قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كيف تصنع ب"لا إله إلا الله" يوم القيامة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          رأس المنافقين ( عبد الله بن أُبَيّ بن سلول) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الإسراء والمعراج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الأخوَّة.. تلك الحلقة المفقودة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          محمد بن القاسم الثقفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الإسلام عقيدة وعبادة وأخلاق وتشريع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          معركتنا مع الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          أويس القرني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الصاحب الناصح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          انت أخي في الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-01-2013, 12:56 PM
الصورة الرمزية أمة_الله
أمة_الله أمة_الله غير متصل
هُـــدُوءُ رُوح ~
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
مكان الإقامة: ღ تحت رحمة ربي ღ
الجنس :
المشاركات: 6,445
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله عنا خيرا أستاذنا الفاضل أبو الشيماء
أثقل الله بعملكم ميزان حسناتكم إن شاء الله

والشكر موصول لوردتنا الجورية
لا حرمك ربي الأجر والثواب حبيبتي في الله

متابعة ... نفعنا ربي وإياكم
في حفظ الله
__________________

()

{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}
[الأعراف: 156]


اللَّهُمَّ مَغْفِرَتِكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي وَرَحْمَتَكَ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلِي



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-01-2013, 09:19 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمة_الله مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


جزاكم الله عنا خيرا أستاذنا الفاضل أبو الشيماء
أثقل الله بعملكم ميزان حسناتكم إن شاء الله

والشكر موصول لوردتنا الجورية
لا حرمك ربي الأجر والثواب حبيبتي في الله


متابعة ... نفعنا ربي وإياكم
في حفظ الله
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اهلا بالطيبة الغالية
سعيدة بانضمامك لحلقة علم ( ابو الشيماء )

جزاه الله خيرا
وجميع المتابعين
..

اشتاق للمتابعة وانتظر العطلة بفارغ الصبر

حفظكم الله ورعاكم
__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-02-2013, 01:14 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,416
الدولة : Morocco
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

الدرس الرابع عشر
قال
تعالى..
{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216
***
الحمد لله،وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فحديثنا في هذه الحلقة مع قاعدة عظيمة لها أثرٌ بالغ في حياة الذين وعوها وعقلوها، واهتدوا بهداها، قاعدة لها صلة بأحد أصول الإيمان العظيمة: ألا وهو: الإيمان بالقضاء والقدر، وتلكم القاعدة هي قوله سبحانه وتعالى ـ في سورة البقرة في سياق الكلام على فرض الجهاد في سبيل الله ـ: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]}.


وهذا الخير المجمل، فسره قوله تعالى في سورة النساء ـ في سياق الحديث عن مفارقة النساء ـ: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
فقوله (خيراً كثيراً) مفسر وموضح للخير الذي ذكر في آية البقرة، وهي الآية الأولى التي استفتحنا بهذا هذا الحديث.


ومعنى القاعدة بإيجاز:
أن الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المؤلمة، والمصائب الموجعة، التي تكرهها نفسه، فربما جزع، أو أصابه الحزن، وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية، والفاجعة المهلكة، لآماله وحياته، فإذا بذلك المقدور منحة في ثوب محنة، وعطية في رداء بلية، وفوائد لأقوام ظنوها مصائب، وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب!.
والعكس صحيح: فكم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ، وأهطع إليه، واستمات في سبيل الحصول عليه، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه، فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد،
و هذا هو معنى القاعدة القرآنية التي تضمنتها هذه الآية باختصار.


أيها القارئ الموفق:
ما إن تمعن بناظريك، وترجع البصر كرتين، متأملاً الآيتين الكريمتين الأولى والثانية، إلا وتجد الآية الأولى ـ التي تحدثت عن فرض الجهاد ـ تتحدث عن ألم بدني وجسميًّ قد يلحق المجاهدين في سبيل الله، كما هو الغالب، وإذا تأملت الآية الثانية ـ آية مفارقة النساء ـ ألفيتها تتحدث عن ألم نفسي يلحق أحد الزوجين بسب فراقه لزوجه!

وإذا بصرت في آية الجهاد وجدتها تتحدث عن عبادة من العبادات، وإذا تمعنت آية النساء، وجدتها تتحدث عن علاقات دنيوية.
إذن فنحن أمام قاعدة تناولت أحوالاً شتى: دينية ودنيوية، بدنية ونفسية، وهي أحوال لا يكاد ينفك عنها أحد في هذه الحياة التي:



جبلت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأقذار
وقول الله أبلغ وأوجز وأعجز، وأبهى مطلعا وأحكم مقطعا: {لقد خلقنا الإنسان في كبد}.الآية

إذا تبين هذا ـ أيها المؤمن بكتاب ربه ـ فأدرك أن إعمال هذه القاعدة القرآنية: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} من أعظم ما يملأ القلب طمأنينة وراحةً، ومن أهم أسباب دفع القلق الذي عصف بحياة كثير من الناس، بسبب موقف من المواقف، أو بسبب قدر من الأقدار المؤلمة ـ في الظاهر ـ جرى عليه في يوم من الأيام!

ولو قلبنا قصص القرآن، وصفحات التاريخ، أو نظرنا في الواقع لوجدنا من ذلك عبراً وشواهدَ كثيرة، لعلنا نذكر ببعض منها، عسى أن يكون في ذلك سلوةً لكل محزون، وعزاء لكل مهموم:
1 ـ قصة إلقاء أم موسى لولده في البحر!
فأنت ـ إذا تأملتَ ـ وجدتَ أنه لا أكره لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون، ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة، وآثاره الطيبة في مستقبل الأيام، وصدق ربنا: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.


2 ـ وتأمل في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام تجد أن هذه الآية منطبقة تمام الانطباق على ما جرى ليوسف وأبيه يعقوب عليهما الصلاة والسلام.

3 ـ تأمل في قصة الغلام الذي قتله الخضر بأمر الله تعالى، فإنه علل قتله بقوله: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 80، 81]!
توقف ـ أيها المؤمن ويا أيتها المؤمنة عندها قليلاً ـ!


كم من إنسان لم يقدر الله تعالى أن يرزقه بالولد، فضاق ذرعا بذلك، واهتم واغتم وصار ضيقا صدره ـ وهذه طبيعة البشر ـ لكن الذي لا ينبغي أن يحدث هو الحزن الدائم، والشعور بالحرمان الذي يقضي على بقية مشاريعه في الحياة!
وليت من حرم نعمة الولد أن يتأمل هذه الآية لا ليذهب حزنه فحسب، بل ليطمئن قلبه، وينشرح صدره، ويرتاح خاطره، وليته ينظر إلى هذا القدر بعين النعمة،وبصر الرحمة، وأن الله تعالى رُبَما صرف هذه النعمة رحمةً به! وما يدريه؟ لعله إذا رزق بولد صار - هذا الولد - سبباً في شقاء والديه، وتعاستهما، وتنغيص عيشهما! أو تشويه سمعته، حتى لو نطق لكاد أن يقول:؟؟؟


4 ـ وفي السنة النبوية نجد هذا لما ماتت زوج أم سلمة: أبو سلمة رضي الله عنهم جميعاً، تقول أم سلمة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها. إلا أخلف الله له خيرا منها».
قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبى سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه؟ ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه!


فتأمل هذا الشعور الذي انتاب أم سلمة ـ وهو بلا شك ينتاب بعض النساء اللاتي يبتلين بفقد أزواجهن ويتعرض لهن الخُطاب ـ ولسان حالهن: ومن خير من أبي فلان؟! فلما فعلتْ أم سلمة ما أمرها الشرع به من الصبر والاسترجاع وقول المأثور، أعقبها الله خيراً لم تكن تحلمُ به، ولا يجول في خلدها.
وهكذا المؤمنة.. يجب عليها أن لا تختصر سعادتها، أو تحصرها في باب واحد من أبواب الحياة، نعم.. الحزن العارض شيء لم يسلم منه ولا الأنبياء والمرسلون! بل المراد أن لا نحصر الحياة أو السعادة في شيء واحد، أو رجل، أو امرأة، أو شيخٍ!


5 ـ وفي الواقع قصص كثيرة جداً، أذكر منها ما ذكره الطنطاوي رحمه الله عن صاحب له: أن رجلاً قدم إلى المطار، وكان حريصا على رحلته، وهو مجهد بعض الشيء، فأخذته نومةٌ ترتب عليها أن أقلعت الطائرة، وفيها ركاب كثيرون يزيدون على ثلاث مئة راكب، فلما أفاق إذا بالطائرة قد أقلعت قبل قليل، وفاتته الرحلة، فضاق صدره، وندم ندماً شديداً، ولم تمض دقائق على هذه الحال التي هو عليها حتى أعلن عن سقوط الطائرة، واحتراق من فيها بالكامل!
والسؤال أخي: ألم يكن فوات الرحلة خيراً لهذاالرجل؟! ولكن أين المعتبرون والمتعظون؟


6- وهذا طالب ذهب للدراسة في بلد آخر، وفي أيام الاختبارات ذهب لجزيرة مجاورة للمذاكرة والدراسة، وهو سائر في الجزيرة قطف بعض الورود، فرآه رجال الأمن فحبسوه يوماً وليلة عقاباً لصنيعه مع النبات، وهو يطلب منهم بإلحاح إخراجه ليختبر غدا، وهم يرفضون، ثم ماذا حصل!؟ لقد غرقت السفينة التي كانت تقل الركاب من الجزيرة ذلك اليوم، غرقت بمن فيها، ونجا هو بإذن الواحد الأحد!

والخلاصة ـ أيها المستمعون الكرام ـ:
أن المؤمن عليه:
أن يسعى إلى الخير جهده *** وليس عليه أن تتم المقاصد
وأن يتوكل على الله، ويبذل ما يستطيع من الأسباب المشروعة، فإذا وقع شيءٌ على خلاف ما يحب،فليتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]}.
وليتذكر أن (من لطف الله بعباده أنه يقدر عليهم أنواع المصائب، وضروب المحن، و الابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم، ولطفاً، وسوقا إلى كمالهم، وكمال نعيمهم).

ومن ألطاف الله العظيمة أنه لم يجعل حياة الناس وسعادتهم مرتبطة ارتباطاً تاماً إلا به سبحانه وتعالى، وبقية الأشياء يمكن تعويضها، أو تعويض بعضها:
من كل شيء إذا ضيعته عوضٌ *** وما من الله إن ضيعتهُ عوضُ



وإلى لقاء قريب في الحلقة القادمة بإذن الله..

__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام.
والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24-02-2013, 01:30 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,416
الدولة : Morocco
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

الدرس الخامس عشر
قال تعالى..
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].
***
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله،
أما بعد:
فهذا لقاء يتجدد مع قاعدة قرآنية محكمة، ذات البعد الإيماني والتربوي، وله صلة شديدة بواقعنا اليومي، إنها القاعدة التي دلّ عليها قول ربنا جل جلاله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].


وهذه القاعدة القرآنية المحكمة تكررت بلفظ قريب في عدد من المواضع، كما تكرر معناها في مواضع أخرى.
فمن نظائرها اللفظية المقاربة قول الله عز وجل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]، وقال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79]، ويقول عز وجل: { وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ...} [القصص: 47].

وأما الآيات التي وردت في تقرير هذا المعنى فكثيرة جدا، ومن ذلك قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59]، وكقوله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، وقال جل وعلا: {وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران: 181، 182] في ثلاث مواضع من كتاب الله عز وجل.

ويقول سبحانه: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36]، يقول شيخ الإسلام ابن تيميه.. ملخصاً ما دلت عليه هذه الآيات الكريمة بتلخيص العالم المتتبع المستقرئ لنصوص القرآن الكريم، يقول رحمه الله: "والقرآن يبين في غير موضع: أن الله لم يهلك أحداً ولم يعذبه إلا بذنب".

أيها الإخوة الكرام:
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآيات الكريمة دلت عليه أيضا نصوص من الوحي الآخر... ألا وهو السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام..
ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبى ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث القدسي العظيم ـ الذي يرويه عن ربه تعالى قال الله عز وجل: "إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلوم إلا نفسه".

وفى صحيح البخاري من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت... الحديث"(3).

وفى الصحيحين لما سأل أبو بكر - رضي الله عنه - النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته، قال له عليه الصلاة والسلام: "قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم".

فتأمل ـ أيها المؤمن ـ في هذه الأحاديث جيداً! فَمَنْ هو السائل؟ ومَنْ هو المجيب؟ أما السائل فهو أبو بكر الصديق الأكبر الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في مواضع متعددة، وأما المجيب فهو الرسول الناصح المشفق صلوات الله وسلامه عليه! ومع هذا يطلب منه عليه الصلاة والسلام أن يعترف بذنوبه، وظلمه الكبير والكثير، ويسأل ربه مغفرة ذلك والعفو عنه، والسؤال هنا ـ أيها الأخوة القراء ـ مَنْ الناس بعد أبي بكر رضي الله عنه؟
أيها القراء الفضلاء:
إذا تقررت هذه الحقيقة الشرعية ـ وهي أن الذنوب سببٌ للعقوبات العامة والخاصة ـ فحري بالعاقل أن يبدأ بنفسه، فيفتش عن مناطق الزلل فيه، وأن يسأل ربه أن يهديه لمعرفة ذلك، فإن من الناس من يستمرئ الذنب تلو الذنب، والمعصية تلو المعصية، ولا ينتبه لذلك! بل قد لا يبالى! ولربما استحسن ذلك ـ عياذاً بالله ـ فتتابع العقوبات عليه وهو لا يشعر، فتكون مصيبته حين إذن مضاعفه!


يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ـ وهو يتحدث عن الأمور التي تورث العبد الصبر وتعينه عليه ليبلغ مرتبة الإمامة في الدين ـ قال رحمه الله:
"أن يشهد ذنوبه، وأن الله إنما سلط الناس عليه بسبب ذنبه، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، فإذا شهد العبد أن جميع ما يناله من المكروه فسببه ذنوبه، اشتعل بالتوبة والاستغفار من الذنوب التي سلطهم عليه بسببها عن ذنبهم ولومهم، والوقيعة فيه، وإذا رأيت العبد يقع في الناس إذا آذوه ولا يرجع إلى نفسه باللوم والاستغفار، فاعلم أن مصيبته مصيبة حققية، وإذا تاب واستغفر، وقال: هذا بذنوبي، صارت في حقه نعمة، قال علي رضي الله عنه كلمة من جواهر الكلام: "لا يرجونّ عبدٌ إلا ربه ولا يخافن عبد إلا ذنبه"، وروي عنه وعن غيره: "ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة" (5) انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله.

ويقول تلميذه ابن القيم رحمة الله عليه ـ وهو يوضح شيئاً من دلالات هذه القاعدة القرآنية المحكمة {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} قال رحمه الله:
وهل فى الدنيا والآخرة شرور وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟!
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟


وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء؟ وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه؟ فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبُدِّلَ بالقرب بعداً، وبالرحمة لعنةً، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظى، وبالايمان كفراً، وبموالات الولي الحميد أعظم عداوة ومشاقة، وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجلَ الكفر والشرك والكذب والزور والفحش، وبلباس الايمان لباس الكفر والفسوق والعصيان؟ فهان على الله غاية الهوان، وسقط من عينه غاية السقوط، وحلّ عليه غضب الرب تعالى، فأهواه ومقته أكبر المقت!

وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم؟ حتى علا الماء فوق رأس الجبال، وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الارض، كأنهم أعجاز نخل خاوية؟ ودمرت ما مرَّ عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم؟ حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟

وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة، حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها؟ فأهلكم جميعاً ثم أتبعهم حجارة من سجيل السماء، أمطرها عليهم فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه علي أمة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد.


وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل؟ فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى؟
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟


وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمرها تدميراً؟... إلى أن قال رحمه الله:
قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، ثنا صفوان بن عمر، حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: لما فتحت قبرص، فُرِّقَ بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي! فقلت: يا أبا الدرداء! ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره؟! بينما هي أمة قاهرة ظاهرة، لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى!انتهى كلام بن القيم:.
والذي استطرد كثيرا في بيان آثار الذنوب والمعاصي السيئة على الفرد والمجتمع في كتابه النافع الجواب الكافي وذكر كلاما نفيسا يحسن الرجوع إليه والاستفادة منه.


إخوة الإيمان:
وليُعْلَم أنه ينبغي أن ندرك أن العقوبات حينما تذكر، فلا يصح حصرها في العقوبات الحسية أو العقوبات الجماعية ـ التي أشار ابن القيم إلى شيء منها ـ كالهدم والغرق والصيحة، أو السجن والعذاب الحسي، ونحو ذلك، فهذه لا شك أنها أنواع من العقوبات، ولكن ثمة أنواع من العقوبات قد تكون أشد وأعظم، وهى تلك العقوبات التي تتسلط على القلب، فيضرب بالغفلة وقسوته، حتى إن جبال الدنيا لو تناطحت أمامه ما اعتبر ولا اتعظ ـ عياذاً بالله ـ بل يظن المسكين، أو تظن أمة من الأمم ـ وهى ترى النعم تتابع وتزداد مع استمرارها في البعد عن شرع الله ـ تظن أن ذلك علامةً على رضى الله عز وجل عنها، وهذه لعمر الله من أعظم العقوبات التي يبتلى بها العبد وتبتلى بها أمة من الأمم.

استمع جيدا إلى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} فما الذي حصل؟ هل تابوا أم رجعوا؟ اقرأ تتمة الآية: {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: 42 - 44]..
فنعوذ بالله أن نكون من أهل هذه الآية، ونسأله بمنه وكرمه أن يتوب علينا وأن يبصرنا بمواطن الزلل منا، وأن لا يضربنا بقسوة القلب، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا إن ربي سميع مجيب ..
الدعاء..
وإلى لقاء قادم بإذن الله تعالى والحمد لله رب العالمين.


__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام.
والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين.


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مع القرآن


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 94.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 91.30 كيلو بايت... تم توفير 3.17 كيلو بايت...بمعدل (3.36%)]