|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ما الضرر في الاحتفال بالمولد النبوي عبد الرحمن بن عبد الله السحيم الضررُ في البِدَعِ عُمومًا: أنها مُنازَعةٌ ومُشاقّةٌ ومُعانَدةٌ للشَّرْيعةِ ولِمَن جاءَ بها، وهو رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم. وقد يَخرجُ الإنسانُ مِن دِينِه وهو لا يشعرُ، بل ويحسِبُ أنه على شيءٍ، ويحسِبَ أنه يتقرّبُ إلى اللهِ، وهو مُوغِلٌ في البِدَعِ. كما سيأتي. والبِدَعُ تُبعِدُ صاحبَها عنِ اللهِ، في حينِ يَظنُّ أنها تُقرِّبُه إلى اللهِ. هذا إجمالًا. وأما التفصيلُ؛ فأقولُ: أولا: البِدَعُ مَرْدُودةٌ غيرُ مَقبولةٍ، إذ يُشتَرَطُ لِقَبولِ العملِ الصالحِ شَرْطان: أن يكونَ خالِصا للهِ، وأنْ يَكونَ على سُنّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وهذه المسألةُ سبَقَ التفصيلُ فيها. فَمَهْما حَسُنَتِ النيّةُ، فإنَّ العَمَلَ مَرْدُودٌ ما لم يَتحققْ فيه: الإخلاصُ للهِ تعالى والمتابَعةُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لقولِه عليه الصلاة والسلام: مَن أحْدثَ في أمْرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ. رواه البخاري ومسلم، وقال: «مَن عَمِلَ عملًا ليس عليه أمْرُنا فهو رَدٌّ». (رواه مسلم). ومعنى رَدٌّ أي: مَرْدُودٌ غيرُ مَقبولٍ. قال يحيى بنُ يحيى الليثيُّ: ليس في خِلافِ السُّنةِ رَجاءُ ثوابٍ. ثانيا: البِدَعُ في الحقيقةِ سُوءُ أدبٍ مع مَقامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بَلّغَ البلاغَ الْمُبِينَ، ولَم يَمُتْ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى تمَّ الدِّينُ وكمُلَ. قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. وهذه الآيةُ نَزَلَتْ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حِجّةِ الوَداعِ في يوم عَرفَةَ. رَوى البخاريُّ ومسلمٌ مِن حديثِ طارِقِ بنِ شِهابٍ، قال: جاء رجلٌ مِن اليهودِ إلى عمرَ، فقال: يا أميرَ المؤمنين آيةٌ في كتابِكم تقرؤونها، لو علينا نَزَلَتْ معشرَ اليهودِ، لاتّخَذْنا ذلك اليومَ عِيدًا، قال: وأيُّ آيةٍ؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}، فقال عمرُ: إني لأعلَمُ اليومَ الذي نَزَلَتْ فيه، والمكانَ الذي نَزَلَت فيه، نَزَلَت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ في يومِ جمعة. قال الإمامُ مالكٌ رحمه الله: مَن ابتدعَ في الدِّينِ بِدْعةً فَرَآها حَسَنَةً، فقد اتَّهَمَ أبا القاسمِ صلى الله عليه وسلم، فإن اللهُ يقولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}، فما لم يكُنْ يومئِذٍ دِينًا فلا يكونُ اليومَ دِينًا. قال ابنُ الماجِشونِ: سَمِعتُ مَالِكًا يقول: مَن ابْتَدَعَ في الإسلامِ بدعةً يَرَاها حَسَنةً، فقد زَعم أنَّ محمدا صلى الله عليه وسلم خَان الرِّسالةَ؛ لأنَّ اللهَ يقولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، فما لم يكُنْ يومئذٍ دِينا، فلا يكونُ اليومَ دِينا. ومَن يأتي بِبِدعةٍ يَسْتَحْسِنُها فإنَّه يسْتَدْرِكُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وفيها اتِّهَامُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالتقصيرِ في البلاغِ. واتِّهَامُ الرَّسُولِ راجِعٌ على الْمُرْسِلِ، وهو اللهُ تبارك وتعالى، فكيف يُقصِّرُ الرَّسُولُ في تبليغِ رسالتِه، واللهُ يُؤيِّدُه ويُسُدّدُه ويَنصُرُه؟! بل وفي البِدَعِ: رَدٌّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «شَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ». (رواه مسلم). وحَذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الابتِداعِ والإحداثِ في الدِّينِ، فقال: «إياكم ومُحْدَثَاتِ الأمورِ، فإن كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعةٌ، وإن كُلَّ بِدْعةٍ ضلالةٌ». (رواه الإمام أحمد وأبو داود، وصححه الألباني والأرنؤوط). فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ »، وأهلُ البِدَعِ يقولون: ليست كلُّ بِدعة ضلالةً! فأيُّ مُشاقّةٍ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ومُخالَفةٍ له، ورَدٍّ عليه أوضَحُ مِن ذلك؟! وقد قال اللهُ عزَّ وجَلّ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]. ثالثا: البِدَعُ ضلالاتٌ، كما أخبرَ مَنْ لا يَنطِقُ عنِ الهوى صلى الله عليه وسلم. وهي سَببُ الشتاتِ والفُرقةِ. قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]. قال ابنُ عطيةَ: وهذه الآيةُ تَعُمُّ أهلَ الأهواءِ والبِدَعِ والشذوذِ في الفُروعِ وغيرِ ذلك مِن أهلِ التعمّقِ في الْجَدلِ والْخَوضِ في الكلامِ، هذه كُلُّها عُرْضةٌ للزَّللِ، ومَظنةٌ لِسوءِ المعتقدِ. اهـ. يُضافُ إلى ذلك: ما جاء في الشرعِ مِن ذمِّ البِدَعِ، وما قرّرَه العلماءُ مِن خُطورةِ البِدَعِ، بل قد تُخرِجُ صاحبَها مِن الإسلامِ، وهو يَظنُّ أنه يتقرّبُ إلى الله! ومِن ذلك: أنه لا خَيرَ في البِدَعِ، إذْ لو كان فيها خيرٌ لَسَبَقَنا إليها خيرُ الناسِ بعدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأكثرُ الناسِ حرصا على سُنّتِهِ، واقتداءً به عليه الصلاة والسلام، وهم الصحابةُ. قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ الدمشقيُّ في تفسيرِ هذه الآية: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: 11]: وأما أهلُ السُّنةِ والجماعةِ فيقولون في كلِّ فِعلٍ وقَولٍ لم يثبتْ عن الصحابةِ رضي الله عنهم: هو بِدْعةٌ؛ لأنه لو كان خيرًا لَسَبَقُونا إليه، لأنهم لم يَتْرُكُوا خَصْلةً مِن خِصالِ الخيرِ إلاَّ وقد بَادَرُوا إليها. اهـ. وقد عَقَدَ الإمامُ الشاطبيُّ في كتابِ الاعتصام فَصْلًا في ذِكْرِ ما في البِدَعِ مِن الأوصافِ المحذورةِ، والمعاني المذمومةِ، وأنواعِ الشؤمِ. وسأذكرُ بعضَ ما ذَكَرَه باختصارٍ، ومَن أرادَ الاستزادةَ فليُراجِعْ كتابَ الاعتصام . قال الإمامُ الشاطبيُّ: فاعْلَمُوا أنَّ البدعةَ لا يُقْبَلُ معها عِبادةٌ مِن صلاةٍ ولا صيامٍ ولا صدقةٍ ولا غيرِها مِن القُرُباتِ. ومُجَالِسُ صاحِبَها تُنْزَعُ منه العِصْمةُ، ويُوكَلُ إلى نفسِه، والْمَاشِي إليه ومُوَقِّرُه مُعِينٌ على هَدمِ الإسلام، فما الظَّنُّ بِصَاحِبِها؟ وهو مَلْعُونٌ على لِسانِ الشريعةِ، ويَزدادُ مِنَ اللهِ بِعِبَادتِه بُعْدًا. وهي مَظِنّةُ إلْقَاءِ العداوةِ والبغضاءِ. ومَانِعَةٌ مِن الشفاعةِ المحمّديةِ. ورَافعةٌ للسُّننِ التي تُقَابِلُها. وعلى مُبْتَدِعِها إثمُ مَنْ عَمِل بها. وليس له مِن توبَةٍ، وتُلْقَى عليه الذّلةُ في الدنيا والغضبُ من الله. ويُبْعَدُ عن حَوضِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ويُخَافُ عليه أن يكونَ مَعْدُودا في الكفارِ الْخَارِجِين عن الْمِلّة. وسُوءُ الخاتمةِ عند الخروجِ مِنَ الدنيا، ويَسودُّ وَجْهُه في الآخرةِ، ويُعذّبُ بِنارِ جهنمَ. وقد تَبَرّأَ منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وتَبَرّأَ منه الْمُسْلِمُون. ويُخَافُ عليه الفتنةُ في الدنيا، زيادةً إلى عذابِ الآخرة. ثم أطال الإمامُ الشاطبيُّ في تفصيلِ ذلك، وذِكْرِ الأدلةِ عليه، وأقوالِ السَّلَفِ ومَن بَعدَهم مِن أهلِ العِلْمِ في ذلك. ومما قاله رحمه الله: وأما أنَّ صاحِبَها مَلْعونٌ على لسانِ الشريعةِ، فَلِقَولِه عليه الصلاة والسلام: «مَن أحْدَثَ حَدَثا أو آوَى مُحْدِثا؛ فعليه لَعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين». (رواه البخاري ومسلم). وأما أنَّ صاحِبَها ليس له مِن تَوبةٍ، فَلِما جاءَ مِن قولِه عليه الصلاة والسلام: «إنَّ اللهَ حجزَ التوبةَ على كلِّ صاحبِ بدعةٍ». (رواه ابنُ أبي عاصمٍ في السُّنةِ وابنُ وَضّاحٍ في البِدعِ والنهيِ عنها. وقال عنه الهيثميُّ: رواه الطبرانيُّ في الأوسطِ، ورجالُه رجالُ الصحيحِ غيرَ هارونَ بنِ موسى الفَرْويِّ، وهو ثقةٌ. وصححَه الألباني). [ولعلَّ قولَه: ليس له مِن تَوبةٍ، أي: غالبا، وهذا مُشاهَدٌ، أنَّ أغلبَ أهلِ البِدَعِ يَحيون عليها ويَموتون عليها، ويتعصّبون لها]. قال الشاطبيُّ رحمه الله: وأما اسْوِدَادُ وَجْهِه في الآخرةِ؛ فقد تقدمَ في ذلك معنى قولِه: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106]، وفيها أيضا الوعيدُ بالعذابِ لِقولِه: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106]، وقولُه قبل ذلك: {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]. عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما في قولِه: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106]، قال: تَبْيَضُّ وُجُوهُ أهلِ السُّنّةِ، وتَسْوَدُّ وُجُوهُ أهلِ البِدعَةِ. حَكَى عِياضٌ عن مَالِكٍ - مِن روايةِ ابنِ نافعٍ عنه - قال: لو أن العَبْدَ ارْتَكبَ الكبائرَ كلَّها دُون الإشراكِ بِاللهِ شيئا ثم نَجا مِن هذه الأهواءِ لَرَجَوتُ أن يَكونَ في أعلى جناتِ الفردوسِ؛ لأنَّ كُلَّ كَبيرةٍ بين العبدِ ورَبِّه هو مِنها على رَجاءٍ، وكُلَّ هَوىً لَيس هو منه على رَجَاءٍ، إنما يَهوي بِصاحِبِه في نارِ جهنمَ. اهـ. وقد تقرّرَ عند أهلِ العِلْمِ: أنَّ صاحِبَ البِدعةِ شرٌّ مِن صاحِبِ الكبيرةِ؛ وذلك: أنَّ صاحِبَ البِدعةِ يَزعمُ أنه يتقرّبُ إلى اللهِ بِما ليس بِقُربةٍ، بل بِما يُباعِدُه عن اللهِ تبارك وتعالى، ولذلك فإنَّه لا يُحدِّثُ نفسَه بالتوبةِ مِن هذا الْحَدَثِ، وإن كان صاحِبُه ملعونا، كما تقدَّم. وصاحِبُ الكبيرةِ يُحدِّثُ نفسَه بالتوبةِ، ولا يَزعَمُ أنه يتقرّبُ إلى اللهِ بِكبيرتِه، بل يَعلَمُ أنها تُبعِدُه عن اللهِ تبارك وتعالى. وقد ذَكَرَ ابنُ القيمِ أنَّ الشيطانَ يُريدُ أنْ يَظْفَرَ بالإنسانِ في عَقَبةٍ مِنْ سَبْعِ عَقَباتِ، بعضها أصعبُ مِن بَعضٍ، لا يَنْزِلُ مِنه مِن العقبةِ الشّاقّةِ إلى ما دُونِها إلاّ إذا عَجَزَ عن الظَّفَرِ به فيها. العَقَبةُ الأولى: عَقَبةُ الكُفرِ باللهِ وبِدِينِه ولِقائه، وبِصِفاتِ كَمَالِه، وبما أَخْبَرَتْ به رُسُلُه عنه، فإنَّه إنْ ظَفِرَ به في هذه العَقبةِ بَردَتْ نارُ عَداوتِه واستراحَ، فإنْ اقتحمَ هذه العقبةَ ونَجَا منها بِبَصِيرةِ الْهِدايةِ، وسَلِمَ معه نورُ الإيمانِ طَلَبَه على: العَقَبةُ الثانيةُ: وهي عَقبةُ البِدعةِ، إمّا باعتقادٍ خلافَ الحقِ الذي أَرْسَلَ اللهُ به رَسَولَه، وأنْزَلَ به كِتابَه، وإمّا بالتعبّدِ بما لم يَأذنْ به اللهُ مِن الأوضاعِ والرّسومِ الْمَحْدَثةِ في الدِّينِ، التي لا يَقبلُ اللهُ منها شيئا، والبِدْعتانِ في الغالبِ مُتَلازِمَتان، قَلَّ أن تَنْفَكَّ إحداهما عنِ الأخرى، كما قال بعضُهم: تَزَوّجتْ بِدْعةُ الأقوالِ بِبِدْعةِ الأعمالِ، فاشتغلَ الزَّوْجَان بالعُرسِ، فَلم يَفْجأْهم إلاّ وأولادُ الزِّنا يَعِيثون في بلادِ الإسلامِ، تَضِجُّ منهم العبادُ والبلادُ إلى اللهِ تعالى. وقال شيخُنا: تَزَوّجتْ الحقيقةُ الكافِرةُ، بالبِدعةِ الفاجِرةِ، فَتَولّدَ بينهما خُسرانُ الدنيا والآخرةِ. فإنْ قَطَعَ هذه العَقَبةَ، وخَلَصَ منها بِنورِ السُّنةِ، واعتصَمَ منها بِحَقيقةِ الْمُتَابَعةِ، وما مَضَى عليه السلفُ الأخيارُ مِن الصحابةِ والتابعين لهم بإحسانٍ... العقبةُ الثالثةُ: وهي عقبةُ الكبائرِ، فإنْ ظَفِرَ به فيها زَيَّنَها له، وحَسَّنَها في عِينِه، وسَوّفَ به، وفتحَ له بابَ الإرجاءِ... والظَّفَرُ به في عَقبةِ البِدعةِ أحبُّ إليه، لِمُنَاقَضَتِها الدِّينَ، ودَفْعِها لِمَا بَعَثَ اللهُ به رسولَه، وصاحِبُها لا يَتُوبُ منها، ولا يَرْجِعُ عنها، بَل يَدعو الْخَلْقَ إليها، ولِتَضَمّنِها القَوْلَ على الله بِلا عِلْمٍ، ومُعَاداةَ صَريحِ السُّنةِ، ومُعاداةَ أهلِها، والاجتهادَ على إطفاءِ نُورِ السُّنةِ، وتَوْلِيةِ مَنْ عَزَلَه اللهُ ورسولُه، وعَزْلِ مَن وَلاّه اللهُ ورسولُه، واعتبارِ ما رَدّه اللهُ ورَسولُه، ورَدِّ ما اعْتَبَره، ومُوَالاةِ مَن عادَاه، ومُعَادَاةِ مَن وَالاه، وإثباتِ ما نَفَاه، ونَفْيِ ما أثبتَه، وَتكذيبِ الصادقِ، وتصديقِ الكاذِبِ، ومُعَارَضَةِ الْحَقِّ بالباطلِ، وقَلْبِ الحقائقِ بِجَعْلِ الْحَقِّ بَاطِلا، والباطلِ حَقا، والإلحادِ في دِينِ الله، وتَعْمِيَةِ الْحَقِّ على القلوبِ، وطَلَبِ العِوَجِ لِصراطِ اللهِ المستقيمِ، وفَتحِ بابِ تبديلِ الدِّينِ جُمْلةً. فإنَّ البِدَعَ تَسْتَدْرِجُ بِصَغِيرِها إلى كبيرِها، حتى يَنْسَلِخَ صاحِبُها مِن الدِّينِ، كما تَنْسلُّ الشَّعْرةُ مِن العَجينِ، فَمَفَاسِدُ البِدَعِ لا يَقِفُ عليها إلاّ أربابُ البصائرِ، والعُمْيَانُ ضَالّون في ظُلْمِةِ العَمَى {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}. اهـ. ويُنظَرُ تتمةُ كلامِه في مدارجِ السالكين . وثَمّةَ شُبهاتٍ واهِيةٍ تُعارَضُ بها السُّنّةُ، ويُشدُّ بها مِن أزْرِ البِدعَةِ، كقولِ بعضِهم: بماذا يُجابُ عن صيامِ يومِ عاشوراءَ، وهو زيادةٌ في الشُّكرِ...؟ والجوابُ عنه: أن صيامَ يومِ عاشوراءَ جاءتْ به السُّنّةُ، فهو حُجّةٌ على أهلِ البِدعِ بِما فيها الْمُوالِدُ؛ لأننا نَقِفُ مع النصوصِ حيث وَقَفَ السَّلَفُ. وصيامُ يومِ عاشوراءَ عِبادةٌ، والعباداتُ تَوقِيفيةٌ، ولو لَم تأتِ به السُّنَةُ، لَكَان تخصيصُ صومِه بِدعةً. وهو مثلُ صيامِ يومِ الاثنين، فإنه جاء فيه أنه يومٌ وُلِد فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، بل جاء النصُّ عليهما في حديثٍ واحِدٍ. فقد سُئلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن صومِ يومِ الاثنينِ؟ قال: «ذاك يَومَ وُلِدْتُ فيه، ويَومَ بُعِثت، أو أُنْزِلَ عليَّ فيه». وسئل عن صومِ يومِ عرفةَ؟ فقال: يُ «كفِّرُ السَنَةَ الماضيةَ والباقيةَ». وسئل عن صومِ يومِ عاشوراءَ؟ فقال: «يُكفِّرُ السنةَ الماضيةَ». (رواه مسلم). وصومُ يومِ الاثنينِ عِبادةٌ، وهو يومٌ تُعرَض فيه الأعمالُ على اللهِ، مع كَونِه اليومَ الذي وُلِد فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَكُنْ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا أحدٌ مِن أصحابِه رضي الله عنهم يُحدِثون في ذلك اليومِ مَزيدَ عَمَلٍ أو احتفالٍ؛ لكونه اليومَ الذي وُلِد فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وإنما كانوا يَصومُونه، وصِيامُهم له في كلِّ أسبوعٍ، وليس يَومًا في السَّنَةِ. ويُقَالُ لأهْلِ البِدَعِ: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]، على أنَّ الاحتفالَ بِالْمَوَالِدِ مِن الدِّينِ. فإذْ لم تأتوا ببيّنَةٍ، فهو بِدْعَةٌ مُحْدَثَة. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |