«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 24 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 51 - عددالزوار : 479 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5079 - عددالزوار : 2319141 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4665 - عددالزوار : 1603725 )           »          الوقفات الإيمانية مع الأسماء والصفات الإلهية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 170 )           »          مناقشة شبهات التكفيريين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 113 )           »          تكنولوجيا النانو ما لها وما عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 553 )           »          الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 5471 )           »          تجديد الإيمان بآيات الرحمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 2911 )           »          نور الفطرة ونار الشهوة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 133 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 65 - عددالزوار : 42606 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-08-2022, 08:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,219
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ... ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155].

أمر عز وجل المؤمنين في الآيات السابقة بالاستعانة بالصبر والصلاة، ونهاهم أن يقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات، ثم أخبرنا أنه سيبتليهم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ليتميز الصابر من غيره- مع البشارة للصابرين، كما قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].

قوله: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ وَاسْتَعِينُوا ﴾، واللام للقسم، والنون للتوكيد، أي: والله لنبلونكم، فالجملة مؤكدة بالقسم، واللام، ونون التوكيد.

والخطاب للمؤمنين، أو للناس كلهم والابتلاء: الاختبار والامتحان، ويكون بالشر والخير، كما قال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الأنبياء: 35].

أي: والله لنختبرنكم؛ ليتبين من يصبر، ومن يسخط، كما قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31].

﴿ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ﴾ التنكير في ﴿ بِشَيْءٍ ﴾ للتقليل؛ لتخفيف وقع ذلك عليهم و"من" في قوله: ﴿ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ﴾: تبعيضية؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله أو الجوع كله لهلكوا، والمحن تمحص ولا تهلك.

وأخبرهم بهذا قبيل وقوعه ليوطنوا أنفسهم، ويزداد يقينهم عند حصوله، ليستعينوا بالصبر والصلاة.

وهذه المصائب الخمس من أعظم ما يبتلى ويمتحن به الناس في هذه الدنيا.

و﴿ الْخَوْفِ ﴾: الذعر، وهو ضد الأمن، ويقال: هو حالة تحدث للقلب عند توقع أمر مكروه بأمارة معلومة أو مظنونة.

والخوف يكون من العدو. وقد يكون عاماً، وقد يكون خاصاً.

﴿ وَالْجُوعِ ﴾ وهو المخمصة وخلو البطن من الطعام، وإذا خلا البطن من الطعام مات الإنسان؛ لأن الطعام له بمثابة الوقود، والجوع قد يحصل بسبب قلة الطعام أو عدم وجوده، أو عدم وجود المال الذي يشترى به وغير ذلك.

والخوف والجوع من أعظم أنواع الابتلاء؛ ولهذا امتن الله عز وجل على قريش بأنه أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، فقال تعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4]، وقال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [القصص: 57].

وقد وقع للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الخوف والجوع ما لا يخفى، من ذلك ما حصل لهم أول الهجرة، ومن أشد ذلك ما حصل لهم في غزوة الأحزاب، حيث اجتمع عليهم الخوف الشديد بسبب تحزب الأحزاب عليهم من كل حدب وصوب من المشركين والأعراب وغيرهم، ومحاصرتهم المدينة، مع الجوع الشديد الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، مع التعب الشديد بسبب العمل المتواصل في حفر الخندق، مع البرد الشديد الذي صاحب ذلك، وواحدة من هذه المصائب الأربع كافية في إنهاك بدن الإنسان فكيف إذا اجتمعت؟

﴿ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ ﴾ معطوف على ﴿ الْخَوْفِ ﴾ أو على ﴿ بِشَيْءٍ ﴾.

والأموال جمع مال وهو: كل ما يتمول من نقود ومتاع وحيوان أي: ولنبلونكم بشيء من نقص الأموال بالخسارة فيها، وحصول الجدب والقحط، والآفات والجوائح السماوية، وأخذ الظلمة لها بأي وجه كان، غصباً أو سرقة أو استبداداً بها دونكم، كما قال تعالى: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ [آل عمران: 186].


﴿ وَالْأَنْفُسِ ﴾ جمع نفس، أي: ولنبلونكم بشيء من نقص الأنفس والأرواح، وذهاب الأحباب من الأولاد والأقارب والأصحاب بسبب القتال والأمراض وغير ذلك.

﴿ وَالثَّمَرَاتِ ﴾: جمع ثمرة، وهي ما ينتج من الثمرات من الحبوب، وثمار النخيل والأشجار. أي: ولنبلونكم بشيءٍ من نقص الثمرات بسب ما يصيبها من الأمراض والكوارث والآفات من برد أو غرق أو جراد أو غير ذلك.

قال السعدي[1]: "فهذه الأمور لابد أن تقع؛ لأن العليم الخبير أخبر بها، فوقعت كما أخبر، فإذا وقعت انقسمت الناس قسمين: جازعين وصابرين، فالجازع حصلت له المصيبتان فوات المحبوب، وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو أعظم منها، وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر ففاز بالخسارة والحرمان، ونقص ما معه من الإيمان وفاته الصبر والرضا والشكران، وحصل له السخط الدال على شدة النقصان".

﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ البشارة: الإخبار بما يسر، مأخوذة من البشرة؛ لأن الإنسان إذا أخبر بما يسره استنار وجهه واتسعت بشرته، أي: وبشر يا محمد، ويا أيها المبشر الصابرين؛ أي: أخبر الصابرين بما يسرهم ويبهج قلوبهم، ولم يذكر المبشر به؛ ليذهب الفكر فيه كل مذهب، وليشمل كل ما يمكن أن يبشر به، ومن ذلك محبة الله للصابرين، كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]، وكونهم يوفون أجرهم بغير حساب، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].


المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»


[1] نفي "تيسير الكريم الرحمن" (1 /180-181).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 31-08-2022, 08:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,219
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾


قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة: 156]
بشَّر عز وجل في الآية السابقة الصابرين، ثم ذكر في هذه الآية صفتهم فقال: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ﴾ الآية، وفيه إشارة إلى أن الأجر لمن صبر وقت المصيبة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"[1].

قوله: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ﴾ ﴿ الَّذِينَ ﴾: نعت لـ ﴿ الصَّابِرِينَ [البقرة: 155]، والمراد بالمصيبة في الآية المصيبة الدنيوية، وهي كل ما يؤلم القلب والبدن أو كليهما مما يصيب الإنسان في نفسه وأهله وماله وغير ذلك في هذه الحياة، أي: الذين إذا أصابتهم مصيبة من الابتلاءات والمصائب المذكورة وغيرها.

وفي الحديث "ما يصيب المؤمن من وصب ولانصب ولا هم ولا غم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر به من خطاياه"[2].

﴿ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ أي: قالوا بألسنتهم مع تيقن ذلك بقلوبهم.

﴿ إِنَّا لِلَّهِ ﴾ أي: إنا لله ملكاً وخلقاً وتدبيراً، يفعل بنا ما يشاء، ويحكم فينا ما يريد، لا اعتراض لنا على ما قدره الله علينا وقضاه، بل نرضى ونسلم، ولا نتسخط.

﴿ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ قدم المتعلق "إليه" لإفادة الحصر، مع مراعاة رؤوس الآي، أي: وإنا إليه وحده صائرون في جميع أمورنا، في ديننا ودنيانا، ومردنا إليه في أُخرانا، فنحتسب أجر ما أصابنا عنده- تعالى.

فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية في قولهم: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ ﴾، وبين الإيمان برجوعهم إلى الله عز وجل ومجازاته لهم، فاحتسبوا ذلك عنده، وتسلوا بذلك عما أصابهم.

بخلاف أهل السخط والضلال، كما قال تعالى عن اليهود: ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ﴾ [الأعراف: 131]، وقال تعالى عن المنافقين: ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ﴾ [النساء: 78]، وقال تعالى عن عموم الناس: ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ [الروم: 36].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه البخاري في الجنائز (1283)، ومسلم في الجنائز (926)، وأبو داود في الجنائز (3124)، والنسائي في الجنائز (1869)، والترمذي في الجنائز (988)، وابن ماجه في الجنائز (1596) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في المرض (5642)، ومسلم في البر والصلة (2573)، والترمذي في الجنائز (966) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-09-2022, 05:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,219
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



الفوائد والأحكام في سورة البقرة الآيات (151-157)


1- امتنان الله عز وجل على هذه الأمة بما أنعم عليهم من إرساله فيهم رسولاً منهم هو محمد صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم آياته ويطهرهم ويعلمهم القرآن والسنة وأسرار الشريعة، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون؛ لقوله تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151].

2- أن إرسال الرسل وإنزال الكتب أعظم نعم الله عز وجل على الخلق، وأجل ذلك وأعظمه بعثة محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة وإنزال القرآن والسنة عليه.

3- في كون الرسول من نفس الأمة نعمة خاصة عليهم حيث يعرفونه ويتكلم بلسانهم فيفهمون عنه، مما يجعل الواجب عليهم أعظم من غيرهم في المبادرة إلى تصديقه واتباعه؛ لقوله:﴿ مِنْكُمْ ﴾.

ولهذا امتن الله على المؤمنين في سورة التوبة بقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وقال تعالى في سورة آل عمران: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [آل عمران: 164].

كما ذكَّر الله عز وجل قريشا بهذا في معرض توبيخه لهم فقال تعالى: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [النجم: 2]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾ [التكوير: 22]. أي: كيف تتهمونه بالضلال والجنون وهو صاحبكم الذي هو منكم، ولم تعرفوا عنه ضلالاً ولا جنوناً.

4- في تنكير "رسولا" إشارة إلى علو مكانته صلى الله عليه وسلم ورفعة منزلته وفضله.

5- أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم تلاوة آيات الله على الناس وبيان ألفاظها ومعاينها وأحكامها، وتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والسنة وأسرار الشريعة وتعليمهم ما لم يكونوا يعلمون؛ لقوله تعالى: ﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151].

وهذه هي أصول النعم على الإطلاق، وكلها جعلها الله عز وجل على يده صلى الله عليه وسلم وبسببه.

6- دلالة القرآن بما فيه من الإعجاز بألفاظه ومعانيه وأحكامه وأخباره، أنه من عند الله ذي الكمال في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته المستحق للعبادة وحده دون سواه، وعلى صدق من جاء به؛ لهذا سمي بـ"آيات الله".

7- تعظيم القرآن الكريم؛ لأن الله عز وجل أضافه إليه في قوله: ﴿ آيَاتِنَا ﴾.

8- تزكية الشريعة المحمدية وتطهيرها لنفوس أتباعها وأبدانهم وأعمالهم وأخلاقهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيُزَكِّيكُمْ ﴾.

9- أن تزكية النفوس إنما تكون باتباع منهجه صلى الله عليه وسلم، لا بتزكية الإنسان نفسه، أو نحو ذلك.

10- أن الأصل في الإنسان الجهل وعدم العلم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: 151].


11- وجوب ذكر الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي ﴾ فمطلق الذكر واجب، لكن الذكر من حيث العموم ليس كله واجباً، بل منه ما هو واجب، ومنه ما هو مندوب.

12- أن من ذكر الله ذكره الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، وهذا يدل على عظم ذكر الله وفضله؛ لأن ذكر العبد لله عز وجل سبب لما هو أجل وأعظم وهو ذكر الله تعالى له، كما أن عمل العبد سبب لما هو أعظم وهو ثواب الله تعالى ومحبته للعبد، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31].

13- وجوب شكر الله تعالى وحده بالقلب واللسان والجوارح، وتأكيد ذلك بالنهي عن كفره؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152] كما ذم الله تعالى من كفر بنعمته فقال: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ [إبراهيم: 28].

14- وجوب شكر نعم الله تعالى: والثناء عليه بها، واستعمالها في طاعته، وظهور أثرها على العبد، كما قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11].

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"[1].

وقال صلى الله عليه وسلم في الدعاء: "اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها عليك، قابليها وأتمها علينا"[2].

15- تصدير الخطاب بالنداء للتنبيه والعناية والاهتمام؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا ﴾.

16- تشريف المؤمنين وتكريمهم بندائهم بوصف الإيمان، والحث على الاتصاف بهذا الوصف، وأن امتثال ما بعده من أوامر أو نواهٍ من مقتضيات الإيمان، كما أن عدم امتثال ذلك يعد نقصاً في الإيمان؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 153].

17- الحث والإرشاد إلى الاستعانة بالصبر والصلاة؛ لقوله تعالى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 153].

18- فضل الصبر والصلاة، وأنهما أعظم ما يستعان به على المصائب وعلى جميع أمور الدين والدنيا، إذ لا سبيل لبلوغ الإنسان مطلوبه وإدراك مراده إلا بتوفيق الله له إلى الصبر على طاعة الله تعالى، وعن معصية الله، وعلى أقداره المؤلمة.

19- معية الله عز وجل الخاصة للصابرين وعونه وتوفيقه لهم ومحبته وتأييده؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].

20- النهي عن القول بأن الذين قتلوا في سبيل الله أموات، أو اعتقاد ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ﴾ [البقرة: 154].

21- أهمية الإخلاص لله تعالى في القتال؛ لقوله تعالى: ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 154].

22- إثبات حياة الشهداء حياة برزخية يتنعمون فيها، وهي أجل وأعظم من حياة الدنيا؛ لقوله تعالى: ﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ ﴾، وقوله في آية آل عمران: ﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].

23- إثبات الحياة البرزخية ونعيم القبر؛ لقوله تعالى: ﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ ﴾ كما قال تعالى في عذاب القبر عن آل فرعون: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46].

24- فضل الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، والترغيب في ذلك؛ لأن الله عز وجل أثاب الشهداء لما بذلوا أنفسهم في سبيل الله بأن جعلهم بعد موتهم أحياءً عنده حياة برزخية أجل وأكمل، وأعلى وأفضل من الحياة الدنيا بما فيها.

25- أن حياة البرزخ وأحواله من الغيب الذي لا نشعر به ولا نعلم منه إلا ما علمنا الله إياه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 154].

26- ابتلاء الله للعباد بأنواع من المصائب ليتبين من يصبر ويحتسب ممن يجزع ويتسخط؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ﴾ [البقرة: 155]، فكل هذه من المصائب التي جرت بها سنن الله الكونية، ويجب الصبر عليها.

27- البشرى العظيمة للصابرين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، أي: وبشر الصابرين بعظيم البشرى، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

1- تفويض الصابرين أمرهم إلى الله بقلوبهم وألسنتهم عند المصيبة بإعلانهم أنهم ملك لله، وأنهم إليه راجعون؛ لقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156].

وفي هذا تحقيق الربوبية والألوهية، والإخلاص والإنابة إلى الله تعالى وصدق اللجوء إليه، والتسليم لأمره والرضا بقدره.

2- يندب لمن أصابته مصيبة من المصائب المذكورة وغيرها أن يقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون". وأن يقول ما جاءت به السنة: "اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها"؛ لأن الله أثنى على الصابرين وامتدحهم بقولهم هذه المقالة عند المصيبة.

كما وعدهم عز وجل بصلاته عليهم ورحمته لهم وحصر الهداية فيهم فقال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157] كما وعدهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بالخلف والأجر العظيم والخير وحط الخطايا، فعن أم سلمة، رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون) اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها" قالت: "فلما توفى أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيراً منه، رسول الله صلى الله عليه وسلم"[3].

وفي رواية أنها قالت: "فلما توفي أبوسلمة استرجعت وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منه، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟ فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني، فأبدلني الله بأبي سلمة خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم"[4].

وعن أبي موسى رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم: فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد"[5].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يصب منه"[6].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به عنه من سيئاته كما تحط الشجرة ورقها"[7].

30- علو مرتبة الصابرين وثناء الله عليهم ورحمته لهم، وحصر الهداية فيهم؛ لقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157]، فمن لم يصبر حرم ذلك كله، وصار إلى ضده، وهو دنو المنزلة، وذم الله وعقوبته له، والضلالة والخسران.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية"[8]، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع معظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط"[9].

فما أقل تعب الصابرين، وأعظم ثوابهم، وما أشد عناء الجازعين وأعظم عقابهم.

31- إثبات ربوبية الله عز وجل الخاصة للصابرين؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾.

32- إثبات صفة الرحمة لله عز وجل، ورحمته الخاصة بالمؤمنين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾.

33- أن الصابرين هم المهتدون حقًّا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾، فأكد هدايتهم، بل وحصر الهداية فيهم.

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه الترمذي في الأدب (2820)- من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن" ورُوِيَ بمعناه من حديث الأحوص عن أبيه رضي الله عنه، أخرجه أبو داود في اللباس (4063)، والنسائي (4819).

[2] أخرجه أبوداود في الصلاة (968)- من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.

[3] أخرجه مسلم في الجنائز- ما يقال عند المصيبة (918).

[4] أخرجها أحمد (4/27، 28).

[5] أخرجه الترمذي في الجنائز (1021)، وقال: "حسن غريب".

[6] أخرجه البخاري في المرض ما جاء في كفارة المرض (5645).

[7] أخرجه البخاري في المرضى (5660)، ومسلم في البر والصلة والآداب (2571).

[8] أخرجه البخاري في الجنائز- ليس منا من ضرب الخدود (1297)، ومسلم في الإيمان- تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب (103)، والنسائي في الجنائز (1860)، والترمذي في الجنائز (999)، وابن ماجه في الجنائز (1584)- من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

[9] أخرجه الترمذي في الزهد- ما جاء في الصبر على البلاء (2396)، وابن ماجه في الفتن- الصبر على البلاء (4031)- من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وقال الترمذي: "حديث حسن غريب".






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-09-2022, 09:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,219
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ... ﴾


قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 159 - 163].

هذه الآيات نزلت في أهل الكتاب، وكتمانهم شأن النبي صلى الله عليه وسلم، ومبعثه ودينه، وهي عامة لهم ولغيرهم ممن يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى.

قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: 159].


قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىْ ﴾ "إن" حرف توكيد ونصب ﴿ يَكْتُمُونَ ﴾ يخفون، و"ما" موصولة، أي: إن الذين يخفون الذي ﴿ أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾ من أهل الكتاب وغيرهم مع الحاجة إلى إظهاره.

وقوله: ﴿ مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾ أي: من الآيات البينات، والحجج القاطعات، والدلائل الواضحات، التي فيها بيان الحق.

وفي قوله تعالى: ﴿ أَنْزَلْنَا ﴾ إثبات عظمة الله- عز وجل، وعلوه على خلقه، وأن القرآن الكريم منزل من عند الله- عز وجل- غير مخلوق، وهكذا غيره من كتب الله- عز وجل- كلها منزلة من عنده- عز وجل- غير مخلوقة.

﴿ وَالْهُدَى ﴾ أي: العلم النافع للقلوب، الذي يهدي إلى الإيمان والعمل الصالح، وهما رأس مال الإنسان في هذه الحياة، وهما اللذان أرسل الله بهما الرسل، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ [التوبة: 33، الفتح: 28، الصف: 9]، فالهدى: العلم النافع، ودين الحق: العمل الصالح.

﴿ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ ﴾ "ما" مصدرية، أي: من بعد بيانه وإظهاره، وتفصيله للناس جميعاً.

﴿ فِي الْكِتَابِ ﴾ "ال" للجنس، فالمراد بـ"الكتاب" الكتب السماوية كلها، كما قال تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 213]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ﴾ [الحديد: 25].

ويحتمل أن "ال" في الكتاب للعهد الذهني، فيكون المراد بالكتاب: القرآن الكريم.

والمراد بالبيان هنا البيان العام، فقد بيّن الله- عز وجل- الآيات والهدى، وفصّل ذلك لجميع الناس، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، كما قال عز وجل: ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾ [فصلت: 17]، وقال تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: 165].

وفي مقدمة من يدخل تحت هذا الوصف اليهود، الذين كتموا ما علموا من كتبهم من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وصدقه، وصدق ما جاء به.

وفي حكمهم من كتم من هذه الأمة ما آتاه الله من علم، ولم يقم بحقه، بل جعله مطية للدنيا، وما أكثر هؤلاء، وقد قال سفيان بن عيينة: "مَن فسد مِن علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومَن فسد مِن عُبَّادنا كان فيه شبه من النصارى"[1].

﴿ أُولَئِكَ ﴾ الإشارة للذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى، وأشار إليهم بإشارة البعيد تحقيراً لهم.

﴿ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ﴾ فيه التفات من التكلم إلى الغيبة، وإظهار بدل الإضمار، فلم يقل: "نلعنهم"، والغرض من ذلك تعظيم الأمر وتهويله وتفخيمه.

واللعن من الله هو الطرد والإبعاد عن رحمته.

أي: أولئك الذين يكتمون الذي أنزلنا من البينات والهدى يطردهم الله ويبعدهم عن رحمته وجنته، ويمقتهم.

قال ابن القيم[2]: "فلعنة الله لهم تتضمن مقته وإبعاده وبغضه لهم".

﴿ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾أي: ويلعنهم اللاعنون من الخلق، من الملائكة والإنس والجن وغيرهم، الذين يلعنون من يستحق اللعن، ومعنى اللعن من الخلق: الدعاء بطردهم وإبعادهم عن رحمة الله، ومقتهم وبغضهم لهم.

ويحتمل أن المعنى: ويلعنهم جميع الخلق من الملائكة والإنس والجن، والدواب والبهائم وغير ذلك. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [البقرة: 161].

وفي هذا من الوعيد والتهديد ما فيه، لمن يكتمون ما أنزل الله، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187].

وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سئل عن علم علمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار"[3].

وعنه- رضي الله عنه- قال: "إن الناس يقولون: أكثر أبوهريرة. ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت شيئاً، ثم يتلو: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾ إلى ﴿ الرَّحِيمُ ﴾"[4].

وشتان بين من يلعنهم الله، ويلعنهم جميع خلقه، ممن كتموا ما آتاهم الله من علم، وجعلوه مطية لأهوائهم، وحظوظهم الدنيوية، وبين العلماء الربانيين، الذين يستغفر لهم كل شيء، حتى الحيتان في الماء، كما قال صلى الله عليه وسلم: "وإن العالم ليستغفر له من في السموات، ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء"[5].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] ذكره ابن كثير في "تفسيره" (4/ 80).

[2] انظر: "بدائع التفسير" (1/ 371).

[3] أخرجه أبوداود في العلم (3658)، والترمذي في العلم (2649)، وابن ماجه في المقدمة (261)، وقال الترمذي: "حديث حسن".

[4] أخرجه البخاري في العلم (118)، ومسلم في فضائل الصحابة (2492)، وابن ماجه في المقدمة (262).

[5] أخرجه أبوداود في العلم- فضل العلم (3641)، والترمذي في العلم- فضل الفقه على العبادة (2682)، وابن ماجه في المقدمة- فضل العلماء (223)- من حديث أبي الدرداء- رضي الله عنه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19-09-2022, 10:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,219
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ.... ﴾


قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾ [البقرة: 161، 162].

ذكر الله- عز وجل- لعنته تعالى، ولعنة اللاعنين لمن يكتمون ما أنزله من البينات والهدى بعد بيانه للناس في الكتاب، ووعد من تابوا من ذلك وأصلحوا وبينوا بالتوبة عليهم، ثم أتبع ذلك بالوعيد الشديد لمن استمروا على الكفر حتى ماتوا.

قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي: الذين أنكروا وجود الله، وجحدوا ربوبيته، وألوهيته، وأسماءه وصفاته، وشرعه، وكذبوا رسله، واستكبروا عن الإيمان، أو شكوا في ذلك أو أعرضوا عنه.

﴿ وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ﴾ الواو في قوله ﴿ وَهُمْ ﴾ للحال، أي: وماتوا حال كونهم كفاراً، أي: استمروا على الكفر، حتى ماتوا عليه.

﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ الإشارة للذين ماتوا وهم كفار، وأشار إليهم بإشارة البعيد تحقيراً لهم.

ولعنة الله لهم طردهم وإبعادهم عن رحمته وجنته، وإدخالهم في عذابه وناره، ومقته لهم.

﴿ وَالْمَلَائِكَةِ ﴾ أي: وعليهم لعنة الملائكة.

﴿ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ أي: وعليهم لعنة الناس أجمعين؛ حتى الكفار الذين شاركوهم بالكفر يلعنونهم، كما قال تعالى: ﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾ [الأعراف: 38]. ولعنة الملائكة والناس لهم الدعاء عليهم بطردهم وإبعادهم عن رحمته- عز وجل وجنته، ومقتهم وبغضهم لهم.

﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ أي: في هذه اللعنة، والمقت والطرد والإبعاد عن رحمة الله، فهي تستمر معهم وتلاحقهم، وهم خالدون في النار بسبب هذه اللعنة؛ لأن من لعنه الله وطرده من رحمته وجنته ليس له إلا الخلود في النار؛ لأنه ليس بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، كما قال تعالى ﴿ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ [الشورى: 7].

وقال عز وجل مخاطباً الجنة والنار: "أنت الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وأنت النار عذابي أعذب بك من أشاء"[1].

والمعنى: مقيمين في النار إقامة أبدية لا تحول ولا تزول؛ لأن النار لا تفنى، ولا يفنى عذابها، ولا يفنى أهلها- بل عذابها أبدي سرمدي، كما قال تعالى في سورة النساء: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 168، 169].

وقال تعالى في سورة الأحزاب: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [الأحزاب: 64، 65].

وقال تعالى في سورة الجن: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [الجن: 23].

فهذه ثلاث آيات من القرآن الكريم فيها التصريح بخلود أهل النار فيها خلوداً أبديًّا، إضافة إلى الآيات التي فيها ذكر الخلود، دون ذكر التأبيد، وهي كثيرة جدًّا.

وكذا ما جاء في معنى هذه الآيات، كقوله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [المائدة: 37]، وقوله تعالى: ﴿ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ [الزخرف: 75]، وقوله تعالى: ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ [الزخرف: 77].

إلى غير ذلك من الآيات، وكذا الأحاديث الدالة على خلود أهل النار فيها خلوداً أبديًّا- نسأل الله العافية والسلامة.

قوله: ﴿ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ ﴾ أي: لا يخفف عنهم عذاب النار، بأن يُهَوَّن عليهم ولو يوماً واحداً، أو غير ذلك، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 49].، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ﴾ [فاطر: 36]، وقال تعالى: ﴿ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 86].

ولا ينقطع عنهم عذابها ولو فترة قصيرة، كما قال تعالى: ﴿ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ [الزخرف: 75]، وقال تعالى: ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ [الزخرف: 77].

﴿ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾أي: ولا هم يمهلون، بل يعاجلون بالعذاب من حين موتهم، كما قال تعالى: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46].

كما لا ينظرون ولا يمهلون من دخول النار يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ [الزمر: 71].

بل إن الكفار والعُصاة يعذبون في حياتهم قبل مماتهم بما يعانونه من الشقاء والقلق النفسي وغير ذلك من المصائب بسبب ذنوبهم وبُعدهم عن الله- تعالى.

وأيضاً: ﴿ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾ أي: ولا ينظر إليهم بعين الرحمة والإشفاق؛ لغضب الله- عز وجل- عليهم، كما قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [الزخرف: 55].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه البخاري في التفسير (4850)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2846) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19-09-2022, 10:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,219
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163].

قوله: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ الخطاب لجميع الخلق، الإنس والجن.

و"الإله": المعبود، "واحد" أي: فرد لا معبود بحق سواه، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [ص: 65].

والمعنى: ومعبودكم أيها الخلق، الذي يستحق العبادة- محبة وتعظيماً- معبود واحد، متفرد في ذاته، وأسمائه وصفاته، وأفعاله، وهو الله- عز وجل- فلا تعبدوا سواه.

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ هذه الجملة تأكيد لما قبلها، فيها إثبات كمال ألوهيته- عز وجل- ونفي الألوهية عن غيره، كما في كلمة التوحيد ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ ففيها نفي العبادة عما سوى الله- عز وجل، وإثباتها له، وحصرها فيه، وحده لا شريك له.

أي: لا إله بحقٍ إلا هو، كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾ [الحج: 62]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [الحشر: 22]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255].

﴿ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ اسمان من أسماء الله- عز وجل- "الرحمن" على وزن "فعلان"، و"الرحيم" على وزن "فعيل"، و"فعلان" أبلغ من "فعيل"، ولهذا قدم "الرحمن" على "الرحيم" هنا وفي البسملة والفاتحة، وفي قوله تعالى: ﴿ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [فصلت: 2]، وفي قوله تعالى: ﴿ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 22].

ويدل كل من "الرحمن" و"الرحيم" في حال انفرادهما على إثبات صفة الرحمة الواسعة لله- عز وجل، رحمة ذاتية ثابتة له- عز وجل- ورحمة فعلية، يوصلها من شاء من خلقه، رحمة عامة لجميع الخلق، ورحمة خاصة بالمؤمنين.

وحيث اقترنا في هذه الآية، فإنه يؤخذ من "الرحمن" إثبات صفة الرحمة الذاتية الثابتة لله- عز وجل- كما يؤخذ منه إثبات صفة الرحمة العامة، لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، ناطقهم وبهيمهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143، الحج: 65].

ويؤخذ من "الرحيم" إثبات صفة الرحمة الفعلية لله- عز وجل- التي يوصلها من شاء من خلقه، كما قال عز وجل: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [العنكبوت: 21]. وإثبات صفة الرحمة الخاصة بالمؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].

و"الرحمن" اسم خاص بالله لا يسمى به غيره، بل هو ثاني اسم من أسمائه- عز وجل- كما قال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ ﴾ [الإسراء: 110].

و"الرحيم" قد يسمى أو يوصف به غير الله، كما قال- عز وجل- عن رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

ومن اسمه- عز وجل- "الرحمن" اشتق اسم الرحم- التي بها يتراحم الناس، قال تعالى في الحديث القدسي: "أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته"[1].
المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] أخرجه أبوداود في الزكاة (1694)، والترمذي في البر والصلة (1907)، وأحمد (1/ 191، 194)- من حديث عبدالرحمن بن عوف- رضي الله عنه.
وأخرجه أحمد (2/ 498)- من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25-09-2022, 09:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,219
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى:﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ...

قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة: 164].

ذكر عز وجل في الآية السابقة تفرده بالألوهية وحده دون سواه، ثم ذكر الآيات الدالة على ذلك فقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة: 164].

قوله: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ "إنَّ": حرف توكيد ونصب، ﴿ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ : جار ومجرور متعلق بمحذوف في محل رفع خبر "إنَّ" مقدم، وقوله: ﴿ لَآيَاتٍ : اسمها مؤخر.

أي: إن في إيجاد السموات السبع في عظمتها وارتفاعها واتساعها وإحكامها وإتقانها وما جعل الله فيها من الكواكب ودوران فلكها وغير ذلك من المخلوقات، وما في ذلك من المنافع، وفي إيجاد الأرضين السبع في عظمتها وانخفاضها وبسطها وما فيها من المخلوقات العظيمة من الجبال والبحار والقفار والعمران والحيوان وغير ذلك وما في ذلك كله من المنافع دلالة على وجود الخالق وعظمته، وكمال ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ووحدانيته وقدرته وحكمته ورحمته، كما قال تعالى: ﴿خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك: 3، 4].

وقال تعالى: ﴿خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: 12].

﴿ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ : معطوف على "خلق"، و"الليل": اسم للظلمة والسواد الذي يعم مقدار نصف كرة الأرض الذي يكون غير مقابل للشمس.

و"النهار": اسم للضياء والنور التام الذي يعم مقدار نصف كرة الأرض الذي يكون مقابلاً للشمس، وقدم الليل لسبقه، قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ [يس: 37].

واختلاف الليل والنهار في جوانب كثيرة وأمور عدة، منها: الضياء الظلمة، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء: 12].

قال الشاعر:
وإذا رأيت الليل يغشي داجياً
فاسأله من يا ليل حاك دجاكا
وإذا رأيت الصبح يسفر ضاحيا
فاسأله من يا صبح صاغ ضحاكا[1]


ومنها تعاقبهما، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان: 62] ، وقال تعالى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: 40]. قال زهير[2]:
بها العين والآرام يمشين خلفة
وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم


أي: إذا ذهب قطيع خلفه قطيع آخر.

ومنها تساويهما أحياناً، وطول أحدهما وقصر الآخر أحيانا بحسب الفصول والأمكنة، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [لقمان: 29] ، أي: يزيد من هذا في هذا ومن هذا في هذا.

وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ [المزمل: 20] ، وقال تعالى: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر: 5].

ومنها: كون الليل محلاً للسكون والنهار وقتاً لطلب المعاش، كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا [يونس: 67] ، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النمل: 86] ، وقال تعالى ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [غافر: 61].

وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ [الروم: 23]، وقال تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا [الفرقان: 47]، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا [النبأ: 10، 11].

وقال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص: 71 - 73].

قال الشاعر:
ولو جن هذا الليل وامتد سرمداً
فمن غير ربي يرجع الصبح ثانيَا


ومنها: اختلاف الأحوال فيهما من حر إلى برد، ومن عز إلى ذل، ومن رخاء إلى شدة، ومن غنى إلى فقر، ومن صحة إلى مرض، ومن فرح إلى حزن، ومن حياة إلى موت، وغير ذلك وعكسه، كما قال تعالى: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ [النور: 44].

﴿ وَالْفُلْكِ معطوف على ﴿ خَلْقِ أي: وفي الفلك، ﴿ وَالْفُلْكِ أي: السفن، وتطلق الفلك، على الجمع والمفرد، وتؤنث كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ [يونس: 22].

وتُذكَّر كما في قوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [يس: 41].

﴿ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ : صفة لـ﴿ وَالْفُلْكِ أي: التي تسير في البحر وتمخر عبابه، وتغوص في أعماقه، أو تسير على سطحه، من غير أن تغرق مع عظمها وثقل حملها، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ [الشورى: 32].

﴿ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ الباء للمصاحبة، "ما" مصدرية، أو موصولة، أي: مصحوبة بنفع الناس أو بالذي ينفعهم من حملهم في تنقلاتهم، ونقل الأمتعة والبضائع والأرزاق لهم، فهي آية من حيث أنها تجرى في البحر وفي تسخير البحر لها، وهي نعمة من حيث أنها تجري بما ينفع الناس.

كما قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ [إبراهيم: 32] ، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ [الجاثية: 12] ، وقال تعالى: ﴿تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [لقمان: 31].

﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ الواو: عاطفة، و"ما": اسم موصول معطوف على "خلق"، أي: وفي الذي أنزل الله.

﴿ مِنَ السَّمَاءِ "من": لابتداء الغاية، والمراد بـ "السماء" هنا العلو؛ لأن الماء ينزل من السحاب المسخر بين السماء والأرض، وليس من جرم السماء نفسها، كما قال تعالى في آخر الآية: ﴿ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾.


﴿ مِنْ مَاءٍ "من": بيانية، فهي بيان لـ "ما" الموصولة، والمراد به المطر الذي ينزله الله من السماء.

﴿ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ معطوف على "أنزل"، والفاء للتعقيب، للدلالة على سرعة حياة الأرض إثر نزول المطر بأمر الله عز وجل، أي: فأحيا بسببه الأرض بالنبات.

﴿ بَعْدَ مَوْتِهَا أي: بعد أن كانت ميتة يابسة هامدة لا نبات فيها ولا حياة، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [الحج: 63].

وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم: 24]، وقال تعالى: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج: 5].

وقال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [يس: 33 - 36].

وقال تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [عبس: 24 - 32].
وبين السماء والأرض، وأحيا وموت: طباق إيجاب.

﴿ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ معطوف على ﴿ أَنْزَلَ أو على "أحيا"، أي: وما "بث فيها".
و"بث" بمعنى نشر وفرق ﴿ فِيهَا أي: في الأرض ﴿ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ، ﴿ مِنْ بيانية، أو تعقيبية.

والدابة: كل ما يدب ويمشي على وجه الأرض، أي: وما نشر وفرق في الأرض من جميع أنواع وأشكال الدواب التي تمشي على الأرض، من ناطق أو بهيم، عاقل أو غير عاقل، من إنسان أو حيوان أو طير أو حشرات، أو غير ذلك.

﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ معطوف على "خلق" أي: وفي تصريف الرياح، قرأ حمزة والكسائي بالإفراد: ﴿ الرِّيَاحِ والمراد به الجنس، وقرأ الباقون بالجمع: ﴿ الرِّيَاحِ .

وعقَّب إحياء الأرض بالمطر وبث الدواب فيها بتصريف الرياح؛ لأن فيها نمو النبات وبناء حياة الحيوانات التي تدب على وجه الأرض، و"الرياح" جمع: "ريح".

ومعنى "تصريف الرياح": تدبيرها في هبوبها وسكونها، وتنويع اتجاهاتها، وشدتها ولينها، ومنافعها وآثارها حال هبوبها أو سكونها على الإنسان والحيوان والنبات وغير ذلك كالسفن والسيارات والطائرات ونحو ذلك.

تارة تكون شرقية، وهي "الصبا" التي نصر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وفرق الله بها جموع الأحزاب يوم الخندق، كما قال صلى الله عليه وسلم "نصرت بـ "الصبا""[3].

وتارة تكون غربية وهي العقيم، أي: المهلكة التي لا نفع فيها، وهي التي أهلك الله بها عاداً كما قال تعالى: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات: 41، 42] ، وقال تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [فصلت: 16].

وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة: 6 - 8] ، وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر: 19، 20].

وتسمى بـ "الدبور" كما قال صلى الله عليه وسلم: "وأهلكت عاد بالدبور"[4].
وسميت بـ"الدبور"؛ لأنها تستدبر السحاب، فيحصل بسبب ذلك أحياناً الغرق أو الهلاك.

وتارة تكون الريح جنوبية، وتارة شمالية، وتارة شمالية شرقية، وتارة شمالية غربية، وتارة جنوبية شرقية، وتارة جنوبية غربية.

وتارة لينة رخاء، طيبة، كما قال تعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ [ص: 36] ، وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [يونس: 22].

وتارة تكون عاصفة أو حاصباً أو قاصفاً، كما قال تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ [الأنبياء: 81] ، وقال تعالى: ﴿جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ [يونس: 22] ، وقال تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا [العنكبوت: 40] ، وقال تعالى: ﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ [الإسراء: 69].

وتارة تكون حارة سموماً، وتارة تكون باردة ذات صوت وهي الصر، والصرصر كما قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ [آل عمران: 117] ، وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا [القمر: 19].

وتارة تكون رحمة، فتأتي مبشرة بين يدي رحمة الله تعالى بنزول المطر وتثير السحاب وتجمعه وتسوقه وتلقحه وتدره وتمطره، وقد تفرق السحاب وتصرفه لحكمة.

كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [الأعراف: 57] ، وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ [الروم: 46]، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ [الروم: 48] ، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ [فاطر: 9].

وتسوق السفن تمخر عباب البحر، كما قال تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ [الشورى: 33] ، وقال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر: 22]. وتارة تكون عذاباً، كما قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [الأحقاف: 24، 25].

إلى غير ذلك من أحوال الرياح وآثارها مما لا يعلمه إلا الله عز وجل.
ففي تصريف الرياح وتقليبها وتنويعها آيات عظيمة دالة على كمال قدرة الله عز وجل وحكمته ورحمته.

فلو سكنت الريح لأضر ذلك بالعالم كله، وكذا لو بقيت في اتجاه واحد، لكنها تتقابل فيكسر بعضها حدة بعض، ويذهب بعضها ما جاء به البعض الآخر من الأذى والجراثيم ونحو ذلك.

﴿ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ معطوف على ما سبق، أي: وفي السحاب، أو على "الرياح" خاصة، أي: وفي تصريف السحاب المسخر، أي: نقله من موضع إلى آخر.

وذكر السحاب بعد الرياح؛ لأن الرياح هي التي تثيره وتجمعه وتسوقه وتدره وتمطره وغير ذلك بأمر الله عز وجل.

والسحاب: الغمام، وسُمي سحاباً؛ لأنه ينسحب انسحاباً في الجو، ويسحب الماء معه، وتسحبه الرياح.
﴿ الْمُسَخَّرِ أي: المذلل بأمر الله عز وجل، يصرفه الله كيف يشاء، وحيث يشاء، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا [الفرقان: 50].

﴿ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فلا ينزل مع كثافته وثقله، كما قال عز وجل: ﴿وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ [الرعد: 12] ، ولا يرتفع مع خفته ولطافته.

أي: بين السماء التي هي السقف لهذا الكون، كما قال تعالى: ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ [الطور: 5]، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ [الأنبياء: 32]. والأرض هي التي نحن عليها، فالسحاب تحت السماء التي هي سقف هذا الكون، وبينها وبين الأرض، وليس في السماء التي هي الأجرام.

﴿ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ اللام للتوكيد، و"آيات" اسم "إنّ" في قوله: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مؤخر، ونكر "آيات" للتعظيم والتفخيم، كماً وكيفاً.

أي: لآيات عظيمة كثيرة، والآيات: جمع آية، وهي العلامة، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ [البقرة: 248] أي: إن علامة ملكه.

ففي خلق السموات والأرض وما فيهما وما بينهما من المخلوقات والعوالم وما في ذلك من عظمة الخلق وتمامه آيات، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ [الروم: 22].

وفي اختلاف الليل والنهار ضياء وظلمة، وطولاً وقصراً، وتعاقبهما، وتبدل الأحوال فيهما آيات، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ [يونس: 6].

وفي الفلك والسفن التي تجري في البحر مع عظمتها وثقل حملها وما فيها من المنافع للناس في نقلهم ونقل الأمتعة والبضائع والأرزاق لهم آيات.

وفيما أنزل الله من السماء من مطر فأحيا به الأرض بعد موتها آيات، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فصلت: 39].

وفيما بث في الأرض من أنواع وأجناس الدواب المختلفة آيات.
وفي تصريف الرياح وتدبيرها وتنويع اتجاهاتها ولينها وشدتها ومنافعها وآثارها آيات.
وفي السحاب المسخر بين السماء والأرض لمصالح الخلق آيات.

أي: في ذلك كله آيات، أي: علامات ودلائل على وجود الخالق وعظمته ووحدانيته، وقدرته الظاهرة وحكمته الباهرة ورحمته الواسعة وعنايته التامة بخلقه وكمال ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، واستحقاقه للعبادة وحده دون من سواه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 190، 191].

وقد أحسن القائل:
والكون مشحون بأسرار إذا
حاولت تفسيراً لها أعياكا[5]


قوله: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿ لِقَوْمٍ : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة "لآيات" أي: لآيات بينات لقوم يعقلون، و"القوم" هم الجماعة من الناس.

﴿ يَعْقِلُونَ أي: ذوي عقول يتفكرون بها ويُعْملونها فيما خلقت له وينتفعون بها، بخلاف من عداهم ممن لا ينتفعون بعقولهم، وذلك أن العقل عقلان، عقل هو مناط التكليف، قال صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ"[6].

وعقل هو مناط المدح وهو الذي يحمل صاحبه على فعل ما ينفعه ويمنعه عن فعل ما يضره، كما قال تعالى: ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر: 5] أي: لذي عقل يحجر صاحبه ويمنعه عما يضره، وهو المراد بقوله تعالى هنا: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

فمن أعمل عقله وتفكر في خلق السموات والأرض، وفي اختلاف الليل والنهار، وفي الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وفيما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وما بث فيها من دابة، وفي تصريف الرياح، وفي السحاب المسخر بين السماء والأرض ظهر له ما في ذلك كله من الآيات العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى، ووحدانيته ورحمته وحكمته، وكمال ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.

المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] البيتان ينسبان للشاعر السوداني إبراهيم علي بديوي .

[2] انظر: "ديوانه" ص (103).

[3] أخرجه البخاري في الجمعة (1035)، ومسلم في صلاة الاستسقاء (900)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[4] أخرجه البخاري في الجمعة (1035)، ومسلم في صلاة الاستسقاء (900)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[5] البيت ينسب للشاعر السوداني إبراهيم علي بديوي .

[6] أخرجه ابوداود في الحدود (4403)، والترمذي في الحدود (1423)، وابن ماجه في الطلاق (2042) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 03-10-2022, 08:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,219
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾


قوله تعالى: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ [البقرة: 166].

قوله: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا ﴾ بدل اشتمال من قوله: ﴿ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾ [البقرة: 165] أي: إذ يتبرأ، وجاء التعبير بالماضي لتحقيق وقوعه، و"تبرأ": أظهر البراءة وتخلى وبعد.

﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ﴾ أي: المتبوعون من السادة والكبراء والرؤساء والقادة في الشرك والشر ورأسهم إبليس، وأتباعه من دعاة الكفر والضلال كفرعون وأمثاله الذين يدعون الناس إلى متابعتهم على الباطل، كما قال تعالى: عن فرعون أنه قال لقومه: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29].

وقال تعالى عن الكفار: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ﴾ [العنكبوت: 12].

﴿ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ﴾ أي: من الأتباع والضعفاء، أي: إذ تبرأ المتبوعون من أهل الضلال من أتباعهم وتخلوا عنهم وأنكروهم، وتنصلوا من وعدهم لهم بالشفاعة في الآخرة، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22].

وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: 5، 6]، وقال تعالى: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ [مريم: 81، 82].

وقال تعالى: ﴿ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 25].

﴿ وَرَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ معطوفة على: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا ﴾، أو حالية، أي: في حال رؤيتهم العذاب، وضمير الواو في "رأوا" عائد على الفريقين، المتبوعين والأتباع.

أي: وشاهدوا العذاب، وأبصروه بأعينهم، كما قال تعالى: ﴿ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ * وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴾ [القصص: 63، 64].

﴿ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ معطوفة على ما قبلها، أو حال، والضمير المجرور في ﴿ بِهِمُ ﴾ عائد إلى الفريقين، والباء للملابسة، أو للسببية أو بمعنى "عن".

والأسباب: جمع سبب، وهو ما يتوصل به إلى غيره، أي: وتقطعت بهم العلائق والصلات والمودات التي كانت بينهم في الدنيا لغير الله، والحيل وأسباب الخلاص التي يؤملونها.

كما قال تعالى: ﴿ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94]، وقال تعالى: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ *مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات: 22- 25].

وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ [سبأ: 40 - 42].

قال ابن القيم[1]: "وذلك لأن تلك الغايات لما اضمحلت وبطلت اضمحلت أسبابها وبطلت، فإن الأسباب تبطل ببطلان غايتها، وتضمحل باضمحلالها، وكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه، وكل عمل باطل إلا ما أريد به وجهه، وكل سعي لغيره باطل ومضمحل"[2].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] انظر: "بدائع التفسير" (1 /374).

[2] في "تفسيره" (1 /291).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 03-10-2022, 08:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,219
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا... ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾[البقرة: 167]

قوله: ﴿ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً ﴾ أي: قال الأتباع المضلَّلون.

﴿ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً ﴾ "لو" هنا للتمني، أي: ليت لنا كرة.

والكرة: الرجعة، أي: ليت لنا رجعة وعودة إلى الدنيا نحن وإياهم.

﴿ فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ ﴾ الفاء: للسببية، "ونتبرأ": مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة بعد الفاء، كما في قوله تعالى: ﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 102]، والمعنى: فنتخلى عنهم، وعن عبادتهم إذا رجعنا إلى الدنيا، ونعبد الله وحده، وهم في هذا كاذبون.

﴿ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ﴾ الكاف للتشبيه، بمعنى "مثل" صفة لمصدر محذوف، أي: تبرؤ مثل تبرئهم منا، أي: مثل ما تبرءوا منا وتخلوا عنا في الآخرة فنجازيهم بمثل صنيعهم.

وهيهات وأنى لهم الرجوع إلى الدنيا!

وأيضاً فإنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه كما قال تعالى:
﴿ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [الأنعام: 27، 28].

﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ﴾ الكاف كسابقتها للتشبيه بمعنى "مثل". والإشارة بـ "ذلك" إلى إراءتهم العذاب وتلك الأهوال، والتقدير: مثل إراءتهم الأهوال يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم.

﴿ يُرِيهِمُ ﴾ من "أَرى يُري"؛ لهذا نصبت ثلاثة مفاعيل، الأول: الضمير "هم"، والثاني: "أعمالهم"، والثالث: "حسرات"، وهذا على اعتبار الرؤية علمية، وعلى اعتبار الرؤية بصرية وهو أقرب يكون ﴿ حَسَرَاتٍ ﴾ منصوباً على الحال من أعمالهم.

و﴿ حَسَرَاتٍ ﴾ جمع حسرة، وهي شدة الندم والأسى والحزن، لما مُنوا به من حبوط أعمالهم والخيبة والخسران، فلا تكاد تتصور مدى ما يعتلج في صدور هؤلاء الأتباع من الحسرات والندم والحزن والأسى والآهات على أعمال اجتهدوا فيها تحبط وتبطل وتذهب سدى، ويعترفون بما كانوا عليه من الضلال بعد فوات الأوان، ويقولون كما ذكر الله تعالى عنهم: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 97، 98].

ويحتمل عود الضمير في قولهم: ﴿ يُرِيهِمُ ﴾ إلى الفريقين المتبوعين والأتباع لاجتماعهم في الكفر والضلال كما قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾ [إبراهيم: 18]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً ﴾ [النور: 39].

وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [سبأ: 31- 33].

وهذا بخلاف من كانوا أتباعاً على الحق ومحبتهم في الله ولله فإنها تبقى ولا تزول، كما قال تعالى: ﴿ لْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].

قال الشاعر:
سيبقى لكم في مضمر القلب
سريرة حب يوم تبلى السرائر


وقال الآخر:
وإذا تقطع حبل الوصل بينهم
فللمحبين حبل غير منقطع
وإن تصدع شمل القوم بينهم
فللمحبين شمل غير منصدع[1]


وقال الآخر:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه دوماً لأول منزل


﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ أي: أنهم خالدون فيها؛ لأن النار لا تفنى ولا يفنى عذابها ولا يموت أهلها، وفي هذا تيئيس لهم من الرجعة إلى الدنيا كما يتمنون.

المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] انظر: "روضة المحبين" ص280 .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 03-10-2022, 08:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,219
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



الفوائد والأحكام في سورة البقرة الآيات (164 - 167)

1- عظم خلق السموات والأرض وما في ذلك من الآيات الدالة على عظمة الخالق سبحانه ووحدانيته، وكمال قدرته وحكمته ورحمته.

وأن السموات والأرض مخلوقة بعد العدم، وليست بأزلية- كما يزعم الفلاسفة القائلون بقدم الأفلاك؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].

2- أن في اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما، واختلاف أحوالهما ظلمةً وضياءً وطولاً وقصراً، وسكناً ومعاشاً، وغير ذلك، واختلاف الأحوال فيهما من حر إلى برد، ومن عز إلى ذل، ومن شدة إلى رخاء ونحو ذلك وعكسه وغير ذلك، في ذلك كله آيات دالة على عظمة الله ووحدانيته وقدرته وحكمته ورحمته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾.

3- أن في الفلك والسفن التي تجري في البحر بتسخير الله بما ينفع الناس، من حملهم وحمل أمتعتهم وأقواتهم آيات عظيمة دالة على عظمة الله ووحدانيته وحكمته ورحمته وكمال قدرته.

إذ كيف تجري هذه السفن العظيمة على الماء، وكيف لا تغرق في لجج البحار؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ ﴾.

4- أن في إنزال المطر من السماء وإحياء الأرض به بعد موتها، وما بث فيها من كل أنواع الدواب آيات عظيمة تدل على عظمة الخالق ووحدانيته وحكمته وسعة رحمته، وكمال قدرته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ﴾.

5- أن في تصريف الرياح وتغيير توجهها من جهة إلى أخرى وما يترتب على ذلك من منافع أو مضار، وفي تكوين السحاب وتسخيره بين السماء والأرض آيات عظيمة تدل على قدرة الله تعالى التامة، ووحدانيته وحكمته ورحمته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾.

6- إنما يتأمل في مخلوقات الله عز وجل الكونية من خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار وغير ذلك من الآيات المذكورة وغيرها ويتفكر فيها، ويستدل بها على عظمة الخالق ووحدانيته، وتمام قدرته وقوته، وكمال حكمته، وسعة رحمته ذوو العقول؛ لقوله تعالى: ﴿ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ أي: الذين تهديهم عقولهم إلى التأمل في آيات الله والتفكر فيها.

7- الحث والترغيب في التدبر والتفكر في آيات الله عز وجل ومخلوقاته في هذا الكون العظيم؛ لأن الله ذكر أن هذا من صفات ذوي العقول.

8- يؤخذ من مفهوم قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ الآية، التعريض بالذين لا يعقلون ولا يتفكرون في آيات الله ولا ينتفعون بها، والرد على المشركين والدهريين.

9- ذم المشركين باتخاذهم- جهلاً وسفهاً- من دون الله أنداداً يحبونهم كحبهم لله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 165].

10- أن محبة الله تعالى من العبادة، بل محبة الله تعالى وتعظيمه هي أساس العبادة، فبالمحبة يفعل المأمور، وبالتعظيم يجتنب المحظور؛ ولهذا جعل الله عز وجل من أحب من دون الله شيئاً كما يحب الله تعالى كمن اتخذ من دون الله أنداداً وشركاء.

11- محبة المؤمنين لله تعالى أشد من محبة المشركين للأنداد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].

12- أن في ازدياد إيمان العبد زيادة محبته لله تعالى، كما أن في شدة محبته لله تعالى دلالة على قوة إيمانه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾.

13- وجوب تقديم محبة الله عز وجل على جميع المحبوبات؛ لأن الله ذم من أحبوا الأنداد كحب الله ووصفهم بالشرك والظلم.

14- أن من جعل لله نداً في المحبة فهو ظالم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾ [البقرة: 165] وأظلم الظلم الشرك بالله- تعالى.

15- إثبات البعث والجزاء، ورؤية الظالمين للعذاب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَرَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ [البقرة: 166].

16- أن القوة جميعاً لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 165] والمخلوق وإن كان له قوة فليست بشيء بالنسبة لقوة الله عز وجل،وأيضاً فإن قوة المخلوق إنما هي من الله عز وجل.

17- شدة عذاب الله تعالى للمشركين الظالمين ونحوهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ [البقرة: 165].

18- التحذير من بطش الله وعذابه، لأنه عز وجل ذو القوة التامة، شديد العذاب.

19- براءة المتبوعين بالباطل من أتباعهم وتخليهم عنهم في أشد المواقف يوم القيامة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ﴾ [البقرة: 166]، وفي هذا من الألم المعنوي لقلوب هؤلاء الأتباع والأسى والحسرة وخيبة الأمل ما لا يتصور.

20- أن كل سبب ترجى به النجاة فهو منقطع يوم القيامة إلا ما شرعه الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ [البقرة: 166]، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [العنكبوت: 12].

21- بلاغة القرآن الكريم في الإشارة إلى ما عليه هؤلاء الأتباع في ذلك اليوم بعد أن تقطعت بهم أسباب النجاة التي يؤملونها من شدة الحيرة وتيقن الهلاك وسوء المصير.

22- تمني الأتباع على الباطل الرجوع إلى الدنيا؛ ليتبرؤوا من متبوعيهم، كما تبرؤوا منهم في الآخرة، وهيهات لهم ذلك؛ لأن الرجوع إلى الدنيا غير ممكن؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ﴾ [البقرة: 167].

23- عقوبة الله تعالى لهؤلاء المذكورين بجعل أعمالهم حسرات عليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ﴾ [البقرة: 167].

24- خلود المشركين في النار من الأتباع والمتبوعين خلوداً أبديًّا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 167].

25- إثبات النار، وأنها مآل الكفار، لا تفنى ولا يفنى عذابها ولا أهلها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾.

وكما قال تعالى في سورة النساء: ﴿ إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 169]، وقال تعالى في سورة الأحزاب: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [الأحزاب: 64، 65]، وقال تعالى في سورة الجن: ﴿ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [الجن: 23].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 294.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 288.35 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.99%)]