، فيرونه، ولا يعرفونه كما كان يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وكما جاء على صورة أعرابي في حديث جبريل المشهور في بيان الإيمان، والإسلام، والإحسان، وبيان شيء من أشراط الساعة، وقد أطلعه الله عز وجل على ما لا يطلعهم عليه، وأقدره على ما لا يقدرهم عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 04-10-2022, 11:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (إن جبريل يقرأ عليك السلام ..) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا نوح بن حبيب].ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة عن عائشة].
وقد مر ذكرهم.

شرح حديث عائشة: (هذا جبريل وهو يقرأ عليك السلام ..) من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني أبو سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا عائشة، هذا جبريل وهو يقرأ عليك السلام، مثله سواء)، قال أبو عبد الرحمن: هذا الصواب، والذي قبله خطأ].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال: [(هذا جبريل يقرأ عليك السلام، مثله سواء)]، هذا مثل الذي قبله، أي: بقيته مثل الذي مر، وفي هذا قوله: [(هذا جبريل يقرأ عليك السلام)]، وقولها: (ترى ما لا نرى)، هذا هو أقرب ما يكون إليه؛ لأنه قال هذا، وأشار إليه، ومعناه: أنه يراه، وهي لا تراه، ولهذا قالت في الآخر: (ترى ما لا نرى)، (هذا جبريل يقرأ عليك السلام)، الرسول صلى الله عليه وسلم يراه وهي لا تراه، ولهذا قالت في الآخر: (ترى ما لا نرى)؛ لأن بقية الحديث مثل الذي قبله، إلا أن في أوله: (هذا جبريل يقرأ عليك السلام).

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (هذا جبريل وهو يقرأ عليك السلام ..) من طريق ثالثة

قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].هو النسائي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا الحكم بن نافع].
هو الحكم بن نافع الحمصي، كنيته: أبو اليمان، مشهور بكنيته، ويأتي باسمه كما هنا، ويأتي بكنيته كما مر في بعض المواضع، وهذا من أنواع علوم الحديث، وهو معرفة الكنى؛ لأن فائدة معرفتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر في كنيته في موضع، وذكر باسمه في موضع آخر، يظن أن الحكم بن نافع غير أبي اليمان، لكن إذا عرف أن الحكم بن نافع يكنى بـأبي اليمان، عرف أنه سواءً جاء هذا اللفظ أو جاء هذا اللفظ النتيجة واحدة والشخص واحد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا شعيب].
هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري ].
قد مر ذكره.
[أخبرني أبو سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، المدني، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
وقد مر ذكرها.
قول أبي عبد الرحمن: [هذا الصواب، والذي قبله خطأ].
لا أدري ما وجهه؟ لكن لعل مما يوضح أن هذه الرواية آخرها موافق لأولها، ثم هو من حيث الإسناد الطريق غير الطريق، هذا عن الزهري عن أبي سلمة، وذاك عن الزهري عن عروة.
الغيرة


شرح حديث أنس: (... ويقول: غارت أمكم ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الغَيرة. أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا خالد حدثنا حميد حدثنا أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند إحدى أمهات المؤمنين، فأرسلت أخرى بقصعةٍ فيها طعام، فضربت يد الرسول فسقطت القصعة فانكسرت، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى، فجعل يجمع فيها الطعام ويقول: غارت أمكم، كلوا، فأكلوا، فأمسك حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها، فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول، وترك المكسورة في بيت التي كسرتها)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الغيرة، وهي بالفتح، والمقصود بالغَيرة: كون الزوجات يغار بعضهن من بعض إذا كانت واحدة منهن لها حظوة، ولها منزلة، فإن غيرها يكون في نفسه عليها شيء، أي: تريد أن يكون لها مثل ما لها، كما سبق أن مر في بعض الروايات: وهن يحببن الخير لأنفسهن كما تحبه عائشة، فهذا هو المقصود بالترجمة، أي: ما يكون بين الزوجات من التنافس، ومن كون واحدة منهن إذا صار لها تميز، تكون الباقيات يحببن أن يكن مثلها، وألا تتميز عليهن، ويردن أن يكن سواء، وألا يفاوت بينهن، هذا هو المقصود بالترجمة.
وقد أورد النسائي حديث أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم [(كان عند إحدى أمهات المؤمنين)]، يعني: في بيتها، أرسلت إحداهن مع رسول لها مندوب ومعه قصعة فيها طعام، فجاءت تلك التي هو في بيتها، وضربت يد الرسول الذي يحمل القصعة، فسقطت القصعة، وانكسرت، وانتثر الطعام الذي فيها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ القطعتين من هذه القصعة، وجعل بعضهما إلى بعض، وجعل يجمع الطعام فيها، ثم أخذ صحفة سليمة في بيت تلك المرأة التي كسرت القصعة، وأعطاها الرسول ليرجع بها إلى صاحبتها.
فهذا فيه الدلالة على ما ترجم له من الغَيرة أو الغِيرة، وهو أن إحدى أمهات المؤمنين التي هو في بيتها لما جاء الرسول من تلك المرأة التي هي إحدى أمهات المؤمنين، وقع في نفسها شيء، فضربت يد الرسول حتى وقعت القصعة، فهو من التنافس، ومن الأشياء التي تكون بين الزوجات، قيل: أنهما للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما في بيوته، والصحفة السليمة التي في بيت الكاسرة التي كسرت القصعة أعطاها للتي كسرت، وأبقى تلك المكسورة في يد الكاسرة، قالوا: فهذا فيه احتمال أن الرسول أعطى هذه ما لهذه؛ لأن الكل له، وهو في بيته، وقال كثير من أهل العلم: إن الشيء إذا أتلف يضمن بالقيمة، لكن إذا كان له مثل موافق له من جميع الوجوه، وليس فيه تميز، فإنه يمكن أن يضمن من كسر له شيء مثله تماماً إذا تحقق المماثلة، أما مع وجود المماثل، فإنه يصار إلى القيمة، قيمة ذلك الذي كسر، وأما إذا وجد له مثيل من جميع الوجوه مثله تماماً، فإنه يضمن مثله، وجاء في بعض الروايات: أن الكاسرة هي عائشة، وصاحبة الصحفة أو التي أرسلت هي أم سلمة رضي الله تعالى عنهن وعن الصحابة أجمعين.

تراجم رجال إسناد حديث أنس: (... ويقول: غارت أمكم ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو العنزي أبو موسى البصري الملقب بـالزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا خالد].
هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حميد].
هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
وهذا الحديث عند النسائي من أعلى الأسانيد، وهو من الرباعيات، إذ بين النسائي وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وكانت وفاته سنة ثلاثمائة وثلاث للهجرة، فأعلى أو أقل عدد يكون بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص في طرق كثيرة منها هذه الطريق التي معنا.

شرح حديث أم سلمة: (... ويقول: كلوا غارت أمكم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا أسد بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أبي المتوكل عن أم سلمة رضي الله عنها: (أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة متزرةً بكساءٍ ومعها فهر، ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين فلقتي الصحفة، ويقول: كلوا، غارت أمكم مرتين، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمةعائشة)].أورد النسائي حديث أم سلمة رضي الله عنها، وفيه بيان يعني الرواية السابقة، إلا أن الرواية السابقة أنها (أرسلت رسول) وهنا (أتت)، ولا تنافي بينهما، يمكن أن يكون قيل: أتت؛ لأنها هي التي كانت السبب في ذلك، والمرسلة، والذي باشر هو الرسول، أي: رسول أم سلمة رضي الله تعالى عنها، ففيه بيان صاحبة الصحفة التي أرسلت وكسرت، وبيان الكاسرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم عندها في بيتها وهي عائشة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل صحفة عائشة السليمة إلى أم سلمة، بدل صحفتها المكسورة.

تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة: (... ويقول: كلوا غارت أمكم ...)

قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].هو: الربيع بن سليمان، يحتمل أن يكون المرادي صاحب الشافعي، وأن يكون الجيزي، وكل منهما ثقة.
[حدثنا أسد بن موسى].
صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا حماد بن سلمة].
هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي المتوكل].
هو أبو المتوكل الناجي علي بن داود، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أم سلمة].
وقد مر ذكرها.

شرح حديث عائشة: (... فما ملكت نفسي أن كسرته ... فقال: إناء كإناء وطعام كطعام)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى عن عبد الرحمن عن سفيان عن أفلت عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما رأيت صانعة طعام مثل صفية، أهدت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إناء فيه طعام، فما ملكت نفسي أن كسرته، فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كفارته؟ فقال: إناءٌ كإناء، وطعامٌ كطعام)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: أن صفية أرسلت طعاماً في صحفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكسرته، فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لها: [(إناءٌ كإناء، وطعامٌ كطعام)].
[(إناءٌ كإناء)]، المقصود به أنه يعطى بدل الإناء إناء، وقوله: [(طعامٌ كطعام)]، ليس المقصود به أن يرجع لها الطعام؛ لأن الطعام الذي أرسل هدية، لكن المقصود من ذلك أن الحكم يكون كذلك عندما يصير هناك ائتلاف، فإن الضمان يكون مثل الذي أتلف، فإذا أتلف طعام يضمن طعام، وإذا أتلف إناء يضمن إناء، ويكون هذا فيه زيادةً في التشريع وزيادةً في البيان، وذكر شيء لم يذكر، مثل حديث (الطهور ماؤه الحل ميتته)؛ لأنهم سألوا عن الوضوء بماء البحر، فالرسول أعطاهم هذا وزيادة، ويكون هذا من هذا القبيل، وليس المقصود من هذا أنها تضمن لها طعاماً، وأنها ترسل لها طعاماً بدل هذا الطعام؛ لأن الطعام هي أرسلته، وخرج من ملكها هديةً لتلك الذي أرسلت إليه، لكن المقصود من ذلك أن الحكم يكون كذلك، كما أن الضمان يكون في الإناء، كذلك يكون في الطعام وغيره، المتلف يضمن بمثله إذا كان مثلياً، وإذا لم يمكن فيرجع إلى القيمة.
في أوله قوله: [(ما رأيت صانعة طعامٍ مثل صفية)]، هذا مدح لصنعتها للطعام، وإجادتها إياه، كونها أرسلت ذلك الطعام من صنعها.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... فما ملكت نفسي أن كسرته ... فقال: إناء كإناء وطعام كطعام)

قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].مر ذكره.
[عن عبد الرحمن].
هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أفلت].
هو أفلت بن خليفة، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، ويقال له: أفلت.
[عن جسرة بنت دجاجة].
مقبولة، أخرج حديثها أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن عائشة].
أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.

شرح حديث عائشة: (أن رسول الله كان يمكث عند زينب فيشرب عندها عسلا ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء: أنه سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها تزعم: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش رضي الله عنها، فيشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا، وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت ذلك له، فقال: لا، بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش، ولن أعود له، فنزلت: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1] إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ [التحريم:4]، لـعائشة، وحفصة، وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا [التحريم:3]، لقوله: بل شربت عسلاً)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقد مر هذا الحديث فيما مضى، وأتى به هنا في باب الغيرة، وهو دال على الترجمة، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي زينب في نوبتها، ويشرب عندها عسلاً، تسقيه إياه، وتواصت عائشة مع حفصة أن أي واحدة منهن يأتي إليها تقول: (إنها تجد عنده ريح مغافير)، وهو نبت له رائحة كريهة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الرائحة الطيبة، ويكره الرائحة الخبيثة، ولعل النحل الذي منه العسل أنه كان يأكل من ذلك الشيء الذي ذكر، ورائحته ليست طيبة، فالرسول قال: [(لن أعود إليه)]، أي: لن أعود إلى شرب هذا العسل الذي فيه هذه الرائحة، أو الذي ذكرنا، وكل واحدة قالت ذلك من جهتها، فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1]، وقال: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ [التحريم:4]، لـعائشة، وحفصة، والضمير يرجع إليهما وهما المعنيتان، إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ [التحريم:3] حيث قال: إنه عسل وأخبر عن الشيء الذي كان يشربه عند زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها.
المقصود: إن الحديث فيه الدلالة على الغيرة، أو هو مشتمل على الغيرة، وذلك أن عائشة، وحفصة حصل منهن هذا الذي حصل بسبب الغيرة.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أن رسول الله كان يمكن عند زينب فيشرب عندها عسلاً ...)


قوله: [أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني].ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا حجاج].
هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن جريج المكي، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع عبيد بن عمير يقول].
عبيد بن عمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت عائشة].
وقد مر ذكرها.

شرح حديث: (... كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمد حرمي هو لقبه حدثنا أبي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة رضي الله عنهما حتى حرمها على نفسه، فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1]، إلى آخر الآية)].أورد النسائي حديث أنس رضي الله عنه، من جهة الغيرة، و(أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له أمة يطؤها)، وأن عائشة، وحفصة حصل منهما من مراجعته والكلام معه حتى حرمها، فأنزل الله عز وجل عليه هذه الآية، وهذا الحديث والذي قبله يدلان على ما يتعلق بالعسل، وما يتعلق بوطء الأمة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم هذا وهذا، ونزل القرآن بعتابه على ذلك، حيث قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1]، وهو يدل على أن تفسير الآية يكون بهذا وبهذا، وكل منهما صحيح.

تراجم رجال إسناد حديث: (... كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه ...)


قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمد حرمي].هو إبراهيم بن يونس بن محمد الملقب: حرمي، فذكر اسمه وذكر لقبه، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا أبي].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس].
وقد مر ذكرهم.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 462.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 456.51 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]