|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() محمد صلى الله عليه وسلم زوجا(*) أ. د. زكريا محمد هيبة وإذا بنيتَ فخيرُ زوجٍ عشرةً (أحمد شوقي) ![]() وإذا ابتنيتَ فدونك الآباءُ ![]() ![]() ![]() هناك خلاف بين العلماء في عدد زوجاته صلى الله عليه وسلم اللائي دخل بهن؛ قيل: إحدى عشرة، وقيل: اثنتا عشرة، والخلاف في مارية القبطية، هل هي زوجة، أم مِلْك يمين؟ والمتفق عليه من زوجاته إحدى عشرة؛ القَرَشِيَّات منهن ستٌّ؛ هن: خديجة بنت خويلد، وسودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم سلمة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، والعربيات من غير قريش أربع؛ هن: زينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة، وميمونة بنت الحارث، وواحدة من غير العرب؛ وهي: صفية بنت حيي من بني إسرائيل، وتبقى مارية القبطية، وهي من مصر. وتُوفِّيت اثنتان من زوجاته صلى الله عليه وسلم حال حياته؛ وهما: خديجة بنت خويلد، وزينب بنت خزيمة، وتُوفِّيَ هو عن تسع نسوة. ولم يتزوج بكرًا قط إلا عائشة رضي الله عنها، وكان زواجه بها؛ إكرامًا لوالدها الصديق رضي الله عنه. ألم يقل صلى الله عليه وسلم: ((إن أمَنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا، لاتخذت أبا بكر خليلًا))؛ [صحيح البخاري]. وزيجاته صلى الله عليه وسلم جميعًا كانت لأهداف سامية، وغايات شريفة؛ فتزوج خديجة؛ لتكون قاعدة دعوته. وتزوج أم حبيبة، وأم سَلَمة، وسودة، وميمونة، وزينب بنت خزيمة أمَّ المساكين، وهن أراملُ مرملات؛ إيواء لهن لمَّا فَقَدْنَ أزواجَهن، ولِما أصابهن من اضطهاد. وتزوج زينب بنت جحش بأمر من الله، وخشِيَ قول الناس: إنه تزوج زوجة زيد الذي تبنَّاه صلى الله عليه وسلم. وتزوج حفصة بنت عمر إكرامًا لعمر رضي الله عنه؛ ذاك الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم يشكوه أبا بكر وعثمانَ؛ من رفضهما الزواج بحفصة بعدما عرضها عليهما. وتزوج صفية بنت حُيَيِّ بن أخطب ملك اليهود، بعدما قُتِل أبوها، وأخوها، وزوجها في حرب بني قريظة وفتح خيبر، ووقعت أسيرة؛ فأراد النبي صلى الله عليه وسلم جَبْرَ كسرها. أما جويرية بنت الحارث، فكان والدها زعيمَ بني المصطلق، وعند هزيمتهم من المسلمين أراد النبي صلى الله عليه وسلم مواساتهم بتلك المصاهرة التي ترغِّبهم في مدِّ جسور الود، وإزالة الشحناء. وقد أخرجها النبي صلى الله عليه وسلم من حظيرة السبايا؛ لترتقِيَ فتلحق بقائمة أمهات المؤمنين، ثم كانت بركتها على قومها بعد إعلان خبر زواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن قام الصحابة بإرسال مَن بأيديهم مِن أسرى بني المصطلق وهم يقولون: "أصهار رسول الله". وهنا تتجلى شهامة النبي صلى الله عليه وسلم في رفعه خسيسةَ أصهاره؛ إكرامًا لزوجته. وهكذا كانت زيجاته صلى الله عليه وسلم جميعها في سبيل الدعوة إلى الله، وإن كان هذا لا ينفي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((حُبِّبَ إليَّ مِن دنياكم النساءُ، والطِّيبُ، وجُعلت قرةُ عيني في الصلاة))؛ [رواه أحمد، وصححه الألباني]. وكيف لا، وتلك جِبْلَةٌ بشرية، لا ينسل منها إلا مَن في قلبه مرض؛ ألم يقل ربنا عز وجل: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [آل عمران: 14]. يقول آن بيزينت: "لو نظرت إلى النساء اللاتي تزوجهن النبي صلى الله عليه وسلم، لَوجدتَ أن كل زيجة من هذه الزيجات كانت سببًا إما في دخ وله في تحالف لصالح أتباعه ودينه، أو الحصول على شيء يعود بالنفع على أصحابه، أو كانت المرأة التي تزوجها في حاجة ماسَّة للحماية". وإذا كانت عائشة تُوفِّيَ عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثماني عشرة سنة، والوحيدة التي تزوجها بِكْرًا، فإنه قد تزوج خديجة وهي في الأربعين من عمرها، وقد تزوجَتْ قبله برجلين؛ هما: أبو هالة بن زرارة التَّيمي، وعتيق بن عائذ المخزومي، وبرغم هذا التباعد العمري بين الزوجين مما يكون له أثره في محبة الزوج للزوجة؛ حيث نضارةُ الشباب وجمالها، إلا أن خديجة ظلت حتى بعد موتها لها القدر الأكبر في قلبه من بين جميع نسائه. لقد كانت خديجة أولَى زوجاته صلى الله عليه وسلم، تزوَّجها وهو في الخامسة والعشرين، بينما كانت قد ناهزت الأربعين، وماتت في الخامسة والستين، وهو في الخمسين من عمره. وفي الوقت الذي يفارق فيه أحبَّ زوجاته وهي في الخامسة والستين من عمرها، وقلبه بها معلق، يكون على موعد مع زوجة في السابعة من عمرها؛ حيث خطبة عائشة، وكانت الأقرب إلى قلبه بعد خديجة حتى مات صلى الله عليه وسلم. وهذا التباعد العمري بين النبي صلى الله عليه وسلم وأحب زوجتيه إليه: خديجة، وعائشة، سواء أكان هذا التباعد أكبر من عمره أم أصغر، وكذلك التباعد في الخبرات بين خديجة الناضجة المجرِّبة، وعائشة الغريرة الصغيرة، تلك التي زُفَّت إليه ومعها عرائسها - يؤكد أنه صلى الله عليه وسلم تعلَّق قلبه مع دعائم الدعوة ومرتكزاتها؛ فخديجة سبق القول بأنها كانت نقطةَ الارتكاز الأولى، وأول من آمنت به، وكانت الحاضنة الكبرى له وللدعوة منذ كانت جنينًا وقبل نزول الوحي، وعائشة بنت الصديق أحبِّ أصحابه إليه بلا منازع. ثم إنه بعد موت خديجة خطب في يوم واحد سودةَ بنت زمعة وعائشة؛ الأولى أرمل مسنَّة ليست ذات مال ولا جمال، والثانية صغيرة (سبع سنوات) حُلوة جميلة، لقبها لاحقًا بالْحُميراء. ولك أن تعلم أن هذا الاختيار لسودة وعائشة لم يكن منه صلى الله عليه وسلم، وإنما بترشيح خولة بنت حكيم. وهذا التعاكس في الاختيار يؤكد للمرة الثانية أنه كان يتحرك بوازع مصلحة الدعوة؛ فقد تركت له خديجة ثلاث بنات، وهُنَّ في مَسِيس الحاجة إلى امرأة في عمر الأم لتُلْقِي بجناحيها عليهم، وترعى شؤونه؛ فيتفرغ لدعوته، أضف إلى ذلك أن سودة كانت من المسلمات الأُوَلِ اللائي هاجَرْنَ للحبشة مع زوجها السكران بن عمرو، ثم مات عنها وتركها تعاني الترمُّل والشيخوخة، فكان زواجه منها جبرًا لخاطرها، وتكريمًا لها. ولا يُفهَم من هذا أن قلبه صلى الله عليه وسلم كان أصمَّ، أو أنه مع زوجاته عانى من العقم الوجداني، بل كانت مشاعرُه فيَّاضةً نظيفة. ولعل مرحلة التكوين التي مرَّ بها صلى الله عليه وسلم طفلًا وشابًّا كان لها الأثر البيِّن في هذا الحب الشاهق، وتلك المشاعر النظيفة. فقد عاش صلى الله عليه وسلم طفولةً خَلَتْ من عواطف الأمومة، إلا لمساتٍ خلال تلك الفترة التي لم تتجاوز ثلاث سنوات، عاشها في أحضان أمه، إذا استثنينا سنواتِ حضانة حليمة السعدية له. ومرَّ شبابُه خِلْوًا من نزوات المرحلة، حتى تزوج خديجة؛ فإذا هو والحب - بمعناه الكبير والعميق في آنٍ - وجهًا لوجه، ففاضت مشاعره النبيلة لتعُمَّ زوجته الأولى، ثم يردف زوجاته من بعدها بهذا التدفق العاطفي الذي لم يشبع منه طفلًا، وحافظ على رصيده منه شابًّا، فلم يُنْفِقْه في غير محله. إن من ينفق الحب ببذخ قبل الزواج في أوقات الفُتُوَّة سيغدو قعرُ بئر عواطفه فارغًا إلا من بعض مشاعر عكِرة، لا تَروي عطشانًا، ولا تُلطِّف حرَّ مشتاقٍ. كان صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، وبلغ من مراعاته العدلَ بين زوجاته أنه كان يقرَع بينهن فيمن تصاحبه إذا خرج في غزوة من الغزوات، غير أن قلبه لم يكن بالتساوي بين جميع زوجاته؛ فمثلًا لم يكن مع سودة كما كان مع عائشة، فالأخيرة كان تعاملُه معها تعامل المحب الحاني، بينما كان يتعامل مع سودة تعامل البار الرحيم، وفرق بين الأمرين في الزواج كبير. وما يؤكد هذا المعنى أنه صلى الله عليه وسلم حينما همَّ بطلاق سودة، تضرعت له صلى الله عليه وسلم في أن يبقيَها تحته، على أن تجعل ليلتها لعائشة. وفي اختيارها لعائشةَ لتهدي إليها ليلتها كبيرُ معنًى من ملاحظتها ما كانت لها من حظوة عنده صلى الله عليه وسلم. الشيء نفسه حدث حينما اشتد به الألم في مرض موته، كان في بيت ميمونة، وزوجاته مجتمِعاتٌ حوله، فأخذ يسأل: أين أنا غدًا؟ أين أنا بعد غدٍ؟ وقد فطن أنه يسأل عن يوم عائشة، وأنه يريد أن يمرِّض في بيتها، فقلن: "يا رسول الله، قد وَهَبْنَ أيامنا لعائشة". بل إن خديجة كان لها من المكان والمكانة في قلبه ما لم يتوفر على زوجة من زوجاته جميعًا، وهي المغيَّبة تحت التراب. ولك أن تعلم أن عائشة رضي الله عنها لم تكُنْ تغار من زوجة من زوجاته الأحياء، كغيرتها من خديجة رضي الله عنها. إن عامًا سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم بعام الحزن، وعُرِف في التاريخ بذلك؛ حيث ماتت فيه خديجة رضي الله عنها وعمه أبو طالب - يوضح المكانة التي كانت لخديجة في قلبه صلى الله عليه وسلم: لقد تعاهدنا على السير معًا ![]() ثم أعجلت مجيبًا للذهابِ ![]() ![]() ![]() وهنا ينجلي بوضوح شديد أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت له حسابات أخرى، سخَّرها كلها في خدمة دعوته ودينه. فقد أتاح له زواجه من خديجة إنجابَ الأولاد؛ من مات منهم، ومن بقِيَ على وجه الحياة، وبعد استقراره المادي بالعمل في تجارة زوجته، وليس أجيرًا عند امرأة غريبة، واستقراره النفسي بزوجة ملؤها الحنانُ والطمأنينة، أتاح هذا الاستقرار لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يتعمَّقَ في تأملاته، وأن يلاحظ البيئة حوله ملاحظة المطمئنِّ الآمن؛ فالنفوس إذا استكملت قوتها اطمأنَّت، فما بالنا وقد اكتمل قوتها ووقتها، وصفاء ذهنها؟ ولا عِبرة ما يهرِف به بعض كتَّاب الغرب من أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تُحرِّكه شهوته القوية في تعدد زوجاته. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عدَّد زوجاته تلبية لشهواته، كما قال بعض غلاظ القفا أو ضعاف القلوب - فكيف له أن يعتزلهن جميعًا شهرًا كاملًا، كما سيأتي لاحقًا؟ إن رجلًا جمع بين تسع نساء، ولم تتُقْ نفسه لواحدة منهن طيلة شهر كامل، واستطاع أن يستغني عنهن، لا شكَّ أن الشهوة ليست مسيطرة عليه كما زعموا. ثم إنه صلى الله عليه وسلم عاش شبابًا نظيفًا خاليًا من مكدِّرات الشهوة، وملحَّات الرجولة، وقد كانت البيئة الحاضنة - بما شاع فيها من مُجون - تسمح ببعض منها، لكنه ما عرف مقدمات هذا المجون من لهوٍ وغيره، فضلًا عن المجون ذاته. وهذا التعدد الحاصل جاء بعد موت خديجة، وبعد أن جاوز الخمسين، والقول بأنه مرَّ بفَورة الشباب وتداعياته، والرجولة ومتطلباتها، دون أن ينجرَّ إلى وهداتها، ثم بعد الخمسين انقاد لمطالب شهوته، فأخذ يُعدِّد الزوجات، لا يقول به إلا رجلٌ جفاه المنطق السليم، وغاب عنه العقل القويم. وفوق ما قلنا سابقًا فإن تلك الزيجات جميعها كانت بدوافع دعوية، يجدر الإشارة إلى أن زواجه من أم حبيبة - رملة بنت أبي سفيان - جاء تثبيتًا لتلك المرأة التي هاجرت للحبشة مع زوجها عبدالله بن جحش، ثم تنصَّر، تاركًا زوجته تعاني آلام الاغتراب في أرض غير أرضها، وأناس ليسوا من بني جِلْدَتِها، ولوعةَ زوج تخلَّى عنها وعن ابنتها بدخوله في دين جديد، ووحشةَ والد يقف رأس حربة للرسول والإسلام. فإذ بالنبي صلى الله عليه وسلم يبعث برسالة إلى النجاشي يوكله بالعقد له على أم حبيبة؛ فكان هذا الزواج. كانت أم حبيبة تقترب من الأربعين حينما عقد عليها صلى الله عليه وسلم وهي بالحبشة، وقد تأخر الدخول بها لبضع سنوات حتى انتقل مسلمو الحبشة للمدينة، وكان ذلك يوم فتح خيبر. فأي شهوة بالزواج من امرأة فاتها قطار الشباب، وأخذت منها الغربة ما تأخذه من امرأة تعاني تلك اللوعات المركَّبة؟ وإذا ما اعتبرنا أن المحرك لهذا التعدد تلك الشهوة الملحة، فكان الأَولَى أن يتخذ لنفسه السبايا الجميلات؛ ثيبات، وأبكارًا، وهنَّ كُنَّ من الكثرة ما هو معروف من غنائم الحروب، ولم يكن العرف أو الشرع يمنعان ذلك. لكنه لم يفعل، بل كان ينحو عكس ذلك؛ فصفية بنت حيي بن أخطب، وجويرية بنت الحارث كانتا من السبايا، الأُولى على إثر فتح خيبر، والثانية من نتاجات غزوة بني المصطلق، فكان الأسهل لقضاء وطرِه صلى الله عليه وسلم - إن كان ذلك باعثه – أن تبقيا أمَتَينِ، وما لِيمَ في ذلك. الأمر الآخر إن علم النفس الحديث أكَّد أن محركات القُوى الجنسية تأتي من العقل، فمتى صفا الذهن أمكن للرغبات الجنسية أن تتحرك، وفي سياق متصل، ذكرت بعض الدراسات أن المفكرين أقل رغبة جنسية من غيرهم؛ وذلك لانشغال عقولهم لفترات طوال. فإذا كان كذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بما تزاحم به عقله من هموم الدعوة، وشؤون أصحابه، فلم يعُد بخاطره كبيرُ مساحة للاستمتاع بمباهج الحياة وشهواتها. أما الذين ينكرون على النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه بخطبته طفلةً في سن السابعة من عمرها - يقصدون عائشة - لا يعلمون أن التقاليد السائدة آنذاك كانت تبيح ذلك، لا سيما إذا كانت الفتاة ذات نسب وجمال. ولا أدل على ذلك من أن عائشة نفسها حينما ذهبت خولة بنت حكيم تخطُبها للنبي صلى الله عليه وسلم، أمهلها أبو بكر لبعض الوقت، ليتحلَّلَ من وعدٍ بينه وبين الْمُطْعِم بن عدي؛ حيث ذكرها الأخير لابنه "جبير"، لكن زوجته أم جبير قالت لأبي بكر حينما دخل عليها وكانت مشركة: يا بن أبي قحافة، لعلنا إن زوَّجنا ابنَنا ابنتَك أن تُدخِلَه في دينك. التفت أبو بكر لزوجها - المطعم - سائلًا إياه عما تقوله زوجته. فجاء رده: القول ما قالت المرأة. فهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أولَّ خاطبٍ لها، وأن العادات والتقاليد كانت تبيح ذلك بكل أريحية، وإلا لاتخذتها قريشٌ تُكأةً تطعَن بها عليه صلى الله عليه وسلم، فهي لم تترك منفذًا للنَّيل منه إلا طرقته. والحياة الزوجية قائمة على المودة والرحمة، تلك المودة لو اختفت لَتحوَّلَ عشُّ الزوجية الدافئ إلى صقيع، وتحوَّل البيت من كونه سكنًا إلى مكان للعيش، وفرقٌ بين الأمرين كبير. ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الزوجة الصالحة شطر الدين: ((من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه الله على شطر دينه، فليتَّقِ الله في الشطر الثاني))؛ [رواه الطبراني، وصححه الألباني]، كيف لا؛وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن ((الدنيا متاع، وخير متاعها الزوجة الصالحة))؛ [صحيح مسلم]. ثم يوصي الرجال بالنبل في تعاملاتهم مع أزواجهم، وأن ذلك من البركة والخير: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))؛ [رواه الترمذي، حديث صحيح]. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته مع زوجاته نموذجًا يُحتذى، ليس للمسلمين فحسب، بل للبشرية جمعاء. سُئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: ((كان يخيط ثوبه، ويخصِف نعلَه، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم))؛ [صحيح ابن حبان]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم من الرعاية والاهتمام بأحوال زوجاته ما يجعله يلمح أوقات الرضا والغضب، وهنَّ المتفانيات في رضاه، وهو المهموم بأمور أمةٍ بأسرها، تجعله قد لا يقف عند هذه الأمور الرفيعة. قال يومًا لعائشة: ((إني لأعلم إذا كنتِ عني راضية، وإذا كنتِ عليَّ غضبى، قالت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: إذا كنتِ عني راضية، فإنكِ تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنتِ عليَّ غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم، قالت: أجل، والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك))؛ [صحيح البخاري]. لكن كشأن أيِّ بيت تعتريه الخلافات؛ دقيقها الذي قد تبتسم منه، وعظيمها الذي تأخذك منه رِعْدة. وكما يخبرنا الشيخ الغزالي: "ومتى خَلَتْ حياة الرجل العظيم من المشكلات؟". ولكيلا يكون حديثنا عامًّا مُرسَلًا؛ تعالَوا إلى بيت النبوة لنقتبس من نوره قبسًا، ومن رجولته قبسًا آخر. كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يعلم طبائع المرأة؛ فيتعامل مع زوجاته وفق هذا الفقه، ولم نعلم أنه تذمَّر منهن لأمر حياتي دنيوي، إلا إذا تعدَّينَ على حق من حقوق الله. ما دون ذلك، فكان مع زوجاته شهمًا نبيلًا، حلوَ السجايا، لطيفَ المعشَر. ولك أن تتخيل كيف كان لرجل مثل عمر بن الخطاب أو أبي بكر الصديق يأتيه الخبر بأن ابنته (حفصة، عائشة) بَدَرَ منها شيء أزعجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيذهب على الفور لابنته، تلك التي كانت تخاف أباها أكثر من خوفها زوجها صلى الله عليه وسلم. يروي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن معاشر القرشيين كانوا يغلبون نساءهم، فلما قدِموا على الأنصار، فإذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساء قريش يأخذْنَ من نساء الأنصار. وفي يومٍ يصيح عمر على امرأته، فراجعَتْهُ، فأنكر عمر تلك المراجعة، ولم تَرُقْه. قالت له زوجته: ((لِمَ تنكر أن أراجعك، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعْنَه، بل إن إحداهن تهجره اليوم حتى الليل. فزِع عمر رضي الله عنه ولم يلتفت إلى مراجعة زوجته، بل ذهب خاطره إلى ما يمكن أن يكون من حفصة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذهب لحفصة، سألها: أتغاضب إحداكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل؟ تجيب حفصة: نعم. فيقول لها: يا بنية، لا تستكثري على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، واسأليني ما بدا لكِ، ولا يغرنَّكِ إن كانت جارتكِ - يعني عائشة - هي أوضأُ منكِ وأحبُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [مسند أحمد، حديث صحيح]. وهذا أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع صوت عائشة عاليًا، فلما دخل تناولها ليلطمها، وقال: لا أراكِ ترفعين صوتكِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحجِزه، فخرج أبو بكر مغضبًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر: ((كيف رأيتِني أنقذتكِ من الرجل؟)). فمكث أبو بكر أيامًا ثم استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: "أدْخِلاني في سِلمكما، كما أدخلتماني في حربكما"؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد فعلنا، قد فعلنا))؛ [الصحيح المسند]. وكان صلى الله عليه وسلم يُدخِل عليهن البهجة حتى في الأوقات التي لا يُتوقَّع معها ذلك؛ حيث الذهاب أو الرجوع من الغزوات مثلًا. تقول عائشة رضي الله عنها: ((سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم، سابَقَني فسبقني، فقال: هذه بتلك))؛ [رواه أحمد]. وهذا القول من عائشة يعني أن سباق النبي صلى الله عليه وسلم لها لم يكن موقفًا عارضًا، وإنما كان أمرًا يتكرر كلما سنحت الفرصة، ويزيد النبي صلى الله عليه وسلم من روعة الموقف، فيقول لعائشة: ((هذه بتلك))، وكأنه يؤكد لها أن مواقفه الجميلة معها لا ينساها، بأبي هو وأمي. وكان صلى الله عليه وسلم يستمع بكل حبٍّ وتركيز مع نسائه، لا يمنعه من ذلك مهامُّه الجِسام التي تتعلق بأمته، ولا مشاغله العِظام التي تنوء بها الجبال. في صحيح البخاري، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدْنَ وتعاقدْنَ ألَّا يكتمْنَ من أخبار أزواجهن شيئًا...)). بعدما سمع النبي صلى الله عليه وسلم الحديث كاملًا من عائشة رضي الله عنها قال لها: ((أنا لك كأبي زَرْعٍ لأمِّ زرع))، وفي رواية أضاف صلى الله عليه وسلم: ((غير أنه طلقها ولم أطلقك)). يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |