قصة موسى عليه السلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         يقظة الضمير المؤمن وموت قلب الفاجر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 43 - عددالزوار : 10459 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 42 - عددالزوار : 9675 )           »          استقلال مالي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          أخلاق عالية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الانتقام للنفس منقصة، ولله كمال وإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          البشريات العشر الثالثة للتائبين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          العالم المؤرخ المحقق جوزف فون هَمَر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الإسلام في أفريقيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 306 )           »          الدعاء والذكر عند قراءة القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 591 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 02-09-2022, 10:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,853
الدولة : Egypt
افتراضي قصة موسى عليه السلام

قصة موسى عليه السلام (1) ولادتة
د. محمد منير الجنباز



ذكر متتبعو القصص القُرْآني أن نبي الله موسى كان أكثر الأنبياء ذكرًا في القُرْآن الكريم، وله حياة حافلة منذ الولادة حتى الوفاة، وإذا كانت قد ذكرت ولادة عيسى لإعجازها فإن ولادة موسى ذكرت لنجاتها من بطش فرعون، ولقد ابتلي العصر الذي بعث فيه موسى بفرعون الطاغية، الذي اشتهر عصره بالظلم والعسف والإجرام وعدم احترام آدمية الإنسان، فكان مفسدًا في الأرض إفسادًا لم يسبق إليه أحد من الفراعنة الذين سبقوه، وقد مر شيء من سيرة الملك المعاصر ليوسف ورأينا إلحاحه في تفسير الحُلم الذي جر خيرًا على شعب مصر، وعين رجلًا صالحًا في وظيفة كبرى، وأطلق يده بعد أن تأكد من صلاحه وسيرته الحسنة بين الناس، ولزم تعاليم يوسف في توزيع الطعام وقت المجاعة، فلم يكن سيئ السيرة في قومه رغم كفره، فشتان بين الحاكمين!.


ولادة موسى عليه السلام
المولد والنشأة:
ضمَّت أرض الكنانة عنصرين من الناس، الأقباط: وهم سكان مصر الأصليين، بنو إسرائيل: وهم أبناء يعقوب الذين وفدوا مع يوسف عليه السلام، وكسب أبناء يعقوب وأحفاده ود الأقباط وأحبوهم لحبهم يوسف، فعاشوا فترة معهم في وئام، وعمل الإسرائيليون بقطاع الزراعة والخدمات، بينما كان الأقباط هم الملاك والأسياد، واعتمد الأقباط في معيشتهم وكسب ثروتهم على جهد الإسرائيليين، فما عادوا يتقنون عملًا منتجًا، ولو تخلى عنهم بنو إسرائيل لماتوا جوعًا ولتعطلت أعمالهم، ومن هذا المنطلق شددوا عليهم في العمل وأبقوهم رهن الخدمة وعاشوا أسوأ أيامهم في عهد الطاغية فرعون الذي عاصره موسى، فكان جبارًا في الأرض عاتيًا، أذل بني إسرائيل وجعلهم أشبه بالأسرى الذين لا يستطيعون مغادرة البلاد، ولا حتى الأرض التي يعملون فيها، وفي غمرة الصراع مع بني إسرائيل والإيغال في ذلهم ومعاملتهم معاملة العبيد ظهرت منهم معارضةٌ، فقضى عليها الفرعون، ثم رأى رؤيا فسرها له المنجمون أن ذهاب ملكه سيكون على يد رجل من بني إسرائيل، فأهمه هذا الأمر، وبدأ يدبر الكيد لبني إسرائيل؛ لكيلا تقع هذه الكارثة، فأمر بتقتيل ذكور بني إسرائيل، والإبقاء على نسائهم، واستمر الأمر فترة وهو ينشر الجواسيس والعيون لإخباره عن كل مولود جديد، فيحضر الذباحون - وهي فرقة للموت شكلها فرعون - فيقتلعون الوليد من أحضان أمه فيذبحونه ويمضون، قسوة ما بعدها قسوة، وبدأ نسل بني إسرائيل يميل للانقراض، وضعفت أعمال الخدمة، وضج المنتفعون من خدمة بني إسرائيل؛ لنضوب اليد العاملة، وقالوا للفرعون: إن استمر الوضع على هذه الوتيرة فسيفنى القوم ويعم في الديار الخراب، فاتفقوا مع الفرعون على أن يقتل سنة ويعفو سنة، ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 49]، وقد ركزت سورة القصص على قصة موسى منذ البداية، وستكون المحور الرئيس في قصة موسى: ﴿ نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 3، 4]، فأخبر القُرْآن الكريم بما كان يفعله فرعون، من تقسيم شعبه إلى طوائف وطبقات سخرهم لخدمته، وكانت الطائفة المهانة عنده هم بني إسرائيل، وفي سنة تقتيل البنين ولد موسى، فخافت عليه أمه وحارت في أمرها كيف لها أن تخفيه عن جواسيس فرعون وتنقذه من الذبح؟ فكان الإيحاء الإلهي الذي رسم لها طريقة نجاته، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]، والإيحاء هنا بمعنى الإلهام وما يشعر به القلب من إحساس يسيطر عليه ليتصرف وفقه، فكان الإلهام أن ترضعه بعد ولادته ثم تضعه في صندوق ثم تلقيه في اليم، والمقصود به نهر النيل، وطمأنها الوحي بألا تخاف ولا تحزن؛ فلن يضيع موسى، بل سيرده عليها، وأنه سيكون نبيًّا مرسَلًا، ففي هذا الإيحاء منتهى التطمين لها مع البشارة بما يتبع النبوة من العزة والتمكين لقومه بعد ضعف، وقد فعلت بدافع هذا الإيحاء ما طلب منها؛ ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ [القصص: 8]، وجرى هذا الصندوق في النيل مع جريانه وطاف بقصر فرعون فالتقطه أعوان فرعون وأحضروا الصندوق إلى فرعون وفتحوه، فإذا غلامٌ رضيع هادئ يمص إصبعه يتلهى بها، من رآه أحبه وانشرح له صدره إلا فرعون الذي عرف بقسوة الطبع وشراسة النفس، فأظلم فؤاده وعشش هوى البغي والظلم في فكره، فلا يعرف الحب إلى قلبه سبيلًا، وقد توجس منه خيفة ودعا إلى قتله، لكن امرأته على عكس من هذا الطاغية شفيفة القلب رهيفة الإحساس، أودعت في الفؤاد حبًّا ونورًا وحنوًّا كبيرًا، ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُون ﴾ [القصص: 9]، فتمسكت به وضمته إلى صدرها، فأنس بها، وكان فرعون عقيمًا، فأطمعته بتربيته واتخاذه ولدًا ينفعها، وما زالت به حتى تركه وكف عن قتله، وروي أنه قال: ينفعك أنت، أما أنا فلا أريده، وقد نفعها الله به فآمنت، أما فرعون الذي أباه، فلم ينتفع به، بل كان هلاكه على يديه كما سنرى، وجرت مقادير الله بحكمته البالغة ليبرهن للطاغية أنه مهما اتخذ من حيطة وحذر، فإن أمر الله نافذ لا محالة، وأن من كان يحذر منه يتربى الآن في بيته هادئًا مستقرًّا لا يعيش مهددًا، بخلاف ما لو خبأته أمه في مغارة أو مكان منقطع فإنها لا تبرح خائفة وجلة عليه، فتكون لهذا الخوف أيام طويلة، والساعة عند الخائف تمر بطيئة، فيحسبها يومًا، واليوم يظنه بطوله شهرًا، فلا يستقر عيش أو هناء لخائف.

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ [القصص: 8]، ولما قرَّر هؤلاء الطغاة قتل الأولاد حفاظًا على الملك والمنافع من الضياع، نسوا بأن هناك ربًّا خالقًا لا يُعجزه شيء في الوصول إلى المجرمين وعقابهم، لقد أخطؤوا التفكير وضلوا الطريق، واستعملوا أقسى أنواع التنكيل بالناس لرؤيا مزعومة، فإذا كان كذلك، وقد صدقوا قول المنجمين، وهو الخوف على ملكهم من إسرائيلي يقوضه، إذًا فلتكن الرؤيا بهذا المنحى، وسيكون ذلك الإسرائيلي هو موسى الذي سيتربى في قصر الفرعون وتناله الرعاية منه ومن زوجه، أيظنون أن ما ابتدعوه من إجرام سيصلون به إلى بغيتهم؟ عليهم أن يعرفوا أن للكون ربًّا ينظمه، ولو كانوا حريصين على دوام الملك، فإن دوامه بالعدل، فالعدل أساس الملك.

وعَوْدًا إلى أم موسى الولهى على طفلها، ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص: 10]، الإنسان يبقى إنسانًا، وتعتريه حالات ضعف عند المواقف الحاسمة التي تبدو له غاية في السوء والكدر، ألم يكن يعقوب نبيًّا والرؤيا التي رواها له يوسف كانت إشارة إلى أنه سيأتي يوم يسجد له أبوه وأمه وإخوته، وفقد يوسف قبل هذا، وادعى إخوته أن الذئب قد أكله، ثم ما كان من يعقوب إلا أن حزن عليه حزنًا أفقده بصره، وهو يعلم أن تفسير الرؤيا آتٍ فلم هذا الحزن وكأن يوسف قد فقد إلى الأبد وأضحى حقيقة في ظن يعقوب؟! أما كان الأجدر ألا يبالي؛ لأنه ضامن بالرؤيا ووحي النبوة أن يوسف حي وسيكون له شأن؟ ليس لهذا من تفسير إلا الضعف الإنساني، فما بالنا بأم موسى وهي لم تصل إلى درجة النبوة؟ لقد ألهمت إلهامًا؛ لذلك حق لها أن يداخلها القلق والخوف على مصير موسى، ولم تستطع نسيانه، ولو للحظة واحدة؛ فقد تفرغ فؤادها من كل شيء شاغل، إلا من التفكير في موسى، ولقد كادت أن تتكلم وتظهر ما فعلت من إلقاء موسى في اليم ووصوله إلى قصر فرعون وأنه ابنها، لكن الله صبرها وسكَّن قلبها بالطمأنينة، فلم تتكلم، ﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ﴾ [القصص: 11]؛ أي: تتبعي أثره وأخباره؛ كيلا يفوتنا شيء من العلم عنه، وانطلقت الأخت الذكية (كلثم) حذرة تتابع أخباره، ﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 11]، ومع أنه في قصر فرعون المنيع، فقد استطاعت أن تعرف شيئًا عنه بطريقة ما بحيث اقتربت من موقع الحدث، وأدى انشغالهم بما هم فيه إلى عدم الشعور بوجودها وأنها تتابعه وتراقبه، ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [القصص: 12]، وكان سبب انشغالهم أنه بكى من الجوع، فأُتي له من القصر بمرضع فرفض ثديها رغم جوعه، وأُتي له بأخرى فأبى أن يتقبل الثدي، فقد ألهمه الله نفرة الثدي وكأنه يأبى أن تكون له أم ثانية من الرضاعة، وأمام حيرة امرأة فرعون فيما تقدمه لهذا الرضيع برزت أخت موسى منقذة ومعها الحل لهذا الإشكال ﴿ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾ [القصص: 12]، وجاءهم العجب من قولها وكأنها واثقة من أنه سيقبل ثدي من سترشدهم إليها، فقالوا: ومن تكون هذه المرضع؟ قالت: أمي، فقيل لها: وهل لأمك لبن؟ قالت: نعم لبن أخي هارون المولود منذ سنة، عند ذلك رافقوها إلى بيت أم موسى فأعطته الثدي فقبله، وكانت الفرحة كبيرة عند زوجة فرعون؛ فقد ضمنت له المرضع، وبالتالي ستربيه لتتخذه ولدًا، وبالمقابل فقد رده الله تعالى إلى أمه سريعًا كما وعدها، فلم تؤرقها المعاناة طويلًا، بل كان الفرج عاجلًا، فقرَّتْ عينُها بعودته؛ ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 13]، وأم موسى امرأة صالحة مؤمنة، رسخ إيمانها أكثر، وازداد ثباتًا ويقينًا، وهي ترى رأي العين وليدها موسى يعود إليها سليمًا معافى، ألقته في اليم رضيعًا وهو في صندوق واليم متلاطم الموج هائج، فأتي به بعد سويعات لتضمه إلى صدرها ويعود إلى حِضنها تغذيه وهي آمنة من بطش فرعون به، ومن ذا الذي يلقي رضيعًا في اليم ثم يعود إليه، ولم يمس بأي سوء؟! إنها عناية الله وحكمته، ولهذا الحدث ما بعده، ﴿ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]؛ فالعناية الإلهية تحيط موسى حتى يبلغ الكتاب أجله، ومرت السنون وموسى ينعم بالرعاية من امرأة فرعون (آسية)، أما فرعون فكان في ريبة وشك من هذا الفتى الذي تربى في بيته، فلم يبدِ نحوه ارتياحًا قط، فعندما داعبه مرة وهو صغير أمسك موسى بلحيته بقوة ونزع منها شيئًا، فغضب فرعون وقال: هذا هو الذي أخشاه، وأرى أنه هو الذي سيهدد ملكي، وطلب الذباحين لقتله فتوسلت إليه زوجته بالإبقاء عليه؛ لأنه لا يعقل ولا يميز، وبرهنت على ذلك بأن وضعت بين يديه جواهر وجمرًا، فأمسك جمرة ورفعها إلى فيه، فأمسكت به ونزعتها منه، وقيل: هذه الجمرة أضرت بلسان موسى ونطقه، وترعرع موسى فتًى يافعًا قوي البنية في بيت فرعون، ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [القصص: 14]؛ أي: تجاوز الطفولة إلى مرحلة الفتوة والشباب، تفتقت هذه السن عن علم وفهم وحكمة آتاها الله موسى فزينته وأضفَتْ عليه هيبة ووقارًا، ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [القصص: 14]، لقاءَ إحسانهم وتصديقهم، ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [القصص: 15]، وذكر أن المدينة هي (منف): أكبر مدينة في ذلك الوقت، وكان قد ذكر له أن فرعون ركب إليها فتبعه - وكان يخرج في موكبه باعتباره تربى في قصره، وهذا الظهور أفاد بني إسرائيل؛ حيث حماهم وخفف عنهم الظلم، لا لأنه إسرائيلي، فلم يكن فرعون متأكدًا من ذلك، وإنما لأن امرأة منهم أرضعته؛ فهم على هذا أخواله - وكان دخوله لها نصف النهار، وفيه تغلق الأسواق حتى العصر، فالطرقات خالية من المارة إلا ما ندر، والناس في غداء أو قيلولة، وفي هذا الجو الهادئ الذي سكن فيه الناس، وتكاد تسمع فيه الهمس أو حفيف الشجر وخرير الماء، إذا به يفاجأ بارتفاع صوت شجار بين رجلين، ﴿ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ [القصص: 15]؛ ﴿ مِنْ شِيعَتِهِ ﴾؛ أي: إسرائيلي، فقد بدأ موسى يذم فرعون وأعماله وينتقد كفره وضلاله، وهو عارف أنه من بني إسرائيل، وأن القبط ظلموهم، فهذا إسرائيلي الآن يتعارك مع قبطي، وموسى معروف للإسرائيليين أنه نصيرهم؛ لذلك عندما شاهد موسى استنصر به، ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ [القصص: 15]، فأسرع موسى لمساعدة الإسرائيلي على أنه مظلوم والقبطي دائمًا هو الظالم، ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾ [القصص: 15]، ووكز موسى القبطي؛ أي: سدد له لكمةً فقتله بهذه اللكمة وموسى لم يشأ هذا، وإنما ظن أنها لن تؤدي به إلى الموت؛ لذلك سارع إلى الاعتراف بخطأ ما فعله، ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ﴾ [القصص: 15]، ونسب هذا التسرع إلى إغواء الشيطان، وأنه عدو ظاهر العداوة، وندم على ما فعل ثم انتحى جانبًا وهو في غاية الأسى والحزن، ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 16]، فعاد موسى بعد هذا وهو مقرٌّ بالذنب، معذَّب به، ودخلت نفسَه الراحةُ لهذه التوبة وهو يشعر من الأعماق أن الله قد غفر له خطأه الذي ارتكبه من قتل للنفس بلا قصد، ثم وعد ربه لقاء هذه التوبة ألا يعود لهذا التسرع ثانية، ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ﴾ [القصص: 17]، وأن القوة التي منحتني إياها يا أللهُ وأنعمت بها عليَّ فلن أضعها إلا في سبيلك، ولن أكون عونًا أو مساندًا للمجرمين الذين يفسدون في الأرض ويثيرون الفتنة هنا وهناك.

﴿ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ [القصص: 18]، وهكذا ينقلب من يبتلى بالقتل ممن لا يمارسه أو يقصده؛ فالإنسان الذي يرتكب القتل الخطأ عن غير قصد أو الذي يقتل للمرة الأولى غير محترف للقتل يصاب بالخوف والقلق، وتعتريه الهواجس والأحلام المفزعة والكوابيس الثقيلة المزعجة، إنها النفس الإنسانية التي خلقها الله وسوَّاها بيده ونفخ فيها من روحه، فقتلُها وإزهاقها مخيف ومفزع، لكن هناك مَن تبلد إحساسه في هذه الناحية، وأوتي مكرًا شيطانيًّا، يقتل بلا وجل أو خوف من حساب يوم القيامة وعقابه الأليم، ﴿ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [القصص: 18]، وفي اليوم التالي يستنجد به الإسرائيلي مرة أخرى، وكان موسى قد تاب وندم عن يوم نصره؛ لأن نصرته أدت إلى إزهاق نفس لم تكن فعلت ما تستحق عليه الموت؛ لذلك نظر موسى إلى هذا المستصرخ للنجدة وقال له: إنك بيِّن الضلال والإغواء، وكان كلام موسى بمثابة توبيخ للإسرائيلي، ومع ذلك فقد انساق موسى وراء العاطفة في نصرة الإسرائيلي؛ لاقتناعه بأن الحق معه، فهو مظلوم غالبًا، والقبطي ظالم غالبًا، عانى منه الإسرائيليون العسف زمنًا ليس باليسير، ﴿ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ ﴾ [القصص: 19]، وبهذا الالتباس أراد رب العالمين ألا ينساق موسى وراء هذا الغويِّ مرة ثانية، فيستدرجه ثانية للقتل، فكشف - ما كان منه بالأمس حين استنصره - قتل القبطي، لكنه ظن الآن أن موسى سيبطش به بدل البطش بالقبطي، فأطلق صيحة الخوف: ﴿ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ﴾ [القصص: 19]، وتلقفها القبطي وأسرع يخبر قومه بأن قتيل الأمس الذي جهلنا قاتله تبين أن موسى هو القاتل، ووصل الخبر إلى فرعون، فأمر الذباحين بقتل موسى، وقد كان ينتظر مثل هذه الفرصة ليتخلص من موسى، فلم يكن يرتاح له في يوم من الأيام، وبدأت حملة البحث عن موسى والله تعالى ناصر نبيه ومؤيد له، نَعم لقد عصمه في المرة الثانية من البطش بالقبطي؛ لأن تكرار القتل يصبح عادة تتأصل عند القاتل بالممارسة، وعملًا غير مستهجن عنده، وقد برأ الله منه الأنبياء؛ لأنهم رحمة مهداة للناس، وطبيعتهم التي كونهم الله وفقها لا تنسجم مع القسوة، فأبعده بحكمته عن ارتكاب القتل - وإن كان فيه انكشاف أمره - لكن هيأ الله له بالمقابل من ينقل له خبر التآمر على حياته فينجو من نقمة فرعون، ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [القصص: 20]، وهذا الرجل هو مؤمن آل فرعون، وهو ذو عقل راشد، بما آتاه الله من الإيمان، خلافًا لبقية قومه الذين ضلوا وما اهتدوا، فأخبر موسى بجلية الأمر الذي عزم عليه كبار القوم، وعلى رأسهم فرعون، وهذا الأمر خطير لا يحتاج إلى مزيد وقت للتفكير؛ لذلك نصح موسى بالخروج من المدينة، والهجرة إلى بلد آخر، وعدم البقاء تحت سلطة فرعون مهددًا في كل لحظة، فالهجرة ضرورية لإيجاد الملاذ الآمن؛ صونًا للنفس والدين والعِرض والمال، ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ [القصص: 21]، ولم يكن موسى ليضيع الوقت في التفكير في الخروج أو عدمه، فما إن أنهى المبلِّغ لموسى خبر الملأ حتى خرج من مدينة (منف) سراعًا ومن مصر كلها؛ لأن القتلة كانوا قد انتشروا في المدينة بحثًا عنه، وكل لحظة تأخير منه تُدْنيهم منه، وهو مترقب في أية لحظة أن يدركوه، فخرج ولم يكن مستعدًّا لهذا السفر، لكنه معتمد على الله، خرج داعيًا ربه، متضرعًا إليه، خائفًا من التيه والضياع، ﴿ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 21]، وهذا تعليم للمستضعفين في بلدانهم بأن يعلموا أن في الهجرة ملاذًا آمنًا، وإن كان فيها مشقة وبعد عن الأهل والوطن، وأن عليهم الاتكال على الله والتضرع إليه دائمًا، وأن يذكُروه ليخفف عنهم بعد المشقة وألم الغربة ومفارقة الأهل، ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [القصص: 22]، وكانت وجهته بلاد مدين ما بين الحجاز وفلسطين، وهي بلد شعيب من قبل، وكانت غير خاضعة لفرعون، تعيش حياة بدوية، وتمر فيها القوافل التجارية، ولكن بلوغها فيه كثير من المشقة وبُعد الطريق، ودونها الفيافي والقفار، مع قلة الزاد والماء، فالطريق صحراوية إلا من محطات فيها الماء والطعام، كما تحتاج للرفقة والدليل، فلا يقطعها إلا الخِرِّيت المغامر.

انطلق موسى متوكلًا على الله وهو يدعوه ويتضرع إليه ويطلب منه الهداية والتوفيق، وأن يرشده لأقصر الطرق وأيسرها للوصول إلى مدين، وعانى في الطريق مشقة وجوعًا، حتى أكل من نبات الأرض وورق الشجر يسد به جوعه؛ خشية الهلاك، إلى أن وصل إلى بئر الماء الذي بأرض مدين، {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [القصص: 23]، وبعد جُهد مُضْنٍ بلغ الماء والموطن الجديد، فشرب وجلس في ظل شجرة يريح جسمه من عناء السفر، ويتأمل جماعات الرعاة وهم يسقون أغنامهم ومواشيهم، ثم لفت نظره وجودُ امرأتين تذودان أغنامهما عن التقدم للسقاية، ﴿ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ [القصص: 23]، وموسى مَن عُرف بنصرة الضعيف، فقد لفت نظره هذا الموقف؛ أناس يسقون مواشيهم بحماس ونشاط ولا يقدرون ضعف المرأة، وكأنما يستعرضون قوتهم وغلظتهم أمامها، يسقون أغنامهم ومواشيهم الكثيرة، ويضنُّون بإفساح المجال لهاتين الفتاتين - اللتين لا سند لهما - لسقاية أغنامهما القليلة، رآهما تقفان بعيدًا وهما تبعدان أغنامهما عن الاقتراب من الماء رغم دافع العطش الغريزي عند الحيوان للتقدم نحو الماء، ولكن تتجنبان بطش السفهاء الذين يتعالَوْن على الضعفاء بقوتهم الغاشمة، فاقترب موسى من الفتاتين وسألهما عن شأنهما وهذا الوقوف الوجل، فأخبرتاه بمعاناتهما اليومية في السقاية وعدم الاقتراب من الماء حتى يفرغ الجميع من سقاية مواشيهم، فهما امرأتان لا تملِكان القوة للسقاية، وأبوهما شيخ كبير، بالتالي عائلة مستضعفة تعيش وسط قوم لا يعترفون إلا بالقوة، وهنا أخذت موسى عزةُ الإيمان، وتقدم إلى حجَر البئر فرفعه بقوة، وأنزل الدلاء، واغترف الماء الصافي إلى الحياض، ولم يشأ أن تشرب أغنامهما من سؤر الغنم التي قبلهم، وفَضْلتهم المتبقية، ورُوي أنه قال لهما: هل من ماء غير هذا؟ قالتا: بئر هناك قريبة غطيت بحجر لا يطيق رفعَه النفرُ من الناس، فذهب إليها ورفع الحجر ودلى الدلو، فغرف الماء وسقى لهما، وقيل: كان الرعاء يغطون البئر بحجر كبير لا يطيق رفعه إلا عدد من الرجال، فإذا سقوا غطوه وانصرفوا، فتسقي الفتاتان أغنامهما من فضلة ما تبقى من الماء، فلما سقى موسى لهما عادتا إلى أبيهما مبكرتين، ﴿ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 24]، وهكذا فإن الأنبياء لا يغيب عن لسانهم وفكرهم ذكر الله تعالى، خصوصًا عندما يُحسون السند والدعم الرباني؛ خشية أن تتسرب وساوس الشيطان إلى النفوس، ويظن النبي أن ما فعله قوة منه، كما يفعل كثير ممن أنعم الله عليهم بالقوة فينسبها إلى ذاته، وينسى يومًا أنه إن مرض وأقعده المرض لاحتاج إلى من يساعده، ولبدَتْ له حينذاك حقيقة قوته، لكن الأنبياء - وهم الصنف المتميز والخلاصة الوضيئة من البشر وهم أعبد الناس - يقدمون لنا النموذج القدوة، وبالرغم من معاناة موسى ومشقة سفره ووهنه وجوعه لم ينسَ ذكر الله وتسبيحه والالتجاء إليه {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص: 25]، وهذه صورة لطبيعة المرأة المتدينة عندما تضطر إلى محادثة الرجل الغريب، تأتي على استحياء، خجلة وجلة، تقدم رِجلًا وتؤخر أخرى، تستر وجهها حياءً وخجلًا وهو الذي يُظهِر أثر الحياء احمرارًا وتوردًا، وقفت هذه الفتاة على استحياء وهي تطلب من موسى الحضور، فإن والدها يدعوه ليجزيه أجر السقيا، وهو في الحقيقة يود التعرف إليه، والأنبياء لا يأخذون على فعل المعروف أجرًا، فلبى موسى الدعوة وانطلق مع الفتاة، ومشت الفتاة أمامه وكانت الريح من خلفها تدفع ثوبها فتجسد عجيزتها، فلم يستطع رؤية هذا المشهد فناداها لتكون من خلفه، ويكون هو أمامها، وأن ترمي بحصاة عن يمينه إن كان سيسير باتجاه اليمين، وعن يساره إن كان سيسير باتجاه اليسار، وهكذا إلى أن وصل بيت الشيخ، فسلم ودخل البيت ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 25]، سأله الشيخ عن حاله ولِم قصد مدين؟ فقص عليه خبره بالتفصيل، وما كان من أمر فرعون وطلبه ليقتله، وهنا طمأنه الشيخ بأنه نجا من سلطة فرعون؛ لأن مدين لا تخضع لحكمه، فمن هو هذا الشيخ والد الفتاتين يا ترى؟ قالوا: شعيب، وقالوا: أخو شعيب، وأقول: هو رجل صالح يعيش في مدين على دين شعيب، وربما ربطته بشعيب قرابة ما، أما كونه شعيبًا فهذا بعيد، فشعيب نبي مرسل، أدى رسالته وانتقل إلى ربه، ولا يعقل أن ينتهي الأمر بشعيب ليكون على هذا النمط من العيش، صاحب غنم، أو بدوي يعيش وسط قوم لا يراعون له أي تقدير، بنتاه ترعيان الغنم، ثم يحصل لهما منتهى الذل عند السقاية، فهل وصلت حالة النبي إلى هذه المذلة؟ كما أن مدة مكث موسى عنده لم يذكر له دعوة أو قيام بتبليغ، فهل كان في هذه الفترة متقاعدًا؟ والأنبياء تبقى مسؤوليتهم في الدعوة من يوم يبعثون إلى أن يموتوا، أما قوله لموسى: ﴿ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 25]، فهذا ليس فيه دلالة على نبوته، فأي إنسان مؤمن يقول مثل هذا حين يخبره شخص ما أن طاغيةً لاحقه ليقتله، فنجاه الله منه، يقول مثلًا: الحمد لله، كتب الله لك السلامة من بطش هذا الظالم، ثم إن شعيبًا قضى قبل ذلك بوقت طويل، فاختيار الرجل الصالح هو الأنسب.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 309.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 307.98 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.56%)]