لكل طفل كتاب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5117 - عددالزوار : 2396731 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4705 - عددالزوار : 1702654 )           »          المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 469 - عددالزوار : 20799 )           »          جهاد الأم في ميادين الصبر والتربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          السجائر الإلكترونية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          أكثر ما نحرص عليه أكثر ما نتركه خلفنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          إذا ثَقُلَ صدرُك راجِع وِرْدَك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »          الثمرات اليانعات من روائع الفقرات .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 7991 )           »          فضل الصدقة سرًا وعلانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          تداول النكت والطرائف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 21-03-2022, 04:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,421
الدولة : Egypt
افتراضي لكل طفل كتاب

لكل طفل كتاب


شريف عبدالمجيد









"الطفل هو الشّمس التي تدور حولها المنظومة التربوية برمتها".

-جون ديوي-

الطفل العربي ذلك المجهول:
لعله من المستحسن - في مستهل هذه الورقة - التذكير بالكاتبة السويدية الشهيرة "آلن كي" وقد وقفت - في مستهل القرن العشرين - وقفة متفكرٍ متكهنٍ، واستعرضت من خلالها حاجات العصر ونزعاته، ثم خلصت إلى القول: (إنّ هذا العصر سيكون عصر الطفل)[1].

وإنّ السنين التي تلت هذه النبوءة لم تعمل إلا على تصديق مقولتها؛ فقد أخذت الحكومات الغربية تفكّر في حقوق الأطفال وتضع القوانين لصيانة هذه الحقوق.

وبينما كانت مدارسُ التربية والتعليم تتزايد وتتوسّع، أخذت طرق التربية تتنوّع وتتطوّر وتتكامل بصورة سريعة، حتى بلغت درجة من النضج على يد أساتذة ومربين وفلاسفة أكفاء، بحيث لم تعد هذه العملية مصطنعة قاسية، بل حرصت أن تكون مسايرة لعملية الحياة وأسلوبها، ومؤدية إلى حياة مرحة متناسقة طبيعية ومتناسبة مع عمر الطفل وموجهة لنشاطاته، بما يتّفق مع ميوله ورغباته حسب بيئته وعمره.

وانطلقت المعاهد وهيئات البحث والمربّون وعلماء النفس يخطّطون لهذه العملية الجوهرية - دراسة وتخطيطا وطرقا ومناهج - بحيث لم يكد ينتصف القرن الماضي حتى استحق ذلك العنوان الذي منحته إياه الكاتبة السويدية، فأصبح عصر الطفل بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى؛ ولا غرابة في ذلك لأنّ أطفال اليوم هم رجال الغد؛ فرعاية الأطفال وحمايتهم تعدّ صيانة للمستقبل، كما أن حقوق الأطفال تتضمن حقوق الجميع.

وفي الوقت الذي كان الغرب يقطع أشواطا في ميدان الاهتمام بالطفل، كنا نهدرُ أهمّ ثروة تزخر بها مجتمعاتنا العربية.

ففي الوقت الذي أصبح فيه من المقرر أنّ عملية تنمية الإبداع تبدأ في المنزل- في مرحلة ما قبل الدراسة- من خلال الرعاية الأوّلية للطفل تحت أنظار والديه، بإحاطته بمثيرات تعمل على تنمية إدراكه الحسّي والعقلي بتوظيف واستغلال ما في البيئة المحيطة به - طبيعيا واجتماعيا - وما تزخر به من وسائل وإمكانات خام وغير خام.

كما ويُدرَّبُ الطفلُ في الأسرة على تنظيم بعض الوظائف الحيوية في جو انفعاليّ حميميّ، فيه حبّ وتقبّل، مما يزرع الثقة في نفسه ويدفعه أكثر إلى الاكتشاف وإشباع فضوله ونهمه.

نلاحظ بالمقابل أنّ أغلب الأسر العربية لا تعرف عن كنه الطفولة شيئا، ناهيك عن جهلها لمختلف مراحلها وخصائصها، فضلا عن حاجات الطفل ونوعيتها في كلّ مرحلة، بما يجعل هذه الأغلبية تنتظر بفارغ الصبر موعدَ تمدْرُسِ أطفالها حتى تتخلّص من هرجهم ومرجهم وحركاتهم التي لا تنتهي.

وفي الوقت الذي تقرَّرَ فيه أنّ الطفل في حاجة إلى التواصل والحوار مع من هم أكبر منه سنّا، حتى ينمّي أسلوب التفكير الحرّ ويكتسب الثقة فيما يعرضه من أفكار، لاسيّما وقد أثبتت العديد من الأبحاث أنّ الأطفال الذين يتلقون الدّعم والتشجيع من آبائهم يكونون أكثر سعادة وأكثر تركيزا أثناء دراستهم وأثناء حياتهم الاجتماعية، نجد-عندنا- الحوار هو الغائب الأكبر بين الأبناء والآباء، الذين يعتبرون أطفالهم مخلوقات ناقصة العقل والتجربة والمعلومات.

وفي الوقت الذي أصبحت المدارس الحديثة تساير ميول واستعدادات الأطفال الفطرية، بما تبتكره من طرق تربوية: (كطريقة اللعب، وطريقة المشروع، وطريقة الجُمَل في تعليم القراءة، وطريقة البحث في العلوم والتاريخ والجغرافيا)، نجد نظم التعليم عندنا لا تزال تحتفظ بذات الطرائق التقليدية العتيقة، التي تقبر التلاميذ في الفصول وتخضعهم لجداول ثابتة، لا يملك الطفل إزاءها سوى السمع والطاعة، وبذل قصارى جهده لحفظ ما يمليه عليه مدرّسه، بحيث تجعله في النهاية عاجزا عن مواكبة عمليات التجديد وزاهدا عن الرغبة في الابتكار.

فكان من نتيجة كلّ ذلك أنّ الواقع العربي لم يضيّق الخناق على الطفل المبدع الذي يحمل بذرة العبقرية فحسب، بل لم يتح الفرصة - أصلاً - للأطفال العاديين بأن يأخذوا نصيبهم العادل من خبرات الطفولة، فالبيئة العربية الضاغطة تحرمهم من العديد من الحوافز التي تنمّي من درجة إدراكهم للوجود من حولهم، الأمر الذي عبر عنه الدكتور"سليمان إبراهيم العسكري"بكثير من المرارة: (يولد الطفل العربي بنفس الدرجة من الذكاء التي يولد بها الطفل في سائر العالم، ويمرّ مثله بمراحل النمو المختلفة، حتى تبدأ سنوات التفاعل بينه وبين البيئة التي تحيط به؛ عند هذا المنحنى يبدأ الافتراق الخطر، فيواصل الطفل الغربي -مثلا- مراحل نموه النفسي والبدني، وتتهيأ له كل ظروف الإبداع؛ بينما يتوقف منحنى الطفل العربي أو ينحو إلى الانحدار)[2].

الحديث شجون:
من المفارقات العجيبة والغريبة إجماع الأمة العربية المسلمة–من المحيط إلى الخليج - على وأد فعل القراءة، ولا أدلّ على ذلك من أنه في الوقت الذي احتفلت السويد بوفاة آخر أمّيٍّ فيها احتفل العرب بالأمّي رقم مائة مليون[3].

يحدث هذا وفي القرآن الكريم: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ؛ آية ٌ هي أوّلُ ما طرق العقول والأفئدة من كتاب الله الخاتم، وهي أوّلُ عهد النبي الأكرم بالوحي، وهي الواصلة التي وصلت أهل الأرض بخبر السّماء، وهي مِفتاح العلوم، وغذاء الفهوم، وباب الفقه في الدين، ووسيلة التدبر والتفكر.

وإنّ في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة، أمرًا لأمته بها؛ لأنه قدوتها وإمامها[4]، وعليه فلا طريق لأمته للقبس من نور الحكمة إلا بالقراءة في مظانِّها.


ومن رُزقَ شمول النظر إلى حقائق القرآن والسنّة أدرك يقينًا أنّ أسس الحضارة متوافرة فيهما، وأن معايير الثقافة والتحضر من الآداب والأخلاق مبثوثة فيهما، فهي لم تتنزّل لترقّق القلوب فحسب، ولكنها- إلى ذلك- تخاطب العقل والعاطفة، وتحضّ الفكر والنظر.

على أنّ الإسلام لم يمنعنا أن نتتبع وجوه الحكمة من مظانهّا المتباعدة، ولا أن نقصر أفهامنا على ما فيهما من الآيات والحكم؛ فالحكمة ضالة المؤمن، أنّى وجدها فهو أحقّ بها.


إنّ القراءة مسبارٌ يؤشّر إلى درجة كلّ أمّة من التحضر، فأمّةٌ لا تقرأ لا يجدر بها أن تكون أمّةَ حضارة، وعقولٌ لا تتغذّى بالقراءة المتجدّدة أولى بها أن تعيش غريبة الفكر، أجنبية الشعور، وحشيّة الثقافة.


وإذا أردت أنْ ترى مبلغ أمّة من الأمم من الحضارة، وتقيسَ حظّها من الثقافة، فانظر إلى منزلة القراءة فيها، وموضعِها من سلّم اهتماماتها.

أقول هذا؛ وأقلّبُ الطرف ذات الغرب وذات الشّرق، فأرى القوم قد اتّخذوا القراءةَ متعة وفنـًّا وحضارة، وأرى بني جلدتي قد اتخذوها هجرا مهجورا[5]، فاستذكر قول الزيّات - رحمه الله -: (لو كنا نقرأ؟!)

فلو كنا نقرأ لأخصبنا حقول المعرفة، فأزهرت في كل مكان وأثمرت في كل نفس، ولو كنا نقرأ، لما كان بيننا هذا التفاوت الغريب، الذي تتذبذب فيه الأفكار، بين عقلية بدائية وعقلية نهائية.

وما دمنا لا نرى الكتاب ضرورة للرّوح كما نرى الرغيف ضرورة للبدن، فنحن مع الخليقة الدنيا على هامش العيش، أو على سطح الوجود.

وأستذكر حسرات الشاعر القائل:
وكنت كبازِ السوء قُصَّ جناحُه
يرى حسراتٍ كلما طار طائرُ!

يرى طائرات الجوّ تخفقن حوله
فيذكرُ إذ ريشُ الجناحين وافرُ!


من هنا نبدأ:
لنتفق بأن مفتاح الحضارة يكمن في "القراءة"، ولنجعل هدفنا الأسمى تحقيق مجتمع المعرفة المنشود؛ والحقيقة أن المسؤولية تشمل الجميع، فالأسرة لها دورها الكبير، والتعليم له أثره العظيم، والمجتمع له تأثيره البالغ، والدولة ومؤسساتها عليها العبء الأكبر.

وإن حاولت جلّ الدول العربية وعموم المؤسسات الثقافية التأسيس لفعل القراءة من خلال عدة شعارات، على غرار: "مهرجان القراءة"، "القراءة للجميع"، " كتاب الجيب"، "المكتبات المتنقلة"، "معرض الكتاب"، فإنّ كلّ ذلك مما يُحمدُ لها، غير أنّ الأجدى أن تنصرف المشاريع وتتكاتف العزائم وتتجه الجهود إلى الطفل.فمن جملة التصورات الباطلة الملتبسة بالحقّ اعتقاد بعضهم بأنّ "الطفل هو رجل صغير"، بينما الأصوب هو أن "الرجل طفل كبير"، فإنّ الهيكل العام لملامح الشخصية ولسلّم القيم لدى الإنسان يتشكّلُ خلال السنوات الأولى من عمر الطفولة، فهذه السنوات تشكل الأساس أو الهيكل الذي تتراكم عليه المعارف والمفاهيم والعلوم المكتسبة بقية العمر.

وبناءً على هذا فإننا حين نتحدث عن التغيير والنهضة والإصلاح والرقيّ، فإنّ الخطوة الأولى لتحقيق ذلك هي التركيز على الطفل وثقافته، وعلى تلك القيم والمعارف التي يُلقَّنُها خلال سنوات عمره الأولى، إذ من الصعب-إن لم نقل من المستحيل- تغيير أي شيء في ذهن الطفل بعد انقضاء تلك السنوات التأسيسية.

و لا يقلّ ضررا عن التصوّر السابق تصوّر البعض بأن قصارى ما يُطلبُ من الطفل هو اجترار تجارب والديه على منوال ما ذكر الشّاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
على ما كان عوّده أبوهُ [6]



فطفل اليوم هو نصفُ الحاضر وكلُّ المستقبل، وليس من الحكمة في شيء أن يكون مستقبلنا نسخة من حاضرنا، والدول المتقدمة هي التي تؤسس لمجتمع الغد، والطفل هو حامل مشعل التنوير، وهذا ما أشار إليه "بياجيه" في إحدى توجيهاته الملفتة: (إنّ الهدف الأساسي من التربية هو خلق رجالٍ قادرين على صنع أشياء جديدة، ولا يقومون بتكرار ما صنعته الأجيال السابقة؛ رجالٍ مبدعين ومبتكرين ومكتشفين).

هذا وقد كشفت الدراسات المرتبطة بنمو الطفل وتطوره المعرفيّ؛ أن الطفل يولد ولديه الميل الفطري للاكتشاف والاستقصاء والتساؤل، غير أنه سرعان ما يكفّ عن كل هذا عندما تواجه جهوده بالرفض من طرف الكبار.

وبدلا من ذلك يصبحُ يوجّه الأسئلة مباشرة إلى الكبار، بعدما يقع في خَلَده أنّ الإجابات لا تعتمد على ما يفكر ويؤمن به الطفل، بل فيما يفكّر ويؤمن به الرّاشدون.

وابتداء من هنا يتصرّف الطفلُ بسلبية ويعتمد على سلطة الآخرين، بدلا من زيادة مهاراته في الاكتشاف والربط والمقارنة واستنباط المعلومات.

ومن هنا فإنّ التحدي الحقيقي لنا جميعا هو كيف نخلص أبنائنا من آفة التلقي السّلبيّ التي ترسّخت في نفوسهم وإبدالها بالتفكير الايجابي وتنمية دوافع المشاركة والمبادرة.

و لا ريب أنّ الكلمة السحرية في تنمية الإبداع لدى الصغير هي التوازن بين إطلاق حريته وإعطائه القدر المناسب من التوجيه، بين حثّه على فعل المزيد وفي ذات الوقت عدم التسرّع في إنضاجه خشية الاضطراب النفسي والعقلي، وهي أيضا التوازن بين الوقوف على أرض الواقع الصلبة والتحليق في عالم الرؤى الخيالية لعقل الطفل المبتكر الوثاب بحثا عن آفاق رحبة جديدة.

توفير البيئة المثالية:
مهما كانت قدرات الأطفال الإبداعية الكامنة، فإنها لن تؤتي أكلها ما لم تكن محاطة ببيئة حاضنة دافئة، تكشف عن هذه القدرات وتوجهها وتساعدها على النمو والتطور، ولن يتأتى ذلك إلا باتخاذ جملة من التدابير تجاه الطفل، منها:
تقبل الطفل كفرد ذي قيمة غير مشروطة.
الإيمان بالطفل بصرف النظر عن وضعه الحالي.
تجنب التقييم الخارجي، ودعم تقييم الذات.
التعاطف مع الطفل، ومحاولة رؤية العالم من وجهة نظره، وتفهمه وتقبله.

وبإمكان الشخص البالغ الذي يرشد الطفل، سواء أكان أحد الوالدين في البيت أو المربية في دار الحضانة أو المعلم في المدرسة، أن يقول للطفل "لا يعجبني تصرّفك"، بدل أن يقول له: "أنت سيئ، مخطئ، كسول".

ومع أن الفرق بين الأسلوبين دقيق، وقد لا يتنبّه له البعض، إلا أنه مركزيّ لبيئة الإبداع، فهناك فرق بين أن نقيّم أو ننتقد سلوك الطفل، وبين أن ننتقده أو نقيِّمه هو ذاته، فقد سبق أن ذكرنا أنه يجب علينا أن نتقبّل الطفل كما هو دون شروط؛ وقدرة الطفل الإبداعية تُغَذى بالاستحسان الإيجابي والدافئ من قبل البالغين المهمّين في حياته.

أما الحرية النفسية فإنها تقوّي الإبداع بإتاحة حرية التعبير لدى الأطفال، كما يجب أن يشعر الأطفال بدرجة كافية من الأمان تتيح لهم تجربة الأشياء الجديدة، وأن يعطوا الحرية للقيام بذلك ضمن حدود، بحيث لا تكون حريتهم عائقاً أمام حرية الآخرين.

وفي ظل مناخ مساند للإبداع يُقَدِّرُ الراشدون والأطفال عالياً الإبداع لا المسايرة لأفكار الآخرين، ويُثمّنون كذلك اختلاف الأفكار لا التشابه والتماثل.

ومن الممارسات التي تساند الإبداع تشجيع الذات الساعية إلى التجريب وليس الذات الساعية إلى حماية نفسها.

و للتعابير والألفاظ التي نقولها للأطفال أهمية في إضعاف ثقتهم بأنفسهم، أو دعم التفكير الإبداعي لديهم، وفيما يلي بعض الأمثلة على التعابير المحبطة: "من أين أتيت بهذه الفكرة السخيفة؟ - لا تسأل مثل هذا السؤال الغبي - ألا تستطيع أبداً أن تفكر بطريقة صحيحة- هل هذا كل ما تستطيع قوله/عمله/التفكير به؟"

ومن الأمثلة على التعابير التي تدعم التفكير الإبداعي: "هذه فكرة رائعة. - أخبرني المزيد عن ذلك.- كيف توصلت إلى هذه النتيجة؟- هلاّ فكرت ببدائل أخرى؟- جرب ذلك بنفسك، وإن احتجت إلى مساعدة أخبرني.- هذا سؤال جيد."

وعلينا أن نتقرب من الأطفال بتفهّم كبير، هادفين إلى تقليل أخطائهم، ومكافأة جهودهم؛ فتوقعات البالغين من الطفل، سواء الإيجابية أو السلبية تؤثر على استجابات الطفل إلى التفكير والتعليم.

ومن المهم أن نذكر أن البيئة المساندة للإبداع، هي بيئة تقدم الدعم والمساندة والتشجيع للإناث كما تقدمها للذكور، فكما يستطيع الابن أن يبدع، تستطيع البنت كذلك.

وبشيء من الترتيب والأولوية ننبّه إلى أنه على الرغم من كثرة الوسائط التربوية والتعليمية وتنوعها يبقى للأسرة دورها الأساس في تربية الأطفال وتعليمهم.

والعامل الأهمّ الذي يعطي البيت والأسرة دورهما الفعال، هو كون التربية الأسرية تسبق التربية المدرسية وترافقها وتستمرّ بعدها.

ولأنّ التربية الأسرية تسبق التربية المدرسية فإنها تتفوّق عليها، فهي تؤثّر في الطفل خلال مراحل نموّه الأولى، أي حين يكون الطفل ليّن العريكة قابلا للتطويع، ومعلومٌ أن تأثير الأسرة في الطفل يبدأ منذ تكوينه في رحم أمّه، والمثل القائل: "التعليم في الصغر كالنقش في الحجر" صحيح إلى حد بعيد.

فالمولود الجديد يكون أشبه بالصفحة البيضاء، وبواسطة التربية والتنشئة[7]والتثقيف يتبنى سلوكا وتصرّفا وفكرًا مُعيّنا.

ويتمثل دور الأسرة في تهيئة البيئة الصالحة لنمو شخصية أبنائها، بما تمنحهم من الدفء العاطفي والشعور بالأمن والطمأنينة.

وللأسرة دورها في تحفيز الأبناء وتشجيعهم بالكلمة الطيبة والتوجيه السّديد، ثم إنّ الأسرة الواعية تعمل على بناء الثقة في نفوس أبنائها، وإثارة التفكير الحرّ والعلمي لديهم عن طريق: الحوار والمحادثة والإقناع، فضلا عن تدريبهم على الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية ومواجهة الأمور الصعبة، وتعودّهم التعلّم الذاتي عن طريق البحث والاستكشاف والتجربة والملاحظة والتدريب، وتعلّمهم التخطيط لأهدافهم ومراجعة أعمالهم؛ كلّ ذلك بما يناسب الخصائص النّمائية لمراحلهم العمرية.

كما تقوم الأسرة بدور بناء الاتجاهات الإيجابية، والمشاعر النبيلة لدى أطفالها على غرار: احترام الكبير والعطف على الفقراء ومساعدة المحتاجين.

وللأسرة دورها في غرس القيم والمبادئ الإيمانية والأخلاقية في نفوس أطفالها، وفي تعليمهم أنماطاً من السّلوك الصّحيح في التغذية والنظافة والصّحة والمحافظة على البيئة والاتّصال الاجتماعي وممارسة الحرية في إطار المحافظة على حقوق الغير ونحو ذلك.

وعلى الأهل أن يحذروا ضرب الأطفال وتعنيفهم ولومهم وتأنيبهم، لما يُحدث ذلك عندهم من الشعور-المرَضيّ-بالذنب والخوف والعجز والإحباط، بما يؤدي إلى هدم شخصيتهم الاجتماعية، وضعف قدرتهم على تحمل المسؤولية واتخاذ القرار، مع ما ينجرّ عنها من الانسحاب من المجتمع والانطواء والخجل.

وكذلك فإنّ الحرمان الذي يعيشه بعض الأطفال يترك آثاراَ نفسية خطيرة على شخصيتهم يجب الحذر منه.

ويعكس مستوى الأسرة الديني والأخلاقي والنفسي والعلمي والاجتماعي والاقتصادي آثاره في نفوس الأبناء.


كما أن التوافق المزاجي بين الأبوين له تأثيره الطيّب، إذ يعتبر الوالدان القدوة الصالحة والمثل الأعلى لأبنائهم، يتأثرون بأفعالهم أكثر من أقوالهم، لأن القدوة تعمل ما لا تعمل الكلمة، وهي أبلغ وأصدق عند المتأسّي من الكلمة.

وتخلّي الوالدين أو أحدهما عن دوره التربوي بسبب انشغالهما أو إهمالهما يتسبب عنه آثار سلبية وتشوهات تربوية خطيرة ابتداءً من ضعف مكانة الوالدين واحترامهما في نفوس الأبناء، وانتهاءً بانحراف الأبناء وضياع مستقبلهم[8].

وتستطيع الأسرة نقل ما تريد تعليمه للأطفال- غالباً - عن طريق اللعب الموجَّه، فهو فضلاً عن كونه متعة لهم وترويحاً لنفوسهم، يساعد في توجيههم ونموّ مداركهم ورفع مستوى خبراتهم.

وكذلك بأن تضع بين أيديهم مكتبة وتعودهم القراءة المبكّرة، وأن تترك لهم هامشاً من الحرية، يفكرون ويعملون بأنفسهم، فالمزيد من الحرية لأبنائنا يعني المزيد من التفوق والإبداع عندهم.

اقرأ (ي) لطفلك:
هناك تصور شائع بأنّ الطفل لا يحتاج إلى الكتاب إلا بعد دخوله المدرسة وتعلّمه القراءة بمعناها المتعارف عليه بين الكبار، غير أن هذا التصور يجافي الصواب، لأن الطفل الذي يُترك بدون كتاب حتى يدخل المدرسة، لن تكون بينه وبين الكتاب- في الغالب- ألفة ولا مودة.

وفي الحقيقة فإنّ الدراسات والأبحاث تشير إلى أن القراءة للأطفال قد تكون مفيدة وفعالة إذا بدأت في سنّ مبكرة، ولعلنا أن نثير استغراب البعض، إذا ذكرنا بأن الدكتور"ميخائيل ميقارلادو" قد كتب في مجلة "فوكس أون هيلث" في أحد أعدادها تحت عنوان "كيف تربط أبناءك بالكتاب"، وأشار إلى أن تعليم الأطفال للقراءة يبدأ منذ بلوغ الطفل سنّ ستة أشهر.

ولعل من أجمل ما يؤكد هذا المعنى ما ذكره الدكتور محمد الوهابي - وهو أديب وطبيب للأطفال -: (بينما أنا عائد من هولندا إلى بلجيكا في القطار، كان بجانبي سيدة هولندية بمعيَّة ابنها الصغير، فجأة طفق الطفل في البكاء، فتحت الأم حقيبةً في يدها وسلَّمت له كتابًا، وراح يقرأ بحيويَّة وارتياح، وانقطع عن البكاء، واستغربتُ من هذه الحادثة؛ لأنني ظننتُها ستعطي ابنها الحلوى، فإذا بها تعطيه زادًا نفسيًّا لا ينضب معينُه، وهو الزاد الفكري الذي يحتاجه أطفالنا كثيرًا.)

وحول أهمية القراءة المبكرة للطفل وتأثير السرد القصصي على حبّ الأطفال للمطالعة تقول" تغريد النجّار": (إنّ تنمية حبّ القراءة تبدأ مع الطفل منذ ميلاده، حتى إنّ بعض الخبراء ينصحون بالقراءة للطفل وهو في رحم أمّه، وطبعا اختيار الكتاب المناسب للمرحلة العمرية ضروري جدا، فالكتاب للأطفال -أقل من سنتين- يركز على صور واضحة للأشياء من المحيط، ويجب أن يكون حجم الكتاب صغيرا حتى يستطيع الطفل أن يمسكه، ومن الضروري أن يكون الكتاب من كرتون مقوّى، حتى يتحمل استكشاف الأصابع الصغيرة، فالطفل-أقل من سنتين-يجب أن يلمس الكتاب ويتحسّسه، وأحيانا يتذوّقه، ومع الزمن ومع تزايد فترة تركيزه يقضي الطفل وقتا أطول بالتفاعل مع صور وأحداث الكتاب، ويتعلم احترام الكتاب وذلك بتقليد والديه).

ومع بداهة الاعتراف بأن القراءة ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما هي الوسيلة الأولى للتعلم والمعرفة والتفاعل الايجابي.

وكما أن الحبوَ يمهّد للمشي، فإنّ الحكي هو التمهيد الطبيعي للقراءة؛ وقد أكدت العديد من الدراسات أن القراءة للأطفال تعد بمثابة مثيرٍ جيدٍ نحو توجيه اهتمامهم إلى عالم الكتب الرائع.

ويكون ذلك بملازمة الطفل للكتاب كأنه لعبة من ألعابه: يقلب أوراقه ويتصفح حروفه ويتأمل صوره ويرتبط به ارتباطا عضويا وثيقا ويحبه؛ إلى أن تتوالى المراحل المختلفة من عمره وهو مرتبط بهذا الصديق الحبيب، حتى يبلغ سنّ التمدرس، فنجد لدى هذا الطفل ما يشبه الزاد المكتسب: من الكلمات والجمل والأفكار والتعابير التي تساعده على التحصيل والنجاح في مدرسته، والتي تجعله قادرا على الفهم والاستيعاب لما يعرض عليه من مادة مكتوبة في كتابه المدرسي.

ولما كانت المسؤولية مشتركة بين الوالدين[9]، فإنّه من واجب الأب أن يخصص جزءا معتبرا من وقته لأبنائه، بدلا من إنفاقه في مشاغله أو مع أصدقائه في المقاهي والنوادي كما هو الحال في عموم البلاد العربية، لدرجة أن هناك عددا كبيرا من الآباء لا يعرفون أطفالهم حقّ المعرفة لسبب بسيط هو أنهم لا يقضون مع أطفالهم أوقاتًا كافية، فإنّ الأب الكثير المشاغل يحاول دائما أن يبعد أطفاله عن طريقه بحجة أنه مشغول، وأن وقته لا يتّسع لاصطحابهم في نزهة، أو حتى الجلوس معهم ومحادثتهم وملاعبتهم، فما بالك بمساعدتهم على القراءة والتعلّم، وهؤلاء الآباء يرتكبون خطيئة فاحشة عندما ينصرفون إلى أعمالهم ومشاغلهم ويُؤْثرونها على أطفالهم[10].

وإنّ في قدرة الأمهات أن تفعلن أكثر من أن ترقّصن وتهدهدن أطفالهن ب"أغاني المهد" و"حكايا قبل النوم"، بل من واجبهنّ أن تحبّبن وتغرسن حبّ القراءة في قلوب أبنائهنّ، ولن يتأتى لهن ذلك إلا إذا كنّ متعلمات قارئات[11]، فإنّه مما تقرر في الأمثال والحكم أنّ "فاقد الشيء لا يعطيه"، وأنه ليس في المستطاع قيادة الغيرِ إلا بإعطاء القدوة الحسنة من أنفسنا، فعلى كل من يتصدى للتربية أن يوفر القدوة بأن يقرأ أوّلاً، حتى يراه ابنُه يقرأ أمامَه فيقلده، وليحرص على أن يَتمّ فعل القراءة بوعي وتأمل، وإرادة نابعة من الدَّاخل لا مِن ردود أفعال؛ فـ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾[12].

و يؤكد هذا الطرح ما ذهب إليه جدسون كلبرث[13]: (إنّه بالرغم من أن المدرسة تلعب دوراً هاماً في تنمية حب القراءة لدى الأطفال إلا أنّ الوالدين يجب أن يكونوا قدوة لأبنائهم، فإذا لم يكن البيت غنياً ومفعماً بالقراءة مملوءاً بالكتب، فإنّ ارتباط الأطفال بالقراءة سيكون احتمالاً ضعيفًا، وتعويد الأطفال القراءة يجب أن يبدأ مبكراً وقبل وقت طويل من التحاق الأطفال بالمدارس).

