
27-10-2022, 10:24 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,026
الدولة :
|
|
نصب الفعل المضارع
نصب الفعل المضارع
أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن
ينصب الفعل المضارع إذا سبقه أداةٌ مِن أدوات النصب، وأدوات نصب الفعل المضارع عشرة، وهي:
أنْ، لن، إذن، كي، لام كي، لام الجحود، حتى، الفاء والواو في الجواب، أو.
وقبل أن أبدأ في ذكر هذه النواصب، ألخص لك أولًا علامات نصب الفعل المضارع، والتي قد تقدم ذكرها، فأقول: إن علامة نصب الفعل المضارع قد تكون: أصلية، وهي الفتحة، أو فرعية، وهي حذف النون.
أولًا: العلامة الأصلية (الفتحة):
تكون الفتحةُ علامةً لنصب الفعل المضارع إذا تجرَّد عن الاتصال بـ: ألف الاثنين، واو الجماعة، ياء المخاطبة المؤنثة، نون التوكيد، نون النسوة[1].
وهذه الفتحة قد تكون:
ظاهرةً، وذلك في ثلاثة مواضع؛ هي:
1- الفعل المضارع الصحيح الآخر؛ نحو: الفعلين (تخرق، وتبلغ) في قوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37].
2- الفعل المضارع المعتل الآخر بالياء؛ نحو الفعل (يأتيك) في قوله عز وجل: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].
3- الفعل المضارع المعتل الآخر بالواو؛ نحو الفعل (يبلوني) في قوله تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ [النمل: 40].
وقد تكون مقدَّرةً، وذلك في الفعل المضارع المعتل الآخر بالألف؛ نحو الفعل (ترضى) في قوله عز وجل: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84].
ثانيًا: العلامة الفرعية (حذف النون):
يكون حذف النون علامةً لنصب الفعل المضارع في الأفعال الخمسة، وهي - كما تقدم - كلُّ فعلٍ مضارع كان على وزن:
(تفعلون)، ومثال نصبه بحذف النون: الفعلان (تنالوا، وتنفقوا) في قوله عز وجل: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92].
(يفعلون)، ومثال نصبه بحذف النون: الفعل (يُحشروا) في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا ﴾ [الأنعام: 51].
(يفعلان)، ومثال نصبه بحذف النون: الفعلان: (يبلغا، ويستخرجا) في قوله تعالى: ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا﴾ [الكهف: 82].
(تفعلان)، ومثال نصبه بحذف النون: الأفعال (تُكبِّرا، وتُسبِّحاه، وتحمداه) في قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُعلِّمُكما خيرًا مما سألتُما؟ إذا أخذتُما مضاجعَكما أن تُكبِّرا الله أربعًا وثلاثين، وتُسبِّحاه ثلاثًا وثلاثين، وتَحمَداه ثلاثًا وثلاثين)).
(تفعلين)، ومثال نصبه بحذف النون: الفعلان: (ترجعي، وتذوقي) في قوله صلى الله عليه وسلم: ((أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟! لا حتى تذوقي عُسَيْلَتَه، ويذوق عُسَيلتك)).
ذكر أدوات نصب الفعل المضارع:
الحرف الأول من نواصب الفعل المضارع: (أَنْ) بفتح الهمزة وسكون النون، وبذلك يخرج:
(إِنْ) بكسر الهمزة وسكون النون، فهذه لا تنصب الفعل المضارع، وإنما تجزمه، على ما سيأتي بيانه بالتفصيل إن شاء الله تعالى في باب جوازم الفعل المضارع، ومثال جزم الفعل المضارع بـ(إن): الفعلان (تصبك، وتسؤهم) في قوله تعالى: ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾ [التوبة: 50]، فكل مِن هذين الفعلين مجزوم بـ (إن)، وعلامة جزمه السكون.
(أَنَّ) بفتح الهمزة، وتشديد النون.
(إِنَّ) بكسر الهمزة، وتشديد النون.
فكلٌّ من هذين الحرفين (أَنَّ، وإِنَّ) لا ينصب الفعل المضارع؛ وإنما هما يعملان في الأسماء، فيدخلان على الجملة الاسمية المكونة من المبتدأ والخبر، فينصبان المبتدأ، ويسمى اسمهما، ويرفعان الخبر، ويسمى خبرهما، وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك بالتفصل في باب (إنَّ) وأخواتها.
ومثال عمل (إِنَّ) النصب في المبتدأ، والرفعَ في الخبر: قولُه تعالى: ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ﴾ [طه: 15].
ومثال عمل (أَنَّ) النصب في المبتدأ، والرفعَ في الخبر: قولُه تعالى: ﴿ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ [القصص: 13]، ففي هاتين الآيتين دخلت (إنَّ، وأنَّ) على جملة اسمية، فنصَبتا المبتدأ (الساعة، ووعد)، وسُمِّي اسمَهما، ورفعتا الخبر (آتية، حق)، وسمي خبرَهما.
و(أَنْ) الناصبة للفعل المضارع هي أكثر أنواع النواصب العشرة وقوعًا في القرآن، فقد جاء بعدها الفعل المضارع منصوبًا في مئين من الآيات، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: 92]، وقوله تعالى: ﴿ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النور: 8]، وقوله عز وجل: ﴿ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء: 79]، فالأفعال: (يتخذ، وتشهد، ويبعثك) أفعالٌ مضارعة منصوبة بـ(أنْ)، وعلامة نصبها الفتحة الظاهرة...، إلى غير ذلك من الأمثلة من كتاب الله عز وجل.
و(أن) الناصبة للفعل المضارع تُوصَف بأنها:
حرف مصدري؛ وذلك لأنها تُسبَك وتُدمَج وتُؤوَّل مع الفعل الذي تدخل عليه بمصدرِ هذا الفعل، فالتقدير مثلًا في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 184]: وصيامُكم خيرٌ لكم، فهنا دُمج الحرف الناصب (أن) مع الفعل المضارع (تصوموا)، وأتينا بدلًا منهما بكلمة واحدة، هي مصدر الفعل (تصوموا)، فكان التقدير: وصيامُكم خير لكم.
ومثال ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [البقرة: 237]، والتقدير: وعفوُكم أقرب للتقوى.
ومثال ذلك أيضًا قوله سبحانه: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16]، والتقدير: ألم يأنِ للذين آمنوا خشوعُ قلوبهم لذكر الله...، وهكذا.
وتوصف أيضًا بأنها حرف استقبال؛ وذلك لأنها تُصيِّر معنى الفعل المضارع خالصًا للمستقبل، بعد أن كان صالحًا للحال والمستقبل[2].
وذاكم أمثلة من القرآن على إعراب (أن) الناصبة للفعل المضارع، مع ما دخلت عليه من أفعال مضارعة:
1- قال تعالى: ﴿ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا ﴾ [يوسف: 21].
(أن): حرف مصدر ونصب واستقبال، مبني على السكون، لا محل له من الإعراب.
(ينفعنا)، (ينفع)، فعل مضارع منصوب بـ(أن)، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
2- قال تعالى: ﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ ﴾ [يوسف: 13].
(أن): حرف مصدر ونصب واستقبال، مبني على السكون، لا محل له من الإعراب.
(تذهبوا)، فعل مضارع منصوب بـ(أن)، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، وواو الجماعة ضمير مبني على السكون، في محل رفع، فاعل.
3- قال تعالى: ﴿ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37].
(أن): حرف مصدر ونصب واستقبال، مبني على السكون، لا محل له من الإعراب.
(تخشاه): فعل مضارع منصوب بـ(أن)، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر.
الحرف الثاني: من حروف نصب الفعل: (لَنْ) بفتح اللام، وسكون النون، ومن أمثلة نصب الفعل المضارع بـ(لن) في كتاب الله عز وجل:
• مثال نصب الفعل المضارع إذا سبقته (لن) بالفتحة الظاهرة: الفعلان (يؤمن، وتغني) في قوله تعالى: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ﴾ [هود: 36]، وقوله عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 10].
2- ومثال نصب الفعل المضارع إذا سبقته (لن) بالفتحة المقدرة: الفعل (ترضى) في قوله سبحانه: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى ﴾ [البقرة: 120].
3- ومثال نصب الفعل المضارع إذا سبقته (لن) بحذف النون: الفعل (يهتدوا) في قوله عز وجل: ﴿ وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 57].
وحرف النصب (لن) يفيد النفي[3]، والاستقبال[4]، والنفي بـ(لن) قد يكون:
محدودًا؛ نحو قوله تعالى: ﴿ قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ﴾ [طه: 91]، فقد حدَّدوا مدة عكوفهم برجوع موسى صلى الله عليه وسلم.
وقد يكون غير محدود - يعني: مؤبدًا - وذلك نحو قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾ [الحج: 73].
وبِناءً على هذا الذي ذكرناه من كون (لن) قد يكون المنفيُّ بها محدودًا، كان القول الراجح أن (لن) لا تقتضي التأبيد، بل إنها قد تفيد التأبيد وعدمه، كما مثلنا.
وذهب الزمخشري إلى أن (لن) تقتضي التأبيد دائمًا[5]، وحمله على ذلك مذهبه المعتزليُّ من كون الله تعالى لا يُرى في الآخرة، فقال: إن الله عز وجل يقول في كتابه: ﴿ قَالَ لَنْ تَرَانِي ﴾ [الأعراف: 143]، و(لن) تفيد تأبيد النفي، فيكون الله لا يُرى في الآخرة، ولا شك أن هذا مذهب باطل مردود، ويردُّه من الناحية اللُّغوية[6]:
1- أنه لو كان من موضوع (لن) التأبيد، لَما جازت التغيية بـ(حتى) بعدها؛ لأن التغيية لا تكون إلا حيث يكون الشيء محتملًا، فيزيل ذلك الاحتمال بالتغيية، وقد جاءت التغيية بـ(حتى) بعد (لن) في قوله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وقوله عز وجل: ﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي ﴾ [يوسف: 80]، وقوله سبحانه: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120].
2- أنه لو كانت (لن) تفيد التأبيد لكان ذكر الأبد معها تكرارًا، والأصل عدمه، ولقد جاء ذكر (أبدًا) مع (لن) في قوله تعالى: ﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [البقرة: 95]، وقوله عز وجل: ﴿ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا ﴾ [التوبة: 83]، وقوله سبحانه: ﴿ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 20].
3- أنه لو كانت (لن) للتأبيد لم يُقيَّد منفيُّها باليوم في قوله تعالى: ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 26][7].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|