|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() فصل ليس من الصغار المأمور به التعذيب والشطط روى مسلم في صحيحه: حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال: (مر هشام بن حكيم بن حزام على أناس من الأنباط بالشام قد أقيموا في الشمس فقال ما شأنهم قالوا حبسوا في الجزية فقال هشام أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا) و في رواية له زاد : (قال وأميرهم يومئذ عمير بن سعد على فلسطين فدخل عليه فحدثه فأمر بهم فخلوا). وروى القاسم ابن سلام: عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه، أن عمر بن الخطاب أتي بمال كثير - قال أبو عبيد: أحسبه، قال: من الجزية - فقال: « إني لأظنكم قد أهلكتم الناس »، قالوا: لا والله ما أخذنا إلا عفوا صفوا قال: « بلا سوط ولا نوط ؟ » قالوا: نعم، قال: « الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني » [الأموال للقاسم بن سلام - (1 / 110)]. (بلا سوط ولا نوط: أي بلا ضرب ولا تعليق) [النهاية في غريب الأثر - (5 / 269)]. وهذا يدل على أنه لا يجوز تعذيب أهل الذمة في الجزية وأن ذلك ليس من الصغار الذي يجب عليهم . وقال ابن القيم في تعليق على كلام للإمام أحمد: (وهذا يدل على أن الذمي إذا بذل ما عليه والتزم الصغار لم يحتج إلى أن يجر بيده ويضرب ) [أحكام أهل الذمة - (1 / 121)]. وقد اشتهر عند الفقهاء تفسير الصغار بأن يكون الذمي قائما والمسلم ويطأطىء رأسه ويصب ما معه في كفة الميزان ويأخذ المستوفي بلحيته ويضرب في لهزمته . وفي إبطال هذه الهيئة قال النووي : (هذه الهيئة باطلة ودعوى استحبابها أشد خطأ. والله أعلم ) [المنهاج للنووي - (1 / 452)]. وقال أيضا في روضة الطالبين: (قلت هذه الهيئة المذكورة أولا لا نعلم لها على هذا الوجه أصلا معتمدا وإنما ذكرها طائفة من أصحابنا الخراسانيين وقال جمهور الأصحاب تؤخذ الجزية برفق كأخذ الديون فالصواب الجزم بأن هذه الهيئة باطلة مردودة على من اخترعها ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الخلفاء الراشدين فعل شيئا منها مع أخذهم الجزية) [روضة الطالبين - (10 / 315)]. فصل في وجوب الجمع بين رعاية حق أهل الذمة وإلزامهم الصغار قد ذكرنا في ما سبق جملة من حقوق أهل الذمة ووجوب صيانتها وما ورد في ذلك من ترغيب وترهيب . لكن أداء حق أهل الذمة ينبغي ألا يكون فيه تعارض مع إلزامهم الصغار لأن عقد الذمة يقتضي إلزامهم الصغار فكل بر أو إحسان يقتضي خروجهم عن ربقة الصغار فهو غير مشروع . قال القرافي في الفروق: (اعلم أن الله تعالى منع من التودد لأهل الذمة بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق } الآية. فمنع الموالاة والتودد وقال في الآية الأخرى { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم } الآية. وقال في حق الفريق الآخر { إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين } الآية . وقال صلى الله عليه وسلم { استوصوا بأهل الذمة خيرا }. وقال في حديث آخر { استوصوا بالقبط خيرا } فلا بد من الجمع بين هذه النصوص وإن الإحسان لأهل الذمة مطلوب وأن التودد والموالاة منهي عنهما والبابان ملتبسان فيحتاجان إلى الفرق ) إلى أن قال: (وإذا كان عقد الذمة بهذه المثابة تعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودات القلوب ولا تعظيم شعائر الكفر فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع وصار من قبل ما نهي عنه في الآية وغيرها ويتضح ذلك بالمثل فإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا والقيام لهم حينئذ ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها هذا كله حرام وكذلك إذا تلاقينا معهم في الطريق وأخلينا لهم واسعها ورحبها والسهل منها وتركنا أنفسنا في خسيسها وحزنها وضيقها كما جرت العادة أن يفعل ذلك المرء مع الرئيس والولد مع الوالد والحقير مع الشريف فإن هذا ممنوع لما فيه من تعظيم شعائر الكفر وتحقير شعائر الله تعالى وشعائر دينه واحتقار أهله . ومن ذلك تمكينهم من الولايات والتصرف في الأمور الموجبة لقهر من هي عليه أو ظهور العلو وسلطان المطالبة فذلك كله ممنوع وإن كان في غاية الرفق والأناة أيضا لأن الرفق والأناة في هذا الباب نوع من الرئاسة والسيادة وعلو المنزلة في المكارم فهي درجة رفيعة أوصلناهم إليها وعظمناهم بسببها ورفعنا قدرهم بإيثارها وذلك كله منهي عنه . وكذلك لا يكون المسلم عندهم خادما ولا أجيرا يؤمر عليه وينهى ولا يكون أحد منهم وكيلا في المحاكمات على المسلمين عند ولاة الأمور فإن ذلك أيضا إثبات لسلطانهم على ذلك المسلم ) [أنوار البروق في أنواع الفروق - (4 / 399)]. وقال خليل ابن إسحاق المالكي في "المختصر" مبينا ما يمنع منه أهل الذمة: (ومنع: ركوب الخيل والبغال والسروج وجادة الطريق وألزم بلبس يميزه وعزر لترك الزنار وظهور السكر ومعتقده وبسط لسانه وأريقت الخمر وكسر الناقوس). و ذكر القرافي أمثلة لما يشرع من برهم فقال: (وأما ما أمر به من برهم ومن غير مودة باطنية فالرفق بضعيفهم وسد خلة فقيرهم وإطعام جائعهم وإكساء عاريهم ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفا منا بهم لا خوفا وتعظيما والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم وإيصالهم لجميع حقوقهم وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله ومن العدو أن يفعله مع عدوه فإن ذلك من مكارم الأخلاق فجميع ما نفعله معهم من ذلك ينبغي أن يكون من هذا القبيل لا على وجه العزة والجلالة منا ولا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم ... وبالجملة فبرهم والإحسان إليهم مأمور به وودهم وتوليهم منهي عنه فهما قاعدتان إحداهما محرمة والأخرى مأمور بها وقد أوضحت لك الفرق بينهما بالبيان والمثل فتأمل ذلك) [أنوار البروق في أنواع الفروق - (4 / 400)]. فصل في بيان إخلال النصارى اليوم بجميع الشروط العمرية شروط عمر ابن الخطاب رضي الله على عنه على أهل الذمة اعتمد عليها أهل العلم في تحديد ما يحظر على أهل الذمة وما يشرع لهم، ونحن اليوم في حاجة إلى إلقاء نظرة سريعة على هذه الشروط العمرية لمعرفة مدى استجابة النصارى لها: روى البيهقي في السنن الكبرى: عن عبد الرحمن بن غنم قال: ( كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا: إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا: 1- أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا نحيي ما كان منها في خطط المسلمين. 2- وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار . 3- وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل . 4- وأن ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاثة أيام ونطعمهم . 5- وأن لا نؤمن في كنائسنا ولا منازلنا جاسوسا . 6- ولا نكتم غشا للمسلمين . 7- ولا نعلم أولادنا القرآن . 8- ولا نظهر شركا ولا ندعو إليه أحدا . 9- ولا نمنع أحدا من قرابتنا الدخول في الإسلام إن أراده . 10-وأن نوقر المسلمين وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا جلوسا . 11- ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم من قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ولا نتكنى بكناهم . 12- ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا. 13- ولا ننقش خواتيمنا بالعربية . 14- ولا نبيع الخمور . 15- وأن نجز مقاديم رؤوسنا . 16- وأن نلزم زينا حيث ما كنا . 17- وأن نشد الزنانير على أوساطنا . 18- وأن لانظهر صلبنا وكتبنا في شيء من طريق المسلمين ولا أسواقهم . 19- وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا . 20- وأن لا نضرب بناقوس في كنائسنا بين حضرة المسلمين . 21- وأن لا نخرج سعانينا ولا باعونا ولا نرفع أصواتنا مع أمواتنا ولا نظهر النيران معهم في شيء من طريق المسلمين ولا نجاوزهم موتانا . 22- ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين . 23- وأن نرشد المسلمين . 24- ولا نطلع عليهم في منازلهم . فلما أتيت عمر رضي الله عنه بالكتاب زاد فيه: 25- وأن لا نضرب أحدا من المسلمين . شرطنا لهم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا منهم الأمانفإن نحن خالفنا شيئا مما شرطناه لكم فضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم ما يحل لكم من أهل المعاندة والشقاوة) . وروى البيهقي في السنن: عن حرام بن معاوية قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أدبوا الخيل ولا يرفعن بين ظهرانيكم الصليب ولا يجاورنكم الخنازير [سنن البيهقي الكبرى - (9 / 201)]. وكما هو ملاحظ فإنه يوجد في وثيقة الشروط العمرية خمسة وعشرون شرطا على الأقل . والسؤال الذي نتمنى أن يرد عليه محمد حسان هو: هل يلتزم النصارى اليوم بشرط واحد من هذه الشروط العمرية ؟
__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام. والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين. ![]() ![]() |
#2
|
||||
|
||||
![]() فصل في النهي عن تولية أهل الذمة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118] قال الألوسي: (والبطانة خاصة الرجل الذين يستبطنون أمره مأخوذ من بطانة الثوب للوجه الذي يلي البدن لقربه وهي نقيض الظهارة ويسمى بها الواحد والجمع والمذكر والمؤنث و ( من ) متعلقة ب {لا تتخذوا }أو بمحذوف وقع صفة لبطانة، وقيل: زائدة، و ( دون ) إما بمعنى غير أو بمعنى الأدون والدنيء، وضمير الجمع المضاف إليه للمؤمنين والمعنى: لا تتخذوا الكافرين كاليهود والمنافقين أولياء وخواص من غير المؤمنين أو ممن لم تبلغ منزلته منزلتكم في الشرف والديانة، والحكم عام وإن كان سبب النزول خاصاً فإن اتخاذ المخالف ولياً مظنة الفتنة والفساد) [تفسير الألوسي - (3 / 186)]. وقال القرطبي: (أكد الله تعالى الزجر عن الركون إلى الكفار. وهو متصل بما سبق من قوله: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} والبطانة مصدر، يسمى به الواحد والجمع. وبطانة الرجل خاصته الذين يستبطنون أمره، وأصله من البطن الذي هو خلاف الظهر. وبطن فلان بفلان يبْطُن بُطونا وبِطانة إذا كان خاصا به. قال الشاعر: أولئك خلصائي نعم وبطانتي ... وهم عيبتي من دون كل قريب نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أمورهم. ويقال: كل من كان على خلاف مذهبك ودينك فلا ينبغي لك أن تحادثه. قال الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ...فكل قرين بالمقارن يقتدي ثم بين تعالى المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة فقال: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} يقول فسادا. يعني لا يتركون الجهد في فسادكم، يعني أنهم وإن لم يقاتلوكم في الظاهر فإنهم لا يتركون الجهد في المكر والخديعة، على ما يأتي بيانه) [تفسير القرطبي - (4 / 179)]. وروى ابن أبي شيبة في المصنف و ابن أبي حاتم في تفسيره: عن أبي الدهقانة، قال: قيل لعمر بن الخطاب: إن هاهنا غلاما من أهل الحيرة، لم ير قط أحفظ منه، ولا أكتب منه، فإن رأيت أن تتخذه كاتبا بين يديك، إذا كانت لك الحاجة شهدك، قال: فقال عمر: قد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين. قال ابن كثير: (ففي هذا الأثر مع هذه الآية دلالة على أن أهل الذَّمَّة لا يجوز استعمالهم في الكتابة، التي فيها استطالة على المسلمين واطِّلاع على دَوَاخل أمُورهم التي يُخْشَى أن يُفْشوها إلى الأعداء من أهل الحرب؛ ولهذا قال تعالى: { لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } . وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا إسحاق بن إسرائيل، حدثنا هُشَيم، حدثنا العَوَّام، عن الأزهر بن راشد قال: كانوا يأتون أنَسًا، فإذا حَدَّثهم بحديث لا يدرون ما هو، أتَوا الحسن -يعني البصري-فيفسره لهم. قال: فحدَّث ذات يوم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تَسْتَضِيؤوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ، ولا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبيا فلم يدروا ما هو، فأتوا الحسن فقالوا له: إن أنسا حَدّثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَسْتَضِيؤوا بِنَارِ الشِّركِ ولا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبيا فقال الحسن: أما قوله: "ولا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبيا: محمد صلى الله عليه وسلم. وأما قوله: "لا تَسْتَضِيؤوا بِنَارِ الشِّركِ" يقول: لا تستشيروا المشركين في أموركم. ثم قال الحسن: تصديق ذلك في كتاب الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ }) [تفسير ابن كثير] . وفي هذا دليل بين على حرمة استعمال أهل الذمة في أعمال المسلمين لما جبلوا عليه من بغض الإسلام وكراهيته، فكل من ولاهم أمرا من أمور المسلمين فهو ساع في هدم الإسلام . وقد نبه القرافي في الفروق على أهمية استحضار ما في أهل الذمة من خصال ذميمة فقال: (وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا واستولوا على دمائنا وأموالنا وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالا لأمر ربنا عز وجل وأمر نبينا صلى الله عليه وسلم لا محبة فيهم ولا تعظيما لهم ولا نظهر آثار تلك الأمور التي نستحضرها في قلوبنا من صفاتهم الذميمة لأن عقد العهد يمنعنا من ذلك فنستحضرها حتى يمنعنا من الود الباطن لهم والمحرم علينا خاصة ) [أنوار البروق في أنواع الفروق - (4 / 400)]. ثم ذكر قصة الشيخ أبي الوليد الطرطوشي مع الخليفة بمصر فقال: (ولما أتى الشيخ أبو الوليد الطرطوشي رحمه الله الخليفة بمصر وجد عنده وزيرا راهبا وسلم إليه قياده وأخذ يسمع رأيه وينفذ كلماته المسمومة في المسلمين . وكان هو ممن يسمع قوله فيه فلما دخل عليه في صورة المغضب والوزير الراهب بإزائه جالس أنشده: يا أيها الملك الذي جوده … يطلبه القاصد والراغب إن الذي شرفت من أجله … يزعم هذا أنه كاذب فاشتد غضب الخليفة عند سماع الأبيات وأمر بالراهب فسحب وضرب وقتل وأقبل على الشيخ أبي الوليد فأكرمه وعظمه بعد عزمه على إيذائه فلما استحضر الخليفة تكذيب الراهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبب شرفه وشرف آبائه وأهل السموات والأرضين بعثه ذلك على البعد عن السكون إليه والمودة له وأبعده عن منازل العز إلى ما يليق به من الذل والصغار. ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول في أهل الذمة أهينوهم ولا تظلموهم وكتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلا نصرانيا بالبصرة لا يحسن ضبط خراجها إلا هو وقصد ولايته على جباية الخراج لضرورة تعذر غيره فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهاه عن ذلك وقال له في الكتاب مات النصراني والسلام أي افرضه مات ماذا كنت تصنع حينئذ فاصنعه الآن ) [أنوار البروق في أنواع الفروق - (4 / 401)]. وقد كان أهل الجور والفساد من الأمراء يستعينون بأهل الذمة في أمورهم ولا شك أن في ذلك إعلاء لمنزلتهم ورفعا لهم على المسلمين بما يتنافى مع الصغار الذي أخذوا به الأمان. وقد بلغت مكانة اليهود في زمن الدولة العبيدية أن قال القائل-في وصف ما هم عليه من العز والسؤدد: يهود هذا الزّمان قد بلغوا ... غاية آمالهم، وقد ملكوا العزّ فيهم والمال عندهم ... ومنهم المستشار والملك يا أهل مصر إنّي قد نصحت لكم ... تهوّدوا قد تهوّد الفلك. وحدث الأمر نفسه في دولة غرناطة حتى تحكم اليهود وصار الحكم كأنه بأيديهم وفي ذلك يقول القائل: تحكمت اليهود على الفروج ... وتاهت بالبغال وبالسروج وقامت دولة الأنذال فينا ... وصار الحكم فينا للعلوج فقل للأعور الدجال هذا ... زمانك إن عزمت على الخروج. وفي ذلك يقول أيضا أبو إسحق الألبيري الصنهاجي: وإني احتللت بغرناطة ... فكنت أراهم بها عابثين وقد قسموها وأعمالها ... فمنهم بكل مكان لعين وهم يقبضون جباياتها ... وهم يخضمون وهم يقضمون ورخم قردهم داره ... وأجرى إليها نمير العيون فصارت حوائجنا عنده ... ونحن على بابه قائمون ويضحك منا ومن ديننا ... فإنا إلى ربنا راجعون ولا شك أن هذا كله مناف لما ينبغي أن يكون عليه أهل الذمة من الصغار، فما دام الكفار على هذه الهيئة من الاستعلاء ورفض الصغار فليسوا أهل ذمة . ولهذا كان أهل العلم يفتون بانتقاض عهد الذمي وإباحة دمه متى تولى المناصب وظهر منه عدم التزام بالصغار، وفي ذلك يقول ابن القيم: (قال القاضي أبو يعلى وفي هذا دلالة على أن هؤلاء النصارى الذين يتولون أعمال السلطان ويظهر منهم الظلم والاستعلاء على المسلمين وأخذ الضرائب لا ذمة لهم وأن دماءهم مباحة لأن الله تعالى وصفهم بإعطاء الجزية على وجه الصغار والذل . وهذا الذي استنبطه القاضي من أصح الاستنباط فإن الله سبحانه وتعالى مد القتال إلى غاية وهي إعطاء الجزية مع الصغار فإذا كانت حالة النصراني وغيره من أهل الجزية منافية للذل والصغار فلا عصمة لدمه ولا ماله وليست له ذمة ومن ها هنا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط التي فيها صغارهم وإذلالهم وأنهم متى خرجوا عن شيء منها فلا عهد لهم ولا ذمة وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل الشقاق والمعاندة ) [أحكام أهل الذمة - (1 / 121)].
__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام. والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين. ![]() ![]() |
#3
|
||||
|
||||
![]() فصل في نواقض العهد والذمة قدمنا فيما سبق الأدلة الواضحة على عدم توفر شروط عقد الذمة في هؤلا النصارى اليوم . ونزيد من الشعر بيتا فنقول إنهم أيضا متلبسون بكثير من النواقض التي تبطل عقد الذمة . ولتوضيح ذلك نذكر كلام أهل العلم في بيان هذه النواقض: 1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإذا أبى الذمي بذل الجزية أو الصغار أو التزام حكمنا ينقض عهده. وساب الرسول يقتل ولو أسلم وهو مذهب أحمد .. ومن قطع الطريق على المسلمين أو تجسس عليهم أو أعان أهل الحرب على سبي المسلمين أو أسرهم وذهب بهم إلى دار الحرب ونحو ذلك مما فيه مضرة على المسلمين فهذا يقتل ولو أسلم ولو قال الذمي: هؤلاء المسلمون الكلاب أبناء الكلاب ينغصون علينا إن أراد طائفة معينين عوقب عقوبة تزجره وأمثاله وإن ظهر منه قصد العموم ينقض عهده ووجب قتله) [الفتاوى الكبرى - (5 / 545)]. 2- وقال أيضا: (القاضي في المجرد ذكر الأشياء التي يجب على أهل الذمة تركها و فيها ضرر على المسلمين و آحادهم في نفس أو مال و هي: الإعانة على قتال المسلمين و قتل المسلم أو المسلمة و قطع الطريق عليهم و أن يؤوي للمشركين جاسوسا و أن يعين عليهم بدلالة مثل أن يكاتب المشركين بأخبار المسلمين و أن يزني بمسلمة أو يصيبها باسم نكاح و أن يفتن مسلما عن دينه قال: فعليه الكف عن هذا شرط أو لم يشرط فإن خالف انتقض عهده) [الصارم المسلول - (1 / 11)]. 3- قال منصور البهوتي: (فإن أبى الذمي بذل الجزية أو الصغار أو التزام حكم الإسلام أو قاتلنا أو تعدى على مسلم بقتل أو زنا بمسلمة وقياسه اللواط أو تعدى بـ قطع طريق أو تجسيس أو ايواء جاسوس أو ذكر الله أو رسوله أو كتابه أو دينه بسوء انتقض عهده لأن هذا ضرر يعم المسلمين وكذا لو لحق بدار حرب) [الروض المربع شرح زاد المستنقع - (1 / 205)]. 4- قال: مرعي بن يوسف الكرمي: (ومن أبى من أهل الذمة بذل الجزية أو أبى الصغار أو أبى التزام أحكمنا أو زنا بمسلمة أو أصابها بنكاح أو قطع الطريق أو ذكر الله تعالى أو رسوله بسوء أو تعدى على مسلم بقتل أو فتنة عن دينه انتقض عهده) [دليل الطالب لنيل المطالب - (1 / 122)]. 5- قال ابن قدامة: (إذا امتنع الذمي من بذل الجزية أو التزام احكام الملة إذا حكم بها حاكم انتقض عهده بغير خلاف في المذهب سواء شرط عليهم أو لا، وهو مذهب الشافعي لقول الله تعالى {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} قيل الصغار التزام احكام المسلمين فأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية ويلتزموا أحكام الملة، فإذا امتنعوا من ذلك وجب قتالهم فإذا قاتلوا فقد نقضوا العهد وفي معنى هذين قتالهم للمسلمين منفردين أو مع الحرب لان اطلاق الامان يقتضي ذلك وقال أبو حنيفة .. لا ينتقض العهد الا بالامتناع من الامام بحيث يتعذر أخذ الجزية منهم ولنا ما ذكرناه ولانه ينافي الامان أشبه مالو امتنعوا من بذل الجزية) [الشرح الكبير لابن قدامة - (10 / 634)]. 6- وقال خليل المالكي في المختصر: (وينتقض بقتال ومنع جزية وتمرد على الأحكام وبغضب حرة مسلمة وغرورها وتطلعه على عورات المسلمين وسب نبي بما لم يكفر به). فصل الراضي بنقض العهد ناقض قد بينت في رسالة "فك الأسارى في كنيس النصارى" أن نقض العهد من طرف بعض أهل الذمة ينسحب على كل من رضيه منهم فقلت هناك: (من حيث المبدأ فإن الطائفة الناقضة للعهد والأمان يسري عليها حكم النقض الصادر من بعضها إلا إذا تبرأت من هذا البعض وأعانت المسلمين عليه . دليل ذلك من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعاقب الناكثين للعهد بما صدر من بعضهم لا كلهم . روى ابن هشام عن أبي عون: أن امرأة من العرب قدمت بجَلَبٍ لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فَعَمَد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ـ وهي غافلة ـ فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله ـ وكان يهودياً ـ فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع. ودليل ذلك من القرآن أن الله تعالى قال في شأن قوم صالح الذين عقروا الناقة: {فكذبوه فعقروها} مع أن الذي عقر الناقة شخص واحد هو الذي قال الله في شأنه { إذ انبعث أشقاها} ‘ عن عبد الله بن زمعة قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال: { إذ انبعث أشقاها } انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه مثل أبي زمعة) [رواه مسلم] . لكن لما كانت البقية مناصرة له كان حكمها حكمه . قال ابن جرير في تفسيره: جاء الخبر أنهم بعد تسليمهم ذلك أجمعوا على منعها الشرب ورضوا بقتلها وعن رضا جميعهم قتلها قاتلها وعقرها من عقرها ولذلك نسب التكذيب والعقر إلى جميعهم فقال جل ثناؤه: {فكذبوه فعقروها}. فهذا الاعتداء الذي يحدث من النصارى يسري عليهم جميعا حكمه لأنهم مناصرون له) اهـ . وقد صرح أهل العلم بانتقاض عهد كل من ظهر من حاله الرضا بالنقض من أهل الذمة . قال القرطبي: ( فإن نقض بعضهم دون بعض فمن لم ينقض على عهده، ولا يؤخذ بنقض غيره وتعرف إقامتهم على العهد بإنكارهم على الناقضين) [تفسير القرطبي - (8 / 114)]. وقال الماوردي: (فلو قاتل المسلمين بعضهم، وقعد عنهم بعضهم انتقض عقد المقاتل، ونظر في القاعد، فإن ظهر منه الرضا كان نقضا لعهده، وإن لم يظهر منه الرضا كان على عهده) [الحاوي في فقه الشافعي - (14 / 317)]. وقال ابن القيم: ( عقد العهد والذِمَّة مشروطٌ بنصح أهل العهد والذِمَّة وإصلاحهم، فإذا غشُّوا المسلمين وأفسدوا فى دينهم، فلا عهد لهم ولا ذِمَّة، وبهذا أفتينا نحن وغيرُنا فى انتقاض عهدهم لما حرقوا الحريق العظيمَ فى دمشق حتى سرى إلى الجامِع، وبانتقاض عهد مَن واطأهم وأعانهم بوجه ما، بل ومَن علم ذلك، ولم يرفعه إلى ولى الأمر، فإنَّ هذا مِن أعظم الغش والضرر بالإسلام والمسلمين) [زاد المعاد في هدي خير العباد - (3 / 644)]. وبهذا يظهر انتقاض ذمة النصارى الذين تواطئوا على فتنة المسلمات عن دينهن .
__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام. والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين. ![]() ![]() |
#4
|
||||
|
||||
![]() فصل في وجوب قتال من نكث العهد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بشكل صريح على مشروعية قتال من نكث العهد من الكفار أو أخل بشروط الذمة ولم يلتزم للمسلمين بالوفاء بالعهد . ومما ورد في ذلك: أولا: قال تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }[التوبة: 12، 13]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (النكث هو مخالفة العهد فمتى خالفوا شيئا مما صولحوا عليه فهو نكث مأخوذ من نكث الحبل و هو نقض قواه و نكث الحبل يحصل بنقض قوة واحدة كما يحصل بنقض جميع القوى لكن قد بقي من قواه ما يستمسك الحبل به و قد يهن بالكلية و هذه المخالفة من المعاهد قد تبطل العهد بالكلية حتى تجعله حربيا) والآية الكريمة تدل على مشروعية قتال كل من نكث العهد وإباحة دمه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (النكث و الطعن وصف مشتق مناسب لوجوب القتال و قد رتب عليه بحرف الفاء ترتيب الجزاء على شرطه و ذلك نص في أن ذلك الفعل هو الموجب للثاني) [الصارم المسلول - (1 / 21)]. بل إن في الآية الكريمة تحريضا على قتال من كانت هذه صفته كما قال الطاهر بن عاشور: (فكانت جملة {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} تحذيرا من التراخي في مبادرتهم بالقتال) [التحرير والتنوير - (10 / 37)]. وقال الألوسي: ({ أَلاَ تقاتلون } تحريض على القتال لأن الاستفهام فيه للانكار والاستفهام الانكاري في معنى النفي وقد دخل النفيَ، ونفى النفي إثبات، وحيث كان الترك مستقبحاً منكراً أفاد بطريق برهاني أن إيجاده أمر مطلوب مرغوب فيه فيفيد الحث والتحريض عليه )[تفسير الألوسي - (7 / 174)]. وصرح شيخ الإسلام ابن تيمية بأن هذه الآية تدل على ( أن مجرد نكث الأيمان مقتض للمقاتلة و إنما ذكر الطعن في الدين و أفرده بالذكر تخصيصا له بالذكر و بيانا لأنه من أقوى الأسباب الموجبة للقتال و لهذا يغلظ على الطاعن في الدين من العقوبة ما لا يغلظ على غيره من الناقضين ). وهو أيضا ما ذهب إليه الكيا الهراسي فقال: (قوله تعالى: {وإنْ نَكَثُوا أَيمَانَهُم مِنْ بَعدِ عَهدِهِم وَطَعَنُوا في دِينِكُم}، الآية: [12]. يدل على أن المعاهد لا يقتل في عهده ما لم ينكث، وذكر الأمرين لا يقتضي توقف قتالهم على وجودهما، فان النكث يقتضي ذلك بانفراده عقلاً وشرعاً. فالمراد به على هذا الوجه التمييز في الجمع، وتقديره: فإن نكثوا حل قتالهم وإن لم ينكثوا وطعنوا في الدين مع الوفاء بالعهد حل قتالهم). [أحكام القرآن للكيا الهراسى - (3 / 49)]. وفي الآية الكريمة إبطال لقول أبي حنيفة أن مجرد الطعن في الدين لا ينقض به العهد. قال الكيا الهراسي: (وهذا يقوي مذهب الشافعي، فإن المعاهد إذا جاهر بسب الرسول وطعن في الدين فإنه يحل قتله وقتاله.. وأبو حنيفة رأى أن مجرد الطعن في الدين لا ينقض به العهد، ولا شك أن دلالة الآية قوية فيما قاله الشافعي) [أحكام القرآن للكيا الهراسى - (3 / 49)]. وهذه الآية ليست خاصة بمن نزلت في شأنهم من المشركين الناكثين لعهد النبي صلى الله عليه وسلم بل هي عامة في كل من نكث العهد من المشركين لما هو مقرر من أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . قال الثعالبي في تفسيره: (وأصوبُ ما يقال في هذه الآية: أنه لا يُعْنَى بها معيَّنٌ وإِنما وَقَعَ الأمر بقتال أئمة الناكثين للعهود من الكَفَرةِ إِلَى يوم القيامة، واقتضت حالُ كفَّار العرب ومحارِبي النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَن تكون الإِشارة إِليهم أَولاً، ثم كُلُّ مَنْ دَفَعَ في صدر الشريعة إِلى يوم القيامة فهو بمنزلتهم) [تفسير الثعالبي - (2 / 129)]. كما أنها ليست خاصة بأهل العهد من المحاربين بل إنها تشمل أيضا أهل الذمة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (و هذه الآية و إن كانت في أهل الهدنة الذين يقيمون في دارهم فإن معناها ثابت في أهل الذمة المقيمين في دارنا بطريق الأولى) [الصارم المسلول - (1 / 16)]. ثانيا: قوله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [9/7]، قال الطاهر بن عاشور: (وقوله: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} تفريع على الاستثناء. فالتقدير إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فاستقيموا لهم ما استقاموا لكم، أي ما داموا مستقيمين لكم. والظاهر أن استثناء هؤلاء لأن لعهدهم حرمة زائدة لوقوعه عند المسجد الحرام حول الكعبة. و {مَا} ظرفية مضمنة معنى الشرط، والفاء الداخلة على فاء التفريع. الوفاء الواقعة في قوله: {فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} فاء جواب الشرط، وأصل ذلك أن الظرف والمجرور إذا قدم على متعلقه قد يشرب معنى الشرط فتدخل الفاء في جوابه .... والاستقامة: حقيقتها عدم الاعوجاج، والسين والتاء للمبالغة مثل استجاب واستحب، وإذا قام الشيء انطلقت قامته ولم يكن فيه اعوجاج، وهي هنا مستعارة لحسن المعاملة وترك القتال، لأن سوء المعاملة يطلق عليه الالتواء والاعوجاج، فكذلك يطلق على ضده الاستقامة.) [التحرير والتنوير - (10 / 29)]. وقال أيضا: (والاستقامة: كون الشيء قويما، أي غير ذي عوج وتطلق مجازا على كون الشيء حقا خالصا ليست فيه شائبة تمويه ولا باطل. وعلى كون الشخص صادقا في معاملته أو عهده غير خالط به شيئا من الحيلة أو الخيانة، فيقال: فلان رجل مستقيم، أي صادق الخلق، وإن أريد صدقة مع غيره يقال: استقام له، أي استقام لأجله، أي لأجل معاملته منه. ومنه قوله تعالى {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7] والاستقامة هنا بهذا المعنى، ) [التحرير والتنوير - (25 / 14)]. وقال ابن القيم: (فجعل لهم عهدا ما داموا مستقيمين لنا فعلم أن العهد لا يبقى للمشرك إلا ما دام مستقيما ) [أحكام أهل الذمة - (3 / 1379)]. وقال ابن القيم أيضا: ( عقد العهد والذِمَّة مشروطٌ بنصح أهل العهد والذِمَّة وإصلاحهم، فإذا غشُّوا المسلمين وأفسدوا فى دينهم، فلا عهد لهم ولا ذِمَّة، وبهذا أفتينا نحن وغيرُنا فى انتقاض عهدهم لما حرقوا الحريق العظيمَ فى دمشق حتى سرى إلى الجامِع، وبانتقاض عهد مَن واطأهم وأعانهم بوجه ما، بل ومَن علم ذلك، ولم يرفعه إلى ولى الأمر، فإنَّ هذا مِن أعظم الغش والضرر بالإسلام والمسلمين) [زاد المعاد في هدي خير العباد - (3 / 644)]. ثالثا: قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ}، قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي: (يفهم من مفهوم مخالفة هذه الآية: أن المشركين إذا نقضوا العهد جاز قتالهم، ونظير ذلك أيضاً، قوله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ}، وهذا المفهوم في الآيتين صرح به جل وعلا في قوله: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ}). رابعا: قوله تعالى: { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ } قال ابن كثير: (أي: إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم العداوة، فقاتلوكم وأخرجوكم، وعاونوا على إخراجكم، ينهاكم الله عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم. ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال: { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } كقوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }) [تفسير ابن كثير - (8 / 91)]. خامسا: روى أبو داود في السنن: عن إسمعيل بن عبد الرحمن القرشي عن ابن عباس قال: (صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلة ... على أن لا تهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنوا عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا) قال إسمعيل: فقد أكلوا الربا، قال أبو داود: إذا نقضوا بعض ما اشترط عليهم فقد أحدثوا . سادسا: روى أبو داود في السنن أيضا عن علي رضي الله عنه: (أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها). سابعا: لما نقض بنوا قريظة عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالمسارعة إلى قتالهم: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار فقال قد وضعت السلاح والله ما وضعته اخرج إليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم فأين فأشار إلى بني قريظة فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكمه فرد الحكم إلى سعد قال فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم) [رواه البخاري] . وفي هذا دليل على إبطال دم من نقض العهد من أهل الذمة متى ما نقض العهد . فصل في قتل الذمي إذا اعتدى على مسلمة ذكرنا فيما سبق أن سبب قتال النبي صلى الله عليه وسلم لبني قينقاع هو اعتداؤهم على امرأة من المسلمين . وبينت الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين اتفاقهم على أن الذمي إذا زنا بالمسلمة انتقض عهده وأمانه وحل دمه للمسلمين: 1- فقد روى البيهقي في السنن الكبرى عن سويد بن غفلة قال: ( كنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين بالشام فأتاه نبطي مضروب مشجج مستعدي فغضب غضبا شديدا فقال لصهيب انظر من صاحب هذا فانطلق صهيب فإذا هو عوف بن مالك الأشجعي فقال له إن أمير المؤمنين قد غضب غضبا شديدا فلو أتيت معاذ بن جبل فمشى معك إلى أمير المؤمنين فإني أخاف عليك بادرته فجاء معه معاذ فلما انصرف عمر من الصلاة قال أين صهيب فقال أنا هذا يا أمير المؤمنين قال