وقد خلصت كثير من الدراسات التربوية في العالم الغربي والتي أجريت لبيان أهمية البيت والوالدين في تعزيز مفهوم القراءة لدى الأبناء أن البيت هو المعلّم الأول للطفل في عالم اللغة المكتوبة وهما المصدر الثريّ لتعلّم الطفل؛ وتعريض الأطفال لخبرات منزلية وبيئية واجتماعية متجددة تبني لديهم حصيلة لغوية من الكلمات والجمل أكثر من أقرانهم ممن لا يتعرضون لمثل هذه الخبرات.

ومتى آمنّا بأنه ما من شك في أن عادة القراءة تُغرَس في البيت قبل المدرسة، وما من شك في أن القراءة أفضل العادات على الإطلاق؛ فلنضع ما يشبه المشروع لتوفير الأجواء المناسبة لتنشئة أبنائنا على حبِّ القراءة، باتخاذ جملة من الإجراءات المنزلية البسيطة والهادفة، كأنْ:
1- نكون القدوة لأطفالنا؛ فإنّ الطفل متى وجد في بيته مكتبة عامرة بالكتب والقصص، ورأى أباه وأمه يمسكون بالكتاب من حين إلى حين؛ فإن ذلك سيدفعه على الأغلب لحبِّ القراءة والسير على طريق أبويه.

2- نشجِّع أطفالنا على تكوين مكتبة خاصة بهم مهما كانت صغيرة؛ فيها القصص المصوّرة، والمجلات المشوّقة، ولنقم باصطحابهم إلى المكتبات ليشتروا الكتب أو المجلات تحت إشراف أحد الوالدين.

3- نقدم للطفل الكتب المناسبة لسنِّه وطبيعته؛ كأن نختار القصص ذات الصُّور الجذَّابة الكبيرة الحجم، الواضحة الألوان، المعبِّرة عن الأحداث.

4- نختار للطفل القصص التي تدور حول ما يعرفه من حيواناتٍ وطيور ونبات، وكذلك الشخصيَّات المألوفة لديْه؛ كالأب والأمِّ والإخوة والأصدقاء.

5- نختار للطفل القصص القليلة الأحداث والأشخاص حتَّى يُمكِنه أن يُتابعَها ويتأثَّر بها، دون ملل وتشتُّت ذهني.

6- ننتبه إلى رغبات الطفل؛ فقد يهوى في البداية قصص المغامرات والبطولات؛ فلا نجبره على قراءة الكتب التي لا يرغب بها.

7- نجتنبُ التركيز على نوعية واحدة من القصص للطفلِ؛ بل نهتمَّ بتنويع موضوعات القصص، فهناك القصص الدينيَّة والخياليَّة، والاجتماعية والتاريخية، والفنية والعلمية المُيَسَّرة.

8- نقرأ لطفلنا - والكلام موجه للأمهات بالدرجة الأولى-من المراحل المبكِّرة من عمره؛ حتى ولو كان رضيعاً؛ بحيث يتفاعل مع حركاتنا وتعابير وجهنا.

9- نحاول أن نقرأ للطفل قصّةً كل ليلة قبل أن ينام في سريره، ولعل مفعول هذه القصة أن يكون أجدى بمشاركة الأم التي تحاول إضفاء نوع من التمثيل والتفاعل مع القصة.

10- نقدّم لأطفالنا الكتب المناسبة في الأعياد وعند النجاح وفي كلّ مناسبة.

ومتى التزمنا بهذه الخطوط العريضة يغدو السمع المرتبط بالقراءة فاتحة الطريق لدروب العلم، ولاكتشاف الحياة وسبر أغوارها؛ ولا تنحصر القراءة للطفل -كما هو الحال- في الاستعداد للتعليم وحلّ الواجبات المدرسية فحسب؛ بل إنّ لها أصولا وقواعد لو اتّبعت لغيّرت اهتمام الأطفال ونظرتهم إلى الحياة، هذا بالإضافة إلى التقدم العلمي المنشود.




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 192.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 190.46 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.89%)]