|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حقوق الوطن (1) د. أمير بن محمد المدري الحمد لله المتفرد بالملك والخلق والتدبير، يعطي ويمنع وهو على كل شيء قدير، له الحكم وله الأمر وهو العليم القدير، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه وهو اللطيف الخبير.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي من قالها صادقًًا من قلبه من أهوال يوم عسير، يوم يقوم الناس لرب العالمين، وأشهد أن محمدًًا عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن سار على دربهم، واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: ما زلنا وإياكم مع سلسلة الحقوق في الإسلام، سلسلةٌ منهجيةٌ علميةٌ تربوية. واليوم حديثنا عن حقٍّ عظيم من الحقوق في الإسلام، إنه حق الوطن. هل للوطن حقوق في الإسلام؟ نعم. وللأوطان في دم كل حُرٍ ![]() يدٌ سلفت ودينٌ مستحق ![]() ![]() ![]() لقد فطر الله الإنسان على أمور عديدة، من هذه الأمور حبّ الوطن الذي عاش فيه وترعرع في أكنافه يحنّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويغضب له إذا انتُقص منه، وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه؛ لأنه موطنه وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده. حتى الحيوانات لا ترضى بغير أوطانها بديل، ومن أجلها تضحي بكل غالي ونفيس.. والسمك يقطع آلاف الأميال متنقلًا عبر البحار والمحيطات ثم يعود إلى وطنه، وهذه النملة الصغيرة تخرج من بيتها ووطنها فتقطع الفيافي والقفار وتصعد على الصخور وتمشي على الرمال تبحث عن رزقها ثم تعود إلى مسكنها بل إن بعض المخلوقات إذا تم نقلها عن موطنها الأصلي فإنها تموت. ألم ترَ أنَّ الإنسان يجوب الأرضَ ويطوي أطرافها، حتى إذا أُنهكت قواه وبلغ من العمر أرذله، عاد إلى موطنه ليُدفن في مسقط رأسه؟! • هل هناك مخلوق على وجه البسيطة يَعيش بلا وطن؟ • هل هناك أسد بلا عرين؟ • هل هناك نحل بلا خليَّة وطائر بلا عش، وسمَكٌ بلا ماء؟ وصدق الشاعر حيث قال: بلادي وإن هانَتْ عليَّ عزيزة ![]() ولو أنَّني أعرى بها وأجوع ![]() بلادي وإن جارَتْ عليَّ عزيزة ![]() وأهلي وإن ضنُّوا عليَّ كرامُ ![]() فالكل يحب وطنه فطرة فُطر الإنسان عليها وإلا فما الذي يجعل الإنسان يعيش في المناطق شديدة الحرارة والتي قد تصل إلى (60) درجة فوق الصفر، ويعيش في القطب المتجمد الشمالي تحت البرد القارس، ويعيش في الغابات والأدغال يعاني من مخاطر الحياة كل يوم ما الذي جعلهم يتحملون كل ذلك إلا حبهم لوطنهم وديارهم؟! لذلك كان من الحقوق والواجبات الاجتماعية في الإسلام حقوق الوطن والأرض التي يعيش فيها الانسان ويأكل من خيرها ويعبد الله تحت سمائها. واستحقَّ الصحابة – رضي الله عنهم - المدحَ والثَّناء من رب العزة والجلال؛ لأنهم ضحوا بأوطانهم المحبوبة في سبيل الله - تعالى -: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر: 8]. بل إنَّ التغريب عن الأوطان قد جُعِلَ في شريعة الرحمن، جُزءًا من العقوبة على بني الإنسان، إذا وقَع في الزنا من غير إحصان. قيل لأعرابي: كيف تصنعون في البادية إذا اشتد القيظ والحر؟ قال: "يمشي أحدنا ميًلا، فيتصبب عرقًا، ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، ويجلس في فيه يكتال الريح فكأنه في إيوان كسرى". أيّ حُبٍّ هذا وهو يلاقي ما يلاقي! إنه يقول أنا في وطني بهذه الحالة ملك مثل كسرى في إيوانه. أيها الاحباب ـ إن للوطن حقوق وواجبات لزاما علينا أن نؤديها ونقوم بها ليس منة ولا تفضلا وإنما واجب ودين في رقبتنا نسأل عنه أمام الله تعالي، نؤجر إن وفينا ونعاقب إن قصرنا. وأول حقوق الأوطان أيها الكرام الحب الصادق لهذا الوطن. هذه المحبَّة والتعلُّق بالدِّيار، وجَدَها المصطفى المختار، يوم أنْ تآمَر عليه الكفار ليسجنوه أو يقتُلوه أو يُخرِجوه، فخرَج فارًّا مُهاجِرًا، فلمَّا وصَل أطرافَ مكة خارجًا منها، التفَتَ إلى أرضه ووطنه فجاشَتْ نفسه وقال: «والله، إنَّك لأحبُّ البِقاع إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ». لَقَدْ كَانَتْ تِلْكَ الكَلِمَاتُ الرَّقِيقَةُ تَعْبِيرًا صَادِقًا عَنْ حُبِّهِ لِوَطَنِهِ الذِي نَشَأَ فِيهِ، وَتَرَعْرَعَ فِي أَكْنَافِهِ، وَتَنَعَّمَ مِنْ خَيْرَاتِهِ، وَأَمْضَى فِيهِ سَنَواتِ شَبَابِهِ وَكُهُولَتِهِ. ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم (الجحفة) في طريقه إلى المدينة اشتد شوقه إلى مكة، فأنزل الله عليه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص: 85]؛ أي: لرادك إلى مكة التي أخرجوك منها. ثم لما هاجر إلى المدينة واستوطن بها أحبها وألفها كما أحبّ مكة، بل كان يدعو أن يرزقه الله حبَّها كما في صحيح البخاري: «اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبّنا مكة أو أشد» [البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 262)]. ثم بعد هجرته صلى الله عليه وسلم بسنين عدَّة يأتي إليه أُصيل بن عبدالله الغفاري من مكَّة، فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن أرض الوطن، فيقول: «كيف تركت مكة يا أصيل؟ »، فقال: تركتُها حين ابيضَّت أباطِحُها، وأحجن ثُمامُها، وأغدَقَ إذخرُها، وأمشَرَ سلَمُها. فاغرَوْرَقت عَيْناه صلى الله عليه وسلم وتحرك الشوق لمكة، للوطن فقال: «يا أصيل، دَعِ القلوب تقر». وكان يُقال: بحُبِّ الأوطان عُمِرت البلدان، و حبُّ الوطَن مِن الإيمان، ونعمتان محجودتان: الأمنُ في الأوطان والصّحّة في الأبدان. حب الوطن أيها الكرام مقترن بحب النفس والدين وكل منهما عزيز عليها قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 66]. ولا عجب؛ أن يكون ترابُ الوطنِ دواءً للسقيم وعلاجًا للمريضِ والمحسودِ فقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يبلُّ أصبعه بريقه ثم يضعُهُ في التراب كما في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ للمريضِ: بسمِ اللهِ، تُربَةُ أرضِنا، بِريقَةِ بعضِنا، يُشفَى سَقيمُنا، بإذنِ ربِّنا » [صحيح البخاري 5745 عن عائشة رضي الله عنها]. ولكن الحب للوطن له حدود يجب ألا يتجاوزها لأن فوق هذا الحب حب آخر أولى منه وأهم وهو حب العقيدة والدين فإذا ما تعارض حب الوطن مع الدين وجب حينئذ تقديم الأعلى وهو الدين وقد يهاجر المسلم من أرضه فرارا بدينه حين لا يستطيع إظهاره والمحافظة عليه. قال تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ ﴾ [آل عمران: 195]. حب الوطن في الإسلام: لا يعني: العصبيةَ، التي يُراد بها تقسيمُ الأمة إلى طوائفَ متناحرةٍ، متباغضة، متنافرة، يَكِيد بعضها لبعض، وفي الحديث: "مَن قُتل تحت راية عُمِّيَّة، ينصر لعصبية، ويغضب لعصبية، فقتلتُه جاهليةٌ". حب الوطن لا يعني رفع شماعة العدوان للتضحية بأبناء يمن الايمان لتحقيق أهدافٍ سياسية مذهبية. حب الوطن في الإسلام: لا يعني: اتِّباعَ القومِ أنَّى ساروا، ونصرَهم على كل حال؛ بل يعني: العدلَ والإنصاف. رسول الله يُسأل: يا رسول الله، أمِنَ العصبيةِ أن يحب الرجلُ قومَه؟ قال: "لا، ولكن من العصبية أن يُعِينَ الرجلُ قومَه على الظلم» [رواه أحمد وابن ماجه]. وقال- صلى الله عليه وسلم: "لا تَكونوا إمَّعةً، تقولونَ: إن أحسنَ النَّاسُ أحسنَّا، وإن ظلموا ظلَمنا، ولَكن وطِّنوا أنفسَكم، إن أحسنَ النَّاسُ أن تُحسِنوا، وإن أساءوا فلا تظلِموا » [رواه الترمذي]. حب الوطن في الإسلام: لا يعني الانفصال عن جسد الأمة الإسلامية، أو نسيان مبدأ الإنسانية، فلا ننصر مظلومًا، ولا نغيث ملهوفًا، ولا نعين مكروبًا، ما دام أنه ليس في حدود الوطن، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مَثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم مثلُ الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائر الجسد بالسهر والحمى» [متفق عليه]. حب الوطن لا يكون بمجرد الكلمات والشعارات بل هو سلوك يلازم الفرد المحب في كل مكان، في حله وترحاله، في المنزل والشارع، في مقر عمله وفي سهوله ووديانه. حب الوطن يظهر في احترام أنظمته وقوانينه، وفي التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته. حب الوطن يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته، وفي الاهتمام بنظافته وجماله. حب الوطن يظهر في إخلاص العامل في مصنعه، والموظف في إدارته، والمعلم في مدرسته. حب الوطن يظهر في إخلاص أصحاب المناصب والمسئولين فيما تحت أيديهم من مسؤوليات وأمانات. حب الوطن يظهر في تحقيق العدل ونشر الخير والقيام بمصالح العباد كلٌ حسب مسئوليته وموقعه. حبَّ الوطن يعني اقتلاع وازالة كل ما من شأنه إحداثُ ضرر بأبناء الوطن أو بتراب الوطن وأراضيه. حب الوطن يعني أن يكون الفرد خير ممثِّل لوطنه أينما حلَّ وأينما ارتحل. بِلادي هَواهَا في لِسَاني وفي دَمِي ![]() يُمَجِّدُها قلبي ويدْعو لهَا فَمِي ![]() ولا خيرَ فيمنْ لا يحبُّ بلادَهُ ![]() ولا في حليفِ الحُبِّ إنْ لمْ يُتَيَّمِ ![]() ومن تؤوِهِ دارٌ فيجْحَدُ فضلَها ![]() يكنْ حيوانًا فوقَهُ كلُّ أَعْجَمِ ![]() ألم ترَ أنَّ الطيرَ إنْ جَاءَ عِشَّهُ ![]() فآواهُ في أكنَافِهِ يَتَرَنَّمِ ![]() وليسَ من الأوطانِ من لم يكنْ لها ![]() فِداءً وإنْ أَمْسَى إليهنَّ ينْتَمي ![]() ومن يظلمِ الأوطانَ أو ينْسَ حقَّهَا ![]() تجبْهُ فنُونُ الحَادِثاتِ بَأَظْلَمِ ![]() وما يرفعُ الأوْطانَ إِلا رِجَالُهَا ![]() وهَلْ يَترَقَى النَّاسُ إِلا بِسُلَّم ![]() من حقوق الوطن علينا ثانيا حماية مكاسبه وصيانة خيراته ومقدراته، لا بيعها وتسليمها للأجنبي من أجل لعاعة الدنيا. من حقوق الوطن ثالثا أن يكون كل واحد منا عينًا حارسة له من كل عدو ومتربص في الداخل أو الخارج. من حقوق الوطن علينا رابعا أن نغرس في قلوب أبنائنا حبه والدفاع عنه والتضحية من أجله. من حق الوطن علينا خامسا الحفاظُ على أمْنه وإيمانه، وسلامته وإسلامه، من كلِّ مخرِّب ومغرِّب، وبالأخصِّ في مثل هذه الظُّروف العَصِيبة. من حق الوطن علينا سادسا المحافظة على تديُّن المجتمع وصَلاحه، ونشْر الخير بين أبنائه، ومقارعة الفساد، وتجفيف منابعه قدْر الإمكان. وهذه مسؤوليَّة مشتركة بين الجميع؛ حكَّامًا ومحكومين، عُلَماء ومعلِّمين، دُعاة ومربِّين. وإذا أردنا النجاة للبلاد ولأهلها، فعلينا أن نكون صالحين مصلحين ؛ قال تعالى ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117]، فقال سبحانه مصلحون، ولم يقل: صالحون؛ لأن مجرد الصلاح لا ينجِّي الأمم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل؛ كما في الصحيحين: “أَنَهْلِك وفينا الصالحون، قال: « نعم، إذا كثر الخبث». أشدُّ الناس نفعًا لبلدهم لوطنهم هم أولئك الرجال الذين بذَلُوا أموالهم وأوقاتهم بل دمائهم ليحيي هذا الوطن وليعيش أبنائه أحرارًا أخيارًا لا يتحكم في رقابهم بشرا ولا يستعبدهم طاغية لا يتحكم في رقابهم سيد يدعي الحق الإلهي ولا حاكم يدّعي الحكم الأبدي فقد خلق الله الناس أحرارًا. حديثنا عن حقوق الوطن لم ينته بعد...
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |