
10-05-2022, 09:40 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,362
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(96)
الحلقة (111)
صــ 136إلى صــ 140
قال أبو جعفر : والذي نقول به في ذلك أنه لا دلالة في كتاب الله على الصواب من هذين التأويلين ، ولا خبر به عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقطع مجيئه العذر . وأهل التأويل متنازعون تأويله ، فأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن موسى سأل ربه أن يعطي قومه ما سألوه من نبات الأرض - على ما بينه الله جل وعز في كتابه - وهم في الأرض تائهون ، فاستجاب الله لموسى دعاءه ، وأمره أن يهبط بمن معه من قومه [ ص: 136 ] قرارا من الأرض التي تنبت لهم ما سأل لهم من ذلك ، إذ كان الذي سألوه لا تنبته إلا القرى والأمصار ، وأنه قد أعطاهم ذلك إذ صاروا إليه . وجائز أن يكون ذلك القرار " مصر " ، وجائز أن يكون " الشأم " .
فأما القراءة فإنها بالألف والتنوين : ( اهبطوا مصرا ) وهي القراءة التي لا يجوز عندي غيرها ، لاجتماع خطوط مصاحف المسلمين ، واتفاق قراءة القرأة على ذلك . ولم يقرأ بترك التنوين فيه وإسقاط الألف منه ، إلا من لا يجوز الاعتراض به على الحجة ، فيما جاءت به من القراءة مستفيضا بينهما .
القول في تأويل قوله تعالى ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وضربت ) أي فرضت . ووضعت عليهم الذلة وألزموها . من قول القائل : " ضرب الإمام الجزية على أهل الذمة " و" ضرب الرجل على عبده الخراج " يعني بذلك وضعه فألزمه إياه ، ومن قولهم : " ضرب الأمير على الجيش البعث " ، يراد به : ألزمهموه .
وأما " الذلة " فهي " الفعلة " من قول القائل : ذل فلان يذل ذلا وذلة " ، ك " الصغرة " من " صغر الأمر " ، و" القعدة " من " قعد " .
و" الذلة " هي الصغار الذي أمر الله جل ثناؤه عباده المؤمنين أن لا يعطوهم أمانا على القرار على ما هم عليه من كفرهم به وبرسوله - إلا أن يبذلوا الجزية عليه لهم ، فقال عز وجل : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) [ ص: 137 ] [ التوبة : 29 ] كما : -
1088 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن الحسن وقتادة في قوله : ( وضربت عليهم الذلة ) ، قالا يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون .
وأما " المسكنة " فإنها مصدر " المسكين " . يقال : " ما فيهم أسكن من فلان " و" ما كان مسكينا " و" لقد تمسكن مسكنة " . ومن العرب من يقول : " تمسكن تمسكنا " . و" المسكنة " في هذا الموضع مسكنة الفاقة والحاجة ، وهي خشوعها وذلها ، كما : -
1089 - حدثني به المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( والمسكنة ) قال : الفاقة .
1090 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) ، قال : الفقر .
1091 - وحدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) ، قال : هؤلاء يهود بني إسرائيل . قلت له : هم قبط مصر ؟ قال : وما لقبط مصر وهذا ، لا والله ما هم هم ، ولكنهم اليهود ، يهود بني إسرائيل .
فأخبرهم الله جل ثناؤه أنه يبدلهم بالعز ذلا وبالنعمة بؤسا ، وبالرضا عنهم غضبا ، جزاء منه لهم على كفرهم بآياته ، وقتلهم أنبياءه ورسله ، اعتداء وظلما منهم بغير حق ، وعصيانهم له ، وخلافا عليه .
[ ص: 138 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وباؤوا بغضب من الله )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وباؤوا بغضب من الله ) ، انصرفوا ورجعوا . ولا يقال " باؤوا " إلا موصولا إما بخير ، وإما بشر . يقال منه : " باء فلان بذنبه يبوء به بوءا وبواء " . ومنه قول الله عز وجل ( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ) [ المائدة : 29 ] يعني : تنصرف متحملهما وترجع بهما ، قد صارا عليك دوني .
فمعنى الكلام إذا : ورجعوا منصرفين متحملين غضب الله ، قد صار عليهم من الله غضب ، ووجب عليهم منه سخط . كما : -
1092 - حدثت عن عمار بن الحسن قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( وباؤوا بغضب من الله ) فحدث عليهم غضب من الله .
1093 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال ، أخبرنا يزيد قال ، أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : ( وباؤوا بغضب من الله ) قال : استحقوا الغضب من الله .
وقدمنا معنى غضب الله على عبده فيما مضى من كتابنا هذا ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .
[ ص: 139 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ذلك " ضرب الذلة والمسكنة عليهم ، وإحلاله غضبه بهم . فدل بقوله : " ذلك " - وهي يعني به ما وصفنا - على أن قول القائل : " ذلك يشمل المعاني الكثيرة إذا أشير به إليها .
ويعني بقوله : ( بأنهم كانوا يكفرون ) ، من أجل أنهم كانوا يكفرون . يقول : فعلنا بهم - من إحلال الذل والمسكنة والسخط بهم - من أجل أنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ، كما قال أعشى بني ثعلبة :
مليكية جاورت بالحجا ز قوما عداة وأرضا شطيرا بما قد تربع روض القطا
وروض التناضب حتى تصيرا يعني بذلك : جاورت بهذا المكان ، هذه المرأة ، قوما عداة وأرضا بعيدة من أهله - لمكان قربها كان منه ومن قومه وبلده - من تربعها روض القطا وروض التناضب . [ ص: 140 ] فكذلك قوله : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ) ، يقول : كان ذلك منا بكفرهم بآياتنا ، وجزاء لهم بقتلهم أنبياءنا .
وقد بينا فيما مضى من كتابنا أن معنى " الكفر " : تغطية الشيء وستره ، وأن " آيات الله " حججه وأعلامه وأدلته على توحيده وصدق رسله .
فمعنى الكلام إذا : فعلنا بهم ذلك ، من أجل أنهم كانوا يجحدون حجج الله على توحيده وتصديق رسله ، ويدفعون حقيتها ، ويكذبون بها .
ويعني بقوله : ( ويقتلون النبيين بغير الحق ) : ويقتلون رسل الله الذين ابتعثهم - لإنباء ما أرسلهم به عنه - لمن أرسلوا إليه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|