أجئت بالرجل الذي ضربه قال نعم فقام إليه معاذ بن جبل فقال يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك فاسمع منه ولا تعجل عليه فقال له عمر ما لك ولهذا قال يا أمير المؤمنين رأيته يسوق بامرأة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها فلم تصرع ثم دفعها فخرت عن الحمار ثم تغشاها ففعلت ما ترى قال ائتني بالمرأة لتصدقك فاتى عوف المرأة فذكر الذي قال له عمر رضي الله عنه قال أبوها وزوجها ما أردت بصاحبتنا فضحتها فقالت المرأة والله لأذهبن معه إلى أمير المؤمنين فلما أجمعت على ذلك قال أبوها وزوجها نحن نبلغ عنك أمير المؤمنين فأتيا فصدقا عوف بن مالك بما قال قال فقال عمر لليهودي والله ما على هذا عاهدناكم فأمر به فصلب ثم قال يا أيها الناس فوا بذمة محمد صلى الله عليه و سلم فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له قال سويد بن غفلة وإنه لأول مصلوب رأيته). وفي رواية ابن أبي شيبة في المصنف عن الشعبي، عن سويد بن غفلة: (وقال: ليس على هذا عاهدناكم). وفي رواية عبد الرزاق في المصنف عن جابر عن الشعبي عن عوف بن مالك الأشجعي: ( فقال عمر إن لهؤلاء عهدا ما وفوا لكم بعهدهم فإذا لم يفوا لكم بعهدكم فلا عهد لهم قال فصلبه عمر). وروى عبد الرزاق في المصنف عن الأسلمي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه: ( أن امرأة مسلمة استأجرت يهوديا أو نصرانيا فانطلق معها فلما أتيا أكمة توارى بها ثم غشيها قال أبو صالح وقد كنت رمقتها حين غشيها فضربته فلم أتركه حتى رأيته أن قد قتلته قال فانطلق إلى أبي هريرة فأخبره فدعاني فأخبرته فأرسل إلى المرأة فوافقتني على الخبر فقال أبو هريرة ما على هذا أعطيناكم العهد فأمر به فقتل). 2- وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد الأعلى عن داود، عن زياد بن عثمان: (أن رجلا من النصارى استكره امرأة مسلمة على نفسها، فرفع إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقال: ما على هذا صالحناكم، فضرب عنقه). 3- وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن البكراوي، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، قال: (إذا استكره الذمي المسلمة قتل ). 4- قال عبد الرزاق في المصنف: (وقضى عبد الملك في جارية من الأعراب افتضها رجل من اهل الكتاب فقتله وأعطى الجارية ماله ) [مصنف عبد الرزاق - (6 / 115)]. أقول: إذا كان هذا هو حال من يعتدي على مسلمة بالزنى، فإن من يعتدي عليها بصدها عن الإسلام وفتنتها في الدين وإرغامها على الكفر أعظم خطرا وأشد ضررا، وهذا هو حال النصارى اليوم الذين يدعي محمد حسان بأنهم أهل ذمة لا يجوز النيل منهم ! فكيف تجتمع كلمتهم على فتنة المسلمات وصدهنّ عن الإسلام ثم يكونون بعد ذلك أهل ذمة يجب برهم والإحسان إليهم ؟!! إذا لم يكن هذا تناقضا فما هو التناقض ؟ الخاتمة يتضح من خلال ما سبق من نصوص أن وصف الذمة لا يطلق على كل من سكن ديار الإسلام من الكفار، بل هو وصف له شروط وأركان لا بد من توفرها حتى يكون إطلاقه صحيحا . وأن الذين يريدون استغلال النصوص المتعلقة بأهل الذمة دفاعا عن هؤلاء النصارى إنما يحاولون العبث بالنصوص الشرعية من أجل خداع العامة من المسلمين .. ولكن النصوص الشرعية والأحكام الفقهية في هذه المسالة بينة وواضحة وجلية ولا مدخل فيها لأنامل العابثين .. ونحن نقول لهؤلاء القوم: كونوا واضحين في مواقفكم .. إذا كنتم تزعمون أنه لا يجوز استهداف هؤلاء النصارى لأنهم أهل ذمة ينطبق عليهم ما ينطبق على أهل الذمة فأنتم محرفون كذابون تفترون على الله الكذب .. وإذا كنتم تزعمون أنه لا يشرع استهدافهم لما يترتب على ذلك من أضرار ومآلات خطيرة، فتلك مسألة قابلة للاجتهاد والأخذ والرد لو سلم المسلمون من أذى هؤلاء النصارى.. لكن ..لا تقولوا بأنهم أهل ذمة .. لقد انقرض أهل الذمة ولم يعد لهم وجود وتوقفت أحكام الذمة عندما زالت دولة الإسلام وضعف المسلمون . ولا ينتظر أن تعود هذه الأحكام إلا بعد أن يستعيد المسلمون قوتهم ومكانتهم .. فابحثوا لهؤلاء النصارى عن وصف آخر غير وصف: "أهل الذمة" . والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام. والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين. ![]() ![]() |
#5
|
||||
|
||||
![]() اقتباس:
قال تعالى: { وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دينكم فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ * أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }. سورة التوبة
__________________
,, ,, سبحان الله والحمد لله ولا إلــه إلا الله والله أكبر ,, أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.. سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |