تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 19 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         انهيار الدولار: انهيار عالمي متخفي.. إلى أي مصير نسير؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          سبل تحقيق التوافق بين مهارات خريجات الجامعات وسوق العمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الفلسفة الاقتصادية لملكية الإنسان في منظور الاقتصاد الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          المعاني الاقتصادية للحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الفلسفة الاقتصادية للتسخير في منظور الاقتصاد الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: استراتيجيات وأدوات مبتكرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الحوار بين نهضة الأمم وانهيارها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          حكم عمليات التجميل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          بيع الكلاب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الوقف على الضيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-05-2022, 09:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (184)
صــ406 إلى صــ 410



والثاني: أنه المسخ ، قاله مجاهد ، لعنوا على لسان داود فصاروا قردة ، وعلى لسان عيسى ، فصاروا خنازير . وقال الحسن ، وقتادة: لعن أصحاب السبت [ ص: 406 ] على لسان داود ، فإنهم لما اعتدوا ، قال داود: اللهم العنهم ، واجعلهم آية ، فمسخوا قردة . ولعن أصحاب المائدة على لسان عيسى ، فإنهم لما أكلوا منها ولم يؤمنوا; قال عيسى: اللهم العنهم كما لعنت أصحاب السبت ، فجعلوا خنازير .

قوله تعالى: ذلك بما عصوا أي: ذلك اللعن بمعصيتهم لله تعالى في مخالفتهم أمره ونهيه ، وباعتدائهم في مجاوزة ما حده لهم .
كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون

قوله تعالى: كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه التناهي: تفاعل من النهي ، أي: كانوا لا ينهى بعضهم بعضا عن المنكر .

وذكر المفسرون في هذا المنكر ثلاثة أقوال .

أحدها: صيد السمك يوم السبت . والثاني: أخذ الرشوة في الحكم .

والثالث: أكل الربا ، وأثمان الشحوم . وذكر المنكر منكرا يدل على الإطلاق ، ويمنع هذا الحصر ، ويدل على ما قلنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيرا ، فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريبه ، فلما رأى الله تعالى ذلك منهم ، ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم" .

[ ص: 407 ] قوله تعالى: لبئس ما كانوا يفعلون قال الزجاج : اللام دخلت للقسم والتوكيد ، والمعنى: لبئس شيئا فعلهم .
ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون

قوله تعالى: ترى كثيرا منهم في المشار إليهم قولان .

أحدهما: أنهم المنافقون ، روي عن ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد .

والثاني: أنهم اليهود ، قاله مقاتل في آخرين . فعلى هذا القول انتظام الآيات ظاهر ، وعلى الأول يرجع الكلام إلى قوله: فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم . وفي الذين كفروا قولان . أحدهما: أنهم اليهود ، قاله أرباب القول الأول . والثاني: أنهم مشركو العرب ، قاله أرباب هذا القول الثاني .

قوله تعالى: لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أي: بئسما قدموا لمعادهم أن سخط الله عليهم قال الزجاج : يجوز أن تكون "أن" في موضع رفع على إضمار هو ، كأنه قيل: هو أن سخط الله عليهم .
لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين

[ ص: 408 ] قوله تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود قال المفسرون: نزلت هذه الآية وما بعدها مما يتعلق بها في النجاشي وأصحابه . قال سعيد بن جبير: بعث النجاشي قوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلموا ، فنزلت فيهم هذه الآية والتي بعدها ، وسنذكر قصتهم فيما بعد . قال الزجاج : واللام في "لتجدن" لام القسم ، والنون دخلت تفصل بين الحال والاستقبال ، و "عداوة" منصوب على التمييز ، واليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين حسدا للنبي صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى: والذين أشركوا يعني: عبدة الأوثان . فأما الذين قالوا: إنا نصارى ، فهل هذا عام في كل النصارى ، أم خاص؟ فيه قولان .

أحدهما: أنه خاص ثم فيه قولان .

أحدهما: أنه أراد النجاشي وأصحابه لما أسلموا ، قاله ابن عباس ، وابن جبير .

والثاني: أنهم قوم من النصارى كانوا متمسكين بشريعة عيسى ، فلما جاء محمد عليه السلام أسلموا ، قاله قتادة .

والقول الثاني: أنه عام . قال الزجاج : يجوز أن يراد به النصارى ، لأنهم كانوا أقل مظاهرة للمشركين من اليهود .

قوله تعالى: ذلك بأن منهم قسيسين قال الزجاج : "القس" و "القسيس": من رؤساء النصارى . وقال قطرب: القسيس: العالم بلغة الروم ، فأما "الرهبان": فهم العباد أرباب الصوامع . قال ابن فارس: الترهب: التعبد ، فإن قيل: كيف مدحهم بأن منهم قسيسين ورهبانا ، وليس ذلك من أمر شريعتنا؟ فالجواب: أنه مدحهم بالتمسك بدين عيسى حين استعملوا في أمر محمد ما أخذ عليهم في كتابهم ، [ ص: 409 ] وقد كانت الرهبانية مستحسنة في دينهم . والمعنى: بأن فيهم علماء بما أوصى به عيسى من أمر محمد صلى الله عليه وسلم . قال القاضي أبو يعلى: وربما ظن جاهل أن في هذه الآية مدح النصارى ، وليس كذلك ، لأنه إنما مدح من آمن منهم ، ويدل عليه ما بعد ذلك ، ولا شك أن مقالة النصارى أقبح من مقالة اليهود .

قوله تعالى: وأنهم لا يستكبرون أي: لا يتكبرون عن اتباع الحق .

قوله تعالى: وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول قال ابن عباس : لما حضر أصحاب النبي عليه السلام بين يدي النجاشي ، وقرؤوا القرآن ، سمع ذلك القسيسون والرهبان ، فانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق ، فقال الله تعالى: ذلك بأن منهم قسيسين إلى قوله: مع الشاهدين . وقال سعيد بن جبير: بعث النجاشي من خيار أصحابه ثلاثين رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهم القرآن ، فبكوا ورقوا ، وقالوا: نعرف والله ، وأسلموا ، وذهبوا إلى النجاشي فأخبروه فأسلم ، فأنزل الله فيهم وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول الآية . وقال السدي: كانوا اثني عشر رجلا; سبعة من القسيسين ، وخمسة من الرهبان ، فلما قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، بكوا وآمنوا ، فنزلت هذه الآية فيهم .

قوله تعالى: فاكتبنا مع الشاهدين أي: مع من يشهد بالحق . وللمفسرين في المراد بالشاهدين هاهنا أربعة أقوال .

أحدها: محمد وأمته ، رواه علي بن أبي طلحة ، وعكرمة عن ابن عباس .

والثاني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث: الذين يشهدون بالإيمان ، قاله الحسن . والرابع: الأنبياء والمؤمنون ، قاله الزجاج .
وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين فأثابهم الله بما قالوا جنات [ ص: 410 ] تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم

قوله تعالى: وما لنا لا نؤمن بالله قال ابن عباس : لامهم قومهم على الإيمان ، فقالوا هذا . وفي القوم الصالحين ثلاثة أقوال .

أحدها: أصحاب رسول الله ، قاله ابن عباس . والثاني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، قاله ابن زيد . والثالث: المهاجرون الأولون ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: وذلك جزاء المحسنين قال ابن عباس : ثواب المؤمنين .
يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-05-2022, 09:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (185)
صــ411 إلى صــ 415



أحدها: أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عثمان بن مظعون ، حرموا اللحم والنساء على أنفسهم ، وأرادوا جب أنفسهم ليتفرغوا للعبادة ، فقال رسول الله: "لم أومر بذلك" ، ونزلت هذه الآية ، رواه العوفي عن ابن عباس . وروى أبو صالح عن ابن عباس ، قال: كانوا عشرة: أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وعثمان بن مظعون ، والمقداد بن الأسود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر ، وعمار بن ياسر ، اجتمعوا في دار عثمان بن مظعون ، فتواثقوا على ذلك ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: "من رغب عن سنتي فليس مني" ونزلت [ ص: 411 ] هذه الآية . قال السدي: كان سبب عزمهم على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوما ، فلم يزدهم على التخويف ، فرق الناس ، وبكوا ، فعزم هؤلاء على ذلك ، وحلفوا على ما عزموا عليه . وقال عكرمة: إن علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وعثمان بن مظعون ، والمقداد ، وسالما مولى أبي حذيفة في أصحابه ، تبتلوا ، فجلسوا في البيوت ، واعتزلوا النساء ، ولبسوا المسوح وحرموا طيبات الطعام واللباس ، إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل ، وهموا بالاختصاء ، وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار ، فنزلت هذه الآية .

والثاني: أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: إني إذا أكلت من هذا اللحم ، أقبلت على النساء ، وإني حرمته علي ، فنزلت هذه الآية ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثالث: أن ضيفا نزل بعبد الله بن رواحة ، ولم يكن حاضرا ، فلما جاء ، قال لزوجته: هل أكل الضيف؟ فقالت: انتظرتك . فقال: حبست ضيفي من أجلي؟! طعامك علي حرام . فقالت: وهو علي حرام إن لم تأكله ، فقال الضيف: وهو علي حرام إن لم تأكلوه ، فلما رأى ذلك ابن رواحة قال: قربي طعامك ، كلوا بسم الله ، ثم غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بذلك فقال: أحسنت ، ونزلت هذه [ ص: 412 ] الآية . وقرأ حتى بلغ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم رواه عبد الرحمن بن زيد عن أبيه . فأما "الطيبات" فهي اللذيذات التي تشتهيها النفوس مما أبيح .

وفي قوله: ولا تعتدوا خمسة أقوال .

أحدها: لا تجبوا أنفسكم ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وإبراهيم .

والثاني: لا تأتوا ما نهى الله عنه ، قاله الحسن . والثالث: لا تسيروا بغير سيرة المسلمين من ترك النساء ، وإدامة الصيام ، والقيام ، قاله عكرمة . والرابع: لا تحرموا الحلال ، قاله مقاتل . والخامس: لا تغصبوا الأموال المحرمة ، ذكره الماوردي .
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون

قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم سبب نزولها: أنه لما نزل قوله: لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم قال القوم الذين كانوا حرموا النساء واللحم: يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ فنزلت هذه الآية ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقد سبق ذكر "اللغو" في سورة (البقرة) .

قوله تعالى: بما عقدتم الأيمان قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم: "عقدتم" بغير ألف ، مشددة القاف . قال أبو عمرو: معناها: [ ص: 413 ] وكدتم . وقرأ أبو بكر ، والمفضل عن عاصم: "عقدتم" خفيفة بغير ألف ، واختارها أبو عبيد . قال ابن جرير: معناها: أوجبتموها على أنفسكم . وقرأ ابن عامر: "عاقدتم" بألف ، مثل "عاهدتم" . قال القاضي أبو يعلى: وهذه القراءة المشددة لا تحتمل إلا عقد قول . فأما المخففة ، فتحتمل عقد القلب ، وعقد القول .

وذكر المفسرون في معنى الكلام قولين .

أحدهما: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم عليه قلوبكم في التعمد لليمين ، قاله مجاهد .

والثاني: بما عقدتم عليه قلوبكم أنه كذب ، قاله سعيد بن جبير .

قوله تعالى: فكفارته قال ابن جرير: الهاء عائدة على "ما" في قوله: بما عقدتم .

فصل

فأما إطعام المساكين ، فروي عن ابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، والحسن في آخرين: أن لكل مسكين مد بر ، وبه قال مالك ، والشافعي .

وروي عن عمر ، وعلي ، وعائشة في آخرين: لكل مسكين نصف صاع من بر ، قال عمر ، وعائشة: أو صاعا من تمر ، وبه قال أبو حنيفة . ومذهب أصحابنا في جميع الكفارات التي فيها إطعام ، مثل كفارة اليمين ، والظهار ، وفدية الأذى ، والمفرطة في قضاء رمضان ، مد بر ، أو نصف صاع تمر أو شعير . ومن شرط صحة الكفارة ، تمليك الطعام للفقراء ، فإن غداهم وعشاهم ، لم يجزئه ، وبه قال سعيد بن جبير ، والحكم ، والشافعي . وقال الثوري ، والأوزاعي: يجزئه ، وبه قال أبو حنيفة ، ومالك . ولا يجوز صرف مدين إلى مسكين واحد ، ولا إخراج القيمة في الكفارة ، وبه قال الشافعي . وقال أبو حنيفة: يجوز . قال الزجاج : وإنما وقع [ ص: 414 ] لفظ التذكير في المساكين ، ولو كانوا إناثا لأجزأ ، لأن المغلب في كلام العرب التذكير . وفي قوله: من أوسط ما تطعمون أهليكم قولان .

أحدهما: من أوسطه في القدر ، قاله عمر ، وعلي ، وابن عباس ، ومجاهد .

والثاني: من أوسط أجناس الطعام ، قاله ابن عمر ، والأسود ، وعبيدة ، والحسن ، وابن سيرين . وروي عن ابن عباس قال: كان أهل المدينة [يقولون:] للحر من القوت أكثر ما للمملوك ، وللكبير أكثر ما للصغير ، فنزلت من أوسط ما تطعمون أهليكم ليس بأفضله ولا بأخسه . وفي كسوتهم خمسة أقوال .

أحدها: أنها ثوب واحد ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وطاووس ، وعطاء ، والشافعي . والثاني: ثوبان ، قاله أبو موسى الأشعري ، وابن المسيب ، والحسن ، وابن سيرين ، والضحاك . والثالث: إزار ورداء وقميص ، قاله ابن عمر . والرابع: ثوب جامع كالملحفة ، قاله إبراهيم النخعي . والخامس: كسوة تجزئ فيها الصلاة ، قاله مالك . ومذهب أصحابنا: أنه إن كسا الرجل ، كساه ثوبا ، والمرأة ثوبين ، درعا وخمارا ، وهو أدنى ما تجزئ فيه الصلاة . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو الجوزاء ، ويحيى بن يعمر: "أو كسوتهم" ، بضم الكاف . وقد قرأ سعيد بن جبير ، وأبو العالية ، وأبو نهيك ، ومعاذ القارئ: "أوكإسوتهم" بهمزة مكسورة ، مفتوحة الكاف ، مكسورة التاء والهاء . وقرأ ابن السميفع ، وأبو عمران الجوزي مثله ، إلا أنهما فتحا الهمزة . قال المصنف: ولا أرى هذه القراءة جائزة ، لأنها تسقط أصلا من أصول الكفارة .

[ ص: 415 ] قوله تعالى: أو تحرير رقبة تحريرها: عتقها ، والمراد بالرقبة: جملة الشخص . واتفقوا على اشتراط إيمان الرقبة في كفارة القتل لموضع النص .

واختلفوا في إيمان الرقبة المذكورة في هذه الكفارة على قولين .

أحدهما: أنه شرط ، وبه قال الشافعي ، لأن الله تعالى قيد بذكر الإيمان في كفارة القتل ، فوجب حمل المطلق على المقيد .

والثاني: ليس بشرط ، وبه قال أبو حنيفة ، وعن أحمد رضي الله عنه في إيمان الرقبة المعتقة في كفارة اليمين ، وكفارة الظهار ، وكفارة الجماع ، والمنذورة ، روايتان .

قوله تعالى: فمن لم يجد اختلفوا فيما إذا لم يجده ، صام ، على خمسة أقوال .

أحدها: أنه إذا لم يجد درهمين صام ، قاله الحسن . والثاني: ثلاثة دراهم ، قاله سعيد بن جبير . والثالث: إذا لم يجد إلا قدر ما يكفر به ، صام ، قاله قتادة . والرابع: مئتي درهم ، قاله أبو حنيفة . والخامس: إذا لم يكن له إلا قدر قوته وقوت عائلته يومه وليلته ، قاله أحمد ، والشافعي ، وفي تتابع الثلاثة أيام ، قولان .

أحدهما: أنه شرط ، وكان أبي ، وابن مسعود يقرآن: ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) وبه قال ابن عباس ، ومجاهد ، وطاووس ، وعطاء ، وقتادة ، وأبو حنيفة ، وهو قول أصحابنا .

والثاني: ليس بشرط ، ويجوز التفريق ، وبه قال الحسن ، ومالك ، والشافعي فيه قولان .

قوله تعالى: ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم فيه إضمار تقديره: إذا حلفتم وحنثتم . وفي قوله: واحفظوا أيمانكم ثلاثة أقوال .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13-05-2022, 09:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (186)
صــ416 إلى صــ 420



[ ص: 416 ] أحدها: أقلوا منها ، ويشهد له قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم وأنشدوا:


قليل الألايا حافظ ليمينه


والثاني: احفظوا أنفسكم من الحنث فيها .

والثالث: راعوها لكي تؤدوا الكفارة عند الحنث فيها .
يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر في سبب نزولها: أربعة أقوال .

أحدها: أن سعد بن أبي وقاص أتى نفرا من المهاجرين والأنصار ، فأكل عندهم ، وشرب الخمر ، قبل أن تحرم ، فقال: المهاجرون خير من الأنصار ، فأخذ رجل لحي جمل فضربه ، فجدع أنفه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فنزلت هذه الآية ، رواه مصعب بن سعد عن أبيه . وقال سعيد بن جبير: صنع رجل من الأنصار صنيعا ، فدعا سعد بن أبي وقاص ، فلما أخذت فيهم الخمرة افتخروا واستبوا ، فقام الأنصاري إلى لحي بعير ، فضرب به رأس سعد ، فإذا الدم على وجهه ، فذهب سعد يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل تحريم الخمر في قوله: إنما الخمر والميسر إلى قوله: تفلحون .

[ ص: 417 ] والثاني: أن عمر بن الخطاب قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت التي في (البقرة) فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت التي في (النساء) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى [النساء: 43] فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو ميسرة عن عمر .

والثالث: أن أناسا من المسلمين شربوها ، فقاتل بعضهم بعضا ، وتكلموا بما لا يرضاه الله من القول ، فنزلت هذه الآية ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والرابع: أن قبيلتين من الأنصار شربوا ، فلما ثملوا عبث بعضهم ببعض ، فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته ، فيقول: صنع بي هذا أخي فلان!! والله لو كان بي رؤوفا ما صنع بي هذا ، حتى وقعت في قلوبهم الضغائن ، وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن ، فنزلت هذه الآية ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . وقد ذكرنا الخمر والميسر في (البقرة) وذكرنا في "النصب" في أول هذه السورة قولين ، وهما اللذان ذكرهما المفسرون في الأنصاب . وذكرنا هناك "الأزلام" فأما الرجس ، فقال الزجاج : هو اسم لكل ما استقذر من عمل ، يقال: رجس الرجل يرجس ، ورجس يرجس: إذا عمل عملا قبيحا ، والرجس بفتح الراء: شدة الصوت ، فكأن الرجس ، العمل الذي يقبح ذكره ، ويرتفع في القبح ، ويقال: رعد رجاس: إذا كان شديد الصوت .

[ ص: 418 ] قوله تعالى: من عمل الشيطان قال ابن عباس : من تزيين الشيطان . فإن قيل: كيف نسب إليه ، وليس من فعله؟ فالجواب: أن نسبته إليه مجاز ، وإنما نسب إليه ، لأنه هو الداعي إليه ، المزين له ، ألا ترى أن رجلا لو أغرى رجلا بضرب رجل ، لجاز أن يقال له: هذا من عملك .

قوله تعالى: فاجتنبوه قال الزجاج : اتركوه . واشتقاقه في اللغة: كونوا جانبا منه . فإن قيل: كيف ذكر في هذه الآية أشياء ، ثم قال: فاجتنبوه؟ فالجواب: أن الهاء عائدة على الرجس ، والرجس واقع على الخمر ، والميسر ، والأنصاب ، والأزلام ، ورجوع الهاء عليه بمنزلة رجوعها على الجمع الذي هو واقع عليه ، ومنبئ عنه ، ذكره ابن الأنباري .
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين

قوله تعالى: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر أما "الخمر" فوقوع العداوة والبغضاء فيها على نحو ما ذكرنا في سبب نزول الآية من القتال والمماراة . وأما الميسر ، فقال قتادة: كان الرجل يقامر على أهله وماله ، فيقمر ويبقى حزينا سليبا ، فينظر إلى ماله في يد غيره ، فيكسبه ذلك العداوة والبغضاء .

قوله تعالى: فهل أنتم منتهون فيه قولان .

أحدهما: أنه لفظ استفهام ، ومعناه: الأمر . تقديره: انتهوا . قال الفراء: ردد علي أعرابي: هل أنت ساكت ، هل أنت ساكت؟ وهو يريد: اسكت ، اسكت .

[ ص: 419 ] والثاني: أنه استفهام ، لا بمعنى: الأمر . ذكر شيخنا علي بن عبيد الله أن جماعة كانوا يشربون الخمر بعد هذه الآية ، ويقولون: لم يحرمها ، إنما قال: فهل أنتم منتهون فقال بعضنا: انتهينا ، وقال بعضنا: لم ننته ، فلما نزلت قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم [الأعراف: 33] حرمت ، لأن "الإثم" اسم للخمر . وهذا القول ليس بشيء ، والأول أصح .

قوله تعالى: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فيما أمراكم ، واحذروا خلافهما (فإن توليتم) أي: أعرضتم ، فاعلموا أنما على رسولنا محمد البلاغ المبين وهذا وعيد لهم ، كأنه قال: فاعلموا أنكم قد استحققتم العذاب لتوليكم .
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين

قوله تعالى: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا سبب نزولها: أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم يشربون الخمر ، إذ كانت مباحة ، فلما حرمت ، قال ناس: كيف بأصحابنا وقد ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت هذه الآية ، قاله البراء بن عازب . و "الجناح": الإثم . وفيما طعموا ثلاثة أقوال .

[ ص: 420 ] أحدها: ما شربوا من الخمر قبل تحريمها ، قاله ابن عباس ، والجمهور . قال ابن قتيبة: يقال: لم أطعم خبزا وأدما ولا ماء ولا نوما . قال الشاعر:


فإن شئت حرمت النساء سواكم وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا


النقاخ: الماء [البارد] الذي ينقخ الفؤاد ببرده ، والبرد: النوم .

والثاني: ما شربوا من الخمر وأكلوا من الميسر .

والثالث: ما طعموا من المباحات . وفي قوله: إذا ما اتقوا ثلاثة أقوال .

أحدها: اتقوا بعد التحريم ، قاله ابن عباس . والثاني: اتقوا المعاصي والشرك .

والثالث: اتقوا مخالفة الله في أمره . وفي قوله: وآمنوا قولان .

أحدهما: آمنوا بالله ورسوله . والثاني: آمنوا بتحريمها . وعملوا الصالحات : قال مقاتل: أقاموا على الفرائض .

قوله تعالى: ثم اتقوا في هذه "التقوى" المعادة أربعة أقوال .

أحدها: أن المراد خوف الله عز وجل . والثاني: أنها تقوى الخمر والميسر بعد التحريم . والثالث: أنها الدوام على التقوى . والرابع: أن التقوى الأولى مخاطبة لمن شربها قبل التحريم ، والثانية لمن شربها بعد التحريم .

قوله تعالى: وآمنوا في هذا "الإيمان" المعاد قولان .

أحدهما: صدقوا بجميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .

والثاني: آمنوا بما يجيء من الناسخ والمنسوخ .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13-05-2022, 09:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (187)
صــ421 إلى صــ 425



[ ص: 421 ] قوله تعالى: ثم اتقوا وأحسنوا في هذه "التقوى" الثالثة أربعة أقوال .

أحدها: اجتنبوا العود إلى الخمر بعد تحريمها ، قاله ابن عباس . والثاني: اتقوا ظلم العباد . والثالث: توقوا الشبهات . والرابع: اتقوا جميع المحرمات .

وفي "الإحسان" قولان . أحدهما: أحسنوا العمل بترك شربها بعد التحريم ، قاله ابن عباس . والثاني: أحسنوا العمل بعد تحريمها ، قاله مقاتل .
يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد قال المفسرون: لما كان عام الحديبية ، وأقام النبي صلى الله عليه وسلم بالتنعيم ، كانت الوحوش والطير تغشاهم في رحالهم ، وهم محرمون ، فنزلت هذه الآية ، ونهوا عنها ابتلاء . قال الزجاج : اللام في "ليبلونكم" لام القسم ، ومعناه: لنختبرن طاعتكم من معصيتكم .

وفي "من" قولان . أحدهما: أنها للتبعيض ، ثم فيه قولان . أحدهما: أنه عنى صيد البر دون صيد البحر . والثاني: أنه عنى الصيد ما داموا في الإحرام كأن ذلك بعض الصيد . والثاني: أنها لبيان الجنس ، كقوله: فاجتنبوا الرجس من الأوثان [الحج: 30] .

قوله تعالى: تناله أيديكم ورماحكم قال مجاهد: الذي تناله اليد: الفراخ والبيض ، وصغار الصيد ، والذي تناله الرماح: كبار الصيد .

[ ص: 422 ] قوله تعالى: ليعلم الله قال مقاتل: ليرى الله من يخافه بالغيب ولم يره ، فلا يتناول الصيد وهو محرم فمن اعتدى فأخذ الصيد عمدا بعد النهي للمحرم عن قتل الصيد فله عذاب أليم قال ابن عباس : يوسع بطنه وظهره جلدا ، وتسلب ثيابه .
يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام

قوله تعالى: لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم بين الله عز وجل بهذه الآية من أي وجه تقع البلوى ، وفي أي زمان ، وما على من قتله بعد النهي؟ .

وفي قوله: وأنتم حرم ثلاثة أقوال .

أحدها: وأنتم محرمون بحج أو عمرة ، قاله الأكثرون . والثاني: وأنتم في الحرم ، يقال: أحرم ، إذا دخل في الحرم ، وأنجد: إذا أتى نجدا . والثالث: الجمع بين القولين .

قوله تعالى: ومن قتله منكم متعمدا فيه قولان .

أحدهما: أن يتعمد قتله ذاكرا لإحرامه ، قاله ابن عباس ، وعطاء .

والثاني: أن يتعمد قتله ناسيا لإحرامه ، قاله مجاهد . فأما قتله خطأ ، ففيه قولان .

أحدهما: أنه كالعمد ، قاله عمر ، وعثمان ، والجمهور . قال الزهري: نزل القرآن بالعمد ، وجرت السنة في الخطأ ، يعني: ألحقت المخطئ بالمتعمد في وجوب [ ص: 423 ] الجزاء . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الضبع صيد وفيه كبش إذا قتله المحرم" وهذا عام في العامد والمخطئ . قال القاضي أبو يعلى: أفاد تخصيص العمد بالذكر ما ذكر في أثناء الآية من الوعيد ، وإنما يختص ذلك بالعامد .

والثاني: أنه لا شيء فيه ، قاله ابن عباس ، وابن جبير ، وطاووس ، وعطاء ، وسالم ، والقاسم ، وداود . وعن أحمد روايتان: أصحهما الوجوب .

قوله تعالى: فجزاء مثل ما قتل من النعم قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر: (فجزاء مثل) مضافة وبخفض "مثل" . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي: "فجزاء" منون "مثل" مرفوع . قال أبو علي: من أضاف ، فقوله: من النعم يكون صفة للجزاء ، وإنما قال: مثل ما قتل ، وإنما عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله ، لأنهم يقولون: أنا أكرم مثلك ، يريدون: أنا أكرمك ، فالمعنى: جزاء ما قتل .

ومن رفع "المثل" ، فالمعنى: فعليه جزاء من النعم مماثل للمقتول ، والتقدير: فعليه جزاء .

قال ابن قتيبة: النعم: الإبل ، وقد يكون البقر والغنم ، والأغلب عليها الإبل . وقال الزجاج : النعم في اللغة: الإبل والبقر والغنم ، فإن انفردت الإبل ، قيل لها: نعم ، وإن انفردت البقر والغنم ، لم تسم نعما .

[ ص: 424 ] فصل

قال القاضي أبو يعلى: والصيد الذي يجب الجزاء بقتله: ما كان مأكول اللحم ، كالغزال ، وحمار الوحش ، والنعامة ونحو ذلك ، أو كان متولدا من حيوان يؤكل لحمه ، كالسمع ، فإنه متولد من الضبع ، والذئب ، وما عدا ذلك من السباع كلها ، فلا جزاء على قاتلها; سواء ابتدأ قتلها ، أو عدت عليه ، فقتلها دفعا عن نفسه ، لأن السبع لا مثل له صورة ولا قيمة ، فلم يدخل تحت الآية ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للمحرم قتل الحية ، والعقرب ، والفويسقة ، والغراب ، والحدأة ، والكلب العقور ، والسبع العادي . قال: والواجب بقتل الصيد فيما له مثل من الأنعام مثله ، وفيما لا مثل له قيمته ، وهو قول مالك ، والشافعي . وقال أبو حنيفة: الواجب فيه القيمة ، وحمل المثل على القيمة ، وظاهر الآية يرد ما قال ، ولأن [ ص: 425 ] الصحابة حملوا الآية على المثل من طريق الصورة ، فقال ابن عباس : المثل: النظير ، ففي الظبية شاة ، وفي النعامة بعير .

قوله تعالى: يحكم به ذوا عدل منكم يعني بالجزاء ، وإنما ذكر اثنين ، لأن الصيد يختلف في نفسه ، فافتقر الحكم بالمثل إلى عدلين .

قوله تعالى: منكم يعني: من أهل ملتكم .

قوله تعالى: هديا بالغ الكعبة قال الزجاج : هو منصوب على الحال ، والمعنى: يحكمان به مقدرا أن يهدى . ولفظ قوله "بالغ الكعبة" لفظ معرفة ، ومعناه: النكرة . والمعنى: بالغا الكعبة ، إلا أن التنوين حذف استخفافا . قال ابن عباس : إذا أتى مكة ذبحه . وتصدق به .

قوله تعالى: أو كفارة قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي: "أو كفارة" منونا (طعام) رفعا . وقرأ نافع ، وابن عامر: "أو كفارة" رفعا غير منون (طعام مساكين) على الإضافة . قال أبو علي: من رفع ولم يضف ، جعله عطفا على الكفارة عطف بيان ، لأن الطعام هو الكفارة ، ولم يضف الكفارة إلى الطعام ، لأن الكفارة لقتل الصيد ، لا للطعام ، ومن أضاف الكفارة إلى الطعام ، فلأنه لما خير المكفر بين الهدي ، والطعام ، والصيام ، جازت الإضافة لذلك ، فكأنه قال: كفارة طعام ، لا كفارة هدي ، ولا صيام . والمعنى: أو عليه بدل الجزاء والكفارة ، وهي طعام مساكين . وهل يعتبر في إخراج الطعام قيمة النظير ، أو قيمة الصيد؟ فيه قولان .

أحدهما: قيمة النظير ، وبه قال عطاء ، والشافعي ، وأحمد .

والثاني: قيمة الصيد ، وبه قال قتادة ، وأبو حنيفة ، ومالك .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13-05-2022, 09:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (188)
صــ426 إلى صــ 430




[ ص: 426 ] وفي قدر الإطعام لكل مسكين قولان .

أحدهما: مدان من بر ، وبه قال ابن عباس ، وأبو حنيفة .

والثاني: مد بر ، وبه قال الشافعي ، وعن أحمد روايتان ، كالقولين .

قوله تعالى: أو عدل ذلك صياما قرأ أبو رزين ، والضحاك ، وقتادة ، والجحدري ، وطلحة: (أو عدل ذلك) ، بكسر العين . وقد شرحنا هذا المعنى في (البقرة) . قال أصحابنا: يصوم عن كل مد بر ، أو نصف صاع تمر ، أو شعير يوما . وقال أبو حنيفة: يصوم يوما عن نصف صاع في الجميع . وقال مالك ، والشافعي: يصوم يوما عن كل مد من الجميع .

فصل

وهل هذا الجزاء على الترتيب أم على التخيير؟ فيه قولان .

أحدهما: أنه على التخيير بين إخراج النظير ، وبين الصيام ، وبين الإطعام .

والثاني: أنه على الترتيب ، إن لم يجد الهدي ، اشترى طعاما ، فإن كان معسرا صام ، قاله ابن سيرين . والقولان مرويان عن ابن عباس ، وبالأول قال جمهور الفقهاء .

قوله تعالى: ليذوق وبال أمره أي: جزاء ذنبه . قال الزجاج : "الوبال": ثقل الشيء في المكروه ، ومنه قولهم: طعام وبيل ، وماء وبيل: إذا كانا ثقيلين . قال الله عز وجل: فأخذناه أخذا وبيلا [المزمل: 16] أي: ثقيلا شديدا .

قوله تعالى: عفا الله عما سلف فيه قولان .

أحدهما: ما سلف في الجاهلية ، من قتلهم الصيد ، وهم محرمون ، قاله عطاء .

[ ص: 427 ] والثاني: ما سلف من قتل الصيد في أول مرة ، حكاه ابن جرير ، والأول أصح . فعلى القول الأول يكون معنى قوله: (ومن عاد) في الإسلام ، وعلى الثاني: (ومن عاد) ثانية بعد أولى . قال أبو عبيدة: "عاد" في موضع يعود ، وأنشد:


إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا


قوله تعالى: فينتقم الله منه "الانتقام": المبالغة في العقوبة ، وهذا الوعيد بالانتقام لا يمنع إيجاب جزاء ثان إذا عاد ، وهذا قول الجمهور ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وأحمد . وقد روي عن ابن عباس ، والنخعي ، وداود: أنه لا جزاء عليه في الثاني ، إنما وعد بالانتقام .
أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون

قوله تعالى: أحل لكم صيد البحر قال أحمد: يؤكل كل ما في البحر إلا الضفدع والتمساح ، لأن التمساح يأكل الناس يعني: أنه يفرس . وقال [ ص: 428 ] أبو حنيفة ، والثوري: لا يباح منه إلا السمك . وقال ابن أبي ليلى ، ومالك: يباح كل ما فيه من ضفدع وغيره . فأما طعامه ، ففيه ثلاثة أقوال .

أحدها: ما نبذه البحر ميتا ، قاله أبو بكر ، وعمر ، وابن عمر ، وأبو أيوب ، وقتادة .

والثاني: أنه مليحه ، قاله سعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، والسدي ، وعن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة كالقولين . واختلفت الرواية عن النخعي ، فروي عنه كالقولين ، وروي عنه أنه جمع بينهما ، فقال: طعامه المليح وما لفظه .

والثالث: أنه ما نبت بمائه من زروع البر ، وإنما قيل لهذا: طعام البحر ، لأنه ينبت بمائه ، حكاه الزجاج . وفي المتاع قولان .

أحدهما: أنه المنفعة ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة .

والثاني: أنه الحل ، قاله النخعي . قال مقاتل: متاعا لكم ، يعني: المقيمين ، وللسيارة ، يعني: المسافرين .

قوله تعالى: وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما أما الاصطياد ، فمحرم على المحرم ، فإن صيد لأجله ، حرم عليه أكله خلافا لأبي حنيفة ، فإن أكل فعليه الضمان خلافا لأحد قولي الشافعي . فإن ذبح المحرم صيدا ، فهو ميتة خلافا لأحد قولي الشافعي أيضا . فإن ذبح الحلال صيدا في الحرم ، فهو ميتة أيضا ، خلافا لأكثر الحنفية .

جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في [ ص: 429 ] السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم

قوله تعالى: جعل الله الكعبة "جعل" بمعنى: صير ، وفي تسمية "الكعبة" كعبة قولان .

أحدهما: لأنها مربعة ، قاله عكرمة ، ومجاهد .

والثاني: لعلوها ونتوئها ، يقال: كعبت المرأة كعابة ، وهي كاعب: إذا نتأ ثديها . ومعنى تسمية البيت بأنه حرام: أنه حرم أن يصاد عنده ، وأن يختلى ما عنده من الخلا ، وأن يعضد شجره ، وعظمت حرمته . والمراد بتحريم البيت سائر الحرم ، كما قال: هديا بالغ الكعبة وأراد: الحرم . والقيام: [ ص: 430 ] بمعنى: القوام . وقرأ ابن عامر: قيما بغير ألف . قال أبو علي: وجهه على أحد أمرين ، إما أن يكون جعله مصدرا ، كالشبع ، أو حذف الألف وهو يريدها ، كما يقصر الممدود . وفي معنى الكلام ستة أقوال .

أحدها: قياما للدين ، ومعالم للحج ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني: قياما لأمر من توجه إليها ، رواه العوفي عن ابن عباس . قال قتادة: كان الرجل لو جر كل جريرة ، ثم لجأ إليها ، لم يتناول ، [ولم يقرب . وكان الرجل لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام ، لم يعرض له ولم يقربه ، وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادة من شعر ، فأحمته ومنعته من الناس ، وكان إذا نفر تقلد قلادة من الإذخر أو من لحاء السمر فمنعته من الناس حتى يأتي أهله . حواجز ألقاها الله بين الناس في الجاهلية] .

والثالث: قياما لبقاء الدين ، فلا يزال في الأرض دين ما حجت واستقبلت ، قاله الحسن .

والرابع: قوام دنيا وقوام دين ، قاله أبو عبيدة .

والخامس: قياما للناس ، أي: مما أمروا أن يقوموا بالفرض فيه ، ذكره الزجاج .

والسادس: قياما لمعايشهم ومكاسبهم بما يحصل لهم من التجارة عندها ، ذكره بعض المفسرين .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13-05-2022, 09:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (189)
صــ431 إلى صــ 435



فأما الشهر الحرام ، فالمراد به الأشهر الحرم ، كانوا يأمن بعضهم بعضا فيها ، فكان ذلك قواما لهم ، وكذلك إذا أهدى الرجل هديا أو قلد بعيره أمن [ ص: 431 ] كيف تصرف ، فجعل الله تعالى هذه الأشياء عصمة للناس بما جعل في صدورهم من تعظيمها .

قوله تعالى: ذلك لتعلموا ذكر ابن الأنباري في المشار إليه بذلك أربعة أقوال .

أحدها: أن الله تعالى أخبر في هذه السورة بغيوب كثيرة من أخبار الأنبياء وغيرهم ، وأطلع على أشياء من أحوال اليهود والمنافقين ، فقال: ذلك لتعلموا ، أي: ذلك الغيب الذي أنبأتكم به عن الله يدلكم على أنه يعلم ما في السموات وما في الأرض ، ولا تخفى عليه خافية .

والثاني: أن العرب كانت تسفك الدماء بغير حلها ، وتأخذ الأموال بغير حقها ، ويقتل أحدهم غير القاتل ، فإذا دخلوا البلد الحرام ، أو دخل الشهر الحرام ، كفوا عن القتل . والمعنى: جعل الله الكعبة أمنا ، والشهر الحرام أمنا ، إذ لو لم يجعل للجاهلية وقتا يزول فيه الخوف لهلكوا ، فذلك يدل على أنه يعلم ما في السموات وما في الأرض .

والثالث: أن الله تعالى صرف قلوب الخلق إلى مكة في الشهور المعلومة فإذا وصلوا إليها عاش أهلها معهم ، ولولا ذلك ماتوا جوعا ، لعلمه بما في ذلك من صلاحهم ، وليستدلوا بذلك على أنه يعلم ما في السموات وما في الأرض .

والرابع: أن الله تعالى جعل مكة أمنا ، وكذلك الشهر الحرام ، فإذا دخل الظبي الوحشي الحرم ، أنس بالناس ، ولم ينفر من الكلب ، ولم يطلبه الكلب ، فإذا خرجا عن حدود الحرم ، طلبه الكلب ، وذعر هو منه ، والطائر يأنس بالناس في الحرم ، ولا يزال يطير حتى يقرب من البيت ، فإذا قرب منه عدل عنه ، ولم [ ص: 432 ] يطر فوقه إجلالا له ، فإذا لحقه وجع طرح نفسه على سقف البيت استشفاء به ، فهذه الأعاجيب في ذلك المكان ، وفي ذلك الشهر قد دللن على أن الله تعالى يعلم ما في السموات وما في الأرض .
ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون

قوله تعالى: ما على الرسول إلا البلاغ في هذه الآية تهديد شديد . وزعم مقاتل أنها نزلت والتي بعدها ، في أمر شريح بن ضبيعة وأصحابه ، وهم حجاج اليمامة حين هم المسلمون بالغارة عليهم ، وقد سبق ذكر ذلك في أول السورة . وهل هذه الآية محكمة ، أم لا؟ فيه قولان .

أحدهما: أنها محكمة ، وأنها تدل على أن الواجب على الرسول التبليغ ، وليس عليه الهدى . والثاني: أنها كانت قبل الأمر بالقتال ، ثم نسخت بآية السيف .
قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون

قوله تعالى: لا يستوي الخبيث والطيب روى جابر بن عبد الله أن رجلا قال: يا رسول الله إن الخمر كانت تجارتي ، فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبل إلا الطيب" فنزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي الخبيث والطيب أربعة أقوال .

[ ص: 433 ] أحدها: الحلال والحرام ، قاله ابن عباس ، والحسن . والثاني: المؤمن والكافر ، قاله السدي . والثالث: المطيع والعاصي . والرابع: الرديء والجيد ، ذكرهما الماوردي . ومعنى "الإعجاب" هاهنا: السرور بما يتعجب منه .
يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم

قوله تعالى: لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم في سبب نزولها ستة أقوال .

أحدها: أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة ، فقام مغضبا خطيبا ، فقال: "سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء ما دمت في مقامي هذا إلا بينته لكم" ، فقام رجل من قريش يقال له: عبد الله بن حذافة كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه ، فقال: يا نبي الله من أبي؟ قال: أبوك حذافة ، فقام آخر فقال: أين أبي؟ قال في النار ، فقام عمر فقال: رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، وبالقرآن إماما ، إنا حديثو عهد بجاهلية ، والله أعلم من آباؤنا ، فسكن غضبه ، ونزلت هذه الآية ،رواه أبو صالح عن أبي هريرة ، وقتادة عن أنس .

[ ص: 434 ] والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس ، فقال: "إن الله كتب عليكم الحج ، فقام عكاشة بن محصن ، فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: أما إني لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت ثم تركتم لضللتم ، اسكتوا عني ما سكت عنكم ، فإنما هلك من هلك ممن كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فنزلت هذه الآية" رواه محمد بن زياد عن أبي هريرة . وقيل: إن السائل عن ذلك الأقرع بن حابس .

والثالث: أن قوما كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء ، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ فنزلت هذه الآية ، رواه أبو الجورية عن ابن عباس . [ ص: 435 ] والرابع: أن قوما سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ، فنزلت هذه الآية ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال ابن جبير .

والخامس: أن قوما كانوا يسألون الآيات والمعجزات ، فنزلت هذه الآية ، روي هذا المعنى عن عكرمة .

والسادس: أنها نزلت في تمنيهم الفرائض ، وقولهم: وددنا أن الله تعالى أذن لنا في قتال المشركين ، وسؤالهم عن أحب الأعمال إلى الله ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . قال الزجاج : "أشياء" في موضع خفض إلا أنها فتحت ، لأنها لا تنصرف . و "تبد لكم": تظهر لكم . فأعلم الله تعالى أن السؤال عن مثل هذا الجنس لا ينبغي أن يقع ، لأنه يسوء الجواب عنه . وقال ابن عباس : إن تبد لكم ، أي: إن نزل القرآن فيها بغليظ ، ساءكم ذلك .

قوله تعالى: وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن أي: حين ينزل القرآن فيها بفرض أو إيجاب ، أو نهي أو حكم ، وليس في ظاهر ما نزل دليل على شرح ما بكم إليه حاجة ، فإذا سألتم حينئذ عنها تبد لكم . وفي قوله: عفا الله عنها قولان .

أحدهما: أنه إشارة إلى الأشياء .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13-05-2022, 09:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (190)
صــ436 إلى صــ 440



والثاني: إلى المسألة . فعلى القول الأول في الآية تقديم وتأخير . والمعنى: لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ، عفا الله عنها . ويكون معنى: عفا الله عنها: أمسك عن ذكرها ، فلم يوجب فيها حكما . وعلى القول الثاني ، الآية على نظمها ، ومعنى: عفا الله عنها: لم يؤاخذ بها .
[ ص: 436 ] قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين

قوله تعالى: قد سألها قوم من قبلكم في هؤلاء القوم أربعة أقوال .

أحدها: أنهم الذين سألوا عيسى نزول المائدة ، قاله ابن عباس ، والحسن .

والثاني: أنهم قوم صالح حين سألوا الناقة ، هذا على قول السدي . وهذان القولان . يخرجان على أنهما سألوا الآيات .

والثالث: أن القوم هم الذين سألوا في شأن البقرة وذبحها ، فلو ذبحوا بقرة لأجزأت ، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم ، قاله ابن زيد . وهذا يخرج على سؤال من سأل عن الحج ، إذ لو أراد الله أن يشدد عليهم بالزيادة في الفرض لشدد .

والرابع: أنهم الذين قالوا لنبي لهم: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ، وهذا عن ابن زيد أيضا ، وهو يخرج على من قال: إنما سألوا عن الجهاد والفرائض تمنيا لذلك . قال مقاتل: كان بنو إسرائيل يسألون أنبياءهم عن أشياء ، فإذا أخبروهم بها تركوا قولهم ولم يصدقوهم ، فأصبحوا بتلك الأشياء كافرين .
ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون

قوله تعالى: ما جعل الله من بحيرة أي: ما أوجب ذلك ، ولا أمر به .

وفي "البحيرة" أربعة أقوال .

أحدها: أنها الناقة إذا نتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس ، فإن كان ذكرا نحروه ، فأكله الرجال والنساء ، وإن كان أنثى شقوا أذنها ، وكانت حراما على النساء لا ينتفعن بها ، ولا يذقن من لبنها ، ومنافعها للرجال خاصة ، فإذا ماتت ، اشترك فيها الرجال والنساء ، قاله ابن عباس ، واختاره ابن قتيبة .

[ ص: 437 ] والثاني: أنها الناقة تلد خمس إناث ليس فيهن ذكر ، فيعمدون إلى الخامسة ، فيبتكون أذنها ، قاله عطاء .

والثالث: أنها ابنة السائبة ، قاله ابن إسحاق ، والفراء . قال ابن إسحاق: كانت الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ، ليس فيهن ذكر ، سيبت ، فإذا نتجت بعد ذلك أنثى ، شقت أذنها ، وسميت بحيرة ، وخليت مع أمها .

والرابع: أنها الناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن ، وكان آخرها ذكرا بحروا أذنها ، أي: شقوها ، وامتنعوا من ركوبها وذبحها ، ولا تطرد عن ماء ، ولا تمنع عن مرعى ، وإذا لقيها لم يركبها ، قاله الزجاج . فأما "السائبة": فهي فاعلة بمعنى: مفعولة ، وهي المسيبة ، كقوله: في عيشة راضية أي: مرضية . وفي السائبة خمسة أقوال .

أحدها: أنها التي تسيب من الأنعام للآلهة ، لا يركبون لها ظهرا ، ولا يحلبون لها لبنا ، ولا يجزون منها وبرا ، ولا يحملون عليها شيئا ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني: أن الرجل كان يسيب من ماله ما شاء ، فيأتي به خزنة الآلهة ، فيطعمون ابن السبيل من ألبانه ولحومه إلا النساء ، فلا يطعمونهن شيئا منه إلا أن يموت ، فيشترك فيه الرجال والنساء ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال [ ص: 438 ] الشعبي: كانوا يهدون لآلهتهم الإبل والغنم ، ويتركونها عند الآلهة ، فلا يشرب منها إلا رجل ، فإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء .

والثالث: أنها الناقة إذا ولدت عشرة أبطن ، كلهن إناث ، سيبت ، فلم تركب ، ولم يجز لها وبر ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف أو ولدها حتى تموت ، فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء ، ذكره الفراء .

والرابع: أنها البعير يسيب بنذر يكون على الرجل إن سلمه الله تعالى من مرض ، أو بلغه منزله أن يفعل ذلك ، قاله ابن قتيبة . قال الزجاج : كان الرجل إذا نذر لشيء من هذا ، قال: ناقتي سائبة ، فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها ولا تمنع من ماء ومرعى .

والخامس: أنه البعير يحج عليه الحجة ، فيسيب ، ولا يستعمل شكرا لنجحها ، حكاه الماوردي عن الشافعي . وفي "الوصيلة" خمسة أقوال .

أحدها: أنها الشاة كانت إذا نتجت سبعة أبطن ، نظروا إلى السابع ، فإن كان أنثى ، لم ينتفع النساء منها بشيء إلا أن تموت ، فيأكلها الرجال والنساء ، وإن كان ذكرا ذبحوه ، فأكلوه جميعا ، وإن كان ذكران وأنثى ، قالوا: وصلت أخاها ، فتترك مع أخيها فلا تذبح ، ومنافعها للرجال دون النساء ، فإذا ماتت اشترك فيها الرجال والنساء ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وذهب إلى نحوه ابن قتيبة ، فقال: إن كان السابع ذكرا ، ذبح فأكل منه الرجال والنساء ، وإن كان أنثى ، تركت في النعم ، وإن كان ذكرا وأنثى ، قالوا: وصلت أخاها ، فلم تذبح ، لمكانها ، وكانت لحومها حراما على النساء ، ولبن الأنثى حراما على النساء إلا أن يموت منها شيء فيأكله الرجال والنساء . [ ص: 439 ] والثاني: أنها الناقة البكر تبتكر في أول نتاج الإبل بالأنثى ، ثم تثني بالأنثى ، فكانوا يستبقونها لطواغيتهم ، ويدعونها الوصيلة ، أي: وصلت إحداهما بالأخرى ، ليس بينهما ذكر ، رواه الزهري عن ابن المسيب .

والثالث: أنها الشاة تنتج عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ، فيدعونها الوصيلة ، وما ولدت بعد ذلك فللذكور دون الإناث ، قاله ابن إسحاق .

والرابع: أنها الشاة تنتج سبعة أبطن ، عناقين عناقين ، فإذا ولدت في سابعها عناقا وجديا ، قيل: وصلت أخاها ، فجرت مجرى السائبة ، قاله الفراء .

والخامس: أن الشاة كانت إذا ولدت أنثى ، فهي لهم ، وإذا ولدت ذكرا جعلوه لآلهتهم فإن ولدت ذكرا وأنثى ، قالوا: وصلت أخاها ، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم ، قاله الزجاج .

وفي "الحام" ستة أقوال .

أحدها: أنه الفحل ، ينتج من صلبه عشرة أبطن ، فيقولون: قد حمى ظهره ، فيسيبونه لأصنامهم ، ولا يحمل عليه ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، واختاره أبو عبيدة ، والزجاج .

والثاني: أنه الفحل يولد لولده ، فيقولون: قد حمى هذا ظهره ، فلا يحملون عليه ، ولا يجزون وبره ، ولا يمنعونه ماء ، ولا مرعى ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، واختاره الفراء ، وابن قتيبة .

والثالث: أنه الفحل يظهر من أولاده عشر إناث من بناته ، وبنات بناته ، قاله عطاء .

[ ص: 440 ] والرابع: أنه الذي ينتج له سبع إناث متواليات ، قاله ابن زيد .

والخامس: أنه الذي لصلبه عشرة كلها تضرب في الإبل ، قاله أبو روق .

والسادس: أنه الفحل يضرب في إبل الرجل عشر سنين ، فيخلى ، ويقال: قد حمى ظهره ، ذكره الماوردي عن الشافعي . قال الزجاج : والذي ذكرناه في البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام أثبت ما روينا عن أهل اللغة . وقد أعلم الله عز وجل في هذه الآية أنه لم يحرم من هذه الأشياء شيئا ، وأن الذين كفروا افتروا على الله عز وجل . قال مقاتل: وافتراؤهم: قولهم: إن الله حرمه ، وأمرنا به . وفي قوله: وأكثرهم لا يعقلون قولان .

أحدهما: وأكثرهم ، يعني: الأتباع لا يعقلون أن ذلك كذب على الله من الرؤساء الذين حرموا ، قاله الشعبي .

والثاني: لا يعقلون أن هذا التحريم من الشيطان ، قاله قتادة .
وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون

قوله تعالى: وإذا قيل لهم يعني: إذا قيل: لهؤلاء المشركين الذين حرموا على أنفسهم هذه الأنعام: تعالوا إلى ما أنزل الله في القرآن من تحليل ما حرمتم على أنفسكم ، قالوا: حسبنا أي: يكفينا ما وجدنا عليه آباءنا من الدين والمنهاج أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا من الدين ولا يهتدون له ، أيتبعونهم في خطئهم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13-05-2022, 09:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (191)
صــ441 إلى صــ 446



يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من [ ص: 441 ] ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هجر ، وعليهم المنذر بن ساوي يدعوهم إلى الإسلام ، فإن أبوا فليؤدوا الجزية ، فلما أتاه الكتاب ، عرضه على من عنده من العرب واليهود والنصارى والمجوس ، فأقروا بالجزية ، وكرهوا الإسلام ، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، وأما أهل الكتاب والمجوس ، فاقبل منهم الجزية" فلما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت العرب ، وأعطى أهل الكتاب والمجوس الجزية ، فقال منافقو مكة: عجبا لمحمد يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا ، وقد قبل من مجوس هجر ، وأهل الكتاب الجزية ، فهلا أكرههم على الإسلام ، وقد ردها على إخواننا من العرب ، فشق ذلك على المسلمين ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال مقاتل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب فلما أسلمت العرب طوعا وكرها ، قبلها من مجوس هجر ، فطعن المنافقون في ذلك ، فنزلت هذه الآية .

والثاني: أن الرجل كان إذا أسلم ، قالوا له: سفهت آباءك وضللتهم ، وكان ينبغي لك أن تنصرهم ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن زيد . قال الزجاج : ومعنى الآية: إنما ألزمكم الله أمر أنفسكم ، ولا يؤاخذكم بذنوب غيركم ، وهذه الآية لا توجب ترك الأمر بالمعروف ، لأن المؤمن إذا تركه وهو مستطيع له ، فهو [ ص: 442 ] ضال ، وليس بمهتد . وقال عثمان بن عفان: لم يأت تأويلها بعد . وقال ابن مسعود: تأويلها في آخر الزمان: قولوا ما قبل منكم ، فإذا غلبتم ، فعليكم أنفسكم .

وفي قوله: لا يضركم من ضل إذا اهتديتم قولان . [ ص: 443 ] أحدهما: لا يضركم من ضل بترك الأمر بالمعروف إذا اهتديتم أنتم للأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، قاله حذيفة بن اليمان ، وابن المسيب .

والثاني: لا يضركم من ضل من أهل الكتاب إذا أدوا الجزية ، قاله مجاهد .

وفي قوله: فينبئكم بما كنتم تعملون تنبيه على الجزاء .

فصل

فعلى ما ذكرنا عن الزجاج في معنى الآية هي محكمة ، وقد ذهب قوم من المفسرين إلى أنها منسوخة ، ولهم في ناسخها قولان .

أحدهما: أنه آية السيف .

والثاني: أن آخرها نسخ أولها . روي عن أبي عبيد أنه قال: ليس في القرآن آية جمعت الناسخ والمنسوخ غير هذه ، وموضع المنسوخ منها إلى قوله: لا يضركم من ضل والناسخ: قوله: إذا اهتديتم . والهدى هاهنا: الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .
[ ص: 444 ] يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان تميم الداري ، وعدي بن بداء يختلفان إلى مكة ، فصحبهما رجل من قريش من بني سهم ، فمات بأرض ليس فيها أحد من المسلمين ، فأوصى إليهما بتركته ، فلما قدما ، دفعاها إلى أهله ، وكتما جاما كان معه من فضة ، وكان مخوصا بالذهب ، فقالا: لم نره ، فأتي بهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستحلفهما بالله: ما كتما ، وخلى سبيلهما . ثم إن الجام وجد عند قوم من أهل مكة ، فقالوا: ابتعناه من تميم الداري ، وعدي بن بداء ، فقام أولياء السهمي ، فأخذوا الجام ، وحلف رجلان منهم بالله: إن هذا الجام جام صاحبنا ، وشهادتنا أحق من شهادتهما ، وما اعتدينا ، فنزلت هذه الآية ، والتي بعدها . قال مقاتل: واسم الميت: بزيل بن أبي [ ص: 445 ] مارية مولى العاص بن وائل السهمي ، وكان تميم ، وعدي نصرانيين ، فأسلم تميم ، ومات عدي نصرانيا . فأما التفسير ، فقال الفراء: معنى الآية: ليشهدكم اثنان إذا حضر أحدكم الموت . قال الزجاج : المعنى: شهادة هذه الحال شهادة اثنين ، فحذف "شهادة" ، ويقوم "اثنان" مقامهما . وقال ابن الأنباري: معنى الآية: ليشهدكم في سفركم إذا حضركم الموت ، وأردتم الوصية اثنان . وفي هذه الشهادة ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها الشهادة على الوصية التي ثبتت عند الحكام ، وهو قول ابن مسعود ، وأبي موسى ، وشريح ، وابن أبي ليلى ، والأوزاعي ، والثوري ، والجمهور . والثاني: أنها أيمان الوصي بالله تعالى إذا ارتاب الورثة بهما ، وهو قول مجاهد .

والثالث: أنها شهادة الوصية ، أي: حضورها ، كقوله: أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت [البقرة: 133] جعل الله الوصي هاهنا اثنين تأكيدا ، واستدل أرباب هذا القول بقوله: فيقسمان بالله قالوا: والشاهد لا يلزمه يمين . فأما "حضور الموت" فهو حضور أسبابه ومقدماته . وقوله: حين الوصية أي: وقت الوصية . وفي قوله: منكم قولان . [ ص: 446 ] أحدهما: من أهل دينكم وملتكم ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد ابن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وشريح ، وابن سيرين ، والشعبي ، وهو قول أصحابنا .

والثاني: من عشيرتكم وقبيلتكم ، وهم مسلمون أيضا . قاله الحسن ، وعكرمة ، والزهري ، والسدي .

قوله تعالى: أو آخران من غيركم تقديره: أو شهادة آخرين من غيركم . وفي قوله: من غيركم قولان .

أحدهما: من غير ملتكم ودينكم ، قاله أرباب القول الأول .

والثاني: من غير عشيرتكم وقبيلتكم ، وهم مسلمون أيضا ، قاله أرباب القول الثاني . وفي "أو" قولان .

أحدهما: أنها ليست للتخيير ، وإنما المعنى: أو آخران من غيركم إن لم تجدوا منكم ، وبه قال ابن عباس ، وابن جبير . والثاني: أنها للتخيير ، ذكره الماوردي .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13-05-2022, 09:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (192)
صــ447 إلى صــ 452




فصل

فالقائل بأن المراد بالآية شهادة مسلمين من القبيلة أو من غير القبيلة ، لا يشك في إحكام هذه الآية . فأما القائل بأن المراد بقوله: أو آخران من غيركم أهل الكتاب إذا شهدوا على الوصية في السفر ، فلهم فيها قولان .

أحدهما: أنها محكمة ، والعمل على هذا باق ، وهو قول ابن عباس ، وابن المسيب ، وابن جبير ، وابن سيرين ، وقتادة ، والشعبي ، والثوري ، وأحمد في آخرين .

والثاني: أنها منسوخة بقوله: وأشهدوا ذوي عدل منكم وهو قول [ ص: 447 ] زيد بن أسلم ، وإليه يميل أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، قالوا: وأهل الكفر ليسوا بعدول ، والأول أصح ، لأن هذا موضع ضرورة كما يجوز في بعض الأماكن شهادة نساء لا رجل معهن بالحيض والنفاس والاستهلال .

قوله تعالى: إن أنتم ضربتم في الأرض هذا الشرط متعلق بالشهادة ، والمعنى: ليشهدكم اثنان إن أنتم ضربتم في الأرض ، أي: سافرتم . فأصابتكم مصيبة الموت فيه محذوف ، تقديره: وقد أسندتم الوصية إليهما ، ودفعتم إليهما مالكم تحبسونهما من بعد الصلاة خطاب للورثة إذا ارتابوا . وقال ابن عباس : هذا من صلة قوله: أو آخران من غيركم أي: من الكفار . فأما إذا كانا مسلمين ، فلا يمين عليهما . وفي هذه الصلاة قولان . [ ص: 448 ] أحدهما: صلاة العصر ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال شريح ، وابن جبير ، وإبراهيم ، وقتادة ، والشعبي ،

والثاني: من بعد صلاتهما في دينهما ، حكاه السدي عن ابن عباس ، وقال به .

وقال الزجاج : كان الناس بالحجاز يحلفون بعد صلاة العصر ، لأنه وقت اجتماع الناس . وقال ابن قتيبة: لأنه وقت يعظمه أهل الأديان .

قوله تعالى: فيقسمان بالله أي: فيحلفان إن ارتبتم أي: شككتم يا أولياء الميت . ومعنى الآية: إذا قدم الموصى إليهما بتركة المتوفى ، فاتهمهما الوارث ، استحلفا بعد صلاة العصر: أنهما لم يسرقا ، ولم يخونا . فالشرط في قوله: إن ارتبتم متعلق بتحبسونهما ، كأنه قال: إن ارتبتم حبستموهما فاستحلفتموهما ، فيحلفان بالله: لا نشتري به أي: بأيماننا ، وقيل: بتحريف شهادتنا ، فالهاء عائدة على المعنى . (ثمنا) أي: عرضا من الدنيا ولو كان ذا قربى أي: ولو كان المشهود له ذا قرابة منا ، وخص ذا القرابة ، لميل القريب إلى قريبه . والمعنى: لا نحابي في شهادتنا أحدا ، ولا نميل مع ذي القربى في قول الزور . ولا نكتم شهادة الله إنما أضيفت إليه ، لأمره بإقامتها ، ونهيه عن كتمانها . وقرأ سعيد بن جبير: ولا نكتم شهادة بالتنوين (الله) بقطع الهمزة وقصرها ، وكسر الهاء ، ساكنة النون في الوصل . وقرأ سعيد بن المسيب ، وعكرمة "شهادة" بالتنوين والوصل منصوبة الهاء . وقرأ أبو عمران الجوني "شهادة" بالتنوين وإسكانها في الوصل (الله) بقطع الهمزة وقصرها مفتوحة الهاء . وقرأ الشعبي ، وابن السميفع: "شهادة" بالتنوين وإسكانها في الوصل [ ص: 449 ] ((الله) بقطع الهمزة ، ومدها ، وكسر الهاء . وقرأ أبو العالية ، وعمرو بن دينار مثله ، إلا أنهما نصبا الهاء . واختلف العلماء لأي معنى وجبت اليمين على هذين الشاهدين ، على ثلاثة أقوال .

أحدها: لكونهما من غير أهل الإسلام ، روي هذا المعنى عن أبي موسى الأشعري . والثاني: لوصية وقعت بخط الميت وفقد ورثته بعض ما فيها ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث: لأن الورثة كانوا يقولون: كان مال ميتنا أكثر ، فاستخانوا الشاهدين ، قاله الحسن ، ومجاهد .
فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين

قوله تعالى: فإن عثر على أنهما استحقا إثما قال المفسرون: لما نزلت الآية الأولى ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عديا وتميما ، فاستحلفهما عند المنبر: أنهما لم يخونا شيئا مما دفع إليهما ، فحلفا ، وخلى سبيلهما ، ثم ظهر الإناء الذي كتماه ، فرفعهما أولياء الميت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت فإن عثر على أنهما استحقا إثما ومعنى "عثر": اطلع ، أي: إن عثر أهل الميت ، أو من يلي أمره ، على أن الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا (استحقا إثما) لميلهما عن الاستقامة في شهادتهما (فآخران يقومان مقامهما) أي: مقام هذين الخائنين (من الذين استحق عليهم الأوليان) .

قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائي: "استحق" بضم التاء ، "الأوليان" على التثنية . وفي قوله: من الذين استحق عليهم قولان . [ ص: 449 ] أحدهما: أنهما الذميان . والثاني: الوليان ، فعلى الأول في معنى (استحق عليهم) أربعة أقوال .

أحدها: استحق عليهم الإيصاء ، قال ابن الأنباري: المعنى: من القوم الذين استحق فيهم الإيصاء ، استحقه الأوليان بالميت ، وكذلك قال الزجاج : المعنى: من الذين استحقت الوصية أو الإيصاء عليهم .

والثاني: أنه الظلم ، والمعنى: من الذين استحق عليهم ظلم الأوليان ، فحذف الظلم ، وأقام الأوليين مقامه ، ذكره ابن القاسم أيضا .

والثالث: أنه الخروج مما قاما به من الشهادة ، لظهور خيانتهما .

والرابع: أنه الإثم ، والمعنى: استحق منهم الإثم ، ونابت "على" عن "من" كقوله: على الناس يستوفون [المطففين 2] أي: منهم . وقال الفراء: "على" بمعنى "في" كقوله: على ملك سليمان [البقرة: 102] أي: في ملكه ، ذكر القولين أبو علي الفارسي . وعلى هذه الأقوال مفعول "استحق" محذوف مقدر . وعلى القول الثاني في معنى (استحق عليهم) قولان .

أحدهما: استحق منهم الأوليان ، وهو اختيار ابن قتيبة .

والثاني: جنى عليهم الإثم ، ذكره الزجاج .

فأما "الأوليان" ، فقال الأخفش: الأوليان: اثنان ، واحدهما: الأولى ، والجمع: الأولون . ثم للمفسرين فيهما قولان .

أحدهما: أنهما أولياء الميت ، قاله الجمهور . قال الزجاج : " الأوليان " في قول أكثر البصريين يرتفعان على البدل مما في "يقومان" والمعنى: فليقم الأوليان بالميت مقام هذين الخائنين . وقال أبو علي: لا يخلو الأوليان أن يكون [ ص: 451 ] ارتفاعهما على الابتداء ، أو يكون خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قال: فآخران يقومان مقامهما ، هما الأوليان ، أو يكون بدلا من الضمير الذي في "يقومان" . والتقدير: فيقوم الأوليان .

والقول الثاني: أن "الأوليان": هما الذميان ، والمعنى: أنهما الأوليان بالخيانة ، فعلى هذا يكون المعنى: يقومان ، إلا من الذين استحق عليهم . قال الشاعر:


فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طهيان


أي: بدلا من ماء زمزم . وروى قرة عن ابن كثير ، وحفص ، وعاصم: "استحق" بفتح التاء والحاء "الأوليان" على التثنية ، والمعنى: استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها ، فحذف المفعول . وقرأ حمزة ، وأبو بكر عن عاصم: "استحق" برفع التاء ، وكسر الحاء ، "الأولين" بكسر اللام ، وفتح النون على الجمع ، والتقدير: من الأولين الذين استحق فيهم الإثم ، أي: جني عليهم ، لأنهم كانوا أولين في الذكر . ألا ترى أنه قد تقدم ذوا عدل منكم على قوله: أو آخران من غيركم وروى الحلبي عن عبد الوارث "الأولين" بفتح الواو وتشديدها ، وفتح اللام ، وسكون الياء ، وكسر النون ، وهي تثنية: أول . وقرأ الحسن البصري: "استحق" بفتح التاء والحاء ، "الأولون" تثنية "أول" على البدل من قوله: فآخران . وقال ابن قتيبة: أشبه الأقوال بالآية أن الله تعالى أراد أن يعرفنا كيف يشهد بالوصية عند حضور الموت ، فقال: ذوا عدل منكم أي: عدلان من المسلمين [تشهدونهما على الوصية] ، وعلم أن من الناس من يسافر فيصحبه في سفره أهل الكتاب دون المسلمين ، وينزل القرية التي لا يسكنها غيرهم ، ويحضره الموت ، فلا يجد [ ص: 452 ] من يشهده من المسلمين ، فقال: أو آخران من غيركم ، أي: من غير أهل دينكم ، [ ( إذا ضربتم في الأرض ) أي: سافرتم فأصابتكم مصيبة الموت وتم الكلام . فالعدلان من المسلمين للحضر والسفر خاصة إن أمكن إشهادهما في السفر] والذميان في السفر خاصة إذا لم يوجد غيرهما [ثم قال] تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم أراد: تحبسونهما من بعد صلاة العصر إن ارتبتم في شهادتهما ، وخشيتم أن يكونا قد خانا ، أو بدلا ، فإذا حلفا ، مضت شهادتهما . فإن عثر [بعد هذه اليمين] أي: ظهر على أنهما استحقا إثما ، أي: حنثا في اليمين بكذب [في قول] أو خيانة [في وديعة] ، فآخران ، أي: قام في اليمين مقامهما رجلان من قرابة الميت الذين استحق منهم الأوليان ، وهما الوليان ، يقال: هذا الأولى بفلان ، ثم يحذف من الكلام "بفلان" ، فيقال: هذا الأولى ، وهذان الأوليان ، و "عليهم" بمعنى: "منهم" . فيحلفان بالله: لقد ظهرنا على خيانة الذميين ، وكذبهما ، وما اعتدينا عليهما ، ولشهادتنا أصح ، لكفرهما وإيماننا ، فيرجع على الذميين بما اختانا ، وينقض ما مضى من الحكم بشهادتهما تلك . وقال غيره: لشهادتنا ، أي: ليميننا أحق ، وسميت اليمين شهادة ، لأنها كالشهادة على ما يحلف عليه أنه كذلك .

قال المفسرون: فلما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص ، والمطلب بن أبي وداعة السهميان ، فحلفا بالله ، ودفع الإناء إليهما وإلى أولياء الميت .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13-05-2022, 09:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (193)
صــ453 إلى صــ 458



ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين [ ص: 453 ] قوله تعالى: ذلك أدنى أي: ذلك الذي حكمنا به من رد اليمين ، أقرب إلى إتيان أهل الذمة بالشهادة على وجهها ، أي: على ما كانت ، وأقرب أن يخافوا أن ترد أيمان أولياء الميت بعد أيمانهم ، فيحلفون على خيانتهم ، فيفتضحوا ، ويغرموا ، فلا يحلفون كاذبين إذا خافوا ذلك .

واتقوا الله أن تحلفوا كاذبين ، أو تخونوا أمانة ، واسمعوا الموعظة .
يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا: لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب

قوله تعالى: يوم يجمع الله الرسل قال الزجاج : نصب "يوم" محمول على قوله: واتقوا الله : واتقوا يوم جمعه للرسل . ومعنى مسألته للرسل توبيخ الذين أرسلوا إليهم . فأما قول الرسل: "لا علم لنا" ففيه ستة أقوال .

أحدها: أنهم طاشت عقولهم حين زفرت جهنم ، فقالوا: "لا علم لنا" ثم ترد إليهم عقولهم ، فينطلقون بحجتهم ، رواه أبو الضحى عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، ومجاهد ، والسدي .

والثاني: أن المعنى: (لا علم لنا) إلا علم أنت أعلم به منا ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثالث: أن المراد بقوله: ماذا أجبتم : ماذا عملوا بعدكم ، وأحدثوا ، فيقولون: لا علم لنا ، قاله ابن جريج ، وفيه بعد .

والرابع: أن المعنى: لا علم لنا مع علمك ، لأنك تعلم الغيب ، ذكره الزجاج .

والخامس: أن المعنى: لا علم لنا كعلمك ، إذ كنت تعلم ما أظهر القوم وما أضمروا ، ونحن نعلم ما أظهروا ، ولا نعلم ما أضمروا ، فعلمك فيهم أنفذ من علمنا ، هذا اختيار ابن الأنباري .

[ ص: 454 ] والسادس: لا علم لنا بجميع أفعالهم إذ كنا نعلم بعضها وقت حياتنا ، ولا نعلم ما كان بعد وفاتنا ، وإنما يستحق الجزاء بما تقع به الخاتمة ، حكاه ابن الأنباري . قال المفسرون: إذا رد الأنبياء العلم إلى الله أبلست الأمم ، وعلمت أن ما أتته في الدنيا غير غائب عنه ، وأن الكل لا يخرجون عن قبضته .

قوله تعالى: علام الغيوب قال الخطابي: العلام: بمنزلة العليم ، وبناء "فعال" بناء التكثير ، فأما "الغيوب" فجمع غيب ، وهو ما غاب عنك .
إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين

قوله تعالى: إذ قال الله يا عيسى قال ابن عباس : معناه: وإذ يقول .

قوله تعالى: اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك في تذكيره النعم فائدتان .

إحداهما: إسماع الأمم ما خصه به من الكرامة .

والثانية: توكيد حجته على جاحده . ومن نعمه على مريم أنه اصطفاها وطهرها ، وأتاها برزقها من غير سبب . وقال الحسن: المراد بذكر النعمة: الشكر . فأما النعمة ، فلفظها لفظ الواحد ، ومعناها الجمع . فإن قيل: لم قال هاهنا: فتنفخ فيها وفي (آل عمران) "فيه"؟ فالجواب: أنه جائز أن يكون ذكر الطير على معنى الجميع ، [ ص: 455 ] وأنث على معنى الجماعة . وجاز أن يكون "فيه" للطير ، و "فيها" للهيأة ، ذكره أبو علي الفارسي .

قوله تعالى: إن هذا إلا سحر مبين قرأ ابن كثير ، وعاصم هاهنا: وفي (هود) و (الصف) ( إلا سحر مبين ) ، وقرأ في (يونس) لساحر مبين بألف . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر: الأربعة ( سحر مبين ) بغير ألف ، فمن قرأ "سحر" أشار إلى ما جاء به ، ومن قرأ "ساحر" أشار إلى الشخص .
وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون

وفي الوحي إلى الحواريين قولان .

أحدهما: أنه بمعنى: الإلهام ، قاله الفراء . وقال السدي: قذف في قلوبهم .

والثاني: أنه بمعنى: الأمر ، فتقديره: أمرت الحواريين و "إلى" صلة ، قاله أبو عبيدة . وفي قوله: واشهد قولان .

أحدهما: أنهم يعنون الله تعالى . والثاني: عيسى عليه السلام .

وقوله: بأننا مسلمون أي: مخلصون للعبادة والتوحيد . وقد سبق شرح ما أهمل هاهنا فيما تقدم .
إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين

قوله تعالى: هل يستطيع ربك قال الزجاج : أي: هل يقدر . وقرأ الكسائي: ( هل تستطيع ) بالتاء ، ونصب الرب . قال الفراء: معناه: هل تقدر [ ص: 456 ] أن تسأل ربك . قال ابن الأنباري: ولا يجوز لأحد أن يتوهم أن الحواريين شكوا في قدرة الله ، وإنما هذا كما يقول الإنسان لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي ، وهو يعلم أنه مستطيع ، ولكنه يريد: هل يسهل عليك . وقال أبو علي: المعنى: هل يفعل ذلك بمسألتك إياه . وزعم بعضهم أنهم قالوا ذلك قبل استحكام إيمانهم ومعرفتهم ، فرد عليهم عيسى بقوله: اتقوا الله ، أن تنسبوه إلى عجز ، والأول أصح . فأما "المائدة" فقال اللغويون: المائدة: كل ما كان عليه من الأخونة طعام ، فإذا لم يكن عليه طعام ، فليس بمائدة ، والكأس: كل إناء فيه شراب ، فإذا لم يكن فيه شراب فليس بكأس ، ذكره الزجاج . قال الفراء: وسمعت بعض العرب يقول للطبق الذي تهدى عليه الهدية: هو المهدى ، مقصور ، ما دامت عليه الهدية ، فإذا كان فارغا رجع إلى اسمه إن كان طبقا أو خوانا أو غير ذلك . وذكر الزجاج عن أبي عبيدة أن لفظها فاعلة ، وهي في المعنى مفعولة ، مثل عيشة راضية [الحاقة: 21] . قال أبو عبيدة: وهي من العطاء ، والممتاد: المفتعل المطلوب منه العطاء ، قال الشاعر:


إلى أمير المؤمنين الممتاد


[ ص: 457 ] وماد زيد عمرا: إذا أعطاه . قال الزجاج : والأصل عندي في "مائدة" أنها فاعلة من: ماد يميد: إذا تحرك ، فكأنها تميد بما عليها . وقال ابن قتيبة: المائدة: الطعام ، من: مادني يميدني ، كأنها تميد الآكلين ، أي: تعطيهم ، أو تكون فاعلة بمعنى: مفعول بها ، أي: ميد بها الآكلون .

قوله تعالى: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: اتقوه أن تسألوه البلاء ، لأنها إن نزلت وكذبتم ، عذبتم ، قاله مقاتل .

والثاني: أن تسألوه ما لم تسأله الأمم قبلكم ، ذكره أبو عبيد .

والثالث: أن تشكوا في قدرته .
قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين

قوله تعالى: قالوا نريد أن نأكل منها هذا اعتذار منهم بينوا به سبب سؤالهم حين نهوا عنه . وفي إرادتهم للأكل منها ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم أرادوا ذلك للحاجة ، وشدة الجوع ، قاله ابن عباس .

والثاني: ليزدادوا إيمانا ، ذكره ابن الأنباري .

والثالث: للتبرك بها ، ذكره الماوردي . وفي قوله: وتطمئن قلوبنا ثلاثة أقوال .

أحدها: تطمئن إلى أن الله تعالى قد بعثك إلينا نبيا .

والثاني: إلى أن الله تعالى قد اختارنا أعوانا لك .

والثالث: إلى أن الله تعالى قد أجابك . وقال ابن عباس : قال لهم عيسى: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ، ثم لا تسألونه شيئا إلا أعطاكم؟ فصاموا ، ثم سألوا المائدة . فمعنى: ( ونعلم أن صدقتنا ) في أنا إذا صمنا ثلاثين يوما لم نسأل الله شيئا إلا أعطانا . وفي هذا العلم قولان . [ ص: 458 ] أحدهما: أنه علم يحدث لهم لم يكن ، وهو قول من قال: كان سؤالهم قبل استحكام معرفتهم .

والثاني: أنه زيادة علم إلى علم ، ويقين إلى يقين ، وهو قول من قال: كان سؤالهم بعد معرفتهم . وقرأ الأعمش: "وتعلم" بالتاء ، والمعنى: وتعلم القلوب أن قد صدقتنا . وفي قوله: من الشاهدين أربعة أقوال .

أحدها: من الشاهدين لله بالقدرة ، ولك بالنبوة . والثاني: عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم ، وذلك أنهم كانوا مع عيسى في البرية عند هذا السؤال . والثالث: من الشاهدين عند من يأتي من قومنا بما شاهدنا من الآيات الدالة على أنك نبي .

والرابع: من الشاهدين لك عند الله بأداء ما بعثت به .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 407.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 401.75 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.43%)]