كتابة الكتابة .. ؟؟

[بوغالب]

كتابة الكتابة .. ؟؟




الكتابة بما هي الفعل الغامض، تتخلص راهناً، أكثر فأكثر من شرطها كأسطورة.

يُحدّثنا الكتاب في'كتابة الكتابة' نصوص في الإبداع، إعداد: إيمان حميدان، إصدار 'الراوي' عن تجارب سبعة من الكتّاب: محمد أبي سمرا، نجوى بركات، يوسف بزي، عباس بيضون، إيمان حميدان، حسن داوود، علوية صبح، بألسنتهم هم أنفسهم. تطوّع هؤلاء لشرح فنهم وأسرار صنعتهم الأدبية (على ما جاء في مدخل الكتاب) ولقيادة قارئ الكتاب الى مسالك أدبهم، ومسالك الأدب عامة.

أيضاً في المدخل الى'كتابة الكتابة'، أن فكرة الكتاب لم تأت من عدم أو خيال. الفكرة نشأت من تجربة فعلية. فمحترفات الكتابة الإبداعية امر واقع، وإن كانت جديدة هذه المحترفات علينا، رغم أنها دارجة في أوروبا وأمريكا منذ زمن بعيد. يُركز التقديم الوجيز، او المدخل الى الكتاب على أن الإبداع لا يقتصر على الموهبة فحسب، لكنه أيضاً فن له أصول وتقنيات وقواعد وأساليب. وبأختصار: صنعة وآليات. ثم يُضيف التقديم أو المدخل ونحسب كاتبته الروائية إيمان حميدان، مُذيّل تقديمها بتوقيع' الراوي' بأن مُحترفات الكتابة الإبداعية توفر على ذوي المواهب قراءات طويلة للعثور على الفن الإبداعي مُتفرّقاً في الكتاب والأعمال الأدبية، وتُحوّل هذا الفن الى مادة مبرمجة منظمة تطمح بالدرجة الأولى الى أن تكون مرجعاً ومُساعداً ونموذجاً لذوي المواهب الأدبية، الطامحين الى احتراف الكتابة.

طموح'كتابة الكتابة' بما هو كشف عن أسرار الصنعة لكتّاب سبعة، يبقى طموحاً على ما نحسب، فالموهبة وإن ضرورية وهذا أمر لا جدال فيه، سوى أن بعض الكلام يصح هنا، ذلك أن الجزم بأن محترفات الكتابة توفرعلى ذوي المواهب قراءات طويلة للعثور على الفن الإبداعي ومن ثم تحويله الى مادة مبرمجة منظمة، فالأمر يستدعي التأمل والنقاش، إذ نحسب أن القراءات الطويلة والمــــزيد منها، ضرورية لذوي المواهب، وفيها ومن خلالها وخلال المزيد منها يعثر' الموهوب' على بصمته إن صحـــّت التسمية، التي تدمغ كتابته بعد طول قراءة.
فحتمية إعتماد المادة المبرمجة كمرجع للكتابة غير موثوق في حتميتها هنا، أي في أن تُشكل الأسرار المفضوحة، عن صنعة وآلية كل كاتب على حدة، أو مُجتمعين، مرجعاً ذا بال، أو حتى نموذجاً يُحتذى حتى وإن بدا مُساعداً الى حدّ ما، على ما في هذا الإقرار من خطورة نابعة هنا، من كون الكتابة نفسها صادرة في الأساس عن نزعة إنسانية، تختلف هذه عند صاحب موهبة وآخر، وعند طامح الى كتابة وآخر، وعند'مشروع' كاتب وآخر. (ولنا عودة على شكل تحقيق مع بعض الشباب الذين شاركوا في مثل هذه المحترفات الإبداعية في محاولتنا الوقوع على مدى الإستفادة التي حققوها في المشاركة، أو عدمها، وباختصار، الوقوف على تجربتهم بألسنتهم)، الكتابة على ما كتب الكتّاب السبعة عن تجاربهم، أمر نحسب أننا لا نتعلّمهُ، من حقيقة أن موضوع الكتابة هو في جذره، الكاتب نفسه، وإن تعدّدت مصادر اشتغالاته وأشكال هذه الإشتغالات والحقائق والرؤى والإصطلاحات. الكتابة تبقى صمّاء حيال أسرار صنعة هذا الكاتب، وتلك الكاتبة، لأنها مشغولة أبداً بالتقاط أصوات دواخل كاتبها، وتأنف الأشكال المبرمجة، وإن تكن هذه مساعدة، على ما ذكرنا.

ثمة إيجابية بالطبع، في جمع شهادات لكتّاب معروفين، حول كيفية كتابتهم الروائية والشعرية، وإن بدت الإيجابية، إيجابية أكثر مع الروائيين، منها مع الشعراء، ذلك أن كتابة الشعر لها البنية نفسها للإنتحار، وهي عند الشعراء أقرب الى الضوء والفراغ والقتل والحرية. مع ذلك على كلّ من قدّم في الكتاب شهادته عن الكتابة، أن يُقدّم شهادته عنها، كما فعلوا تماماً في' كتابة الكتابة'.

في الكتاب، ذلك الجهد المبذول لتخليص' الموهوب' من رعب الخوض في المجهول وفي التمني والتبسيط والرغبة بالمساعدة من خلال فرد التجارب أمامه. مع ذلك سوف لن نُفاجأ إذا وجد' الموهوب' لنفسه حلاً مُغايراً لكل ما قرأ، وبعيدا تمام البعد عن كل مفاتيح التجارب الغنية والمؤثرة لكتّاب سبعة، كوّنت مواد هذا الكتاب، حلاً آخر على غير ذي علاقة بكل ما قرأ، خالقاً كتابته البيضاء المتحرّرة من كل عبودية لأيّ نظام كتابي، أو أية أسس وثوابت من أيّ نوع كانت.